أوثق الوسائل في شرح الرسائل

ميرزا موسى التبريزي

أوثق الوسائل في شرح الرسائل

المؤلف:

ميرزا موسى التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات كتبي نجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٦

مقتضية بالذّات لوجوب كلّ منهما عينا وفي غيره لا تقتضي إلاّ وجوبهما تخييرا ولذا لا ترتفع المصلحة هنا بالإتيان بأحدهما عن الآخر بخلافها في غيره وأمّا الثّالث فاعلم أنّ الشّارع إذا نصب طريقا ولم يلاحظ في نصبها سوى مصلحة غلبة إيصالها إلى الواقع فإذا قامت في مورد من دون علم بموافقتها للواقع ولا بمخالفتها له فلا إشكال في وجوب متابعتها حينئذ وإذا تعارضت مع مثلها في مورد مع استجماع كلّ من المتعارضين لشرائط الحجيّة فلا يجوز العمل بكلّ منهما عينا ولا تخييرا أمّا الأوّل فلفرض تمانعهما وأمّا الثّاني فلعدم وجود المقتضي للعمل لأنّ العلم إجمالا بمخالفة إحدى الطريقين للواقع يوجب خروج الأخرى أيضا من وصف الطريقية لما أشار إليه المصنف رحمه‌الله من كون مصلحة الطّريقيّة في كلّ منهما بخصوصها مقيّدة بعدم معارضتها بمثلها فمع المعارضة تخرج كلّ واحدة منهما من وصف الطريقيّة والسّرّ في ذلك أنا قد علمنا بعدم إرادة الشّارع سلوك طريق مخالفة للواقع لأنّ إرادته ذلك منافية لغرضه من نصب الطّريق لأنّ نصبها كما عرفت إنّما هو لمجرّد التوصّل بها إلى الواقع فمع العلم بمخالفتها له لا يعقل الأمر بسلوكها في التوصّل بها إلى الواقع فمع اشتباهها بما هو غير معلوم المخالفة للواقع مع فرض استجماع كلّ منهما لشرائط الحجيّة واندراجهما في عنوان دليل حجيّتهما مثل كون كلّ منهما خبر عدل ضابط مثلا لا يعلم اتصاف شيء منهما بصفة الطريقية ومجرّد اتصاف إحداهما بها في الواقع غير مجد في المقام إذ لا بد في تلبس الطريق بلباس الطّريقية أن يكون كذلك عند المكلّف لأنّه المأمور بسلوكها والمتوصل بها إلى الواقع فمع اشتباه الطّريق بغيرها فبأيّ منهما أخذ لا يعلم كونها طريقا فلا يحصل له العلم بمناط العمل وهذا هو الفارق بين الطريقين المتدافعين والواجبين المتزاحمين لأنّ المقتضي للعمل في كل من الواجبين على ما عرفت تحقيقه موجود بخلاف ما نحن فيه ومن هنا لا يصحّ إجراء الدّليل المتقدّم في الواجبين المتزاحمين هنا لأنا بعد تقييد دليل اعتبار الطّريقين بإمكان العمل بكلّ منهما لا يبقى مقتض للعمل بهما ولو تخييرا في صورة التّعارض على ما عرفت بخلاف الواجبين المتزاحمين على ما تقدّم نعم منع وجود المقتضي فيما نحن فيه إنّما هو بالنسبة إلى جواز العمل بخصوص مدلول كلّ منهما ولو تخييرا وهو لا ينافي دعوى بقاء المقتضي لنفي احتمال ثالث فإذا دلّت إحداهما على الوجوب والأخرى على الحرمة فتساقطهما في إثبات أحدهما لا ينافي نفيهما احتمال غيرهما أعني احتمال الاستحباب أو الكراهة أو الإباحة لأنّ مقتضى نصب الطريق هو كونها مثبتة لمدلولها فإذا دلّت على وجوب فعل في الواقع فهي تدلّ بالالتزام على انتفاء غيره من الأحكام الأربعة فإذا عارضته طريق أخرى دالّة على حرمته فهما إنّما تتعارضان في إثبات الوجوب والحرمة لا في نفي غيرهما أيضا ولذا اختار المصنف رحمه‌الله أنّ مقتضى القاعدة على القول باعتبار الأخبار من باب الطّريقية هو التّساقط والرّجوع إلى الأصل الموافق لأحدهما دون المخالف لهما بل يحكم بالتخيير حينئذ من باب العقل فإن قلت إن الدّلالة الالتزاميّة تابعة للدّلالة المطابقة فمع انتفاء المتبوع ينتفي تابعه أيضا لا محالة فأين الدّلالة الالتزاميّة قلت نعم ولكن مجموع الطّريقين المتعارضين بمنزلة طريق واحد في إثبات مدلول إحداهما إجمالا وثبوت ذلك مستلزم لنفي غيره ونظير ما نحن فيه ما لو اشتبه الخبر المعتبر بغيره كاشتباه الصّحيح بالضّعيف وإن كان بينهما فرق من جهة أنّ النافي للثّالث هنا هو الخبر المعلوم العنوان وهو الخبر الصحيح وإن اشتبه عينا في الظّاهر وفيما نحن فيه هو المردّد بين المشتبهين من دون أن يكون معلوما لنا ولو إجمالا بعنوان اعتباره لفرض اجتماع شرائط الاعتبار في كلّ منهما ويمكن الفرق بينهما بوجه آخر يستفاد من كلام المصنف رحمه‌الله وهو أنّ الطّريقين فيما نحن فيه لأجل تعارضهما تتساقطان فلا ينهض شيء منها لإثبات مؤدّاه على نحو ما تقدّم بخلاف الصّحيح المشتبه بالضعيف لأنّ الصّحيح معتبر في إثبات مؤدّاه في الواقع وإن اشتبه في نظرنا فإن قلت إنك قد اعترفت بأنّ الخبر المعتبر من باب الطريقيّة لا بدّ أن يكون طريقا في نظر المكلّف دون الواقع قلت إنّ اشتباه الصّحيح بغيره لا يوجب خروجه من وصف الطريقيّة وكونه معتبرا في إثبات مؤدّاه غاية الأمر أنّ اشتباه شخصه وعدم معرفته بعينه يمنع ترتيب مقتضاه عليه بالخصوص وتظهر ثمرة اعتباره في نفي الاحتمال الثّالث على ما عرفت بخلاف ما نحن فيه لأنّ الطريقين من حيث اجتماعهما لجميع شرائط الحجيّة وعدم تميّز ما هو طريق منهما ولو بعنوان إجمالي مع تمانعهما في المؤدّى لا يتّصف شيء منهما بوصف الطّريقية بالنّسبة إلى إثبات خصوص مؤدّاه والإنصاف أنّ المقام بعد لم يصف عن ثوب الإشكال إذ يمكن أن يقال بكون ما نحن فيه من قبيل اشتباه الصّحيح بغيره إذ الطريقان المتعارضتان وإن احتملت مخالفة كلّ منهما للواقع إذ الفرض عدم العلم بانحصار الواقع فيهما إلاّ أن ما علم إجمالا هي مخالفة إحداهما لأجل تمانعهما للواقع وأمّا الأخرى فلا ولا ريب أنه كما يعتبر في اعتبار الخبر عدالة الرّاوي وضبطه مثلا كذا يشترط فيه عدم العلم بمخالفة مؤدّاه للواقع وإلاّ خرج من كونه طريقا إلى الواقع فحينئذ يكون أحد المتعارضين فاقدا لبعض شرائط اعتباره وغاية الأمر اشتباه الواجد للشرط بالفاقد له في نظرنا نظير اشتباه الصّحيح بغيره فإن كان ذلك موجبا لخروج كلّ منهما من وصف الطّريقيّة فليكن كذلك في المقامين فتأمل (قوله) من حيث وجوب العمل يعني بكلّ منهما عينا لا بواحد غير معيّن (قوله) أو العمل بما طابق منهما الاحتياط إلخ مراده العمل بأحدهما المطابق للاحتياط إن كان أحدهما مطابقا له وإلاّ فلا يتخير وكذا المراد بالقول الثالث هو العمل بالاحتياط مع إمكانه وإلاّ فالتخيير كما إذا دلّ أحد الخبرين على الوجوب والآخر على الحرمة نعم ربّما يورد عليه أنّ هذه الوجوه أو الأقوال إنّما هي مفروضة بعد فرض عدم تساقط الخبرين بمعنى اعتبارهما في نفي الاحتمال الثّالث ومع ذلك كيف يحكم بوجوب العمل بالاحتياط المخالف لهما معا وفيه أنّ المراد بمخالفته لهما مخالفته لخصوص كلّ منهما بمعنى عدم تأتي تمام الاحتياط بالعمل بخصوص كلّ منهما وإن كان خصوص كلّ منهما موافقا للاحتياط في الجملة كما يظهر من تمثيله بالظّهر والجمعة والقصر والإتمام (قوله) للأخبار المستفيضة إلخ منها صحيحة علي بن مهزيار قال قرأت في كتاب لعبد الله بن محمّد إلى أبي الحسن عليه‌السلام اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في ركعتي الفجر في السفر فيروي بعضهم أن صلّهما في المحمل وروى بعضهم أن لا تصلّها

٦٠١

إلا على الأرض فأعلمني كيف تصنع أنت لأقتدي بك في ذلك فوقع عليه‌السلام موسع عليك بأيّة عملت ومنها ما رواه في الوسائل فإنّه قال أحمد بن علي الطبرسي في الإحتجاج في جواب مكاتبة محمّد بن عبد الله بن الحميري إلى صاحب الزّمان عليه‌السلام يسأله عن المصلّي إذا قام من التّشهّد الأوّل إلى الرّكعة الثّالثة فهل يجب عليه أن يكبر إلى أن قال في الجواب إن في ذلك حديثين أمّا أحدهما فإنّه إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه التكبير وأمّا الآخر فإنّه روي أنّه إذا رفع رأسه من السّجدة الثّانية فكبّر ثم جلس فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير وكذلك التشهّد الأوّل يجري هذا المجرى وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صوابا إلى غير ذلك من الأخبار الصّريحة في المقام وسنشير إلى الجواب عن معارضتها بأخبار التوقّف والاحتياط(قوله) وقد طعن في ذلك التأليف إلخ قاله في المقدمة السّادسة من مقدمات كتابه في مقام ترجيح المقبولة على المرفوعة قال مع ما هي يعني المرفوعة عليه من الرّفع والإرسال وما عليه الكتاب المذكور من نسبة صاحبه إلى التساهل في نقل الأخبار والإهمال وخلط غثّها بسمينها وصحيحها بسقيمها كما لا يخفى على من وقف على الكتاب المذكور انتهى (قوله) وأمّا أخبار التّوقف إلخ هذا إشارة إلى دليل الوجه الثالث وتقريب الاستدلال به وإلى الجواب عنه أمّا التقريب فيه فبأنّ الأمر بالتوقف وإن كان ظاهرا في التوقف عن الفتوى إلاّ أنّه يستلزم الاحتياط في العمل ووجه الاستلزام ما أشار إليه المصنف رحمه‌الله في الشبهة البدويّة التحريمية من أنّ ظاهر التوقف المطلق السكون وعدم المضيّ فيكون كناية عن عدم الحركة بارتكاب الفعل وهو محصّل قوله عليه‌السلام في بعض تلك الأخبار الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات فلا يرد على الاستدلال أنّ التوقّف في الحكم الواقعي مسلّم عند كلا الفريقين والإفتاء بالحكم الظّاهري منعا أو ترخيصا مشترك كذلك والتوقّف في العمل لا معنى له انتهى وهذه الأخبار لأجل كثرتها قد أغنتنا عن ملاحظة سندها وصارت بذلك راجحة على أخبار التّخيير وأمّا الجواب فبأن أخبار التوقف والاحتياط منها ما هو وارد في الشبهات البدويّة وقد تقدّمت مع جوابها في مسألة البراءة ومنها ما هو وارد في تعارض الأخبار والجواب عنها بعد حمل مطلقها على مقيدها بظهور اختصاصها بزمان التمكّن من الرّجوع إلى الإمام عليه‌السلام مثل قوله عليه‌السلام في المقبولة فأرجه حتّى تلقى إمامك ونحن لا نتحاشى عنه لأنّا إنّما نقول بالتخيير في أمثال زماننا الّذي لا يمكن الرّجوع فيه إلى خدمته ومع تسليم المعارضة وعدم إمكان الجمع بين الأخبار نقول إنّ الترجيح لأخبار التخيير لاعتضادها بعمل المشهور بل في محكي المعالم لا نعرف في ذلك مخالفا من الأصحاب وعليه أكثر أهل الخلاف انتهى ومثله عن نقد الرّجال ونسبه بعض الأفاضل إلى المجتهدين وفي بعض شروح التهذيب هو مذهب الجمهور وفي إستبصار الشّيخ إذا ورد الخبران المتعارضان وليس بين الطّائفة إجماع على صحّة أحد الخبرين ولا على إبطال الآخر فكأنّه إجماع على صحّة الخبرين وإذا كان إجماعا على صحّتهما كان العمل بهما جائزا سائغا انتهى ومثله عن العدّة وأنت خبير بأنّ هذه الكلمات الظاهرة في دعوى الإجماع مع تسليم عدم كونها حجّة مستقلّة في المقام كما يظهر من بعضهم فلا أقل من كونها مرجحة لأخبار التخيير(قوله) حكما ظاهريّا عمليّا إلخ ثابتا على خلاف الأصل لما تقدّم من أنّ مقتضى القاعدة في تعارض الخبرين المعتبرين من باب الطريقية هو التّوقّف بمعنى الحكم بتساقطهما والرّجوع إلى الأصل الموافق لأحدهما(قوله) بل الأخبار المشتملة إلخ مضافا إلى أدلّة اعتبار الأخبار(قوله) تحير المقلّد كالمجتهد إلخ لا يخفى أنّ أخبار التخيير إنّما يدلّ على التخيير في العمل بالخبرين المتعارضين والالتزام بمؤدّى أحدهما في الجملة ساكتا عن كون هذا ابتدائيا أو استمراريّا وهذا التخيير لا دخل له بالتخيير في مقام العمل لعدم الملازمة إذ قد يثبت التخيير في مقام الالتزام دون العمل كما لو كان التخيير ابتدائيا إذ بعد الالتزام بأحدهما يتعين عليه حينئذ ما التزمه فإن أراد بتحير المقلّد تحيره بهذا المعنى فلا ريب أنه لاحظ للمقلّد في الالتزام بمؤدّيات الطرق لا تعيينا ولا تخييرا لأنّه وظيفة المجتهد ووظيفة المقلّد هو الالتزام بما يفتي له مجتهده بعد الالتزام بمؤدّيات الطّرق وإن أراد به تحيره في مقام العمل يرد عليه أنّه يحتمل أن يتعين عليه ما يختار المجتهد لنفسه فلا رافع لهذا الاحتمال إلاّ عدم الدّليل على هذا التعيّن فيكون إيجابه عليه تشريعا بل أصالة البراءة تقتضي خلافه بناء على كون المقام من مواردها دون أصالة الاشتغال وممّا ذكرناه يظهر أنّ الأولى في المقام هو التمسّك بالوجه الثّاني (قوله) فيفتي بما اختار إلخ يلزمه أن لا يجوز له الإفتاء قبل اختيار أحد الحكمين لعمل نفسه فيرد عليه أنّه قد لا يكون لعمل المجتهد حظ في الحكمين كما في الأحكام المختصّة بالنساء إذا تعارض خبران في بعض أحكامهنّ اللهمّ إلاّ أن يريد باختيار المجتهد اختياره لأحد الحكمين له أو لمقلّديه ويرد حينئذ أيضا أنّ إلزام المجتهد بعدم الإفتاء قبل اختياره بهذا المعنى تكليف زائد عليه ولا دليل عليه بل الأصل ينفيه فتأمل (قوله) وهو المجتهد إلخ ربما يمنع ذلك لأنّ المقلد أيضا بعد عرض الخبرين المتعادلين له وإفهامه لمؤدّاهما وتعارضهما وتعادلهما يتحير في العمل بهما غاية الأمر أنّه عاجز عن القيام بجميع جهات العمل بهما والمجتهد متحيّر من حيث تعارضهما وتعادلهما اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ المتبادر من أخبار التخيير أنّ المأخوذ في موضوعه هو تحيّر من يتمكن من العمل بهما لو لا معارضتهما لا مطلقا المتحير والجاهل بالحكم (قوله) فلا عبرة بنظر المقلّد إلخ لا يخفى أنّ جواز تقليد المجتهد الذي انكشف خطاؤه عند مقلده في بعض مقدّمات اجتهاده على سبيل القطع في غاية الإشكال بل الظّاهر تعيّن تقليد غيره من المجتهدين الذين لم يكونوا كذلك (قوله) وإن كان وجه المشهور أقوى إلخ يظهر وجهه ممّا قدّمناه (قوله) كما روي أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلخ يحتمل أن يريد به النّهي عن القضاء في القضيّة الشخصيّة بحكمين مختلفين فلا يكون لهذه الرّواية مدخل فيما نحن فيه (قوله) أقول يشكل الجواز لعدم الدّليل عليه إلخ ممّا ذكره يظهر الكلام في غير مقام الحكومة والقضاء أيضا إذ الخلاف في كون التخيير استمراريّا أو ابتدائيّا آت في مقام الإفتاء أيضا وتوضيحه أنّه قد يستدل على الأوّل بوجوه أحدها إطلاق الأخبار الدّالّة على ثبوت التخيير لأنّها بإطلاقها

