أوثق الوسائل في شرح الرسائل

ميرزا موسى التبريزي

أوثق الوسائل في شرح الرسائل

المؤلف:

ميرزا موسى التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات كتبي نجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٦

تابعا للأداء لانقطاع البراءة السّابقة بثبوت التكليف في الجملة فلا يجوز استصحابها بل مقتضى استصحاب الأمر الأوّل على خلافه وأمّا أصالة البراءة فمقتضاها عدم وجوب القضاء مع قطع النّظر عن استصحاب الأمر الأوّل وبالجملة إنّ استصحاب البراءة السّابقة غير جار وإن قطع النظر عن استصحاب الأمر الأوّل وأصالة البراءة جارية لكن مع قطع النظر عنه وفيه نظر لأنّ القضاء تكليف جديد وإن قلنا بكونه تابعا للأداء وثبوته بالأمر الأوّل ولذا يلتزم بعقاب آخر على مخالفته والأصل عدم هذا التّكليف بمعنى استصحاب البراءة السّابقة واستصحاب الأمر الأوّل وإن تمسّك به شريف العلماء تبعا للمحقّق القمي رحمه‌الله إلاّ أنّه ضعيف لانقضاء الأمر الأوّل بخروج وقته ولا أقل من احتمال تقيّده بالوقت الأوّل فلا يصدق معه البقاء حتّى يصحّ استصحابه فالأولى التمثيل للمقام بما تقدم من المثال لعدم سلامة الأوّل والثّالث من إشكال كما عرفت وأمّا مادة الافتراق من جانب استصحاب البراءة فمثل ما لو دار الأمر في شيء بين كونه أحد فردي الواجب المخير وبين كونه مباحا مسقطا عنه كما إذا ثبت الأمر بالعتق وتردد الأمر بين كون المكلّف مخيّرا بين المؤمنة والكافرة وبين كون عتق الكافرة مباحا مسقطا عنه وحينئذ لا يمكن نفي وجوبه بقاعدة البراءة لأنّ مقتضاها كما نبّهنا عليه في مسألة البراءة هو نفي احتمال العقاب لا نفي الوجوب أو الحرمة والفرض في المقام عدم ترتب عقاب على ترك عتق خصوص الكافرة أمّا على تقدير كونه مباحا مسقطا عن الواجب كالسّفر المسقط عن وجوب الصّوم فواضح وأمّا على تقدير كونه أحد فردي الواجب المخيّر فلعدم ترتّب العقاب على ترك خصوص أحد فرديه بل العقاب على ترك الجميع كما هو واضح وحينئذ يتعين الرّجوع إلى استصحاب البراءة السّابقة عن وجوب عتق خصوص الكافرة والله العالم بحقائق أحكامه (قوله) فإنّ مجرّد الشكّ في حصول إلخ حاصله حكومة قاعدة البراءة على استصحابها لأنّه إذا فرض كون مجرّد الشكّ في التكليف علة تامّة لحكم العقل بالبراءة لا يبقى في الزّمان الثّاني في شكّ ولو في الظّاهر حتّى يجري فيه الاستصحاب لكن هذا إنّما يتمّ لو أريد باستصحاب البراءة استصحاب عدم اشتغال الذّمّة فعلا وعدم وجوب الامتثال كذلك وإن أريد به استصحاب عدم الحكم من الوجوب والحرمة فالقاعدة حينئذ وإن لم تكن حاكمة على استصحاب البراءة بالمعنى المذكور لعدم دلالة العقل على هذا الحكم عند الشكّ فيه لأنّ غاية ما يدلّ عليه العقل عند الشكّ في التكليف هو عدم وجوب امتثال التكليف المشكوك فيه لا عدمه في الواقع ولو ظنّا ولكن يرد عليه أنّ المقصود من استصحاب عدم الحكم إثبات عدم وجوب امتثاله في زمان الشّكّ وهو مع كونه من الآثار العقليّة لعدم الحكم فلا يثبت بالاستصحاب أنّ هذا الأثر من آثار مجرّد الشكّ في التكليف لا من آثار عده في الواقع فبمجرّد الشكّ فيه يرتّب عليه أثره من دون حاجة إلى إثبات عدمه بالاستصحاب ولا تنافي بينما ذكره هنا من منع جريان استصحاب البراءة وبينما تقدّم في توجيه كلمات القوم في تفسير استصحاب حال العقل باستصحاب العدم من تسليم ذلك هناك لأنّ المراد بما ذكره هنا هو استصحاب البراءة وبما ذكره هناك استصحاب العدم ومقصوده ثمة بيان عدم المانع من حيث كون المستصحب أمرا عقليا مع قطع النّظر عن سائر الموانع فلا ينافي تسليمه هناك ما أورد على استصحاب العدم هنا فلا تغفل (قوله) باعتبار كون القضية المستصحبة إلخ حاصله أنّ الاستصحاب التعليقي ما كان الحكم المستصحب فيه متعلقا بموضوع على تقدير وجود شرط مفقود أو فقد مانع موجود وشكّ في ارتفاع هذا الحكم المعلق على نحو تعلقه به وعدمه بسبب تغيّر بعض حالات الموضوع كصيرورة العنب زبيبا في المثال الّذي ذكره المصنف رحمه‌الله ومن جملة أمثلته أيضا أنّ الصّلاة واجبة على المرأة الخالية من الحيض بشرط دخول الوقت فإذا دخل الوقت ورأت دما مشتبها مرددا بين الحيض والاستحاضة يستصحب الوجوب المعلق لإثبات كون الدّم استحاضة وهذا المعنى هو المعروف في الاستصحاب التعليقي وقد يطلق أيضا على استصحاب حكم معلق على وجود موضوع عند الشكّ في بقاء هذا الحكم وارتفاعه لأجل عروض ما يشكّ في بقائه مثل قول الشّارع الكلب نجس والغنم طاهر والبيع صحيح إذ المراد بهذه القضايا أنّ الكلب إن وجد كان نجسا والغنم إن وجد كان طاهرا والبيع إذا تحقق كان صحيحا فإذا وقع البيع في وقت النداء يستصحب الحكم المعلّق على وجود البيع لإثبات كون هذا البيع صحيحا وكذا إذا فرض أنّ شخصا لم يقلد مجتهدا مع وجود الجامع للشرائط فإذا مات هذا المجتهد استصحب جواز تقليده إلى ما بعد الموت فإن تقليد هذا المجتهد كان جائزا فيستصحب هذا الجواز وإن كان وجوده الفعلي في السّابق معلّقا على تحقّق تقليده والتمسّك بالاستصحاب بهذا المعنى محكي عن بعض متأخري المتأخرين وفيه أن الحكم المستصحب في أمثال ما ذكر ليس معلّقا على شيء بل هو مرتب على موضوعه الكلّي فعلا وإن كان تحقّقه في الخارج متوقفا على وجود بعض أفراده وبالجملة إنّ الظّاهر من الاستصحاب التعليقي استصحاب ما كان وجوده معلقا على عدم أمر موجود أو وجود أمر معدوم لا ما كان عدمه في الزّمان السّابق لعدم موضوعه لعدم عدّ مثله من التعليقيّات في شيء(قوله) أقول لا إشكال في أنّه يعتبر إلخ حاصل ما ذكره يرجع إلى جوابين أحدهما منع كون المعتبر في جريان الاستصحاب وجود المستصحب في الزّمان السّابق بالوجود الفعلي المنجز لأنّ غاية ما يدلّ عليه الأدلّة من العقل والنّقل هو وجود شيء في السّابق على نحو من أنحاء الوجود وشكّ في بقائه على نحو وجوده الأوّل وحينئذ يحكم ببقائه في زمان الشكّ على نحو وجوده الأوّل ولا ريب أنّ الوجود التعليقي أعني قابلية الشيء للوجود الفعلي وصلاحيته له قسم من أنحاء الوجود في مقابل عدمه المحض ولذا ترى أن التعليقيّات التكليفية أو الوضعيّة تحتاج في وجودها التعليقي إلى إنشاء من الحاكم فإذا قال المولى لعبده إن جاءك زيد فأكرمه أو بعتك هذا بهذا إن كان مالي فهو منشئ للوجوب المعلّق على المجيء وكذا التمليك المعلق على كون المبيع ماله وإن وقع التعليق في المنشأ وبعبارة أخرى إن التعليق إنّما هو في الأمر المنشأ لا في نفس الإنشاء وتوهم خلافه واضح الضّعف واحتياج الوجود المعلّق إلى الإنشاء دليل على كونه من قبيل الموجودات وثانيها مع التسليم أن الملازمة بين الحرمة والغليان وكذا بين غيرهما في سائر موارد الاستصحاب التعليقية موجودة فعلا في الزّمان السّابق فتستصحب إلى زمان الشّكّ فيحكم بالحرمة الفعليّة على تقدير تحقق الغليان فإن قلت إن ترتب اللازم على بقاء الملازمة على تقدير وجود الشّرط وهو الغليان عقلي فلا يثبت بالاستصحاب قلت هذا إنّما يتم على تقدير كون الملازمة عقليّة لا شرعيّة وإلاّ فلا غرو في ترتيب اللاّزم على ملزومه الثابت بالأصل وإن كان ترتبه عليه عقليّا ولذا يحكم بجواز الدّخول في الصلاة باستصحاب بعد ثبوت الطّهارة وإن كان جواز

٥٠١

الدّخول بعد ثبوت الطهارة عقليّا نعم يرد عليه أنّ ملازمة العصير على تقدير الغليان للحرمة عبارة عن حكم الشّارع بالحرمة على تقدير الغليان وإلاّ فنفس الملازمة أمر اعتباري منتزع عن حكم الشّارع بالحرمة على تقدير الغليان سيّما على مذهب المصنف رحمه‌الله من كون الأحكام الوضعيّة مطلقا اعتبارية ولا معنى لاستصحاب الأمر الاعتباري وحينئذ ينحصر الأمر في استصحاب نفس الحرمة فيرجع الأمر بالأخرة إلى الجواب الأوّل (قوله) فلا أثر إلخ تفريع على ثبوت مدخلية الوصف وتأثيره (قوله) فأيّ فرق إلخ جواب الشّرط(قوله) تارة بانتفاء الموضوع إلخ في جميع موارد الاستصحابات التعليقية إذ الشّكّ في بقاء اللاّزم التعليقي لا بدّ أن ينشأ من تغير في بعض أوصاف ملزومه وحالاته وبالجملة إنّ المقصود ليس المناقشة في خصوص المثال وإلاّ فهي غير قادحة في القول باعتبار الاستصحاب التعليقي بقول مطلق كعدم قدح انتفاء الموضوع في بعض الموارد في القول باعتبار الاستصحاب مطلقا بل المقصود دعوى وجود المانع في جميع موارده ومن جملتها ما هو المعروف من أنّ المسافر إذا دخل عليه الوقت قبل وصوله إلى حدّ الترخّص من وطنه أو محلّ إقامته وكان متمكّنا من الإتيان بالصّلاة قبل الوصول إلى حدّ الترخّص فقد اختلفوا في أن تكليفه الإتمام نظرا إلى حال الأداء كما هو المشهور أو القصر نظرا إلى حال الوجوب كما اختاره غير واحد ومنهم صاحب المناهل قال في محكي كلامه إنّ تكليفه القصر نظرا إلى الاستصحاب التعليقي وقال إنّ استصحاب التكليف المنجز بالقصر لا يجوز لأنّ الشكّ في بقائه إنّما هو لأجل الشكّ في الموضوع لاحتمال كون الموضوع في التكليف بالقصر هو كونه مسافرا وقد انتفي في المقام وأمّا الاستصحاب التعليقي فلا مانع منه فيحكم بكونه قصرا وأنت خبير بأن محذور انتفاء الموضوع مشترك بين كون الاستصحاب تنجيزيّا أم تعليقيّا مضافا إلى منافاة ما ذكره هنا لما ذكره في مثال عصير الزّبيب كما نقله المصنف رحمه‌الله مع أنّ المسافرة عنوان في الأدلّة والحضر عنوان آخر قد رتب الشّارع على كلّ منهما حكما مغايرا للآخر فمع صدق عنوان الحضر يترتب عليه حكمه فلا يبقى للاستصحاب مجال حينئذ سواء كان تنجيزيّا أم تعليقيّا وكيف كان يرد على المناقشة المذكورة مضافا إلى ما ذكره المصنف رحمه‌الله أنّ الشكّ في بقاء اللاّزم قد ينشأ من الشكّ في وجود المانع أو مانعية الموجود لوضوح عدم انحصار منشإ الشكّ فيه في الشكّ في الموضوع ومع التّسليم يمكن تصحيح بقاء الموضوع بالمسامحة العرفيّة على مذاق المشهور لمسامحتهم فيه في كثير من الموارد(قوله) بمثل الشّهرة والعمومات إلخ الدّالّة على الطّهارة والحلية ولا يخفى أنّ الترجيح في تعارض الأصول غير صحيح سواء كان المرجّح من سنخها أم لا بأن كان المرجّح أيضا تعبديّا كالأصول أم كان ظنيا كما سيجيء في محلّه إن شاء الله تعالى ومنه يظهر ضعف الترجيح بالعمومات أيضا سواء أراد بها العمومات الاجتهادية مثل قوله تعالى (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) وقوله تعالى (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) أم فقاهيته مثل قوله عليه‌السلام كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنه قذر وقوله عليه‌السلام كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي وأمّا الترجيح بالشهرة فهو أضعف من الترجيح بالعمومات لعدم ثبوت اعتبارها مطلقا لا في مقام الترجيح كما عرفت ولا في مقام الاستدلال وهو واضح (قوله) وقد يقع الشكّ إلخ كما إذا غلى العصير بنفسه أو بالشّمس وشك في اشتراط كون الغليان بالنّار في الحرمة وحينئذ لا بدّ في الحكم بترتب اللاّزم على ملزومه فعلا من إثبات وجود الملزوم في الخارج (قوله) أم حكما من أحكام الشّريعة السّابقة إلخ لا يخفى أن طريق ثبوت الحكم في الشّريعة السّابقة حتّى يكون موردا للاستصحاب إمّا الكتاب أو الخبر المتواتر أو الآحاد بناء على شمول أدلة اعتبارها لإثبات اعتبارها بالنسبة إلى إثبات أحكام الشرائع السّابقة وعدم انصراف إطلاقها إلى إثبات أحكام شرعنا وأمّا سائر الكتب السّماوية من الإنجيل والتوراة والزّبور فلا اعتداد بها اليوم لدسّهم فيها ما ليس منها وتحريفهم لها عمّا نزلت عليه وأمّا أخبار اليهود والنّصارى فلا يفيد العلم ولا اعتداد بالظنّ مع أنّه لا يفيده أيضا ثم إنّ محلّ الكلام إنّما هو ما لم يثبت بقاؤه أو ارتفاعه في شرعنا وإلاّ لم يكن موردا للاستصحاب وهو واضح فلو كان الخطاب المثبت للحكم في الشّريعة السّابقة شاملا بعمومه لشرعنا أيضا لم يكن من محلّ النّزاع في شيء كما إذا ورد الخطاب لا لمجرّد الحكاية عن الشّريعة السّابقة بل في مقام مدح الفعل وحسنه بالذات الكاشف عن حسنه مطلقا حتّى في شرعنا كما مدح الله تعالى يحيى بترك التزويج في قوله إنه كان (سَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) قيل الحصور من لم يأت النساء ومن هنا يظهر أنّ ما يتوهّم في المقام من تثليث الأقوال في المسألة القول بالموجب مطلقا والنفي كذلك والتّفصيل بينما كان الخطاب عاما لشرعنا أيضا وعدمه بالقول باعتبار الاستصحاب في الأوّل دون الثّاني خروج من المتنازع فيه فالأصحّ انحصار القول في النفي والإثبات المطلقين والأوّل يظهر من المحقّق في الشّرائع فإنّه بعد أن حكم باستحباب النّكاح لمن طاقت نفسه من الرّجال والنّساء ذكر الخلاف فيمن لم يتق ونسب إلى المشهور استحبابه بوجوه مذكورة فيها ثم ذكر احتجاج المانع بأن وصف يحيى عليه‌السلام بكونه حصورا يؤذن باختصاص هذا الوصف بالرّجحان فحمل على ما إذا لم تتق النفس وقال ويمكن الجواب بأنّ المدح بذلك في شرع غيرنا لا يلزم منه وجوده في شرعنا وهو كما ترى ظاهر في عدم حكمه ببقاء الحكم بالاستصحاب وظاهره عدم جريان الاستصحاب من حيث هو في المقام لا من جهة قيام الدّليل على الاستحباب المانع من استصحابه والثّاني منسوب إلى بعض العلماء ويظهر من المحقّق القمي رحمه‌الله ابتناء القولين على كون حسن الأشياء ذاتيا وعدمه فيصح التمسّك بالاستصحاب على الأوّل دون الثّاني وسيجيء الكلام فيه عند شرح أدلّة المانعين (قوله) ما يصلح مانعا عدا أمور إلخ منها ما حكي عن الفاضل النّراقي من تعارض استصحاب الوجود والعدم بالتقريب الّذي تقدّم في الأمر الثّاني مع تضعيفه ومنها ما حكي عن بعضهم من دعوى انصراف أخبار الباب إلى إثبات أحكام شرعنا دون غيره هذا إن قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الأخبار وإن قلنا باعتباره من باب الظنّ وبناء العقلاء فربّما يدعى أيضا أنّ المتيقن من بنائهم هو استصحاب أحكام شرعنا دون غيره وفيه أنّ منشأ انصراف المطلقات إلى بعض أفرادها إما كثرة استعمالها في الأفراد الشائعة أو كثرة وجودها وكلا الأمرين غير متحققين في المقام وأمّا بناء العقلاء فمع عدم تماميّته في نفسه كما تقدّم عند بيان أدلّة القول باعتبار الاستصحاب مطلقا نمنع اختصاصه باستصحاب أحكام شرعنا ومنها ما ذكره في الفصول قال ويمكن أن يجاب أيضا بأنّ الظّاهر من نسخ

