الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٢

أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٤
الجزء ١ الجزء ٢

سورة الإسراء

[مكية وهي مائة وإحدى عشرة آية](١)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١) وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (٢)

____________________________________

الجزء الخامس عشر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) (سُبْحانَ الَّذِي) براءة له من السّوء (أَسْرى بِعَبْدِهِ) سيّر محمّدا عليه‌السلام (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) يعني : مكّة ، ومكّة كلّها مسجد (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) وهو بيت المقدس ، وقيل له الأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام (الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) بالثّمار والأنهار (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) وهو ما أري في تلك اللّيلة من الآيات التي تدلّ على قدرة الله سبحانه. ثمّ ذكر أنّه سبحانه أكرم موسى عليه‌السلام أيضا قبله بالكتاب ، فقال :

(٢) (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) التّوراة (وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) دللناهم به على الهدى (أَلَّا تَتَّخِذُوا) فقلنا : لا تتخذوا ، و «أن» زائدة ، والمعنى : لا تتوكّلوا على غيري ولا تتخذوا من دوني ربّا.

__________________

(١) زيادة من ظا.

١

ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (٣) وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (٤) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (٥) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (٦) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ

____________________________________

(٣) (ذُرِّيَّةَ) يا ذريّة (مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) يعني : بني إسرائيل ، وكانوا ذريّة من كان في سفينة نوح عليه‌السلام ، وفي هذا تذكير بالنّعمة إذ أنجى آباءهم من الغرق ، ثمّ أثنى على نوح ، فقال : (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) كان إذا أكل حمد الله ، وإذا لبس ثوبا حمد الله.

(٤) (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) أوحينا إليهم وأعلمناهم في كتابهم (لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) بالمعاصي وخلاف أحكام التّوراة (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) لتتعظمنّ ولتبغنّ.

(٥) (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) يعني : أوّل مرّة في الفساد (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ) أرسلنا عليكم وسلّطنا (عِباداً لَنا) يعني : جالوت وقومه (أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) ذوي قوّة شديدة (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) تردّدوا وطافوا وسط منازلهم ليطلبوا من يقتلونهم (وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً) قضاء قضاه الله تعالى عليهم.

(٦) (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) نصرناكم ، ورددنا الدّولة لكم عليهم بقتل جالوت (وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) حتى عاد أمركم كما كان (وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) أكثر عددا من عدوّكم.

(٧) (إِنْ أَحْسَنْتُمْ) أي : وقلنا : إن أحسنتم (أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) إن أطعتم الله فيما بقي عفا عنكم المساوئ (وَإِنْ أَسَأْتُمْ) بالفساد وعصيان الأنبياء وقتلهم (فَلَها) فعليها يقع الوبال. (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) المرّة الأخيرة من إفسادكم وجواب «إذا» محذوف على تقدير : بعثناهم (لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ) وهو أنّه بعث عليهم بختنصر ،

٢

وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (٧) عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (٨) إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٠) وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (١١) (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ

____________________________________

فسبى وقتل وخرب ، ومعنى ليسوءوا وجوهكم : ليخزوكم خزيا يظهر أثره في وجوهكم ، كسبي ذراريكم وإخراب مساجدكم (وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا) وليدمّروا ويخرّبوا ما غلبوا عليه.

(٨) (عَسى رَبُّكُمْ) وهذا أيضا ممّا أخبروا به في كتابهم ، والمعنى : لعلّ ربكم (أَنْ يَرْحَمَكُمْ) ويعفو عنكم بعد انتقامه منكم يا بني إسرائيل. (وَإِنْ عُدْتُمْ) بالمعصية (عُدْنا) بالعقوبة ، هذا في الدّنيا ، وأمّا في الآخرة فقد (جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) أي : سجنا ومحبسا.

(٩) (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) يرشد إلى الحالة التي هي أعدل وأصوب ، وهي توحيد الله تعالى والإيمان برسله (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ) بأنّ (لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) وأنّ أعداءهم معذّبون في الآخرة.

(١١) (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ ...) الآية. ربّما يدعو الإنسان على نفسه عند الغضب والضّجر ، وعلى ولده وأهله بما لا يحبّ أن يستجاب له ، كما يدعو لنفسه بالخير (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) يعجل في الدّعاء بالشّرّ كعجلته في الدّعاء بالخير.

