أوثق الوسائل في شرح الرسائل

ميرزا موسى التبريزي

أوثق الوسائل في شرح الرسائل

المؤلف:

ميرزا موسى التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات كتبي نجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٦

الشّرعيّة موكول إلى العقل وملاحظة كيفية سلوك العبيد مع الموالي في إطاعة تكاليفهم وممّا يؤكد ما ذكرناه من عدم تصرّف الشّارع في موضوع الإطاعة والمعصية وحكمهما أنّ مولى حكيما إذا أمر عبده بفعل ولم يأمر بإطاعته ولم ينه عن مخالفته ولم يبيّن له كيفيّة إطاعته لم يكن مقصّرا في بيان التّكليف عند العقل والعقلاء ولو لم يتعرض العبد لامتثال أمره لا يبقى له مجال للعذر بأنّه لم يأمرني بإطاعته أو أنّه لم يبيّن لي كيفيّة إطاعته وليس ذلك إلاّ لكون كيفيّة الإطاعة ووجوبها ثابتتين عند العقل بل لو نهاه المولى عن إطاعته مع عدم نسخه لأمره عدّ ذلك منه قبيحا ومناقضا لما أراده وممّا ذكرناه ظهر الوجه أيضا في الفرق بين الشّكّ في شرائط امتثال التّكاليف الشّرعيّة وبين الشّكّ في شرائط المأمور به وأجزائه حيث إنّ الأوّل مورد لقاعدة الاحتياط والثّاني لقاعدة البراءة ووجه الفرق أن مبني البراءة على قبح التّكليف بلا بيان وهو لا يتأتى فيما هو موكول إلى طريقة العقلاء على ما عرفت وهذا الّذي ذكرناه من كون كيفيّة الإطاعة وحكمها موكولتين إلى العقل وطريقة العقلاء الّذي هو مبني الفرق بين شرائط الامتثال وشرائط المأمور به قد جرينا فيه على مذاق المصنف حيث إنّ ظاهره هنا كون كيفيّة الإطاعة موكولة إلى العرف وقد صرّح بالفرق بين الشّرائط في أواخر مسألة البراءة عند التعرّض لبطلان عبارة تارك طريقي الاجتهاد والتّقليد والّذي يقتضيه النّظر القاصر أنّ حكم الإطاعة كما تقدّم عقلي غير تابع لجعل الشّارع بل غير قابل له وأمّا موضوع الإطاعة فهو وإن كان موكولا إلى طريقة العقلاء أيضا كما هو واضح ولا يلزم منه قبح على الشّارع كما يظهر من ملاحظة ما تقدّم من المثال إلاّ أنّه قابل للتّصرف فيه بازدياد بعض الشّرائط والقيود فيه وذلك أنّ الشّارع إذا أمر بالصّلاة مثلا فلا ريب أنّ امتثال هذا الأمر يحصل عرفا بالإتيان بها على ما بيّنه الشّارع من أجزائها وشرائطها ولكن للشّارع أن لا يقنع بهذا الامتثال بأن يشترط فيه قيدا زائدا كقصد وجه الفعل مثلا كما هو المشهور وهو من شرائط الامتثال دون الأمر أو المأمور به لتأخره عن الأمر بل هو متفرع عليه فلا يمكن أخذه قيدا له وما هو متأخّر عنه لا يعقل قيدا للمأمور به أيضا لتقدّم قيود المأمور به على الأمر كما هو واضح ولا يلزم منه قبح على الشّارع فالتحقيق حينئذ هو التّفصيل بين شرائط الامتثال بأنّ الشّرط إن كان ممّا يعتبر في الامتثال عرفا بأن كان من الشّرائط العرفيّة كاشتراط عدم تكرار العمل في الإطاعة الإجماليّة لعدم صدقها عرفا مع الاحتياط المحوج إلى تكرار العمل كثيرا بحيث يعدّ العبد معه لاعبا بأمر مولاه إذا تمكّن من تحصيل العلم بالإطاعة التّفصيليّة فالشّكّ في اعتبار مثل هذا الشّرط مورد لقاعدة الاحتياط لفرض كون إحراز مثل هذا الشّرط نفيا أو إثباتا موكولا إلى العرف ولا مسرح لقاعدة البراءة هنا كما أشرنا إليه ولا لإطلاق الأوامر فإنّه بإطلاق الأمر لا يمكن إحراز كيفيّة امتثاله بل حصول امتثاله تابع لصدقه عرفا بالنّسبة إلى ما يعتبر فيه عرفا وإن كان مما يعتبر في الامتثال شرعا كقصد الوجه على ما عرفت فإن اعتباره على تقديره شرعيّ لا عرفي لعدم توقّف صدق الامتثال عرفا عليه يقينا فمع الشكّ في اشتراط مثل ذلك شرعا في الاعتداد على الامتثال العرفي يمكن نفيه بأصالة البراءة إذ لا فرق في القيود التعبّديّة بين كونها قيدا للامتثال أو للمأمور به في حكم العقل بقبح التّكليف بها بلا بيان والحاصل أنّ الشّرائط على أقسام فبعضها شرط للأمر وبعض آخر لامتثاله وثالث للمأمور به والأصل في الأوّل هو الاشتراط في وجه يظهر من المصنف في بعض مباحث البراءة والإطلاق في وجه آخر قويّ كما تقرّر في محلّه وفي الثّاني هو التّفصيل بما عرفت وفي الثّالث هو الإطلاق بقول واحد من القائلين بالبراءة عند الشّكّ في الأجزاء والشّرائط وإذا تمهّد هذا فنقول إنّ الكلام في الاقتصار على الموافقة الإجماليّة في العبادات يقع في مقامين أحدهما أن لا يتمكن من تحصيل العلم التّفصيلي بالموافقة ولا الظن بها خاصا كان أو مطلقا ولا إشكال في كفايتها فإنّ ذلك أقصى ما يمكن من إطاعة التّكليف المعلوم تفصيلا أو إجمالا فإذا كان له ثوبان اشتبه طاهرهما بمتنجّسهما يجوز له الصّلاة فيهما مكرّرا لها وكذا لو اشتبهت عليه القبلة في الجهات الأربع أو الثّلاث مثلا يجوز له تكرار الصّلاة إلى جهات الاشتباه وهكذا خلافا لما حكاه المصنف رحمه‌الله عن الحلي في الثّوبين المشتبهين حيث حكم بوجوب الصّلاة حينئذ عريانا والّذي يمكن أن يستدل به عليه أمران أحدهما أنّ الواجب عليه صلاة واحدة فالاحتياط بتكريرها تشريع وفيه مع مخالفته لما يظهر منه من تمسّكه بقاعدة الاحتياط في إثبات الأحكام في كثير من الموارد أنّ الاحتياط مضادّ للتّشريع فإنّه إدخال ما ليس من الدين أو شكّ في كونه من الدّين في الدّين بقصد أنّه من الدّين والاحتياط هو الإتيان بما يحتمل كونه من الدّين بداعي احتمال كونه منه تحصيلا للواقع وثانيهما اعتبار نيّة الوجه في العبادات فقصد كون المأتي به واجبا معتبر في حصول امتثال الأمر بالصّلاة وهو غير حاصل مع الاحتياط بتكرير الصّلاة إذ حين العمل يحتمل كون المأتي به غير واجب لاحتمال كون الواجب ما أتى به سابقا أو يريد الإتيان به لاحقا وغاية ما يترتب على فعله بعد الفراغ منهما هو القطع بحصول الواجب في ضمنهما وهو أمر وراء نيّة الوجه حين العمل وفيه أولا المنع من اعتبار قصد الوجه لحصول الامتثال بدونه عرفا ولا دليل عليه شرعا إن لم يكن دليل على خلافه كما ستعرفه مع أنّ الأصل عدمه بالتّقريب الّذي تقدم فالّذي يعتبر في العبادة قصد القربة المتحقّق بالإتيان بها بقصد كونها مطلوبة وراجحة شرعا وإن لم يقصد خصوص وجهها من الوجوب أو الاستحباب ومع التّسليم فإنّما يسلم مع التّمكّن من تحصيل العلم التّفصيلي بالموافقة لا في مثل ما نحن فيه وثانيا أنّه قد يقال بإمكان قصد الوجه في المقام فإنه عبارة عن الإتيان بالفعل على طبق ما اقتضاه الدليل من وجوبه أو استحبابه ولا فرق في ذلك بين الأدلة الاجتهادية والأصول فحيث اقتضت قاعدة الاحتياط وجوب كل من الفعلين فأتى بهما المكلف مقارنين بقصد

٤١

وجوبهما فتأمّل وثالثا أنّه لا يخلو إمّا أن نقول بوجوب المقدّمة شرعا سيّما في مثل ما نحن فيه من المقدّمات العلميّة التّي قد ادعى بعضهم عدم الخلاف في وجوبها وإمّا أن لا نقول به فإمكان قصد الوجه على الأوّل واضح لوجوب كلّ من الفعلين من باب المقدّمة وعلى الثّاني يمكن قصد الوجه الواقعي بمجموع الفعلين أو الأفعال المحصلة للمأمور به الواقعي بأن ينوي بمجموعها الإتيان بالمأمور به الواقعي بقصد وجوبه الواقعي ولا ريب أن الاستدامة من أوّل العمل على هذا القصد مستلزمة لمقارنة المأمور به الواقعي لقصد وجهه ولا دليل على اعتباره أزيد من ذلك إذ لا دليل على اعتبار معرفة الواجب الواقعي تفصيلا حين العمل سيّما في خصوص المقام ولا فرق فيما ذكرنا بين استلزام الموافقة الإجماليّة لتكرار العمل وعدمه وثانيهما أن يتمكن من تحصيل العلم التّفصيلي بالموافقة كما هو المقصود بالبحث في المقام والاقتصار على الموافقة الإجمالية حينئذ إمّا مع الحاجة إلى تكرار العمل أو بدونها وقد أطلق المصنف رحمه‌الله أنّ مقتضى القاعدة جواز الاقتصار في الامتثال بالعلم الإجمالي لتحقّق الامتثال أقول توضيح ذلك أن ما يتوهّم كونه مانعا من حصول الامتثال في المقامين أو في الجملة أحد أمور على سبيل منع الخلو أحدها ما استظهره المصنف رحمه‌الله ونقله عن بعضهم وقال في أواخر مسألة البراءة ببالي أنّه صاحب الحدائق من ثبوت الاتفاق على عدم جواز الاكتفاء بالاحتياط إذا توقف على تكرار العبادة بل قد استظهر في مقدّمات دليل الانسداد عند إبطال وجوب الاحتياط تحقّق الإجماع على عدم جواز الاحتياط مطلقا مع التمكن من العلم التّفصيلي وقال كما أشرنا إليه في أوّل الرّسالة في مسألة اعتبار العلم الإجمالي وإنّه كالتّفصيلي أم لا فراجع انتهى فتأمّل وما نقله عن السّيّد الرّضي وتقرير أخيه له على ذلك من الإجماع على بطلان صلاة الجاهل بأحكامها وقال في أواخر مسألة البراءة ونقل غير واحد اتّفاق المتكلّمين على وجوب الإتيان بالواجب والمندوب لوجوبه أو ندبه أو لوجههما ثمّ قال بعد نقل ما عرفت من الشّريف الرّضي والمرتضى بل يمكن أن يجعل هذان الاتّفاقان المحكيان عن أهل المعقول والمنقول المعتضدان بالشّهرّة العظيمة دليلا في المسألة فضلا عن كونهما منشأ للشّكّ الملزم للاحتياط كما ذكرناه انتهى ويؤيّده أو يدلّ عليه أيضا ما ادّعاه هنا من السيرة المستمرة وبالجملة أنّ مقتضى هذه الإجماعات صريحا في بعضها والتزاما في بعض آخر عدم جواز الاحتياط مع التمكّن من الإطاعة التّفصيليّة سواء كان الاحتياط مستلزما لتكرار العمل أم لا وفيه أنّ الإجماع أو الاتفاق المحصل منهما غير حاصل والمحكي منهما ليس بحجة سيّما في مثل المقام المحتمل بل المظنون كون سند المجمعين إمّا تخيّل عدم حصول الإطاعة عرفا بالموافقة الإجماليّة وإمّا زعم اعتبار قصد الوجه والأوّل مقطوع العدم والثّاني قريب منه كما سنشير إليه ودعوى الإجماع مع كون سند المجمعين هو الأوّل من قبيل دعوى الإجماع في الأمور العقليّة وقد استوفينا الكلام فيها في مسألة التّجري فلا حاجة إلى الإعادة وأوهن ممّا تقدّم دعوى استمرار سيرة العلماء على عدم تكرار العبادة مع ثبوت الطّريق إلى الحكم الشّرعي فإنّها على تقدير تسليمها إجماع عملي محتمل لكون مبني عملهم على زعم أحد الأمرين المشار إليهما آنفا فإن قلت هب عدم تحقّق الإجماع تحصيلا وعدم حجّيته نقلا إلاّ أنّه لا أقل من تحقق الشّهرة وهي مع الإجماعات المنقولة مورثة للشكّ في حصول الإطاعة بالموافقة الاحتمالية لا محالة لكشف ذلك كلّه ولو على سبيل الاحتمال إمّا عن عدم تحقّق عنوان الإطاعة بالموافقة الإجماليّة وإمّا عن اعتبار قيد زائد في الامتثال كقصد الوجه أو العلم به وإن تحقّق الامتثال بدونه عرفا ومع الشّكّ يرجع إلى قاعدة الاحتياط لعدم كون المقام من موارد البراءة كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله في آخر كلامه الّذي نقلناه عنه قلت أمّا احتمال عدم حصول عنوان الإطاعة عرفا بالموافقة الإجماليّة فمنفي قطعا كما ادعاه المصنف رحمه‌الله في أواخر مسألة البراءة وأوضحناه سابقا وأتينا لك بمثال لا يبقى لك بملاحظته ارتياب أصلا وأمّا احتمال اعتبار قيد زائد شرعي في الامتثال فملاحظة إطلاقات أدلّة الإطاعة كتابا وسنّة وإطلاقات عناوين العبادات وبياناتها وسيرة المسلمين وسيرة النّبيّ والأئمّة عليهم‌السلام مع النّاس تشرف الفقيه على القطع بعدم اعتبار قصد الوجه أو العلم به في امتثال التكاليف التعبّدية إذ لو كان لأشير إليه لا محالة وإلى هذا الوجه أشار المصنف رحمه‌الله في مقدّمات دليل الانسداد في مقام إبطال وجوب الاحتياط ثمّ قال ولذا ذكر المحقق كما في المدارك في باب الوضوء أن ما حققه المتكلّمون من وجوب إيقاع الفعل لوجهه أو وجه وجوبه كلام شعري انتهى ومع التّسليم فاحتماله منفي بأصالة البراءة بالتقريب الّذي أسلفناه سابقا وإن كان ذلك خلاف ما يظهر من المصنف رحمه‌الله كما أشرنا إليه أيضا وممّا ذكرناه وقد ظهر أن من حصل له القطع بعدم الاحتمالين فلا مجال له للاحتياط في المقام بترك الاحتياط نعم إن احتمل أحدهما أو كليهما فله ذلك وثانيها اعتبار قصد الوجه المتوقف على معرفة كون المأتي به هو المأمور به وجوبا أو استحبابا وقد حكاه المصنف هنا عن جماعة وعزاه إلى المشهور في آخر مسألة البراءة وقد تقدّم نقل جماعة اتفاق المتكلّمين على ذلك وتقدّم أيضا عن السّيّد الرّضي وأخيه المرتضى دعوى الإجماع على بطلان صلاة من لا يعرف أحكامها ومنها معرفة وجهها وفيه أنّ اعتبار قصد الوجه إن كان لأجل عدم تحقّق عنوان الإطاعة إلاّ به فقد عرفت ضعفه وإن كان لدليل تعبدي فلم يثبت أن لم يثبت خلافه كما أشرنا إليه مع مخالفته للأصل وأمّا اعتبار العلم بالوجه وتمييز واجبات العبادة عن مستحبّاتها كما ذكره العلاّمة في الإرشاد فإن كان لأجل كون العلم مقدمة لقصد الوجه المعتبر لأحد الوجهين المذكورين فقد عرفت منع وجوب ذيها فكيف يثبت وجوبها وإن كان لتوقف تحقّق عنوان