٦٠٢

تشمل صورة الأخذ بأحدهما أيضا وثانيها حكم العقل به إذ مناط حكمه بالتخيير ابتداء وقبل الأخذ بأحد المتعارضين إنما هو تحيره في مقام العمل لأجل تكافؤ الدّليلين المتعارضين وهذا المناط موجود بعد الأخذ بأحدهما أيضا إذ مجرّد الأخذ بأحدهما لا يصيّره حقّا وراجحا على الآخر فالعقل كما يحكم بالتخيير قبل الأخذ بأحدهما كذلك بعده لبقاء مناط حكمه بعده أيضا بالفرض وثالثها استصحاب حكم التخيير وقد أشار المصنف رحمه‌الله إلى ضعف جميع هذه الوجوه أمّا الأوّل فبمنع الإطلاق لأنّها مسوقة لبيان وظيفة المتحيّر في ابتداء الأمر فلا إطلاق فيها بالنسبة إلى حال المتحيّر بعد الالتزام بأحدهما وبعبارة أخرى أنّها واردة لبيان أصل شرعيّة التخيير للمتحيّر فلا دلالة فيها على كونه ابتدائيّا أو استمراريّا نعم الأوّل هو المتيقن منها وأمّا الثّاني فبسكوت العقل عن حكم التخيير بعد الأخذ بأحد الدّليلين لأنّ حكمه بذلك قبل الأخذ بأحدهما لأجل تحيره وعدم الدّليل على الترجيح لأحدهما وبعد الأخذ بأحدهما في واقعة لا يحكم بالتخيير في واقعة أخرى لاحتمال تعيّن ما أخذه في الواقعة الأولى في هذه الواقعة كما يدّعيه القائل بكون التخيير بدويّا فمع تأتّي هذه الاحتمال يسقط عن الحكومة الّتي كان عليها قبل الأخذ بأحدهما لانتفاء هذا الاحتمال في أوّل الأمر والسّر فيه أن الجاهل بطريق إلى مقصده إنّما يكون متحيّرا إذا كان قاصدا للتوصّل به إلى مقصوده ولا ريب أنّ مقصود المكلّف في موارد إجمال التكاليف هو التّخلّص عن تبعة استحقاق العقاب عليها وهذا كما يحصل بتحصيل نفس الواقع كذلك مع تحصيل ما رضي الشّارع به عن الواقع والعقل عند تعارض دليلين متعادلين بعد ثبوت عدم جواز طرحهما معا يكشف بعدم إمكان الجمع بينهما وعدم جواز طرحهما عن رضا المعصوم عليه‌السلام بسلوك إحدى الطّريقين وأمّا بعد الأخذ بإحداهما في واقعة فلمّا كان إبراء الأمارة المأخوذة بالنسبة إلى سائر الوقائع يقينا وغيرها مشكوكا فيه فالعقل لا يعدل عن القطعي إلى المشكوك فيه وهذا إن قلنا باعتبار الأخبار من باب الطّريقية وإن قلنا باعتبارها من باب السّببيّة وتزاحم الواجبين كان الأقوى استمرار التخيير لأنّ الوجه في حكم العقل بالتخيير في أوّل الأمر إنّما هو وجود مصلحة المأمور به في العمل بكلّ منهما وعدم رجحان إحدى المصلحتين على الأخرى وهذا المناط لا يختلف بالأخذ بأحدهما وعدمه هذا ويمكن منع الفرق بين القول بالطريقيّة والسببيّة بدعوى كون مقتضى القاعدة على الأوّل أيضا استمرار التخيير وذلك لأنّ الحكم بالتخيير العقلي ابتداء وقيل الأخذ بأحد الدّليلين بناء على القول بالطريقية مبني على عدم الإغماض عمّا حقّقه المصنف رحمه‌الله سابقا من كون مقتضى القاعدة حينئذ هو التساقط والرّجوع إلى الأصل الموافق لأحدهما وأمّا مع الإغماض عنه بدعوى صحّة تزاحم الطّريقين وعدم خروجهما بذلك من وصف الطريقية وتسليم حكم العقل بالتخيير حينئذ مع عدم رجحان أحد الدّليلين على الآخر فلا ريب أنّ مناط هذا الحكم العقلي وهو تزاحم الطّريقين وعدم رجحان إحداهما على الأخرى باق بعد الأخذ بإحداهما أيضا إذ مجرّد الأخذ بإحداهما لا يوجب قوة في طريقية المأخوذ منهما عند العقل حتّى ترجّح بذلك على صاحبها ويسقط العقل عن الحكم بالتخيير في الوقائع المتأخرة ولعلّه إلى هذا أشار المصنف رحمه‌الله بالتأمّل وأمّا الثّالث فبمنع جريان الاستصحاب في الأحكام العقلية لأنّ التحيّر الّذي هو موضوع حكم العقل بالتخيير إن كان باقيا بعد الأخذ بأحد المتعارضين فالعقل يستقل بحكمه على نحو ما كان مستقلا به قبله وإن لم يكن باقيا فلا معنى لاستصحاب الحكم بالتخيير لارتفاع موضوعه مضافا إلى أن التخيير إنّما كان ثابتا للمتحيّر الّذي كان عالما بعدم تعين أحد الدّليلين عليه ولم يعلم بقاء هذا الموضوع إلى زمان الأخذ بأحدهما لاحتمال تعيّن المأخوذ عليه بعد الأخذ به وإلى هذا أشار المصنف رحمه‌الله بقوله لأنّ الثابت سابقا إلى آخره وإذا عرفت بطلان أدلّة القول باستمرار التخيير ثبت القول بكون التخيير بدويا لأنّه المتيقن مضافا إلى قاعدة الاشتغال فيما دار الأمر فيه بين التعيين والتخيير لما عرفت من احتمال تعين المأخوذ بعد الأخذ به فإن قلت إنا نمنع كون المقام من موارد قاعدة الاشتغال لأنّ أصالة البراءة عن التكليف الزّائد تنفي احتمال تعيّن المأخوذ لكونه تكليفا زائدا قلت مع التّسليم أنّ هذا إنّما يتم فيما دار الأمر بين التعيين والتخيير في نفس المكلّف به دون طريقه والتردّد هنا في طريقه لأنّ مرجع الشبهة إلى الشّكّ في كيفيّة امتثال المتعارضين بعد الأخذ بأحدهما وأنها على وجه التعيين أو التخيير وقد قرّر في محلّه أنّ مرجع الشبهة إذا كان إلى الشكّ في بعض شرائط كيفية الامتثال فالمتعيّن في مثله الاشتغال دون البراءة كما صرّح به المصنف رحمه‌الله في أواخر مسألة البراءة ولكن ربّما يدفعه ما قدمناه فيما أوردناه على الدّليل الثّاني للقول الأوّل من كون مقتضى القاعدة بعد ثبوت التخيير في الجملة هو الحكم باستمراره سواء قلنا باعتبار الأخبار من باب الطريقية أم السّببيّة وقد يستدلّ على المقام أيضا باستصحاب الحكم المختار لأنّه بعد الالتزام بمقتضى أحد الدّليلين والعمل به يتعلق به ما تضمّنه من التّكليف والأصل بقاؤه في الوقائع الأخر أيضا وفيه ما عرفت من عدم الإجمال في حكم العقل أصلا مضافا إلى حكومة استصحاب التخيير عليه لأنّ الشكّ في بقاء الحكم المختار مسبّب عن الشكّ في بقاء التخيير وبلزوم الهرج والمرج المنافي لنظم العالم إذ على القول باستمرار التخيير يكون الحكم تابعا لاختيار المكلّف لأنّه إنّما يختار في كلّ واقعة ما يوافق غرضه في تلك الواقعة وفيه منع لزوم الهرج لندرة مورد تعارض فيه دليلان متكافئان بحيث لا يترجح أحدهما على الآخر من وجه أصلا وما يوجد من ذلك فاللاّزم منه ليس بأكثر ممّا يلزم من إيكال الشّارع أمر الزّوجة إلى زوجها فيتزوّج بها مرّة ويفارقها أخرى أو نحو ذلك ممّا يشابهه وتحقيق المقام بعد ما عرفت من ضعف أدلّة القولين أنا إن قلنا باعتبار الأخبار من باب السّببيّة فلا مناص من القول باستمرار التخيير على ما عرفت وإن قلنا باعتبارها من باب الطريقية فمقتضى القاعدة وإن كان هو التّساقط والرّجوع إلى الأصل الموافق لأحدهما إلاّ أنّ الأخبار قد دلّت على ثبوت التخيير في مرحلة الظاهر وقد عرفت قصور هذه الأخبار من إفادة استمرار التخيير فالمتجه على هذا القول هو كون التخيير بدويّا لا استمراريا (تنبيه) أنّه على المختار من كون التخيير بدويا وأنّه بعد الأخذ بأحدهما يتعيّن عليه المأخوذ فهل الملزم هو مجرّد الأخذ والالتزام بمؤدّى أحد المتعارضين ولو قبل وقت العمل به بأن يأخذ به ليعمل به في وقته أو الالتزام

٦٠٣

به في زمان الابتلاء به أو هو مع العمل به وجوه ثالثها أوجهها نظير اختلافهم في الملزم في مسألة التقليد ويرشد إلى الأوّل الجمود على ظاهر الأخبار مثل قوله عليه‌السلام بأيهما أخذت وسعك وإلى الثّاني أنّ الأمر بالأخذ والالتزام إنّما هو من باب المقدّمة للعمل والتوصّل به إليه ولا يتعلق الأمر بالمقدّمة قبل وجوب ذيها لكونه عبثا وسفها فالأمر بالأخذ لا بد أن يكون في زمان وجوب العمل لا قبله وإلى الثالث أنّ الأخذ بمؤدّى الدّليل ولو في وقت وجوب العمل إنّما هو من باب المقدّمة للعمل ولا مطلوبيّة له في ذاته فالمطلوب بالأمر بالأخذ في الحقيقة هو العمل فلا بد أن يكون المراد بقوله عليه‌السلام بأيّهما أخذت وسعك هو التوسعة في العمل بأيّهما أراد لا في مجرّد الالتزام ولعلّ هذا هو الأقوى في المقام (قوله) ثمّ إنّ حكم التعادل إلخ توضيح المقام أنّه كما قد تتعارض الأمارات الشّرعيّة بعضها مع بعض فربّما يوجد هنا مرجّح لأحدهما فيرجح الرّاجح منهما على الآخر وقد يتعادلان فيثبت التخيير كذلك مع تعارض أقوال أهل اللّغة قد يوجد مرجح لأحدها وقد لا يوجد ولكنّهم قد ذكروا هنا أنّه إن كان بين المتعارضين منها من النسب تباين كلي كما إذا قال أحدهما إنّ العين بمعنى الذّهب وقال الآخر بمعنى الفضّة أو عموم من وجه كما إذا قال أحدهما الغناء هو الصّوت المطرب والآخر أنّه الصّوت مع التّرجيع يحكم بالاشتراك اللّفظي حينئذ وإن كان بينهما عموم وخصوص مطلقا يؤخذ بقول من ادّعى العموم والوجه في المقامين كون المثبت مقدّما على النّافي إذا المثبت ربّما يطلع على ما لم يطلع عليه النّافي إذ مرجع تعارضهما إلى دعوى المثبت اطلاعه على كون اللّفظ موضوعا لهذا المعنى ودعوى النّافي عدم اطلاعه عليه فلا تعارض بينهما حقيقة فحيث ادعى كلّ منهما ما يباين الآخر أو يعمه من وجه فيؤخذ بكلّ منهما لتصادقهما على الثّاني في مادة الاجتماع وأمّا في مادة الافتراق فهما فيها كمدعي المباين للآخر وأمّا إذا كان بينهما عموم مطلقا فإنّ مرجع دعوى مدعي العموم أيضا إلى دعوى اطلاعه على بعض الموارد الّتي لم يطلع عليها الآخر فلا يتحقق التّنافي أيضا وهذا هو الأصل في تعارض اللغات على ما ذكروه وأوّل من تصدّى لذلك هو العلاّمة الطّباطبائي في شرحه على الوافية وأمّا لو قام بعض القرائن الموهنة للاشتراك اللّفظي أو حمله على العموم في الصّورة الثّالثة كما لو ادعى أحدهما وضع اللّفظ في لغة طائفة من العرب وادعى الآخر وضعه لما يباينه في هذه اللّغة مع كونهما من أهل الخبرة والتتبع بحيث يبعد عدم اطلاع أحدهما على ما لم يطلع عليه الآخر فيتوقف ويرجع إلى مقتضى الأصول كما ذكره المصنف رحمه‌الله ومن هنا يظهر أنّ تعارض أقوال أهل اللّغة يفارق في الحكم تعارض الأمارات المنصوصة في الأمرين أحدهما عدم حمل العام على الخاص إذا كانا مطلقين والآخر الحكم بالتّوقف عند التعارض لأنّ كلا منهما مخالف لحكم متعارضات الأخبار على ما هو التحقيق من حمل العام على الخاص منها والحكم بالتخيير في المتعارضين المتكافئين منها والوجه في ذلك واضح ممّا قرّرناه لأنّ الحكم بالاشتراك اللّفظي في الصورتين الأوليين من تعارض أقوال أهل اللّغة إنّما هو لعدم التعارض في الحقيقة على ما عرفت والتعارض فيها إنّما يأتي بسبب القرائن الخارجة على ما أشرنا إليه وكذلك الأخذ بالعموم في الثالثة لأجل ما عرفت من رجوع قول مدعي العموم إلى دعوى الاطلاع على ما لم يطلع عليه الآخر بخلاف متعارضات الأخبار لأنّ الخبرين المتعارضين بالتباين أو العموم والخصوص من وجه أو مطلقا صادران عن متكلم واحد أو متكلّمين في حكم متكلم واحد مع اتحاد التكليف ولا ريب في تحقّق التعارض حينئذ على الأولين وصيرورة الخاص قرينة عرفية على إرادة الخاص من العام في الثّالث بخلاف ما نحن فيه لأنّ الفرض فيه صدور كلّ من العام والخاص عن متكلم من دون التفات منه حين استعماله إلى متكلم آخر فإن قلت إنّ المستعملين من أهل اللسان كلّهم بمنزلة متكلم ومستعمل واحد لأنّ مرجع الاستعمالات جميعهم إلى استعمال مستعمل واحد وهو واضع الألفاظ أعني يعرب بن قحطان على ما قيل لأنّ الجميع تابع له في الاستعمال قلت هذا إنّما يتم لو كان استناد علماء اللغة في ضبط معاني الألفاظ وتدوينها إلى مجرّد النقل والرّواية عن الواضع وليس كذلك لأنّ استنادهم واعتمادهم في ضبط معاني الألفاظ إلى التّتبع والاجتهاد في موارد استعمالات أهل اللّسان وهم ليسوا بمأمومين عن الخطإ في اجتهادهم من جهة استعمال علائم الحقيقة والمجاز فمن ادعى كون اللّفظ موضوعا لمعنى خاص من جهة ملاحظة استعماله فيه أو تبادره منه عند أهل اللّسان أو نحو ذلك فربما يكون ذلك منه ناشئا عن غفلته عن استعمالهم له في فرد آخر أيضا اطلع عليه صاحبه دونه أو كون التّبادر ناشئا من قرينة خارجة مختفية عليه أو نحو ذلك وبالجملة أنّه مع كون استنادهم في ضبط معاني الألفاظ إلى اجتهادهم وتتبعهم للموارد الجزئيّة من استعمالات أهل اللّسان لا يبقى مقتض لحمل العموم في كلام بعض على الخاص في كلام بعض آخر وأمّا الحكم بالتوقف في مورد تحقّق التعارض فلأنّ اعتبار قول أهل اللّغة من باب الطّريقيّة بمعنى أنّ اعتباره إمّا من باب الظنّ الشّخصي أو النّوعي المقيّد بعدم قيام ظنّ آخر بخلافه فإذا تعارض قولا أهل اللّغة فعلى الأوّل إمّا أن يبقى مع أحدهما ظنّ فعلي بمقتضاه أو لا فعلى الأوّل يجب الأخذ بما حصل الظنّ منه وطرح الآخر لانتفاء مناط اعتباره وعلى الثّاني يجب التوقّف والرّجوع إلى مقتضى الأصول لانتفاء مناط اعتبار كلّ منهما وكذلك على الوجه الثّاني لفرض تقيّد اعتبار كلّ منهما بعدم الآخر بل وكذلك إن قلنا باعتباره من باب الظنّ النّوعي المطلق لخروج كلّ من القولين لأجل التعارض من وصف إفادته للظنّ نظير تعارض الأخبار على هذا القول كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله سابقا وأمّا على القول بالتخيير في تعارض الأخبار فإن قلنا باعتبارها من باب السّببيّة فلا دخل له فيما نحن فيه وإن قلنا باعتبارها من باب الطّريقية فهو من جهة التعبّد بأخبار التخيير لا من باب القاعدة والأصل (قوله) خاتمة للتخيير ومقدّمة للترجيح إلخ أما كونه خاتمة له فواضح لتضمّنه بيان كون مورد ثبوت التخيير هو صورة الفحص عن المرجّح وعدم وجدانه ولكن كان عليه أن يبيّن مقدار الفحص أيضا ولعلّه قد اكتفي عنه بما ذكره في مسألة البراءة وأمّا كونه مقدّمة للترجيح فغير ظاهر الوجه لأنّ وجوب الفحص مبنيّ على وجوب التّرجيح فالبحث عن وجوب الفحص عنه متأخر عن البحث عن وجوب التّرجيح لا مقدّم عليه

٦٠٤

ولعلّه قد نظر إلى تقدّم نفس الفحص على التّرجيح وإن تأخّر وجوبه عن وجوبه (قوله) مع أن أصالة العدم لا تجري إلخ لأنها أصل قد ثبت التعبّد بمقتضاه شرعا في مورد الشّكّ والعقل إنّما يستقل بحكم في مورد بعد إحراز جميع ما له دخل في حكمه وجودا وعدما على سبيل القطع أو الظنّ المعتبر وأصالة العدم لا ترفع الشكّ فلا يستقل معه العقل بالحكم بالتخيير وفيه نظر إذ لم يظهر فرق في ذلك بين الأصول التعبّدية والطرق غير العلمية وإن أفادت الظنّ لأنّ حكم العقل بالتخيير في مورد الظنّ بعدم المزية لأحد المتعارضين إن كان لأجل إدراكه لعدم المزية في الواقع فلا ريب أنّ الظنّ لا يثبت ذلك لبقاء احتمال الخلاف معه نعم لو اعتبر حكم العقل ظنّا لأجل كون بعض مقدماته ظنيّا صحّ ذلك إلاّ أنّه لا دليل على اعتباره حينئذ وإن كان لأجل تعبّد الشّارع بعدم احتمال الخلاف في مورد الظنّ حتّى يكون حكمه بالتخيير ظاهريّا فلا شكّ أنّ أصالة العدم أيضا كذلك لأنّ مقتضى اعتبارها شرعا عدم الاعتناء باحتمال خلاف مقتضاها وبالجملة أنّ الظنّ والشكّ متحدان في الحكم فإن لم يقم على اعتبار الظنّ دليل شرعا فهو بمنزلة الشّكّ في عدم جواز ترتيب أثر عليه وإلاّ فهو والشّكّ الّذي رتب الشّارع عليه آثار المشكوك فيه بمنزلة العلم في الظّاهر وإن فارقا العلم من بعض الجهات فتدبّر (قوله) وفيه مقامات إلخ لا يذهب عليك أنّ هنا مقاما خامسا كان للمصنف رحمه‌الله أن يشير إليه أيضا وإن كان أكثر ما سنذكره مستفادا من تضاعيف كلماته إلاّ أن ذكره في عنوان أدخل في معرفة وجوه التّراجيح ومجاريها فنقول إنّ الترجيح لا بدّ أن يكون لأسباب ولا بدّ في معرفة مجاريها من معرفة أقسام الأدلّة فليعلم أنّ الدّليلين المتعارضين إمّا لبّيان كالإجماعين المنقولين والشّهرتين كذلك ونحوهما أو لفظيان كتعارض الخبرين أو مختلفان كالملفق من اللبّي واللفظي وجميع أسباب الترجيح أيضا لا يخلو من أقسام أربعة لأنها إمّا أن ترجع إلى جهة الصّدور وهي الأمور الّتي لها دخل في قوّة السّند ككون أحدهما عالي السّند أو كثير الرّواة أو كون الرّواية مسندة لا مرسلة ومتّصلة لا مقطوعة وكذا الأمور الّتي ترجع إلى صفات الراوي ككونه أوثق أو أورع أو أفقه أو فطنا أو نحو ذلك وإمّا أن ترجع إلى وجه الصّدور كورود الرّواية في مقام التقيّة وأمّا ورودها لمصالح أخر كما حكي عن صاحب الحدائق وربّما يومي إليه بعض عبارات المصنف رحمه‌الله أيضا فليس في أخبارنا ما يطمئنّ بكونه من هذا الباب إن لم يحصل الإجماع على خلافه ثم التقية تارة تكون في العمل كصلاة الإمام عليه‌السلام خلف المخالف وتوضيه على طريقتهم عند الخوف منهم وهذه ليست من أسباب الترجيح بمعنى كون الخبر المتضمّن لذلك مرجوحا بالنسبة إلى ما لم يكن كذلك إذ التكليف الّذي تضمّنه الفعل الواقع في مقام التقيّة تكليف واقعي أوّلي بمعنى كون التكليف الواقعي للمكلّف عند الخوف من الكلاب الممطورة هو وجوب التّوضي مثلا على طريقتهم وليس حكما ظاهريّا كما توهمه المحقّق القمي رحمه‌الله وقد بسطنا بعض الكلام في ذلك في تعليقنا على القوانين فراجع إليها فإذا أورد خبر متضمّن لتوضي الإمام عليه‌السلام على طريقتهم عند الخوف منهم وآخر متضمّن للتوضيح على مذهب الطّائفة الناجية المحقة لا يتحقق التعارض بينهما أصلا وأخرى في القول وهي على وجوه أحدها أن لا يقصد الإمام عليه‌السلام بكلامه الصّادر عنه في مقام التقيّة شيئا لا معناه الظّاهري ولا غيره بل كان مقصوده مجرّد دفع الخوف عن نفسه بهذا الكلام وثانيها أن يقصد بكلامه خلاف ظاهره من دون نصب قرينة عليه بأن كان لكلامه ظاهر وأراد خلافه دفعا للتقيّة ولذا قد يحمل على خلافه نظرا إلى اندفاع التقية بذلك فيكون خلافه مقصودا وببالي أنّه يظهر ذلك من بعض كلمات المصنف ره وفي إطلاقه نظر إذ على تقدير إرادة خلاف الظّاهر فالتقية قرينة صارفة لا معينة فإذا كان خلاف ظاهره محتملا لوجهين لا يتعين المراد بذلك اللهمّ إلاّ أن يكون أحدهما أقرب المجازين فتدبّر وثالثها أن يورد الكلام على وجه الإجمال حيثما تندفع التّقيّة بذلك بأن كان الكلام ذا وجهين فصاعدا من دون ظهور له في أحدهما فأراد أحدهما من دون نصب قرينة عليه مثل ما سئل بعض العلماء عن علي عليه‌السلام وأبي بكر أيّهما خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال من بنته في بيته ومنه قول عقيل أمرني معاوية أن ألعن عليّا ألا فالعنوه وإمّا أن ترجع إلى جهة الدّلالة ككون دلالة أحدهما بالعموم والآخر بالخصوص أو بالإطلاق والتقييد أو أحدهما بالمنطوق والآخر بالمفهوم وإمّا أن ترجع إلى جهة المضمون بأن كان مضمون أحدهما أقرب إلى الواقع من مضمون الآخر لأجل الموافقة للشّهرة ونحوها وجميع المرجحات المذكورة في الباب لا يخرج من أحد الأقسام الأربعة المذكورة وربّما يزاد عليها قسم خامس وهي مرجحات المتن وقد أدرجناه في الأقسام المذكورة تقليلا للأقسام ثم إنّك قد عرفت أنّ الدّليلين لا يخلوان إمّا أن يكونا لفظيين أو لبّيين أو مختلفين وأمّا معرفة تأتّي وجوه التراجيح كلا أو بعضا في أقسام الأدلّة المتعارضة فتتوقف على توضيح للمقام فنقول إنّ الدليل اللّفظي إمّا هو الكتاب أو السنة النّبويّة أو الإماميّة أعني الأخبار المأثورة عن الأئمة الأطهار عليهم‌السلام وأمّا الكتاب فلا تتأتى فيه مرجحات السند لقطعية سنده اللهمّ إلاّ أن يفرض بالنسبة إلى اختلاف القراءات كقراءة يطهرن بالتخفيف والتّضعيف وكذا مرجحات وجه الصّدور لعدم تأتي احتمال التقيّة في كلامه سبحانه وأمّا مرجحات الدّلالة أو المضمون فهي جارية فيه كتعارض منطوق آية مع مفهوم أخرى أو ظاهري آيتين مع موافقة أحدهما للشّهرة وأمّا السنّة النبويّة فيجري فيها جميع المرجّحات ما عدا مرجّحات وجه الصّدور لعدم تقيّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيان الأحكام لعدم خوفه من أحد في عصره في إبلاغها وأمّا السّنة الإماميّة فيجري فيها المرجّحات بأقسامها وهو واضح وأمّا الدّليل اللبّي وهو فعل الإمام عليه‌السلام وتقريره والإجماع محصّلا ومنقولا على ما ستعرفه أو الشّهرة أو ما يضاهيها فلا تجري فيه مرجحات الدّلالة مطلقا لفرض عدم كونه من قبيل اللّفظ حتّى تصلح دلالته للقوّة والضّعف وأمّا باقي المرجحات فأمّا الفعل والتقرير فتجري فيهما المرجحات الصدورية وأمّا وجه الصّدور فتجري في الثاني دون الأوّل لما عرفت من خروج التقيّة في العمل من موضوع البحث بخلاف التقية في تقرير شخص على عمله لجواز أن يأتي شخص في حضور إمام عليه‌السلام بفعل وقرّره عليه‌السلام على هذا الفعل خوفا منه أو من غيره والتقيّة في التقرير كالتّقيّة في القول في الاندراج في عنوان البحث كما يظهر ممّا قدمناه