٥٠٢

هذه الشريعة للشريعة السّابقة عليها نسخها بالكلية إلاّ ما قام الدّليل على عدم نسخه كوجوب المعارف مع احتمال تعميم النسخ إلى الجميع بناء على أنّ وجوب المعارف وشبهه الثابت في شرعنا حادث مغاير للوجوب الثابت في الشّرع السّابق وأنّه مماثله فنحن مكلّفون بالمعارف وشبهها من حيث ثبوتها في شرعنا لا من حيث ثبوتها في الشرائع السّابقة وفيه أنّ احتمال نسخ هذه الشريعة للشرائع السّابقة بالكليّة حتّى بالنّسبة إلى وجوب المعارف مع بعده في نفسه مخالف للآيات الآمرة باتباع ملّة إبراهيم عليه‌السلام والاقتداء بهدى الأنبياء عليهم‌السلام وأمّا دعوى نسخها للأحكام الفرعيّة للشرائع السّابقة بالكليّة حيث ادعي ظهور الأدلّة في نسخ الجميع إلاّ ما أخرجه الدّليل ففيها منع وجود دليل ظاهر في نسخ الجميع نعم الأخبار الدّالة على بيان نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله جميع الأحكام حتّى أرش الخدش موجودة إلاّ أنّها لا تنافي عدم نسخ الجميع ومنها أنّه لو جاز استصحاب أحكام الشّرائع السّابقة لم يجز العمل بأصالة البراءة في شرعنا إلاّ بعد الفحص عن أحكام الشرائع السّابقة لاشتراط العمل بها بالفحص عن الأدلّة ومقتضاه الرّجوع إلى كتب أهل الكتاب ثمّ العمل بها إن لم يوجد فيها حكم مخالف لها وهو مخالف لطريقة الفقهاء طرا في أبواب الفقه إذ لم يعهد ذلك من أحد منهم وفيه أنّ وجوب الفحص مشروط بإمكانه وهو غير ممكن في المقام لتحريف الكتب المنزلة في زماننا ووضعها في غير موضعها فالعمل بها مستلزم للوقوع في خلاف الواقع غالبا فإن قلت إنّه مع عدم إمكان الفحص فيما يجب ذلك فيه يجب فيه الاحتياط بحكم العقل كما أنّ المجتهد إذا لم يجد كتب الأخبار أو المقلّد إذا لم يجد المجتهد يجب عليهما الاحتياط ومجرّد عدم التمكّن لا يوجب العمل بأصالة البراءة كذلك فيما نحن فيه أيضا إذا لم يمكن الرّجوع إلى الكتب المنزلة يجب الاحتياط في مورد الشّكّ لا العمل بأصالة البراءة وهو غير معهود من طريقتهم أيضا قلت إنّ ذلك إنما يتمّ فيما لو علم إجمالا بوجود النّاسخ في أحكام شرعنا فيما لم يعلم حكمه من شرعنا بالتفصيل وهو ممنوع والتقريب فيه يظهر ممّا أجاب به المصنف رحمه‌الله عن الدّليل الثّاني من أدلة المانعين فراجع ولا تغفل (قوله) منها ما ذكره بعض المعاصرين إلخ هو صاحب الفصول (قوله) إنا نفرض الشّخص الواحد إلخ ويتم المطلوب في غير المفروض بعدم القول بالفصل فإن قلت إنّه يمكن قلب الإجماع بأنّ أصالة البراءة فيمن لم يدرك الشّريعتين تقتضي عدم توجّه الحكم الثابت في الشّريعة السّابقة إليه ويتم المطلوب فيمن أدرك الشريعتين بعدم القول بالفصل قلت إنّ ضميمة الشّطر الأوّل من الإجماع أقوى من ضميمة الشّطر الآخر فلا يصحّ القلب كما قرّر في محلّه (قوله) وحلّه أنّ المستصحب إلخ توضيحه أنّ موضوع الحكم المستصحب هو كلّي المكلّفين أو صنف خاصّ منهم كالرّجال أو النّساء أو المسافر أو الحاضر ونحو ذلك لا الأشخاص الموجودين حين صدور الحكم نعم من يتجدّد منهم يندرج تحت هذا الكلّي لا أن المتجدّد موضوع آخر يحتاج إثبات الحكم في حقّه إلى إنشاء آخر وإلاّ لم يصحّ استصحاب عدم النّسخ عند الشكّ فيه (قوله) احتمال مدخلية بعض إلخ مثل كونهم أمّة للنّبيّ السّابق أو نحو ذلك (قوله) ليس الزمان إلخ لاتحاد زمان الحاضر والغائب لفرض وجودهما في زمان واحد والحاصل أنّ المعتبر في جريان الاستصحاب اتحاد القضية المتيقّنة والمشكوكة موضوعا ومحمولا وعدم اختلافهما إلاّ من جهة الزّمان حيث يعتبر في جريانه حصول اليقين بوجود المستصحب في السّابق والشكّ في بقائه في اللاّحق وتغاير الحاضر والغائب إنّما هو بالحضور والغيبة دون الزّمان لفرض اتحاد زمانهما على ما عرفت (قوله) بالتّقريب المتقدّم إلخ من عدم مدخليّة أشخاص الجماعة في الحكم الكلّي (قوله) أو بأجزائه فيمن بقي إلخ لا يخفى أنّ الثابت بالاستصحاب في حقّ من أدرك زمان الموجودين والمعدومين هو الحكم الظّاهري في مورد الشّكّ وحينئذ إن أريد بإثبات الحكم في حقّ غيره بعدم القول بالفصل إثبات هذا الحكم الظّاهري فهو مع كونه أخص من المدعى فرع تحقق موضوعه فيمن لم يدرك زمان الموجودين وهو غير معقول لأنّه فرع إدراك الزّمانين حتى يفرض كونه شاكا في بقاء الحكم السّابق فلا يعقل إسراء حكم المدرك للزّمانين إلى غيره والإجماع على اتحاد حكم أهل الشّريعة الواحدة إنّما هو مع اتحاد الصّنف لا مطلقا وإن أريد به إثبات سائر الأحكام الواقعيّة الثابتة للحاضرين فلا سبيل إليه لأنّه فرع إثباتها في حقّ مدرك الزمانين حتّى يتسرّى منه إلى المعدومين وطريق إثباتها في حقّه ليس إلاّ الاستصحاب وقد عرفت عدم إمكان تسرية الحكم الظّاهري الثّابت في حقه بواسطته إلى غيره فضلا عن تسرية الأحكام الواقعيّة منه إليه (قوله) فهو ممنوع إلخ يشهد به عدم صحّة النّسخ بالنّسبة إلى المستقلات العقليّة مضافا إلى جملة من الآيات والأخبار مثل قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (قوله) فيعلم بوجود المنسوخ إلخ فمع العلم الإجمالي بوجود المنسوخ في غير المعلوم تفصيلا لا يبقى مجرى للاستصحاب في المشكوكات إمّا لعدم شمول أدلّته لصورة العلم الإجمالي أو لكونه سببا لتعارضه بمثله على المسلكين في الشّبهة المحصورة وحاصل ما أجاب به يرجع إلى وجهين أحدهما منع وجود العلم بالنّسخ في غير المعلوم نسخه تفصيلا لأنّ هذا العلم الإجمالي إنّما هو قبل مراجعة الأدلّة وتمييز النّاسخ من أحكام شرعنا لأحكام الشّريعة السّابقة وإلاّ فبعد المراجعة إليها وتمييز النّاسخ منها لا يبقى لنا علم بالنّاسخ في المشكوكات نظير أنا قد علمنا إجمالا بورود المخصّص على العمومات ولكن هذا العلم الإجمالي إنّما هو قبل الفحص عن مظان المخصّص وإلاّ فبعد الفحص عنه والاطلاع على جملة من المخصّصات وحصول العلم بعدم ورود المخصّص على جملة أخرى من العمومات لا يبقى علم إجمالي بوجود المخصّص في المشكوكات فكما أنّ العلم الإجمالي هنا إنّما هو قبل الفحص وإلاّ فهو بعده ينحل إلى علم تفصيلي وشك بدوي كذلك فيما نحن فيه ولكنّك خبير بأنّ هذه الدّعوى إنّما تتمّ لو حصل العلم بأحكام الشّريعة السّابقة حتّى يعرف بذلك النّاسخ من أحكامنا لأحكامها ولكن سبيل العلم بذلك منسد غالبا في أمثال زماننا لعدم الاعتداد بالكتب السّماويّة المنزلة في سائر الشرائع في أمثال زماننا لما أشرنا إليه سابقا من وقوع التحريف فيها ولا اعتداد بأخبار اليهود والنصارى وغيرهم من أهل سائر الملل وما ورد من طرق شرعنا من أحكام سائر الشّرائع المخالفة لأحكام شرعنا قليل جدّا لا يرتفع به العلم الإجمالي ومن هنا يظهر أيضا أنّ قياس ما نحن فيه على مسألة الفحص عن المخصّص قياس مع الفارق وثانيهما مع التّسليم أن من مشكوكات النّسخ ما علم حكمه في شرعنا موافقا أو مخالفا بالأدلّة الشّرعيّة وأمّا الباقي منها فليس

٥٠٣

فيه علم إجمالي بوجود النّاسخ فيه حتّى يمنع من جريان الاستصحاب فيه (قوله) عدم النّسخ في المشكوكات إلخ يعني الأحكام المشكوكة الّتي لم تثبت بالأدلة الشرعيّة(قوله) إلاّ أن يقال إلخ الظاهر أن المراد أنّه بعد إكمال شرعنا ومجيء نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله بجميع ما يحتاج إليه الأمّة يجب الإذعان والتديّن به سواء خالف الشريعة السّابقة أم وافقها فلا يبقى حينئذ مورد للاستصحاب لأنّه فرع حصول الشكّ في ثبوت الحكم المستصحب في شرعنا وقد فرضنا علمنا بمجيء النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في كلّ واقعة بحكم مخصوص سواء خالف الشّريعة السّابقة أم وافقها وحاصل الدّفع أنّ هذا الوجه إنّما يتم لو علمنا بأحكام جميع الوقائع في شرعنا وأمّا مع الجهل بحكم بعضها مع علمنا بحكمه في الشريعة السّابقة فالاستصحاب يقضي بكون حكم هذه الواقعة في شرعنا ما ثبت من حكمها في الشّريعة السّابقة وأنت خبير بأنّه لو قيل في تقريب المقام إنّه بعد إكمال شرعنا قد علمنا بكونه ناسخا لجميع أحكام الشّرائع السّابقة وغاية الأمر أنّ ما ثبت في شرعنا موافقا للشريعة السّابقة فهو مثله لا عينه كما تقدّم سابقا عن صاحب الفصول لما يندفع بما ذكر لاشتراط اتحاد القضيّة المتيقنة والمشكوك فيها في جريان الاستصحاب فلا يجري مع المغايرة وإن تماثلنا نعم يمكن دفعه مع عدم جريانه في المستقلات العقليّة بما أجبنا به سابقا عن صاحب الفصول فراجع (قوله) ما ذكره في القوانين إلخ قال وهو مبني على القول بكون حسن الأشياء ذاتيّا وهو ممنوع ومناف للقول بالنّسخ بل التحقيق أنّه بالوجوه والاعتبارات وإن كنّا لا نمنع الذاتية في بعض الأشياء لكن إعمال الاستصحاب لا يمكن إلاّ مع قابلية المحلّ كما سيجيء انتهى ومراده بآخر كلامه أن حسن بعض الأشياء لما كان ذاتيّا وبعضها بالوجوه والاعتبار وكان جريان الاستصحاب في المقام مبنيّا على الأوّل ففي مورد لم يعلم كونه من أحد القبيلين لا يجوز التمسّك به لعدم العلم بقابلية المحلّ وأنت خبير بأن دعوى عدم جريان الاستصحاب على القول بالوجوه والاعتبار ممّا لا وجه له إذ يمكن استصحاب نفس حسن الفعل الثابت في السّابق مضافا إلى أنّ القول بكون حسن بعض الأشياء ذاتيا وبعض آخر بالوجوه والاعتبار لو منع جريان الاستصحاب لمنعه في جميع أحكام شرعنا إلاّ فيما ثبت كون حسنه ذاتيّا إن سلمنا جريانه على هذا التقدير مع أنّه فاسد أيضا كما نبّه عليه المصنف ره (قوله) وفيه أنّه إن أريد إلخ توضيحه أنّ الحسن الذّاتي يطلق تارة على ما كانت الطبيعة فيه علّة تامّة له كحسن الصّدق النّافع وقبح الكذب المضرّ وأخرى على ما كانت الطبيعة فيه مقتضية له بأن كانت فعلية الحسن مشروطة بوجود شرط مفقود أو فقد مانع موجود والفرق بينه وبين القول بالوجوه والاعتبار أن الحسن على الثّاني قد ينشأ من اقتران الفعل ببعض الأمور الخارجة وإن لم تكن نفس الفعل من حيث هي مقتضية له وعلى الأوّل لا معنى للاستصحاب للقطع ببقاء الحكم حينئذ وعلى الثّاني لا وجه لمنع جريانه لفرض صلاحيّة حسن الفعل للبقاء والارتفاع ببعض الأمور الخارجة وإذا قلنا بجريانه على الثّاني فلا بدّ أن نقول بجريانه على الثّالث أيضا لاشتراك العلّة وإذا قلنا بعدم جريانه على الثالث لم يتحقق له مورد أصلا لأن حسن المستصحب إن كان ذاتيّا بالمعنى الأوّل فقد عرفت عدم جريان الاستصحاب معه وإن كان ذاتيّا بالمعنى الثّاني فقد عرفت عدم الفرق بينه وبين القول بالوجوه من هذه الجهة فإذا كان القول بالوجوه مانعا منه فلا بدّ أن يكون القول بالذاتية بالمعنى المذكور أيضا كذلك فلا يبقى مورد للاستصحاب أصلا(قوله) حنفاء إلخ قال الطريحي الحنيف المسلم المائل إلى الدّين المستقيم والجمع حنفاء والحنيف المسلم لأنّه يحنف أي تحرى الدّين المستقيم والحنف محركة الاستقامة ومنه قوله دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حنيف أي مستقيم لا عوج فيه والحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم عليه‌السلام وأصل الحنف الميل ومنه بعثت بالحنيفية السمحة السّهلة أي المستقيمة المائلة عن الباطل إلى الحقّ (قوله) دين القيمة إلخ قال الطّريحي وقال الشيخ أبو علي وقيل دين الملّة القيمة والشّريعة القيّمة وقال نضر بن شميل سألت الخليل عن هذا فقال القيمة جمع قيم والقيم والقائم واحد فالمراد وذلك دين القائمين لله بالتّوحيد ثمّ قال وفي هذه الآية دلالة على بطلان مذهب أهل الجبر لأن فيها تصريحا بأنّه تعالى إنّما خلق الخلق ليعبدوه واستدلّ بهذه الآية أيضا على وجوب النيّة في الطهارة وأنّه تعالى أمر بالعبادة على وجه الإخلاص ولا يمكن الإخلاص إلاّ بالنيّة والقربة والطّهارة عبادة فلا تجزي بغير نيّة(قوله) ويرد عليه بعد الإغماض إلخ لا يذهب عليك أنّه قد استدلّ بالآية تارة على أنّ الأصل في كلّ أمر أن يكون تعبديّا وأخرى على اشتراط قصد القربة والإخلاص في العبادات وعدم صحّتها مع الرياء وغيره من الضّمائم نظرا إلى دلالة الآية على كون الغاية في الأوامر مطلقا هي العبادة بقصد الإخلاص هذا إن قلنا بعدم منافاة العبادة للرّياء ونحوه من الضّمائم وإلا تكون الحال حينئذ أعني قوله مخلصين مؤكّدة فيصح الاستدلال على المطلوب في المقامين بكلّ من الفقرتين أعني قوله إلاّ ليعبدوا الله وقوله مخلصين لفرض عدم انفكاك كون الفعل عبادة حينئذ عن قصد الإخلاص وبالعكس ولكن يرد على الأوّل أنّه مبنيّ على كون اللاّم للغاية ليفيد أنّ الغرض من الأوامر مطلقا إيقاعها على وجه العبادة وعليه يكون المفعول محذوفا والمعنى وما أمروا بشيء لغاية من الغايات إلا لغاية التعبّد وعلى أن يكون المراد بالعبادة في الآية معناها المصطلح عليه أعني ما يشترط في صحّته قصد التقرّب وليس كذلك أمّا الأوّل فإنّ الظّاهر كون اللاّم زائدة في المفعول به للتّأكيد والتقوية على تقدير أن كما حكاه الطّريحي في مادة خلص وطهر عن نجم الأئمّة وذكره جلال الدّين السيوطي في تفسيره مثل قوله تعالى (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) وقوله تعالى (يُرِيدُ) الله (لِيُطَهِّرَكُمْ) مضافا إلى أن أخذ اللاّم بمعنى الغاية ينافيه عطف قوله (وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ) على مدخول اللاّم لاختلال المعنى حينئذ وأمّا الثّاني فإنّ العبادة لغة كما في القاموس مطلق الطّاعة والانقياد مضافا إلى أنّه لو كان المراد بها معناها المصطلح عليه لزم تخصيص الأكثر لوضوح كون أكثر الواجبات توصليا لا تعبديّا والمعنى وما أمروا إلاّ بالطّاعة والانقياد ومع تسليم ذلك كله يحتمل أن يكون المراد كما سيجيء عن الفاضلين في المعتبر والمنتهى وما أمروا إلا بالإخلاص في العبادة فيدلّ على اعتبار الإخلاص فيما فرض كونه عبادة فلا يدلّ على كون الأصل في الأوامر أن تكون تعبدية كما هو المدعى ويرد على الثّاني أولا ما أغمض عنه المصنف رحمه‌الله وأحال بيانه إلى ما أوضحه في باب النية قال في كتاب الطهارة في مقام الردّ على من استدلّ