(١٢) (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) علامتين تدلّان على قدرة خالقهما (فَمَحَوْنا) طمسنا (آيَةَ اللَّيْلِ) نورها بما جعلنا فيها من السّواد (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) مضيئة يبصر فيها (لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) لتبصروا كيف تتصرّفون في أعمالكم (وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) بمحو آية اللّيل ، ولو لا ذلك ما كان يعرف

٣

وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (١٢) وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (١٤) مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (١٥) وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (١٦) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (١٧) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ

____________________________________

اللّيل من النّهار ، وكان لا يتبيّن العدد. (وَكُلَّ شَيْءٍ) ممّا يحتاج إليه (فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) بيّناه تبيينا لا يلتبس معه بغيره.

(١٣) (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) كتبنا عليه ما يعمل من خير وشرّ (وَنُخْرِجُ لَهُ) ونظهر له (يَوْمَ الْقِيامَةِ) صحيفة عمله منشورة.

(١٤) (اقْرَأْ كِتابَكَ) أي : يقال له : اقرأ كتابك (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) محاسبا يقول : كفيت أنت في محاسبة نفسك.

(١٥) (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) ثواب اهتدائه لنفسه (وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) على نفسه عقوبة ضلاله. (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) وذلك أنّ الوليد بن المغيرة ، قال : اتّبعوني وأنا أحمل أوزاركم ، فقال الله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي : لا تحمل نفس ذنب غيرها (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ) أحدا (حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) يبيّن له ما يجب عليه إقامة للحجّة.

(١٦) (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها) أمرناهم على لسان رسول بالطّاعة ، وعنى بالمترفين : الجبّارين والمسلّطين والملوك ، وخصّهم بالأمر لأنّ غيرهم تبع لهم.

(فَفَسَقُوا فِيها) أي : تمرّدوا في كفرهم ، والفسق في الكفر : الخروج إلى أفحشه (فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ) وجب عليها العذاب (فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) أهلكناها إهلاك استئصال.

(١٨) (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ) بعمله وطاعته وإسلامه الدّنيا (عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ)

٤

لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (١٨) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (١٩) كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (٢٠) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (٢١) لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (٢٢) وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما

____________________________________

القدر الذي نشاء (لِمَنْ نُرِيدُ) أن نعجّل له شيئا ، ثمّ يدخل النّار في الآخرة (مَذْمُوماً) ملوما (مَدْحُوراً) مطرودا لأنّه لم يرد الله سبحانه بعمله.

(١٩) (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ) الجنّة (وَسَعى لَها سَعْيَها) عمل بفرائض الله (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) لأنّ الله سبحانه لا يقبل حسنة إلّا من مؤمن (فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) تضاعف لهم الحسنات.

(٢٠) (كُلًّا) من الفريقين (نُمِدُّ) نزيد ، ثمّ ذكرهما فقال : (هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ) يعني : الدّنيا ، وهي مقسومة بين البرّ والفاجر (وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) ممنوعا في الدّنيا من المؤمنين والكافرين ، ثمّ يختصّ المؤمنين في الآخرة.

(٢١) (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) في الرّزق ، فمن مقلّ ومكثر (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) من الدّنيا ؛ لأنّ درجات الجنّة يقتسمونها على قدر أعمالهم.

(٢٢) (لا تَجْعَلْ) أيّها الإنسان المخاطب (مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً) ملوما (مَخْذُولاً) لا ناصر لك.

(٢٣) (وَقَضى) وأمر (رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) وأمر إحسانا بالوالدين (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) يقول : إن عاش أحد

٥

فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (٢٤) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (٢٥) وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (٢٧)

____________________________________

والديك حتى يشيب ويكبر ، أو هما جميعا (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) [لا تقل لهما](١) رديئا من الكلام ، ولا تستثقلنّ شيئا من أمرهما (وَلا تَنْهَرْهُما) لا تواجههما بكلام تزجرهما به (وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) ليّنا لطيفا.

(٢٤) (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ) ألن لهما جانبك واخضع لهما (مِنَ الرَّحْمَةِ) أي : من رقّتك عليهما وشفقتك (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي) مثل رحمتهما إيّاي في صغري حتى ربّياني (صَغِيراً).

(٢٥) (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ) بما تضمرون من البرّ والعقوق (إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ) طائعين لله (فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ) الرّاجعين عن معاصي الله تعالى (غَفُوراً) يغفر لهم ما بدر منهم ، وهذا فيمن بدرت منه بادرة وهو لا يضمر عقوقا ، فإذا رجع عن ذلك غفر الله له ، ثمّ أنزل في برّ الأقارب وصلة أرحامهم بالإحسان إليهم قوله :

(٢٦) (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) ممّا جعل الله لهما من الحقّ في المال (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) يقول : لا تنفق في غير الحقّ.