٦٠٥

وأمّا مرجحات المضمون فتجري في كلّ منهما كموافقة كل منهما للكتاب أو الشّهرة مثلا وأمّا الإجماع فليعلم أنّه لا يمكن فرض التعارض بين الإجماعين المحصّلين على طريقة المتأخرين من الحدس لكشفه عن رضا المعصوم عليه‌السلام على سبيل القطع ولا يمكن رضاه بالمتنافيين وأمّا على طريقة القدماء فيمكن فرض التعارض بينهما لكون اعتبار الإجماع عندهم باعتبار دخول المعصوم عليه‌السلام في جملة أقوال المجمعين ويمكن صدور أحد قولي الإمام عليه‌السلام عن تقيّة وعليه يمكن فرض انعقاد الإجماع على طرفي النقيض بالنسبة إلى شخص واحد وإذا تحقّق هذا فاعلم أن مرجّحات الصّدور غير جارية في الإجماع مطلقا سواء كان محصّلا أم منقولا أمّا المحصّل فواضح وأمّا المنقول فلكون علمائنا رضوان الله عليهم مأمونين عن احتمال الكذب في حقّهم لعلمنا بصدقهم في كلّ باب نعم ليسوا بمأمومين عن احتمال الخطإ والاشتباه فإذا ادعى أحدهم الإجماع في مسألة فاحتمال كذبه في دعواه منتف وإن احتمل خطاؤه في تحصيل الإجماع ولذا لا نعتمد على كثير من الإجماعات كإجماعات القدماء لكثرة ما ظهر من خطائهم في دعواها بحيث لا يطمأنّ بها وأمّا مرجّحات وجه الصّدور فقد عرفت الحال فيها بالنسبة إلى الإجماعات المحصلة وأمّا المنقولة فلا مسرح لها فيها لعدم خوف علمائنا في تحرير المسائل كي يدعوا الإجماع على خلاف معتقدهم وأمّا مرجحات المضمون فتجري في المنقول مطلقا وفي المحصل على طريقة القدماء دون المتأخرين لما عرفت من عدم إمكان فرض التعارض على طريقتهم بخلافه على طريقة القدماء لكون الإجماع على طريقتهم كالنّص القطعي الصّدور والله العالم والهادي إلى الصّواب (قوله) منهم الباقلاني إلخ ومنهم السّيد الصّدر الشارح للوافية حيث ذهب إلى استحباب التّرجيح كما سيأتي في كلام المصنف رحمه‌الله وسنشير إلى ما يتعلق بكلامه وعليه فالأقوال في المسألة ثلاثة وجوب التّرجيح واستحبابه وعدم شيء منهما(قوله) ومرجع التّوقف إلى التخيير إلخ حاصله أنا إن لم نجعل الأصل من المرجحات فمرجع التوقّف إلى التخيير إمّا بالنقل أو العقل أمّا الأوّل فواضح لأنّ الأخبار بإطلاقها تدلّ على ثبوت التخيير في المتكافئين مطلقا سواء كان أحدهما مطابقا بالأصل أم لا وأمّا الثّاني فهو مبني على جواز تزاحم الطّريقين وعدم تساقطهما عند التعارض نظير تزاحم السّببين إذ على تقدير التساقط لا بدّ من الرّجوع إلى الأصل الموافق لا محالة ولكن شيء من الوجهين لا يجدي في نفي وجوب التّرجيح عند وجود المرجّح كما أوضحه المصنف رحمه‌الله وإن جعلنا الأصل من المرجحات فلا بد من فرض الكلام في صورة مخالفة كل من الخبرين للأصل إذ لا مناص من القول بالتخيير حينئذ عقلا وممّا ذكرناه قد ظهر أنّه لا بدّ أن يقيد قوله إذا لم يجعل الأصل من المرجحات بعدم جواز الرجوع إلى الأصل الموافق أيضا كما أشار إليه بقوله الآتي بناء على أنّ الحكم في المتعادلين مطلقا إلى آخره لأنّه في حكم الترجيح في وجوب العمل بأحدهما المعين فلا يجتمع مع القول بالتخيير كيف لا وهو القول بالتّساقط والرّجوع إلى الأصل المطابق قولان مختلفان في المسألة كما تقدّم في عنوان المسألة(قوله) على تقدير فقده إلخ أي فقد الأصل الموافق (قوله) مطلقا إلخ أي سواء كان الأصل الموجود موافقا لأحدهما أم مخالفا لهما(قوله) والأولى منع اندراجها إلخ حاصله أنّ النّزاع في كون المرجع فيما دار الأمر فيه بين التعيين والتخيير هي أصالة البراءة أو الاحتياط إنّما هو فيما كانت الشّبهة ناشئة من الشكّ في بعض شرائط المأمور به كما لو دار الأمر بين وجوب عتق مطلق الرّقبة وخصوص المؤمنة فلا يشمل ما كانت الشبهة فيه ناشئة من الشكّ في بعض شرائط الامتثال كما فيما نحن فيه وإلاّ فالمتعيّن فيه الرّجوع إلى قاعدة الاحتياط كما تقدّم في أواخر مسألة البراءة(قوله) فيما كان بنفسه يعني بحكم العقل وإن لحقه إمضاء الشّارع لا بجعل الشّارع كالظنّ المطلق عند انسداد باب العلم ثمّ إنّ دعوى عدم جواز التّرجيح بالمزية الموجودة في أحد الخبرين إذا قلنا باعتبارهما من باب الظنّ النّوعي لا يخلو من إشكال لأنّ عدم إناطة اعتبارهما بإفادة الظنّ الفعلي لا ينافى الترجيح بالمزيّة المذكورة المفيدة للظنّ نوعا أو شخصا لأنّ المفروض كون اعتبار المتعارضين في أنفسها من حيث إفادة نوعهما للظنّ وغلبة إيصالهما إلى الواقع فإذا تعاضد أحدهما بظنّ نوعي آخر أو ظنّ فعلي تقوّت جهة كشفه عن الواقع الّتي هي مناط اعتباره فلا يعارضه الطّريق الآخر في حكم العقل ولا ينافيه تساقطهما عند العقل لأجل المعارضة لو لا المزيّة المزبورة والمقام بعد محتاج إلى التأمّل (قوله) هو مجرّد الوجوب إلخ من دون مدخليّة للمزية في المانعية(قوله) وليس في هذا الحكم إلخ بخلاف ما لو استفيد وجوب العمل بأحد المتعارضين من حكم الشّارع كما تقدّم (قوله) في كلّ واجبين متزاحمين إلخ قد تقدّم شطر من الكلام في ذلك (قوله) إلا أن يرد عليه إلخ سيجيء في المقام الثالث دعوى المصنف رحمه‌الله أنّ المتبادر من أخبار التخيير هي صورة تكافؤ الخبرين من جميع الوجوه وعدم مزيّة أحدهما على الآخر أصلا(قوله) وفيه أنّ الظّاهر إلخ لا ريب في صحّة الاستدلال لو لا استشهاده لزوم التخيير بين الخاص والعام والمطلق والمقيّد إذ لا شك في لزوم تأسيس فقه جديد لو لا البناء على الترجيح في متعارضات الأخبار(قوله) وإمّا لأن ذلك إلخ هذا بناء على اعتبار الظواهر من باب الظّهور العرفي من دون ملاحظة أصالة عدم القرينة(قوله) إلى أنّه لو لا الإجماع إلخ المعبر عنه في كلام النّهاية والمنية بمذهب أكثر الصّحابة (قوله) ثمّ إنّه يظهر من السّيّد الصّدر إلخ أقول لا بأس بنقل ملخص كلامه أولا ثم الإشارة إلى المواقع الّتي اختلط عليه الأمر فيها قال إنّ المشهور بل المجمع عليه عند الأصوليّين هو وجوب استعلام التراجيح ووجوب العمل بالرّاجح فيرد على قولهم إشكالات على تلك الأحاديث منها أنّ الرّاوي سأل مرّة وأجاب عليه‌السلام بأنّ اللاّزم العمل بما هو أصحّ سندا ففرض الرّاوي التّساوي فيه فأجاب بترجيح المشهور على النادر فيشكل الأمر بأنّ الرّاوي إن فرض التّساوي في الوجوه الأخر غير السّند ثمّ فرض التّساوي فيه أيضا فالجواب هو التوقف أو التخيير ليس إلاّ وإن لم يفرض التّساوي فالعمل بما هو حكم الله تعالى في الواقع لأنّ الأوثقيّة لا تفيد إلاّ قوّة الظنّ بصدور الخبر عن المعصوم عليه‌السلام وربّما كان خبر الثقة قطعي المضمون فضلا عن قوّة الظنّ به كأن يروي الأوثق ما هو مخالف لجميع أقوال الأمّة ويروي الثقة ما هو المعلوم من مذهب الشيعة وأيضا بعد فرض التّساوي في السّند

٦٠٦

فقط ليس اللاّزم العمل بما يخالف العامة كما يدلّ عليه حديث زرارة لأنّ المخالفة لا تقتضي قوّة الظنّ بكون مضمون المخالف واقعيّا كما إذا كان الموافق موافقا لنصّ الكتاب ومحكمه لأنّ صدور الأخبار الّتي ليست واقعيّة ليس منحصرا في التقيّة عن العامة بل لعلّه كان تقيّة من بعض سلاطين الوقت الذي لا يبالي بالدّين مطلقا كبعض بني أميّة وبني العبّاس أما ترى أنّ الوليد لعنه الله استخف بالقرآن والمتوكّل لعنه الله صرّح بعداوة سيّدة النساء صلوات الله عليها مع أنّ هذين ليسا مذهبا لأحد من العامة ومنها أنّ العرض على كتاب الله تعالى إن كان على المحكم الّذي صار مضمونه ضروريّا في الدّين أو المذهب فلا ثمرة لعرض الحديث عليه إن كان المقصود تحصيل العلم أو الظنّ بحقيقته ليعمل به لأنّ مثل هذا الحكم مستغن عن الدّليل وإن كان على الظّاهر الذي اختلف في ظهوره ولم يعلم من طريق الأئمة عليهم‌السلام حاله والمقصود منه فلا يحصل من موافقته لمثل هذا الظّاهر قوّة الظنّ إذ ربّما كانت دعوى الظّهور من قائله غير مستندة إلى حجّة شرعيّة وكان ما ليس بظاهر عنده هو المقصود فيكون الحديث المخالف لهذا الظاهر هو المطابق للواقع ومنها الاكتفاء في البعض بالبعض ومنها مخالفة الترتيب ففي البعض قدمت الشّهرة وفي الآخر قدم السّند وغير ذلك ممّا يظهر بالتأمّل فيها والجواب عن الكلّ هو ما أشرنا إليه من أنّ الأصل التوقف في الفتوى والتخيير في العمل إن لم يحصل من دليل آخر العلم بعدم مطابقة أحد الخبرين للواقع وأنّ التّرجيح هو الفضل والأولى والمعصوم عليه‌السلام علّم بعض المرجّحات مع فرض التساوي في الباقي فكأنّه عليه‌السلام قال السّند مرجح مع فرض التّساوي في غيره والمخالفة للعامة مرجحة مع فرض التساوي في غيرها والموافقة للكتاب مرجحة مع فرض التّساوي في غيرها وهكذا وأمّا الاكتفاء بالبعض فغير مناف للاستحباب وأمّا التعرّض لبعض خاص فلعله كان للاهتمام به مثلا إذا كان الغالب في جماعة الكذب المخالف للقرآن والسّنة فالمناسب لمعرفة حال حديثهم من جهة الصّدق والكذب تعليم قاعدة الموافقة والمخالفة وأكثر المكلّفين وإن كانوا عالمين بالأحكام الضّرورية المستنبطة من الكتاب والسّنة ولكن لمّا سمعوا أنّ للقرآن بطونا فربّما توهموا أنّ الحديث المخالف لمحكماته ربّما كان موافقا لبواطن القرآن وأنّه يجوز نسخ الباطن بحكم الظاهر وإن علم هذا عند الأئمّة عليهم‌السلام فلهذا وأمثاله قال الإمام عليه‌السلام إنّ الحديث المخالف للمحكم زخرف وكذب وإن باطن القرآن لا يناقض محكماته انتهى كلامه وأنت خبير بضعف هذه الإشكالات أمّا الأوّل فإن من الواضحات أنّ مورد الترجيح إنّما هو ما لم يعلم صدق مضمون أحد الخبرين وبطلان الآخر في الواقع وإلاّ لم يقع التحير للسّائل ولم يحتج إلى إعمال المرجحات وحينئذ نختار الشقّ الثّاني من الترديد ونمنع ورود النقض الّذي أورده وأمّا ما ذكره من قوله وأيضا بعد فرض التساوي إلى آخره فيرد عليه أنّ موافق العامة إذا كان موافقا لنصّ الكتاب أو محكمه والمخالف لهم موافقا لميل سلطان الجور فهو من موارد تعارض المرجحات لأنّ الموافق لهم وللكتاب مرجوح من حيث موافقته لهم وراجح من حيث الموافقة للكتاب والمخالف لهم الموافق لميل سلطان الجور راجح من حيث المخالفة ومرجوح من حيث الموافقة والموافقة لميل حكّامهم وقضاتهم والمخالفة لهم من جملة المرجحات أيضا على ما نصّ عليه في المقبولة وصورة تعارض المرجحات خارج من مورد الأخبار لأنّ مقصود الإمام عليه‌السلام بيان ترجيح أحد الخبرين بالمزية الموجودة فيه ولا مزيّة مع التعارض وقد استظهر المصنف رحمه‌الله في المقام الثّالث من عدم تعرّض السّائل لصورة التعارض كون مقصود الإمام عليه‌السلام هو الترجيح بكلّ مزية في أحدهما مفقودة في الآخر كما سيجيء إن شاء الله تعالى وأمّا الثّاني فيرد عليه أنّ المراد بموافقة الكتاب أعم من الموافقة لنصّه وظاهره وما أورده على الموافقة لنصّه من عدم ترتب ثمرة على العرض على الكتاب حينئذ إن كان المقصود منه تحصيل الظنّ بحقية الموافق له لاستغناء هذا الحكم عن الدّليل فمقدوح بأنّه إنّما يرد لو كان المقصود هو الموافقة لنصّه خاصّة دون الأعمّ سيّما مع قلّة نصوص الكتاب بحيث لا يحتمل الخلاف وما أورده على الموافقة لظاهره من عدم حصول الظنّ به بحقيّة الموافق له فهو مخالف للوجدان إذ مجرّد احتمال إرادة خلاف الظّاهر لا يقدح في رجحان إرادة ما هو الظّاهر منه وكذا كون دعوى الظّهور غير مستندة إلى مستند شرعي غير صادم فيه إذ غاية الأمر أن يشتبه عليه الظّاهر بغيره وهو غير قادح في حصول الظنّ بل هو معذور في اعتقاده إن كان أهلا للاجتهاد وإلاّ فهو خارج من محلّ الكلام وأمّا الثالث فيرد عليه أنّه إنّما يتم على تقدير وجوب الاقتصار على المرجّحات المنصوصة لا على المختار من التعدي إلى كلّ مزيّة موجودة في أحدهما دون الآخر لأنّه إذا كان المقصود بيان التّرجيح بكل مزية كان التعرّض لبيان بعض المرجحات من باب المثال من دون مدخليّة للخصوصيّة في الترجيح نعم على القول بوجوب الاقتصار على المرجحات المنصوصة لا بد من التعرض لجميعها لئلا يلزم الإغراء والإخلال ببيان الواجب مع أنّ عدم التعرّض للجميع لعلّه لعدم الحاجة إليه إذ لعلّ الإمام عليه‌السلام كان عالما بتساوي الخبرين المسئول عنهما فيما عدا المرجحات الّتي تعرض لبيانها وممّا ذكرناه يظهر ضعف الرابع أيضا إذ الموافقة في الترتيب إنّما يلزم على القول بوجوب الاقتصار على المرجحات المنصوصة وأمّا على القول بجواز الترجيح بكلّ مزيّة فلا وسيجيء توضيح الكلام في بيان التعدي عن المرجحات المنصوصة في المقام الثّالث وأمّا ما دفع به الإشكالات على تقدير حمل الأمر بالتّرجيح على الاستحباب فأمّا ما دفع به الأوّل فيرد عليه أنه إن تمّ يدفع به الإشكال على تقدير وجوب التّرجيح أيضا كما هو واضح وأمّا ما دفع به الثّالث من قوله وأمّا الاكتفاء بالبعض فغير مناف للاستحباب ولعلّ مقصوده بعدم المنافاة جواز المسامحة في المستحبات والمكروهات ولعلّه من هنا لم يتعرض لدفع إشكال مخالفة الترتيب فيرد عليه على أنّ ما دلّ على جواز المسامحة فيها من الأخبار المستفيضة إنّما هي في الثبوت عن الأئمّة عليهم‌السلام حيث يتسامح في أدلتها سندا ودلالة على التفصيل المقرّر في محلّه لا في بيان الأئمة عليهم‌السلام وإلاّ لزم مخالفة اللّطف لأن اللّطف كما يقتضي وجوب بيان الواجبات والمحرمات كذلك المستحبات والمكروهات وأمّا ما صحّح به جواز التّرجيح بموافقة الكتاب فهو إن تمّ يتم على القول بوجوب الترجيح أيضا كما لا يخفى (قوله) فتأمّل لعله أشار