٥٠٤

على اشتراط النيّة في الوضوء بالآية الشّريفة والآية ظاهرة في التوحيد ونفي الشّرك من وجوه منها لزوم تخصيص العموم بأكثر من الباقي ومنها عطف إقامة الصّلاة وإيتاء الزكاة على العبادة الخالصة عن الشّرك وهو التّوحيد فالحصر إضافي بالنسبة إلى العبادة الغير الخالصة عن الشّرك وبما ذكرناه فسّره جماعة فعن مجمع البيان مخلصين له الدّين أي لا يخلطون بعبادته عبادة من سواه وعن البيضاوي أي لا يشركون به وعن النيشابوري تفسيره بالتّوحيد وجزم بذلك شيخنا البهائي في الأربعين وكيف كان فلا إشكال في أنّ الآية لا تدلّ على انحصار المأمور به في العبادة ليستفاد منه أنّ الأصل في كل واجب أن يكون عبادة كما زعمه بعض لينفع فيما نحن فيه وإنّما يمكن أن يدعى دلالتها على أنّ العبادة لم يؤمر بها إلاّ على جهة الإخلاص ولذا استدلّ الفاضلان في ظاهر المعتبر وصريح المنتهى بها على وجوب الإخلاص في الواجب المفروغ كونها عبادة لكنه أيضا مبني على كون المراد بالدّين الطّاعة أو الأعمّ منها ومن العبادة ليدلّ على وجوب إخلاص عبادة الله عن عبادة الأوثان وطاعته تعالى عن الرّياء ونحوه لكنّ الظّاهر بقرينة عطف الصّلاة والزكاة إرادة الإخلاص في العبادة وهو التوحيد فقد حكى الله سبحانه في الآية الشّريفة عن تكاليف أهل الكتاب أهم أصول الدّين وفروعه ومن تأمّل نظائر الآية ممّا ذكر فيه العبادة على وجه الإخلاص مثل قوله تعالى (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) وقوله تعالى (فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ) إلى غير ذلك من الآيات ظهر له ما استظهرناه من إرادة التّوحيد في مقابل الشّرك انتهى كلامه وزيد إكرامه وثانيا ما أورده عليه بعد الإغماض من أنّه بعد تسليم جميع ما تقدّم أنّ الظّاهر أنّ المقصود بيان الغاية في إيجاب ما أوجبه تعالى من الواجبات التعبّدية والتوصليّة فكأنّه تعالى قال إنّما أوجبت ما أوجبته على عبادي ليترتب على ذلك عبادتهم لي على وجه الإخلاص لا أني أوجبت الإخلاص في كلّ ما أمرتهم بالتعبد به فعلى الأوّل يكون إيجاب ما أوجبه سبحانه لطفا في تحقّق العبادة على وجه الإخلاص لأنّ اللّطف ما كان مقربا للعبد إلى الطّاعة ومبعّدا له عن المعصية نظير ما ذكره جمهور العدليّة من الإماميّة والمعتزلة من أن السّمعيات لطف في العقليات بل قول المصنف رحمه‌الله ومرجع ذلك إلى كونها لطفا لعلّه إشارة إلى ذلك لأنّ شكر المنعم لما كان واجبا بحكم العقل لما في تركه من احتمال سلبه تعالى بعض نعمه عنهم وكان الشّكر حاصلا بإطاعته سبحانه فذكروا أنّ السّمعيات لطف في العقليّات ونقول في تقريب دلالة الآية أيضا إنّ ما أوجبه تعالى من الواجبات لما كان سببا لتحقق العبادة على وجه الإخلاص وإقامة الصّلاة وإيتاء الزّكاة كذلك كانت تلك الواجبات لطفا فيما هو لطف في العقليّات ويحتمل أن يكون إطلاق اللّطف باعتبار كون العبادة مقربة إلى المحسنات العقلية ومبعدة عن المقبحات العقليّة على ما نصّ الله تعالى عليه في كتابه في خصوص الصّلاة بقوله (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) وبالجملة إن إطلاق اللطف على الواجبات إنّما هو باعتبار كونها مقرّبة للعبد إلى العبادة إما بلحاظ كونها محصّلة للشكر أو بلحاظ كونها مجنّبة للعبد عن الفحشاء والمنكر وثالثا ما أشار إليه في آخر كلامه من أنّ النّزاع في جواز التمسّك باستصحاب أحكام الشّريعة السّابقة إنّما هو فيما لم يدلّ دليل على بقاء الحكم المستصحب في شرعنا لوضوح عدم صحّة التمسّك بالأصل مع وجود الدّليل على طبقه أو خلافه وقوله تعالى (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) دليل على بقاء الحكم المذكور في شرعنا(قوله) على جواز ضمان ما لم يجب إلخ لعدم الاستحقاق لمال الجعالة قبل العمل وإن شرع فيه فيكون ضمانه ضمان ما لم يجب (قوله) إنّ الحمل في ماله إلخ يعني في مال المؤذن فلا تدل الآية حينئذ على الضّمان الصّوري أيضا لأنّه إنّما يتمّ على تقدير إرادة كون الحمل في مال يوسف عليه‌السلام (قوله) وفيه أنّ الآية لا تدلّ إلخ حاصله أنّ حسن ترك التزويج ليس ذاتيّا بل باعتبار ما يترتّب عليه من المصالح كالاستعانة به في العبادة ونحوها ولعلّ مدح يحيى أيضا إنّما هو بهذا الاعتبار فلا تدلّ على حسنه إذا انضمت إلى التزويج صفة أخرى راجحة على صفة تركه (قوله) وفيه ما لا يخفى إلخ لعلّ الوجه فيه احتمال كون هذا الحكم المخالف للقاعدة من خواص أيّوب عليه‌السلام فلا يصحّ استصحابه إلى هذه الشّريعة وأمّا مخالفته للقاعدة فإن مقتضاها أنه مع الحلف على ضرب أحد مائة أن لا يحصل البرّ إلاّ بالضّرب بمثل السّوط أو الخشبة بالعدد المذكور لا بمثل الضّغث ضربة واحدة لعدم انصراف الضّرب مائة إلى مثله فلعلّ الله تعالى قد ترحم على امرأة أيّوب عليه‌السلام فرخصه في ذلك بدلا عما يحصل به البرّ حقيقة كما ثبت مثله في حدود المرضى وورد به النصّ أيضا وأفتى به المحقّق في اليمين أيضا مع الاضطرار كالخوف على تلف النفس بل الشيخ مطلقا في المبسوط والتبيان والخلاف مدعيا في صريح الأخير وظاهر الأولين الإجماع عليه والمسألة مقرّرة في محلّها(قوله) وفيه أنّ حكم المسألة إلخ من جواز جعل المنفعة صداقا ثمّ إنّ المرتضى رضي الله عنه احتمل في تنزيه الأنبياء أن يكون من شريعة شعيب عليه‌السلام جواز العقد بالتراضي من غير صداق معين ويكون قوله على أن تأجرني نفسك على غير وجه الصّداق وأجاب به مع وجهين آخرين عن إشكال دلالة الآية على جواز التخيير والتفويض في الصّداق مع عدم عود نفع هذا الصّداق إلى بنت شعيب عليه‌السلام فراجع ولاحظ (قوله) قد عرفت أنّ معنى عدم نقض اليقين إلخ توضيح المقام أنّ قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشكّ وارد في مقام إنشاء حرمة نقض المتيقن السّابق بالشكّ فيجب الحكم ببقائه في زمان الشكّ وهذا من الشّارع بعد عدم إمكان إبقاء المتيقّن السّابق لأجل الشكّ فيه حتّى يكون مورد الحكم شرعي إنشاء وجعل للمتيقن السّابق في زمان الشكّ فلا بد حينئذ أن يكون المتيقن السّابق قابلا للجعل في الواقع إذ ما لا يكون قابلا له في الواقع لا يكون قابلا له في الظاهر أيضا إذ كما أنّه لا معنى لجعل وجود زيد مثلا في الواقع كذا لا معنى لجعله في الظّاهر بمعنى وجوب البناء على وجوده في مقام الشكّ فيه لعدم ترتب أثر عليه فيكون عبثا لا محالة وحينئذ فإن كان المتيقّن السّابق باعتبار نفسه قابلا لجعل الشارع كالخمسة التكليفيّة المعروفة كان المجعول في مقام الظاهر حكما ظاهريّا مساوقا للحكم السّابق المتيقّن فيكون هنا حكمان وإنشاءان إنشاء لحكم واقعي وإنشاء لحكم ظاهري فكأنّ الشّارع قال إذا شككت في وجوب فعل فابن علي وجوبه وما يترتب على وجوبه الواقعي من الآثار الشّرعيّة في مقام الظّاهر وإن كان من الموضوعات الخارجة غير القابلة للجعل الشّرعي فمعنى جعله يرجع إلى جعل الآثار الشّرعيّة المرتبة عليه بواسطة اليقين في زمان الشكّ لأن هذا هو القابل للجعل لا نفس الموضوع فمعنى عدم نقض اليقين

٥٠٥

بوجود زيد بالشكّ فيه فرضه كالمتيقن الوجود وتنزيله منزلته في ترتيب ما يترتب عليه في حال اليقين به من الآثار الشّرعيّة فهنا موضوعان موضوع متيقن وموضوع مشكوك فيه قد أدرج الشّارع المشكوك فيه في المتيقّن وأنزله منزلته في ترتيب آثاره عليه فكلّ حكم شرعي كان مترتبا عليه في حال اليقين يترتب عليه في حال الشّكّ أيضا قضية لعموم المنزلة ومن هنا يظهر فساد ما ذكره المحقّق القمي رحمه‌الله من عدم الدّليل على كون المستصحب النجاسة منجسا لأنّ المتيقن والمسلم منه كون متيقن النّجاسة منجسا لا ما ثبتت نجاسته بالاستصحاب وأوضحه بعض على ما نقله بعض مشايخنا بأنّ النّجاسة في حال اليقين بها موضوع وفي حال الشكّ فيها موضوع آخر وحكم التنجيس إنّما ثبت على الأوّل دون الثّاني لأنّه المتيقن من الأدلّة ووجه الفساد بعد ما عرفت من قضية التنزيل واضح ولا اختصاص له بالاستصحاب بل يجري في جميع التنزيلات الشرعيّة كقوله عليه‌السلام الطواف في البيت صلاة وتنزيل ما قامت البيّنة عليه منزلة الواقع المعلوم وهكذا فإن قلت على ما ذكرت من أنّ المستصحب إن كان حكما شرعيّا فمعنى عدم نقضه بالشكّ جعل نفسه في مقام الشكّ وإن كان من الموضوعات الشرعيّة فمعنى عدم نقضه جعل آثاره الشّرعيّة في مقام الشكّ لزم استعمال اللّفظ في معنيين لاختلافهما جدّا قلت لا اختلاف بين نفس المعنيين لأنّ الاختلاف إنّما نشأ من اختلاف متعلق الفعل أعني النقض لأنّ نقض المتيقن كلّي فإن كان المتيقن من الأحكام فمعنى عدم جواز نقضه وجوب البناء في زمان الشكّ على وجوده وإن كان من الموضوعات فمعناه وجوب البناء على ترتيب آثاره الشّرعيّة في زمان الشكّ فاختلاف هذا المعنى الكلّي بحسب اختلاف موارده ومتعلقاته لا يوجب اختلاف هذا المعنى الكلّي في نفسه وممّا ذكرناه قد ظهر أن المستصحب إن كان من الموضوعات الخارجة فالثّابت به هو الآثار الشّرعيّة المرتبة عليه في حال اليقين لا الآثار العقليّة والعادية لعدم قابليّتها للجعل ولا الآثار الشّرعيّة المرتبة على تلك الآثار لأنّها ليست آثار نفس المتيقن ولم يقع ذوها أيضا موردا للاستصحاب ثمّ المراد بالآثار الشرعيّة ما كان مرتبا على المستصحب في نظر الشّارع سواء كان هنا ترتب حقيقي كترتب المسببات على أسبابها الشّرعيّة أم لم يكن هنا ترتب في الواقع بل في نظر الشّارع كترتّب المشروط على شرطه إذ لا ترتب بينهما في الحقيقة وإن كان وجوده موقوفا عليه وكان عدما عند عدمه إلاّ أنّ هذا في معنى الترتب والتفرع في نظر الشّارع وهذا مستفاد من الشّرع ولذا يحكم بصحّة الصّلاة فتوى ونصّا باستصحاب الطهارة وستقف على تتمة الكلام في أقسام اللّوازم وغيرها وأحكامها في الحواشي الآتية(قوله) هي لوازمها الشّرعيّة دون العقلية إلخ اعلم أن المستصحب إذا كان من الموضوعات قد يكون مقارنا بأمور بحيث لو حصل القطع بوجوده في زمان الشكّ حصل القطع بوجودها حينئذ أيضا وهذه الأمور لا تخلو إمّا أن تكون من لوازم المستصحب أو ملزومة له أو يكونا لازمين لملزوم ثالث ومقارنة له في الوجود من باب الاتفاق من دون علاقة ومناسبة بينهما وعلى التقادير الأربعة إمّا أن تكون هذه الأمور شرعيّة أو عقلية أو عادية فترتقي الأقسام إلى اثني عشر وعلى جميع التّقادير إمّا أن يراد بالاستصحاب إثبات تمام الأمر الموجود مع المستصحب أو إثبات بعض قيوده وعلى التقادير إمّا أن يكون هذا الأمر وجوديّا أو عدميّا وعلى التقادير إمّا أن يكون المستصحب مع هذا الأمر متحدا في الوجود أو متغايرين فيه وعلى تقدير كون الأمر المذكور لازما شرعيّا له ومرتبا عليه بواسطة أمر عقلي أو عادي إمّا أن تكون الواسطة خفية أم جلية وعلى التقادير إمّا أن نقول باعتبار الاستصحاب من باب التّعبّد أو الظنّ ولنذكر أولا جملة من أمثلة هذه الأقسام ليفيدك بصيرة في المقام ثم نشر إلى المختار من حكم الأقسام المذكورة فنقول أمّا ما كان من قبيل اللاّزم الشّرعي للمستصحب فأمثلته كثيرة مثل استصحاب جميع الموضوعات الخارجة لإثبات لوازمها الشّرعيّة كاستصحاب حياة زيد لإثبات حرمة التصرّف في ماله ووجوب نفقة زوجته وحرمة نكاحها وهكذا وأمّا ما كان من قبيل اللازم العادي فكثير أيضا كاستصحاب حياة زيد بعد الغيبة عنه مدّة مديدة لإثبات نموّه وإنبات لحيته وغيرهما ممّا يقارنه في هذه المدّة من الأمور العادية وأمّا ما كان من قبيل اللّوازم العقلية مثل استصحاب الأمر السّابق لإثبات وجوب إطاعته واستصحاب البراءة السّابقة لنفي العقاب عن مخالفة التكليف المحتمل وأمّا ما كان من قبيل الملزوم فكما لو توضأ بمائع مردد بين الماء الطّاهر والنّجس فإن طهارة البدن لازمة لطهارة الماء وبقاء الحدث لنجاسته فاستصحاب طهارة البدن أو بقاء الحدث لإثبات طهارة الماء أو نجاسته من قبيل استصحاب اللاّزم لإثبات ملزومه الشّرعي وإن أريد استصحاب طهارة البدن لإثبات ارتفاع الحدث كان من قبيل إثبات أحد اللاّزمين بإثبات اللاّزم الآخر لكونهما لازمين لطهارة الماء وأمّا ما كان من قبيل المقارنات الاتفاقيّة كما لو دار الأمر بين وجوب دعاء رؤية الهلال واستحبابه أو بين وجوب الجهر في ظهر الجمعة واستحبابه وأريد باستصحاب عدم الوجوب إثبات الاستحباب لكون المقارنة فيها ناشئة من العلم الإجمالي ومن هذا القبيل موارد الشبهة المحصورة لأنّ استصحاب طهارة أحد المشتبهين تقارنه نجاسة الآخر من جهة العلم الإجمالي بطهارة أحدهما ونجاسة الآخر وأمثلة باقي الأقسام مضافا إلى ما أشار إليه المصنف رحمه‌الله في طي كلامه يظهر بالتأمّل وملاحظة الموارد ولا طائل في الإطالة وإذا عرفت هذا فاعلم أنّه على المختار من اعتبار الاستصحاب من باب الأخبار لا إشكال في إثبات الحكم الشّرعي وما يترتب على وجوده الواقعي من الآثار الشّرعيّة به إن كان مورده ذلك وكذا اللّوازم الشرعيّة المرتّبة وكذا اللّوازم الشّرعية المرتّبة على الموضوعات الخارجة بلا واسطة أو بواسطة أمر شرعيّ إن كان مورده من الموضوعات وقد ظهر الوجه فيه ممّا ذكرناه في الحاشية السّابقة والكلام في باقي الأقسام المتقدّمة وإن ظهر أيضا ممّا ذكرناه هناك إلا أنا نقول هنا توضيحا إن الكلام في أمّهات الأقسام المذكورة يقع في مقامين أحدهما إثبات الملزوم بإثبات لازمه أو إثبات أحد اللاّزمين لملزوم ثالث بإثبات اللاّزم الآخر أو إثبات أحد المتقارنين من باب الاتفاق بإثبات الآخر سواء كان الملزوم أو اللاّزم أو المقارن شرعيّا أم عقليا أم عاديّا وهذه الأقسام الثلاثة مختلفة المراتب كما ستعرفه وثانيهما إثبات اللّوازم العقلية أو العادية بإثبات ملزوماتها وأمّا باقي الأقسام فيظهر الكلام فيه ممّا نذكره وذكره المصنف رحمه‌الله أمّا المقام الأوّل فأمّا إثبات الملزوم بإثبات

٥٠٦

لازمه فالحقّ عدم جوازه وإن كانت الملازمة شرعيّة لما عرفت في الحاشية السّابقة أنّ المراد بعدم جواز نقض اليقين بالشكّ في الموضوعات بدلالة الاقتضاء هو ترتيب آثارها الشّرعية المرتبة عليها والملزوم ليس بمرتب على لازمه بل الأمر بالعكس ومن هنا يظهر عدم جواز إثبات الملزوم العقلي والعادي بإثبات لازمهما بطريق أولى ومن عدم ثبوت الملزومات يظهر الوجه في عدم ثبوت أحد اللاّزمين بلازم آخر لعدم الترتّب بينهما أيضا بل هذا أولى بعدم الثبوت لعدم المناسبة بين اللاّزمين لأن مرجعهما إلى المقارنة الاتفاقية بخلاف اللاّزم والملزوم لأنّ الملزوم وإن لم يترتب على لازمه إلاّ أنّ بينهما مناسبة كما لا يخفى ومن عدم ثبوت أحد اللاّزمين باللاّزم الآخر يظهر الوجه في عدم ثبوت أحد المتقارنين بإثبات مقارنه الآخر بل بطريق أولى لاشتراك الملازمين في الملازمة لملزوم ثالث وبهذا الاعتبار تتحقق المناسبة بينهما في الجملة بخلاف المتقارنين وأمّا المقام الثّاني وهذا هو الّذي اشتهر في لسان مقاربي زماننا بالأصول المثبتة ويعنون بها إثبات الأحكام الشرعيّة بواسطة إثبات اللّوازم العقلية أو العادية للمستصحب كإثبات طهارة الثوب الواقع في ماء مشكوك الكرية لأنّ استصحاب الكرية يلازم عقلا لملاقاة الثوب النجس للكرّ ويترتب عليها حصول الطهارة للثّوب واشتهر بينهم عدم حجيّتها من دون خلاف يعرف بل يظهر من صاحب الفصول عدم الخلاف فيه قديما وحديثا قال ولم أقف في المسألة على من يصرّح بالخلاف فلعلّه موضع وفاق وهو الأظهر انتهى ولكنّهم اختلفوا في علّة الحكم كما سنشير إليه وكيف كان فالوجه فيه يظهر ممّا ذكره المصنف رحمه‌الله وما أوضحناه في الحاشية السّابقة ونقول هنا أيضا لزيادة توضيح إن التمسّك بالأصول المثبتة لا يخلو إمّا أن يريد بها إثبات كل من اللاّزم العقلي أو العادي وما يترتب عليهما من الآثار الشّرعيّة باستصحاب ملزومها وإمّا أن يريد بها إثبات الآثار الشّرعية المرتبة عليهما باستصحاب ملزومهما من دون إثبات اللاّزم العقلي أو العادي المتوسّط بينهما أمّا الأوّل فيرد عليه أن الاستصحاب كما لا يثبت الموضوعات الخارجة كما أشرنا إليه في الحاشية السّابقة كذلك لا يثبت ما يترتب عليها من اللّوازم العقليّة والعادية لعدم كونهما قابلين لجعل الشّارع فاستصحاب حياة زيد كما لا يثبت نفس الحياة كذلك ما يتبعها من النمو ونبات اللّحية والتحيّز في مكان ونحوها ممّا يلزم الحياة والجسم عقلا أو عادة فكيف يثبت به ما يترتب على هذه اللّوازم من الآثار الشّرعيّة نعم لو كان نفس اللاّزم العقلي أو العادي موردا للأصل ثبت به ما يترتب عليها من الآثار الشّرعيّة لكنه خلاف الفرض وأمّا الثّاني فيرد عليه أيضا أن الفرض ترتب الآثار الشرعيّة على نفس اللاّزم العقلي أو العادي دون المستصحب فكيف يحكم بثبوتها من دون ثبوت موضوعها لاستحالة قيام الغرض من دون موضوعه فلا ينهض الاستصحاب إلاّ لإثبات اللّوازم الشّرعيّة المحمولة على ملزوماتها شرعا بلا واسطة أو بواسطة أمر شرعي آخر محمول عليها هذا كلّه على القول باعتبار الاستصحاب من باب الأخبار وأمّا على القول باعتباره من باب الظنّ فسيشير المصنف رحمه‌الله إلى الكلام على مقتضاه ثم إنّ لازم الشيء قد يكون لازما لوجوده الواقعي من حيث هو وقد يكون لازما للعلم به واقعا كما إذا فرض ترتب الحرمة على شرب الخمر المعلوم واقعا وقد يكون لازما للأعمّ من الوجود الواقعي والظّاهري وما عدا الأوّل خارج من محلّ النّزاع في إثبات اللوازم بالأصل أمّا الثّاني فلوضوح عدم ثبوته بالأصل لعدم إفادته للعلم بالواقع وأمّا الثالث فإنّ الملزوم على تقدير ثبوته بالأصل كان لازمه ثابتا بوجوده الواقعي دون الظّاهري وهو واضح (قوله) من أنّه إذا ثبت بالرّضاع إلخ كما لو ثبت بالرّضاع أخوة امرأة لرجل فلا تحرم على أخيه النسبي أختها النّسبي وإن كانت بمنزلة الأخت له لأنّ المحرم كتابا وسنة هي الأخت والأخ لا أخت الأخت وكذا لا تحرم الأمّ الرّضاعي لأخ المرتضع من النسب وإن كانت بمنزلة الأمّ لأخيه (قوله) لأنّ الحكم تابع أي الحكم الثابت بعموم قوله عليه‌السلام يحرم من الرّضاع ما يحرم من النّسب وقوله عليه‌السلام الرّضاع لحمة كلحمة النّسب فكل عنوان ثبت تحريمه في النّسب كتابا وسنة كان محرما في الرّضاع أيضا دون سائر العناوين المقارنة في الوجود(قوله) كاستصحاب بقاء الكرّ لأن المستصحب بقاء الكر الموجود في السّابق والأمر العادي كون الموجود في الحوض الآن كرّا وهما وإن تغايرا مفهوما إلاّ أنّهما متحدان وجودا هذا إن أريد استصحاب الموضوع أعني بقاء