(٢٧) (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ) المنفقين في غير طاعة الله (كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) لأنّهم يوافقونهم فيما يأمرونهم به ، ثمّ ذمّ الشّيطان بقوله : (وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) جاحدا لنعم الله ، وهذا يتضمّن أنّ المنفق في السّرف كفور.

__________________

(١) ما بين [] من عا وظا.

٦

وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (٢٨) وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (٢٩) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٣٠) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (٣١)

____________________________________

(٢٨) (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ...) الآية. كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا سأله فقراء الصّحابة ولم يكن عنده ما يعطيهم أعرض عنهم حياء منهم ، وسكت ، وهو قوله : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ) انتظار الرّزق من الله تعالى يأتيك (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) ليّنا سهلا ، وكان إذا سئل ولم يكن عنده ما يعطي قال : يرزقنا الله وإيّاكم من فضله (١).

(٢٩) (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) لا تمسكها عن البذل كلّ الإمساك حتى كأنّها مقبوضة إلى عنقك لا تنبسط بخير (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) في النّفقة والعطيّة (فَتَقْعُدَ مَلُوماً) تلوم نفسك وتلام (مَحْسُوراً) ليس عندك شيء ، من قولهم : حسرت الرّجل بالمسألة : إذا أفنيت جميع ما عنده. نزلت هذه الآية حين وهب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قميصه ، ولم يجد ما يلبسه للخروج ، فبقي في البيت (٢).

(٣٠) (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) يوسّع على من يشاء ، ويضيّق على من يشاء (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) حيث أجرى رزقهم على ما علم فيه صلاحهم.

(٣١) (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ) سبق تفسيره في سورة الأنعام (٣).

وقوله : «خطأ» أي : إثما.

__________________

(١) أخرجه ابن جرير ١٥ / ٧٥ عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.

(٢) أخرجه المؤلف في الأسباب ص ٣٣٢ عن عبد الله بن مسعود ، وفيه سليمان بن سفيان ، وهو ضعيف ، وقيس بن الربيع ، صدوق تغيّر لما كبر ، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدّث به. انظر : تقريب التهذيب ص ٢٥١ وص ٤٥٧.

(٣) انظر ص ٣٨١ ـ ٣٨٢.

٧

وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً (٣٢) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (٣٣) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (٣٤) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٣٥) وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (٣٦)

____________________________________

(٣٣) (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) بكفر بعد إسلام ، أو زنا بعد إحصان ، أو قتل نفس بتعمّد (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً) أي : بغير إحدى هذه الخصال (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ) وارثه (سُلْطاناً) حجّة في قتل القاتل إن شاء ، أو أخذ الدّية ، أو العفو (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) فلا يتجاوز ما حدّ له ، وهو أن يقتل بالواحد اثنين ، أو غير القاتل ممّن هو من قبيلة القاتل ، كفعل العرب في الجاهليّة. (إِنَّهُ) إنّ الوليّ (كانَ مَنْصُوراً) بقتل قاتل وليّه والاقتصاص منه. وقيل : (إِنَّهُ) إنّ المقتول ظلما (كانَ مَنْصُوراً) في الدّنيا بقتل قاتله ، وفي الآخرة بالثّواب.

(٣٤) (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) يعنى : الأكل بالمعروف ، وذكرنا هذا في سورة الأنعام (١). (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) وهو كلّ ما أمر به ونهى عنه (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) عنه.

(٣٥) (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ) أتمّوه (إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) بأقوم الموازين (ذلِكَ خَيْرٌ) أقرب إلى الله تعالى (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) عاقبة.

(٣٦) (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) لا تقولنّ في شيء بما لا تعلم (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) أي : يسأل الله العباد فيم استعملوا هذه الحواس.

__________________

(١) انظر ص ٣٨٢.

٨

وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (٣٧) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (٣٨) ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (٣٩) أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً (٤٠) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤١) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (٤٢) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (٤٣) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ

____________________________________

(٣٧) (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) أي : بالكبر والفخر (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ) لن تثقبها حتى تبلغ آخرها ، ولا تطاول الجبال ، والمعنى : إنّ قدرتك لا تبلغ هذا المبلغ ، فيكون ذلك وصلة إلى الاختيال. يريد : إنّه ليس ينبغي للعاجز أن يبذخ ويستكبر.

(٣٨) (كُلُّ ذلِكَ) إشارة إلى جميع ما تقدّم ذكره ممّا أمر به ونهى عنه (كانَ سَيِّئُهُ) وهو ما حرّم الله سبحانه ونهى عنه.

(٣٩) (ذلِكَ) يعني : ما تقدّم ذكره (مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ) من القرآن ومواعظه وباقي الآية مفسّر في هذه السّورة. ثمّ نزل فيمن قال من المشركين : الملائكة بنات الله :

(٤٠) (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ) أي : آثركم وأخلص لكم البنين دونه ، وجعل لنفسه البنات (إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً).