٦٠٧

به إلى أن التفكيك إنما لا يصار إليه مع عدم الدّليل والدليل هنا قائم عليه وهو ما أشار إليه من وجوه الإشكال (قوله) الأول ما رواه المشايخ الثلاثة إلخ قد وصفها في البحار بالصّحة وفي الوافية بالموثقية وليس في السّند من يوجب القدح فيه إلاّ رجلان أحدهما داود بن حصين وقد وثقه النجاشي قال كوفي ثقة روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام وأبي الحسن عليه‌السلام ونقل الوحيد البهبهاني في فوائده المتعلقة بعلم الرّجال عن المحقّق الشّيخ محمّد بن الشيخ حسن صاحب المعالم أنه قال إنّه إذا قال النجاشي ثقة ولم يتعرض لفساد المذهب فظاهره أنّه عدل إمامي لأن ديدنه التعرض للفساد فعدمه ظاهر في عدم ظفره وهو ظاهر في عدمه لبعد وجوده مع عدم ظفره لشدة بذل جهده وزيادة معرفته وعليه جماعة من المحققين انتهى وقال الشيخ في رجاله في أصحاب الكاظم عليه‌السلام إنّه واقفي فمن وصف الرّواية بالصّحة نظر إلى توثيق النجاشي بناء على كون توثيقه تعديلا ولا يعارضه قول الشيخ بكونه واقفيا لكونه أثبت وأضبط كما قيل ومن وصفها بالتوثيق نظر إلى الجمع بين الوقف والثّقة أو إلى عدم ثبوت كون مراد النجاشي من التوثيق هو التعديل أو إلى تقدّم الجرح على التعديل وثانيهما عمر بن حنظلة ولم يذكره أصحاب الرّجال بمدح ولا ذم إلاّ الشّهيد الثّاني في شرح بداية الدّراية حيث قال إنّ عمر بن حنظلة لم ينص الأصحاب عليه بجرح ولا تعديل ولكن حقّقت توثيقه من محلّ آخر انتهى وقال ولده المحقّق الشيخ حسن فيه ما هو غير خفي على من راجع كتب الرّجال وكيف كان فلا تأمّل في قبول الرّواية لقبول الأصحاب لها وهو كاف في الباب إن شاء الله تعالى مضافا إلى رواية المشايخ الثّلاثة لها في كتبهم (قوله) وهذه الرّواية الشريفة وإن تخل عن الإشكال إلخ لا يخفى أنّ ما ذكره المصنف رحمه‌الله يرجع إلى وجوه ثلاثة أحدها أنّ مورد الرّواية هو التحكيم لأجل فصل الخصومة فلا يناسبها أولا تعدد الحكمين وثانيا غفلة كلّ عن المعارض الواضح المستند حكمه وثالثا اجتهاد المتحاكمين في ترجيح مستند أحدهما على الآخر ورابعا جواز حكم أحدهما بعد حكم الآخر لبعد فرض وقوع حكمهما دفعة ويرد على ما عدا الثّاني أنّه إنّما يتم على تقدير كون المراد بالحاكم في مورد الرّواية هو المنصوب عموما أو خصوصا من قبل الإمام عليه‌السلام وأمّا لو كان المراد به قاضي التحكيم فلا دليل على بطلان ما ذكر من اللّوازم ومنه يندفع إشكال آخر هنا وهو أنّ اختيار الحاكم إنّما هو بيد المدعي فله أن يختار من أراد من الحكّام وإن كان مفضولا بالنسبة إلى من اختاره المنكر فالأولى حينئذ الجواب بتفويض الأمر إلى المدّعي لا إليهما وتحريهما في إعمال المرجّحات ووجه الاندفاع واضح مضافا إلى احتمال اختصاص مورد الرّواية بصورة التداعي فتدبر وأمّا الثاني فهو مجرّد استبعاد لا يقدح في العمل بالظواهر مع أنّه لا استبعاد فيه حيث لم تكن الأخبار مجتمعة في زمان صدور الأخبار عند كلّ أحد مضافا إلى احتمال إعراض كلّ منهما عن مستند حكم الآخر لأجل اطلاع كل منهما على قدح في مستند حكم الآخر لم يطّلع عليه الآخر مثل وروده تقية أو نحوها لا لأجل الغفلة عنه رأسا ويدفع الجميع أيضا أنّه يحتمل أن يكون المراد بالحكمين هو الحاكم على سبيل نقل الرّواية في خصوص الواقعة ليعمل بمضمونها المتخاصمان لا الحاكم بالمعنى المصطلح عليه ويؤيّده أنّ المتعارف في ذلك الزّمان أن كل من كان يفتي بشيء كان على سبيل نقل الرّواية وكان غرض المستفتي أيضا استعلام ما عند المسئول من الحديث في الواقعة المجهولة المسئول عنها ويؤيّده أيضا قوله عليه‌السلام كلاهما اختلفا في حديثكم لأنّ ظاهره كون الرّجوع إليهما من حيث نقل الرّواية والحديث وجعل الفاصل ذلك لا رأي الحكمين ويؤيّده أيضا كون الشبهة في مورد الرّواية حكميّة لا موضوعيّة ويحتمل أن يكون التحرّي والاجتهاد في مستند الحكمين قبل تحقّق الحكم الاصطلاحي منهما بأن كان المراد الرّجوع إلى المرجّحات عند اختلافهما في مستند الحكم عند مذاكرة الحكم الكلّي قبل صدور الحكم الاصطلاحي منهما كما يستحب للحاكم الشّرعي إحضار جماعة عند المرافعة ليأمن به من الخطإ في الحكم فتأمل وثانيها اشتمال الرّواية على تقديم الترجيح بصفات الرّاوي على الترجيح بالشّهرة وهو مخالف للسّيرة المستمرة قديما وحديثا فيما بينهم والجواب عنه ما أشار إليه بقوله إلا أن يمنع ذلك وتوضيحه أنّ السّيرة المذكورة إنّما تسلم إذا كان المراد بالشّهرة هي الشّهرة بحسب الفتوى دون الرّواية لخروج الخبر غير المشهور حينئذ من الحجيّة كما لا يخفى بخلاف ما لو كان المراد بها الشّهرة بحسب الرّواية إذ نمنع حينئذ تحقق الإجماع على تقديم المشهور على ما اشتمل على صفات الرّاوي من المتعارضين وممّا يدلّ على كون المراد بها في مورد الرّواية هي الشّهرة بحسب الرّواية دون الفتوى أن الفتوى المصطلح عليها لم تكن معروفة بين أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام لأنّ إفتاء أصحابهم كان على سبيل نقل الخبر بالمعنى وكان عمل المستفتين أيضا بأقوالهم لأجل حصول الوثوق بما ينقلونه عن أئمتهم لا لأجل التعبد بما ترجح في نظرهم من الأدلّة والظّنون الاجتهاديّة مع أنّ الرّاوي فرض كون الخبرين مشهورين بعد تساويهما في صفات الرّاوي ومن المعلوم عدم إمكان تحقق الشّهرة بحسب الفتوى على طرفي المسألة في زمان واحد وفي واقعة واحدة وحينئذ فلا غرو في تقديم الترجيح بالصّفات على الترجيح بالشّهرة والسّر فيه يظهر ممّا أوضحه المصنف رحمه‌الله من العلّة نعم يبقى في المقام أنّ الرّواية مطلقة تقتضي تقديم الترجيح بالصّفات مطلقا حتّى فيما لو كان بين رواة الخبر المشهور من هو أفقه من المتفرد بالشاذ والعلّة المذكورة حينئذ لا تقتضي ترجيح الخبر الشّاذّ الجامع للصّفات على مثل هذا الخبر مع أنّه قد يكون من عدا المتفرّد بالشاذّ من طبقات رواته مفضولا بالنسبة إلى رواة المشهور وإن كان هو أفقه منهم ولا تتأتى فيه العلّة أيضا اللهمّ إلاّ أن تنزل الرّواية على غير هاتين الصّورتين هذا غاية توضيح المقام وهو بعد لا يخلو من نظر لأنّ عدم تقديم الشاذّ على المشهور في الصّورتين المفروضتين ليس لأجل قصور في الترجيح بالصّفات بل لأجل اشتمال المشهور على مزيّة أخرى سوى الشّهرة ولا ريب أن دلالة الرّواية على تقديم التّرجيح بالصّفات على التّرجيح بالشّهرة إنّما هي مع ملاحظة الشّهرة من حيث هي لا مع اشتمال ذيها على مزيّة موجودة في معارضه أيضا فتنزيل الرّواية على غير الصّورتين المفروضتين حينئذ متعين وثالثها أنّ ظاهر الرّواية هو التّرجيح بمجموع الصّفات لا بكلّ واحدة منها

٦٠٨

وهو خلاف ما أطبقت عليه كلمة الأصحاب والجواب عنه ما أشار إليه المصنف رحمه‌الله من استظهار كون المراد بيان جواز الترجيح بكل منها لا بمجموعها ولذا لم يسأل الرّاوي عن صورة وجود بعض الصفات دون بعض أو تعارض بعض الصّفات مع بعض وأنت خبير بأن عد سؤال الرّاوي من صورة وجود بعض الصّفات كما يحتمل أن يكون لأجل فهمه جواز الترجيح بكل منهما كذلك يحتمل أن يكون ذلك لأجل فهمه لعدم جواز الترجيح ببعضها ويؤيّد الثّاني كون المذكور في الرّواية هو التّرجيح بالمجموع كما اعترف به المصنف رحمه‌الله ومن هنا يظهر الوجه في عدم السّؤال عن صورة التعارض إذ بعد فرض كون المراد هو الترجيح بالمجموع خاصّة لا يبقى محلّ السّؤال عن صورة التعارض لعدم إمكان اجتماع الصّفات في كل من المتعارضين نعم لو كان جواز الترجيح بكل واحد منها مفروغا منه احتيج إلى السّؤال عن صورة تعارض بعضها مع بعض إذ ليس فليس فالأولى الاستناد في إثبات كون المراد جواز التّرجيح بكل واحد منها إلى فهم الأصحاب أو بمنع ظهور الرّواية في التّرجيح بمجموع الصّفات لأنّ غاية ما يدلّ عليه العطف بالواو هو الاشتراك في الحكم لا الاجتماع في الوجود لأنّك إذا قلت جاءني زيد وعمرو فغاية ما يستفاد عنه ثبوت المجيء لكلّ واحد منهما ولو في زمانين لا في زمان واحد ويقال فيما نحن فيه أيضا إن غاية ما يدلّ عليه العطف بالواو ثبوت حكم الترجيح لكل واحدة من الصّفات لا لمجموعها من حيث الاجتماع فتدبّر وبقي في المقام أمر لا بد أن ينبّه عليه وهو أنّ قوله عليه‌السلام وما يحكم له فإنما يأخذه سحتا وإن كان حقّه ثابتا يشمل الدّين والعين والواقعة التي كانت الشّبهة فيه حكمية كما إذا اشترى أحدهما من الآخر شيئا بعقد فارسي واعتقد المشتري صحّته والبائع فساده أو موضوعيّة وهي واضحة ونفي بعض أواخر المتأخّرين الخلاف عنه في الدّين وادعى الشهرة عليه في العين مصرحا بعدم الفرق بين قضاة العامة وغير الجامع لشرائط الاجتهاد من الشّيعة فيحرم ما يؤخذ بحكمهم مطلقا وعن الكفاية أنّه يستفاد من الخبرين عدم جواز أخذ شيء بحكمهم وإن كان له حقّا وهو في الدين ظاهر وفي العين لا يخلو عن إشكال لكن مقتضى الخبرين التعميم وقال في الجواهر وكأنّه فرّق بين الدّين أو العين باحتياج الأوّل إلى تراض في التشخيص والفرض جبر المديون بحكمهم بخلاف العين وفيه أن الجبر وإن كان إثما فيه لكن لا ينافي تشخيص الدّين بعد فرض كونه حقّا على أن في صدر أحد الخبرين المنازعة في دين أو ميراث فلا بد من حمل الخبر على الأعمّ من ذلك لكن على معنى أن أصل ثبوت الاستحقاق أو الدّين قد كان بحكمهم الباطل لا أنهما ثابتان بالحكم الحق وأخذهما كما يحكم الطاغوت مع احتمال التزام الحرمة فيهما أيضا في ذلك لكن على معنى حرمة التصرف وإن كانا مملوكين فيكونان بحكم السّحت في الإثم ولو باعتبار المقدمة جيدا والله العالم انتهى وأقول يمكن القول بالحرمة فيما كان الأخذ بعنوان الإطاعة والانقياد لهم كما هو المنساق من الأخبار دون ما لو كان بعنوان إنفاذ الحق كما يجوز له الاستعانة بالظالم في أخذ حقّه أو كان بقصد التقاصّ والله العالم (قوله) إلا أن يمنع ذلك إلخ أي إطلاق القول بكون عمل العلماء على تقديم الخبر المشهور(قوله) قلت إنهما معا موافقان للاحتياط إلخ لعلّ المراد بموافقتهما له هو الموافقة في الجملة ولو من جهة وإلاّ فالموافقة من جميع الجهات غير ممكنة نعم مخالفتهما له ممكنة كما لو ورد خبر على استحباب فعل وآخر على كراهته ووجد قول بالوجوب أو الحرمة(قوله) نهي إعافة أو كراهة إلخ لعلّ المراد بنهي الإعافة ما وقع فيه الزّجر عن ارتكاب المنهي عنه ببيان بعض خواصه وبنهي الكراهة ما ورد النّهي فيه مطلقا من دون تعرض لخواصّه وآثاره وفي القاموس عاف الطعام والشراب وقد يقال في غيرهما كرهه فلم يشربه وعفت الطّير أعيفها إعافة أي زجرتها وكيف كان فالمراد بهما هو النّهي غير الإلزامي (قوله) يسعك الأخذ بهما إلخ أي الموافق والمخالف (قوله) يعني العبد الصالح إلخ أي الكاظم عليه‌السلام وقد يعبّر عنه بالحبر والعالم وأبي الحسن وأبي إبراهيم (قوله) قول خذ به حتّى يبلغكم عن الحيّ إلخ الضّمير المجرور عائد إلى الحديث الآخر لأقربيّته مضافا إلى دلالة الحديث العاشر والحادي عشر عليه والمراد بالحيّ هو الإمام العصر وحاصله أنّه إذا بلغ حديث من أوّل الأئمّة الماضين وآخر من آخرهم يجب الأخذ بما جاء من آخرهم حتّى يبلغ من صاحب العصر ما يخالفه فيجب الأخذ به وترك المأخوذ(قوله) وأبى الله إلاّ أن يعبد سرّا إلخ الظاهر أنّ المراد تنظير الإفتاء بالحقّ سرّا لأجل الخوف من إظهاره من المخالفين بحسن العبادة سرّا كما يدلّ عليه آخر كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله فيكون ما أفتى به أولا واردا في مقام التقيّة وما أفتى به أخيرا على خلافه لبيان الواقع (قوله) قال إنّ الحديث ينسخ إلخ دل على وجوب الأخذ بالأحدث (قوله) أنتم أفقه النّاس إذا عرفتم معاني كلامنا إلخ حاصل المراد أنّ الكلام قابل لأن يراد به معاني مختلفة بعضها من ظاهره وبعضها من تأويله على اختلاف الموارد فلو شاء إنسان صرف كلامه كيف شاء وأراد لجواز إرادة الحقيقة أو المعاني المجازية ولا يكذب وأنتم أفقه النّاس إذا عرفتم معاني كلامنا يعني أنه إذا ورد عليكم خبران متنافيان في بادي النّظر فلا ينبغي أن تبادروا إلى طرح أحدهما بل لا بد أن يتأمّل في دلالتهما وما اكتنفها من القرائن العرفية أو الخارجة فربما يظهر أن تنافيهما إنّما كان في بادي النظر ويرتفع بعد التأمّل كالنصّ والظّاهر أو الأظهر والظّاهر وفيه حثّ على الجمع بين الخبرين مهما أمكن بحسب العرف والقرائن الخارجة(قوله) وهي وإن كانت ضعيفة إلخ حاصله أنّ لكلّ من المرفوعة والمقبولة جهة قوّة وضعف أمّا الأولى فإنها وإن ضعفت لرفعها وطعن من ليس من شأنه الطّعن في الأخبار كصاحب الحدائق في ابن أبي جمهور وكتابه العوالي كما نبه عليه المصنف رحمه‌الله في غير موضع من الكتاب إلاّ أنّ ضعفها منجبر بموافقتها سيرة العلماء رضوان الله عليهم في باب الترجيح وأمّا الثّانية فإنّها وإن كانت موهونة بإعراض الأصحاب عنها من حيث تقديم الترجيح بصفات الرّاوي فيها على الترجيح بالشّهرة إلاّ أن وهنها منجبر بتلقي الأصحاب لها بالقبول حتى سميّت مقبولة بل السّند أيضا إمّا صحيح أو موثق كما تقدم فإذن لا ترجيح لشيء منهما على الآخر حتى يؤخذ به ويطرح الآخر(قوله) مع أنا نمنع أن عمل إلخ بذلك تخرج المقبولة من المخالفة لعمل الأصحاب (قوله) مع أنّ السائل ذكر أنّهما اختلفا إلخ يعني أن جواب الإمام عليه‌السلام عن السّؤال عن اختلاف الحكمين مع أنّ السّائل ذكر أنّهما اختلفا في حديثكم بالرّجوع إلى الصّفات الّتي هي من المرجّحات بين الحكام يرشد

٦٠٩

إلى إعراض الإمام عليه‌السلام عن الجواب عن حيثيّة اختلافهما في مستند حكمهما نعم لما فرض الرّاوي تساويهما فيها أرجعه الإمام عليه‌السلام إلى ملاحظة مرجحات مستندهما فأوّل مرجّحات الرّواية في المقبولة هي الشّهرة فتوافق المقبولة حينئذ(قوله) وأخبار التوقّف إلخ الواردة في الشبهات الحكميّة فتحمل رواية الإحتجاج أيضا على صورة التمكّن من العلم بل هي صريحة فيها (قوله) اعلم أنّ حاصل ما يستفاد إلخ لم يذكر التّرجيح بالأحدثية مع كونها من المرجحات المنصوصة لإعراض الأصحاب عن الترجيح بها(قوله) ولأجل ما ذكر لم يذكر إلخ أي لأجل ما ذكرنا من أنّ المستفاد من مجموع الأخبار هو الترجيح بالمرجحات المنصوصة من الشّهرة وما بعدها(قوله) كون أخبار كتابه صحيحة إلخ إن أراد بالصّحة الصّحة بالمعنى المصطلح عند القدماء فلا وجه لإهمال المرجّح المذكور وإن أراد بها كون أخبار الكافي قطعية الصّدور كما هو المناسب لطريقة الأخباري فلا وجه حينئذ للترجيح بالشّهرة اللهمّ إلاّ أن يريد الأوّل وادعى تساوي رواة أخبار الكافي في العدالة وفيه ما لا يخفى (قوله) لكن عرفت أنّ المختار إلخ حاصله أنّك قد عرفت في المقام الأوّل أنّ المختار في المتكافئين هو التخيير الثّابت بالأخبار وقد تقدم أيضا في المقام الثّاني أن القدر المتيقّن من التخيير هو صورة تكافؤ الخبرين وعدم اشتمال أحدهما على مزيّة أصلا فيكون الأصل في صورة اشتمال أحدهما على مزيّة غير منصوصة هو الترجيح بها نظرا إلى الدّليل الّذي ذكره في المقام الثّاني وهنا أيضا بقوله لأنّ وجوب العمل بالمرجوح إلى آخره وأمّا على القول في المتكافئين بالتوقف والرّجوع إلى الاحتياط إما مطلقا أو الاحتياط المطابق لأحدهما فقد تقدّم في المقام الأوّل أيضا أنّه للأخبار الدالّة عليه ولا شكّ أنّ المتيقّن من تلك الأخبار هو التوقّف والاحتياط وعدم التّرجيح بغير المرجّحات المنصوصة ومن هنا يظهر وجه جعل أصالة عدم التّرجيح بالمزايا من لوازم القول بالاحتياط في المتكافئين وأصالة التّرجيح بها من لوازم القول بالتخيير فيهما(قوله) وأمّا أن يستظهر من إطلاقات التخيير إلخ لا أرى وجها لهذا الاستظهار لأنّ الوجه فيه إن كان ظهور الأسئلة نظرا إلى أن قول السّائل يأتي عنكم خبران أحدهما يأمرنا والآخر ينهانا كيف نصنع في اختصاص مورد السّؤال بصورة التحيّر ولا تحير مع وجود المزايا يرد عليه أن مجرد وجود المزية في أحد الخبرين لا يرفع التحير لأنّ الرّافع له هو العلم باعتبار الشّارع لها لا مجرّد وجودها ولذا وقع السّؤال عن المتعارضين في مورد أخبار التّرجيح مع ظهوره في صورة التحيّر وأرجعه الإمام عليه‌السلام إلى ملاحظة المرجحات مع أنّ اختصاص مورد أخبار التخيير بصورة عدم المزية أصلا لا يجدي في إثبات اعتبار المزية مطلقا لأنّ ثبوت التخيير حينئذ أعمّ من المدعى وإن كان قرينة أخرى مستفادة من الأخبار فهي مفقودة كما لا يخفى (قوله) ولذا ذهب جمهور المجتهدين إلخ وهو المختار ويمكن أن يستدلّ عليه بوجوه أحدها أنّ ظاهر من اقتصر على المرجّحات المنصوصة كالأخباريّين هو اعتبارها من باب التعبّد المحض لا من باب إفادتها لأقربية ذيها إلى الواقع من الآخر كما ستعرفه وهو خلاف ظاهر أخبار التّرجيح كما أوضحه المصنف رحمه‌الله فالاقتصار على المرجحات المنصوصة لأخبار الترجيح مخالف لظاهرها فالقول به مستلزم لعدمه وما يستلزم وجوده عدمه فهو محال الثّاني دليل الانسداد وهو يقرر بوجهين أحدهما أنّ أخبار التّرجيح قد اشتملت على الترجيح بأعدلية راوي أحد الخبرين بعد اشتراك راويهما في صفة العدالة ولا شكّ أنّ المراد بالعدالة هي العدالة الواقعيّة الثّابتة بالعلم الوجداني أو الشّرعي كالبينة وإثباتها في أمثال زماننا غير ممكن لانحصار طريق إثباتها في أمثال زماننا في الرّجوع إلى كتب الرّجال كالنجاشي والكشي وأمثالهما والظاهر أن تعديلهم للرّواة إنّما هو بالظّنون والاجتهاد لا بالعلم الوجداني لعدم إدراكهم لأغلبهم يقينا وفقدان الأمارات المفيدة لذلك ولا بالعلم الشّرعي كالحاصل بالبينة لكون تعديل من سبقهم أيضا مستندا إلى الظّنون والاجتهاد وهذا أمر لا خفاء فيه مع أنّ شهادة مثل الشّيخ تصير شهادة فرع بالنسبة إلينا ولا اعتبار بها شرعا سلمنا ولكن تعديلهم إنّما هو بلفظ التوثيق وهو غير مفيد للتعديل اللهمّ إلاّ أن يدعى كون ذلك تعديلا في اصطلاحهم كما ادعاه المحقّق الشّيخ محمّد في كلام النجاشي وهو أيضا لا يخلو من تأمّل وإشكال مع أنّه لا يثبت الكليّة المدعاة مضافا إلى أنّ التّرجيح إنّما هو بالأعدليّة لا بمجرّد العدالة وطريق معرفة أعدليّة أحد الرّاويين إنّما هو بذكر فضائل في حقّه دون آخر وأنت خبير بأن ذكر فضيلة في رجل دون آخر لا يدل على انتفائها في الآخر ولعلّها لم تصل إليهم وعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود وغايته حصول الظنّ بذلك ولا دليل على اعتباره بالخصوص في المقام ومن هنا يظهر الكلام في الأصدقيّة والأورعيّة فإن قلت إن غاية ما ذكرت هو جواز إعمال الظنّ في تشخيص ما جعله الشّارع مرجحا لأنّه بعد انسداد باب العلم بموارد تحقّق المرجحات يقوم الظنّ مقامه لكن ذلك لا يوجب جواز الترجيح بكل مزيّة موجودة في أحدهما مفقودة في الآخر قلت هذا بعينه دليل من قال بالظنّ الطّريقي بعد انسداد باب العلم بالأحكام وما هو الجواب هناك هو الجواب هنا حذوا بحذو فلا حاجة إلى عادة الكلام هنا وثانيها وهو ما سلكه بعض المتأخرين على ما حكي عنه أنه مع تعارض الخبرين مع رجحان أحدهما وعدم إمكان العمل بهما معا لا يخلو إمّا أن يلقى الخبران ويرجع إلى مقتضى الأصول أو يؤخذ بالرّاجح منهما أو بالمرجوح أو يتخير بينهما أمّا الأوّل ففيه أنّ العلم الإجمالي بصدور بعض الأخبار المتعارضة بل أغلبها مع تكليفنا بالعمل بمقتضاها مانع من العمل بمقتضى الأصول وأمّا الثّاني فهو المطلوب وأمّا الثالث فهو يستلزم ترجيح المرجوح على الرّاجح وأمّا الرّابع فهو يستلزم التسوية بين الرّاجح والمرجوح وهو كسابقه قبيح على الشّارع فإن قلت إن هذا الدّليل لو تم لجرى في نفس الأحكام الكليّة أيضا وهو ينافي القول بالظّنون الخاصّة فيها ولذا استبعد المحقق القمي رحمه‌الله اعتبار الظنون المطلقة في باب التراجيح دون الأحكام الكليّة قلت إن دليل الانسداد إنّما يثبت اعتبار الظّنون المطلقة على حسب ما حصل العلم الإجمالي بالتكاليف الواقعيّة فإن حصل العلم الإجمالي بالتكاليف في الواقع مطلقا يدلّ على اعتبار مطلق الظنّ بها من أي سبب حصل وإن حصل