٤٢

الإطاعة به فقد عرفت ضعفه أيضا وإن كان لدليل تعبدي كإجماع الرّضي والمرتضى ففيه مع منع تحقق الإجماع تحصيلا وحجيته نقلا سيّما في مثل المقام المظنون كون مستند المجمعين أحد الأمرين الذين عرفت ضعفهما منع شموله لمثل ما نحن فيه فإنّ الظّاهر أنّ مقصودهما من أحكام الصّلاة أحكامها التّعبدية لا مثل معرفة الوجه التي لو كان لها دليل كان بناء العقلاء وحكم العقل باعتبارها في حصول الامتثال مضافا إلى ما تقدّم من أن ملاحظة الأدلّة تكاد تشرف الفقيه على القطع بخلافه وثالثها عدم تحقق عنوان الإطاعة فيما كان الاحتياط محوجا إلى تكرير العبادة وقد أوضح المصنف رحمه‌الله ذلك في أواخر مسألة البراءة بما حاصله أنّه مع الاحتياط بتكرير العبادة مع التّمكن من تحصيل العلم التفصيلي يعدّ العبد لاعبا بأمر مولاه وقال والفرق بين الصّلاة الكثيرة وصلاتين لا يرجع إلى محصل انتهى أقول إنّ التدافع بينه وبين ما ذكره هنا بقوله ودعوى أنّ العلم بكون المأتي به إلخ واضح فإنّ ظاهره الجزم هنا بحصول الإطاعة مع تكرار العبادة مطلقا وإنّ المانع لو كان هو الاتّفاق المدعى على خلافه والإنصاف أنّ في أحد المقامين إفراطا وفي الآخر تفريطا والأوسط إيكال الأمر إلى العرف فيحكم بجواز التّكرار إلى حيث لا يعدّ معه العبد لاعبا بأمر مولاه وتحديد ذلك موكول إلى نظر العرف فتدبّر وقد تخلص ممّا قدّمناه أنّ الأقوى جواز الاقتصار بالموافقة الإجماليّة فيما لم يبلغ تكرار العمل مرتبة اللّغوية عند دوران الأمر بينهما وبين الموافقة التّفصيليّة العلميّة ويظهر منه جواز الاقتصار بها بطريق أولى فيما دار الأمر بينهما وبين الموافقة التّفصيليّة الظّنّية خاصا كان أو مطلقا لكون الأمر في هذه الصّورة أهون كما أسلفناه ويظهر من ملاحظة ما ذكره المصنف رحمه‌الله ولا حاجة إلى إعادة الكلام فيها لاتحاد الكلام في الصّورتين دليلا وجوابا كما لا يخفى (قوله) ولكن الظاهر من صاحب المدارك إلخ فإنّه بعد أن نقل عن المنتهى أنّه لو كان معه ثوب متيقّن الطّهارة تعيّن للصّلاة ولم يجز له أن يصلّي في الثّوبين لا متعدّدة ولا منفردة قال وهو حسن إلا أنّ وجهه لا يبلغ حدا لوجوب انتهى (قوله) والعجب ممّن يعمل بالأمارات إلخ منشأ التعجّب ما أشار إليه بعد ذلك بقوله إنّ العمل بالظّن مطلقا لم يثبت إلاّ جوازه إلخ وحاصله أنّ المجوّز للعمل بمطلق الظّنّ إنّما جوّزه بعد إبطال وجوب الاحتياط في صورة الانسداد إمّا بمنع المقتضي نظرا إلى منع ثبوت التّكليف بالواقع كما يظهر من المحقق القمي رحمه‌الله وإمّا بإبداء المانع من إجماع أو لزوم حرج في إيجاب الاحتياط كما هو طريقة المصنف رحمه‌الله ومن وافقه وكيف كان فلم يظهر من العاملين بمطلق الظّنّ إبطال أصل الاحتياط بل غاية ما عالجوا في إثبات جواز العمل بمطلق الظّنّ هو إبطال وجوبه لا جوازه وهو لا يجتمع مع إبطال عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتّقليد(قوله) وجهان إلخ قد رجح الوجه الأوّل في مقدّمات دليل الانسداد عند إبطال وجوب الاحتياط مدعيا بناء العقلاء في إطاعاتهم العرفيّة على تقديم العلم الإجمالي على الظنّ التّفصيلي (قوله) في الشّبهة الحكميّة إلى آخره التّقييد بذلك للتنبيه على عدم جريان دليل الانسداد في الشبهات الموضوعيّة لانفتاح باب العلم فيها غالبا شرعا لأجل وجود الأمارات الشّرعيّة فيها مثل اليد والسّوق وقاعدة الطّهارة والبينة ونحوها فلا تغفل (قوله) بحكم العقل والعقلاء إلخ لا يخفى أنّه بعد استقلال العقل وثبوت بناء العقلاء على جواز تقديم الإطاعة الإجماليّة على الإطاعة التّفصيليّة الظّنية لا وجه لفرض الشّكّ في جواز ذلك في امتثال الأوامر الشّرعيّة ولو بملاحظة فتوى جماعة بالمنع أو باعتبار قصد الوجه إذ القطع لا يجامع الشّكّ فإن قلت إنّ القطع بما ذكر أنّما هو في الأوامر العرفيّة والشّكّ أنّما هو في الأوامر الشّرعيّة لأجل احتمال اعتبار الشّارع في امتثال أوامره شرطا زائدا على ما يعتبر عرفا من قصد الوجه أو العلم به قلت مع فرض ذلك لا وجه للحكم بوجوب الاحتياط على تقدير الشك في اعتبار نيّة الوجه إذ الوجه فيه مع كون مختاره عند الشّكّ في الأجزاء والشّرائط للمأمور به هي البراءة هو كون بيان كيفيّة امتثال الأوامر الشّرعيّة موكولا إلى طريقة العقلاء في امتثال الأوامر الموالي ومع القطع بطريقتهم والشكّ في اعتبار قيد زائد شرعا في الامتثال لا بدّ أن يكون المرجع فيه أيضا هي البراءة إذ التّكليف بما يجب بيانه على الشّارع مع عدم البيان قبيح على الشّارع الحكيم كما هو الوجه في الحكم بالبراءة عند الشّكّ في الأجزاء والشّرائط للمأمور به (قوله) فالأصل عدم سقوط الغرض إلخ لا يخفى أنّ استصحاب بقاء الغرض وعدم سقوطه أنّما يثبت بقاء الأمر من باب الملازمة العقليّة فيصير الأصل مثبتا فالأولى أن يتمسّك في المقام بحكم العقل بوجوب تحصيل غرض الشّارع ولا يحصل العلم به إلاّ بالإتيان بالمأمور به متميّزا عما عداه ولكنّك خبير بأنّه لو تم التمسّك بالأصل أو القاعدة جرى مثله عند الشّكّ في الأجزاء والشّرائط لأصالة عدم حصول الغرض الدّاعي إلاّ بالإتيان بالمشكوك فيه نعم يمكن أن يقال إنّ الأصل غير جار بالفرض وأصالة البراءة عند الشّكّ في الأجزاء والشّرائط حاكمة على القاعدة لاقتضائها حصول الغرض بدون المشكوك فيه فإن قلت إنّ الشّبهة فيما نحن فيه إنّما نشئت بالفرض من احتمال وجوب قصد الوجه وأصالة البراءة تنفيه أيضا لأنّ مرجع الشبهة فيه إلى الشّكّ في بعض الشّرائط قلت إنّ قصد الوجه من شرائط تحقّق الامتثال والمرجع فيه عند المصنف كما تقدّم في بعض الحواشي السّابقة هي قاعدة الاشتغال دون البراءة(قوله) وهذا ليس تقييدا إلخ لأنّ التقييد فرع الإطلاق وليس الأمر هنا كذلك إذ التعبّد بالإتيان بالمأمور به بخصوصه متميّزا عن غيره من الأمور المتأخرة عن الأمر فلا يمكن أخذه في مفهومه حتّى يدعى كونه قيدا له وإلاّ يلزم الدّور وتوضيح ذلك أنّ شروط العبادات وقيودها منها ما هو قيد للمادّة مع قطع النّظر عن تعلّق الأمر بها واتّصافها بعنوان المطلوبيّة ومن هذا القبيل الستر

٤٣

والاستقبال والطّهارة ونحوها في الصّلاة ومنها ما هو قيد لها بملاحظة كونها مأمورا بها ومطلوبة للشّارع ومن هذا القبيل التعبّد بالمأمور مطلقا أو متميّزا من غيره وكذا النيّة وما يتعلّق بها من قصد الوجه أو العلم به والقربة لأنّ هذه أمور متفرعة على الأمر متأخرة عنه فلو أخذت مع ذلك قيدا للمادة لزم تقدمها على الأمر فيلزم الدّور فمع الشّكّ في اعتبار شيء منها في المأمور به لا يمكن التمسّك في نفي احتماله بإطلاق المادة لما عرفت من كون ذلك فرع قابليتها للإطلاق ولذا لا يمكن التمسّك به أيضا عند دوران الأمر بين التعبّدية والتوصّليّة نعم يتمّ ذلك في القسم الأوّل خاصّة كما لا يخفى (قوله) وحينئذ فلا ينبغي إلخ يعني حين كون المسألة ذات وجهين (قوله) وسيأتي ذكره إلخ لا يذهب عليك أنه لم يتعرض المصنف رحمه‌الله عند الكلام على الاحتياط في مقدّمات دليل الانسداد للكلام على عدم مشروعيّة الاحتياط ولا لكلام السّيّد مع إطنابه الكلام ثمة في وجوب الاحتياط ومنعه (قوله) الموضوعين سواء كانا كليّين أم جزئيين (قوله) ثمّ الاشتباه في كلّ من الثلاثة إلخ لا يخفى أنّ المراد من متعلّق الحكم في القسم الأوّل والثّالث هو معروضه الأعمّ من الكلّي والجزئي وكذلك المراد من الحكم في القسم الثّاني والثّالث أعمّ من الكلي والجزئي كما يظهر من تمثيله للأقسام وحاصل هذا التّقسيم أنّ الاشتباه إمّا أن يكون في متعلّق الحكم أو في نفس الحكم أو فيهما معا وعلى التّقادير إمّا أن تكون الشّبهة حكميّة أو موضوعية فالأقسام ستة والمراد من الشبهة الحكمية أن تكون الشبهة في مراد الشّارع إمّا من جهة موضوع الحكم أو محموله أو كليهما أو من جهة شيء من متعلقاتهما ومنشأ الشبهة حينئذ إمّا فقد النص أو إجماله أو تعارضه وإزالة الشبهة بالرّجوع إلى الأدلّة دون الأمارات ومن الشّبهة الموضوعيّة أو تكون الشّبهة في شيء من مصاديق متعلّق الخطاب من حيث الموضوع أو المحمول أو شيء من متعلّقاتهما ومنشأ الشّبهة حينئذ اختلاط الأمور الخارجيّة وإزالتها بالرّجوع إلى الأمارات دون الأدلّة وإلى الأوّل أشار بقوله إمّا من جهة الاشتباه في الخطاب الصّادر عن الشّارع وإلى الثاني بقوله وإمّا من جهة اشتباه مصاديق متعلّق ذلك الخطاب وأمّا المثال للأقسام السّتة فالأوّل مثل ما أشار إليه المصنف رحمه‌الله من مثال الظّهر والجمعة والثّاني مثل الشّبهة المحصورة والثّالث مثل الشّك في وجوب الجهر بالبسملة في الصّلاة الإخفاتيّة وحرمته والشّكّ في وجوب الجمعة في زمن الغيبة وحرمتها والرّابع مثل المرأة المعلومة المردّدة بين كونها واجبة الوطي ومحرّمة الوطي لأجل الشّكّ في كونها منذورة الوطي أو كونها منذورة ترك الوطي ومثل المائع المعلوم العنوان المردد بين كونه واجب الشّرب أو محرّم الشّرب من جهة الشّكّ في عروض سبب أحدهما بالخصوص والخامس مثل ما لو علم إجمالا بتعلّق أحد الحكمين من الوجوب والحرمة بأحد الفعلين بحيث لو علم الحكم بالخصوص وإنّه الوجوب أو الحرمة بقي الشّكّ في متعلّقه وإنّه هذا الفعل أو ذلك فتقع الشّبهة في كلّ من الحكم الكلّي ومتعلّقه من جهة الاشتباه في الخطاب الصّادر عن الشّارع والسّادس مثل أن يعلم كون واحدة من هاتين المرأتين واجبة الوطي أو محرمة الوطي لأجل الشّكّ في كونها منذورة الوطي أو منذورة ترك الوطي لأنّه لا شبهة حينئذ في خطاب الشّارع من وجوب الوفاء بالنذر لا بحسب موضوعه ولا بحسب محموله والشّبهة أنّما هي بحسب مصداق متعلّق الخطاب من حيث الموضوع والمحمول (قوله) والاشتباه في هذا القسم إلخ يعني في الشّبهة المصداقية(قوله) وأمّا في المكلف إلخ لا يخفى أنّ الشّبهة في المكلّف لا تكون إلاّ مصداقية نعم قد يرجع الشّكّ فيه إلى الشّكّ في التّكليف كما إذا كان طرفا الشّبهة في المكلّف احتمالين في مخاطبين كما في واجدي المني في الثّوب المشترك لأن كلا منهما شاك في توجّه الأمر بالاغتسال إليه وقد يرجع إلى الشّك في المكلّف به كما إذا كان طرفا الشبهة فيه احتمالين في مخاطب واحد كالخنثى بناء على عدم كونه طبيعة ثالثة فإنّ توجّه التّكليف إليه حينئذ معلوم إلا أنّه مردّد في الاندراج تحت أحد العنوانين (قوله) بل ظاهر كلام الشّيخ إلخ وجه الظهور هو عدم معهوديّة انقسام الحكم إلى الواقعي والظّاهري في كلمات القدماء فحيث يطلقون الحكم ولو كان هو التخيير فالظّاهر إرادتهم الواقعي منه ولذا قد أورد صاحب المعالم تبعا للمحقّق على الشّيخ في تضعيفه القول بطرح القولين والرّجوع إلى مقتضى الأصل بأنّ التخيير أيضا يستلزم مخالفة قول الإمام لأنّ الإمامية إذا اختلفت على قولين فكلّ طائفة توجب العمل بقولها وتمنع من العمل بقول الآخر فلو تخيّرنا لاستبحنا ما خطره المعصوم انتهى هذا مضافا إلى ما نبه عليه المصنف في مبحث البراءة في مسألة دوران الأمر بين الوجوب والحرمة مستضعفا به ما يظهر من الفاضل القمي رحمه‌الله من حمل التخيير في كلام الشّيخ على التّخيير الظّاهري ثمّ إن نظير ما نقله المصنف ره ما يظهر من صاحب الفصول من التفصيل في خرق الإجماع المركب بعدم الجواز فيما إذا كانت ضميمته الدّليل وبالجواز فيما إذا كانت ضميمته الأصل حيث جوز العمل في المسألتين حينئذ بمقتضى الأصلين وإن استلزم خرق الإجماع المركب لأنّ العمل بالأصل في المسألتين مستلزم لمخالفة العلم التّفصيلي بكون الحكم المتولّد من العمل بهما مخالفا لما صدر عن الإمام عليه‌السلام (قوله) ومنها الحكم بانفساخ إلخ لا يخفى أنّه مع الحكم بانفساخ العقد لا يلزم منه مخالفة للعلم التفصيلي أصلا إذ مع الانفساخ يردّ كل مال إلى صاحبه الأوّل والإشكال أنّما هو في الحكم بوجوب ردّ الثّمن إلى المشتري في الفرض الأوّل وردّ الجارية المبيعة إلى البائع في الفرض الثّاني مع الحكم ببقاء العقد وعدم انفساخه وإلاّ فلا إشكال فيما ذكر مع الحكم بالانفساخ ولكنّ الظّاهر أنّ التّعبير بالانفساخ وقع مسامحة والمقصود منه مجرد وجوب ردّ الثّمن أو المثمن في الفرضين ويؤيّده بل يدلّ عليه جعل انفساخ العقد في الوجوه الآتية توجيها لهذا المورد وربّما يتوهّم أن جعل الكلام في ردّ الثّمن أو المثمن في الفرضين

٤٤

خارج من محلّ الفرض من كون العلم التّفصيلي متولّدا عن العلم الإجمالي إذ انتقال الثمن إلى البائع في الفرض الأوّل والمثمن إلى المشتري في الفرض الثّاني معلوم تفصيلا من ابتداء الأمر نعم الجمع بين الثّمن والمثمن في بعض المراتب ربّما يؤدي إلى مخالفة العلم التّفصيلي المتولّد عن العلم الإجمالي كما في بعض الموارد المتقدّمة والآتية وفيه أنّ العلم التّفصيلي بانتقال الثّمن إلى البائع في الفرض الأوّل ناش من العلم الإجمالي بوقوع العقد على هذا المبيع أو ذاك المبيع وبالعكس في الفرض الثّاني فلا تغفل (قوله) فلا بدّ في هذا الموارد من التزام أحد أمور على إلخ لا يخفى أنّ المقصود من ذكر هذه الأمور ليس البناء عليها واختيارها بل لمّا كان جواز مخالفة العلم التّفصيلي المأخوذ من باب الطّريقيّة غير معقول فالمقصود من ذكر هذه الأمور إبداء احتمال في الموارد المذكورة لدفع ما يتراءى من لزوم مخالفة العلم التّفصيلي من فتوى بعضهم أو جماعة فيها بناء على تسليم صحّة ما أفتوا به لأجل قيام دليل معتبر عليه لا يمكن الإعراض عنه وبالجملة أنّه بعد عدم معقولية جواز مخالفة العلم التّفصيلي لا بد إمّا من المنع من صحة ما أفتوا به في الموارد المذكورة وإمّا من توجيهها بأحد الأمور المذكورة أو غيرها ممّا يناسبها بحسب المقامات فنقول إنّ ما يناسب الأوّل من الموارد المذكورة هو الوجه الثالث كما نبه عليه المصنف رحمه‌الله فبحمل إطلاق كلام من حكم بتعين الرّجوع إلى مقتضى الأصل في مسألة اختلاف الأمّة على قولين على إرادة الرّجوع إلى الأصل الموافق لأحدهما والتوقف والاحتياط فيما لم يكن أحدهما موافقا له وأمّا حكم الشّيخ بالتخيير فغاية ما يلزم منه كون نفس الالتزام بالتّخيير مخالفا للواقع من دون علم بمخالفة العمل للواقع إذ مع الأخذ بأحد الحكمين يحتمل كون الواقع هو ذلك وسيشير المصنف رحمه‌الله إلى أنّ الممنوع هي المخالفة العمليّة للواقع دون الالتزاميّة خاصّة وأمّا ما تقدم من صاحب الفصول فمع عدم الاعتداد به يمكن تقييد كلامه أيضا بما لم يكن العمل بالأصلين مؤدّيا إلى العلم التّفصيلي بمخالفة العمل للواقع وما يناسب الثّاني مع عدم معروفية القائل بجواز ارتكاب أطراف الشّبهة المحصورة دفعة وإن حكي عن بعضهم هو الوجه الأوّل مطلقا كما نبه عليه المصنف رحمه‌الله والوجه الثّالث بالنّسبة إلى جواز المخالفة تدريجا المستلزم لمخالفة العلم التّفصيلي في بعض الصّور كما نبه عليه المصنف رحمه‌الله وما يناسب الثّالث هو الوجه الأوّل والثّاني ويمكن استفادة الوجهين من صاحب المدارك فإنّه بعد حكمه بعدم وجوب الغسل على واجدي المني في الثّوب المشترك قال وفي جواز ائتمام أحدهما بالآخر وحصول عدد الجمعة بهما قولان أظهرهما الجواز لصحّة صلاة كلّ منهما شرعا وأصالة عدم اشتراط ما زاد على ذلك وقيل بالعدم للقطع بحدث أحدهما وهو ضعيف فإنا نمنع من حصول الحدث إلاّ مع تحقق الإنزال عن شخص بعينه ولهذا ارتفع لازمه وهو وجوب الطّهارة إجماعا انتهى وما يناسب الرّابع هو الوجه الثّاني والثّالث وتوضيح ذلك أنّ الإشكال في الرّابع من الموارد المذكورة من وجهتين من جهة حكم الحاكم بالتّنصيف مع علمه بمخالفة حكمه للواقع ومن جهة شراء الثّالث للنّصفين والمصنف إنّما أشار إلى الجهة الثّانية خاصّة والإشكال من الجهتين أنّما يتوجه إذا علم إجمالا صدق أحد المتداعيين وكذب الآخر وإلاّ فلو احتمل كذبهما بأن احتمل كون المال لثالث أو كونه مشتركا بينهما بالإشاعة لا يبقى إشكال في حكم الحاكم ولا في شراء الثّالث لعدم العلم بمخالفتهما للواقع بعد احتمال الإشاعة ولذا قيد المصنف رحمه‌الله مورد الإشكال بصورة العلم بصدق أحدهما وكذب الآخر ولكن الظّاهر أن الإشكال في الصّورة المذكورة من حيث شمول إطلاق فتواهم بحكم الحاكم بالتنصيف في صورة التّداعي للصّورة المذكورة إذ لا مصرّح بالتّعميم وحينئذ يمكن تخصيص كلامهم بغير الصّورة المذكورة كما هو مقتضى الوجه الثّالث ومع التسليم فقد أجاب المصنف رحمه‌الله في الشّبهة المحصورة عن الإشكال الأوّل هنا وفي الموارد الآتية بأنّ وظيفة الحاكم أخذ ما يستحق المحكوم له على المحكوم عليه بالأسباب الظّاهريّة كالإقرار والحلف والبيّنة وغيرها فهو قائم مقام المستحقّ في أخذ حقّه ولا عبرة بعلمه الإجمالي ونظير ذلك ما إذا أذن المفتي لكلّ واحد من واجدي المني في الثّوب المشترك في دخول المسجد فإنّه إنّما يأذن كلا منهما بملاحظة تكليفه في نفسه فلا يقال إنّه يلزم من ذلك إذن الجنب في دخول المسجد وهو حرام انتهى وحاصله أنّ وظيفة الحاكم بيان تكليف كلّ من المتداعيين مثلا من التنصيف بعد التحالف وهكذا في غير مورد التحالف وكذا أخذ حقّ المستحقّ على الوجه المذكورة وليس فيه مخالفة للعلم الإجمالي أو التّفصيلي ويمكن الجواب عن الثّاني أو لا بمنع جواز شراء الثّالث للنّصفين وثانيا بدعوى كون التنصيف مصالحة قهرية إما من قبل الله تعالى بأن كان الله تعالى قد حكم بانتقال نصف العين بعد التحالف إلى أحد المتنازعين بعد أن كان للآخر وإمّا من قبل الحاكم بحكمه بالتنصيف وذلك أيضا إمّا أن يكون حكما واقعيا فيترتّب عليه آثاره من صيرورة نصف المال ملكا لأحد المتداعيين في الواقع بعد أن كان للآخر فيجوز الشّراء منهما حينئذ لثالث أو حكما ظاهريا بناء على كونه مستتبعا لترتيب الآثار عليه من الغير كما نسب إلى ظاهر طريقة أكثر الأصحاب وإلاّ فيشكل جواز شراء الثّالث منهما كما لا يخفى وثالثا بكون التّنصيف بعد حكم الحاكم حكما ظاهريّا مستتبعا لترتيب الآثار الواقعيّة عليه وإن لم يكن ذلك مصالحة قهرية وما يناسب الخامس هو الوجه الثّاني وما نبّه عليه في الوجه الثّالث من المصالحة القهرية وتوضيح ذلك أنّ مسألة الودعي تتصوّر على وجوه لأنّه إمّا أن يدعي كلّ من صاحب الدّرهم والدّرهمين أن التّالف إنّما هو من مال الآخر وإمّا أن يدعي ذلك أحدهما ويصدقه الآخر أو يسكت وعلى التّقادير إمّا أن يصدق الودعي أحدهما أو يسكت ولا إشكال أنّه مع دعوى أحدهما وتصديق الآخر له يقدم قوله وكذا مع تصديق الودعي أحدهما فإنّ القول حينئذ قوله فلا وجه