(٤١) (وَلَقَدْ صَرَّفْنا) بيّنّا (فِي هذَا الْقُرْآنِ) من كل مثل يوجب الاعتبار به ، والتّفكّر فيه (لِيَذَّكَّرُوا) ليتّعظوا ويتدبّروا (وَما يَزِيدُهُمْ) ذلك البيان والتّصريف (إِلَّا نُفُوراً) من الحقّ ، وذلك أنّهم اعتقدوا أنّها شبه وحيل ، فنفروا منها أشدّ النّفور.

(٤٢) (قُلْ) للمشركين : (لَوْ كانَ مَعَهُ) مع الله (آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) إذا لابتغت الآلهة أن تزيل ملك صاحب العرش.

(٤٤) (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ ...) الآية. المراد بالتّسبيح في هذه الآية الدّلالة على أنّ الله

٩

وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤٤) وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧)

____________________________________

سبحانه خالق حكيم مبرّأ من الأسواء ، والمخلوقون والمخلوقات كلّها تدلّ على هذا. وقوله : (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) مخاطبة للكفّار ؛ لأنّهم لا يستدلّون ولا يعتبرون.

(٤٥) (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ ...) الآية. نزلت في قوم كانوا يؤذون النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا قرأ القرآن ، فحجبه الله تعالى عن أعينهم عند قراءة القرآن ، حتى كانوا يمرّون به ولا يرونه (١). وقوله : (مَسْتُوراً) معناه : ساترا.

(٤٦) (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) سبق تفسيره في سورة الأنعام (٢). (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ) قلت : لا إله إلّا الله وأنت تتلو القرآن (وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) أعرضوا عنك نافرين.

(٤٧) (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ) نزلت حين دعا عليّ رضي الله عنه أشراف قريش إلى طعام اتّخذه لهم ، ودخل عليهم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقرأ عليهم القرآن ، ودعاهم إلى الله سبحانه ، وهم يقولون فيما بينهم متناجين : هو ساحر ، وهو مسحور ، فأنزل الله تعالى : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ) أي : يستمعونه. أخبر الله سبحانه أنّه عالم بتلك الحال ، وبذلك الذين كان يستمعونه (إِذْ يَسْتَمِعُونَ) إلى الرّسول (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) يتناجون بينهم بالتّكذيب والاستهزاء (إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ) المشركون : (إِنْ تَتَّبِعُونَ) ما تتبعون (إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) مخدوعا أن اتّبعتموه.

__________________

(١) وهذا قول ابن شهاب الزهري. أخرجه ابن إسحاق وابن المنذر. الدرّ المنثور ٥ / ٢٩٧.

(٢) انظر ص ٣٤٨ ـ ٣٤٩.

١٠

انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٤٨) وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (٥٢) وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

____________________________________

(٤٨) (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) بيّنوا لك الأشباه حين شبّهوك بالسّاحر والكاهن والشّاعر (فَضَلُّوا) بذلك عن طريق الحقّ (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) مخرجا.

(٤٩) (وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً) بعد الموت (وَرُفاتاً) وترابا ، أنبعث ونخلق خلقا جديدا؟

(٥٠) (قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً ...) الآية. معناها يقول : قدّروا أنّكم لو خلقتم من حجارة أو حديد ، أو كنتم الموت الذي هو أكبر الأشياء في صدوركم لأماتكم الله ، ثمّ أحياكم ؛ لأنّ القدرة التي بها أنشأكم بها يعيدكم ، وهذا معنى قوله : (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ) خلقكم (أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ) يحرّكونها تكذيبا لهذا القول (وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ)؟ أي : الإعادة والبعث (قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً) يعني : هو قريب.

(٥٢) (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ) بالنداء الذي يسمعكم ، وهو النّفخة الأخيرة (فَتَسْتَجِيبُونَ) تجيبون (بِحَمْدِهِ) وهو أنّهم يخرجون من القبور يقولون : سبحانك وبحمدك ، حمدوا حين لا ينفعهم الحمد (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) استقصروا مدّة لبثهم في الدّنيا ، أو في البرزخ مع ما يعلمون من طول لبثهم في الآخرة.

(٥٣) (وَقُلْ لِعِبادِي) المؤمنين : (يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) نزلت حين شكا أصحاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليه أذى المشركين ، واستأذنوه في قتالهم ، فقيل له : قل لهم : يقولوا

١١

إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (٥٦) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ

____________________________________

للكفّار الكلمة التي هي أحسن (١) ، وهو أن يقولوا : يهديكم الله. (إِنَّ الشَّيْطانَ) هو الذي يفسد بينهم.