الكر الموجود في السّابق وإن أريد استصحاب الوصف بالماء يقال إنّ هذا الماء الموجود كان في السّابق على صفة الكرية والأصل بقاؤه عليها خرج من كونه مثبتا وإن احتاج حينئذ إلى نوع مسامحة في الموضوع (قوله) كما لو علم بوجود إلخ كما لو رمى سهما لو لا الحائل من حائط ونحوه لقتل المرمي إليه فبأصالة عدم المانع يثبت القتل ويترتب عليه وجوب الدّية(قوله) كالمثالين إلخ يعني مثال وجود المقتضي والعلم الإجمالي (قوله) كاستصحاب الحياة إلخ كما إذا قطع الملفوف بلحاف نصفين ثم وجده ميتا ولم يعلم سبق الموت على القطع أو حصوله به والأمر العادي هنا الموت وهو معلوم إلاّ أنّ وصفه وهو حصوله بعنوان القتل ثابت بأصالة بقاء الحياة إلى زمان القطع وكذا في مثال استصحاب عدم الاستحاضة فإن الأمر العادي وهو الدّم معلوم ووصفه وهو كونه على صفة الحيض ثابت بالأصل وكذا صفة التوالي في المثال الثالث ثابت به والأوّل مثال للقيد العدمي لأن صفة القتل الّتي هي عبارة عن إذهاق الرّوح من الأمور السّلبية العدميّة فتدبّر والأخيران مثالان للقيد الوجودي والسّر في كون هذه الأمثلة من قبيل ما أثبت الأصل قيدا من قيود الأمر العادي لا تمامه مع إمكان أن يقال إن الأمر العادي هنا صفة القتل والحيضية والتوالي وهي بتمامها ثابتة بالأصل أنّ الأثر الشّرعي الثابت بالأصل بواسطة الأمر العادي فيها مرتب على موصوفات هذه الصّفات باعتبار اتصافها بها لا على نفس الصّفات المذكورة حتّى يقال بأنّها بتمامها ثابتة بالأصل وهي واسطة بين المستصحب والأثر الشّرعي (قوله) وقد استدل بعضهم إلخ وهو صاحب الفصول قال المصنف رحمه‌الله في الحاشية في توضيح المعارضة بيان ذلك أنّ استصحاب الشيء لو اقتضى إثبات لازمه غير الشّرعي عارضه أصالة عدم ذلك اللاّزم فيتساقطان في مورد التعارض توضيح ذلك أنّه لو فرضنا ثبوت موت زيد باستصحاب حياة عمرو عارضه أصالة حياة زيد فيتساقطان بالنّسبة إلى موت زيد نعم تبقى أصالة حياة عمرو بالنسبة إلى غير موت زيد سليما عن المعارض انتهى (قوله) إن أراد بذلك عدم دلالة إلخ لا يذهب عليك أن في كلامه وجها ثالثا وهو أن يريد بقوله ليس في أخبار الباب إلى آخره دفع توهم منع المعارضة نظرا إلى حكومة الأصل في جانب الثابت عليه في جانب المثبت ووجه

٥٠٧

الدّفع أنّ منع المعارضة إنّما يتم على تقدير نهوض الأخبار لإثبات اللاّزم العادي وليس كذلك فتبقى أصالة العدم في جانب المثبت بلا معارض ويشهد به كلام محكي عنه قبل كلامه المذكور وقال وبالجملة فالّذي يثبت بالاستصحاب على ما يستفاد من أخبار الباب بقاء مورده وحدوث ما يترتب عليه أولا من الأحكام الشّرعيّة فيثبت باستصحاب الطهارة بقاؤها فيترتّب عليه صحّة الصّلاة المأتي بها معها وحصول البراءة بها وباستصحاب الكرية بقاؤها ويترتب عليه طهارة ما يرد عليه من المتنجّس إلى أن قال فإنّ هذه الأمور وإن كانت حادثة ومقتضى الاستصحاب عدمها وقضيّة ذلك تعارض الاستصحابين إلا أنّ المستفاد من الأخبار الواردة في المقام ثبوت تلك الأمور بالاستصحاب ألا ترى أنّ قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة السّابقة لا تنقض اليقين بالشكّ بعد قوله فإنّه على يقين من وضوئه يعطي البناء على يقينه السّابق وإثبات ما يترتّب عليه من الأحكام الشّرعيّة كصحّة الصّلاة إذا أتى بها وبراءة ذمّته منها في مسألة الشكّ في بقاء الطهارة كما هو مورد الرّواية وإن كانت مخالفة للاستصحاب انتهى (قوله) فهو مناف لما ذكره إلخ مضافا إلى أنّ حاصل ما ذكره دعوى انصراف الأخبار إلى إثبات اللّوازم الشّرعيّة دون العقليّة والعادية وفيها أنّ الانصراف لا بدّ له من منشإ وهو إمّا كثرة وجود بعض الأفراد دون بعض أو كثرة استعمال اللّفظ في خصوص بعض دون آخر والأوّل مع منع كونه منشأ للانصراف من دون ضميمة كثرة الاستعمال إليها كما صرّح به المصنف رحمه‌الله في بعض كلماته في الفقه أنّ اللّوازم العقليّة والعادية ليست بأقل من اللّوازم الشرعيّة المرتّبة على المستصحب من دون توسّطها والثّاني واضح الفساد(قوله) لكنّه إنّما يتمّ إلخ لا إشكال في أنّ الظنّ بالملزوم يستلزم الظنّ باللازم إلا أنّ عدم اعتبار الظنّ باللاّزم حينئذ على ما يستفاد من كلامه على وجوه أحدها أن يكون الدّليل الدّالّ على اعتبار الظنّ بالملزوم مقتصرا فيه على ترتيب بعض لوازمه فيكون عدم اعتبار الظنّ باللازم لعدم الدّليل عليه كما في مثال الصّوم وثانيها أن يقوم دليل على عدم اعتبار الظنّ ببعض اللّوازم كالظنّ بالمسألة الأصوليّة الناشئ من الظنّ بالمسألة الفرعيّة وثالثها انتفاء مناط اعتبار الظنّ بالملزوم في الظنّ باللاّزم كما في مسألة القبلة والوقت وهذه الوجوه مفقودة فيما نحن فيه لأنّ اعتبار الاستصحاب من باب الظنّ إنّما هو لأجل بناء العقلاء ولا فرق فيه بين لوازم المستصحب في ترتبها عليه ومن هنا يندفع الإشكال عن موارد عملوا بالأصول المثبتة فيها من دون خلاف يعرف منها مباحث الألفاظ حيث يتمسّكون فيها بأصالة عدم القرينة وما يرجع إليها كأصالة الحقيقة وأصالة عدم الإضمار ونحوهما ممّا يستعمل في مقام تمييز المرادات وأصالة عدم الوضع وما يرجع إليها من أصالة عدم الاشتراك وأصالة عدم النقل وأصالة التأخّر وغيرها ممّا يستعمل في مقام تمييز الأوضاع ومنها أصالة عدم التّقية عند الشكّ في صدور الكلام عن المعصوم لبيان الواقع وعدمه ومنها أصالة عدم السّهو والنسيان والغلط عند الشكّ في عروض أحدها للمتكلم في الكلام الصّادر عنه إذ لا إشكال ولا خلاف في اعتبار هذه الأصول مع كونها مثبتة والوجه فيه ما قدّمناه من كون مبنى الأصل فيها بناء العقلاء وإطباق أهل العرف بل يستفاد ذلك من الشّرع أيضا مثل قوله تعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) لوروده في مقام إمضاء طريقة العقلاء في فهم الخطابات العرفيّة ولو بضميمة الأصول المذكورة هذا بناء على اعتبار الاستصحاب من باب بناء العقلاء وأمّا إن قلنا باعتباره من باب الظنّ المطلق كما يظهر من المحقّق القمي رحمه‌الله فلا إشكال في اعتبار الأصول المثبتة على هذا القول أيضا إذ لا فرق في مفاد دليل الانسداد بين تعلّق الظنّ بنفس الحكم الشرعي بلا واسطة أو بواسطة أمر عقلي أو عادي لأنّ المدار حينئذ على وصف الظنّ كيف اتّفق وأمّا بناء على اعتباره من باب الأخبار لكن لا من باب التعبّد بل من باب الظنّ الخاصّ بمعنى دلالة الأخبار على اعتبار الاستصحاب على تقدير إفادته الظنّ الشّخصي كما حكي عن شيخنا البهائي رحمه‌الله فلا تنهض الأخبار حينئذ على إثبات الأصول المثبتة لأن جعل اعتبار الظنّ المستفاد من الاستصحاب يرجع إلى جعل نفس المظنون وآثاره الشّرعية في مقام الظّاهر إن كان المظنون حكما شرعا وإلى جعل الآثار الشّرعيّة المرتّبة على المظنون كذلك إن كان المظنون من الموضوعات الخارجة نظير ما قدّمناه على القول باعتباره من باب التعبّد فاعتبار الظنّ بالملزوم لا يستلزم اعتبار الظنّ بلازمه غير الشّرعي لعدم قابليته لجعل الشّارع اللهمّ إلاّ أن يقع نفس اللاّزم غير الشّرعي موردا لتنزيل الشّارع وهو أيضا يرجع إلى جعل آثاره الشّرعيّة في مقام الظّاهر إن كانت له آثار شرعيّة وإلا لغا التّنزيل المذكور ولكنّه خلاف المفروض فإن قلت إنّ الظن بالملزوم يستلزم الظنّ بلازمه أيضا فلو لم يعتبر الظنّ بلازمه لزم التفكيك بينهما قلت إن التفكيك بينهما في الشّرعيّات غير عزيز ولذا يعتبر الظنّ بالقبلة عند تعذّر العلم بها دون الوقت وإن استلزم الظنّ بها الظنّ به وهكذا في غيره من الموارد وأمّا بناء على اعتباره من باب الأخبار بمعنى حملها على إمضاء طريقة العقلاء كما احتمله بعضهم فالظّاهر عدم الإشكال أيضا في اعتبار الأصول المثبتة حينئذ لما عرفت من أنّ العمل العقلاء به إنّما هو من باب الظنّ النّوعي الّذي لا يفرق فيه بين الملزوم ولازمه مطلقا فمع إمضاء الشّارع ذلك يصحّ التمسّك به مطلقا هذا كلّه على طريقة القوم وإلاّ فالمختار اعتباره من باب الأخبار تعبّدا وقد اضطربت كلمات القوم في المقام وناهيك في ذلك بملاحظة ما أورده المصنف ره من كلماتهم (قوله) وبقاء حياة المورث إلى غرّة إلخ يعني أن كون موت المورث عن وارث مسلم لازما لبقاء حياة المورث حال إسلام الوارث ليس كليّا لعلاقة بل اللّزوم بينهما اتفاقي في قضيّة جزئيّة كما سبق نظيره وحكم الإرث هنا ليس من آثار الملزوم الّذي هو المستصحب بل من آثار لازمه العقلي فيكون الأصل بالنّسبة إلى إثبات لازمه مثبتا اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ سبب الإرث ليس موت المورث عن وارث مسلم بل إسلام الوارث في حال حياة مورثه فيثبت بالاستصحاب حينئذ نفس السّبب لا لازمه وأنت خبير بما فيه من منع كون السّبب ما ذكر وقد أعرض بعض أواخر المحققين عن هذا الأصل وتمسّك بعمومات الإرث مثل قوله تعالى (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ونحوه استنادا إلى أنّ الخارج من تحتها من علم كفره من الأولاد في حال موت المورث ومن أسلم في غرّة شهر رمضان لم يعلم كفره كذلك فيحكم بتوريثه منه عملا بالعموم وفيه أنّه مبنيّ على صحّة التمسّك بالعموم في الشبهات المصداقيّة وهو ضعيف كما قرّر في محلّه (قوله) كما يعلم من الفرع الّذي إلخ قال لو مات المسلم عن ابنين

٥٠٨

فتصادفا على تقدّم إسلام أحدهما بخصوصه على موت الأب وادعى الآخر مثله فأنكره أخوه فالقول قول المتفق على تقدم إسلامه مع يمينه أنّه لا يعلم أنّه أخاه أسلم قبل موت أبيه انتهى ولو كان سبب الإرث عند المحقق موت المورث عن وارث مسلم وقال بثبوت ذلك بالأصل فلا بدّ أن يقول بمثله في هذا الفرع أيضا لأصالة بقاء حياة الأب إلى زمان إسلام غير المتفق على تقدم إسلامه فيثبت به تأخّر موته عن إسلامه فإن قلت إنا سلمنا أنّ سبب الإرث إسلام الوارث في حال حياة المورث إلاّ أنّ استصحاب حياته إلى ما بعد زمان إسلام الوارث يثبت ذلك هنا أيضا قلت إنّه إنّما يتم لو علم تاريخ إسلام الوارث كما في الفرع الّذي نقله المصنف رحمه‌الله بخلاف الفرع المذكور لفرض عدم العلم بتاريخه هنا نعم يمكن أن يقال إنّ عدم الحكم بالتّوريث هنا يحتمل أن يكون لأجل تعارض الأصل المذكور مع أصالة بقاء كفر غير المتّفق على تقدّم إسلامه إلى زمان الموت فيتساقطان والأصل عدم الاستحقاق هذا إذا لم يكن تاريخ الموت معلوما وإلاّ فأصالة بقاء الكفر إلى زمان الموت تثبت عدم الاستحقاق من دون معارض فإن قلت إنّ الأصل عدم استحقاق المتّفق على تقدّم إسلامه للزيادة قلت إنّ الشّكّ في استحقاقه لها مسبّب عن الشكّ في استحقاق أخيه وبعد نفى استحقاقه بالأصل يثبت استحقاقه للجميع فتدبّر(قوله) ولا يخفى أنّ الملاقاة إلخ لا يخفى ما في ظاهر كلام المصنف رحمه‌الله من الاضطراب لأنّ ظاهر ما نقله من الفرع ابتناء التعارض على كون الكرّية عاصمة ومانعة عن الانفعال وفي العبارة قد اقتصر على بيان حكم ما لو كانت القلة شرطا في الانفعال فالأولى في بيان المعارضة أن يقال إنّه لا يخلو إمّا أن نقول بكون الملاقاة مقتضية للانفعال والكرية عاصمة كما هو ظاهر قوله عليه‌السلام الماء إذا بلغ قدر كرّ لم ينجسه شيء أو لم يحمل خبثا ولعلّه المشهور أيضا ولذا حكموا بتنجس الماء المتمّم كرّا وحينئذ فأصالة عدم الكرّية قبل الملاقاة تثبت تنجس الماء ولكن أصالة عدم الملاقاة قبل الكرّية لا يترتب عليها أثر شرعي إلاّ من باب إثبات وقوع الملاقاة حين الكرّية وهو لا يتم إلاّ على القول بالأصول المثبتة وإمّا أن نقول بكون القلّة شرطا في الانفعال وحينئذ فأصالة عدم الملاقاة قبل الكرّية الرّاجعة إلى أصالة عدم تحقق شرط الانفعال وهو كون الملاقاة حين القلّة وإن أثبتت الطّهارة لأصالة عدم تأثير الملاقاة في الانفعال إلاّ أن أصالة عدم الكرّية قبل الملاقاة لا يترتب عليها أثر شرعيّ وهو تنجس الماء إلاّ من باب إثباتها لوقوع الملاقاة حين القلّة وهو لا يتمّ أيضا إلاّ على القول بالأصول المثبتة وعلى كلّ تقدير فالحكم بالمعارضة لا يتمّ إلاّ على هذا القول (قوله) وإلاّ فالأصل إلخ يعني وإن لم يحرز وقوعها(قوله) من أنّه لو ادعى الجاني إلخ مرجع دعوى الجاني إلى أصالة البراءة عن الضّمان أو إلى عدم تحقّق سببه الّذي هو الموت بالسّراية ومآل دعوى الولي إلى أصالة عدم شربه السّمّ المثبتة للموت بالسّراية الّذي هو سبب الضّمان واللّزوم بينهما اتفاقي لحصرهما السّبب فيهما والحكم بتساوي الاحتمالين مبني على القول بالأصول المثبتة وإلا تعين العمل بالأصل الأوّل وكذا الكلام في الملفوف فإن تمسّك الولي بأصالة بقاء الحياة المثبت للفعل الّذي هو سبب الضّمان لا يتم إلاّ على القول بالأصول المثبتة(قوله) وهو الذي ضعفه إلخ يعني أنّ استصحاب بقاء الحياة هو الّذي ضعفه المحقّق بقوله المتقدّم وفيه احتمال ضعيف واحتمل في محكي المسالك أن يكون المراد الفرق بين أن يكون الملفوف ملفوفا فيما هو في صورة الكفن وبين أن يكون ملفوفا في ثياب الأحياء فيقدم قول الجاني في الأوّل دون الثّاني وهو مبنيّ على العمل بالظّاهر فتأمّل (قوله) والمستفاد من الكلّ إلخ أمّا استفادته من كلام المحقّق فمبني على ظهوره في أنّه لو لا أصالة عدم الضّمان لكان القتل ثابتا بأصالة بقاء الحياة بناء على كون ترجيحه لأصالة عدم الحكم الوضعي لاعتضادها بأصالة البراءة عن الحكم التكليفي أعني وجوب الأداء لا لأجل عدم قوله بالأصول المثبتة فتأمل (قوله) ما ذكره جماعة للمبسوط إلخ قال في الشّرائع لو قطع يدي رجل ورجليه خطاء واختلفا فقال الولي مات بعد الاندمال وقال الجاني مات بالسراية فإن كان الزّمان قصيرا لا يحتمل الاندمال فالقول قول الجاني وإلا إن أمكن اندمال فالقول قول الولي لأن الاحتمالين متكافئان والأصل وجوب الدّيتين انتهى محلّ الحاجة من كلامه (قوله) أو تجد فرقا مع يمينه إلخ يعني مع عدم الفارق قد عملوا باستصحاب الحياة ولم يعملوا باستصحاب البقاء على اللّفّ (قوله) نعم هنا شيء إلخ حاصله أنّ ما تقدم من عدم الاعتداد بالأصول المثبتة إنّما هو فيما كانت الواسطة بين المستصحب والأثر الشّرعي من الأمور العقليّة والعادية واضحة جليه بحيث يعد الأثر الشّرعي من آثار هذه الواسطة دون المستصحب وإلاّ ففيما كانت الواسطة خفية بحيث يعد الأثر من آثار المستصحب بالمسامحة العرفية دون الواسطة كان الاستصحاب حجّة في إثبات الأثر الشّرعي والوجه فيه أن الوجه في عدم حجيّته على الأوّل هو عدم صدق نقض اليقين بالشكّ مع عدم ترتب الأثر على ذيه لفرض كونه مرتبا على الواسطة غير الثابتة بالأصل بعد فرض عدم كونها بنفسها موردا لتنزيل الشّارع حتّى يترتب عليها أثرها بهذا التّنزيل وهذا الوجه غير جار مع خفاء الواسطة وعدّ الأثر من آثار المستصحب بالمسامحة العرفية لوضوح صدق النقض حينئذ عرفا لكونه بمنزلة ما كان الأثر من آثار نفس المستصحب في الواقع (قوله) منها ما إذا استصحب رطوبة إلخ كما في ثوب النجس المنشور على الأرض الطّاهرة(قوله) فإن مجرّد عدم الهلال إلخ حاصله أنّ المستصحب في المقام إمّا هو عدم انقضاء شهر رمضان أو عدم دخول هلال شوّال ويلزمه كون يوم الشكّ من آخر شهر رمضان آخرا له وغده أولا لشهر شوّال لأجل العلم الإجمالي بأنّ آخر شهر رمضان إمّا هذا اليوم أو اليوم الّذي قبله إلاّ أنّ أهل العرف يزعمون ترتب أحكام أوّل شوّال على زمان لم يسبق مثله وأحكام آخر شهر رمضان على زمان متّصل بزمان حكم بكونه أوّل الشّهر الآخر وبأصالة عدم الانقضاء أو الدّخول يصدق أنّ غد هذا اليوم ممّا لم يسبق مثله وأنّ هذا اليوم متّصل بزمان حكم بكونه أوّل الشّهر الآخر فتأمل فيه فإنّ الأصل على هذا التقدير أيضا لا يخرج من كونه مثبتا(قوله) وربّما يتمسّك في بعض إلخ ظنّي أنّ المتمسّك هو الفاضل الأصبهاني قال في محكي كلامه بعد كلام له في عدم اعتبار الأصول المثبتة وأمّا التّعويل على أصالة عدم حدوث الحائل على البشرة في الحكم بوصول الماء إليها في الوضوء والغسل وعلى أصالة عدم خروج رطوبة توجد كالوذي بعد البول في إزالة عينه بالصّب مع كون الأصل في المقامين مثبتا لأمر عاديّ فليس لأدلّة الاستصحاب بل لقضاء السيرة والحرج به مضافا في الأخير إلى إطلاق الأخبار الدّالة على كفاية الصّب مطلقا انتهى وأقول تحقيق المقام