٦١٠

العلم بها بشرط تأدية طرق مخصوصة وهي مجهولة عندنا يدل على اعتبار الظنّ بالحكم الواقعي الحاصل من الطريق التي حصل الظنّ باعتبارها عند الشّارع وأنها هي الطّريق المجعولة في الواقع كخبر الواحد فإذا انحصرت أطراف العلم الإجمالي في الأخبار المتعارضة لا يتعدى في إعمال الظنّ منها إلى غيرها هذا ويشكل الدّليل المذكور بمنع العلم الإجمالي هنا لانحلاله في المقام إلى علم تفصيلي وجهل بسيط لأنّ أغلب الأخبار المتعارضة يعالج تعارضها بحسب الدّلالة بحمل أحدهما على الآخر بالتقييد أو التخصيص أو نحوهما وقد تقدّم كون الجمع بحسب الدّلالة إجماعيّا وجملة منها يندفع تعارضها بشاهد خارجي من الأخبار يشهد بالجمع بين المتعارضين منها وطائفة أخرى يرجح الرّاجح منها بالمرجحات المنصوصة الّتي اتّفقت كلمة الأصحاب على اعتبارها مع فرض حصول الظنّ منها وما خرج من تحت الوجوه المذكورة من المتعارضات ليس إلاّ أقل قليل منها ولا ريب في عدم حصول العلم الإجمالي بصدور مثل ذلك عن أهل العصمة عليهم‌السلام فلا يجري دليل الانسداد فيها لأن من جملة مقدّماته تحقّق العلم الإجمالي المنتفي في المقام الثالث أن اعتبار الأخبار إنما هو من باب الكشف والطريقية دون السّببيّة والموضوعيّة كما يشهد به التّعليل في آية النبإ واعتبار المرجحات المنصوصة وغيرهما من القرائن فمع تعارض الخبرين ورجحان أحدهما يستقلّ العقل بتقديم الرّاجح وما هو الأقرب منهما أو الواقع وبعبارة أخرى أنّ الحكمة في اعتبار الأخبار هي كشفها عن الواقع ولو نوعا والعقل يحكم بتقديم ما تكون حكمة الجعل والاعتبار فيه أقوى عند التّعارض وعدم إمكان العمل بهما الرّابع أصالة الاشتغال لأنّه مع رجحان أحد المتعارضين يدور الأمر بين التعيين والتخيير والمتعيّن في مثله هو وجوب الأخذ بمحتمل التعيين إذا كان الشكّ في الطّريق كما تقدّم في كلام المصنف رحمه‌الله الخامس استقرار طريقة العقلاء بالأخذ بما هو أقلّ خطرا من الطّريقين إذا دار الأمر بينهما وكذا في المقام لكون الأخبار طريقا إلى الواقع فيتعيّن الأخذ بما هو الرّاجح من المتعارضين منها السّادس ما استظهره المصنف قدس‌سره من الأخبار ثمّ إنّه بعد ثبوت اعتبار مطلق المرجحات بالأدلّة المذكورة ليس في مقابلها الأمران أحدهما الأدلّة الدّالة على اعتبار الأخبار لأنّ مقتضى شمولها لكلا المتعارضين هو التخيير عند عدم إمكان العمل بهما معا بمقتضى حكم العقل وثانيهما إطلاق أخبار التخيير في متعارضات الأخبار لأنّ المرجحات الّتي لم يثبت اعتبارها بالخصوص لا تصلح لتقييدها أمّا الأوّل فيرد عليه أنّ العقل إنّما يحكم بالتخيير مع عدم رجحان أحدهما وقد عرفت حكم العقل بتقديم الرّاجح منهما وأمّا الثّاني فيرد عليه أوّلا أنّ أخبار التخيير غير شاملة لصورة رجحان أحد الخبرين المتعارضين لانصرافها إلى صورة تحيّر المكلّف في مقام العمل وعدم رجحان أحدهما على الآخر أصلا كما استظهره المصنف رحمه‌الله لكن قد تقدّم في الحاشية السّابقة ما يدفعه وثانيا أن فيما اخترناه جمعا بين الأخبار ولو اقتصرنا على المرجحات المنصوصة لا تجتمع الأخبار بعضها مع بعض وذلك لأنّه على ما اخترناه من اعتبار مطلق المرجحات وتقديم ذي المزية مطلقا يمكن حمل أخبار الترجيح على بيان إمضاء ما استقرّ عليه بناء العقلاء من تقديم ذي المزية من الخبرين المتعارضين في أمور معاشهم وحمل أخبار التخيير على صورة التحير المحض هذا بخلاف ما لو اقتصرنا على المرجحات المنصوصة وحملنا أخبارها على بيان الجعل والإنشاء من الشّارع وذلك لأن أخبار الترجيح كلّها صدرت عن الباقر ومن بعده من الأئمّة عليهم‌السلام دون من قبلهم فحينئذ لا يخلو إمّا أن يقال إن المكلّفين الّذين كانوا قبل الباقر عليه‌السلام كانوا مكلفين بالتخيير في متعارضات الأخبار وإلغاء الترجيح بالكليّة أو كانوا غير محتاجين إلى إعمال المرجّحات لعدم تعارض الأخبار إلى زمان صدور هذه الأخبار أو يقال بجواز تأخير البيان عن وقت الحاجة والأوّل يستلزم تغير أحكام الله تعالى باختلاف الأشخاص والأزمان والثّاني بعيد جدّا بل معلوم الفساد يقينا والثّالث بديهيّ البطلان عند ذوي العقول وأمّا لو حملنا أخبار الترجيح على إمضاء طريقة العقلاء فيمكن أن يقال إنّهم كانوا عاملين بذي المزية مطلقا ومقدّمين له على صاحبه لكونهم من جملة العقلاء وثالثا أن إجماع الفقهاء المعتنين بالفقه منعقد على تقديم التّرجيح بكلّ ذي مزية على التخيير ابتداء كما هو واضح لمن تتبع كلماتهم فلا يعبأ بخلاف الأخباريين ومن يحذو حذوهم ولا أقلّ من تحقق الشّهرة في ذلك وأخبار التخيير كلّها كما قيل ضعيفة فلا جابر لها سيّما مع تحقق الشّهرة على خلافها(قوله) منها التّرجيح بالأصدقية إلخ هذا بناء على كون الصّفات في المقبولة من مرجحات الرّواية دون الحكمين وإلاّ خرج الترجيح بمثل الأصدقية من محلّ الكلام ودعوى أنّ الاستدلال بالأصدقية والأوثقيّة على جواز الترجيح بكلّ مزية توجب قوة الظنّ بصدور ذي المزية إنّما يتم لو كانت هاتان الصّفتان ملازمتين لأقربية الخبر إلى الصّدور وليس كذلك لأنّ غايتهما أكثريّة تحرز صاحبهما عن تعمد الكذب بالنسبة إلى الفاقد لهما لا أقربية خبره إلى الصّدور مطلقا لاحتمال الخطإ والنسيان بل كثرتهما مدفوعة بأنّ احتمال الخطإ والنسيان مندفع بالأصل المجمع عليه منع اشتراكه بين الخبرين وكثرتهما مفروضة العدم وإلاّ سقط الخبر عن درجة الاعتبار(قوله) لم يسأل عن صورة وجود بعضها إلخ هذا دليل على فهم السّائل لعدم اعتبار اجتماع الصّفات وقوله وتخالفها دليل على فهمه لجواز التّرجيح بكل مزية أمّا الأوّل فواضح إذ لو لم يفهم ما ذكرناه احتيج إلى السّؤال عن صورة وجود بعضها إذ بيان حكم صورة الاجتماع لا يغني عن بيان حكم وجود البعض نعم عدم السّؤال عنه لا يدلّ على جواز التّرجيح بكل مزية لاحتمال كون عدم السّؤال عنه لفهمه لجواز الترجيح بكلّ واحدة من الصّفات تعبّدا وأمّا الثاني فإنّ فهمه لجواز التّرجيح بكلّ واحدة منها لا يغني عن بيان حكم تخالفها فإن قلت إن حكم صورة التخالف غير محتاج إلى البيان لأنّ الخبرين إن وجدت في أحدهما إحدى الصّفات دون الأخرى فقد فرضنا فهم السّائل لحكمه بترك السّؤال عن صورة وجود بعضها وإن وجدت في كلّ واحد منهما ما وجدت في الأخر بأن كان راوي كل من الخبرين أصدق وأوثق فهو داخل في صورة التّساوي الّتي وقع السّؤال عنها وإن وجدت في كلّ واحد منهما صفة مغايرة للصفة الموجودة في الآخر بأن كان راوي أحدهما أوثق والآخر أعدل فقد ظهر حكمه من الترتيب المذكور في الرّواية فيقدم ما هو المتقدّم ذكرا فيها قلت إنّ

٦١١

استفادة حكم صورة الاختلاف من الترتيب إنّما تتم لو اتفقت المقبولة والمرفوعة بل وغيرهما من الرّوايات في الترتيب وليس كذلك بل اختلافها يكشف عن سقوط حكم الترتيب وحينئذ فالمختلفان إن أفاد أحدهما ظنّا أقوى من الآخر يقدم عليه وإلاّ فيدخلان في صورة التساوي فإن قلت إنّ غاية الأمر أن يفهم السّائل ما ذكرت وفهمه ليس بحجّة لنا قلت تثبت حجيّته بتقرير الإمام عليه‌السلام وعدم إنكاره عليه وقد تقدّم في المقام الثّاني عند شرح ما يتعلق بالمقبولة ما ينفعك هنا فراجع (قوله) كونها معروفة عند الكلّ إلخ لا معمولا بها عندهم (قوله) ليس قطعيّ المتن والدّلالة إلخ في بعض النّسخ ليس قطعيّا من جميع الجهات ومؤدّاهما واحد(قوله) فإن أشبههما فهو حقّ إلخ بأن كان الحكم المذكور في أحد الخبرين موافقا ومتفرعا على القواعد المذكورة في الكتاب والسّنة وكان الآخر موافقا لقواعد العامة وسيصرح بهذا المعنى عند بيان التّرجيح بوجه الصّدور أعني مخالفة العامة والموافقة للقواعد المستفادة من الكتاب والسّنة أو لقواعد العامة وإن لم تكن أمارة موافقة مضمون الخبر بالخصوص للواقع ومخالفته له نظير الشّهرة في الفتوى إلا أنّ مضمون الخبر حينئذ يكون أبعد من الباطل أو الحقّ نعم لو كان المراد بمشابهة الكتاب والسّنة هي المشابهة في الأسلوب والفصاحة والبلاغة أمكن جعل ذلك أمارة صدق الخبر فتدبّر(قوله) ومنها قوله عليه‌السلام دع ما يريبك إلخ لا يخفى أنّ هذه الرّواية الشّريفة من جملة أخبار الاحتياط في الشبهات البدوية وقد تقدّم في مسألة البراءة عدم دلالتها إلاّ على الأمر الإرشادي غير المفيد للوجوب المولوي المقصود في المقام (قوله) وهي كلّ مزية غير مستقلّة في نفسه إلخ بمعنى عدم استقلاله في نفسه على تقدير اعتباره في الدّلالة على حكم كصفات الرّاوي مثل الأعدلية والأوثقية والأضبطية ونحوها وصفات السّند مثل كونه عاليا أو متّصلا أو نحوهما أو صفات متن الرّواية مثل الأفصحيّة ونحوها وبالمقابلة يظهر معنى المرجّح الخارجي وهي كلّ مزية تدلّ بذاته على تقدير اعتبارها على حكم من الأحكام مثل الشّهرة والكتاب والسّنة والأصل ونحوها فإن قلت إنّ المرجّح هي موافقة الخبر لشيء منها وصفة الموافقة لا تثبت حكما قلت المرجّح هو نفس الأمور المذكورة من حيث موافقة الخبر لأحدها والمدعى دلالة ذات هذه الأمور كما لا يخفى (قوله) وجعل المعتبر مطلقا خصوصا إلخ يعني في اصطلاح العلماء لا في جعل الشّارع ووضعه وحكمه بالأخذ بموافقه إذ لا شكّ في وقوعه شرعا وعدم المسامحة في حكمه ولا في تسميته مرجحا بحسب الشّرع إذ ليس من التسمية في الأخبار عين ولا أثر وأمّا وجه المسامحة فإنّ المرجّح الخارجي المعتبر مستقل بإثبات الحكم سواء رجح به أحد الخبرين أم لا والمتبادر من المرجّح في كلمات العلماء ما كان محدثا لمزية ورجحان في الخبر الموافق له من دون أن يكون هو مستقلا بإفادة الحكم ومنه يظهر أن المسامحة في جعل المعتبر الذي لا يؤثر في الخبر أشد وآكد لفرض عدم موافقته للخبر في المرتبة لكون اعتبار الخبر من باب الكشف والطّريقية واعتبار الأصل مثلا من باب التعبّد ولذا لا يؤثر في رجحانه (قوله) بناء على احتمال كون إلخ احترز به عن كون مخالفة العامة من المرجحات المضمونية(قوله) وكالتّرجيح بشهرة الرّواية إلخ كونها من المرجّحات المضمونية إنّما هو مبني على ما سيجيء في بيان المرجحات الخارجة من كشفها عن شهرة العمل أو اشتهار الفتوى على طبق الرّواية وإن لم يكن استناد المفتين إليها وإلاّ فهي من المرجحات الصّدورية(قوله) بل اقترانهما إلخ لعلّ وجه الترقي أنّ العام والخاص المطلقين إذا لم يفرض اقترانهما ربّما يفهم التنافي بينهما لكن بعد فرض اقترانهما يظهر

كون الخاص قرينة عرفيّة على ما هو المراد من العام (قوله) فإن كان رواته عدلا إلخ الأولى أن يقال أعدل كما هو مقتضى أخبار التّرجيح لأن الترجيح فرع استجماع الخبرين لشرائط الحجّية والعدالة شرط في العمل بهما عند الشيخ بالمعنى المعتبر في هذا الباب ولعلّ في حمل المصدر إشارة إلى أعدليّة رواة أحدهما حيث إنّ حمله يفيد مبالغة(قوله) ولا مانع من فرض صدورهما إلخ حاصله أن تعارض الخبرين إنّما هو بتمانع مدلولهما على وجه لا يمكن فرض صدورهما عن الإمام عليه‌السلام لاستلزامه التنافي ولذا احتيج إلى الترجيح في المتباينين وحيث لا تنافي بين العام والخاص عرفا على الوجه المذكور لا يكونان موردين للترجيح (قوله) قلت إنّ مرجع التعارض بين النصّ والظاهر إلخ توضيح المقام أنّه إذا وقع التّعارض بين ظاهرين بحيث لا يمكن الجمع بينهما إلا بصرفهما عن ظاهرهما فالصّور المتصوّرة هنا أربع الأولى الأخذ بسندهما وطرح ظاهرهما الثّانية الأخذ بسند أحدهما مع ظاهره وطرح الآخر رأسا الثالثة الأخذ بسند أحدهما مع ظاهر الآخر الرّابعة الأخذ بظاهرهما وطرح سندهما ولا سبيل إلى الأخيرتين لامتناعهما جدّا فيدور الأمر بين الأوليين وحينئذ لا بدّ من الجمع أو التّرجيح إن كان أحدهما موافقا لأحد المرجحات وإلاّ فالتخيير وحينئذ فالأخذ بسند الرّاجح أو المختار وطرح ظاهر الآخر متعينان لثبوتهما على كلّ تقدير وحينئذ يدور الأمر بين الأخذ بسند ما تعيّن طرح ظاهره وبين طرح ظاهر ما تعيّن الأخذ بسنده كما تقدّم توضيح ذلك عند بيان قاعدة الجمع وأمّا إذا كان الخبران من قبيل النّص والظّاهر فيدور الأمر بين الأخذ بسندهما مع دلالة النصّ وطرح ظهور الظّاهر وبين الأخذ بسند أحدهما الرّاجح أو المخير مع دلالته وطرح الآخر كذلك وحيث فرضنا الكلام فيما كان الظاهر راجحا أو مأخوذا ومختارا على تقدير عدم رجحانه لأنّ الكلام في جواز تقديم الظاهر على النصّ دون العكس يدور الأمر حينئذ بين ظهور الظّاهر وسند النصّ وحيث كان النصّ على تقدير القطع بسنده واردا على ظهور الظّاهر فعلى تقدير ظنيّته كان دليل اعتباره حاكما عليه وإن كانا من قبيل الظّاهر والأظهر كالعام والخاص المطلقين مع عدم نصوصيّة الخاص فهما كسابقهما إلاّ أنّه مع دوران الأمر هنا بين الظّاهر وسند الأظهر لا يكون دليل اعتبار سند الأظهر حاكما على أصالة الحقيقة في الظاهر بل كان تقديمه عليه من باب تقديم أقوى الدليلين على الآخر كما سيصرح به المصنف رحمه‌الله لكون الأظهر من حيث قوّة دلالته أقوى من صاحبه وإن كانا من قبيل العامين من وجه فحيث كان دليل اعتبار كلّ منهما صالحا للحكومة على ظهور الآخر يتعارضان وحينئذ إمّا