(٥٤) (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) يوفّقكم فتؤمنوا (أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) بأن يميتكم على الكفر (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) ما وكل إليك إيمانهم ، فليس عليك إلّا التّبليغ.

(٥٥) (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لأنّه هو خالقهم (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) عن علم بشأنهم ، ومعنى تفضيل بعضهم على بعض : تخصيص كلّ واحد منهم بفضيلة دون الآخر (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) أي : فلا تنكروا تفضيل محمد عليه‌السلام ، وإعطاءه القرآن ، فقد جرت سنّتنا بهذا في النّبيين.

(٥٦) (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ ...) الآية. ابتلى الله سبحانه قريشا بالقحط سنين ، فشكوا ذلك إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله تعالى : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) ادّعيتم أنّهم آلهة (مِنْ دُونِهِ) ثمّ أخبر عن الآلهة فقال : (فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ) يعني : البؤس والشّدة (عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً) من السّقم والفقر إلى الصّحة والغنى. ثمّ ذكر أولياءه فقال :

(٥٧) (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ)(٢) يتضرّعون إلى الله تعالى في

__________________

(١) وهذا قول الكلبي ، في الأسباب ص ٣٣٣.

(٢) عن ابن مسعود في الآية قال : كان نفر من الإنس يعبدون نفرا من الجن ، فأسلم النفر من الجن ، فاستمسك الآخرون بعبادتهم ، فنزلت : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَة). أخرجه البخاري في التفسير. فتح الباري ٨ / ٣٩٨ ؛ ومسلم في التفسير برقم ٣٠٣٠.

١٢

أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (٥٧) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٥٨) وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (٥٩) وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي

____________________________________

طلب الجنّة (أَيُّهُمْ) هو (أَقْرَبُ) إلى رحمة الله سبحانه يبتغي الوسيلة إليه بصالح الأعمال.

(٥٨) (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ ...) الآية. أي : وما من أهل قرية إلّا ستهلك ؛ إمّا بموت ؛ وإمّا بعذاب يستأصلهم ، أمّا الصّالحة فبالموت ، وأمّا الطّالحة فبالعذاب. (كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) مكتوبا في اللّوح المحفوظ.

(٥٩) (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ) لمّا سأل المشركون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يوسّع لهم مكّة ، ويجعل الصّفا ذهبا أتاه جبريل عليه‌السلام فقال : إن شئت كان ما سألوا ، ولكنّهم إن لم يؤمنوا لم ينظروا ، وإن شئت استأنيت بهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (١) ، ومعناها : أنّا لم نرسل بالآيات لئلا يكذّب بها هؤلاء ، كما كذّب الذين من قبلهم فيستحقّوا المعاجلة بالعقوبة. (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) آية مضيئة بيّنة (فَظَلَمُوا بِها) جحدوا أنّها من الله سبحانه (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ) أي : العبر والدّلالات (إِلَّا تَخْوِيفاً) للعباد لعلّهم يخافون القادر على ما يشاء.

(٦٠) (وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) أي : فهم في قبضته وقدرته ، يمنعك منهم حتى تبلّغ الرّسالة ، ويحول بينك وبينهم أن يقتلوك. (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ) يعني : ما أري ليلة أسري به ، وكانت رؤيا يقظة. (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي

__________________

(١) وهذا قول ابن عباس ، أخرجه النسائي في تفسيره ١ / ٦٥٥ بسند صحيح ؛ وأحمد ١ / ٢٥٨ ؛ وابن جرير ١٥ / ١٠٨ ؛ والواحدي في الأسباب ص ٣٣٣ ؛ والحاكم ٢ / ٣٦٠.

١٣

الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً (٦٠) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (٦٢) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ

____________________________________

الْقُرْآنِ) وهي شجرة الزّقوم (إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) فكانت الفتنة في الرّؤيا أنّ بعضهم ارتدّ حين أعلمهم بقصّة الإسراء ، وازداد الكفّار تكذيبا ، وكانت الفتنة في الزّقوم أنّهم قالوا : إنّ محمدا يزعم أنّ في النار شجرا ، والنّار تأكل الشّجر ، وقالوا : لا نعلم الزّقوم إلّا التّمر والزّبد ، فأنزل الله تعالى في ذلك : (إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ)(١) الآيات (وَنُخَوِّفُهُمْ) بالزّقوم فما يزدادون إلّا كبرا وعتوّا.