٥٠٩

أنّ الشكّ قد يقع في وجود الحائل على البشرة وأخرى في حيلولة الموجود كالخاتم على الإصبع في الوضوء والغسل وعلى التقديرين إمّا أن يقع الشكّ في أثناء العمل أو بعد الفراغ منه فالصّور أربع والمستدل بالسّيرة إن أراد التمسّك بها مع الشكّ في الوصف فإن أراد صورة وقوع الشكّ في أثناء العمل ففيه منع تحقق السّيرة فيها على إعمال أصالة عدم الحيلولة بل الظّاهر استمرارها حينئذ على الفحص وتحصيل اليقين بوصول الماء إلى البشرة وإن أراد صورة الشكّ بعد الفراغ من العمل فالسّيرة فيها وإن كانت مستمرّة على عدم الاحتياط إلاّ أنّ ذلك ليس لأجل الأصل المذكور بل لقاعدة الشكّ بعد الفراغ المعتبرة عند المشهور وإن نوقش في جريانها عند تذكر صورة العمل كما سيجيء في محلّه إلاّ أنّه لا يسلّم السّيرة أيضا في صورة التذكر وكذا في غيره من الموارد الّتي وقع الخلاف في جريانها فيها كما سيجيء في محلّه وممّا ذكرناه يظهر ضعف التمسّك بها في صورة الشكّ في وجود الحائل لأنّه إن أراد به صورة وقوع الشكّ في أثناء العمل يرد عليه منع بنائهم فيها على أصالة عدم الحائل مع الشكّ فيه بل المعلوم من حالهم الاحتياط والتفتيش فيها ولو سلم فلعلّه في موارد حصول العلم العادي بعدم وجود الحائل كما هو الغالب وهذا العلم معتبر عندهم وإن أراد صورة الشكّ بعد الفراغ يرد عليه ما عرفت من كون ذلك للشكّ بعد الفراغ لا لأصالة عدم الحائل هذا كلّه هو الوجه في تنظر المصنف ره في المقام ثم إنّه مع تسليم تحقق السّيرة في المقام كان اعتبار الاستصحاب في خصوص هذا المورد من باب بناء العقلاء وتسليم اعتبار الأصل المثبت هنا لا يرد نقضا على القول بعدم اعتباره لابتنائه على القول باعتبار الاستصحاب من باب التعبّد وهذا مبني على اعتباره من باب الظنّ النّوعي وقد تقدّم عدم الإشكال فيه على هذا التقدير وأمّا ما تقدّم من التمسّك بإطلاقات الصب ففيه أنّ هذه الإطلاقات واردة في مقام حكم آخر لا في مقام بيان الإطلاق فلا يجدي التمسّك بها في المقام وقد يبقى في المقام شيء لا بد أن ينبه عليه وهو أنّه قد قيل إنّه اشتهر عدم اعتبار الاستصحاب بالنّسبة إلى اللّوازم بل قد عزي ذلك إلى المشهور وقال الفاضل التّوني في شرائط العمل بأصالة البراءة الأوّل أن لا يكون إعمال الأصل موجبا لثبوت حكم شرعيّ من جهة أخرى مثل أن يقال في أحد الإناءين المشتبهين الأصل عدم وجوب الاجتناب عنه فإنّه يوجب الحكم بوجوب الاجتناب عن الآخر وعدم بلوغ الملاقي للنجاسة كرّا أو عدم تقدّم الكرّية حيث يعلم بحدوثها على ملاقاة النجاسة فإنّ إعمال الأصول يوجب الاجتناب عن الإناء الآخر أو الملاقي أو الماء انتهى وأقول إنّه على تقدير تسليم النسبة المذكورة لا بد من بيان مرادهم من الكلام المذكور فيحتمل أن يكون مرادهم عدم اعتبار الاستصحاب بالنّسبة إلى إثبات اللّوازم العقلية والعادية للمستصحب كما تقدّم تحقيق القول فيه ويحتمل أن يكون مرادهم عدم جريان الاستصحاب في نفس اللّوازم مطلقا وإن كانت شرعية نظرا إلى أنّه مع إجرائه في اللّوازم إمّا أن يراد إجراؤه في الملزوم أيضا أم لا فعلى الأوّل لا معنى لإجرائه في اللوازم أمّا بالنسبة إلى اللّوازم الشرعيّة فلحكومة الأصل في الملزوم عليه في لازمه وكذا بالنّسبة إلى اللّوازم العقلية والعادية الّتي تترتب عليها أحكام شرعيّة إن قلنا باعتبار الأصول المثبتة وإلاّ فلا وجه للمنع بعد فرض كون اللّوازم موردا للأصل فلا بد أن يراد من المنع غير هذه الصّورة وعلى الثاني الأمر أوضح لاشتراط العلم ببقاء الموضوع في جريان الاستصحاب فمع عدم إجرائه في الملزوم لا يتحقق شرط جريانه في اللّوازم ومع جريانه فيه لا يبقى مورد لإجرائه في اللّوازم على ما عرفت ويحتمل أن يكون مرادهم أن شيئا إذا كان لازما لملزومين وعلم قيامه بأحد ملزوميه فإذا شكّ في ارتفاعه بسبب ارتفاع ملزومه الّذي قام به فباستصحابه لا يحكم بقيامه مع ملزومه الآخر كعدم التذكية الملازمة للحياة والموت بحتف الأنف فعند الشكّ فيها كما في الجلد أو اللّحم المطروح المحتمل كونه مذكى فاستصحاب عدمها لا يثبت قيامه بالموت بحتف الأنف قال في الوافية ردّا على المشهور في تمسّكهم في نجاسة الجلد المطروح باستصحاب عدم التّذكية إنّ عدم المذبوحيّة لازم لأمرين الحياة والموت حتف الأنف والموجب للنجاسة ليس هذا اللاّزم من حيث هو بل ملزومه الثّاني أعني الموت حتف الأنف فعدم المذبوحيّة لازم أعمّ لموجب النجاسة فعدم المذبوحيّة اللاّزم للحياة مغاير لعدم المذبوحيّة العارض للموت حتف الأنف والمعلوم ثبوته في الزّمان السّابق هو الأوّل لا الثّاني وظاهر أنّه غير باق في الزّمان الثّاني ففي الحقيقة يخرج مثل هذه الصّورة عن الاستصحاب إذ شرطه بقاء الموضوع وعدمه هنا معلوم وقال ليس مثل التمسّك بهذا الاستصحاب إلا مثل من تمسّك على وجود عمرو في الدّار باستصحاب بقاء الضاحك المتحقق بوجود زيد في الدّار في الوقت الأوّل وفساده غنيّ عن البيان انتهى ويظهر الكلام في ذلك ممّا علقناه على التنبيه الأوّل فراجع ولاحظ (قوله) لا فرق في المستصحب إلخ لا يخفى أنّ عمدة أقسام هذا الاستصحاب ما أشار إليه المصنف رحمه‌الله وأمّا سائر الأقسام المتصوّرة فيه مثل اتحاد زمان الشكّ والمشكوك فيه وتقدم زمان الشكّ عليه وتأخره عنه وعلى التقادير كونه حكميّا كما لو شكّ بعد ذهاب ثلث اللّيل أو في أوّل المغرب أو بعد الفجر في أنّ وقت العشاء إلى ثلث اللّيل أو إلى نصفه أو إلى الفجر وموضوعيّا كما لو شكّ قبل الظهر أو في حينه أو بعده في حدوث موت زيد في أوّل الظّهر أو تقدّمه عليه وعلى الثّاني كونه صرفا أو مستنبطا وعلى التقادير كون المستصحب وجوديّا أو عدميّا وعلى التقادير أصليا أو فرعيّا إلى غير ذلك فلا يؤثر اختلاف هذه الأقسام في اختلاف حكم المسألة وهو واضح (قوله) وهذا هو الّذي يعبر عنه إلخ لأنّ هذا الأصل وإن تركب من عقدي إيجاب وسلب وهما عدم حدوث الحادث إلى زمان العلم بوجوده المطلق وتأخر حدوثه إلى هذا الزمان فيما لوحظ تأخر الحادث بالقياس إلى ما قبله من أجزاء الزّمان وعدم حدوث أحد الحادثين قبل حدوث الآخر وتأخر حدوث أحدهما عن حدوث الآخر فيما لوحظ تأخّر حدوث الحادث بالقياس إلى حادث آخر إلاّ أنّ المقصود الأصلي من إعمال هذا الأصل لما كان إثبات صفة التّأخر سموه بأصالة تأخر الحادث (قوله) إنّ تأخّر الحادث قد يلاحظ إلخ توضيحه أنّه قد يعلم وجود حادث في زمان معيّن كموت زيد يوم الجمعة ويشكّ في مبدإ زمان حدوثه وأنّه يوم الجمعة أو الخميس ولكن حصل القطع بأنّه على تقدير حدوثه يوم الخميس فهو مستمرّ إلى يوم الجمعة وقد يعلم حدوثه في أحد الزّمانين وانعدامه بعد حدوثه فيساوق حدوثه وجوده كمثال الكرّ الّذي مثل به المصنف رحمه‌الله وعلى الأوّل إمّا يراد ترتيب آثار الحدوث المطلق أعني الحدوث في أحد الزّمانين في الجملة أو آثار عدم الحدوث إلى زمان اليقين بوجوده المطلق أو آثار الحدوث الخاص أعني الحدوث

٥١٠

في زمان اليقين والأوّل يقيني فلا مسرح للأصل فيه والثّاني ممّا لا إشكال في ثبوته والثّالث هو محلّ الخلاف في ثبوت صفة التأخّر بالأصل وعدمه والحق وفاقا للمصنف ره هو الثّاني لأنّ صفة التأخّر ممّا لا يعقل تقدّمها على زمان اليقين بالوجوب المطلق حتى يستصحب بقاؤها فلا مسرح له في إثباتها إلاّ على التوجيه الّذي ذكره المصنف رحمه‌الله من أنّ حدوث الشّيء عبارة عن وجوده المطلق في زمان منضما إلى عدمه فيما قبل ذلك فإذا ثبت عدمه قبله بالأصل وانضمّ ذلك إلى وجوده المطلق في زمان اليقين تحقق مفهوم الحدوث كما تقدّم في الأمر السّابق من استصحاب حياة المورث في حال إسلام الوارث بناء على كون ذلك سببا للإرث لا موت المورث عن وارث مسلم وعلى الثّاني إمّا يراد ترتيب آثار الحدوث المطلق المساوق للوجود المطلق في محل الفرض وإمّا آثار عدم حدوثه إلي الزّمان الثّاني وإمّا آثار الوجود الخاصّ المساوق للحدوث الخاصّ أعني الوجود في خصوص الزّمان الثّاني والأوّل لا مسرح للأصل فيه للقطع به بالفرض وكذا الثّالث لفرض تساوق الوجود الخاص للحدوث الخاص الّذي لا مسرح للأصل في إثباته لتوقفه على إثبات صفة التأخر الّتي لا يثبتها الأصل إلاّ على القول بالأصول المثبتة وأمّا الثّاني فلا إشكال في ثبوته بالأصل وهو واضح (قوله) فإن جهل تاريخهما إلخ لا يخفى أنّه مع الجهل بالتاريخ إمّا أن يراد استصحاب عدم كل منهما إلى زمان العلم بوجوده وإمّا استصحاب عدم كل منهما في زمان حدوث الآخر وعلى الأوّل إمّا أن يراد إثبات مجرّد عدم كل منهما إلى زمان العلم بوجوده أو إثبات تقارن وجودهما وعلى الثّاني أيضا إمّا أن يراد مجرّد إثبات عدم كلّ منهما في زمان حدوث الآخر أو إثبات تأخره عنه أمّا الأوّل فلا إشكال في جريان أصالة عدم كلّ منهما إلى زمان العلم بوجوده وترتيب آثار العدم عليه إلاّ أن يكون أثرهما متضادين أو متناقضين فيحكم بالتساقط حينئذ كما إذا علم بحصول الطّهارة والحدث وشكّ في المتقدم منهما فلا يمكن ترتيب أثر عدم كلّ منهما في زمان الشكّ وأمّا الثّاني ففيه وجهان كما ذكره المصنف رحمه‌الله فإن قلت إنّ ما ذكر في وجه ثبوت آثار التقارن بالأصل من خفاء الواسطة حتّى يتوهم أنّ المقارنة عبارة عن عدم تقدم أحدهما على الآخر ضعيف لأنّه بعد تعارض أصالة عدم تقدّم هذا وعدم تقدّم ذاك وتساقطهما لا يمكن إثبات آثار التقارن بهما قلت إن تساقطهما إنّما هو بالنسبة إلى إثبات آثار خصوص عدم تقدّم كلّ منهما على الآخر لا بالنّسبة إلى آثار التقارن لسلامتهما بالنّسبة إليها عن المعارض نعم إنّ الحكم بالتقارن إنّما هو في مقام يتصوّر فيه التّقارن وإلاّ يحكم بتساقطهما كما عرفته من مثال الطهارة والحدث وأمّا الثالث فحكمه كما ذكره المصنف رحمه‌الله هو التساقط إلا أن لا يترتب على خصوص أحد المستصحبين أثر شرعي لما تقرر في محلّه من عدم جريان الأصل فيما لا أثر شرعيّ له لأن دليله حرمة النقض ولا يتحقق النقض فيما لا يترتب عليه أثر شرعيّ وأمّا الرّابع فالأصل فيه غير جار إلاّ على القول بالأصول المثبتة ومع تسليمه فهو معارض بمثله وهذا إن أريد إثبات صفة التأخّر باستصحاب عدم أحدهما في زمان حدوث الآخر وإن أريد استصحاب صفة المتأخّر فهو غير معقول كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله وممّا قرّرناه قد ظهر أنّ صفة التقارن من لوازم أصالة عدم كل منهما إلى زمان العلم بوجودهما كما ذكرناه وإن شئت قلت إنّها من لوازم أصالة عدم كلّ منهما قبل وجود الآخر كما ذكره المصنف رحمه‌الله ومرجعهما إلى أمر واحد وصفة التأخّر من آثار عدم كلّ منهما في زمان حدوث الآخر على ما عرفت (قوله) فإذا علم تاريخ ملاقاة إلخ تحقيق الحال في هذا المثال أعني كرّا تدريجي الحصول وغسل فيها ثوب وشكّ في تقدّم الكرية أو ملاقاة الثّوب أن يقال إن تاريخ كل من الكرية والملاقاة تارة يكون مجهولا وأخرى يكون تاريخ أحدهما معلوما والآخر مجهولا فإن جهل تاريخهما فلا ينبغي التأمّل في عدم جواز الحكم بتأخّر أحدهما عن الآخر لعدم ثبوت وصف التّأخّر بالأصل مضافا إلى معارضته بالمثل وأمّا أصالة التأخّر بمعنى عدم أحدهما في زمان حدوث الآخر فهي أيضا معارضة بالمثل وحكمه التساقط نعم على القول بالأصول المثبتة أمكن إثبات التّقارن بأصالة عدم كلّ منهما قبل الآخر فتثبت نجاسة الماء وأمّا على المختار من عدم اعتبارها فالثوب المغسول بالماء المفروض لا إشكال في بقائه على النجاسة للأصل من دون معارضته بمثله أو حاكم عليه وأمّا الماء فالحكم بنجاسته وعدمها مبنيّان على كون الكرية عاصمة ومانعة من الانفعال أو القلّة شرطا في الانفعال فعلى الأوّل يحكم بالنجاسة لثبوت المقتضي للانفعال وهي الملاقاة والشكّ في المانع المدفوع بالأصل حين تحقق المقتضي كما هو مختار جماعة وعلى الثّاني يحكم بالطّهارة لأصالة عدم شرط الانفعال حين وجود المقتضي كما اختاره غير واحد والحقّ أنّ الكرّية وإن كانت عاصمة ومقتضى أصالة عدمها هو الحكم بالنجاسة إلا أنّ الحكم بها هنا مشكل أمّا كونها عاصمة لا أن تكون القلّة شرطا كما زعمه بعضهم فلأنّ العنوان في الأخبار هي الكرّية دون القلّة مثل قوله عليه‌السلام الماء إذا بلغ قدر كر لم ينجسه شيء أو لم يحمل خبثا وأمّا وجه الإشكال فلأنّه إن أريد بأصالة عدم الكرّية عدم كرية هذا الماء الموجود المفروض كونه في الحال كرّا فلا ريب أنّ هذا الماء لم يكن في السّابق غير كرّ حتّى يستصحب عدمها وإن أريد بها عدم تحقق الكرّية في هذا المحلّ حين الملاقاة فلا شكّ أنّ أصالة عدم الكرّية المطلقة لا يثبت عدم كرية الموجود إلاّ على القول بالأصول المثبتة من باب تطبيق الكلّي على أفراده باستصحاب بقائه فالأولى هو الحكم بالطهارة لقاعدتها اللهمّ إلاّ أن يختار الشقّ الأوّل ويتسامح في موضوع الاستصحاب كما في موارد الشكّ في البقاء على الكرّية كما إذا أخذ من الكرّ مقدار يشك معه في بقائه على الكرّية ولكنه فيما نحن فيه يختص بموارد يتسامح فيها عرفا فتدبّر وإن علم تاريخ الملاقاة دون الكرّية يحكم فيه بنجاسة الماء لأصالة عدم تحقّق الكرّية حين الملاقاة وكذا بنجاسة الثوب النجس المغسول به لاستصحاب نجاسته ولكنّك قد عرفت حال استصحاب عدم الكرّية فالحقّ هنا أيضا الحكم بالطهارة في موارد عدم التسامح في موضوع الاستصحاب وإن علم تاريخ الكرية دون الملاقاة فإن قلنا باعتبار الأصول المثبتة يتجه الحكم بطهارة كلّ من الماء والثّوب لثبوت تأخر الملاقاة عن الكرية بأصالة عدمها حين حدوث الكرّية وإن لم نقل باعتبارها فالمتجه هو الحكم بطهارة الماء لأصالة عدم الملاقاة إلى زمان حدوث الكرّية اللهمّ إلاّ أن يقال بجريان الإشكال الوارد على أصالة عدم الكرّية كما عرفته في الصّورة الأولى هنا أيضا فالمتعين حينئذ هو التمسّك بقاعدة الطهارة وأمّا الثّوب المغسول فيه فيحكم بنجاسته لأصالة بقاء نجاسته وقد تحقق ممّا ذكرناه أن الأقرب هو الحكم بطهارة الماء ونجاسة الثوب مطلقا سواء جهل تاريخهما أو تاريخ