٤٥

للحكم بتنصيف الدّرهمين الباقيين أرباعا في الصّورتين ومحل الإشكال أنّما هي صورة تداعيهما مع سكوت الودعي أو دعوى أحدهما وسكوت الآخر مع الودعي لأنّهما داخلتان تحت حكمهم بالتقسيم أرباعا واحتمل المصنف رحمه‌الله في الشّبهة المحصورة حصول الشّركة حينئذ بالاختلاط ولكنّه ربّما يشكل مع الغضّ عن كون اشتباه الدّراهم واختلاطها سببا للشّركة بأنّ الاختلاط إن لوحظ قبل تلف أحد الدّراهم فمقتضى القاعدة حينئذ كون التّالف منهما والباقي لهما بحسب الحصّة فيكون الدّرهمان الباقيان حينئذ بينهما أثلاثا لا أرباعا كما هو مورد النّص والفتوى وإن لوحظ الاختلاط بعد تلف أحد الدّراهم فحصول سبب الشّركة حينئذ غير معلوم لاحتمال كون التّالف هو درهم صاحب الدّرهم الواحد فلا يحصل العلم بحصول السّبب حتّى يحكم بالاشتراك فضلا عن كونه أرباعا أو أثلاثا فالوجه فيه ما يظهر من المصنف رحمه‌الله هنا وفي الشّبهة المحصورة من حمله على الصّلح القهري إما من قبل الله تعالى أو من قبل الحاكم بسبب حكمه بأن يكون ذلك حكما واقعيّا أو ظاهريّا مستتبعا لترتيب الآثار من الغير على ما عرفت وما يناسب السّادس هو الوجه الثّاني والثّالث فيقال حينئذ إمّا يكون الإقرار سببا لانتقال العين إلى المقر له الأوّل واشتغال ذمّة المقر بالقيمة للمقرّ له الثّاني في الظّاهر وبكون الحكم الظّاهري مستتبعا لترتيب الآثار الواقعيّة من الغير وإمّا بمنع جواز بيع الثّالث للعين والقيمة بثمن واحد وما يناسب السّابع هو الوجه الثّاني وما ذكره في الوجه الثّالث من انفساخ العقد بعد التحالف من أصله أو من حينه وذلك إمّا من قبل الله تعالى أو الحاكم بحكمه أو كون أخذ الثّمن أو المثمن في محلّ الفرض بعد التّحالف من باب المقاصّة القهريّة وذلك لأنّ بقاء العقد المقتضي لحرمة أخذ الثّمن أو المثمن وحرمة مخالفة حكم الحاكم المقتضية لجوازه مع عدم كون حكمه مغيّرا للواقع عمّا هو عليه لا يجتمعان إلاّ بإلزام التّقاصّ القهري مطلقا سواء كان أحد العوضين أزيد من الآخر أم لا ويحتمل وقوع التّقاصّ في مقدار المالين بأن يجب ردّ الزّائد ولو بإدخاله في كيس صاحبه من دون اطّلاع منه هذا ولكن ربّما يشكل تأتي الوجه الثّاني هنا بأنّه مع العلم تفصيلا بكون الثّمن للبائع فيما كان الاختلاف في المبيع أو كون المبيع للمشتري فيما كان الاختلاف في الثمن لا يمكن تصوير حكم ظاهري فضلا عن نفوذه في حقّ الغير في الواقع لاعتبار الجهل في موضوع الحكم الظّاهري المنتفي في المقام اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ وجوب الالتزام بقضاء الحاكم وعدم جواز نقضه يحدث في حقّ المتخالفين حكما ظاهريّا فيجب على البائع في الأوّل ردّ الثّمن إلى المشتري بحسب الظّاهري ويجب على المشتري أيضا إمضاؤه بالقبول وكذلك يجب على المشتري في الثّاني ردّ المبيع إلى البائع على الوجه المذكور ولكنّه يشكل بأن علم البائع في الأوّل بصيرورة الثمن ملكا له في الواقع لا يجتمع مع كونه مكلّفا في الظّاهر بردّه إلى المشتري إلاّ بجواز مخالفة العلم التّفصيلي وهو كرّ على ما فرّ منه وكذلك في الثّاني وهو واضح وما يناسب الثّامن هو الوجه الثّاني وما ذكره في الوجه الثّالث وتظهر الحال فيه أيضا من ملاحظة سابقه (قوله) وكذا من حلّ له إلخ في مسألة حكم الحاكم بالتّنصيف (قوله) إذا لم يعلم كذبه إلخ أي لم يعلم من حلّ له كذب من وصل إليه (قوله) في مسألة الصّلح إلخ يعني مسألة الودعي فإنّها مذكورة في باب الصّلح كما صرّح به في الشّبهة المحصورة(قوله) وحمل أخذ المبيع إلخ معطوف على قوله تقييد الأحكام إلخ (قوله) كالالتزام بإباحة إلخ قد مثل لمخالفة الالتزاميّة بمثالين أحدهما من الشّبهة الموضوعيّة والآخر من الشّبهة الحكميّة واشترط في الأوّل اتحاد زماني الوجوب والحرمة وفي الثّاني عدم كون أحدهما المعين تعبّديّا والوجه فيهما واضح إذ الالتزام بالإباحة مع اختلاف زماني الوجوب والحرمة ربّما يؤدّي إلى المخالفة العمليّة كما إذا ترك الفعل في زمان احتمال وجوبه وأتى به في زمان احتمال حرمته وكذلك مع كون أحدهما المعين تعبّديّا محتاجا إلى قصد القربة ربّما يؤدّي الالتزام بالإباحة إلى المخالفة العمليّة القطعيّة لأنّه مع دوران فعل بين كونه واجبا تعبديا وحراما توصليا أو بالعكس بأنّ دار الأمر بين كون تركه واجبا تعبّديّا وفعله واجبا توصّليّا فإذا أتى به من دون قصد قربة في الأوّل أو تركه كذلك في الثّاني يحصل العلم بمخالفة العمل للواقع وأمّا إذا كان كلا الاحتمالين تعبّديين فأولى بالمخالفة نعم لو كان أحدهما غير المعيّن تعبّديا فهو في حكم كون كليهما توصّليين في عدم لزوم القطع بمخالفة العمل للواقع لأنّه مع دوران فعل بين كون الإتيان به واجبا تعبّديا وتركه كذلك إذا أتى به من دون قصد قربة أو تركه كذلك يحتمل موافقة العمل للواقع لفرض احتمال توصّلية كلّ من الفعل والتّرك وإمّا مع كونهما توصّليين فأولى بعدم لزوم المخالفة وحاصل المقام أنّه إذا دار الأمر بين وجوب فعل وحرمته فلا يخلو إمّا أن يكون كلّ من الحكمين توصّليّين أو تعبّديّين أو أحدهما المعيّن تعبّديا والآخر توصّليّا أو أحدهما غير المعيّن تعبّديا والآخر كذلك توصّليا أمّا الأوّل فالحكم بالإباحة فيه أنّما يستلزم المخالفة الالتزاميّة دون العمليّة لأنّ العمل لا يخلو عن فعل موافق لاحتمال الوجوب أو ترك موافق لاحتمال الحرمة وأمّا الثّاني فالحكم بالإباحة فيه يستلزم المخالفة العمليّة إذا أتى بالفعل أو تركه من دون قصد قربة وأمّا لو أتى به أو تركه مع قصدها فهو يستلزم المخالفة العمليّة الاحتماليّة دون القطعيّة وأمّا الثّالث فالحكم بها فيه أنّما يستلزم المخالفة القطعيّة إذا أتى بالفعل من دون قصد القربة وكان الفعل على تقدير وجوبه تعبّديا أو تركه من دون قصدها وكان ترك الفعل على تقدير حرمة الإتيان به تعبّديا وأمّا لو تركه على الأوّل أو أتى به على الثّاني فالمخالفة التزاميّة لا محالة وأمّا الرّابع فالمخالفة فيه التزاميّة لا محالة كما تقدّم ثمّ إنّ هنا أمرين أحدهما أن ما ذكره المصنف من الشّرطين لا بدّ من اعتبار كلّ منهما في كلّ من صورتي المسألة من الشّبهة

٤٦

الموضوعيّة والحكميّة وإن خصّ المصنف كلا منهما بصورة إذ لو دار فعل بين الاندراج تحت عنوان واجب تعبّدا وبين اندراجه تحت عنوان حرام توصّلا أو بالعكس على نحو ما عرفت كما إذا ترددت امرأة بين كونها منذورة الوطء على وجه القربة وبين كونها منذورة ترك الوطء مطلقا فوطأها من دون قصد قربة لزمت المخالفة العمليّة حينئذ لا محالة وكذلك في صورة العكس وأيضا لو تردّد موضوع كلي بين الوجوب والحرمة في زمانين فالالتزام بإباحته في الزّمانين ربّما يؤدّي إلى المخالفة العمليّة على نحو ما تقدّم وثانيهما أنّ جواز الالتزام بإباحة فعل مردّد بين الوجوب والحرمة التوصّليين في زمان واحد أنّما هو فيما لم يؤدّ ذلك إلى مخالفة عمليّة معلومة إجمالا أو تفصيلا كما إذا نذر إضافة رحلين لم يتركا واجبا واقعيّا ولا ارتكبا حراما كذلك فأضاف رجلين ترك أحدهما ذلك الفعل وارتكبه الآخر لوضوح عدم حصول برّ النّذر بذلك إذ أصالة عدم الوجوب والحرمة بمعنى نفي آثارهما المختصّة بكلّ منهما لا تنهض لإثبات الأثر المعلوم المخالفة للواقع تفصيلا وكان المصنف ره قد سكت عن هذا القيد لأجل وضوحه كيف لا وقد أشار إليه في مسألة دوران الأمر بين الوجوب والحرمة فراجع (قوله) أمّا المخالفة الغير العمليّة إلخ لا يخفى أن الكلام في المخالفة الالتزاميّة والعمليّة تارة في الشّبهات الموضوعيّة وأخرى في الحكميّة وإن أغنى عن الكلام في الشّبهة في المكلّف لما أسلفناه أنّ الشّبهة فيه ترجع دائما إلى الشّبهة المصداقيّة إما في التّكليف أو المكلف به إلا أنّها لأجل اختصاصها بمزيد مباحث أفرد لها عنوانا آخر بعد الفراغ من المقامات الأربعة(قوله) أو بين حكمين لموضوعين إلخ وذلك لأنّ النّجاسة والطهارة عنها موضوعهما الجسم وظاهر البدن والحدث والطّهارة عنه موضوعهما النّفس والبدن والتوضّي بالماء مع طهارة البدن وسبق الحدث مزيل للحدث ومحدث لضدّه مع بقاء طهارة البدن وبالبول محدث للنجاسة الظّاهريّة وغير مزيل للباطنيّة والتلازم في المقامين ثابت في الواقع فالالتزام بطهارة ظاهر البدن وبقاء الحدث فيما توضى بمائع مردّد بين الماء والبول إعمالا لقاعدة الطّهارة أو استصحابها واستصحاب الحدث تفكيك بين لازمين في موضوعين لما عرفت من كون طهارة البدن ملازمة لارتفاع الحدث وبقاء الحدث لنجاسة البدن فالالتزام بطهارة البدن وبقاء الحدث مستلزم لما ذكر ولكن لا يلزم منه سوى مجرّد الالتزام بما يخالف الواقع من دون علم بمخالفة العمل له لأنّه لو توضّى بعده بماء طاهر فصلّى به يحتمل مطابقة عمله للواقع لاحتمال كون المائع المردّد فيه ماء في الواقع فلا يحصل العلم بنجاسة البدن وإنّما اشترط الغفلة لأنّه لو توضّى بالمائع المردّد فيه مع الالتفات يحصل القطع ببقاء الحدث لاشتراط صحّة الوضوء بقصد القربة غير المجامع مع احتمال كونه بولا فلا يكون ثبوت الحدث حينئذ بالأصل وأصالة عدم بوليّته في الواقع غير مجدية في صحّة الوضوء لعدم كون صحّته مرتبة على عدم كون ما يتوضأ به بولا بل على كونه ماء طاهرا وهي لا تثبته مضافا إلى معارضتها بأصالة عدم كونه ماء في الواقع على أنّ الكلام في المقام أنّما هو فيما لم يكن المائع المشكوك فيه مجرى للأصول وإلاّ فلا معنى لإجرائها لإثبات طهارة البدن وبقاء الحدث إذ مع جريان الأصول في الأسباب الشّرعيّة لا يبقى لها محلّ في مسبباتها لكون الشّكّ فيهما من قبيل المزيل والمزال (قوله) أمّا في الشّبهة الموضوعيّة إلخ حاصله أنّ العمدة في منع جريان الأصول في المقام هي مخالفتها للأدلّة الدّالة على ثبوت الأحكام الواقعيّة التي تجب الالتزام والتّدين بها والمخالفة أنّما تحصل مع ثبوت تلك الأحكام وهو فرع ثبوت موضوعاتها بمعنى أن أصالة إباحة وطء المرأة المردّدة بين من وجب وطؤها بالحلف ومن حرم وطؤها به أنّما تخالف ما دلّ على وجوب الوفاء بالحلف على تقدير ثبوت كون هذه المرأة من وجب وطؤها بالحلف أو من حرم وطؤها به وأمّا مع خروجها من تحت موضوع الحكمين لأجل أصالة عدم تعلّق الحلف بوطئها ولا بتركه فلا تندرج هذه المرأة تحت موضوع الوجوب والحرمة حتّى تلزم المخالفة فيكون هذان الأصلان حاكمين على الأدلّة الدّالة على وجوب الوفاء بالحلف وكذلك استصحاب طهارة البدن والحدث يخرج محلّه من موضوع ما دلّ على تنجس ما لاقى نجسا وعلى حصول الطّهارة بالتّوضي بخلاف الأصول الجارية في الشّبهات الحكميّة لكونها مخالفة لنفس الدّليل المثبت للحكم على نحو ما قرّره ومن هنا يظهر أنّه لو ثبت جواز المخالفة الالتزاميّة في الشبهات الحكميّة فثبوته في الشّبهات الموضوعيّة بطريق الأولويّة لما عرفت من عدم كون جريان الأصل في الثّانية منافيا لوجوب الالتزام بالأحكام الواقعيّة بخلاف الأولى فيمكن القول بجواز المخالفة في الثّانية وإن قلنا بوجوب الالتزام في الأولى ولأجل ذلك خصّ الكلام في وجوب الالتزام وعدمه بالشّبهات الحكميّة ولم يتعرض له هنا فإن قلت أيّ فرق في الشبهات الموضوعيّة بين ما يلزم فيه المخالفة الالتزاميّة وما يلزم فيه المخالفة العمليّة حيث إنّ ظاهر المصنف رحمه‌الله في الأوّل جريان الأصول من دون إشكال وفي الثّاني عدم جريانها كذلك وما ذكره في وجه عدم الجريان في الثّاني جار في الأوّل أيضا كما لا يخفى ومجرّد كون المخالفة في الأوّل لخطاب مردّد بين خطابين وفي الثّاني لخطاب مفصّل معلوم لا يوجب الفرق بعد كون العلم الإجمالي كالتّفصيلي قلت الفرق بين المقامين واضح إذ المانع من جريان الأصول في الأوّل إمّا نفس الخطاب الواقعي من حيث هو أو العلم به إجمالا ومردّدا بين خطابين ومن الواضح أنّ الأوّل غير صالح للمنع ما لم يتنجّز التّكليف به والثّاني أنّما يصلح للمنع على تقدير صلاحيّته لإثبات التّكليف بالالتزام بالخطاب الواقعي المعلوم إجمالا وسيجيء عدم صلاحيته لذلك هذا بخلاف الثّاني لأنّ عدم جريان الأصول فيه حيث يستلزم المخالفة لخطاب تفصيلي واضح إذ مخالفة العمل للخطاب الواقعي المعلوم تفصيلا قبيحة عقلا فالمانع من جريانها حينئذ هو العقل بل وكذلك