(٦٢) (قالَ) يعني : إبليس (أَرَأَيْتَكَ) أي : أرأيت ، والكاف توكيد للمخاطبة (هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) فضّلته. يعني : آدم عليه‌السلام (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) لأستأصلنّهم بالإغواء ولأستولينّ عليهم (إِلَّا قَلِيلاً) يعني : ممّن عصمه الله تعالى.

(٦٣) (قالَ) الله : (اذْهَبْ) إنّي أنظرتك إلى يوم القيامة (فَمَنْ تَبِعَكَ) أطاعك (مِنْهُمْ) من ذرّيّته (فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) وافرا.

(٦٤) (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ) أي : أزعجه واستخفّه إلى إجابتك (بِصَوْتِكَ) وهو الغناء والمزامير (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ) وصح (بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) واحثثهم عليهم بالإغواء ، وخيله : كلّ راكب في معصية الله سبحانه وتعالى ، ورجله : كلّ ماش على رجليه في معصية الله تعالى (وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ) وهو كلّ ما أخذ بغير حقّ (وَالْأَوْلادِ) وهو كلّ ولد زنا (وَعِدْهُمْ) أن لا جنّة ولا نار ، ولا بعث ولا

__________________

(١) سورة الصافات : الآية ٦٣ ، وأخرج هذا ابن جرير ١٥ / ١١٤ عن قتادة.

١٤

وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (٦٤) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (٦٥) رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٦٦) وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (٦٧) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (٦٨) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (٦٩)

____________________________________

حساب ، وهذه الأنواع من الأمر كلّها أمر تهديد. قال الله تعالى : (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً).

(٦٥) (إِنَّ عِبادِي) يعني : المؤمنين (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) حجّة في الشّرك (وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) لأوليائه يعصمهم من القبول من إبليس.

(٦٦) (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي) يسيّر (لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) في طلب التّجارة (إِنَّهُ كانَ بِكُمْ) بالمؤمنين (رَحِيماً).

(٦٧) (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ) خوف الغرق (فِي الْبَحْرِ ضَلَ) زال وبطل (مَنْ تَدْعُونَ) من الآلهة (إِلَّا إِيَّاهُ) إلّا الله (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ) من الغرق وأخرجكم (إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ) عن الإيمان والتّوحيد (وَكانَ الْإِنْسانُ) الكافر لربّه (كَفُوراً) لنعمة ربّه جاحدا ، ثمّ بيّن أنّه قادر أن يهلكهم في البرّ ، فقال :

(٦٨) (أَفَأَمِنْتُمْ) يريد : حيث أعرضتم حين سلمتم من هول البحر (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ) يغيّبكم ويذهبكم في (جانِبَ الْبَرِّ) وهو الأرض (أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) عذابا يحصبهم ، أي : يرميهم بحجارة (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً) مانعا ولا ناصرا.

(٦٩) (أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ) في البحر (تارَةً) مرة (أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً) ريحا شديدة تقصف الفلك وتكسره (فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ) بكفركم حيث سلمتم المرة الأولى (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً) ثائرا ولا ناصرا ، والمعنى : لا تجدوا من يتّبعنا بإنكار ما نزل بكم.

١٥

وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (٧٠) يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧١) وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٧٢) وَإِنْ كادُوا

____________________________________

(٧٠) (وَلَقَدْ كَرَّمْنا) فضّلنا (بَنِي آدَمَ) بالعقل والنّطق والتّمييز (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ) على الإبل والخيل والبغال والحمير (وَ) في (الْبَحْرِ) على السّفن (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) الثّمار والحبوب والمواشي والسّمن والزّبد والحلاوى (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا) يعني : البهائم والدّوابّ والوحوش.

(٧١) (يَوْمَ نَدْعُوا) يعني : يوم القيامة (كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) بنبيّهم ، وهو أن يقال : هاتوا متّبعي إبراهيم عليه‌السلام ، هاتوا متّبعي موسى عليه‌السلام ، هاتوا متّبعي محمد عليه‌السلام ، فيقوم أهل الحقّ فيأخذون كتبهم بأيمانهم ، ثمّ يقال : هاتوا متّبعي الشّيطان ، هاتوا متّبعي رؤساء الضّلالة ، وهذا معنى قول ابن عباس : إمام هدى وإمام ضلالة (وَلا يُظْلَمُونَ) ولا ينقصون (فَتِيلاً) من الثّواب ، وهي القشرة التي في شقّ النّواة.

(٧٢) (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى) في الدّنيا أعمى القلب عمّا يرى من قدرتي في خلق السّماء والأرض والشّمس والقمر وغيرهما (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ) في أمر الآخرة ممّا يغيب عنه (أَعْمى) أشدّ عمّي (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) وأبعد حجّة.