٥١١

أحدهما إلا في موارد ثبوت التسامح في موضوع أصالة عدم الكرّية فيحكم بنجاسة الماء أيضا حينئذ في صورة الجهل بتاريخهما أو تاريخ الكرّية(قوله) وربّما يتوهّم جريان إلخ فيكون صورة العلم بتاريخ أحدهما في حكم صورة الجهل بتاريخهما في تعارض الأصل من الجانبين (قوله) وهو ظاهر المشهور إلخ عذرهم في ذلك واضح لما صرّح به المصنف رحمه‌الله في غير موضع من كلامه من كون اعتبار الاستصحاب عندهم من باب الظنّ وبناء العقلاء ولذا لم يتمسّك أحد منهم فيه بالأخبار إلى زمان والد شيخنا البهائي قدس‌سرهما وقد صرّح في التنبيه السّابق بأن المتجه على هذا القول هو القول بالأصول المثبتة(قوله) وأحالوا صورة العلم إلخ فيه ما لا يخفى من البعد لأن جعل المقام من قبيل الأظهر والظاهر إنّما يتم في كلام متكلم واحد أو متكلمين فصاعدا في حكم متكلم واحد مع الالتفات حين بيان كلامه المطلق إلى كلامه الآخر المقيّد والتزامه في المقام بعيد فحمل كلماتهم على الاضطراب كما صنعه في آخر كلامه أولى من هذا الجمع (قوله) والعلاّمة الطباطبائي إلخ قال في المنظومة فإن يكن يعلم كلا منهما مشتبها عليه ما تقدّما فهو على الأظهر مثل المحدث إلا إذ اعتن وقت الحدث ومن التفصيل بين الجهل بتاريخهما والعلم بتاريخ أحدهما يظهر معنى بيت آخر له قبل التبيين وإن كان هو في صورة الإلغاز والتعمية وهو قوله والشكّ في جفاف مجموع الندى يلغى إذا ما الوقت في الفعل بدا وقد أوضحنا الكلام فيه فيما علقناه على شرائط العمل بأصالة البراءة فراجع (قوله) تبعا لبعض الأساطين إلخ المراد ببعض الأساطين هو السّيّد السّند صاحب مفتاح الكرامة قال في ذيل كلام محكي عنه في باب الرّهن ما لفظه نعم بقي شيء أشار إليه في الدّروس والحواشي وتبعه عليه غيره وهو أنّ كلام الأصحاب يتم فيما أطلق الدّعويان ولم يعينا وقتا للبيع أو الرّجوع وأمّا إذا عيّنا وقتا واختلفا في الآخر فلا يتم لأنّهما إذا اتّفقا على وقوع البيع يوم الجمعة مثلا واختلفا في تقدّم الرّجوع عليه وعدمه فالأصل التّأخر وعدم التقدّم فيكون القول قول الرّاهن وينعكس الحكم لو اتّفقا على تعيين وقت الرّجوع واختلفا في تقدّم البيع عليه وعدمه وهذه مسألة تأخر مجهول التّاريخ عن معلومه وقد حققنا الكلام فيها في مقام آخر ولعلّ إطلاق الأصحاب هنا وفي مسألة الجمعتين ومسألة من اشتبه موتهم في التقدّم والتّأخّر ومسألة تيقن الطّهارة والحدث وغيرها شاهد على أنّ أصالة التأخّر إنّما تقضي بالتأخّر على الإطلاق لا التّأخر عن الآخر ومسبوقيته به إذ وصف السّبق حادث والأصل عدمه فيرجع ذلك إلى الأصول المثبتة وهي منتفية فأصالة الرّهن هنا حينئذ بحالها إلا أنّ الإنصاف عدم خلو ذلك عن البحث والنّظر خصوصا في المقام انتهى والإنصاف أنّ ظاهر كلامه دعوى عدم إثبات الأصل لوصف التّأخّر لا أنّه لا يترتب عليه أثر أصلا واستشهاده بإطلاق كلمات العلماء أيضا لذلك وحاصله أنّهم قد أطلقوا القول في الموارد المذكورة بعدم إثبات الأصل لوصف التأخر من دون تفصيل بين الجهل بتاريخهما والجهل بتاريخ أحدهما فهو شاهد لعدم إثبات الأصل ذلك عندهم حتّى عند العلم بتاريخ أحدهما كيف لا وهو قد سلّم إثبات الأصل للتّأخّر على الإطلاق وحاصله تسليم إثبات الأصل لعدم مجهول التاريخ إلى زمان اليقين بالآخر وإن لم يثبت تأخّره عنه وهذا بعينه هو التّفصيل المختار عند المصنف ره (قوله) من عدم ترتيب إلخ لا منع الجريان رأسا(قوله) عدم ذلك الحادث إلخ كموت الولد في المثال وضدّه حياته (قوله) كان حكمه إلخ يعني كان حكم الحادثين الذين علم بحدوثهما وشكّ في المتأخّر منهما حكم أحد حادثين علم إجمالا بحدوث أحدهما كما إذا علم إجمالا بحدوث أحدهما كما إذا علم بموت أحد ولم يعلم أنّه زيد أو عمرو فكما أنّ أصالة عدم موت زيد هنا معارضة بأصالة عدم موت عمرو كذلك فيما نحن فيه أصالة عدم أحدهما في زمان الآخر معارضة بمثلها فلا يترتب عليها أثر شرعيّ أصلا(قوله) وقد يسمّى ذلك إلخ في لسان الوحيد البهبهاني وقد يسمّى أيضا بالاستصحاب المعكوس وأصالة التقدّم ولا دليل على اعتبار هذا الأصل بأحد عناوينه الخاصّة لكونه في جانب العكس من الاستصحاب سيّما بعنوانه الأخير لعدم سبق وصف التقدّم في موارد هذا الأصل حتّى يستصحب كيف لا والأصل عدم الحادث المشكوك الوجود في السّابق نعم يعتبر هذا الأصل بمعنى آخر بأن يراد به الظاهر وتشابه الأزمان فيما يعتبر فيه ذلك كما في صورة تعارض العرف واللغة على ما يظهر من محكي جماعة مثل ما لو ثبت للفظ في اللغة معنى وفي العرف العام معنى آخر وحصل الشكّ في مبدإ النقل وأنّه في زمان الشّارع أو بعده فأصالة التّقدّم بالمعنى المذكور تقتضي حصوله في زمانه لغلبة مشابهة زماننا لزمانه ولكن هذا يتم على القول بالظنون المطلقة في مباحث الألفاظ وإلا فمقتضى أصالة العدم عدم حصوله إلى زمان العلم بحصول النقل ولذا اتفقوا في مسألة الحقيقة الشّرعيّة على أنّ الأصل فيها عدم الثبوت كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله في آخر كلامه نعم لا إشكال في اعتباره بمعنى أصالة عدم النقل وتعدد الوضع فيما لو حصل الشكّ في تعدد الموضوع له واتّحاده فيما إذا ثبت في العرف للفظ معنى وشكّ في كونه كذلك قبل ذلك أيضا حتّى يحمل خطابات الشّارع عليه أو كان قبل ذلك حقيقة في معنى آخر قد نقل عنه إلى ما ثبت في عرفنا وذلك مثل صيغة الأمر إذا ثبت كونها حقيقة في الوجوب في عرفنا وشكّ في كونها كذلك في عرف الشّارع بل اللّغة أيضا فيقال مقتضى الأصل كون الصّيغة حقيقة في هذا المعنى العرفي في زمان الشّارع بل اللّغة أيضا وإلاّ لزم تعدّد الوضع له والنّقل والأصل عدمهما وهو إن كان مثبتا إلاّ أنّه لا بأس به في مباحث الألفاظ لكون مبنى اعتباره بناء العقلاء دون الأخبار كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله ومن هذا القبيل أيضا ما لو ثبت في عرفنا للفظ معنى وثبت هذا المعنى في اللغة أيضا لكن شكّ في الموضوع لهذا المعنى في اللّغة وأنّه كان هذا اللّفظ أو كان الموضوع له لفظا آخر حتّى يكون هذا اللّفظ من المستحدثات فبأصالة عدم تعدّد الوضع يثبت أنّ الموضوع للمعنى المذكور في اللّغة كان هذا اللّفظ دون آخر ولا يقدح فيه كونه مثبتا على ما عرفت (قوله) قد تستصحب صحة العبادة إلخ اعلم أنّ الشكّ في صحّة العبادة ينشأ تارة من الشكّ في المانع وجودا أو منعا وأخرى في القاطع كذلك وثالثة في الجزئية ورابعة في الشّرطيّة وخامسة في الرّكنية بعد إحراز الجزئية والأصول الّتي يتمسّك بها في هذه الموارد هي أصالة البراءة وعدم المانعيّة والقاطعيّة والجزئيّة والشّرطيّة وعدم الوجوب والإطلاق واستصحاب

٥١٢

الصّحة وقد تقدّم الكلام في الجميع في مبحث أصالة البراءة إلاّ أنّه أعاد الكلام في الأخير هنا لمناسبة المقام وكثرة دورانها بين أجلّة علمائنا الأعلام بل فيما بين المشهور منهم ثمّ إنّ الشّكّ في الصّحة تارة يحصل قبل الشّروع في العمل وأخرى في أثنائه وثالثة بعد الفراغ ولا مسرح للتمسّك بأدلّة الصّحة في الأوّل إلاّ تعليقا وأمّا الثّاني فجريانها فيه إنّما هو فيما أتى بما يشكّ في مانعيّته أو قاطعيّته غفلة وذهولا أو ترك ما يشكّ في جزئيّته أو شرطيّته كذلك ثم التفت بعد الدّخول في الأجزاء اللاّحقة إلى ما أتى به أو تركه وإلاّ فمع الالتفات ابتداء لو أتى بالأوّل أو ترك الثّاني حصل القطع بفساد عمله لعدم علمه بكونه مأمورا به وإذا قلنا بالصّحة في الأوّل يلحق به الثّاني أيضا لعدم الفاصل بينهما والكلام في كلا القسمين إنّما هو فيما كانت الشبهة حكميّة وإلاّ فمع كونها موضوعيّة بأن يشكّ في الإتيان ببعض الموانع أو القواطع أو في ترك بعض الأجزاء أو الشرائط فأصالة العدم في هذه الصّور حاكمة على أصالة الصّحة فما يظهر من المصنف رحمه‌الله من دخول الشكّ في وجود القاطع في محلّ النّزاع كما يشير إليه قوله فإذا شكّ في شيء من ذلك وجودا أو صفة إلى آخره ليس كما ينبغي أو مبني على الإغماض عن قضية الحكومة وأمّا الثّالث فإن كانت الشّبهة فيه حكميّة وهي إنّما تفرض فيما لو غفل فأتى أو ترك ما يحتمل قدح فعله أو تركه ولم يلتفت إلاّ بعد الفراغ فالحكم بالصّحة هنا وسابقيه مبني على جواز العمل بأصالة الصّحة وإن كانت موضوعية بأن يشكّ بعد الفراغ في الإتيان ببعض الموانع أو ترك بعض الأجزاء والشّرائط فالمتعيّن فيه الحكم بصحة العمل لقاعدة الفراغ وكيف كان فقد ظهر ممّا ذكرناه عدم اختصاص محلّ النّزاع بما كان الشكّ فيه في أثناء العمل كما يظهر من المصنف رحمه‌الله لما عرفت من تأتيه فيما حصل الشّكّ فيه قبل العمل وبعده غاية الأمر أن يكون الاستصحاب على الأوّل تعليقيّا لا تنجيزيّا على ما عرفت نعم على جميع التّقادير المتقدّمة يختص مورد الاستصحاب بصحّة الأجزاء المتقدّمة ولا يمكن استصحاب صحّة مجموع الأجزاء لفرض الشّكّ في صحّة الأجزاء اللاّحقة بعد الإتيان بما يحتمل قدح فعله أو ترك ما يحتمل قدح تركه في صحّة العمل (قوله) فالمراد بها إمّا إلخ فإن قلت إن من معاني الصّحة في العبادات إسقاط الإعادة والقضاء وإنما لم يذكره من معانيها هنا قلت إمّا للإجماع على عدم وجوب إعادة الأجزاء وقضائها من حيث أنفسها وإمّا لأنّ عدم وجوبها لازم عقلي للصّحة بمعنى موافقة الأمر فإذا فرض العلم بتحقّق الصّحة بهذا المعنى حصل العلم بها بالمعنى الأوّل أيضا(قوله) للأمر المتعلّق بها إلخ أعني الأمر المقدمي الناشئ من الأمر بالكلّ (قوله) من أنّه ليس الشكّ إلخ للعلم بالصّحة فيها بكلا معنييها كما تقدّم (قوله) بيانه أنّه قد يكون الشكّ إلخ حاصل الفرق بين المانع والقاطع أنّ المانع ما كان مانعا من تأثير الماهية ولذا كان عدمها بمنزلة الشّرائط بل يعدّ منها مسامحة أو غفلة والقاطع ما كان قاطعا للهيئة الاتّصالية ومانعا من

تأثير الجزء الصّوري دون الماهية من حيث هي وأمّا تمييز مصادقيهما الخارجة فهو موكول على نظر الفقيه وملاحظة الأدلّة(قوله) وهذا الكلام وإن كان قابلا للنقض والإبرام إلخ قد تقدم الكلام في النقض والإبرام وكيفيّة تصحيح الاستصحاب بحسب العرف في مسألة البراءة في مقام بيان زيادة الجزء ولكن نزيد هنا ونقول تقريبا إلى فهم المبتدئ وتوفيرا لحظ المنتهي إن ما يمكن استصحابه هنا أمور أحدها بقاء الأجزاء السّابقة على قابلية اللّحوق وأثر استصحابه عدم وجوب استئنافها وثانيهما الاتصال الملحوظ بين الأجزاء السّابقة واللاّحقة وأثر استصحابه أيضا بقاء الأمر بالإتمام وثالثها عدم قاطعيّة الموجود وأثر استصحابه بقاء الاتصال الملحوظ بين الأجزاء السّابقة واللاّحقة أمّا الأوّل فيرد عليه أنّ عدم وجوب الاستئناف ليس من آثار قابليّة الأجزاء السّابقة للاتصال بل من آثار صحّة تمام العمل ومع التّسليم فلا أقل من كونه من آثار فعلية الاتّصال لا قابليته ومع التّسليم فهو أثر عقلي لا شرعي فاستصحاب القابلية لإثبات عدم وجوب الاستئناف لا يتمّ إلاّ على القول بالأصول المثبتة وأمّا الثّاني فيرد عليه أنّه إن أريد به الاتّصال الموجود بين الأجزاء السّابقة واللاحقة فالشكّ في وجوده لا في بقائه بل القطع حاصل بعدمه لفرض عروض الشك في أثناء العمل وإن أريد به قابلية الأجزاء السّابقة واللاّحقة للاتّصال على تقدير الإتيان باللاحقة يظهر ضعفه أيضا مما ذكرناه وأمّا الثالث فيرد عليه أنه إن أريد باستصحاب عدم قاطعيّة الموجود عدم قاطعيّة هذا الموجود فهو غير مسبوق بحالة العدم وإن أريد عدم تحقق قاطع في هذا المورد فهو لا يثبت عدم كون الموجود قاطعا إلاّ على القول بالأصول المثبتة وسيجيء زيادة توضيح لذلك في الحواشي الآتية ويمكن دفع ما يرد على الأوّل بأن عدم وجوب الاستئناف وإن كان من آثار صحة مجموع العمل أو الاتصال الفعلي في الواقع إلاّ أنّه مرتب في نظر أهل العرف على قابلية الأجزاء السّابقة وصلاحيّتها للاتّصال فتأمل نعم يبقى فيه كونه من اللّوازم العقليّة دون الشرعيّة والثّاني بأن الاتّصال الفعلي بين الأجزاء السّابقة واللاحقة وإن لم يكن موجودا لفرض عدم الإتيان باللاحقة بعد إلاّ أنّ المكلف لما كان عازما بالإتيان بها متّصلة بالسّابقة فهو في نظر أهل العرف كالموجود فعلا وأمّا الثّالث فلا مدفع له (قوله) وربّما يتمسّك في مطلق الشكّ إلخ سواء كان الشكّ في المانع أو القاطع وقد يتمسّك في المقام أيضا بأصالة عدم طرو المبطل وفيه ما لا يخفى ويتوقف بيانه على بيان أقسام الشّكّ في المبطل لأنّ الشّكّ فيه قد يكون في وجوده وأخرى في صفته أعني إبطال الشيء الموجود وعلى الأوّل إمّا أن يكون المبطل وجوديّا كالشّكّ في أثناء الصّلاة في خروج البول منه وأخرى عدميّا مثل الشكّ في ترك الرّكوع وأيضا قد يكون الشّكّ في وجود المبطل ناشئا من الشكّ في أمر خارجي وهو أيضا قد يكون وجوديّا كالبلل المشتبه بين البول وغيره وقد يكون عدميّا كما إذا علم بترك السّجدتين وتردّد بين تركهما من ركعة واحدة وترك كلّ واحدة من ركعة وعلى الثّاني قد يكون الشكّ في الصّفة من جهة الشكّ في الحكم الكلّي للعارض مع تبيّن مفهومه وجوديّا كان مثل التّأمين في أثناء الصّلاة أو عدميّا مثل ترك ردّ السّلام مع الاشتغال بالصّلاة وقد يكون من جهة الشكّ في اندراج الفرد في مفهوم اللّفظ المجمل وجوديّا كان مثل التكفير بناء على إجماله وأنّ المتيقّن منه وضع اليمنى على اليسرى دون العكس فبذلك يحصل الشكّ في صحّة الصّلاة في صورة العكس أو عدميّا مثل ترك الطمأنينة بناء على احتمال ركنيّتها وإجمال لفظ الرّكن ووقوعه في كلام الحكيم فهذه أقسام ثمانية والتمسّك بأصالة العدم إنّما يتمّ