٤٧

فيما استلزم المخالفة لخطاب معلوم بالإجمال وإلاّ يفوت الغرض المقصود من الخطابات الواقعيّة هذا إذا لم نقل بوجوب الالتزام بالخطابات الواقعيّة المعلومة إجمالا أو تفصيلا وأمّا إذا قلنا بذلك نظرا إلى حصول المخالفة والعصيان بمجرّد ترك الالتزام وإن لم تلزم المخالفة العمليّة كما سنشير إليه وأشار إليه المصنف رحمه‌الله أيضا في آخر كلامه فجريان الأصول في الأوّل حينئذ ممنوع لفرض وجود الدّليل حينئذ على خلافها وهو بناء العقلاء كما لا يخفى (قوله) وأمّا الشّبهة الحكميّة إلخ حاصله أنّ أصالة عدم الوجوب والحرمة هنا وإن لم تخرج مجراها من موضوع التّكليفين لكونها منافية للدّليل الدّال على الحكم الواقعي المعلوم إجمالا لا حاكمة عليه كما في الشّبهات الموضوعيّة على ما تقدّم في الحاشية السّابقة إلاّ أنّ المانع من إجراء الأصل هنا إمّا لزوم مخالفة العمل للحكم المعلوم إجمالا أو للالتزام به والأوّل مفروض الانتفاء ووجوب الثّاني غير معلوم فالأصل يقتضي عدمه ومعلوم العدم كما هو ظاهر كلامه وذلك لأنّ ما يدلّ على وجوبه على يستفاد من كلامه وجوه غير ناهضة لإثباته أحدها اقتضاء نفس الحكم الواقعي المعلوم إجمالا وجوده في المقام لأنّ ثبوت الحكم في الواقع بنفسه مقتض للتدين والالتزام به ولذا قد أفتى بعض متأخّري المتأخرين بوجوب الفحص عن المال الّذي يشكّ في بلوغه إلى حدّ النّصاب في الزكاة أو إلى حدّ الاستطاعة في الحجّ وعلله في الرّياض بعدم دليل على العمل بأصالة البراءة حينئذ غير ما يقال من أن بلوغ النّصاب شرط ولم يعلم حصوله فأصالة البراءة لم يعارضها شيء وفيه أنّ مقتضى الأدلّة وجوب الزّكاة في النّصاب وهو اسم لما كان نصابا في نفس الأمر من غير مدخلية للعلم به في مفهومه وحينئذ فيجب تحصيل العلم والتفحّص عن ثبوته وعدمه في نفس الأمر ولو من باب المقدّمة انتهى ومقتضاه أنّ العلم بثبوت التّكاليف في الواقع ولو إجمالا بنفسه مقتض للعمل والالتزام به ومقتضاه وإن كان وجوب الاحتياط في الشّبهات البدويّة إلاّ أنا قد خرجنا من مقتضى القاعدة فيها بأدلّة البراءة فإن قلت إنّها مقتضية لنفي الوجوب في مسألة الزّكاة والحجّ أيضا كما هو المشهور لكون الشّبهة فيها أيضا بدوية قلت نعم ولكن بقاء تلك المسألتين تحت الأصل الأوّلي وخروجها من تحت أدلّة البراءة على تقدير تسليمه أنّما هو لأجل لزوم المخالفة الكثيرة على تقدير ترك الفحص وهو بنفسه محدود مانع من جريان البراءة كما لا يخفى والجواب منع كون ثبوت التّكاليف الواقعيّة مقتضيا للالتزام بها لأنّ وجوبه أنّما هو من باب المقدّمة للإطاعة والامتثال غير المعتبر في تحقّق الواجبات التوصليّة التي هي محلّ الكلام في المقام كما تقدّم والحاصل أنّ ما يعتبر في تحقّقه عنوان الإطاعة الّذي يتوقّف على الالتزام بالحكم كالواجبات التعبّديّة خارج من محلّ الكلام وما هو محلّ الكلام لا يعتبر فيه ذلك وإن أريد من الإطاعة عدم العلم بمخالفة العمل للواقع وإن لم يقع بقصد الامتثال فهو حاصل في المقام من غير التزام وهذا هو المراد من الإطاعة في كلام المصنف ولذا أثبتها بمجرّد فرض عدم مخالفة العمل للواقع في المقام بإعمال الأصول وإلاّ فمجرّد عدم المخالفة أعمّ من حصول الإطاعة كما في الواجبات التوصليّة لإمكان تحققها من دون حصول إطاعة وأمّا وجوب الالتزام بما جاء به النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الّذي هو من لوازم الإيمان فهو أيضا حاصل في المقام إذ ما يعتبر فيه هو الالتزام بما جاء به على ما هو عليه في الواقع فإن علم ذلك تفصيلا يجب الالتزام به كذلك وإلاّ فإجمالا والأوّل لا يوجب الالتزام بأحد الاحتمالين تخييرا في موارد ما نحن فيه والثّاني حاصل بالفرض وهذا غير الالتزام بالحكم في مقام العمل لأنّ مرجعه إلى تحصيل الاعتقاد بالواقع لإيقاع العمل على طبقه والحكم بوجوبه أنّما يتم فيما يتوقف العمل عليه كما في العبادات لعدم صحّتها إلا بقصد الإطاعة والامتثال بخلاف ما نحن فيه كما سيشير المصنف رحمه‌الله إليه ونشير إلى توضيحه وثانيها تولد خطاب ثالث من انضمام الخطابين المحتملين في المقام وهو قولك اعمل بأحدهما لأنّ مقتضاهما وإن كان هو الالتزام بكلّ منهما تعيينا إلاّ أنّه لعدم إمكان الجمع بينهما لفرض دوران الأمر بين المحذورين يجب الالتزام بهما تخييرا وقد أوضح المصنف رحمه‌الله الجواب عن ذلك بقوله ويمكن تقرير دليل الجواز بوجه آخر إلخ وثالثها فحوى الأخبار الدّالّة على التخيير في تعارض الخبرين لأنّه إذا وجب التّحفّظ على الخبرين الظّنّيين وإبقاء حكمهما بقدر الإمكان الّذي مقتضاه الالتزام بحكم أحدهما وإن لم تلزم هنا مخالفة عمليّة على تقدير طرحهما ففيما كان هناك علم إجمالي يتحقّق أحد الاحتمالين بطريق أولى إذ الاهتمام بالعلم فوق الاهتمام بالظنّ وقد جعل المصنف رحمه‌الله ذلك دليلا على ما اختاره في آخر كلامه من وجوب الالتزام في المقام والجواب أنّ الحكم بالتّخيير في الأخبار المتعارضة الظّنّية إمّا أن يكون على وفق القاعدة نظرا إلى أنّ الحكم بالتخيير في تعارض الخبرين فرع اعتبارهما إذ لا معنى للتخيير بين الحجّة وغير الحجّة مضافا إلى عموم الأدلّة الدّالّة على اعتبار أخبار الآحاد وحينئذ فطرحهما إبطال لحقّ كلّ منهما وطرح أحدهما المعيّن ترجيح بلا مرجّح والفرض عدم إمكان الجمع بينهما لتعارضهما فيتعين العمل بهما تخييرا لأنّه القدر الممكن في المقام وإمّا أن يكون ذلك حكما تعبّديّا ثابتا من قبل الشّارع على خلاف القاعدة بأن يقال إنّ مقتضى القاعدة في تعارض الخبرين هو إلغاؤهما والرّجوع إلى مقتضى الأصل نظرا إلى عدم الدّليل على اعتبار الأخبار عند التعارض لأنّ الأدلّة الدّالة على اعتبار أخبار الآحاد أنّما تدلّ على اعتبارها تعيينا بناء على كون الأمر حقيقة في الوجوب التّعييني فحينئذ لا يمكن شمولها للأخبار المتعارضة لعدم إمكان العمل بها كذلك لفرض تعارضها وتضادّها ولو كان المقصود منها العمل بأخبار الآحاد تعيينا في موارد سلامتها عن مكافئ معارض

٤٨

وتخييرا في موارد التّعارض للزم استعمال اللّفظ في أكثر من معنى واحد وحينئذ نقول إنّ شيئا من الوجهين لا يجري في المقام أمّا الأوّل فلاختصاصه بموارد تعارض الحجّتين وما نحن فيه من تعارض الاحتمالين المعلوم ثبوت أحدهما في الواقع من قبيل تعارض الحق والباطل فلا يمكن قياس أحدهما إلى الآخر إذ مقتضى القاعدة فيما نحن فيه هو الرّجوع إلى مقتضى الأصل بعد فرض عدم لزوم المخالفة العمليّة من العمل به وأمّا الثّاني فهو أيضا لا يقتضي التّعدّي عن مورده إلى غيره إذ بعد فرض كون التخيير في تعارض الخبرين على خلاف القاعدة لا يلزم منه تعدية الحكم إلى تعارض الاحتمالين والأولويّة أنّما تثبت لو علم كون المناط في حكم الشّارع بالتخيير في تعارض الخبرين هو مراعاة احتمال الواقع في أحدهما إذ يصحّ حينئذ أن يقال إنّه إذا ثبتت مراعاة ذلك في الظّنّيين ففي موارد العلم الإجمالي بطريق أولى ولكن الفرض كون ذلك تعبّديّا وعدم العلم بالمناط فيه ولو فرض حصول الظنّ به فهو غير كاف في المقام ورابعها وجوب الالتزام بما جاء به النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو هنا لا يمكن إلاّ بالالتزام بأحدهما تخييرا وقد تقدم الجواب عن ذلك فراجع وإذا ثبت عدم نهوض الوجوه المذكورة لإثبات وجوب الالتزام في المقام يتعيّن العمل بالأصل في نفي الاحتمالين لانحصار المانع فيه وقد عرفت عدم صلاحيّته لذلك ولكن المصنف رحمه‌الله قد عدل في آخر كلامه إلى المنع عن جواز المخالفة الالتزاميّة نظرا إلى كون مرجعها في الحقيقة إلى المخالفة العمليّة ولو في الوقائع المتعدّدة سيّما مع كونها خلاف طريقة الأصحاب كما يرشد إليه ملاحظة كلماتهم في مسألة الإجماع المركّب واختلاف الأمّة على قولين وما ذكروه في مسألة البراءة في حكم ما دار الأمر فيه بين محذورين حيث إنّ الأكثر في المسألة الأولى على عدم جواز المحرق مطلقا من دون فصل بينما لزم منه المخالفة العمليّة أو الالتزاميّة بل لم يظهر المخالف فيه إلى زمان صاحب الفصول حيث جوز الخرق فيما ثبت أحد شطري الإجماع بدليل اجتهادي فجوّز في مثله الرّجوع إلى مقتضى الأصل وإن خالفهما ولكنّه ضعيف في الغاية لشمول إطلاق كلامه لصورة لزوم المخالفة العمليّة مع ما في كلامه من قياس الشّبهات الحكميّة على الموضوعيّة كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله والمعروف في المسألة الثّانية قولان أحدهما ما اختاره الشّيخ من الحكم بالتخيير وثانيهما ما حكاه في العدّة عن بعضهم من الرّجوع إلى مقتضى الأصل ومخالفة شيء منهما للمقام غير معلومة لاحتمال كون مراد الأوّل هو التّخيير الظّاهري كما يظهر من الفاضل القمي وإن كان ذلك خلاف ظاهر كلامه كما أسلفناه سابقا ومراد الثّاني هو الرّجوع إلى الأصل الموافق لأحد القولين مضافا إلى كونه مجهول القائل ولعلّه ممّن لا يعتد بقوله وقد استظهر المصنف إطباقهم في المسألة الثالثة على عدم جواز الرّجوع إلى الإباحة المعلومة إجمالا مخالفتها للواقع هذا كلّه مضافا إلى أنّ طريقة الإطاعة والعصيان موكولة إلى العقل والعقلاء ولا ريب أنّه مع استقرار طريقتهم في باب الإطاعة والعصيان على شيء يكون هو المتبع كالعمل بالبراءة في الشبهات البدويّة والعمل بالظنّ عند الانسداد باب العلم بل الأخذ بأحد الاحتمالين أو الاحتمالات لو فرض والعياذ بالله انسداد باب الظّنّ بالأحكام أيضا ولو فرض بناؤهم في الشبهات البدويّة على العمل بالاحتياط لكان هو المتبع والإنصاف أنّ طريقتهم فيما نحن فيه من حصول العلم إجمالا بشيء من الوجوب والحرمة ودوران الأمر بين محذورين مستقر على كون الملتزم بأحد الاحتمالين مطيعا والمعرض عنهما رأسا عاصيا ولا يلزم منه خرق قاعدة قبح التّكليف بلا بيان لأنّه أنما يلزم لو قلنا بثبوت التّكليف بالواقع على ما هو عليه لا بالتّخيير في الالتزام بأحد الاحتمالين مع السّكوت عن الحكم الواقعي الّذي هو نوع من البراءة مشوب بالاحتياط ولعلّ السّر في بنائهم على ما ذكرناه هو كون البناء على جواز المخالفة الالتزاميّة مؤدّيا غالبا إلى المخالفة العمليّة وحينئذ فلا فرق بين الوقائع المتعدّدة المتدرّجة والواقعة الواحدة ولعل هذا هو الوجه في أمر المصنف رحمه‌الله بالتّأمّل في التّفصيل بينهما ثمّ إنّ ما ذكره المصنف ره من كون المخالفة الالتزاميّة مؤدية إلى المخالفة العمليّة في الوقائع المتعدّدة المتدرّجة وإن كان غير مطرد لجواز اتحاد الوقائع فعلا أو تركا فلا يتأتى فيه ما ذكره من وجوب الالتزام لانتفاء المقتضي له حينئذ وهو قبح المخالفة العمليّة ولو كانت في الوقائع المتعددة إلا أنّك قد عرفت عموم بناء العقلاء للمقامين مع أنّ المراد من حرمة المخالفة الالتزاميّة ليس إثبات وجوب الالتزام والبناء على أحد الاحتمالين بل المقصود عدم جواز كون العمل مخالفا للواقع ولو في الوقائع المتعدّدة وإن لم يكن ذلك عن قصد والتزام بأحد الاحتمالين ثمّ إنّ ما قوّاه المصنف وإن ذكره في الشّبهة الحكميّة إلا أنّه لا فرق فيما ذكره بينها وبين الشّبهة الموضوعيّة كما صرّح به فيما يلزم فيه مخالفة العلم لخطاب مجمل كما سيجيء(قوله) إلاّ وجوب الإطاعة إلخ قد تقدّم المراد من الإطاعة في المقام في الحاشية السّابقة فراجع (قوله) إنّما يجب مقدمة للعمل إلخ حاصله منع الصّغرى لعدم توقف العمل على الالتزام بأحد الحكمين المحتملين في المقام لما تقدّم من كون محلّ الكلام هو الواجبات التوصليّة التي يمكن حصولها في الخارج من دون التزام بأحد المحتملين في مقام الظّاهر نعم يتمّ ذلك فيما يعتبر فيه التعبّد ولكنّه خارج ممّا نحن فيه كما تقدّم وإثبات الوجوب النّفسي للالتزام في الفروع كالأصول قد تقدّم تضعيفه (قوله) لأنّ الأصول تحكم إلخ لصيرورة الشّبهة حينئذ موضوعيّة لأنّه إذا ثبت وجوب الالتزام بالأحكام الواقعيّة نفسا فمع دوران الأمر بين وجوب فعل وحرمته يحصل الشّك في أنّ موضوع وجوب الالتزام هو وجوب هذا الفعل أو حرمته نظير الشّكّ في وجوب وطء المرأة المعيّنة وحرمته لأجل الشّكّ في الحلف على وطئها أو على ترك وطئها وقد تقدّم كون الأصل في الشّبهات الموضوعيّة

٤٩

مخرجا لمجراه من عنوان الحكم المعلوم وموضوعه نعم الفرق بين ما نحن فيه وما تقدّم أنّ الشّكّ هنا أنّما هو في اندراج الموضوع الكلي تحت أحد العنوانين المعلوم تعلّق حكم واحد معيّن بأحدهما لأنّ الشّكّ ثمّة أنّما هو في اندراج شرب التّتن مثلا تحت عنوان الوجوب أو عنوان الحرمة المعلوم تعلّق وجوب الالتزام بالخصوص بأحدهما والشّكّ ثمّة أنّما هو في اندراج الموضوع الجزئي تحت أحد العنوانين المعلوم إجمالا تعلّق الوجوب بأحدهما والحرمة بالآخر إذ الشّكّ في وجوب وطء المرأة وحرمته أنّما هو في اندراج هذه المرأة تحت عنوان كونها محلوفة الوطء حتّى يجب وطؤها بهذا العنوان أو تحت عنوان كونها محلوفة على ترك وطئها حتّى يحرم وطؤها بهذا العنوان ولأجل ما ذكرناه من الفرق يكون العمل بالأصل فيما نحن فيه مستلزما للمخالفة العمليّة بخلافه ثمّة والوجه فيه واضح (قوله) فالحق منع فرض إلخ المراد من الالتزام الممنوع وجوبه هو الالتزام في مقام العمل الّذي مرجعه إلى تحصيل الاعتقاد بتفاصيل ما جاء به النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم البناء عليه لتطبيق العمل عليه وإلاّ فوجوب الالتزام بما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على ما هو عليه في الواقع ضروريّ لرجوعه إلى تصديقه فإن علم ذلك تفصيلا يجب الالتزام به كذلك وإلاّ فإجمالا على ما هو عليه في الواقع ولذا استدرك وجوب الالتزام به بهذا المعنى في آخر كلامه (قوله) إلا أنه فعله لا لداعي إلخ ربّما يوهم ذلك كون المراد من الالتزام في المقام هو الإتيان بالفعل بداعي وجهه من الوجوب أو الحرمة وليس ذلك بمقصود يقينا كيف وقصد الوجه ليس بمعتبر في العبادات فضلا عن التوصّليات كما هو محلّ الكلام في المقام فالمقصود نفي الإتيان بالفعل من حيث ثبوت وجوبه شرعا لا نفي جعل الوجوب غاية للفعل ليوهم ما ذكر والفرق بينهما واضح فالمراد من الالتزام هو البناء على وجوب الفعل أو حرمته مثلا شرعا ثمّ الإتيان بالفعل من هذه الحيثيّة لينطبق العمل عليه وحينئذ نقول في توضيح قوله ويمكن تقرير دليل الجواز إلخ يعني جواز المخالفة الالتزاميّة أنّه لو وجب الالتزام نفسا بالمعنى المذكور فإن كان بأحدهما المعيّن في الواقع المجهول عندنا فهو تكليف بمجهول بل بغير الممكن ذاتا وهو أقبح من التّكليف في الشبهات البدويّة لإمكان موافقة العمل فيها للواقع ولو اتفاقا بخلافه هنا إذ البناء على وجوب فعل مثلا لا يمكن إلاّ بعد العلم به تفصيلا وإن كان بأحدهما المخيّر فيه ففيه أنّ استفادة هذا الخطاب التّخييري من الخطاب الواحد الواقعي المردّد عندنا بين خطابين غير ممكنة لكون مقتضى هذا الخطاب الواقعي هو التّعيين دون التخيير فلو كان مرادا معه من هذا الخطاب للزم استعمال اللّفظ في أكثر من معنى واحد مضافا إلى عدم معقوليّة اتّصاف الفعل الواحد بالوجوب التّعييني والتّخييري مع اتحاد الجهة والعقل أيضا لا يحكم به في مقام الظنّ ولو بواسطة لزوم التّكليف بما لا يطاق على تقدير ثبوت التكليف بالواقع إذ مثل هذا التّكليف قبيح عند العقل كما عرفت فكيف يقبله حتّى يحكم لأجله بالتخيير في مقام الظّاهر نعم لو ثبت هنا خطابان متزاحمان معتبران شرعا كخبرين متعارضين جامعين لشرائط القبول يحكم بالتخيير في العمل بهما في وجه تقدّم عند شرح قوله وأمّا الشّبهة الحكميّة وقد تقدّم ثمة أيضا فساد قياس ما نحن فيه عليهما فإثبات التّخيير فيما نحن فيه لا بدّ فيه من خطاب آخر عقلي أو نقليّ وهو مع عدم الدّليل عليه غير معقول كما قرّره المصنف من استلزامه الخطاب بتحصيل الحاصل نعم يمكن تعقله لو كان مراد القائل بالتخيير هو التعبّد بأحد الاحتمالين لا مجرد حصول مضمون أحد الخطابين في الخارج ليكون خطابا بما هو حاصل في الخارج إذ التعبّد حينئذ أمر زائد على ما هو حاصل في الخارج ثابت بالخطاب التّخييري المذكور ولكن يبقى حينئذ ما تقدّم من عدم الدّليل على وجود مثل هذا الخطاب هذا ولكن يمكن دفع عدم المعقوليّة بأنّه أنّما يلزم في التخيير الاستمراري دون البدوي إذ الاستمرار على الفعل أو التّرك ليس بحاصل في الخارج غالبا كيف وقد ثبت التخيير في متعارضات الأخبار ولو شرعا وقد استدلّ بذلك على ما اختاره في آخر كلامه مع أنّ فائدة الخطاب التخييري التوصّلي ولو كان استمراريا تظهر في إمكان قصد الإطاعة والامتثال فلا يكون الخطاب به لغوا فتأمّل مضافا إلى أنّ الخطاب التوصّلي المذكور أنّما يستلزم الخطاب بتحصيل الحاصل إذا كان متعلّقا بنفس الفعل أو التّرك تخييرا بأن يقول الشّارع افعل هذا أو اتركه بخلاف ما لو كان متعلّقه وجوب الالتزام بحكم أحد الأمرين من الوجوب والحرمة إذ لا ريب أنّ الالتزام بحكمهما مغاير لنفسهما والمحذور أنّما يلزم على الأوّل دون الثّاني لكون وجوب الالتزام من فوائد الخطاب المذكور غير حاصل قبله والكلام في المقام أيضا أنّما هو في الثّاني دون الأوّل وبالجملة أنّ مضمون الخطاب المذكور ليس الفعل أو التّرك تخييرا كما هو صريح العبارة ليلزم المحذور بل مضمونه وجوب الالتزام بأحد الحكمين وهو غير حاصل قبل الخطاب المذكور اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ الفرض من الخطاب بوجوب الالتزام هو العمل فعلا أو تركا فيكون من باب الأمر بالمقدّمة وما ذكرته أنّما يتمّ لو كان الالتزام واجبا نفسيّا لا غيريّا ولكن ظاهر مقابلة الخطاب التوصّلي بالتّعبدي في العبارة إرادة الأعمّ من النّفسي والغيري من التوصّلي إلاّ أن يقال إنّ المراد بالتّعبّد هنا هو الأخذ والالتزام بما هو مطلوب في نفسه لا ما يعتبر في تحقّقه قصد القربة فيكون المراد بالتّوصّلي حينئذ ما كان مطلوبا للغير من باب المقدّمة ويؤيّد هذا المعنى أن حمل كلام مدّعي الخطاب التخييري على الخطاب التّعبدي الّذي يشترط في تحقق مضمونه قصد القربة في غاية البعد بل معلوم الفساد إذ لا يقول أحد بوجوب الالتزام مع قصد القربة بالأحكام التوصّليّة كما هو محلّ الكلام (قوله) هذا ولكنّ الظّاهر من جماعة إلخ هذا رجوع عمّا ذكره في الشّبهة الحكميّة بذكر ما يوهنه (قوله) إطلاق القول إلخ سواء لزمت منه المخالفة العمليّة أو الالتزاميّة(قوله) وقاسه بعضهم إلخ هو صاحب الفصول وإطلاق كلامه يشمل صورة