٦١٢

يتساقطان ويرجع إلى مقتضى الأصول أو يلتمس الترجيح بالمرجحات السّندية على الوجهين في المسألة على ما أوضحه المصنف رحمه‌الله قدس‌سره (قوله) بين التّرجيح من حيث إلخ يعني في مورد التعارض خاصّة(قوله) نعم كلاهما دليل واحد إلخ لا يخفى أنّ هذه الثمرة تكفي في الأمر بالتعبّد بهما وإن كانت عاقبة الأمر الحكم بإجمالهما والرّجوع إلى الأصل الموافق لأحدهما بل يمكن منع لزوم ترتب الثّمرة على جعل اعتبار الخبرين المتعارضين لأنّ ذلك إنّما يلزم على تقدير اعتبارهما بالخصوص لا على تقدير اعتبارهما بعموم أدلة اعتبارهما ونظير ما نحن فيه جميع القواعد والأصول الّتي قد يتعارض مؤدى بعضها في بعض الموارد كالشّبهة المحصورة وغيرها لأنّ تعارض استصحابي الطهارة فيها لا يمنع شمول أدلّة الاستصحاب لكلّ من المشتبهين من حيث أنفسهما وغاية الأمر أن يكون تعارضهما موجبا للتساقط لا مانعا من أصل اعتبارهما كما اعترف به المصنّف رحمه‌الله في بعض كلماته نعم قد يظهر منه في بعض آخر من كلماته عدم شمول أدلّة اعتبار الأصول لموارد العلم الإجمالي لكن لا لأجل عدم ترتب ثمرة عليه بل من أجل عدم إمكان شمول أدلّتها لكل من المتعارضين ولا لأحدهما بعينه ولا لا بعينه كما قرّره في تعارض الاستصحابين فراجع (قوله) إلى أنّ الخبرين المتعارضين إلخ يعني بالعموم من وجه (قوله) من هذا القبيل إلخ يعني من قبيل التّبعيض في السّند وحاصل ما ذكره في المقام أن الأخبار المتعارضة العرفية المعتبرة عندهم من باب الظنّ كما لا يمكن التبعيض فيها بحسب الصّدور كذلك الأخبار المتعارضة في الشرعيّات المعتبرة من باب الظنّ شرعا(قوله) إذا كان ذلك الخبر بنفسه إلخ وهذا إنّما يتم فيما كان ذلك الخبر نصّا أو أظهر بالنسبة إلى الآخر إذ على الأوّل يكون دليل اعتباره حاكما على ظهور الآخر وعلى الثّاني يكون تقديم الأظهر عليه من باب تقديم أقوى الدليلين كما عرفت توضيحه عند شرح قوله وإن شئت قلت إن مرجع التعارض بين النصّ والظاهر إلى آخره (قوله) إذا فرض عدم احتمال في الخاص إلخ مثل احتمال الأمر في قوله أعتق رقبة مؤمنة بعد قوله أعتق رقبة لبيان أفضل الأفراد لبقاء الأمر بالمطلق حينئذ على ظهوره من إفادة الوجوب وحينئذ إن كان هذا الاحتمال مساويا لاحتمال إرادة الاستحباب من الأمر بالمطلق كانا من قبيل الظاهرين وإن كان مرجوحا بالنسبة إليه كانا من قبيل الظّاهر والأظهر وإن فرض عدم تحقق هذا الاحتمال فيه ولو لأجل دليل خارجي كانا من قبيل النصّ والظّاهر(قوله) وبين ما يكون التوجيه فيه إلخ يعني بينما ورد فيه خبران احتمل أحدهما توجيها لا يحتمله الآخر سواء كان التوجيه فيه قريبا أم بعيدا (قوله) الخاص المطلق أي لا من وجه (قوله) وهو غير معقول إلخ يعني لم يظهر له وجه معقول لا أنّه ممتنع لأنّ الممتنع هو التأويل مع طرح السّند لا طرح السّند لئلاّ يلزم التأويل على تقدير الأخذ به ثمّ إن وجه عدم المعقولية هو تعيّن الأخذ بالسند وتأويل الدلالة على ما حقق به المقام (قوله) ومرجعها إلى ترجيح الأظهر على الظّاهر إلخ لما تقدم في كلام المصنف رحمه‌الله من كون تقديم النصّ على الظّاهر من باب الحكومة دون الترجيح ثم إنّ ما ذكره من اختلاف رجحان أحد الخبرين على الآخر مشخصا وصنفا ونوعا ممّا لا إشكال فيه وكذا لا إشكال في ترتبها متنازلا فيقدم الرّاجح شخصا على الراجح نوعا أو صنفا وكذا الرّاجح صنفا على الرّاجح نوعا لكون الأوّل أقوى من الثّاني وهو من الثّالث وحيث لم يندرج الأوّل تحت قاعدة وضابطة جعلوا الكلام في باب تعارض الأحوال في الأخيرين ولا بدّ مع رجحان أحد الدّليلين من من ارتكاب خلاف الأصل في الآخر بارتكاب التّأويل فيه وصرفه عن ظاهره وحصروا الأمور المخالفة للأصل في خمسة النسخ والإضمار والتخصيص والتقييد والتجوز وربّما يضاف إليها أمور أخر إلاّ أنها لا تخرج منها وما عدا الأخير وإن كان من أقسامه في وجه إلاّ أنّهم أفردوا البحث عن كلّ واحد منه وخصوه بالذكر لمزيد امتيازه من بين سائر المجازات ثمّ إنّه ربّما يدور الأمر بين المتجانسين منها بأن دار الأمر بين ارتكاب النسخ في هذا الدّليل وذاك الدليل وهكذا وربّما يدور الأمر بين المتخالفين منها بأن دار الأمر بين ارتكاب النّسخ في هذا الدّليل وبين ارتكاب أحد الأربعة الباقية في ذاك الدّليل وحينئذ يكون التعارض والدوران تارة وحدانيا بأن دار الأمر بين ارتكاب أحدها في أحد الدليلين وواحد من الأربعة الباقية في الآخر وأخرى ثنائيا وثالثة ثلاثيّا ورابعة رباعيّا وخامسة خماسيّا وسادسة مختلفا ويعبّر الأصوليّون عن هذا التعارض والدّوران بتعارض الأحوال وأورد المصنف رحمه‌الله من صور الاختلاف الوحداني مسائل ثمّ نبّه على تعارض المتجانسين ويظهر الكلام في الباقي ممّا حقّق به المقام والمشهور كما هو الأقوى كون احتمال النّسخ أخسّ من جميع الأمور المذكورة والإضمار بالنسبة إلى ما عداه لقلّة الأوّل بالنسبة إلى الجميع والإضمار بالنسبة إليه فحيث يدور الأمر بين الأوّل وأحد الأربعة الباقية أو بين الثّاني وواحد ممّا عداه يقدم ما عداهما عليهما لغلبته ورجحانه بالنسبة إليهما وستقف على تتمّة الكلام فيهما وفي الباقي (قوله) في بعض الأفراد العام والخاص إلخ بأن ورد الخاص بعد العام وجهل تاريخهما فاحتمل ورود الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام أو قبله فيدور الأمر حينئذ بين كون الخاص ناسخا ومخصّصا واحترز ببعض الأفراد عن صورة العلم بالتّاريخ وبكون الخاص واردا قبل حضور وقت العمل بالعام أو بعده لعدم الدّوران حينئذ(قوله) والتخصيص والتقييد (١٢) مثل قوله صلّ ولا تغصب (قوله) كترجيح أحد العامين إلخ مثل العام المعلّل والوارد في مقام الامتنان وكذا العام الّذي كان أقل فردا من الآخر كما سيجيء(قوله) بين أن يكون احتمال المنسوخيّة في العام أو الخاص إلخ لأنّه مع ورود الخاص بعد العام مع الجهل بوروده بعد حضور وقت العمل بالعام أو قبله يدور الأمر بين كون العام منسوخا أو مخصصا بالفتح ومع ورود الخاص قبله مع الجهل بورود العام قبل حضور وقت العمل به أو بعده يدور الأمر بين كون الخاص منسوخا وكونه مخصّصا للعام (قوله) وأمّا ارتكاب كون إلخ دفع لتوهم عدم تعيّن الخاص للنسخ في الفرض المذكور(قوله) من المخاطبين واقعا إلخ يعني المخاطبين بالعام وقوله واقعا متعلّق بالإرادة(قوله) فكما أن رفع إلخ هذا زيادة تقريب للوجه الثالث بالمقايسة ورفع استبعاد عنه (وقوله) ودعوى

٦١٣

الفرق إلخ بلزوم القبح على الشّارع على الثّاني دون الأوّل وتوضيح الفرق أن تقرير المكلّفين على مقتضى عقولهم من البراءة والتخيير مع ثبوت التكليف في الواقع وكذا إنشاء الحكم عموما أو إطلاقا مع ثبوت التخصيص أو التقييد في الواقع وإن استلزم كلّ منهما تفويت الواقع عليهم إلاّ أنه لا قبح في الأوّل لأن التفويت فيه ليس بمستند إلى الشّارع بل إلى اختيار المكلّف لفرض إمكان الاحتياط واحتمال ثبوت التكليف في الواقع فمجرّد تقرير الشّارع وسكوته عن بيان الواقع لا قبح فيه أصلا بخلاف الثّاني لأنّ إنشاء الحكم عموما أو إطلاقا بيان لنفس الواقع فيزعم منه المكلّف عدم التخصيص والتقييد في الواقع فيقدم على الامتثال زاعما للعموم أو الإطلاق فيكون تفويت الواقع حينئذ مستندا إلى الشّارع لا محالة وأمّا توضيح المنع بعد اشتراك المقيس مع المقيس عليه في إمكان الاحتياط واحتمال ثبوت التكليف في الواقع على خلاف مقتضى البراءة أو العموم والإطلاق واضح ممّا ذكره المصنف ره (قوله) وإخفاء القرينة المتضمنة إلخ فلا يلزم ما تقدّم من الترخيص في فعل الحرام أو ترك الواجب (قوله) فإن قلت اللاّزم من ذلك إلخ توضيح السّؤال أن إثبات تكليفنا بالعموم بواسطة أصالة عدم المخصص إنما يتم على وجهين أحدهما أن يكون الخطاب عاما للمعدومين أيضا إذ بعد إثبات عدم ورود المخصّص من الشّارع يثبت تكليفنا بالعموم لا محالة لقبح الخطاب بما له ظاهر مع إرادة خلافه وثانيهما بعد تسليم اختصاص الخطاب بالمشافهين أن تقول بالملازمة بين عدم ورود التخصيص من الشّارع وإرادة العموم في الواقع لأنّه بعد إثبات عدم المخصّص بأصالة عدمه يثبت تكليف المشافهين بالعموم في الواقع ويثبت في حقنا أيضا بدليل الاشتراك في التكليف وأمّا إذا قلنا باختصاص الخطاب وكذا بعدم الملازمة المذكورة كما هو الفرض في المقام فغاية ما يثبت بأصالة عدم المخصّص هو تكليف المشافهين بالعموم في الظّاهر وإن كان المراد به الخصوص في الواقع ولا دليل على الاشتراك في التكليف في الأحكام الظّاهرية لعدم الإجماع عليه كما قرّر في محلّه وحاصل الجواب أن مبنى أصالة الحقيقة في الظواهر هو قبح الخطاب بما له ظاهر وإرادة خلافه مع فرض كون إلقاء الكلام للإفهام وحينئذ نقول إن مقتضى أصالة الحقيقة كون تكليف المشافهين في الواقع بالعموم غاية الأمر أنه إذا ورد مخصّص للعام بعد حضور وقت العمل به كشف ذلك عن مخالفة المتكلّم لهذه القاعدة لمصلحة راعاها وأن تكليف المشافهين إنّما كان بالعموم ظاهرا دون الواقع وأمّا إذا لم يظهر المخصّص كما هو الفرض في موارد التمسّك بأصالة عدمه فمقتضى أصالة الحقيقة هو تعلق تكليف المشافهين في الواقع بالعموم فيثبت ذلك في حقنا أيضا بدليل الاشتراك في التكليف (قوله) لا إشكال في ترجيح التقييد على ما حقّقه سلطان العلماء إلخ توضيح المقام يتوقف على بيان أقسام المطلقات فنقول إنها على ثلاثة أقسام أحدها الإطلاق بحسب الأحوال أعني الإطلاق الحاصل بحسب أحوال التكليف الناشئ من عدم البيان لأنّ عدم تقييد الأمر بالعتق في قولنا أعتق رقبة بزمان أو مكان أو حالة يورث له الإطلاق بحسب هذه الأحوال لأجل عدم بيان القيد وهذا الإطلاق خارج من مدلول اللفظ وإنما هو ناش من عدم بيان القيد ولا شكّ أنّ التقييد في مثل هذا الإطلاق لا يوجب تجوزا في اللفظ لفرض خروجه من مدلوله كما عرفت ولذا لا ترى المنافرة والتمانع بينهما أصلا عرفا ولو في بادي النّظر بخلاف قرائن المجاز لأنّ التمانع بينهما حاصل إلاّ أنّ تقديم ظهور القرينة على ظهور الحقيقة لأجل قوته ورجحانه بالنسبة إليه ولذا سميت قرائن صارفة لا من باب البيان كما فيما نحن فيه ولعلّ المشهور أيضا لا يقولون بالمجازية هنا وإن نسب القول بالتجوز على وجه الإطلاق إليهم بحيث يشمل المقام أيضا ومن هنا يظهر أنّه إذا دار الأمر بين التخصيص وتقييد مثل هذا الإطلاق فهو من قبيل دوران الأمر بين الأصل والدّليل لأنّ العمل بالثاني من باب عدم البيان وعموم العام بيان له بلا إشكال كما أوضحه المصنف رحمه‌الله والثّاني الإطلاق بحسب الفرد المنتشر المعبر عنه بالحصّة الشائعة كما عرفه بها جماعة مثل أعتق رقبة بناء على كون التنوين للتنكير ومحصّل نزاعهم واحتجاجاتهم في حصول التجوز بالتقييد في هذا القسم هو أن من يقول بالتجوّز يدعي أنّ مدلول رقبة في المثال بحسب الوضع هو الفرد المنتشر بوصف التعرية عن جميع القيود حتى القيود الثابتة من الخارج كما إذا ثبت بالإجماع كون المكلّف به في المثال هو المؤمنة وهذا لازم ما ذكره المحقق القمي قدس‌سره فإنه وإن لم يصرّح بوصف التعرية على نحو ما ذكرناه بل ادعى كون وضعه للفرد المنتشر لا بوصف التعرية ولا بوصف عدمها بل له في حال التعرية نظر إلى كون الوضع وحدانيا إلاّ أنّ ما ذكرناه لازم ما ادعاه من كون تقييد المطلقات مورثا للتجوز مطلقا حتّى بالقيود الثابتة من الخارج إذ لا وجه له سوى أخذ وصف التعرية في الموضوع له فيكون استعماله في غير حال التعرية مجازا لا محالة لانتفاء جزء الموضوع له حينئذ وأمّا من يقول بالحقيقة فيدعي كون مدلول رقبة هو الفرد المنتشر مطلقا بمعنى عدم تقيّده بوصف التعرية لا بمعنى تقيده بوصف عدم التعرية حتّى يلزم التجوز عند استعماله في نفس الفرد المنتشر من دون قيد بل بمعنى وضعه لمعنى يجتمع مع الإطلاق والتقييد من دون أن يكون شيء منهما مأخوذا في الموضوع له وهي الطبيعة المهملة كما يراه سلطان العلماء رحمه‌الله وحيثما تطلق المطلقات مطلقة أو مقيّدة بشيء فالمراد بها هذه الطّبيعة المهملة الّتي وضعت لها والقيد حيثما ثبت إنّما يراد من الخارج لا بنفسها وهذا هو المختار للتبادر لأنا لا نفهم من المطلقات إلا هذا المعنى نعم إن أريد القيد من لفظ المطلق كان مجازا والظاهر أنّ سلطان العلماء أيضا لا ينكر ذلك والإطلاقات العرفية منزلة على غير هذه الصّورة وهي صورة إرادة المطلق في ضمن المقيّد بالحمل المتعارف بأن ثبت القيد من الخارج لا أن يكون مرادا من لفظ المطلق مع الطّبيعة وعلى هذا القول يكون الحكم بالإطلاق لأجل عدم البيان لا لأجل ظهوره في الإطلاق وحيث كان ظهور العام في العموم صالحا للبيانيّة يقدم التقييد على التخصيص عند دوران الأمر بينهما الثالث الإطلاق بحسب الطبيعة المعراة مطلقا حتّى عن قيد الفرد المنتشر أعني الطبيعة المطلقة والكلام فيه من حيث كون التقييد مورثا للتجوّز وعدمه

٦١٤

كسابقه ويدل على عدم التجوّز هنا مضافا إلى ما عرفت أنا لا نفهم فرقا بين قولنا أعتق رقبة مؤمنة بناء كون التنوين للتمكّن وقوله تعالى (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) فكما أنّ الثاني حقيقة كذلك الأوّل وإلى أن التقييد لو كان موجبا للتجوز يلزم التجوّز في جميع مطلقات الكتاب والسّنة بل استعمالها في معانيها الحقيقة والمجازية بل استعمالها في ألف مجاز لتعاود القيود عليها بحسب اختلاف أحوال المكلّفين لأنّ قوله سبحانه أقم الصّلاة مثلا قد أريد منه الأمر بطبيعة الصّلاة بالنسبة إلى من خلا من مرض وسفر وحالة اضطرار ونحوها وأمّا بالنسبة إلى المريض والمسافر والمضطرّ فقد قيد بقيود شتّى وهكذا غيره من الإطلاقات ولا أقلّ من تقيدها بالأفراد الممكنة من الطبيعة وربّما يفصّل في القيود بين المتصلة والمنفصلة بالتزام التجوّز في الثّاني دون الأوّل بدعوى كون المطلقات المقيّدة بالقيود المتّصلة موضوعة بحسب الهيئة للمقيدات بخلاف المقيّدة بالقيود المنفصلة لبقائها على وضعها الأفرادي فيكون تقييدها بها مورثا للتجوز فيها كما عرفته في حجة القول الأوّل وضعفه يظهر ممّا تقدم وإذا عرفت هذا ظهر لك أن إثبات ورود المطلقات في مقام بيان الإطلاق في جميع الأقسام المتقدّمة إنّما هو بمعونة عدم بيان القيد أعني دليل الحكمة فعدم بيانه جزء من مقتضى الإطلاق بخلاف عموم العام لكونه بحسب الوضع فهو بنفسه مقتض للعموم والتخصيص مانع منه فهو بضميمة أصالة عدم المخصّص صالح للبيانيّة فيقيّد بإطلاق المطلق ولا يمكن العكس وكيف لا وهو مستلزم للدّور كما قرّره المصنف قدس‌سره وبعبارة أخرى أنّ الشكّ في إرادة الإطلاق مسبّب عن الشكّ في إرادة العموم فلو انعكس الأمر أيضا لزم الدّور فلا بدّ أن يكون الشكّ في إرادة العموم مسبّبا عن أمر خارجي (قوله) وأمّا على القول بكونه مجازا إلخ هذا القول محكي عن المشهور ولا إشكال في تحقق الأغلبيّة لأنّهم وإن ادعوا أنّه ما من عام إلاّ وقد خصّ إلا أنّه وارد على سبيل المبالغة لكثرة العمومات العرفية كما تقول ما لقيت اليوم أحدا وما أكلت شيئا وما قرأت اليوم كتابا ونحو ذلك بخلاف المطلقات لندرة سلامتها عن التقييد بل لا يكاد يوجد لها مصداق في الخارج لأنّ منها ما هو واقع في حيّز الأخبار مثل جاءني رجل أو رأيت رجلا أو نحوهما ولا ريب أنها قد قيّدت بالوجود الخارجي لأنّ الأخبار في الغالب إنّما هو عن المعنيات الخارجية ومنها ما هو واقع في حيّز الطلب ولا أقل من تقيده بالأفراد المقدورة وبالجملة أنّ وجود خطاب سالم عن التقييد طلبا ومطلوبا من حيث الزّمان والمكان والإمكان ونحوها في غاية القلة ونهاية العزّة ويمكن الاستدلال أيضا على رجحان التقييد على القول المذكور بوجهين آخرين أحدهما الفهم العرفي لأنّه مع دوران الأمر بين التقييد والتخصيص يجعل عموم العام بحسب العرف قرينة على التقييد وهذا واضح لمن تتبع الأمثلة العرفية كما تقول أهن جميع الفسّاق وأكرم العالم فإنه يفهم منه وجوب إكرام العالم العادل وثانيهما القرب الاعتباري بناء على جواز الترجيح به كما يراه بعضهم لأن المقيد أقرب إلى المعنى الحقيقي من قرب الخاص إلى العام ولذا يحمل المطلق على المقيّد بالحمل المتعارف فيقال زيد إنسان ولا يصحّ حمل العام على الخاص فلا يقال زيد العالم العلماء ولعلّ المصنف ره لم يتعرض للأوّل نظرا إلى كون مبنى الفهم العرفي على ما ذكره من الغلبة وللثاني لعدم الاعتداد بالقرب العرفي (قوله) وفيه تأمّل إلخ قال المصنف ره في الحاشية وجه التأمّل أنّ الكلام في التقييد المنفصل ولا نسلم كونه أكثر نعم دلالة ألفاظ العموم أقوى من دلالة المطلق لو قلنا أنّها بالوضع انتهى (قوله) لغلبة شيوعه إلخ يحتمل أن يريد بغلبة التخصيص وجوها أحدها أن يكون التخصيص أغلب بحسب وجوده الخارجي من مطلق المجازات الواقعة في الاستعمالات وهذه الدّعوى تكاد تشبه المكابرة لوضوح أغلبية سائر المجازات وثانيها ما ذكره المحقق القمي قدس‌سره من كون التخصيص أغلب من سائر المجازات الحاصلة في اللفظ العام وهذه الدّعوى أيضا غير مجدية في المقام لأن الكلام هنا في ترجيح التخصيص على سائر المجازات إذا دار الأمر بين تخصيص العام في كلام وارتكاب خلاف الظاهر في كلام آخر وثالثها وهو الحق أن يقال إنّ نوع العمومات إذا قيست إلى سائر أنواع الخطابات بخصوصها مثل الخطاب المشتمل على الأمر أو النّهي أو نحو ذلك فالتخصيص بحسب نوعه أغلب من سائر المجازات الحاصلة في سائر أنواع الخطابات لأنّ استعمال هذه الخطابات في معانيها الحقيقة غير عزيز بل كثير في المحاورات العرفية بخلاف الخطابات المشتملة على ألفاظ العموم لغلبة ورود التخصيص عليها نعم ربّما يمنع غلبة التخصيص بالنسبة إلى حمل صيغة الأمر على الاستحباب كيف لا وقد قيل بكونها مجازا مشهورا فيه ولم يقل ذلك أحد في العام ولعلّ الأمر بالتّأمّل إشارة إلى معارضة ذلك بما اشتهر من أنّه ما من عام إلاّ وقد خصّ (قوله) وقد يستدل على ذلك إلخ تقريب الاستدلال أنّ الحلال والحرام في الحديث الشريف إمّا كناية عن مطلق الأحكام الشرعيّة وإمّا أنّه قد خصّها بالذّكر لأهميتهما من بين سائر الأحكام وعلى كلّ تقدير فالمراد استمرار مطلق أحكام محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهذا الحديث الشّريف يعطي قاعدة كليّة وهي استمرار كل حكم من الأحكام الشّرعية إلى الأبد فيجعل هذه القاعدة مرجعا عند الشكّ في تحقق النّسخ لوضوح أنّه لا بد في تخصيصها من الاقتصار على ما علم نسخه شرعا فنقول فيما نحن فيه إذا دار الأمر بين نسخ دليل وارتكاب خلاف الظّاهر في دليل آخر فعموم الحديث الشريف حاكم على صرف التأويل إلى الدّليل الآخر مع أنّ الأمر هنا دائر بين ارتكاب خلاف ظاهرين وارتكاب خلاف ظاهر واحد لأنّه على تقدير النّسخ يلزم تخصيص هذا الحديث الشريف وصرف الدّليل الظّاهر في الاستمرار عن ظهوره بخلافه على تقدير ارتكاب خلاف الظّاهر في الدّليل الآخر ولا ريب أنّ الثاني أولى وأرجح لوجوب المحافظة على الظواهر بحسب الإمكان (قوله) لأنّ الكلام في قوة أحد الظاهرين إلخ مضافا إلى عدم صلاحية الأصول للترجيح في المقام إما لأن اعتبار الأصول من باب التعبّد فلا تصلح لترجيح أحد الظهورين لاختلاف مرتبتهما اللهمّ إلا أن يمنع ذلك في خصوص أصالة عدم النسخ نظرا إلى استقرار بناء العقلاء عليها وإمّا لحكومة الظاهر المقابل لها عليها ولذا لا يقاوم شيء من الأصول سواء قلنا باعتبارها من باب التعبّد أو الظنّ شيئا من الأدلّة الظنيّة(قوله)