(٧٣) (وَإِنْ كادُوا ...) الآية. نزلت في وفد ثقيف (١) أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقالوا : متّعنا باللّات سنة ، وحرّم وادينا كما حرّمت مكّة ؛ فإنّا نحبّ أن تعرف العرب فضلنا عليهم ، فإن خشيت أن تقول العرب : أعطيتهم ما لم تعطنا فقل : الله أمرني بذلك ،

__________________

(١) وهذا قول ابن عباس. أخرجه ابن الجارود في المنتقى ص ١٠١ ورجاله ثقات ؛ وابن جرير ١٥ / ١٣٠ ؛ والمؤلف في الأسباب ص ٣٣٥.

١٦

لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣) وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (٧٤) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (٧٥) وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (٧٦)

____________________________________

وأقبلوا يلحّون على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمسك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنهم وقد همّ أن يعطيهم ذلك ، فأنزل الله : (وَإِنْ كادُوا) همّوا وقاربوا (لَيَفْتِنُونَكَ) ليستزلّونك (عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) يعني : القرآن ، والمعنى : عن حكمه ، وذلك أنّ في إعطائهم ما سألوا مخالفة لحكم القرآن (لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ) أي : لتختلق علينا أشياء غير ما أوحينا إليك ، وهو قولهم : قل الله أمرني بذلك. (وَإِذاً) لو فعلت ما أرادوا (لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً).

(٧٤) (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ) على الحقّ بعصمتنا إيّاك (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ) تميل (إِلَيْهِمْ شَيْئاً) ركونا (قَلِيلاً) ، ثمّ توعّد على ذلك لو فعله فقال :

(٧٥) (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ) ضعف عذاب الدّنيا (وَضِعْفَ الْمَماتِ) وضعف عذاب الآخرة. يعني : ضعف ما يعذّب به غيره.

(٧٦) (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ) يعني : اليهود. قالوا للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) : إنّ الأنبياء بعثوا بالشّام ، فإن كنت نبيّا فالحق بها ، فإنّك إن خرجت إليها آمنّا بك ، فوقع ذلك في قلبه لحبّ إيمانهم ، فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية ، ومعنى ليستفزونك : ليزعجونك (مِنَ الْأَرْضِ) يعني : المدينة (وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً) أعلم الله سبحانه أنّهم لو فعلوا ذلك لم يلبثوا حتى يستأصلوا ، كسنّتنا فيمن قبلهم ، وهو قوله :

__________________

(١) أخرجه المؤلف في الأسباب ص ٣٣٦ عن ابن عباس ؛ وابن جرير في التفسير ١٥ / ١٣٢ عن حضرمي ؛ والبيهقي في دلائل النبوة ٥ / ٢٥٤ عن عبد الرحمن بن غنم.

١٧

سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً (٧٧) أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (٧٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (٧٩) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي

____________________________________

(٧٧) (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ ...) الآية. يقول : لم نرسل قبلك رسولا فأخرجه قومه إلّا أهلكوا. (وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) لا خلف لسنّتي ، ولا يقدر أحد أن يقلبها.

(٧٨) (أَقِمِ الصَّلاةَ) أي : أدمها (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) من وقت زوالها (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) إقباله بظلامه ، فيدخل في هذا صلاة الظّهر والعصر والعشاءين (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) يعني : صلاة الفجر ، سمّاها قرآنا لأنّ الصّلاة لا تصحّ إلّا بقراءة القرآن. (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) تشهده ملائكة اللّيل وملائكة النّهار.

(٧٩) (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ) فصلّ (بِهِ) بالقرآن (نافِلَةً لَكَ) زيادة لك في الدّرجات ؛ لأنه غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فما عمل من عمل سوى المكتوبة فهو نافلة له ، من أجل أنّه لا يعمل ذلك في كفّارة الذّنوب (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ) «عسى» من الله واجب ، ومعنى يبعثك ربّك : يقيمك ربّك في مقام محمود ، وهو مقام الشّفاعة (١) يحمده فيه الخلق.

(٨٠) (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي) لمّا أمر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالهجرة أنزلت عليه هذه الآية (٢) ،

__________________

(١) عن ابن عمر قال : إنّ الناس يصيرون يوم القيامة جثى ، كلّ أمة تتبع نبيّها ، يقولون : يا فلان اشفع ، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود. أخرجه البخاري في التفسير. فتح الباري ٨ / ٣٩٩.