٥٠

لزوم المخالفة العمليّة أيضا كما لا يخفى على من راجعه وحاصل ما أورده المصنف رحمه‌الله عليه منع صحّة القياس ببيان الفارق ويظهر توضيحه ممّا قدّمناه عند بيان وجوه المنع من المخالفة الالتزاميّة وتضعيفها(قوله) حتّى مع العلم التّفصيلي إلخ لا يخفى ما فيه إذ لا مجرى للأصول مع العلم التّفصيلي بالواقع فكيف يفرض التعارض والمنافاة بينها وبين الحكم الواقعي المعلوم تفصيلا وكان المقصود بيان جواز المخالفة الالتزاميّة للحكم المعلوم بالتّفصيل ولكن وقع قصور في العبارة(قوله) إذ هو المسلم المعروف إلخ يعني أنّ المسلم المعروف من جواز مخالفة قول المعصوم عليهم‌السلام بين القائلين بجوازها هو جوازها بحسب الالتزام دون العمل أما على قول الشّيخ رحمه‌الله بالتخيير الواقعي فظاهر وأمّا على قول من قال بالرّجوع إلى مقتضى الأصل فإنّ المسلم والمتيقّن من كلامه هو الرّجوع إلى أصل ثالث لا يلزم من العمل به إلا مجرّد مخالفة التزاميّة كأصالة الإباحة فيما نحن فيه وعلى ما ذكرناه يكون مرجع الضّمير هو طرح قول الإمام عليه‌السلام من حيث الالتزام لا عدم جواز الطّرح من حيث العمل وإلاّ فلا يتم استشهاد قول الشّيخ والمنقول عن بعض ثمّ إنّ استظهار التّخيير الواقعي من كلام الشّيخ قد تقدّم وجهه عند بيان ما يتعلق بالموارد الّتي ورد في الشّرع فيها جواز مخالفة العلم التّفصيلي المتولد من العلم الإجمالي وأمّا وجه ما استظهره من كلام البعض فإنّ الظّاهر من حكمه بالرّجوع إلى مقتضى الأصل هو الرّجوع إلى أصل ثالث مخالف للقولين وإلاّ فالرّجوع إلى أصل موافق لأحدهما في الحقيقة عمل بأحد القولين لا بالأصل وأمّا بناء على كون مراد الشّيخ هو التخيير الظّاهري كما يظهر من المحقق القمي رحمه‌الله وكذا مراد البعض من الأصل هو خصوص الأصل الموافق لأحد القولين فلا يستلزم كلامهما جواز المخالفة الالتزاميّة أيضا كما لا يخفى وممّا ذكرناه يظهر أن قوله فإن ظاهر الشّيخ إلخ تعليل لمعروفية جواز المخالفة الالتزاميّة في قبال احتمال ما ذكرناه من إمكان كون مرادهما ما لا يستلزم تجويز المخالفة الالتزاميّة أيضا لا في قبال احتمال كون مرادهما ما يشمل المخالفة العمليّة أيضا وإلاّ فلا وجه لما استظهره من كلامهما لعدم شمول كلام الشّيخ للمخالفة العمليّة أصلا حتّى يستظهر خلافه وكلام البعض أيضا عام لها وللمخالفة الالتزاميّة والحاصل أنّه في قوله فإن ظاهر الشّيخ إلخ في صدد إثبات تجويزهم المخالفة الالتزاميّة في قبال ما ذكرناه لا في صدد إثبات عدم تجويزهم المخالفة العمليّة فيكون بيان ذلك موكولا إلى الخارج كما أشرنا إليه وكذلك يظهر أنّ مراده بقوله والرّجوع إلى الأصل هو الأصل الثّالث في قبال احتمال كون مراد البعض هو الرّجوع إلى أصل موافق لأحد القولين (قوله) والإنصاف أنّه لا يخلو عن قوّة إلخ لا يذهب عليك أن ما قوّاه هنا مخالف لما ذكره في مبحث البراءة في مسألة دوران الأمر بين الوجوب والحرمة لحكمه هناك بالتّوقف عن الحكم الواقعي وعدم التزامه بشيء من طرفي الشّبهة في مقام الظّاهر ثمّ إنّ ما ذكره هنا من دليل العقل جاز في الشّبهات الحكميّة والموضوعيّة وإن ذكره في ذيل الشّبهة الحكميّة كما أشرنا إليه سابقا نعم دليله الثّاني أعني الفحوى ظاهر الاختصاص بالأوّل ولكن قد تقدم ما فيه كما نبه عليه المصنف رحمه‌الله أيضا في مبحث البراءة (قوله) فهي لازمة البتّة إلخ يعني بحسب العادة وإلا فاللّزوم العقلي واضح المنع لإمكان أن لا يلتزم المكلّف بشيء من الوجوب والحرمة المحتملين مع تركه الفعل عن قصد أو اتفاقا(قوله) وتعدد الواقعة أنّما يجدي إلخ دفع لما يمكن أن يتوهّم من اختصاص حرمة المخالفة العمليّة القطعيّة بصورة اتّحاد الواقعة وعدم تأتّيها في الوقائع المتعددة كما يشهد به تخيير الشّارع للمقلّد بين قولي مجتهدين تخييرا مستمرا يجوز معه العدول عن أحدهما إلى الآخر بحيث يستلزم القطع في بعض الموارد بمخالفة العمل للواقع في الوقائع المتعدّدة كما إذا كان رأي أحدهما وجوب فعل ورأي الآخر حرمة هذا الفعل فقلّد الأوّل فارتكبه ثمّ قلّد الآخر فتركه وكذلك تخييره في العمل بأحد الخبرين المتعارضين تخييرا مستمرا حتّى فيما كان مضمون أحدهما وجوب فعل ومضمون الآخر حرمته وكذلك حكم المشهور بوجوب العدول عن تقليد الميّت إلى تقليد الحيّ وعن تقليد غير الأعلم إلى تقليد الأعلم لأن ذلك أيضا قد يستلزم المخالفة العمليّة في الوقائع المتعددة ومحصّل دفعه أنّ ما ذكر من عدم قبح المخالفة العمليّة مع تعدّد الواقعة أنّما يسلم فيما كان للمكلّف عند كلّ واقعة دليل تعبّدي مأمور هو بالبناء على كونه طريقا إلى الواقع أو على كون مضمونه بدلا عن الواقع على الوجهين في جعل الطّرق الظاهريّة أو على مجرّد العمل على طبقه الّذي مرجعه إلى مجرّد معذوريّة المكلّف في العمل به كما في العمل بالأصول وبالجملة أنّ ما ذكر أنّما يتمّ مع إذن من الشّارع على أحد الوجوه المذكورة عند كل واقعة مع قطع النظر عن الآخر وأمّا مع عدمه بأن كانت الوقائع المتعدّدة المتدرجة من جزئيات التكليف الواحد المعلوم بالإجمال ومحتملاته فالعقل لا يفرق بينها وبين الواقعة الواحدة في قبح المخالفة العمليّة ووجه الفرق بين المقامين واضح لأنّه مع عدم قيام الدّليل على حكم كلّ واقعة وكون الوقائع المتعددة من جزئيّات التّكليف الواحد المعلوم إجمالا ومحتملاته تكون تلك الوقائع في نظر العقل في حكم واقعة واحدة فتقبح المخالفة فيها بخلاف ما لو قام الدّليل عند كلّ واقعة لأنّه مع قيامه كذلك يصير كل واقعة في نظر العرف واقعة مستقلّة معلوما حكمها بالتّفصيل فكأنّ تلك الوقائع حينئذ تخرج عندهم من أطراف العلم الإجمالي فلا يلاحظ حينئذ مخالفة العمل له عند ملاحظة مجموع تلك الوقائع هذا غاية توضيح ما ذكره المصنف رحمه‌الله وهو بعد لا يخلو عن نظر لأنّ المخالفة الالتزاميّة من حيث هي على ما حقّق المقام غير مانعة عن جريان الأصول والمانع أنّما هو لزوم المخالفة العمليّة في الوقائع المتعددة فما نحن فيه من قبيل الموارد المذكورة في السّؤال لفرض جريان الأصل عند كلّ واقعة مع قطع النّظر عن لزوم المخالفة العمليّة في الوقائع المتعددة

٥١

فلا بد أن لا يكون قبح في هذه المخالفة أيضا والأولى في الجواب منع التخيير الاستمراري في مسألتي التقليد وتعارض الأخبار كما تحقق في محلّه ودعوى اختصاص قبح المخالفة العمليّة بما لو أذن الشّارع من ابتداء الأمر فيها أو فيما يستلزمها وليس الأمر كذلك في مسألتي العدول عن تقليد الميّت وغير الأعلم إذ وجوب العدول في الأولى عارض بسبب الموت وأمّا في الثّانية فالعدول فيها إلى تقليد الأعلم إن كان لأجل حدوث وجود الأعلم فكذلك أيضا لأنّ وجوب العدول حينئذ أيضا عارض لذلك وإن كان لأجل حدوث العلم بوجوده بأن قلد غير الأعلم جهلا أو غفلة عن وجود الأعلم حينئذ باطل من ابتداء الأمر بناء على وجوب تقليد الأعلم وإن كان معذورا في حال الجهل والغفلة(قوله) بدليل ظاهري فتأمّل إلخ لعلّ الأمر بالتأمّل إشارة إلى ما تقدّم عند شرح قوله وأمّا الشّبهة الحكميّة إلخ من ضعف التفصيل المذكور (قوله) وأمّا المخالفة العمليّة إلخ اعلم أنّ مخالفة العمل إمّا لخطاب معلوم بالتّفصيل وإمّا لخطاب مردّد بين خطابين وعلى التّقديرين إمّا أن تكون الشّبهة حكميّة أو موضوعيّة والأمثلة واضحة ممّا ذكره ولكنّ فرض مخالفة العمل لخطاب معلوم بالتفصيل مع كون الشّبهة حكميّة لا يخلو عن إشكال إذ الخطاب التّفصيلي لا يتحقّق إلاّ بالعلم بالحكم وموضوعه ومتعلّقاتهما ومع ذلك لا يمكن فرض الشّبهة بحسب الحكم نعم يمكن تحقّق الشّبهة حينئذ بحسب مصاديق موضوع الحكم كما في الشّبهة المحصورة ولكنّها خارجة من محلّ الفرض ففرض مثال القصر والإتمام من قبيل ذلك كما ترى لكون مخالفة العمل فيه لخطاب مردّد بين خطابين أعني وجوب القصر أو وجوب الإتمام وهكذا في الظّهر والجمعة وتحقيق المقام في دفع الإشكال أنّ المراد من الخطاب التّفصيلي في المقام أعمّ ممّا كان الخطاب مبنيّا بحسب الموضوع والمحمول ومتعلّقاتهما كما في أحد قسمي الشّبهة الموضوعيّة وممّا كان الخطاب في الكتاب أو السّنّة مرتّبا على عنوان عامّ جامع بين شيئين علم وجوب أحدهما أو حرمته كما في المثالين وبعبارة أخرى أنّ المدار في وجود الخطاب التّفصيلي أنّما هو على زعم أهل العرف بوجوده لكونهم قاطعين بوجوده في المثالين وهو الأمر بالصّلاة في الكتاب والسّنّة وإن كان المراد من الصّلاة مجملا ومردّدا في مورد الشّبهة بين القصر والإتمام أو الظهر والجمعة إلا أن هذا الإجمال لا يضرّ في زعمهم بوجوده إذ عنوان الصّلاة جامع قريب بين الأمرين بحيث يعدّ عندهم كون خطاب كلّ من القصر والإتمام والظّهر والجمعة خطابا واحدا مفصّلا وإن لم يكن كذلك بحسب الدّقة وعلى هذا فالمراد من الخطاب المجمل المردّد بين خطابين هو كون الحكم مرتّبا في الكتاب والسّنّة على موضوعين متغايرين بحيث لا يوجد جامع قريب بينهما قد تعلّق الحكم به في الكتاب والسّنة كما مثل به المصنف رحمه‌الله للمقام ثمّ إن ظاهر المصنف رحمه‌الله حيث خصّ الوجوه الأربعة التي ذكرها بما تلزم فيه مخالفة العمل للخطاب المجمل المردّد بين خطابين هو عدم تأتّيها فيما يلزم فيه مخالفة العمل لخطاب مفصّل ولعلّ الوجه فيه كون مخالفة الخطاب التّفصيلي معصية يقينا عند العقلاء بخلاف مخالفة الخطاب المجمل كما ذكره في وجه بعض الوجوه المذكورة ولكنّك خبير بأن ذلك أنّما يصلح وجها لعدم تأتي بعض الوجوه المذكورة أعني الوجه الأوّل لا جميعها مع أنّه قد نقل عن بعضهم جواز ارتكاب أطراف الشّبهة المحصورة دفعة كما تقدّم عند تعداد ما ورد في الشّرح ممّا يوهم جواز مخالفة العلم التّفصيلي المتولد من العلم الإجمالي مضافا إلى أنّ الفرق بين مثال القصر والإتمام الذي هو من قبيل الثّاني كما عرفت وبين المائع المردّد بين كونه ماء طاهرا مغصوبا وبين كونه نجسا الّذي هو من قبيل الأوّل باحتمال الجواز في الثّاني دون الأوّل ضعيف كما صرّح به في الشّبهة المحصورة في مقام تضعيف ما يظهر من صاحب الحدائق المفصّل بينهما بل المخالفة في المثال الثّاني أقبح من الأوّل للعلم تفصيلا بحرمة الموضوع الخارجي في الثّاني وإن لم تعلم جهة الحرمة فيه تفصيلا بخلاف مثال القصر والإتمام لعدم العلم فيه بوجوب أحدهما بالخصوص فالوجه جريان الوجوه المذكورة في المقامين وإن لم يتأت ما ذكره المصنف رحمه‌الله من الوجه للوجه الأوّل فيما تلزم مخالفة العمل لخطاب مفصّل للعلم بعنوان متعلّق التّكليف فيه بخلاف ما تلزم مخالفة العمل فيه لخطاب مجمل كما لا يخفى نعم يمكن التّمسّك فيه أيضا بوجهين أحدهما أنّ كلا من أطراف العلم الإجمالي موضوع برأسه فيلاحظ تكليف كل موضوع بالنّسبة إليه فيجوز ترك جميع أطراف الشّبهة إن كانت وجوبيّة وارتكابها إن كانت تحريميّة ما لم يقم دليل خاصّ على خلافه من دون فرق بين الشّبهة الحكميّة والموضوعيّة وثانيهما دعوى وضع الألفاظ للمعاني المعلومة أو انصرافها إليها في الخطابات الشّرعيّة إن قلنا بوضعها للمعاني الواقعيّة ولا ريب أن شيئا من أطراف العلم الإجمالي ليس ممّا علم حرمته أو وجوبه وهذان الوجهان كما يجريان فيما تلزم مخالفة العمل لخطاب مفصّل كذلك يجريان فيما تلزم مخالفة العمل لخطاب مجمل كما هو واضح ولكن الوجهين كسائر الوجوه التي ذكرها المصنف رحمه‌الله ما عدا الثّاني منها ضعيفان أمّا الأوّل فإنّ الرّخصة في المخالفة العمليّة القطعيّة اللازمة من إعمال الأصول في جميع أطراف الشّبهة في المقام قبيحة على الشّارع كما سيجيء عند بيان كون الوجه الثّاني من الوجوه المذكورة أقوى وأمّا الثّاني فيرد عليه أولا بعد منع الوضع أو الانصراف المذكورين أنّ هذا الوجه يؤدي إلى فتح باب الحيلة إلى اضمحلال الدّين لأدائه إلى إمكان ارتكاب كلّ ما علمت حرمته أو نجاسته تفصيلا بأن يخلطه بما يشابهه من حلال أو طاهر ثمّ يرتكبهما جميعا ولكن المصنف رحمه‌الله قد استظهر في الشّبهة المحصورة عدم كون مثل هذه الصّورة مرادا للقائل بجواز ارتكاب جميع أطراف الشّبهة فراجع وثانيا أنّه مع تسليم كون الألفاظ موضوعه