٦١٥

ثمّ إن هذا التعارض إلخ يعني التعارض بين ظهور الكلام في استمرار الحكم وبين ظهوره في شمول الحكم لجميع الأفراد وحاصله أنّه إذا ورد عام فله ظهور من جهتين إحداهما ظهوره في استمرار الحكم إلى الأبد والأخرى ظهوره في شمول الحكم لجميع أفراده ولا تعارض بين هذين الظهورين في أنفسهما وإذا ورد بعده خاص مخالف له في الحكم مردّد بين كونه مخصصا للعام وناسخا لحكم بعض أفراده فحينئذ يقع التعارض بين الظهورين المذكورين بواسطة ورود هذا الخاص المردّد بين الأمرين ولكن هذا التعارض المشار إليه بقوله ثم إنّ هذا التعارض إلى آخره إنّما هو مع عدم ظهور الخاص في ثبوت حكمه في زمان صدور العام وإلاّ انتفي احتمال نسخ بعض أفراد العام بالخاص المذكور ووجهه واضح لأنّ الشكّ في كون الخاص ناسخا مسبب عن الشكّ في ثبوت حكمه في الشريعة ابتداء إذ مع العلم به يحصل القطع بكونه مخصّصا لا ناسخا وإذا فرض ظهوره في ثبوت حكمه ابتداء بالظّهور المعتبر تعين كونه مخصصا وبعبارة أخرى أن ظهوره في ثبوت حكمه ابتداء حاكم على ظهور العام في الشمول لجميع أفراده فلا يصحّ جعل ظهور العام في الشمول والعموم دليلا على كون الخاص ناسخا مع أن فيه ارتكاب خلاف ظاهرين أحدهما ظهور الخاص في ثبوت حكمه في الشريعة ابتداء والآخر ظهور العام في استمرار حكمه إلى الأبد وفي التخصيص ارتكاب خلاف ظاهر واحد وهو ظهور العام في العموم الأفرادي وهذا أسهل فارتكابه أرجح وأولى وحينئذ يتعين التخصيص ولكن التعارض المذكور الّذي فرض ارتفاعه بظهور الخاص في ثبوت حكمه في الشّريعة ابتداء إنّما يتأتى فيما تقدّم العام وتأخّر الخاص ولا يجري في الخاص المتقدّم على العام المردّد بين كونه مخصّصا للعام وكون العام ناسخا له لأن التعارض حينئذ بين ظهور كلامين وهو ظهور الخاص في استمرار حكمه المقتضي لكونه مخصصا للعام وظهور العام في الشّمول لجميع الأفراد المقتضي لكونه ناسخا للخاص وهذا التعارض غير التعارض السّابق لما عرفت من كون التعارض بين الظهورين في الصورة الأولى بواسطة أمر ثالث بالذات بخلافه هنا(قوله) وعبروا عنه بتقديم إلخ لعله لكون الاهتمام بشأن الحقائق الوضعيّة أولى من الاهتمام بشأن المجازات لما ثلمتها ثلمة المجازية والخروج من الحقيقة الوضعيّة فتكون مراعاة حال الحقائق أولى وأرجح ويرد عليه أنّهم إن أرادوا ذلك مع تساوي الظهورين يرد عليه ما أورده المصنف رحمه‌الله وإن أرادوا ذلك مع رجحان ظهور اللّفظ في المعنى الحقيقي فهو وإن كان متجها إلاّ أنّه لا اطراد له وإن أرادوا ذلك فيما دار الأمر بين ارتكاب التّأويل في ظاهر حقيقتين وبين ارتكابه في ظاهر حقيقة واحدة كما إذا قيل رأيت أسدا وقيل أيضا رأيت أسدا يرمي فهو مع عدم اطراده إنّما يتجه فيما لو قلنا باعتبار الظواهر من باب الظنّ دون التعبّد العقلائي لأن غاية الأمر حينئذ تعارض تعبدين مع تعبدي واحد ولا دليل على الترجيح بتعدد التعبديات نظير تعارض الأصلين مع تعدّد أحدهما كما تقدّم في مسألة الاستصحاب (قوله) قرينة لفظيّة إلخ متصلة كانت أم منفصلة(قوله) أو قرينة منفصلة قطعية إلخ كالإجماع والعقل (قوله) وإن كان ظنّا معتبرا إلخ أي مستند الظهور كالشّهرة والإجماع المنقول بناء على اعتبارهما فيقدم الظهور المستند إليهما على ظهور الحقيقة كما يقدم الظّهور الناشئ من القرينة اللفظيّة المقترنة باللّفظ لكون كلّ منهما مستندا إلى ظنّ معتبر(قوله) وأمّا الصّنفان المختلفان من نوع واحد إلخ بأن دار الأمر بين ارتكاب النّسخ في هذا الدّليل أو ذاك الدّليل أو ارتكاب الإضمار في هذا أو ذاك وهكذا التجوز والتخصيص والتقييد والظّاهر أنّه لا ميزان كليا بين أفراد النسخ والإضمار والتجوز بحيث يكون هو المعيار بين أفراد الأمور المذكورة حتّى يمتاز رجحان بعض أفرادها على بعض فحينئذ تتبع المقامات الشّخصيّة فإن ظهرت قرينة خارجة توجب رجحان ارتكاب النّسخ مثلا في هذا الدّليل دون ذلك فهو وإلاّ يتوقف نعم قد ثبت رجحان صنفين من أصناف الأمور المذكورة فيقدمان على معارضهما من سنخهما ما لم تظهر قرينة خارجة تورث رجحان معارضهما عليهما أحدهما المجاز الرّاجح الذي مرتبته دون مرتبة المجاز المشهور فيقدم على المجاز المرجوح كما مثّل له المصنف رحمه‌الله وثانيهما بعض أصناف التخصيص وإن كان مطلقه من المجازات الرّاجحة فيقدم بعض أصنافه على بعض وذلك قد يكون لقوة عموم أحد العامين على الآخر إمّا بنفسه أو بمعونة الخارج وقد يكون لقرب أحد التخصيصين وبعد الآخر أمّا الأوّل فكتقديم الجمع المحلّى والمشتمل على لفظ كل ومتى ونحوهما من ألفاظ العموم على المفرد المعرف وقد يمثل لذلك أيضا بما كان أحد العامين غير مخصّص أصلا بأن دار الأمر بين تخصيص عام لم تصل إليه يد التخصيص وآخر مخصّص سابقا بمخصّص خارجي لأن ما لم تصل إليه يد التخصيص أقوى شمولا لأفراده ممّا وصلت إليه يد التخصيص لوهن ظهوره بهتك حماه بالأمور الأجانبة فتكون قوّة ظهور الأول قرينة لصرف التخصيص في محلّ التعارض إلى الثّاني وفيه نظر لمنع ضعف ظهور العام المخصّص فيما بقي بالنسبة إلى العام غير المخصّص بل ربّما ينعكس الأمر لندرة وجود العام غير المخصّص حتّى قيل ما من عام إلاّ وقد خصّ وهو وارد على سبيل الحقيقة بالنسبة إلى العمومات الواردة في بيان الأحكام الشرعيّة فحيث يدور الأمر بين تخصيص عام لم يخصص قطّ وتخصيص عام مخصّص قبل بمخصّص خارجي فالظنّ حاصل بكون التخصيص للأوّل دون الثّاني وأمّا الثاني فمثل ورود أحد العامين في مقام بيان الضّابط فإنّه أقوى من غيره كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله ومنه ما لو كان أحد العامين مسبوقا بسؤال أو سبب بأن كان واردا في جواب السّؤال عن حكمه أو بعض أفراده أو كان واردا عند وقوع حادثة كما في الآيات الّتي علم شأن نزولها فإنّه أقوى ممّا لم يكن كذلك فإذا تعارضا في محل السّؤال أو السّبب فيقدم المقرون بأحدهما نعم لو تعارض دليلان أحدهما مفهوما والآخر منطوقا ودار الأمر بين تخصيص الأوّل موردا وتخصيص الثّاني بإخراج بعض أفراده منه مع دخول المورد في منطوق الأوّل فلا ضير حينئذ بتخصيص المفهوم وإن كان بتخصيص المورد إذ يكفي في نصوصيّة العام في مورده عمومه له بحسب المنطوق كما في آية النبإ لورودها في إخبار وليد بن عتبة عن ارتداد بني مصطلق لأنّ رسول الله صلّى الله

٦١٦

عليه وآله وسلم بعثه إليهم متصدقا فلمّا قرب إلى ديارهم ركبوا مستقبلين فحسبهم مقاتليه فرجع وأخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّهم ارتدوا فنزلت الآية فهي بمعونة موردها تدل مفهوما ومنطوقا على قبول شهادة العدل الواحد في الموضوعات وعدم قبول شهادة الفاسق فيها لكنّها بمفهومها معارضة مع ما دل على اعتبار العدد في الشهادة فيخصّص به وإن كان التّخصيص بحسب المورد وهي وإن كانت خارجة ممّا نحن فيه لكون التعارض بينهما بالعموم والخصوص مطلقا إلا أنا أوردناه في المقام تقريبا لما ذكرناه وأمّا الثّالث فمثل ما أشار إليه المصنف رحمه‌الله من كون أحد العامين أكثر أفرادا دون الآخر أو ما دار الأمر فيه بين قلّة الخارج وكثرته ولعلّ في عدول المصنف رحمه‌الله عن هذه العبارة إلى قوله لكثير من الأفراد بخلاف الآخر إشارة إلى منع كون مطلق القلّة والكثرة من المرجحات في المقام بحيث يكون العام الذي يكون الخارج منه أقل على تقدير تخصيصه أظهر عرفا في الشّمول لأفراده من الآخر نعم لو كان الخارج على تخصيص أحدهما أكثر من الباقي أو كان أفرادا كثيرة بحيث يقرب من الأوّل كان إبقاؤه على العموم أظهر من الآخر وحيث كان تخصيص الأكثر غلطا لاستهجانه عرفا خص المصنف رحمه‌الله المثال بما كان الخارج أفرادا كثيرة نعم لو قلنا بجوازه دخل فيما نحن فيه ثم إنّ هنا قسما رابعا لا يندرج في شيء من الأقسام الثلاثة وهو ما دار الأمر فيه بين قلّة التخصيص وكثرته بأن استلزم تخصيص أحدهما تخصيصا آخر أيضا بخلاف تخصيص الآخر لأنّ الاقتصار على المتيقن ونفي الزائد المشكوك فيه بالأصل يرجح تخصيص الثّاني على الأوّل ولا يندرج في شيء ممّا ذكره المصنف رحمه‌الله من كون ترجيح أحد العامين فيه لأجل أظهريته بنفسه أو بمعونة الخارج أو لبعد التخصيص فيه كما لا يخفى ثمّ إنّ هنا وجوها من التّرجيح بحسب الدّلالة لا يختص بترجيح تخصيص أحد العامين على الآخر بل بعضها يختص بالمتخالفين وبعضها يعمّهما والمتجانسين منها ما تعارض فيه دليلان أحدهما منطوقا والآخر مفهوما لأنّ صرف التّأويل إلى المفهوم أرجح وأولى لأن المنطوق أقوى دلالة من المفهوم هكذا قرّروه وفي إطلاقه نظر لأن تعارض الدّليلين مفهوما ومنطوقا تارة يكون بالمفهوم المخالفة وأخرى بالمفهوم الموافقة أمّا الأوّل فلا إشكال في تقديم المنطوق عليه لأظهريته بالنسبة إليه سيّما إذا قلنا بثبوت المفهوم عقلا أو بمقتضى الأصل كما يحتجّ له بأنّه لو لا اعتبار المفاهيم لعرى التقييد بالشرط أو الغاية أو نحوهما عن الفائدة وكذا ما يقال في إثبات مفهوم الشرط من أن مقتضى الشرطية كون الشّرط سببا لجزائه ثبوتا وانتفاء لأصالة عدم قيام سبب آخر مقامه عند انتفائه لأن معارضة مثل هذا الدّليل مع منطوق دليل آخر من قبيل تعارض الأصل مع الدّليل فتعيّن صرف التأويل حينئذ إلى المفهوم لا محالة وأمّا الثاني ففي ترجيح المنطوق عليه إشكال لمنع أظهريته بالنسبة إليه لأن قوة دلالة قوله سبحانه (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) على حرمة قول الأف بالنسبة إلى دلالته على حرمة الضرب ممنوعة جدا فلا وجه لصرف التأويل إلى مثل هذا المفهوم في موارد التعارض إن لم يكن العكس أرجح وأولى بل يمكن منع إمكان التأويل في مثل هذا المفهوم مع بقاء منطوقه على حاله لثبوته عقلا والأحكام العقلية لا تقبل التخصيص والتّأويل فمع القول بحرمة قول أف لا يمكن القول بجواز الضرب مطلقا أو في بعض الموارد مضافا إلى استهجانه عرفا نعم لو كان ثبوت الحكم في طرف المفهوم بسبب رجحان في الجملة بحيث لا يلحق بالمتساويين عقلا ولم يكن في رفع اليد عنه استهجان عرفي أمكن رفع اليد عنه مع بقاء المنطوق على حاله مثل ما ورد من كون الوقاع بالمعتدة سببا للتحريم المؤبد حيث تعدوا عنها إلى ذات البعل بالأولوية وعن اعتبار الظنّ في عدد الركعات إلى اعتباره في سائر الأجزاء والشرائط فتأمل ومنها كون أحد المتعارضين مؤكّدا بإن المؤكدة أو القسم أو غيرهما وخلو الآخر منه فيصرف التأويل إلى الخالي منه لأنّ الكلام المؤكد أقوى ظهورا من غيره فيصرف التأويل إلى غيره ومنها ورود أحدهما في مقام الامتنان دون الآخر فيرجح الأوّل عليه مثل ترجيح عموم قوله تعالى خلق الماء (طَهُوراً) على ما يعارضه من العمومات لكونه أقوى ظهورا مما لم يكن كذلك ومنها ورود أحدهما في مقام البيان دون الآخر بأن كان عمومه مستفادا من وروده في مقام البيان مثل العموم المستفاد من ترك الاستفصال لأنّ ورود حكم عن الإمام عليه‌السلام في واقعة مع ترك الاستفصال عن وجوهها المحتمل وقوعها على أحدها يفيد العموم لجميعها فيقدم على سائر العمومات اللفظية المتعارضة له وفيه نظر لمنع الأظهرية إن لم يكن العكس أولى لأن مرجع العموم المستفاد من ترك الاستفسار إلى العموم المستفاد من عدم بيان القيد وسائر العمومات اللفظية يعدّ بيانا بالنسبة إليه فتكون أولى بالترجيح نظير تعارض التخصيص والتقييد على المتقدّم واعلم أنّ العلماء رضوان الله عليهم قد ذكروا في وجوه الترجيح بحسب الدّلالة ما يزيد على ثلاثين وجها على ما قيل إلاّ أن مرجع الجميع إلى تقديم أظهر الدّليلين بحسب النّوع أو الصنف على الآخر فلا بد أن يلاحظ الدّليلان بحسبهما(قوله) وأمّا تقديم بعض أفراد التخصيص إلخ مع كون نوع التخصيص راجحا وشائعا(قوله) من أن النّص بحكم إلخ أي يصير حاكما عليه وفي دعوى كون تقديم الأظهر على الظاهر من باب الحكومة منافاة لما تقدّم في كلامه من كونه من باب ترجيح الدّلالة دون الحكومة (قوله) فنقول توضيحا لذلك إلخ اعلم أن ملخص ما ذكره المصنف رحمه‌الله هنا إلى آخر المسألة هو إرجاع جميع أقسام التّعارض بين أزيد من دليلين إلى قسمين أحدهما ما كان تعارض الأدلّة بنسبة واحدة إمّا بالعموم والخصوص من وجه بأن كان الجميع بهذه النسبة وإمّا بالعموم والخصوص مطلقا بأن كان أحدها عاما والآخران خاصين بالنسبة إليه كما يظهر ممّا مثّل به للمقام وحكمه حكم المتعارضين كذلك على نحو ما أوضحه والثاني ما كانت النسبة فيه بين المتعارضات مختلفة وحكمه أنّه مع رجحان أحدها يقدم الرّاجح ثمّ تلاحظ النسبة بينه وبين الباقي على ما أوضحه في آخر كلامه إلا أنّه لم يتعرض لصورة عدم رجحان شيء منها والأولى في تعداد موارد أقسام المسألة أن يلاحظ نفس تعارض الأدلّة دون نسبتها لكونه أكثر استمدادا للمبتدي وانتفاعا للمنتهي في الاطلاع على موارد المسألة كما ستقف عليه فنقول مستعينا بالله وبيده