٥١٣

في قسمي الوجودي من الشكّ في تحقق المبطل وأمّا قسمي العدمي منه فلا لأنّ مقتضى الأصل فيهما البطلان وأمّا أقسام الشكّ في الصّفة فهي ليست من موارد هذا الأصل لعدم الحالة السّابقة فيها إن أريد به إثبات عدم مانعية الموجود وإن أريد به إثبات عدم المانع مطلقا في هذا المورد فهو لا يثبت عدم مانعيّة هذا الموجود المشكوك المانعيّة إلاّ على القول بالأصول المثبتة وكيف كان فلا وجه للتمسّك بالأصل على إطلاقه في المقام وقد يتمسّك أيضا بأصالة وجوب الإتمام المفيدة لصحّة العبادة ويظهر ضعفه أيضا ممّا أورده المصنف رحمه‌الله على أصالة حرمة القطع (قوله) في مسألة الشكّ في الشّرطيّة إلخ الأولى أن يقول في مسألة زيادة الجزء عمدا(قوله) بما عداها من العمومات إلخ كإطلاقات الصّلاة ووجه ضعف التمسّك بها أنّها على القول بالصّحيح مجملة وعلى القول بالأعم واردة في مقام بيان أحكام أخر كالتشريع أو بيان الفضيلة أو الخاصيّة أو نحو ذلك (قوله) لا فرق في المستصحب بين أن يكون إلخ توضيح المقام أنّه لا إشكال في أنّه لا فرق في مفاد أدلّة الاستصحاب من العقل والشّرع بين موارد جريانه بعد استجماعه لشرائط جريانه وإنّما الإشكال في تشخيص موارد استجماعه لشرائط جريانه وعدمه فلا فرق في المستصحب بين أن يكون من الموضوعات أو الأحكام وعلى الأوّل بين أن يكون من الموضوعات الخارجة الصّرفة والموضوعات المستنبطة والمراد بالأوّل هو المصاديق الخارجة للمفاهيم الكليّة وبالثّاني نفس مفاهيم الألفاظ ولا اختصاص لها بمثل الصّلاة والصّوم ونحوهما بل هي عامة لجميع المفاهيم سواء كانت شرعيّة أم عرفيّة أم لغويّة فيدخل فيها مفهوم الوجوب والحرمة أيضا ونسبت إلى الاستنباط لمدخليتها في استنباط الأحكام الشّرعيّة الّتي هي إرادة الشّارع وإنشاؤه مثل أنّ إرادته للصّلاة وطلبه لها إنّما يستنبط بواسطة فهم معنى الصّلاة والأمر وهكذا وعلى الثّاني بين أن يكون ممّا كان موضوعه عمل المكلّف وأن يكون ممّا أخذ في موضوعه الاعتقاد كأصول الدّين وعلى الأوّل بين أن يكون ممّا يجب في العمل به الفحص عن الأدلّة كي يختصّ العمل به بالمجتهد كالأصول العملية وأن لا يجب في العمل به ذلك بأن يشترك العمل به بين المجتهد والمقلّد كالفروع وقد أشار المصنف رحمه‌الله إلى تفصيل الكلام فيما أخذ في موضوعه الاعتقاد وبقي الكلام في تحقيق الحال في باقي الأقسام المذكورة فنقول لا إشكال في جريانه في الموضوعات الصّرفة ولا فيما كان موضوعه عمل المكلّف سواء كان من الأصول العمليّة أم الفروع وأمّا الموضوعات المستنبطة فاعلم أن الأصول الّتي يتمسّك بها فيها كثيرة ومرجع جميعها إلى أصلين أحدهما ما تمسّكوا به في مقام تعيين الأوضاع وهي أصالة عدم الوضع والآخر ما تمسّكوا به في مقام تعيين المرادات من الألفاظ وهي أصالة عدم القرينة وإليها ترجع أصالة عدم التقييد أو التّخصيص أو الإضمار ونحوها وأمّا أصالة عدم الوضع فأكثر ما يدور من أقسامها في ألسنة الأصوليّين أربعة وإن كان مرجعها إلى أمر واحد وهي أصالة عدم الوضع وبيانه أن وضع اللّفظ إمّا أن يعلم ويقع الشكّ في تقدّمه وتأخّره وإمّا أن لا يعلم وضعه لمعنى ويقع الشّكّ في وضعه لمعنى آخر والأوّل كالحقائق الشّرعيّة لأنّا قد علمنا وضع الصّلاة والصّوم والحجّ مثلا لحقائق شرعيّة وحصل الشكّ في أن ذلك بوضع الشّارع تعيينا أو تعيّنا أو أنّ الشّارع استعملها في الحقائق المخترعة مجازا ووصلت إلى مرتبة الحقيقة لكثرة الاستعمال ودورانها في لسان المتشرعة فيقولون حينئذ إن الأصل عدم وضع الشّارع فيثبتون به حقيقة المتشرعة وهذا هو المراد بقولهم الأصل تأخر الحادث وإلاّ فوصف التّأخّر لم يكن ثابتا حتّى يستصحب غاية الأمر أن يكون في التعبير به نوع مسامحة والثّاني إمّا أن لا يلزم من فرض ثبوت المعنى المشكوك فيه هجر معنى أصلا وإمّا أن يلزم فيه ذلك والأوّل مثل ما لو ثبت وضع اللفظ لمعنى وشك في وضعه لمعنى آخر بحيث لو ثبت الوضع الآخر كان مشتركا بينهما كما لو ثبت وضع الأمر للوجوب وشكّ في وضعه للنّدب على الوجه المذكور فيقال الأصل عدم الوضع الآخر وهذا ما يقال الأصل عدم تعدد الوضع أو الاشتراك والثّاني أيضا إمّا أن يلزم من فرض ثبوت المعنى المشكوك فيه هجره أو هجر المعنى المعلوم والأوّل مثل ما لو ثبت كون اللفظ حقيقة في العرف في معنى وشكّ في كونه حقيقة في اللغة أيضا في هذا المعنى أو في معنى آخر بحيث لو ثبت كان مهجورا مثل ما لو ثبت كون الأمر حقيقة في العرف في الوجوب وشكّ في كونه لغة أيضا كذلك أو حقيقة في الندب فيقال الأصل عدم وضعه في اللّغة للمعنى الآخر فيثبت به اتحاد العرف واللّغة وهذا ما يقال الأصل عدم النقل وكذا يقال إذا ثبت ذلك عرفا ثبت لغة أيضا بضميمة الأصل والثّاني مثل ما لو ثبت كون اللفظ حقيقة لغة في معنى وشك في وضعه عرفا لمعنى آخر بحيث لو ثبت المعنى العرفي كان اللغوي مهجورا كما في المجاز المشهور فيقال الأصل عدم النقل وعدم وضعه للمعنى العرفي وإذا عرفت هذا فاعلم أن الأصلين المذكورين أعني أصالة عدم الوضع وأصالة عدم القرينة مما لا إشكال كما أنّه لا خلاف في اعتبارهما لبناء العقلاء في محاوراتهم ومخاطباتهم عليهما وربّما يحتج له أيضا بقوله تعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) بتقريب أنّ البناء على العدم في المقامين من لسان القوم والعمدة في المقام أنّ بناء العقلاء على العمل بالأصلين من باب الظنّ النوعي أو التعبد العقلائي أو غيرهما وفيه وجوه أحدها كون بنائهم عليها من باب الظنّ الفعلي لأجل بنائهم عليه في مباحث الألفاظ فيكون اعتبارهما لأجل اندراجهما تحت الظّنون المطلقة ولذا استند الفاضل الأصبهاني في إثبات الحقيقة الشرعيّة إلى شهرة القول بها وثانيها أن يكون لأجل إفادتهما بالخصوص للظنّ الفعلي بالعدم كالظنّ الخبري فيكون لخصوصيّة السّبب مدخل في اعتبار الظنّ الحاصل منه وثالثها أن يكون لأجل إفادتهما الظنّ النّوعي وهو على وجهين أحدهما أن يكون اعتبارهما حينئذ مطلقا والآخر أن يكون مقيّدا بعدم الظنّ بالخلاف ورابعها أن يكون من باب السّببيّة والتعبّد المحض ويأتي فيه أيضا الوجهان المتقدمان وعلى الوجهين إمّا أن يكون تعبّدهم لأجل إحراز المقتضي والشكّ في المانع لأنّ الوضع مقتض للاستعمال في الموضوع له والقرينة مانعة من الحمل عليه فمع الشكّ في وجود القرينة أو كون الموجود قرينة يحمل على المعنى الحقيقي إعمالا للمقتضي ما لم يثبت المانع وهذا الوجه مختصّ بأصالة عدم القرينة لعدم تأتيه في أصالة عدم الوضع لعدم العلم فيه بالمقتضي بالنسبة إلى الوضع المشكوك فيه وإمّا أن يكون من جهة استصحاب العدم أو قاعدة العدم أعني البناء على العدم عند الشكّ في الوجود من دون ملاحظة حالة سابقة

٥١٤

له كما هو المبرهن عليه في كلمات القدماء والوجه أنّ المحتاج إلى العلّة هو الوجود دون العدم فيكفي فيه عدم العلم بعلّة الوجود وفيه نظر لما قررناه في محلّه من احتياج كل من الوجود والعدم إلى العلّة غاية الأمر أن تكون علّة العدم عدم علّة الوجود كما صرّح به المحقّق الطوسي وغيره والّذي يسهّل الخطب أنّه ليس علينا بيان المستند بعد ثبوت بنائهم على العدم عند الشكّ في الوجود وأنا إن لم نقل باعتبار هذه القاعدة في إثبات الشّرعيّات إلاّ أنّ بناءهم على اعتبار الأصلين في مباحث الألفاظ لعلّه مبنيّ عليها وكيف كان فالوجوه المذكورة ترتقي إلى تسعة أقسام والكلّ محتمل لكن الظاهر أنّ بناءهم على اعتبار الأصلين إنّما هو من باب التعبّد المطلق ولذا يتمسّكون بالعمومات والمطلقات مع حصول الظنّ غير المعتبر على خلافها وكذا في باب الأقارير والشهادات والوصايا يؤخذ بظاهر الكلام مطلقا اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ هذا يأتي على الظنّ النّوعي أيضا وربّما يتمسّك في اعتبار الأصلين بالاستصحاب المأخوذ من الأخبار نظرا إلى صدق النقض مع عدم ترتيب ما يترتب على عدم الوضع والقرينة وهو ظاهر الفساد لعدم تماميته إلاّ على القول بالأصول المثبتة لعدم ترتب أثر شرعي على العدمين إلاّ بواسطة أمر عقلي أو عادي أو اتفاقي وهو واضح مع أنا إن قلنا بنهوض الأخبار لإثبات اعتبار الأصول المثبتة فهي لا تنهض لإثبات اعتبار الأصلين على إطلاقهما لأنّا إن قلنا باعتبارها إنّما نقول بها في إثبات اللّوازم العقليّة والعادية دون الأمور المقارنة للمستصحب اتفاقا ودون الملزومات مطلقا والثابت بالأصلين غالبا إن لم نقل دائما من أحد القبيلين لأنّ عدم القرينة من لوازم إرادة المعنى الحقيقي فإثباته بأصالة عدمها من قبيل إثبات الملزوم بإثبات لازمه وكذا إثبات اتحاد الموضوع له بأصالة عدم النقل من قبيل إثبات أحد المتقارنين بإثبات الآخر لعدم تفرع الثابت على المثبت وعدم تقدم أحدهما وتأخر الآخر طبعا ولا وضعا كما هو شأن اللّوازم والملزومات بل هما لازمان ومتفرعان على عدم الوضع لغة لمعنى آخر مغاير للمعنى العرفي فيما علم للفظ معنى عرفي وشك في وضعه لغة لمعنى آخر أيضا وهكذا في سائر المقامات والموارد(قوله) وأمّا الشّرعية الاعتقادية إلخ مثل ما لو وجب الاعتقاد بوجود نبي ثمّ شكّ فيه من جهة الشكّ في نسخ شريعته لظهور شخص آخر مدع للنبوة وما يمكن استصحابه هنا إمّا وجوب الاعتقاد أو نفس الاعتقاد أو وجوب النظر لتحصيل الاعتقاد الّذي كان ثابتا قبل حصوله والأوّل قد أشار المصنف رحمه‌الله إلى ضعفه والثّاني من الأمور الوجدانية الّتي لا مسرح للاستصحاب فيها والثّالث مدفوع بأن الدّليل الّذي أثبت وجوب النّظر في السّابق موجود في اللاّحق أيضا لأنّه من لوازم القول بعدم خلو الزمان من معصوم ولا فرق في مؤداه بين الزّمانين وفذلكة المقام أن كلّ مورد كان المستصحب هو نفس الاعتقاد أو كان الاعتقاد جزءا منه أو موضوعا له أو جزءا من موضوعه لا مسرح للاستصحاب فيه نعم يعتبر في الاستصحاب أن يكون المستصحب متيقّنا بمعنى كون اليقين طريقا إلى إثباته أو إثبات أحكامه لا موضوعا أو جزءا منه فالمستصحب هو ذات المتيقن لا بوصف التيقّن وإلاّ لا يصحّ استصحابه كما عرفت ولا فرق فيما قدّمناه بين الاعتقاد الجزمي والوثوقي والظّني بل ولا يجري الاستصحاب أيضا فيما أخذ الشك والوهم فيه أيضا فالشيء بوصف كونه مشكوكا فيه لا يجري فيه الاستصحاب بعد زوال الشكّ عنه والوجه في الكلّ متحد ومن هنا يظهر عدم الفرق في عدم جريان الاستصحاب في أصول الدين بين القول باعتبار اليقين فيها وبين القول بكفاية الوثوق أو الظنّ فيها على اختلاف الأقوال نعم لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظنّ أمكن الفرق بينها كما يظهر من المصنف ره (قوله) لأنّ الشكّ إنّما ينشأ إلخ حاصله أنّ المستصحب إذا كان من العقائد الثابتة بالعقل أو النّقل القطعي لا يتصوّر فيه الشكّ في بقاء الحكم السّابق بل إمّا أن يحصل العلم بالبقاء أو الارتفاع وإن فرض حصول الشكّ فإنّما هو في ثبوت مثل الحكم السّابق في موضوع آخر وتوضيحه أنّ الشك في بقاء الحكم السّابق إنّما ينشأ من تغير بعض ما يحتمل مدخليته وجودا أو عدما في المستصحب وذلك غير مقصور في الأحكام العقلية كما تقدّم في الأمر الثّالث من أنّ العقل لا يحكم بشيء إلاّ بعد إحراز جميع قيود موضوع حكمه وأن الإجمال لا يتصور في موضوع حكم العقل فلو فرض الشكّ مع انتفاء بعض قيود موضوعه في ثبوت الحكم السّابق فهو شك في ثبوت مثل الحكم السّابق في موضوع آخر لا في بقائه ومثله الكلام في الدّليل النقلي المثبت للحكم وموضوعه مع جميع مشخصاته الّتي لها مدخل في ثبوت الحكم كما هو ظاهر فرض كون النقل قطعيا هكذا قد قرّر توضيح المقام ولكنّك خبير بأنّه خلاف ظاهر عبارة المتن لأن ظاهرها تسليم جواز فرض الإجمال في موضوع حكم العقل بسبب تغير ما يحتمل مدخليته فيه وجودا أو عدما ثم إنّ المناسب كان إدراج البحث عن الاستصحاب في الأصول الاعتقاديّة في الأمر الثّالث لفرض كون المستصحب هنا أيضا عقليّا ثم أيّ وجه في حصر الشكّ في بقاء المستصحب في الشكّ في المقتضي من غير جهة الشكّ في النّسخ أقول يمكن دفع الأوّل بأنّ الأحكام العقليّة على قسمين أحدهما ما استقل العقل بحسن فعل أو قبحه بمجرد ملاحظة عنوانه الخاصّ كحسن الإحسان وقبح العدول وثانيهما ما يستقل به العقل بملاحظة مقدّمات خارجة مثل حكمه فيما نحن فيه بنبوّة موسى وعيسى عليهما‌السلام بعد ملاحظة معجزتهما لأنّ غاية ما يستقل به العقل بعد عدم جريان عادة الله تعالى على إلهام أحكامه على أحد هو وجود نبيّ أو وصيّه في كلّ زمان مبلّغ لأحكامه إلى النّاس لا خصوص كون موسى أو عيسى عليهما‌السلام نبيّا وموضوع البحث في الأمر الثالث هو القسم الأوّل لأنّه هو الذي لا يمكن فرض الإجمال في موضوع حكم العقل فيه وموضوع البحث في هذا الأمر هو القسم الثّاني وهو ممّا يمكن فرض الإجمال في موضوع حكم العقل فيه لأنّ المعجزة لا يلزم أن تكون دالّة على كونه نبيّا على جميع الأمم وفي جميع الأحوال ولا على استمرار نبوّة صاحبها إلى آخر الأبد ما لم يخبر به النّبي بعد ثبوت نبوّته فإذا ثبتت نبوّة شخص بإظهار المعجزة يجوز أن يحصل الشكّ بعد مضي زمان أو تغير حالة في بقاء نبوّته لأجل الشكّ في كون نبوّته مطلقة أو مقيّدة بحالة أو زمان لأجل عدم دلالة المعجزة على استمرار نبوّته وفي جميع الأحوال ومن هنا يندفع الإشكال الثّاني أيضا لما عرفت من تغاير موضوع المسألتين وأمّا الثّالث فيمكن دفعه أيضا بما أشار إليه المصنف رحمه‌الله في تضاعيف ما أورده على الفاضل التّوني من انحصار الشكّ في بقاء الأحكام الكليّة من جهة الشكّ

٥١٥

في الرافع وجودا أو صدقا في الشكّ في النّسخ وعدم إمكان الشكّ في بقائها من جهة الرّافع في غيره فلاحظ ومن هنا يظهر الوجه فيما ادعاه المصنف رحمه‌الله من عدم حصول الظنّ فيما كان دليله العقل أو النّقل القطعي لأنّه مع فرض انحصار مورد الشكّ في بقاء الحكم الكلّي من غير جهة الشكّ في نسخه في الشكّ في المقتضي الرّاجع إلى الشكّ في الموضوع ولو باعتبار الشكّ في بعض قيوده صحت الدعوى المذكورة لأنّ الظّاهر عدم إفادة الاستصحاب للظنّ في غير موارد الشكّ في الرّافع وهذا الوجه محكي عن مجلس بحث المصنف رحمه‌الله ولعلّ الوجه فيه أنّ المحتاج إلى العلّة هو الوجود دون العدم بمعنى كفاية عدم ثبوت علّة الوجود في حصول الظنّ بالعدم وإن كان عدم علّة الوجود علّة العدم كما قرّر في محلّه فمع الشكّ في الرّافع بعد إحراز المقتضي يكفي في الظنّ بعدم الرّافع عدم ثبوت علّة وجود الرّافع وهذا الوجه غير آت في الشكّ في المقتضي ولكن يشكل المقام حينئذ بأنّه لا يفرق في هذا الوجه بينما كان دليل الحكم مع الشكّ في الرّافع نقلا قطعيّا أو ظنيّا اللهمّ إلاّ أن يكون مراده من النّقل القطعي أعم من القطعي بالوجدان وبالشرع فتأمّل فإنّ المقام بعد لم يصف عن شوب إجمال وإشكال والله أعلم (قوله) نعم لو شكّ في نسخه أي في نسخ حكم واحد من الأحكام الاعتقادية وقد يورد عليه بأنّه إذا ثبت حكم اعتقادي بدليل عقلي أو نقلي قطعي فكيف يعقل الفرق بينما كان الشكّ في بقائه من جهة الشكّ في نسخه وغيره حيث منع حصول الظنّ بالبقاء على الثّاني وسلّمه على الأوّل لأنّ المنع إن كان من جهة اعتبار تبين موضوع حكم العقل وكذا الحكم التعبّدي المقطوع به فلا بد من اعتبار تبينه أيضا من حيث وجود ما يقتضي استمرار الحكم فيه وعدمه وإن كان من جهة أخرى فلتبيّن حتّى ينظر فيها ويمكن دفعه بما تقدّم في الحاشية السّابقة نعم لا بدّ من تخصيص الكلام في محتمل النّسخ بما كان أصله ثابتا بالشّرع دون العقل لعدم تأتي احتمال النّسخ في الأحكام العقليّة كما لا يخفى (قوله) لإمكان الاحتياط إلخ سيشير في الجواب الثّاني من الأجوبة الّتي سيذكرها إلى وجه عدم جواز التمسّك بنفي الحرج في العمل بأحكام الشّريعتين (قوله) في مناظرة بعض الفضلاء إلخ قد ذكر بعض مشايخنا أنّه السّيّد حسين القزويني وقيل إنّه السّيّد محسن الكاظمي ولكني قد رأيت رسالة من بعض تلامذة السّيد السّند العلاّمة الطّباطبائي الملقب ببحر العلوم قدس‌سره قد نسب هذه المناظرة فيها إليه وقد وقعت حين سافر من نجف أشرف إلى زيارة جدّه أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام في بلدة معروفة الآن بذي الكفل وهي مجمع اليهود وقد كانت الرّسالة عندي مدّة ثمّ أخذها بعض الطلبة مع عدّة من الرّسائل فذهب بها منذ خمس سنين أو أزيد ولكن ببالي أن الموجود فيها أنّ اليهود الذي ناظره قد عجز في الجواب وكلّ لسانه في الخطاب على عكس ما نقله المحقّق القمي رحمه‌الله من إفحام الفاضل وينبغي أن يكون الأمر كما وصفناه إذ كيف يمكن أن ينسب إليه العجز في مناظرة اليهود وهو مفتاح كنوز الدّلائل وكشّاف رموز المسائل لم تسمح الأيّام بمثله ولم تلد الأعوام بشكله وهو ذو مفاخر وكرامات ومآثر وعلامات قدّس الله روحه وطيّب رمسه وجزاه الله عنّا خير الجزاء ويحتمل في المقام تعدد الواقعة(قوله) إلاّ أن يريد جعل البيّنة إلخ بأن لا يريد الكتابي بقوله إنّ المسلمين قائلون بنبوّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله فنحن وهم متفقون على حقيّة نبوته في أوّل الأمر فعلى المسلمين أن يثبتوا بطلان دينه استصحاب نبوّة موسى أو عيسى عليهما‌السلام وإثبات حقيّة نبوّتهما بمجرّد هذا الاستصحاب بل جعل البيّنة على المسلمين في دعوى الشّريعة النّاسخة إمّا لدفع كلفة الاستدلال عن نفسه لصيرورته حينئذ منكرا باعتراف المسلمين وإمّا لإبطال دعوى المدّعي بالتقريب الّذي ذكره المصنف رحمه‌الله هذا بناء على كون مفهوم المدّعي والمنكر عرفيّا وعدم احتياج النّافي إلى دليل وإلاّ فعلى تقدير تفسير الأوّل بمن كان قوله موافقا للأصل أو احتياج النّافي إلى دليل فصيرورته منكرا فرع صحة التمسّك بالاستصحاب في المقام ولو باعتراف المسلمين وهو خلاف الفرض (قوله) بأسهل الوجهين إلخ لأنّ إثبات الكتابي لحقية دينه إمّا بتكلف إقامة الدّليل وإمّا بجعل البينة على المسلمين والثّاني أسهل من الأوّل (قوله) وسيأتي ما يمكن أن يؤوّل به إلخ سيأتي منّا أيضا وجهان آخران يحتمل كلّ منهما أن يكون مرادا للإمام عليه‌السلام فانتظرهما(قوله) ما ذكره بعض المعاصرين إلخ هو النّراقي (قوله) وفيه أولا ما تقدّم إلخ يعني على مذهب المشهور من اعتبار الاستصحاب مطلقا سواء كان الشكّ في الرّافع أو المقتضي والمحقّق القمي رحمه‌الله أيضا قد ذهب هذا المذهب فيكون هذا الجواب منه منافيا لمختاره ثم إنّ المحقّق المذكور قد ذكر هذا الجواب على تقدير تسليم جريان الاستصحاب في أصول الدين فما ذكره في الحقيقة يرجع إلى جوابين أحدهما منع جريانه في أصول الدّين والآخر ما نقله المصنف رحمه‌الله عنه هنا والوجه في الأوّل أنّ المأخوذ في موضوع الأحكام الاعتقاديّة هو الاعتقاد فلا وجه لاستصحاب حكمه بعد زواله وفيه ما سنشير إليه من أنّ المقصود من استصحاب الشّريعة السّابقة ليس تحصيل الاعتقاد بها حتّى يمنع صحّة استصحاب الحكم المتعلق به بل المقصود هو التديّن بأحكام الشّريعة السّابقة في مقام الشكّ فلا بأس باستصحابها لإثبات ذلك فانتظر لتمام الكلام فيه وأمّا الجواب الثّاني الّذي نقله عنه المصنف رحمه‌الله فتحقيق الكلام فيما أورده المصنف رحمه‌الله عليه أوّلا أنّ ما ذكره من اعتبار استعداد قابليّة المستصحب للبقاء وإن كان لا يخلو في خصوص مسألة النّبوة من وجه لعدم صحّة التمسّك فيها بالأخبار لفرض الشكّ في حقيّة الشريعة السّابقة واللاّحقة وبناء العقلاء أيضا لم يثبت على أزيد ممّا ذكره إلاّ أنّه قد فرّع إبطال مناظرة اليهود وإبطال ما تمسّك به من الاستصحاب على ما حققه في جواز التمسّك بالاستصحاب مطلقا وحينئذ نقول إنّ اشتراط الاستعداد للبقاء إن كان مستفادا من الأخبار فقد تقدّم في محلّه أنّها أعمّ من ذلك وإن كان مستفادا من بناء العقلاء ففيه أنّ مقتضى ما ذكره من اشتراط استعداد المستصحب للبقاء هو التفصيل بين الشكّ في الرّافع والمقتضي لا القول باعتبار الاستصحاب مطلقا كما اختاره مضافا إلى منع نهوض الأدلّة الاعتباريّة لإثبات اعتباره كما تقدّم في محلّه (قوله) إنّ ما ذكره من الإطلاق إلخ توضيح المقام أنّ النبوّة المطلقة تارة يطلق ويراد بها النبوّة الّتي ثبتت على الإطلاق الرّاجع إلى العموم ولو بحسب الأحوال وأخرى يراد بهما النبوة في الجملة أعني ما لم يثبت له قيد وهي شاملة للمقيدة بالأبد وإليها يرجع الإطلاق الأوّل وللمقيدة بمدة معيّنة فالأولى قسم من الثانية و