٥٢

أو منصرفة إلى المعاني المعلومة يكون جميع أطراف الشّبهة غير محرم في الواقع فيما كانت الشبهة تحريميّة وغير واجب كذلك فيما كانت وجوبيّة فيخرج من موضوع المسألة ممّا علم وجوب أحد الشّيئين إجمالا أو حرمته أو نجاسته كذلك وبديهة حسن الاحتياط في الشّرع قاضية ببطلانه وأما وجه ضعف باقي الوجوه المذكورة فسيأتي عند شرح قوله والأقوى من هذه الوجوه ثمّ إنّ هنا تفاصيل أخر مذكورة في محلّ آخر وقد أشار إلى أحدها في الشّبهة المحصورة كما نبّهناك عليه (قوله) سواء كانت إلخ لا يخفى ما في العبارة من الحزازة وكأنّ قوله وكترك القصر إلخ في موضع المعادل لقوله سواء كانت وكأنّه قال سواء كانت الشّبهة موضوعيّة أم حكميّة وقوله وكذا لو قال إلخ مثال للشّبهة الوجوبيّة الموضوعيّة(قوله) فإن قلت إلخ حاصله منع لزوم المخالفة العمليّة في الشّبهة الموضوعيّة بعد فرض كون الأصول فيها مخرجة لمجاريها من موضوع الخطابات الواقعيّة إذ بعد الحكم بطهارة كل من الإناءين لا نلزم مخالفة العمل لقوله اجتنب عن النّجس وحاصل ما أجاب به أوّلا هو منع شمول أدلّة الأصول لصورة العلم الإجمالي كما هو مختار المصنف رحمه‌الله وإنّ إجراء الأصل في كلّ من المشبّهين أنّما هو مع ملاحظة كلّ من المشبّهين في نفسه مع قطع النّظر عن مخالفة أحدهما إجمالا للواقع أو تسليم شمولها لأحد طرفي العلم الإجمالي بجعل الآخر بدلا عن الواقع كما هو مختار المحقق القمي رحمه‌الله وحاصل ما ذكر ثانيا هو دعوى قبح ترخيص الشّارع في العمل بالأصول فيما يؤدي إلى مخالفة العمل للواقع وإن سلمنا شمول أدلّتها للمقام فلا بد حينئذ من صرف تلك الأدلّة على تقدير تسليم ظهورها في الشّمول لصورة لزوم مخالفة العمل للعلم الإجمالي إلى غير هذه الصّورة وإن كانت الأصول حاكمة على الأدلة الواقعيّة في الشّبهة الموضوعيّة كما هو محصّل السّؤال وسيشير إليه وتقدّم في المخالفة الالتزاميّة ومحصّل ما ذكره في المقامات الأربعة من المخالفة الالتزاميّة والعمليّة في الشّبهة الحكميّة والموضوعيّة أنّ إجراء الأصول إن كان مستلزما لمخالفة العمل للواقع ولو في الوقائع المتعدّدة فهي غير جارية لما يلزم من القبح على الشّارع كما عرفت من دون فرق في ذلك بين كون الأصول حاكمة على الخطابات الواقعيّة كما في الشّبهة الموضوعيّة مطلقا وبين كونها منافية لها كما في الشّبهة الحكميّة كذلك وإن لم يستلزم المخالفة المذكورة كما في واقعة واحدة من موارد المخالفة الالتزاميّة فهي جارية فيها من دون فرق فيه أيضا بينما ذكرناه فالمانع من جريان الأصول مخالفة العمل للخطاب المعلوم إجمالا أو تفصيلا لا مجرّد المخالفة للخطاب المذكور لما عرفت من عدم جريانها في الصّورة الأولى وإن كانت حاكمة عليه وجريانها في الصّورة الثّانية وإن كانت منافية له وممّا ذكرناه يظهر فساد ما يتوهم من التهافت والتّنافي بين كلمات المصنف رحمه‌الله حيث حكم في صدر المسألة بعدم تنافي الأصول الموضوعيّة للخطاب المذكور وبالتنافي هنا وفيما يأتي من قوله فيكون الأصل في الموضوع إلخ ووجه الفساد أنّه حيث حكم بعدم التّنافي في صدر المسألة فقد نظر ثمّة إلى عدم تنافي الأصول للخطاب المجمل بحسب العمل في الجملة ولو بالنّسبة إلى الواقعة الواحدة وحيث حكم بالتّنافي هنا وفيما يأتي فقد نظر فيهما إلى التّنافي بحسب العمل وإن كانت الأصول حاكمة على الخطاب المذكور في المقامين ولعلّه إلى ما ذكرناه أشار هنا وفي كلامه الآتي بقوله فافهم (قوله) كما إذا علمنا بنجاسة هذا المائع إلخ ربما يقال بخروج هذا المثال من مورد الوجوه الأربعة المذكورة لاختصاص موردها بما إذا لم يكن أحد طرفي الشّبهة موردا لأصل موضوعي لحكومته على الأصل الحكمي لأنّ أصالة الإباحة في المرأة والطّهارة في الماء وإن تعارضتا إلاّ أنّه إذا ثبتت حرمة مباشرة المرأة بأصالة عدم الزّوجيّة أو حرمة المباشرة تبقى أصالة الطّهارة أو البراءة في الطّرف الآخر سليمة من المعارض فاللاّزم في المثال حينئذ هو الحكم بطهارة الماء وحرمة المرأة سيّما مع عدم العلم بمخالفة العمل حينئذ للواقع فالأولى في المقام أن يمثل بما علم بخمريّة هذا الإناء أو غصبيّة ذلك وما يضاهي ذلك ثمّ إنّه قد تقدّم ما يتعلق بالوجوه المذكورة عند شرح قوله وأمّا المخالفة العمليّة إلخ (قوله) كما يظهر من كلماتهم إلخ متعلق بقوله بخلاف الشّبهات الحكميّة ووجه الاستشهاد تصريحهم بعدم جواز خرق الإجماع المركّب لمخالفته لقول الإمام عليه‌السلام (قوله) في الواجبات الشّرعيّة إلخ كذلك في المحرّمات الشّرعيّة لأنّ خطاباتها أيضا في حكم خطاب واحد بترك الكلّ وما ذكره من باب المثال والوجه فيما علّل به المقام أنّه مع كون الخطابات المتحدة بالنّوع في حكم خطاب واحد تكون مخالفة أحد هذه الخطابات مستلزمة لمخالفة خطاب تفصيلي وهو الخطاب الواحد الانتزاعي بخلافه مع اختلافها بحسب النّوع فتتحقق المعصية على الأوّل دون الثّاني لأنّ الإطاعة والمعصية عبارتان عن موافقة الخطابات التّفصيليّة ومخالفتها كما علّل بذلك الوجه الأوّل ولكن بعد منع انحصار الإطاعة والمعصية في موافقة الخطابات الحقيقيّة التّفصيليّة ومخالفتها كما أشار إليه فيما علّل به الوجه الثّاني يظهر كون هذه العلّة أظهر فسادا ممّا علّل به الوجه الأوّل لمنع الحصر المذكور فضلا عن شموله للخطابات الاعتباريّة مضافا إلى ما سنشير إليه (قوله) والأقوى من هذه الوجوه إلخ يظهر وجه كون أقوى من ملاحظة ما علّل به الوجه الثاني وحاصله أنّ الرّخصة فيما يستلزم مخالفة العمل للواقع المعلوم إجمالا أو تفصيلا رخصة في معصية الشّارع وهي قبيحة عقلا وأدلّة الأصول على تقدير شمولها للشّبهات المشوبة بالعلم الإجمالي لا بدّ من التّصرّف فيها إمّا بتخصيصها بالشبهات البدويّة أو بإفادة التّرخيص في أحدهما بناء على كون الآخر بدلا عن الواقع وأيّا ما كان فلا يثبت جواز المخالفة العمليّة القطعيّة بل سيجيء في مسألة البراءة عدم ثبوت

٥٣

البدلية ووجوب الموافقة القطعيّة وأمّا ضعف باقي الوجوه فظاهر أمّا الأوّل فلمنع انحصار تحقق المعصية في مخالفة الخطاب التّفصيلي وأمّا الثّالث فلعدم الفرق فيما ذكر بين الشّبهات الحكميّة والموضوعيّة وقد أشار المصنف إلى ضعف ما يوهم الفرق بينهما وما ورد في الشّرع ممّا يوهم خلاف ذلك في الشّبهات الموضوعيّة قد أجاب عنه في الشّبهة المحصورة مع الإشارة إلى جملة من تلك الموارد فراجع وأمّا الرّابع فلإمكان إرجاع المتخالفين في الوجوب والحرمة أيضا إلى خطاب واحد متعلّق بالجميع لأن كلا من الواجب والحرام يمكن إرجاعه إلى الآخر إذ كلّ واجب يجب فعله وكلّ حرام يجب تركه وإذا قال افعل هذا ولا تفعل ذاك فكأنّه قال افعلهما أي كلا من الفعل والتّرك وبعد التّأويل في المتخالفين وقربه في المتّحدين لا يؤثر في المقام مع أنّه لا اعتداد بالخطابات الانتزاعيّة من الخطابات المتأصلة في الإطاعة والامتثال كما لا يخفى هذا كله مضافا إلى ما تقدّم في الحاشية السّابقة وأمّا ما ذكره من التّرتيب في التّرجيح فالوجه فيه أنّه لو أغمض عن التّحقيق وفرض دوران الأمر بين ما عدا الوجه الثّاني من الوجوه المذكورة لكان الأوّل منها حينئذ متعيّنا لأنّ العقل لو جوّز المخالفة القطعيّة لجوّزها مطلقا من دون تفصيل بين موارد الشّبهة وأقسام الخطاب إذ ما هو مناط حكم العقل هو قبح المخالفة القطعيّة وإذا فرض عدم حكمه بقبحها فهو لا يفرق في الحكم بالجواز بين الموارد وأمّا لو أغمض عن ذلك ودار الأمر بين التّفصيل الثالث والرّابع فكان الثّالث أولى بالإذعان كما يظهر وجهه ممّا قدّمناه في الحاشية السّابقة سيّما مع ملاحظة ما قدّمناه هنا(قوله) هذا كلّه في اشتباه الحكم من حيث الفعل المكلّف به إلخ المراد من الحكم أعمّ من الحكم الكلّي والجزئي وعلى الأوّل أيضا أعمّ ممّا كان الاشتباه في نفس المحمول أو الموضوع أو هما معا في مثل قولنا الفعل الفلان واجب أو حرام إذ الشّبهة الحكميّة بحسب اصطلاحهم أعمّ ممّا كان الاشتباه من حيث الوجوب والحرمة مثلا أو مفهوم متعلّقهما وعلى الثّاني أعمّ ممّا كان الاشتباه ناشئا من الاشتباه في مصاديق الوجوب والحرمة مثلا أو من الاشتباه في مصاديق متعلقهما لكون ذلك أيضا موجبا لاشتباه الحكم الجزئي بالعرض وممّا كان الاشتباه ناشئا من الجهتين وهذه أقسام ستّة من الأقسام الثّمانية المتقدّمة في أصل التّقسيم مندرجة تحت قوله هذا كلّه في اشتباه الحكم إلخ نعم ربّما يتوهّم اختلاف في العبارة من حيث عدم شمولها للشبهات المصداقية من الأقسام السّتة المذكورة وقد عرفت ما فيه ثمّ إنّه أشار إلى القسمين الباقيين بقوله وأمّا الكلام في اشتباهه إلخ ثمّ المراد بقوله من حيث الفعل المكلّف به أنّما هو مقابل اشتباه الحكم من حيث المكلّف فيشمل اشتباهه من حيث الفعل ومن حيث الطلب خاصّة بأن أريد من اشتباه الفعل أعمّ من اشتباهه من حيث الذّات ومن حيث الصّفة إذ كما يصدق أنّ الفعل المأمور به في مثل الظهر والجمعة مشتبه كذلك في الفعل المشتبه الحكم إذ يصدق أنّ هذا الفعل باعتبار حكمه الواقعي مشتبه فتدبر (قوله) إذ العبرة في الإطاعة والمعصية إلخ الوجه فيهما واضح لعدم تحقّق موضوعهما عند العقلاء بدون العلم بتوجّه خطاب تفصيلي أو إجمالي مردّد بين خطابين فصاعدا إلى مكلّف خاص فمجرّد ورود خطاب من الشّارع بأنّه يجب الغسل على كلّ جنب لا يوجب الغسل على واجدي المني في الثّوب المشترك لكون كلّ منهما شاكا في توجه خطاب إليه فالمدار في حرمة المخالفة القطعيّة في جميع المقامات على مخالفة العمل لخطاب تفصيلي أو إجمالي مردّد متوجه إلى خصوص المكلّف وتوضيح الكلام في المقام بحيث نتضحّ الفروع التي أشار إليها المصنف قدس‌سره يتوقف على بيان تكليف كلّ من الشّخصين الذين فرض تردّد الحكم الواقعي بينهما كواجدي المني وكذا تكليف كلّ منهما بالنّسبة إلى الآخر وتكليفهما بالنّسبة إلى غيرهما وتكليف الغير بالنّسبة إليهما أمّا الأوّل فتكليفهما في أنفسهما هو جواز العمل لكلّ منهما بأصالة البراءة فلا يجب الغسل على أحدهما والوجه فيه ما عرفت من عدم علم كلّ منهما بكونه مخاطبا بخطاب وجوب الغسل مثلا لا ما سمع من صاحب الجواهر من كون كلّ منهما مكلّفا بإجراء الأصل الجاري في حقّه وأنّه ليس له إجراء الأصل في حقّ الآخر لكون كلّ منهما موضوعا برأسه فيلاحظ الأصل الجاري في حق كلّ منهما في حقّه من دون تحقّق تعارض بينهما وذلك لمنع عدم جواز إعمال إنسان للأصل الجاري في حقّ غيره إذا ترتب على إجرائه الأصل في حق الآخر أثر شرعي كما في مسألة ائتمام أحد واجدي المني بالآخر وفي مسألة حمل أحدهما للآخر وغيرهما ممّا ستعرفه وليس في أخبار الاستصحاب ما ينافي ذلك كما لا يخفى وكيف كان فمقتضى القاعدة في المقام هو عمل كلّ منهما في أنفسهما بمقتضى أصالة البراءة ولم يظهر فيه مخالف سوى ما يحكى عن المولى المقدّس الأردبيلي حيث ذكر في واجدي المني أنّ حكمهما حكم الشّبهة المحصورة لو لا النّصّ فيها بوجوب الاحتياط لأنّه يظهر منه أنّ مقتضى القاعدة في الشّبهة المحصورة لو كان هو الاحتياط كما هو الحقّ لكان مقتضاها في واجدي المني أيضا ذلك إذ ظاهره كون المسألتين من واد واحد في الاندراج تحت القاعدة ومن هنا أيضا قد جعل صاحب المدارك حكم واجدي المني دليلا على عدم وجوب الاجتناب عن جميع أطراف الشّبهة المحصورة وأنت خبير بأنّ ذلك انحراف عن طريق الصّواب إذ مقتضى القاعدة في الشّبهة المحصورة هو وجوب الاجتناب ولو لم يكن هنا نصّ أيضا بل النصّ فيها معارض للقاعدة بخلاف مسألة واجدي المني على ما عرفت وأمّا الثّاني أعني جواز ائتمام أحدهما بالآخر أو استئجاره لعبادة أو كنس مسجد أو نحو ذلك فنقول إنّ المعيار في ذلك أنّ كلّ مورد تلزم فيه مخالفة علم تفصيلي أو خطاب مفصّل أو خطاب مردّد بين خطابين لا يجوز

٥٤

كما عرفت وسيجيء في بعض الحواشي الآتية بعض موارد انفكاك العلم التّفصيلي عن الخطاب المفصّل ومنها مسألة الحامل والمحمول الآتية بناء على تحقق الدّخول والإدخال بحركة واحدة كما سيشير إليه المصنف رحمه‌الله وكلّ مورد لا يلزم فيه أحد الأمور المذكورة يجوز ففي مثل حمل أحد واجدي المني للآخر للدّخول في المسجد الحرام مثلا للطّواف أو غيره بناء على حرمة إدخال الجنب أو إدخال النجاسة غير المتعدّية إن قلنا بتحقق الدّخول والإدخال بحركة واحدة بمعنى تصادقهما عليها كسائر الكليّات المتصادقة على مورد واحد لوضوح تغايرهما بحسب المفهوم دخل في المخالفة القطعيّة المعلومة تفصيلا للعلم بحرمة هذه الحركة الشّخصيّة التي هي دخول بالنّسبة إلى نفسه وإدخال بالنّسبة إلى المحمول وإن ترددت بين كونها لأجل مخالفة خطاب حرمة الدّخول أو الإدخال وإن قلنا بتغايرهما وكون كلّ منهما موجودا في الخارج بوجود مغاير لوجود الآخر كما في الذّهن فإن جعلناهما راجعين إلى عنوان واحد محرّم وهو مطلق الإدخال الشامل لإدخال النّفس وإدخال الغير دخل في المخالفة لخطاب تفصيلي كارتكاب طرفي الشّبهة المحصورة وإن جعلنا كلا منهما عنوانا مستقلا محرّما دخل في المخالفة لأحد الخطابين المردّد بينهما نظير ما لو علمنا بنجاسة هذا المائع أو حرمة هذه المرأة وأوضح منه في ذلك ما لو أدخل صاحبه في المسجد الحرام بإمساك يد صاحبه حين دخوله ونحوه دخول المحمول مع استئجاره الحامل للحمل مع قطع النظر عن حرمة الدخول والإدخال أو فرض عدمها للقطع بصدور أحد المحرمين عنه أعني الدّخول أو استئجار الجنب بناء على حرمته هذا بناء على كون المراد من حرمة الاستئجار حرمة إجراء الصّيغة بقصد ترتيب الأثر وإن أريد منه ما يقع منه على وجه المعاطاة يكون الدّخول والاستئجار حينئذ نظير الدّخول والإدخال في جريان الوجوه المتقدّمة فيه لكون الاستئجار حينئذ متحقّقا بركوب الأجير حين دخوله ولكنّ الظّاهر من العبارة هو الأوّل إذ الظّاهر من قوله وكذا من جهة دخول المحمول إلخ هو التّشبيه في مخالفة الخطاب الإجمالي المردّد لا في أصل مسألة الحمل أمّا استئجار أحدهما للآخر للعبادة أو كنس المسجد فالظّاهر جوازه إذ جواز العبادة ودخول المسجد من تكليف الأجير من دون مدخل للاستئجار فيه فإذا جاز له ذلك في نفسه يجوز استئجاره أيضا وأمّا اقتداء أحدهما بالآخر فغير جائز للعلم ببطلان صلاة المأموم إمّا من جهة بطلان صلاته بنفسها أو من جهة بطلان صلاة إمامه فهذا الفعل الخاص وهو صلاة المأموم معلوم البطلان تفصيلا ففي الاعتداد بها وعدم إعادتها منفردا مخالفة لخطاب الأمر بالصّلاة نعم لو قلنا بكون الحكم الظّاهري في حقّ أحد ممضى في حق غيره كما يظهر من بعضهم لاتجه الحكم بجواز الاقتداء ولكنّه مع كونه خلاف التحقيق يوجب الخروج من محلّ الفرض لفرض صحّة صلاة كلّ منهما في حقّه وحقّ غيره وأمّا الثّالث والرّابع فبحمل الكلام فيهما أن هذين الشّخصين بالنّسبة إلى ثالث كالإناءين المشتبهين فكلّما لزم منه مخالفة خطاب تفصيلي لا يجوز فلا يجوز له الاقتداء بأحدهما ولا بهما في صلاتين بأن اقتدى بأحدهما في الظّهر وبالآخر في العصر ولا بهما في صلاة واحدة لكون الأوّل من قبيل ارتكاب أحد طرفي الشّبهة المحصورة والثّاني من قبيل ارتكابهما تدريجا والثّالث دفعه وأمّا استئجارهما أو استئجار أحدهما للعبادة أو لكنس المسجد فلا إشكال فيه لكون صحّة الاستئجار تابعة لصحّة عمل الأجير في نفسه وقد عرفت صحّة عملهما في نفسهما وكذا احتسابهما في عدد الجمعة وهو الخمسة أو السّبعة لكون المدار في ذلك أيضا على صحّة الصّلاة عند المصلّي لا بحسب الواقع ولا فرق فيه بين كون تمام العدد واجدين للمني في الثّوب المشترك أو بعضهم نعم لو كان الإمام داخلا في أطراف الشّبهة بأن يعلم كون الجنب إما هو الإمام أو أحد المأمومين لم تنعقد الجمعة لكن لا لعدم تمامية العدد بذلك بل للعلم ببطلان صلاة المأمومين إما لبطلان صلاة الإمام أو صلاتهم هكذا قبل فتأمّل (قوله) تقدم حكمه بأقسامه إلخ أقسام الاشتباه في متعلق التّكليف ستة لأنّ الاشتباه فيه إمّا في مفهومه أو مصداقه وعلى الثّاني إمّا في المكلّف به أو المكلف ومخالفة العلم الإجمالي على التقادير إمّا لخطاب تفصيلي أو لخطاب مجمل مردد بين خطابين فصاعدا وقد تقدّم حكم الجميع في كلام المصنف رحمه‌الله ما عدا الشّكّ في المكلّف لأنّه هنا في صدد بيان حكمه وحاصل ما ذكره أنّه إذا حصل الشّكّ لأحد المكلّفين الّذين فرض اشتباه الحكم بينهما أو لثالث دخل في باقي أقسام اشتباه الحكم ويظهر الوجه في ذلك من ملاحظة الفروع التي قدّمناها في الحاشية السّابقة (قوله) في العلم الإجمالي بالتكليف إلخ النّاشئ من خطاب تفصيليّ أو إجمالي مردّد بين خطابين (قوله) في صلاة واحدة إلخ بأن اقتدى بأحدهما في صلاة ثمّ عرض للإمام مانع عن إتمامها فأقام الآخر مقامه فأتمّها (قوله) وأمّا الكلام في الخنثى إلخ اعلم أنّ الكلام في الفروع الآتية أنّما هو على تقدير عدم كونها طبيعة ثالثة كما هو المشهور بين الفقهاء وإلاّ فعدم شمول الخطابات المختصّة بالرّجال والإناث لها ممّا لا إشكال فيه بل المطلقات أيضا لعدم انصرافها إليها نعم لو فرض خطاب على وجه العموم لكان شاملا لها وأمّا تحقيق الكلام في كونها طبيعة ثالثة أو كونها داخلة في صنف الرّجال أو النّساء فله محلّ آخر ولا يناسبه المقام (قوله) وحكم الكلّ يرجع إلى ما ذكرناه إلخ يعني حكم كلّ من معاملتها مع غيرها من معلوم الذكورة والأنوثة ومجهولهما ومن حكم نفسها بالنّسبة إلى الأحكام المختصّة بكلّ من الفريقين ومعاملة الغير معها يرجع إلى ما ذكرناه من اشتباه متعلق التّكليف سواء كانت