٦١٧

أزمة التوفيق والاهتداء إنّه إذا وقع التعارض بين أزيد من دليلين كالثلاثة فصاعدا إمّا أن يكون التعارض من جانب واحد بأن تعارض دليلان مع ثالث مع عدم تعارضهما في أنفسهما كقولك أكرم العلماء ولا تكرم هذا العالم ولا تكرم ذاك العالم وإمّا أن يكون من جانبين أو أزيد بحسب اختلاف الأدلّة كقولك أكرم العلماء ولا تكرم النّحويين ويكره إكرام الأصوليّين إذا فرضت النسبة بين الأخيرين عموما من وجه بأن كان بعض النحاة أصوليا أيضا ويندرج في هذا القسم أقسام بحسب اختلاف مراتب الأدلّة أمّا القسم الأوّل فهو على أقسام لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون أحد الأدلّة ظاهرا والباقيان نصين أو أظهرين بالنسبة إليه أو يكون أحدها نصّا بالنسبة إلى أحد الباقيين وظاهرا بالنسبة إلى الآخر أو لا تكون نصوصية ولا أظهرية في البين أصلا وعلى التقادير إمّا أن يكون بعض الأدلّة متّصلا بالآخر كالشّرط والصّفة أو نحوهما أو يكون الجميع منفصلات ومستقلات بأنفسها أو يكون بعضها مردّدا بينهما كالاستثناء لاختلافهم في كونه من المخصّصات المتّصلة أو المنفصلة كما ستعرفه لكن صورة الاتصال خارجة من محلّ الكلام لأنّه مع تعارض أدلّة ثلاثة مع كون أحدها شرطا أو صفة بالنسبة إلى أحد الباقيين لا يعد المتّصل بالنسبة إلى ما اتصل به دليلا على حدة بل هما يعدّان دليلا واحدا معارضا للثالث فبعد تقييده بما اتصل به من الشّرط أو الصّفة أو نحوهما من المقيدات المتّصلة والعمل بمقتضاهما تفرض النسبة بين مقتضاهما والباقي فالتعارض حينئذ يقع بين دليلين دون الثلاثة فيخرج من محلّ الكلام فينحصر البحث حينئذ في الأدلّة المنفصلة وما يتردد بين كونه متّصلا ومنفصلا فيقع البحث حينئذ في هذا القسم في صور إحداها تعارض الأدلّة المنفصلة مع كون التعارض من جانب واحد وكون أحد الأدلّة ظاهرا والباقيين نصين بالنسبة إليه والمراد بالنّصوصية في هذه الصّور أعمّ منها ومن الأظهرية كتعارض عام مع خاصين والحكم في موارد هذه الصّورة مختلف ففي بعضها يتخيّر في ملاحظة النّسبة بين الأدلّة المتعارضة بين ملاحظتها دفعة ومرتبة وفي بعض آخر تتعين ملاحظتها دفعة واحدة وفي ثالث تتعين ملاحظتها مرتبة أمّا الأوّل فهو كلّ مورد يكون بين الخاصين المعارضين مع العام على ما عرفت تباين بشرط أن لا يلزم من تخصيص العام بهما بقاء العام بلا مورد أو تخصيص الأكثر كقولك أكرم العلماء ولا تكرم النحويين ولا تكرم الأصوليين إذا فرض التباين بين النّحوي والأصولي وحينئذ يجوز أن تلاحظ النسبة بين العلماء وبين النّحوي والأصولي فيخصّص بهما دفعة واحدة ويجوز أن تلاحظ النسبة بين العلماء والنّحوي فيخصّص به أوّلا ثمّ تلاحظ النسبة بين العام المخصّص بالنّحوي وبين الأصولي فيخصص به ثانيا فجواز الأمرين إنّما هو لأجل عدم اختلاف الحكم بهما وكذا فيما لو كان بين الخاصين عموم وخصوص مطلقا كما إذا فرض في المثال المذكور كون كل أصولي نحويا من دون عكس فيجوز حينئذ تخصيص العام بهما دفعة واحدة ومرتبا لكن يشرط في صورة الترتب تخصيص العام أوّلا بالمطلق منهما ثم بالخاص وأمّا صورة العكس فلا يجوز التخيير فيها بين الدّفعة وتخصيص العام أولا بالخاص ثم بالمطلق وأمّا الثّاني فهو كلّ مورد يكون بين الخاصين عموم وخصوص من وجه مثل قولنا أكرم العلماء ولا تكرم الأصوليّين ولا تكرم النحويّين لأنّ النسبة بين العلماء وبين الأصوليين والنحويّين عموم وخصوص مطلقا وبين الأخيرين عموم من وجه وبعد إخراجهما من عموم العلماء يجب إكرام غير الأصوليين والنّحويّين من العلماء بخلاف ما لو حطت النسبة مرتبة بأن خصّص العلماء أوّلا بالأصوليّين ثمّ بالنحويّين لانقلاب النسبة بعد إخراج الأصوليين إلى العموم من وجه لأنّ مادة الاجتماع هو العام النّحوي غير الأصولي ومادة الافتراق من جانب الأوّل هو الفقيه غير النّحوي ومن جانب الثاني هو النحوي الأصولي فلا يمكن تخصيص العلماء بالنحويّين ثانيا لفرض صيرورة النسبة حينئذ عموما من وجه فيجب حينئذ إمّا الرّجوع في مادة التعارض إلى المرجّحات أو الحكم فيها بالتعارض والرّجوع إلى مقتضى الأصول وحيث لا مرجّح لتخصيص العام أوّلا بأحد الخاصين لفرض تساوي مرتبتهما بالنّسبة إليه يجب تخصيصه بهما دفعة لئلاّ يلزم الترجيح بلا مرجّح ومثله الكلام فيما كان بين الخاصين عموم وخصوص مطلقا فيخصّص بهما العام دفعة ولا يجوز تخصيص العام أوّلا بالخاص منهما ثم بمطلقهما لانقلاب النسبة حينئذ إلى العموم والخصوص من وجه مثل قولنا أكرم العلماء ولا تكرم الأصوليين ولا تكرم النحويّين إذا فرض كون كلّ أصولي نحويّا من دون عكس لأنّه إذا خصّص العلماء بالأصوليّين أوّلا يكون المراد بالعلماء غير أصوليين منهم والنسبة بينه وبين النّحويّين عموم من وجه فمادة الاجتماع هو الفقيه النّحوي ومادة الافتراق من جانب الأوّل هو الفقيه غير النّحوي ومن جانب الثّاني هو النحوي الأصولي فلا بدّ حينئذ من التخصيص دفعة كما عرفت نعم لو خصّص العام أوّلا بالمطلق منهما ثم بالخاص لا تتفاوت الحال حينئذ بين الدفعة والترتيب فيتخير بينهما على ما أسلفناه وبالجملة أن تعين الدّفعة في هذا الفرض إنّما هو بالنسبة إلى تخصيص العام أوّلا بالخاص منهما وإلاّ فلو خصّص بالمطلق منهما أوّلا ثبت التخيير بين الدّفعة والترتيب على ما عرفت ثم إنّه لا فرق فيما ذكرنا بين كون أحد الخاصين من قبيل الدّليل اللّفظي أو العقلي أو الإجماع لاتحاد المناط في الجميع في جميع ما ذكرناه خلافا لما توهمه الفاضل النّراقي كما ذكره المصنف رحمه‌الله وسنشير إلى توضيحه وأمّا الثالث فهو كلّ مورد يكون لملاحظة الترتيب فيه ثمرة ومرجح مثل قولنا أكرم العلماء ولا يجب إكرام العلماء ولا تكرم الأصوليّين فإذا لوحظ تعارض جميعها وعولج تعارضها دفعة واحدة يجب تخصيص العام في الدّليلين الأوّلين بالأصوليّين لكونه خاصا وحمل الأمر في الأوّل منهما على الاستحباب لكون النفي في الثاني نصّا بالنسبة إلى ظهور الأمر في الوجوب فيكون المحصّل حينئذ استحباب إكرام من عدا الأصوليين من العلماء بخلاف ما لو لوحظ الترتيب بأن يخصّص العام الأوّل بالأصوليّين أولا ثمّ نلاحظ النّسبة بين هذا العام المخصّص وبين قولنا لا يجب إكرام العلماء لانقلاب النسبة حينئذ إلى العموم والخصوص مطلقا فيجب تخصيص قولنا لا يجب إكرام العلماء بقولنا أكرم العلماء غير الأصوليّين فيختص عدم الوجوب حينئذ بالأصوليين

٦١٨

ويكون المحصل حينئذ وجوب إكرام من عدا الأصوليين من العلماء ولا يجب إكرام الأصوليين بل يحرم إكرامهم لظاهر النّهي في قولنا لا تكرم الأصوليين لعدم المنافاة بين عدم الوجوب وثبوت الحرمة وإنّما قلنا في تفسير الترتيب هنا بأن يخصّص العام الأوّل بالأصوليين أولا إذ لو لوحظ التعارض بين العامين أولا ويحمل الأمر في قولنا أكرم العلماء على الاستحباب لأجل نصوصية النفي في العام الآخر ثم يخصّص بالأصوليين لا تبقى ثمرة لملاحظة الترتيب لكون المحصل بعد ملاحظة التعارض دفعة أو ترتيبا بهذا المعنى هو استحباب إكرام من عدا الأصوليين فيتخير بينهما حينئذ بخلاف الترتيب بالمعنى المتقدم وأمّا وجود المرجّح للترتيب على الدّفعة فإنّه في صورة علاج التعارض دفعة واحدة يلزم تخصيص العلماء بالأصوليّين وحمل الأمر على الاستحباب وفي صورة الترتيب يلزم تخصيص العلماء بالأصوليّين في قولنا أكرم العلماء وتخصيص العلماء أيضا في قولنا لا يجب إكرام العلماء بهذا العام المخصّص والتخصيص الأوّل لازم على التقديرين فيدور الأمر حينئذ بين حمل الأمر على الاستحباب وتخصيص العلماء في قولنا لا يجب إكرام العلماء والتخصيص أولى من سائر المجازات وفذلكة المقامات الثلاثة المتقدّمة بحيث تكون ضابطة في المقام أنّه مع تعارض الأدلّة المنفصلة مع كون التعارض من جانب واحد وكون بعضها نصّا أنّ النسبة بين الأدلّة المتعارضة إن كانت نسبة واحدة عند علاج تعارضها دفعة واحدة أو مرتبا ولم تتقلب إلى نسبة أخرى عند علاجها مرتبا يثبت فيه التخيير وإن انقلبت إلى نسبة أخرى عند علاجها مرتبا بأن كانت نسبتها عند علاجها دفعة واحدة عموما وخصوصا مطلقا وانقلبت إلى نسبة أخرى عند علاجها مرتبا فحينئذ إن كان للترتيب مرجح فهو وإلا تعينت الدّفعة الثانية تعارض الأدلة من جانب واحد مع كون أحد الأدلّة ظاهرا والباقيين نصين بالنسبة إليه وكون بعضها مرددا بين كونه من المخصّصات المنفصلة أو المتّصلة كالاستثناء مثل قولنا أكرم العلماء إلاّ الفسّاق منهم ولا تكرم النّحويين وتحقيق المقام يبتنى على تحقيق الكلام في كون الاستثناء من المخصّصات المتّصلة أو المنفصلة ونقل كلماتهم المومية إلى الخلاف في ذلك فنقول إنهم قد حكموا بعدم الضمان في العارية واستثنوا منه صورة اشتراط الضمان وصورة إعارة الذّهب والفضّة ولكنهم اختلفوا في أنّ الضّمان هل يعمّ المسكوك من الجنسين وغيره كالحلي المصوغة أو يختص بإعارة المسكوك أعني الدّرهم والدينار وذهب المشهور إلى الثّاني ومنهم فخر المحققين والسّبزواري وصاحب الرّياض وجماعة إلى الأوّل ومنهم المحقق والشّهيد الثانيان واختلافهم هذا ينشأ من اختلاف مشاربهم في فهم الأخبار لأنّ هنا أصنافا خمسة من الأخبار ففي بعضها نفي الضمان مطلقا مثل الصّحيح ليس على المستعير عارية ضمان وصاحب العارية والوديعة مؤتمن وفي آخر استثنى صورة الاشتراط وفي ثالث استثنى الذّهب والفضة مثل الخبر في العارية ليس على مستعير ضمان إلاّ ما كان من ذهب أو فضّة فإنهما مضمومان اشترطا أو لم يشترطا وفي رابع استثنى الدّنانير مثل الصّحيح لا يضمن العارية إلا أن يكون اشترط فيها ضمانا إلاّ الدّنانير فإنها مضمونة وإن لم يشترط فيها ضمانا وفي خامس استثنى الدّراهم مثل الحسن كالصحيح ليس على صاحب العارية ضمان إلاّ أن يشترط صاحبها إلا الدّراهم فإنّها مضمونة اشترط صاحبها أو لم يشترط قال فخر المحققين ما حاصله أن خبر الذهب والفضة يخصّص بخبر الدّرهم والدّينار لكونه أخصّ بالنسبة إليه وبعد تخصيصه به يخصص عموم نفي ضمان العارية بهذا العام المخصّص وأورد عليه المحقق الثاني بما حاصله أنّ التّخصيص فرع التنافي ولا تنافي بين ضمان عارية الذّهب والفضة وضمان عارية الدّرهم والدّينار لإمكان اجتماعهما فلا موجب للتخصيص فيبقى عموم الذهب والفضة بحاله فيكون كل من خبر الذّهب والفضة مخصصا لعموم نفي الضّمان وذكر الشّهيد الثّاني ما حاصله منع التنافي كما ذكره المحقق الثاني وقد نقل المصنف رحمه‌الله عبارته بطولها وقال في الرّياض تبعا للسبزواري إنّ النسبة بين روايتي الدّرهم والدّينار بعد جعلهما كرواية واحدة وبين ما استثنى الذهب والفضة هو العموم والخصوص من وجه وتوضيحه على ما نقله بعض مشايخنا عن صاحب الرّياض مع ملاحظة ما ذكره في بعض حواشيه على كتابه في تلك المسألة أن روايتي الذهب والفضة والدّرهم والدّينار قد اشتملتا على نفي الضمان عن العارية وعلى إثباته في الذهب والفضّة كما في الأولى وفي الدّرهم والدّينار كما في الثّانية ولا تعارض بينهما في نفي الضّمان عن غير الذّهب والفضّة كالثوب ونحوه ولا في إثباتهما له في الدّرهم والدّينار وإنّما التعارض بين المستثنى منه في خبر الدّرهم والدّينار والمستثنى في خبر الذهب والفضة لأنّ مقتضى الأوّل نفي الضمان عن الحلي المصوغة ومقتضى الثّاني إثباته لها وإلى ذلك أشار المصنف رحمه‌الله بعقدي السّلب والإيجاب فيتعارضان فيها بالعموم من وجه فمادة الافتراق من الأوّل هو الثوب ونحوه لأنّ إثبات الضمان في الذهب والفضّة ساكت عنه ومن الثاني إثبات الضّمان في الدرهم والدينار لأن نفي الضمان عن ما عدا الدّرهم والدّينار ساكت عن إثباته فيهما لأنّ الكلام في فرض التعارض بين المستثنى منه من جانب والمستثنى من جانب آخر لا بين مجموع ما تضمنته الرّوايتان ومادة الاجتماع هي الحلي المصوغة على ما عرفت فيرجع فيها بعد التعارض والتساقط إلى مقتضى الأصول من أصالة عدم الضمان كما هو مقتضى عمومات نفي الضمان في العارية من غير تقييد وأقول إنّ ظاهر كلام المحقق الثّاني كون الاستثناء من المخصّصات المنفصلة فكأنّه قال لا ضمان في العارية ثم قال في عارية الذّهب والفضّة ضمان وقال أيضا في عارية الدّرهم والدّينار ضمان ولذا قال لا منافاة بين استثناء الذّهب والفضة من عموم نفي الضمان وبين استثناء الدّرهم والدّينار منه أيضا إذ لو كان الاستثناء من المخصصات المتّصلة تحققت المنافاة بين استثنائهما لأن مقتضى استثناء الأوّلين ثبوت الضمان في الحلي المصوغة ومقتضى استثناء الأخيرين نفيه عنها كما تقدم وقد تفطن الشّهيد الثّاني بتنافيهما فأجاب عنه بما هو مذكور في كلامه وظاهر الفخر وغيره كونه من المخصّصات المتّصلة حيث قد فهموا التنافي بين الاستثناءين فخصّصوا عموم الذّهب والفضة أو إطلاقهما بخصوص الدّرهم والدّينار ثم خصّصوا عموم نفي الضمان بهما وإلاّ فلا يتحقق التنافي بين الاستثناءين حتّى يوجب الجمع بينهما بتخصيص أحدهما بالآخر كما زعمه المحقق الثاني والتحقيق وفاقا للمصنف رحمه‌الله كونه من المخصّصات المتصلة لأنا لا نفهم فرقا بين قولنا لا تكرم العلماء

٦١٩

إن فسقوا أو الفاسقين منهم وبين قولنا أكرم العلماء إلاّ الفسّاق منهم ولذا يفيد الحصر ولو كان من المخصّصات المنفصلة لم يفد ذلك علي نحو ما زعمه المحقق الثاني على ما عرفت ومن هنا يصحّ أن يقال إن النسبة بين قوله ليس في العارية ضمان إلاّ الدّرهم والدّينار وبين ما دلّ على ضمان الذّهب والفضّة هو العموم والخصوص من وجه على نحو ما قررناه في تقرير ما اختاره صاحب الرّياض ولكن في حكمه في مادة التعارض بالإجمال والرّجوع إلى مقتضى الأصول نظر كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله لأن الرّجوع إلى الأصول فرع فقدان المرجحات الدلالية لتأخره عنها والترجيح بحسب الدّلالة هنا موجود لأن رفع التعارض بين رواية الذهب والفضّة ورواية الدّرهم والدّينار وإن أمكن بأحد وجوه أحدها رفع اليد عن مقتضى الحصر المستفاد من أداة الاستثناء في رواية الدّرهم والدّينار بأن كان المقصود كون الدّرهم والدّينار من الأفراد المستثناة لا حصر الأفراد المستثناة فيهما فلا تنافي رواية الدرهم والدّينار ثبوت الضمان في الحلي المصوغة بمقتضى رواية الذّهب والفضّة لفرض كونهما من جملة أفرادهما حينئذ وثانيها تقييد إطلاق الذهب والفضة في الرّواية بالدرهم والدّينار المذكورين في الأخرى فيكون مقتضى الرّوايتين نفي الضمان في الحلي المصوغة كما اختاره الفخر وثالثها حمل الدّرهم والدّينار على إرادة جنس الذّهب والفضّة من باب إطلاق الفرد وإرادة جنسه فيكون مقتضى الرّوايتين ثبوت الضمان في الحلي المصوغة كما اختاره المحقق والشّهيد الثانيين إلاّ أنّ الأوّل بعيد جدّا لندرة وجوده إذ لم نعثر على مورد يرفع اليد فيه عن مقتضى الحصر المستفاد من أداة الاستثناء فيدور الأمر بين تقييد المطلق وحمل المقيد على المطلق ولا ريب أنّ الأوّل أولى لغلبة وجوده بالنّسبة إلى الثاني فيتعين مضافا إلى ما ذكره المصنف رحمه‌الله من كون دلالة نفي الضمان عما عدا الدّرهم والدّينار بالعموم ودلالة ما دل على ثبوته في الذّهب والفضّة بالإطلاق والتقييد أولى من التخصيص ومن هنا تظهر قوة ما اختاره فخر المحققين ولعلّ حكمه بتقييد الذّهب والفضّة بالدّرهم والدّينار ناظر إلى ما قدّمناه فتدبّر وكذا يظهر وجه النّظر فيما أطاله الشهيد الثّاني وسيجيء الكلام فيه إن شاء الله تعالى الثّالثة تعارض الأدلّة المنفصلة من جانب واحد مع عدم نصوصيته في البين أصلا بأن تعارض دليلان مع ثالث ولم يكن بين نفس الدّليلين تعارض أصلا وكانا بالنسبة إلى الثّالث من قبيل الظاهرين دون الأظهرين وهو على أقسام لأن تعارض كلّ من الظاهرين مع الثالث إمّا أن يكون من قبيل التباين كقولنا أكرم العلماء ولا تكرم العلماء واقتل العلماء وإمّا أن يكون من قبيل تعارض العموم والخصوص من وجه مثل قولنا أكرم العلماء ولا تكرم الشعراء ولا تكرم الظرفاء إذا فرض كون بعض الشعراء والظّرفاء من العلماء وبعض العلماء غير شاعر ولا ظريف وإمّا أن يكون تعارض أحدهما مع الثالث من قبيل تعارض التباين وتعارض الآخر من قبيل تعارض العموم والخصوص من وجه مثل قولنا أكرم العلماء ولا تكرم العلماء ولا تكرم الشّعراء أمّا الأوّل فتلاحظ فيه المرجّحات السّنديّة لفرض انتفاء المرجحات الدّلالية بعد فرض انتفاء النصوصيّة والأظهرية في البين فحينئذ إن ترجح الثالث أعني قولنا أكرم العلماء على معارضيه يطرحان وإن ترجح على أحدهما خاصة يطرح المرجوح ويتخير بين الأخيرين وإن ترجح المعارضان يطرح الثالث ويعمل بمقتضاهما لفرض انتفاء التعارض بينهما وإن ترجح أحد المعارضين بالنسبة إلى الثالث دون الآخر يطرح الثالث أيضا لأنّه مع ترجح أحد المعارضين على الثالث وطرحه يفرض المطروح كغير الصادر عن المعصوم عليه‌السلام وبعد فرضه كذلك لا يصلح لمعارضة الآخر أيضا كذا أفيد وفيه نظر لأنّ طرحه لأجل مرجوحيته من حيث السّند بالنسبة إلى أحد المعارضين لا يوجب طرحه بالنسبة إلى الآخر مع فرض مساواته له في السّند إذ لا غائلة في أن يتعبدنا الشارع باعتباره بالنسبة إلى أحدهما دون الآخر سيّما إذا كان أقوى سندا بالنسبة إلى الأوّل فحينئذ لا بد من ترجيحه عليه أو يتخير بينهما ولكنه يشكل بما لو اختاره المكلّف ترجيحا أو تخييرا لعدم إمكان الجمع حينئذ بينه وبينما ترجح عليه لفرض المعارضة بينهما وإن قلنا بالتخيير بينهما عقلا أو شرعا فهو ينافي وجود المرجح فيما ترجح عليه وكيف كان فمع عدم الترجيح في البين رأسا يتخير بين العمل الثالث ومعارضيه وأمّا الثّاني فإمّا يحكم في مادة الاجتماع بالتعارض والتساقط والرجوع إلى مقتضى الأصول أو باستعمال المرجحات على الوجه المتقدم في سابقه على الوجهين في المتعارضين بالعموم من وجه وأمّا الثالث فهو كسابقه إن قلنا بالرجوع إلى المرجحات السندية في المتعارضين بالعموم من وجه وإن قلنا فيهما بالتساقط والرجوع إلى مقتضى الأصول في مادة الاجتماع فإن ترجح أحد المعارضين الذي يعارض الثالث بالتباين يطرح الثالث ويعمل بمعارضيه جميعا كما تقدّم وإن ترجح الثالث عليه يطرح معارضه المذكور ويحكم في مادة الاجتماع بينه وبين معارضه الآخر بالإجمال والتساقط والرجوع إلى مقتضى الأصول ويقع الإشكال فيما لو انتفي المرجّح بين الثالث وما يعارضه بالتباين إذ لا بد حينئذ من الحكم بالتخيير بينهما وحينئذ إن اختار المكلّف العمل بالمعارض يعمل بالمعارض الآخر أيضا لفرض انتفاء التعارض بينهما وإن اختار العمل بالثالث فهل يحكم بالإجمال في مادة الاجتماع بينه وبين المعارض الآخر والرّجوع إلى مقتضى الأصول فيها كما في صورة وجود المرجّح في الثالث أو يعمل بالمعارض في مادة الاجتماع وجهان من كون التخيير كالترجيح لتعين المختار بعد الاختيار على المكلّف فيكون اختياره لأحدهما بمنزلة وجود مرجّح فيه فكما يحكم مع وجود المرجّح بالإجمال والرّجوع إلى الأصول في مادة الاجتماع كذلك مع عدمه وثبوت التخيير ومن أن التخيير المستفاد من الأخبار من جملة الأصول التعبدية وغاية ما يستفاد منها تخير المكلّف في أصل العمل بأحد المعارضين بمعنى ثبوت التخيير من حيث هو مع قطع النظر عن وجود الموانع في موارده فهي لا تمنع من عدم جواز العمل بالمختار مع وجود مانع خارجي لأن اختياره لا يدفع موانعه ووجود المعارض مانع من العمل به فيعمل بمعارضه في مادة الاجتماع كما أنّ أصالة الإباحة في الأشياء لا تنافي وجوبها أو حرمتها بالعرض بدليل خارجيّ وقياسه على صورة وجود

٦٢٠