(٢) عن ابن عباس قال : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكّة أمر بالهجرة ، فنزلت عليه : (وَقُلْ : رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ ، وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ ، وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً). أخرجه الترمذي في التفسير ، برقم ٣١٣٨ ، وقال : حسن صحيح ، وأحمد في المسند ١ / ٢٢٣ ، وفي سنده قابوس بن أبي ظبيان ، قال ابن حجر في التقريب ص ٤٤٩ : ليّن ، والبيهقي في الدلائل ٥ / ٢٥٥.

١٨

مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (٨٠) وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (٨١) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (٨٢) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (٨٣)

____________________________________

ومعناها : أدخلني المدينة إدخال صدق ، أي : إدخالا حسنا لا أرى فيه ما أكره (وَأَخْرِجْنِي) من مكة إخراج صدق لا ألتفت إليها بقلبي (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) قوّة القدرة والحجّة حتى أقيم بهما دينك.

(٨١) (وَقُلْ جاءَ الْحَقُ) الإسلام (وَزَهَقَ الْباطِلُ) واضمحلّ الشّرك (إِنَّ الْباطِلَ) الشّرك (كانَ زَهُوقاً) مضمحلا زائلا. أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقول هذا عند دخول مكّة يوم الفتح (١).

(٨٢) (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ) أي : من الجنس الذي هو قرآن (ما هُوَ شِفاءٌ) من كلّ داء ؛ لأنّ الله تعالى يدفع به كثيرا من المكاره (وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) ثواب لا انقطاع له في تلاوته (وَلا يَزِيدُ) القرآن (الظَّالِمِينَ) المشركين (إِلَّا خَساراً) لأنّهم يكفرون به ولا ينتفعون بمواعظه.

(٨٣) (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ) يريد : الوليد بن المغيرة (أَعْرَضَ) عن الدّعاء والابتهال ، فلا يبتهل كابتهاله في البلاء والمحنة (وَنَأى بِجانِبِهِ) بعد بنفسه عن القيام بحقوق نعم الله تعالى (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) أصابه المرض والفقر (كانَ يَؤُساً) يائسا عن الخير ومن رحمة الله سبحانه ؛ لأنّه لا يثق بفضل الله تعالى على عباده.

__________________

(١) عن عبد الله بن مسعود قال : دخل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكّة ، وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب ، فجعل يطعنها بعود في يده ، ويقول : «جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا». «جاء الحقّ وما يبدئ الباطل وما يعيد». أخرجه البخاري في التفسير. فتح الباري ٨ / ٤٠٠ ، ومسلم في الجهاد والسير برقم ١٧٨١ ، والنسائي في التفسير ١ / ٤٠١.

١٩

قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٥) وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (٨٦)

____________________________________

(٨٤) (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) على مذهبه وطريقته ، فالكافر يعمل ما يشبه طريقته من الإعراض عند الإنعام ، واليأس عند الشدّة ، والمؤمن يفعل ما يشبه طريقته من الشكر عند الرّخاء ، والصّبر والاحتساب عند البلاء ، ألا ترى أنّه قال : (فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) أي : بالمؤمن الذي لا يعرض عند النّعمة ولا ييئس عند المحنة.

(٨٥) (وَيَسْئَلُونَكَ) يعني : اليهود (١)(عَنِ الرُّوحِ) والرّوح : ما يحيا به البدن ، سألوه عن ذلك وحقيقته وكيفيّته ، وموضعه من البدن ، وذلك ما لم يخبر الله سبحانه به أحدا ، ولم يعط علمه أحدا من عباده ، فقال : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) أي : من علم ربّي ، أي : إنّكم لا تعلمونه. وقيل : من خلق ربّي ، أي : إنّه مخلوق له. (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) وكانت اليهود تدّعي علم كلّ شيء بما في كتابهم ، فقيل لهم : وما أوتيتم من العلم إلّا قليلا بالإضافة إلى علم الله تعالى.

(٨٦) (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) لنمحونّه من القلوب ومن الكتب حتى لا يوجد له أثر (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً) لا تجد من تتوكّل عليه في ردّ شيء منه.

__________________

(١) عن ابن مسعود قال : بينا أنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو يتوكأ على عسيب ـ مرّ بنفر من اليهود ، فقال بعضهم : سلوه عن الرّوح ، وقال بعضهم : لا تسألوه لا يسمعكم ما تكرهون ، فقاموا إليه فقالوا : يا أبا القاسم حدّثنا عن الروح ، فقام ساعة ينظر ، فعرفت أنّه يوحى إليه فتأخّرت حتى صعد الوحي ، ثم قال : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً). أخرجه البخاري في التفسير ٨ / ٤٠١ ، ومسلم في صفات المنافقين برقم ٢٧٩٤ ، والنسائي في التفسير ١ / ٦٧٠.

٢٠