٥٥

نفس التكاليف معلومة بالتّفصيل وإن لم يكن هنا خطاب مفصّل أم كان خطابه أيضا مفصّلا أم كانت نفس التكليف مجملا مردّدا خطابه بين خطابين لأنّ جميع ما ذكره من فروع مسألة الخنثى وحكم فيها بالاحتياط من قبيل الاشتباه في متعلّق التّكليف كما يظهر من ملاحظة ما سنتلو عليك في الحاشية الآتية وتوضيح المقام أنّك قد عرفت عند بيان المخالفة العمليّة للخطاب التّفصيلي أنّ المراد من الخطاب التّفصيلي أعمّ ممّا كان الخطاب مبيّنا بحسب موضوعه ومحموله ومتعلّقاتهما بحيث ينحصر فرض الاشتباه فيه في مصاديق موضوعه أو محموله أو متعلّقاتهما ومن ورد خطابين متعلّقين بموضوعين متغايرين ولكن كان بين متعلّقيهما جامع قريب يتضمنه خطاب ثالث في الكتاب والسّنة كالقصر والإتمام لأن خطاب المسافر وإن كان مغايرا لخطاب الحاضر إلا أنّ الخطاب بالصّلاة في الكتاب والسّنّة جامع بينهما فمخالفة خطابي القصر والإتمام مخالفة لهذا الخطاب التّفصيلي ثم إنّ مخالفة الشّارع تارة بمخالفة الخطاب التّفصيلي المذكور بمعنييه وأخرى بمخالفة خطاب مجمل مردّد بين خطابين وثالثة بمخالفة العلم التّفصيلي وإن لم يكن هنا خطاب تفصيلي ومثال الأوّلين واضح وأمّا الثّالث فكحرمة نظر الخنثى إلى أحد الفريقين لأنّه بعد ضمّ قوله تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) إلى قوله تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَ) يحصل علم تفصيليّ بحرمة النّظر إلى البالغ غير المماثل وإن وقع الاشتباه في مصداق هذا التّكليف المفصّل بالنّسبة إلى الخنثى فنظرها إلى الفريقين مخالفة لهذا التّكليف المعلوم تفصيلا واعتبار كون ذلك من قبيل اشتباه الخطاب وتردّده بين خطابين وإن كان صحيحا نظرا إلى توجّه أحد الخطابين إليهما إلا أنّه لا اعتبار بإجمال الخطاب مع العلم التّفصيلي كما أفاده المصنف رحمه‌الله ويظهر أثر الأمرين في تأتي الوجوه الأربعة التي تقدّم في كلام المصنف رحمه‌الله في مخالفة الخطاب المردّد بين خطابين وعدمه لأنّه مع عدم الاعتداد بإجمال الخطاب وجعل المناط في الإطاعة والمخالفة هو العلم التّفصيلي تكون المخالفة في المقام في حكم مخالفة خطاب تفصيلي في عدم الجواز بوجه واحد بخلاف ما لو جعل المناط فيهما هو الخطاب المجمل المردّد بين خطابين فيتأتى في المقام حينئذ الوجوه الأربعة المذكورة وإن كان أقواها حرمة المخالفة مطلقا أيضا وممّا ذكرناه يتّضح ما أورده المصنف رحمه‌الله على المتوهم غاية الوضوح وإن وقع غير واحد في فهم مراده في اشتباه وحيرة وإنّ قوله والتحقيق هو الأوّل إشارة إلى كون المقام من قبيل الاشتباه في متعلق التّكليف المعلوم تفصيلا وإن لم يكن هنا خطاب مفصّل فإنّه في سابق كلامه وإن وصف العلم بحرمة النّظر إلى إحدى الطّائفتين بالإجمال إلاّ أنّ هذا الوصف أنّما هو باعتبار تردّد متعلّق حرمة النّظر بين الطّائفتين وإلاّ فهذا التّردّد لا يضرّ في كون هذا التّكليف معلوما بالتّفصيل كما يظهر ممّا قدّمناه ولذا وصفه بالتّفصيل في قوله لأنّه علم تفصيلا إلى آخره كما تقدّم في الدّخول والإدخال إلخ التّشبيه أنّما هو في عدم العبرة بإجمال الخطاب مع العلم التّفصيلي بالتّكليف إذ قد تقدّم في كلامه كون الدّخول والإدخال بناء على تحقّقهما بحركة واحدة من قبيل ذلك (قوله) أمّا معاملتها مع الغير إلخ اعلم أنّ في حكم الخنثى هنا في غير الأحكام المشتركة بين الرّجل والمرأة وجوها أقواها ما اختاره المصنف رحمه‌الله أحدها وجوب العمل بمقتضى الاحتياط في جميع الموارد التي تعلم كونها حكم الرّجل والمرأة فتجتنب عن لبس الحرير ولو في غير الصّلاة والنّظر إلى المرأة وتكرّر الصّلاة في الجهر والإخفات وتحضّر الجمعة والجهاد وإن كان عدم وجوب الجهاد على المرأة رخصة لا عزيمة لعلمها إجمالا بتوجّه خطاب أحد الفريقين إليها وثانيها جواز العمل بمقتضى أصالة البراءة في جميع الموارد المذكورة بناء على عدم كون العلم الإجمالي منجزا للتّكليف عند الشّكّ في الأجزاء والشّرائط وفي الشّبهة المحصورة ونحوهما وثالثها التّفصيل بين الشّكّ في التّكليف والشّكّ في المكلّف به لجواز العمل بمقتضى أصالة البراءة في الأوّل ووجوب العمل بمقتضى الاحتياط في الثّاني فيجوز لها لبس الحرير والذّهب في غير الصّلاة وكذلك ترك الجهاد ولا يلحق بالدّم الخارج منها حكم الدّماء الثّلاثة وهكذا ويجب عليها التّستر في الصّلاة والاجتناب عن لبس الذّهب والحرير فيها بناء على كون الشّكّ في الأجزاء والشّرائط من قبيل الشّكّ في المكلف به واختاره صاحب الفصول بناء على قصر وجوب الاحتياط في الشّبهة المحصورة على ما

اتّحد نوع الشّبهة وإلاّ فاختار الوجه الأوّل ورابعها التّفصيل بحسب الخطابات الشّرعيّة بأنّ كل خطاب يختصّ بالرّجال أو النّساء لا يجري حكمه على الخنثى وكلّ خطاب ورد معلّقا على عموم المكلّفين ثمّ استثني منه خصوص الرّجل أو المرأة دخلت الخنثى في المستثنى منه وذلك مثل قوله تعالى (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) ونحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله من بدّل دين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فاقتلوه حيث استثنيت منه المرأة أيضا لأنّها تحبس وتستتاب وحينئذ يحكم بوجوب الجمعة على الخنثى وتقتل أيضا لو ارتدت وهذا الوجه مسموع من صاحب الجواهر ولكنّه مبني إمّا كون الخنثى طبيعة ثالثة وإمّا على العمل بالعمومات في الشّبهات المصداقيّة وكلاهما خلاف التّحقيق وخامسها الرّجوع إلى القرعة وسادسها ما اختاره المصنف رحمه‌الله وهو أحسن الوجوه وحاصله ملاحظة الأصول والقواعد في الخنثى بحسب الموارد والمقامات ولا بأس بتوضيح الكلام في الفروع التي أشار إليها المصنف رحمه‌الله مع الإشارة إلى جملة من الفروع التي لم يذكرها فنقول أمّا نظرها إلى غيرها فمقتضى القاعدة عدم جوازه كما أفاده المصنف رحمه‌الله ولكن ظاهره ابتناء ذلك على حرمة نظر المرأة إلى الرّجل كحرمة نظره إليها وليس كذلك لأنّا لو قلنا بجواز نظرها إليه لكان الأمر أيضا كذلك لعلم الخنثى إجمالا بتوجّه أحد الخطابين إليها

٥٦

من حرمة نظر الرّجل إلى المرأة ومن وجوب التّستر على المرأة وقد تقدّم في مخالفة الخطاب الإجمالي المردد بين خطابين كونه كالخطاب التفصيلي في حرمة المخالفة مطلقا ثمّ إنّ المصنف رحمه‌الله قد عدل عن مقتضى القاعدة تارة بإبداء المانع مع تسليم المقتضى من لزوم العسر والمشقّة وأخرى بذكر ما يوهن المقتضى من كون رجوع الخطابين إلى خطاب واحد مقيدا في حرمة المخالفة القطعيّة لا في وجوب الموافقة القطعيّة والأوّل واضح وأمّا الثّاني فالوجه فيه أنّ الخطاب الثالث المأخوذ من الخطابين ليس ممّا له تأصّل بل هو منتزع منهما ولا ريب أنّ المدار عند العقلاء في باب الإطاعة والمخالفة على الخطابات الأصليّة دون الانتزاعيّة فمثل هذا الخطاب لا يترتّب عليه حكم الخطاب الأصلي المفصّل فالمقام من قبيل دوران الأمر بين الخطابين وحينئذ يمكن أن يقال بكفاية ذلك في إثبات أصل التّكليف في الجملة لا في إثبات الموافقة القطعيّة ووجه الفرق أنّ الخنثى حيث تعلم بتوجّه خطاب إليها لاندراجها تحت عنوان الرّجل أو المرأة يقينا على ما هو الفرض من عدم كونها طبيعة ثالثة يحرم عليها المخالفة للتّكليف المعلوم إجمالا توجّهه إليها لكونها عصيانا لله تعالى بخلاف الموافقة القطعيّة إذ ليس في تركه إلاّ احتمال المخالفة ولا بأس به لكون المخالفة الاحتماليّة لأحد الخطابين فصاعدا في الشّرع فوق حد الإحصاء إذ أكثر الموضوعات الخارجية يعلم إجمالا بكون بعضها نجسا أو غصبا ومع ذلك لا يقول أحد بوجوب الاجتناب عن جميعها هذا غاية توضيح ما ذكره المصنف رحمه‌الله وتوجه النّظر إليه جلي لتوقّفه على منع المقدّمة العلميّة وهو باطل عند المصنف رحمه‌الله وعدم وجوب الاجتناب عن الشّبهات الموضوعيّة أنّما هو لعدم العلم بتوجّه خطاب إليه لخروج أكثرها من محلّ الابتلاء وإلاّ فعدم وجوب الاحتياط ممنوع مع فرض العلم بتوجّه أحد الخطابين ممنوع وبالجملة أنّ الفرق بين الخطاب المفصّل والمردّد بين خطابين ضعيف مضافا إلى ما عرفت في الحاشية السّابقة من كون مناط حرمة مخالفة الخطاب المردد هنا لزوم مخالفة العلم التّفصيلي لا مخالفة أحد الخطابين المعلوم توجّهه إجمالا إلى المكلّف والظّاهر أن ما ذكر من الفرق أنّما ذكره المصنف رحمه‌الله في مقام الدّقّة وإبداء الاحتمال لا في مقام الاختيار وعمدة اعتماده أنّما هي على الوجه الأوّل من لزوم العسر والمشقّة وأمّا لبس ما يختصّ بأحد الفريقين فهو كما أفاده المصنف رحمه‌الله في حكم النّظر وأمّا حكم ستارتها في الصّلاة فهو كما ذكره المصنف رحمه‌الله لعلمها إجمالا بوجوب التّستر عليها أو الاجتناب عن لبس الحرير فالقول بأصالة البراءة عند الشّكّ في الأجزاء والشّرائط لا ينافي القول بالاحتياط هنا كما هو واضح وأمّا حكم الجهر والإخفات الّذين دار الأمر فيهما بين المحذورين في العبادة فإن قلنا بكون الإخفات في مواضع الجهر كالعشاءين والصبح رخصة على المرأة فقد حكم المصنف رحمه‌الله حينئذ بتعين الجهر عليها ولكنّه مبني على وجوب الاحتياط عند دوران الأمر بين التّعيين والتخيير كما لو دار الأمر بين عتق رقبة مؤمنة وبين عتق مطلق الرّقبة وهو خلاف ما اختاره المصنف رحمه‌الله في تلك المسألة نعم يمكن أن يقال إن مسألة الجهر والإخفات إذا لوحظت في نفسها مع فرض كون الإخفات رخصة للمرأة فالأمر كما ذكر وأمّا إذا لوحظت وظائف الرّجل ووظائف المرأة في الصّلاة مع القطع بتوجّه التّكليف إلى الخنثى بالقيام بإحدى الوظيفتين فلا ريب في وجوب الاحتياط حينئذ للعلم إجمالا بوجوب الجهر والتّستر في الصّلاة فيجب الإتيان بكلّ منهما من باب المقدّمة لخروج المسألة حينئذ من كونها من قبيل دوران الأمر بين التّعيين والتخيير ومن هنا يظهر وجوب ستر البدن عن غير المحارم في غير حال الصّلاة أيضا للعلم إجمالا بوجوبه أو حرمة لبس الحرير مثلا وإن كان الشّكّ في كلّ منهما شكا في التّكليف وإن قلنا بكونه عزيمة فالتّخيير إن قام الإجماع على عدم وجوب تكرير الصّلاة كما يتراءى من العبارة ولكن هذا مع فرض عدم جواز تكرير الفاتحة والسّورة من دون تكرير الصّلاة إمّا لاستلزامه للقرآن أو الزّيادة في الصّلاة وإلاّ فيتعيّن تكريرهما أو تكرير أصل الصّلاة لا يقال هذا ينافي ما اختاره المصنف رحمه‌الله من التخيير عند دوران الأمر بين المحذورين كوجوب فعل وحرمة آخر لأنّا نقول هذا فيما كان الوجوب والحرمة المحتملين ذاتيين والحرمة المحتملة في المقام تشريعية وهي لا تنافي الاحتياط كما لا يخفى وبالجملة أنّ مقتضى القاعدة هنا هو الاحتياط وإن قلنا بالبراءة عند الشّكّ في الأجزاء والشّرائط وربّما يظهر من صاحب الفصول القول بالتّخيير مطلقا سواء قلنا بكون الإخفات على المرأة رخصة أو عزيمة وهو المراد من القائل في قول المصنف رحمه‌الله وقد يقال إلخ وتوضيح المقام أنّ المحقّق القمي قد ادعى التدافع بين كلامي الشّهيد في الذكرى حيث حكم على الخنثى بوجوب ستر الرأس في الصّلاة والتجنب عن لبس الحرير فيها وصار إلى التّخيير في مسألة الجهر والإخفات وأورد عليه صاحب الفصول بكون التّخيير في مسألة الجهر والإخفات بالدّليل لا لأجل القاعدة وذلك لأنّه بعد الحكم بوجوب الاحتياط على الخنثى في الأحكام المختصّة بالرّجال والنساء قال وينبغي أن يستثنى من الحكم الأوّل يعني الاحتياط في الأحكام المذكورة كلّ حكم يعذر فيه الجاهل كالجهر والإخفات في مواضعهما فلا يجب عليه الاحتياط في ذلك بل يتخيّر عند عدم سماع الأجانب بينهما لجهله بالحكم فيقطع بالبراءة بدون الاحتياط وهذا هو السّر في إلزام الشّهيد رحمه‌الله له في الذكرى بوجوب الاحتياط في مسألة السّتر ولبس الحرير ومصيره إلى التخيير في مسألة الجهر والإخفات فلا تدافع بين الحكمين أصلا كما زعمه الفاضل المعاصر في كلامه انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه وأورد عليه المصنف رحمه‌الله أوّلا بأنّ النّصّ أنّما دلّ على معذوريّة الجاهل الغافل دون تخيير الملتفت الشّاك من أول الأمر كما في ما نحن فيه وثانيا بأنّ مورد النّصّ هو الجاهل بالحكم دون الموضوع والفرض هنا علم الخنثى بتكليف كلّ من الرّجل والمرأة وجهلها

٥٧

أنّما هو في اندراجها تحت أحد العنوانين مع العلم بعدم خروجها منهما وأمّا إثبات التّخيير فيما نحن فيه بما دلّ على تخيّر ناسي فريضة من الفرائض الخمسة ففيه مضافا إلى ما ذكره المصنف رحمه‌الله وإلى اختصاصه بالنّاسي أنّ الجهل فيه أنّما هو بالمكلف به وفيما نحن فيه باندراج المكلّف تحت أحد العنوانين بالخصوص ولا دليل على التعدي فالجمع بين كلامي الشّهيد بما ذكر ضعيف كضعف ما تقدّم عن المحقّق القمي رحمه‌الله من دعوى التّدافع بينهما ويظهر وجهه من ملاحظة ما بيّناه في توضيح ما اختار المصنف رحمه‌الله وأمّا حكم الإرث فيحكم باستحقاقها حصّة الأنثى لأصالة عدم استحقاق الزائد وأصالة عدم الذّكوريّة لا يقال إنّ أصالة عدم كونها مذكرا معارضة بأصالة عدم كونها مؤنثا لأنّا نقول إنّ المقصود من إجراء أصالة عدم الذّكوريّة ليس إثبات أنوثيّتها حتّى تعارض بمثلها بل المقصود منه نفي استحقاق الزّائد لكونه مرتّبا على عنوان الذكوريّة وبعد نفيه يحكم بالأقلّ لكونه متيقّنا لا لأجل الأصل وأصالة عدم الأنوثيّة لا يترتّب عليها أثر شرعي حتّى ينافي أصالة عدم الذّكورية في نفي الزّائد ومن المقرّر كما سيجيء في محلّه عدم جريان الأصل الّذي لا يترتّب عليه أثر شرعي فأصالة عدم الذّكوريّة تكون جارية من دون معارضة شيء أصلا (قوله) وفيه أنّ عموم وجوب الغض إلخ لا يذهب عليك أنّ هذا مبني على تحكيم العمومات في الشبهات المصداقية حيث إنّ الآية بعمومها قد دلّت على وجوب الغض على المؤمنات إلاّ من النّساء والرّجال المذكورين في الآية والخنثى على ما هو الفرض من عدم كونها طبيعة ثالثة مردّدة بين دخولها تحت المستثنى أو المستثنى منه والتّمسك بالعموم مع اشتباه المخصّص ضعيف عند المصنف كما صرّح به في بعض المسائل الآتية وقد نبّه على كون التّمسّك بالعموم في مسألة الخنثى مبيّنا على ما ذكر في تنبيهات الشّبهة المحصورة ثمّ إنّي بعد ما ذكرت ذلك وقفت على حاشية للمصنّف رحمه‌الله قد تعرّض فيها لدفع الإشكال المذكور وهي ما كتبه على قوله فتأمّل جدّا حيث قال وجهه أنّ الشّكّ في مصداق المخصّص المذكورة فلا يجوز التّمسّك بالعموم ويمكن أن يقال إن ما نحن فيه من قبيل تعلّق غرض الشّارع بعدم وقوع الفعل في الخارج ولو بين شخصين فترخيص كلّ منهما للمخالطة مع الأجنبي مخالف لغرضه المقصود من عدم مخالطة الأجنبي مع الأجنبيّة ولا يرد النّقص بترخيص الشّارع ذلك في الشّبهة البدويّة فإنّ ما نحن فيه من قبيل ترخيص الشّارع لرجلين في تزويج كلّ منهما لأحد المرأتين اللتين علم إجمالا أنّهما أختان لأحد الرّجلين انتهى فتأمّل (قوله) لأصالة عدم الذكوريّة إلخ قد يشكل التمسّك بالأصل بعدم الحالة السّابقة إلاّ باعتبار سلب الموضوع غير المعتبر في استصحاب عدم عنوانه الطّارئ عليه مضافا إلى معارضته بمثله لفرض العلم بكون الخنثى مذكرا أو مؤنثا بناء على ما هو الفرض من عدم كونها طبيعة ثالثة ويمكن دفع الأوّل بأنّ المقصود من استصحاب عدم الذكوريّة والأنوثيّة هو أصالة عدم سببيّة العقد في حق الخنثى وعدم كونه مؤثّرا في ترتّب الآثار المرتّبة على تقدير إحراز الذّكوريّة والأنوثيّة وكذا أصالة بقاء الأحكام الثّابتة قبل العقد للخنثى ولذا فسّره بقوله بمعنى عدم ترتّب أثر إلخ والثّاني بما تقدّم في المخالفة الالتزاميّة من عدم كون مخالفة العلم الإجمالي مانعا من جريان الأصل ما لم يؤدّ إلى المخالفة العمليّة والمقام ليس كذلك إذ غاية ما يلزم هنا هي المخالفة الالتزاميّة دون العمليّة لكون كلّ من الأصلين موافقا للاحتياط ثمّ إنّه يظهر ممّا ذكرنا حكم كلّ معاملة يترتّب الحكم فيها على عنوان الذّكوريّة والأنوثيّة مثل أنّ الشّارع قد جعل ملك الرّجل للإناث المحرّمات كالعمّة والخالة والأخت سببا للانعتاق فلو ملكت الخنثى إحداهنّ يحكم بعدم الانعتاق استصحابا له وبعدم تأثير الملك فيه هذا آخر ما أوردناه تعليقة في حجيّة القطع على رسائل شيخنا العلاّمة الأستاذ الشّيخ المرتضى الأنصاري أعلى الله في الخلد مقامه الحمد لله أوّلا وآخرا وظاهرا وباطنا وقد وقع الفراغ في الثّامن والعشرين من شهر شوّال المكرّم من شهور السّنة الثّامنة والسّبعين بعد ألف ومائتين بيد مصنّفه الجاني الفاني موسى بن جعفر عفا الله عن جرائمهما بحق محمد وآله الطّاهرين.

٥٨

في حجية الظن

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى عترته المعصومين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين (قوله) إنّ المعروف هو إمكانه إلخ بل عن العلامة دعوى الإجماع عليه ولعلّه لم يعتد بخلاف ابن قبة وهو المخالف في المسألة من قدماء أصحابنا وحكى أيضا عن جماعة من المخالفين (قوله) المحكي عن ابن قبة إلخ في الخلاصة محمّد بن عبد الرّحمن بن قبّة بالقاف المكسورة والباء المنقطة تحتها نقطة المفتوحة الرّازي أبو جعفر متكلّم عظيم القدر حسن العقيدة قويّ في الكلام كان قديما من المعتزلة وتبصّر وانتقل انتهى وقال أبو علي في ترجمته المعروف المتداول على الألسن في ترجمته قبّة ضمّ القاف وتشديد الباء وفي الإيضاح نقل عن ابن معد الموسوي كما في صه ثمّ قال ووجدت في نسخة أخرى بضمّ القاف وتشديد الباء والّذي سمعناه من مشايخنا هو الأوّل (قوله) ويظهر من الدّليل إلخ يعني من دليله الثّاني (قوله) الثّاني أنّ العمل إلخ يحتمل أن يريد به الاستحالة الذّاتيّة بأن يريد أنّ الحليّة والحرمة من الصّفات المتضادّة فلو جاز التّعبّد بالظنّ أدّى إلى اجتماع ضدّين في محلّ واحد ويحتمل أن يريد به الاستحالة العرضيّة بأن أراد أنه لو جاز التعبّد بالظّنّ أدّى ذلك إلى تحليل الحرام وبالعكس وهو لغو ومناف للغرض وصدوره عن الشّارع الحكيم قبيح وصدور القبيح عنه محال لمنافاته الحكمة واحتجّ لابن قبّة أيضا بوجوه أحدها ما حكى عن ذريعة السّيّد من أنّه لو أمكن التعبّد بخبر الواحد في الأحكام أمكن في نقل القرآن أيضا والتّالي باطل بالإجماع فالمقدّم مثله وثانيها أنّه لو جاز التعبّد بخبر الواحد في الأحكام الفرعيّة جاز في الأصول العقائد أيضا والتّالي باطل إجماعا فكذا المقدّم وثالثها ما عن ذريعة السّيّد من أنّه لو جاز الاعتبار بخبر الواحد لجاز في الأخبار المتعارضة أيضا والتّالي باطل فالمقدّم مثله ويرد على الأوّل منع الملازمة إذ المقصود من إنزال القرآن صيروريّة معجز المن أتى به فلا بد فيه من اقترانه بما يفيد العلم ليكون دليلا على نبوته بخلاف الأخبار عن النّبي في الأحكام الفرعيّة وعلى الثّاني منع الملازمة أيضا إذ الفارق بين المقامين سهولة تحصيل العلم في أمّهات أصول العقائد لابتنائها على قواعد عقليّة أو عمليّة قطعية بل هي أمور فطريّة يصل إليها عامة النّاس بفطرتهم الّتي فطرهم الله عليها لو لا كون أكثرهم مسبوقين بالشّبهة بخلاف الأحكام الفرعيّة الّتي تقصر العقول النّاقصة عن إدراكها لكون أكثرها تعبّدية لا سبيل للعقل إليها مع أنّ المطلوب في الأصول هو الاعتقاد وفي الفروع هو العمل فلو انسد باب العلم في بعض مسائل الأصول كتفاصيل المعاد مثلا نمنع ثبوت التّكليف فيه إذ المطلوب في الأصول الاعتقاديّة كما عرفت هو تحصيل الاعتقاد ومع تعذر الاعتقاد العلمي نمنع ثبوت التكليف بالظنّي منه بخلاف الأحكام الفرعيّة إذ المقصود منها العمل فمع تعذر العلم بها أمكنت دعوى ثبوت التكليف بالعمل بالظنّ في مقام الامتثال خروجا من عهدة التكليف الثّابت في الواقع بقدر الإمكان وعلى الثّالث مضافا إلى منع عدم العمل بالمتعارضين مطلقا لثبوت التّكليف بالعمل بأحدهما من باب التّسليم كما ورد عنهم عليهم‌السلام أنّ عدم العمل بهما لوجود المانع وهو المعارض لا يقاس عليه ما خلى عن معارض مكافئ (قوله) فالأولى أن يقرّر لمّا كان ظاهر دليل المشهور دعوى الإمكان الواقعي وكان إثباته موقوفا على إحاطة العقل بجميع الجهات المحسنة والمقبحة وانتفائها في الواقع وكانت دعوى ذلك مصادمة للوجدان فعدل عنه المصنف رحمه‌الله وقرّره بما يفيد الإمكان الظّاهري وحاصله أنّ التّعبّد بالظّنّ لم تثبت استحالته إذ ليس في العقل ما يستحيله ومع الشّكّ في إمكان شيء وامتناعه يحكم بإمكانه في مرحلة الظّاهر لبناء العقلاء على الإمكان في مثله ولعلّ هذا التقرير مأخوذ من المحكي عن ابن سينا من قوله كلّما قرع سمعك وشككت في إمكانه وامتناعه فذره في بقعة الإمكان لأنّ ظاهره أيضا دعوى الإمكان الظّاهري في مقام الشك ولعلّ مبناه ما أشرنا إليه من بناء العقلاء وأنت خبير بأنّه مع بعده عن كلام ابن سينا لترفع الحكماء عن التكلم في إثبات الأحكام الظّاهريّة لأنّ مسرح أنظارهم ومسرع أفكارهم بيان الأمور الواقعيّة أنّ ثبوت بناء العقلاء على وجه يجدي في المقام لا يخلو من إشكال بل منع نعم ربّما يتمسّك في المقام بالغلبة نظرا إلى كون الممكن أغلب من الممتنع لأن للأوّل فردين أحدهما الممكن بالمعنى العام والآخر الممكن بالمعنى الخاصّ بخلاف الممتنع وفيه مضافا إلى عدم وجود جامع بين الممكن والممتنع حتى تدعى الغلبة فيه صنفا أو فردا أنه إن أريد بها الغلبة صنفا بأن تدعى كون الممكن أغلب صنفا من الممتنع ففيها منع تحقق الغلبة بمجرد وجود صنفين للممكن وصنف واحد للممتنع إذ المعتبر فيها كون الأفراد النّادرة كالمعدومة في جنب الموجودة وإن أريد بها الغلبة بحسب الأفراد بأن يدعى كون أفراد الممكن بمعنييه أغلب بالنّسبة إلى أفراد الممتنع ففيها منع واضح لتوقّفه على الإحاطة بأفراد الممتنع بحسب الواقع وليس للعقل إليها سبيل مع أنّ كلّ ممكن مع عدم بعض أجزائه أو شرائطه تنشعب منه أفراد متكثّرة للممتنع إذ لا ريب في امتناع ما يلاحظ مع عدم جزئه أو شرطه فتضاعف أفراد الممتنع أضعاف مضاعف أفراد الممكن وقد يتمسّك له أيضا بالاستصحاب إذ الممتنع يحتاج إلى قدر زائد في رجحان العدم بالغ حدّ اللّزوم كالواجب في الحاجة إلى القدر الزّائد في رجحان الوجود والأصل عدم هذا القدر الزّائد فيثبت به إمكان المشكوك فيه لأنّه ما خلي عن الرّجحانين

٥٩

وفيه أنّه إن أريد بأصالة عدم الزّائد أصالة العدم مطلقا لإثبات العدم الخاصّ في مورد الشّكّ ففيها أنّها حينئذ مثبتة وإن أريد بها أصالة الزّائد في خصوص مورد الشّك ففيها أنّها موقوفة على العلم بتساوي الطّرفين في مورد الشّكّ وهو خلاف الفرض وقد تحصّل مما ذكرناه أن دعوى أصالة الإمكان في كل ما يشك في إمكانه وامتناعه خالية عن مستند صحيح نعم لو ادعي أنّ الأصل في كلّ ما يشكّ في إمكانه وامتناعه هو التّوقف بمعنى عدم ترتيب شيء من آثار الإمكان والامتناع كانت متجهة لأنّ ذلك قضيّة حكم العقل ثمّ إنّ المراد بالأولويّة في كلام المصنف رحمه‌الله وإن كان هو المعنى المراد في آية أولي الأرحام إلاّ أنّه لم يظهر من المصنف رحمه‌الله اختيار ما قرّره بل العمدة في ذلك ما ذكره في ردّ ثاني دليلي ابن قبة فتدبّر هذا كلّه في تقرير الدّليل على أصالة الإمكان في كلّ ما يشكّ في إمكانه وامتناعه وقد يستدلّ على الإمكان في خصوص ما نحن فيه تارة بما تقدّم في بعض الحواشي السّابقة عن العلاّمة من دعوى الإجماع وأخرى بالوقوع شرعا لأنّه أخصّ من الإمكان وذلك لوقوع التّعبّد بالظّنّ شرعا في الموضوعات الصرفة والمستنبطة والأحكام الكليّة والأولى كالأمارات المعتبرة لتمييز الموضوعات المشتبهة كالبيّنة واليد والسّوق ونحوها والثّانية كالأصول اللفظيّة الجارية في مقام تعيين المرادات كأصالة الحقيقة بعد العلم بالأوضاع وفي مقام تعيين الأوضاع عند الشّكّ فيها كأصالة عدم النّقل والاشتراك لأنّ هذه أصول معتبرة بإجماع العلماء وعليها بناء العرف من لدن آدم إلى يومنا هذا والثّالثة كتقليد الجاهل بالأحكام الشّرعيّة العالم بها وستقف على تتمة الكلام في ذلك (قوله) إنّ الإجماع أنّما إلخ يظهر المراد بالإجماع هنا ممّا قدّمناه في مسألة التجرّي فراجع (قوله) بعد تسليمه إلخ فيه إشارة إلى عدم تسليم القياس لوجود الفارق من وجهين أحدهما أن دواعي الكذب في الإخبار عن الله تعالى كثيرة لكونه منصب النّبوّة مشتملا على الرّئاسة العامّة عن الله سبحانه فلا يقبل الإخبار عنه تعالى إلاّ بالاقتران بما يفيد القطع بصدقه بخلاف التعبّد بالإخبار عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الأحكام الفرعيّة واختلاف موارد الإخبار ممّا لا مساغ لإنكاره ولذا ترى العقلاء يقبلون إخبار واحد بموت زيد ولا يقبلون إخباره بمشيه على الماء أو عروجه إلى السّماء أو نزوله تحت الأرض أو نحو ذلك وثانيها أنّ تحصيل العلم بالنّبوّة سهل يسير في حق كلّ أحد وإلاّ لم يقع التّكليف به بخلاف الأحكام الفرعيّة لأنّها على كثرتها وتشتّتها يعسر تحصيل اليقين بجميعها والوصول إليها على وجه العلم لجميع المكلّفين فلا مانع من تجويز الشّارع بملاحظة هذا العسر الغالب التّعبّد بخبر الواحد في الأحكام الفرعيّة مطلقا حتّى في الموارد الّتي يتيسّر فيها تحصيل العلم بها بأن يكون هذا العسر حكمة في تشريع العمل بخبر الواحد(قوله) بل القطع أيضا إلخ يرد عليه مضافا إلى ما سيشير إليه أنّ الجهل المركّب أنّما يرد نقضا على المستدلّ إن كان اعتبار العلم من باب جعل الشارع أو إمضائه لما استقل على اعتباره العقل إذ يصحّ حينئذ أن يقال إنّه بجعل الشّارع أو إمضائه يحدث هنا حكم مخالف لما ثبت في الواقع وليس كذلك لما تقدّم سابقا من كون العلم طريقا عقليا اضطراريّا منجعلا بنفسه غير قابل للجعل والإمضاء وإن العمل به أنّما هو لأجل مجرد انكشاف الواقع على سبيل الجزم (قوله) بأنّه إن أريد تحريم الحلال إلخ لا يخفى أنّ محتملات تحريم الحلال في كلام ابن قبّة أربعة أحدها صيرورة ما هو حلال في الظّاهر حراما في الواقع وثانيها صيرورة ما هو حلال في الظّاهر حراما في الظّاهر وثالثها صيرورة ما هو حلال في الواقع حراما في الواقع ورابعها صيرورة ما هو حلال في الواقع حراما في الظّاهر وممّا ذكرناه يظهر الكلام في محتملات تحليل الحرام وحاصل الجواب منع الملازمة على الثّلاثة الأول ومنع بطلان التّالي على الرّابع والأوّلان داخلان في صورة الأصل بأن أراد بتحريم الحلال الظّاهري تحريمه في الظّاهر أو الواقع والأخيران في صورة العكس وقوله وإن أريد تحريم الحلال الواقعي ظاهرا كأنّه استثناء في المعنى من منع اللّزوم في صورة العكس وهذا إن أراد بصورة العكس تحريم الحلال الواقعي واقعا أو ظاهرا وإن أراد بها تحليل الحرام الظّاهري واقعا أو ظاهرا لم يكن الثّالث مشمولا للعبارة بل المشمول لشقّي الترديد حينئذ محتملات خمسة من المحتملات الثّمانية المتصوّرة من لزوم تحريم الحلال وتحليل الحرام وكيف كان لما كان منع بطلان التّالي في الرّابع على إطلاقه ضعيفا لما سيشير إليه من قبح تجويز العمل بالظن في صورة الانفتاح على أحد وجهي جعل الطّرق الظنيّة عدل عن الجواب المذكور إلى ما هو أولى منه (قوله) في المسألة الّتي انسد فيها إلخ بأن يريد امتناع التعبّد بالخبر في صورة الانسداد الأغلبي بالنّسبة إلى الموارد الّتي انسد فيها باب العلم وليس المراد احتمال دعوى الاستحالة في خصوص كلّ مسألة انسد فيها باب العلم وإن لم يتحقق هنا انسداد أغلبي كما ربّما يتوهّم من العبارة إذ لا دليل حينئذ على إرجاعه إلى العمل بما لا يفيد العلم من الأمارات والأصول لإمكان دعوى تعيّن العمل حينئذ بالاحتياط إذ المسلم من عدم وجوبه أنّما هو في صورة الانسداد الأغلبي خلافا للمحقق القميّ قدس سرّه كما سيجيء في محلّه إن شاء الله تعالى وممّا يدل على إرادته ما ذكرناه قوله بل الظّاهر أنّه يدعى إلى آخره لأن المدّعين للانفتاح لا ينكرون الانسداد في بعض الموارد وقد صرّح السّيّد رحمه‌الله بذلك في بعض كلماته (قوله) إمّا أن يكون للمكلّف حكم إلخ فيه تنبيه على أنّ المراد ببقاء التّكليف عند تقرير دليل الانسداد بانسداد باب العلم وبقاء التّكليف بالضّرورة كما هو الدّائر على الألسنة ليس بقاء التكليف بالأحكام الواقعيّة على ما هي عليها في الواقع لاستحالة بقائه كذلك لكونه تكليفا بما لا يطاق لفرض تعذّر العلم بها بل المراد توجّه تكليف إلى المكلّف عند الانسداد في مقابل كونه كالبهائم والمجانين وإن دار ذلك بين كونه هو العمل بالمظنونات والمشكوكات والموهومات والعمل بالأصول العمليّة

٦٠