٥١٦

وليست بكلي والكلي هي النبوّة بالإطلاق الثّاني وهي أعني النبوّة في الجملة ومطلق النبوّة مترادفتان فما ذكره المحقّق القمي رحمه‌الله من أنّ المطلقة في حكم المقيّدة وأن النبوّة في الجملة كلي له أفراد ثلاثة النبوة المستدامة والمقيدة بمدة معيّنة وغير المقيدة بأحد القيدين وكذا ما ذكره من التفصيل من تسليم جريان الاستصحاب في الأخيرة أعني المطلقة دون المقيدة بمدة معيّنة أو بالاستدامة ودون النّبوّة في الجملة الّتي هي في معنى مطلق النبوة ضعيف أمّا الأوّل فإنّه إنّما يتم على الإطلاق الأوّل دون الثّاني فلا وجه لإطلاق كونها في معنى المقيدة وأمّا الثّاني فإن النبوّة غير المقيّدة أعني النبوّة المطلقة الّتي جعلها فردا ثالثا للنبوّة في الجملة إن أخذت بالإطلاق الأوّل فهي راجعة إلى المستدامة فليست فردا آخر من الكلّي في عرضها وإن أخذت بالإطلاق الثّاني فهي في معنى النبوّة في الجملة وهي ومطلق النبوّة مترادفتان وبالجملة إنّ هنا كليّا وهو النبوّة في الجملة ومطلق النبوّة وله فردان في الواقع أعني المستدامة والمقيدة بمدة معيّنة والنبوّة المطلقة ليست فردا ثالثا منه في عرضهما وأمّا الثّالث فلما عرفت من أنّ المطلقة إمّا راجعة إلى المستدامة أو هي في معنى النبوّة في الجملة ومطلق النبوّة والفرض عدم جريان الاستصحاب في شيء منهما اللهمّ إلاّ أن يفرق بين المطلقة ومطلق النبوّة بقرينة ما ذكره بعد ذلك من أن المراد من مطلقات كلّ شريعة بحكم الاستقراء الدّوام والاستمرار إلى أن يثبت الرّافع بأن المطلق في حكم الاستمرار فالشكّ فيه شكّ في الرّافع بخلاف مطلق النبوّة فإن استعداده غير محرز عند الشكّ فهو من قبيل الحيوان المردد بين مختلفي الاستعداد وأنت خبير بما فيه من الضّعف كما يظهر وجهه ممّا أورد عليه ثالثا فتدبّر ثم إنّه أورد عليه في الفصول أيضا بأن منع حجيّة الاستصحاب في إبقاء الشريعة الّتي لم يعلم نسخها وارتفاعها كما يرشد إليه قوله بعد فرض تسليم إلى آخره غير سديد لأنّ شرائع الأنبياء السّلف وإن لم تثبت على سبيل الاستمرار لكنّها لم تكن في الظّاهر محدودة بزمن معيّن بل بمجيء النّبي اللاّحق ولا ريب أنّها حينئذ تستصحب ما لم تثبت نبوّة اللاّحق ولو لا ذلك لاختل على الأمم السّابقة نظام شرائعهم من حيث تجويزهم في كل عهد وآن ظهور نبيّ ولو في الأماكن البعيدة ونسخه لشريعتهم فلا يستقرّ لهم البناء على شيء من أحكامها ودعوى أنّ شرائعهم كانت محدودة في الظاهر بغاية زمانية معلومة بحيث يمتنع توجّه النّسخ إليها في تلك المدّة وكان الكلّ عالمين بذلك مجازفة بيّنة ومكابرة واضحة وهذا عين ألفاظه وأورد عليه شريف العلماء أيضا بأنّ ظاهر كلامه التفرقة بين النبوّة في الجملة فلا يجري الاستصحاب وبين النبوّة المطلقة فيجري وهو ممّا لم يقل به أحد إذ المدار في قابلية الاستعداد في المستصحب حيث تعتبر في جريانه هو قابليته لذلك بحسب نفس الأمر وفي الخارج لا بحسب دلالة الأدلّة على الاستمرار وعدم دلالتها فإذا كانت النبوّة قابلة للاستمرار في الخارج تستصحب عند الشكّ في بقائها مطلقا سواء كان الدّليل على ثبوتها مطلقا أو كانت دلالتها في الجملة وأقول توضيح ما رامه بهذا الإيراد أنّ الدّليل الدّالّ على حكم إمّا أن يكون موضوعه مقيّدا أو مطلقا وعلى الأوّل إمّا أن يكون دالاّ على ثبوت الحكم في محلّ القيد وعدم ثبوته في غيره كما إذا قيل الماء المتغير ينجس بالملاقاة بناء على مفهوم الصّفة وإمّا أن يكون الحكم في غير محلّ القيد مسكوتا عنه كالمثال بناء على عدم اعتبار مفهومها وعلى الثّاني إمّا أن يكون جميع الأفراد متساوية الاندراج تحت الإطلاق أو مختلفة بأن كان المطلق من قبيل المشكّك وعلى الثّاني إمّا أن يظهر بعد التّأمّل شموله لجميع الأفراد بأن كان الشكّ بدويّا وإمّا أن يظهر عدم شموله لبعض الأفراد وإمّا أن لا يظهر شموله لبعضها حتّى بعد التّأمّل والتدبّر فيه أيضا بأن كان التشكيك مضرّا إجماليّا وإمّا أن يكون موضوع الحكم مردّدا بين الإهمال وغيره أو بين الإطلاق وغيره بأن لم تظهر كيفيّة صدور اللفظ من المتكلّم هل هو على وجه الإهمال أعني ما كان من قبيل المضرّ الإجمالي أم غيره أو على وجه الإطلاق أو غيره فالأقسام ترتقي إلى ثمانية لكن صورة الشكّ البدويّ تندرج تحت صورة الإطلاق لفرض شمول اللّفظ لجميع الأفراد ولو بعد التّأمّل وأمّا صورة ظهور عدم شموله لبعضها فهي مندرجة تحت الصّورة الأولى من المقيد أعني ذا المفهوم منه فتبقى ستة أقسام ويمكن إجراء جميعها في مسألة النبوّة بأن يقال إنّ الدليل الدّالّ عليها إمّا مقيّد بزمان مجيء نبي آخر أو مطلق إلى آخر ما ذكرناه ومقتضى ظاهر كلام المحقّق القمي رحمه‌الله عدم جريان الاستصحاب إلاّ في قسم واحد منها أعني صورة إهمال الدّليل بأن كان من قبيل المضرّ الإجمالي الّذي لم يظهر شموله لبعض الأفراد ولا تقيّده بعدمه وأمّا باقي الأقسام فلا مسرح للاستصحاب فيها إمّا لوجود إطلاق الدّليل كما في بعضها وإمّا لتقيده كما في بعض آخر وإمّا لكون دلالته في الجملة كما في القسمين الأخيرين ووجه الاعتراض عليه أنّ المدار في جريان الاستصحاب على قابليّة المستصحب للبقاء والاستمرار بحسب الواقع وظرف الخارج لا بحسب اقتضاء ظاهر الأدلة فإذا كانت النبوّة قابلة للبقاء فلا يفرق فيها بين كون دليلها مهملا وكونه دالاّ في الجملة نعم لا يجري مع إطلاق دليلها أو تقيده نظرا إلى إطلاقه أو تقيده لعدم جريانه مع وجود الدّليل الاجتهادي في مورده هذا ويرد عليه أنّ المدار في جريان الاستصحاب وإن كانت قابلية المستصحب للبقاء والاستمرار في الخارج إن قلنا باعتبار ذلك في جريانه إلاّ أنّ الكاشف عنه هو الدّليل الدّال عليه لأن قابليّة الاستمرار وعدمها في مسألة النبوّة إنّما هي بحسب جعل الشّارع وإرادته نظير سائر الأحكام الشّرعيّة فربّما يعتبرها إلى زمان معيّن فلا تستعد للبقاء بعده فلا بد من ملاحظة الدّليل المثبت لها على نحو ما فصّله المحقّق القمي ره ومجرّد الصّلاحيّة للبقاء ولو بعد جعل الشّارع غير كاف في المقام كما هو واضح (قوله) وثالثا أنّ ما ذكره منقوض إلخ من اشتراط تعيّن المستصحب حتّى يجري الاستصحاب على مقدار استعداده وتوضيح النقض أن الأحكام الشّرعية فيما لم يعلم تقيّده بغاية معينة ولا إلى آخر الأبد كليات قابلة للبقاء إلى آخر الأبد وللبقاء إلى زمان معيّن ولأن لا تكون مقيّدة بأحد القيدين نظير ما ذكره في منع جريان استصحاب الشّريعة السّابقة (قوله) إنّما يرتفع بتمام استعداده إلخ فيكون الشكّ في ارتفاعه من حيث المقتضي لا الرّافع فلا يتم الجواب عن النقض المذكور(قوله) بأنّ غالب النبوات إلخ أورد عليه في الفصول بأنّ ما ذكره من أنّ نبوّة الأنبياء السّلف كانت محدودة فإن أريد التحديد بأمر غير معيّن كمجيء نبيّ آخر فهذا لا يقدح في صحّة الاستصحاب حيث يشكّ في مجيئه وإن أراد التحديد بزمن

٥١٧

معين فإن أراد ذلك بحسب الواقع فلا يجديه بعد تسليم إبرازها ببيان لا يشتمل عليه وإن أراد ذلك بحسب الظّاهر فهذه الدّعوى على إطلاقها ممّا لا يمكن الالتزام بها إذا لم نقف إلى الآن ما يدلّ عليها بل قد عرفت ما يدل على خلافها انتهى (قوله) فلأن نسخ أكثر إلخ أنت خبير بأنّ هذا وإن كان متجه الورود على ما أجاب به المحقّق القمي رحمه‌الله إلاّ أنّه لا يصح الاعتراض الّذي أورده على نفسه لأن ظهور أدلّة النبوات في أنفسها أو بمعونة الاستقراء في الاستمرار والدّوام لا يجدي في إلحاق المشكوك فيه بالأعم الأغلب بعد ظهور عدم استمرار أغلبها في الواقع ولعلّ مراد المصنف رحمه‌الله أيضا دفع الجواب لا تصحيح الاعتراض (قوله) وأمّا ثانيا فلأن غلبة إلخ حاصله أن دعوى الغلبة إنّما تتم فيما كان هنا أفراد غالبة وفرد نادر وفرد ثالث مشكوك اللّحوق بالغالب أو النّادر وما نحن فيه ليس كذلك إذ المفروض فيه أنّ هنا في الواقع أفرادا غالبة وهي النبوات المحدودة وفردا نادرا وهي النبوّة المستمرّة ووقعت الشبهة في أنّ نبوّة موسى أو عيسى عليهما‌السلام هو الفرد النادر بالخصوص أو هي من الأفراد الغالبة والنادر غيرها ولا ريب أن غلبة التحديد في النبوات لا يثبت أنّ المشكوك فيها من الغالبة وأنّ الفرد النادر غيرها ثمّ لا يخفى أنّ المحقّق القمي رحمه‌الله لو قنع بمجرد منع تحقّق الغلبة في ظهور أدلّة النبوات في الاستمرار من دون دعوى الغلبة في النبوات المحدودة لسلم من الإيراد المذكور(قوله) بل قد يثبت بأصالة إلخ يرد عليه أنّ هذا الأصل مثبت فلا يعتد به (قوله) وأجاب بأن إطلاق الأحكام إلخ قال في الفصول ما ذكره من أنّ إطلاق الأحكام لا يجدي مع الإخبار بمجيء نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله مردود بأن الإخبار المذكور إذا لم يفد تعيين زمن مجيئه فمع عدم العلم به تستصحب تلك الأحكام وهل ذلك إلا كحكم يذكره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقول إنّه سينسخ فإنّه ما لم يعلم بورود النّاسخ يستصحب بقاؤه فتأمّل فيه انتهى (قوله) ويمكن توجيه كلامه إلخ حاصله أنّ إطلاق الأحكام كما لا ينفع مع الاقتران بالبشارة المذكورة كذلك إطلاقها لا ينفع مع كون قضية النبوّة مهملة كما هو الفرض بعد فرض عدم جريان الاستصحاب فيها للعلم بتبعية تلك الأحكام لمدّة النبوّة(قوله) ثم إنّه يمكن الجواب إلخ اعلم أنّ تحقيق ما ينبغي أن يقال في المقام أنّ الشكّ في ثبوت الشّريعة اللاّحقة لا بدّ أن يكون مع الشكّ في بقاء الشّريعة السّابقة أيضا لقيام الشكّ بطرفيه لا محالة والمقصود من استصحاب الشريعة السّابقة لا يخلو إمّا أن يكون تحصيل الاعتقاد بها أو إلزام الخصم وإسكاته أو الاقتناع به في مقام العمل والأوّل ممّا لا وجه له إمّا لأن المعتبر في مثل المسألة هو الاعتقاد الجزمي والاستصحاب لا يفيده وإمّا لأنه على تقدير تسليم كفاية الظنّ فيها لا يفيد الظنّ هنا كما صرّح به المصنف رحمه‌الله في أوّل المسألة أو لا دليل على اعتبار هذا الظنّ بناء على ما هو الحقّ من كون اعتبار الاستصحاب من باب الأخبار والثّاني مردود بما صرّح به المصنف رحمه‌الله من عدم كون الاستصحاب دليلا إسكاتيا وأمّا الثّالث فنقول إن الشاك إذا نظر في حقية اللاحقة إمّا أن يحصل له القطع بحقيتها أو بطلانها أو يفرض الكلام في زمان المهلة والنّظر بأن لا يمضي زمان يمكن استعلام أحد الطّرفين فيه والكلام على الأوّلين واضح وأمّا الثّالث فالكلام فيه إمّا من حيث الحكم بطهارة الشّاك ونجاسته من حيث كفره وعدمه وفيه وجهان ينشئان من أنّ الكفر عبارة عن مجرّد عدم الاعتقاد ولو لأجل كونه شاكّا أو عن جحد الحقّ وإنكاره المنتفي في حقّ الشّاك وإمّا من حيث التديّن بالشريعة السّابقة والعمل بأحكامها والظاهر أنّه لا إشكال بل لا خلاف حتّى من المنكرين لاعتبار الاستصحاب في وجوب العمل بأحكام الشّريعة السّابقة لأنّ التّكليف بها كان ثابتا يقينا والاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية حتّى عند المنكرين الاستصحاب فإن قلت إنّ القول بالموجب بقاعدة الاشتغال لا دخل له في مسألة الاستصحاب لتغاير القاعدتين والمقصود في المقام إثبات أحكام الشّريعة السّابقة بالاستصحاب لا بقاعدة الاشتغال قلت إنّ ما ذكرناه مبني على ظاهر المشهور من عدم تفرقتهم بين القاعدتين والمنكر للاستصحاب لا ينكر استصحاب الشّغل وإن كان الحقّ عدم جريانه في مورد قاعدة الشّغل كما قرر في محلّ آخر مع أنّ المقصود في المقام إثبات وجوب التديّن بأحكام الشّريعة السّابقة لمثل هذا الشّاك مطلقا وإن كان المثبت له قاعدة أخرى سوى الاستصحاب مضافا إلى إمكان استصحاب عدم حدوث الشّريعة اللاّحقة الناسخة للسّابقة فتأمل هذا كلّه فيما لم يكن الشكّ في حقية اللاّحقة ناشئا من تقصير المكلّف في الفحص كما في زمان المهلة والنظر وإلاّ فلا إشكال في الحكم بنجاسته من حيث كفره وعدم جواز العمل بأحكام الشّريعة السّابقة للاستصحاب لأنّ شرطه الفحص المفروض عدمه في المقام وأمّا جواز العمل به في زمان المهلة والنّظر فلفرض عذره عند العقل لو فرض حقية اللاّحقة في نفس الأمر بخلاف المقصّر في الفحص (قوله) إن كان الاقتناع به إلخ الدّليل كما قيل إمّا إقناعيّ أو إسكاتي أو إثباتي أو إرشادي والأوّل ما يستدل به المستدلّ لإثبات عمل نفسه وإن لم يكن بعض مقدّماته مسلّمة عند الخصم والثاني ما اشتمل على مسلمات الخصم والثالث ما يؤتى به لإثبات المطلوب والرّابع ما يراد به إرشاد الغير وتعليمه لكيفية الاستدلال كالأخبار المتضمنة لاستدلال الأئمّة عليهم‌السلام بالآيات وهي كثيرة(قوله) على تقدير تسليم جوازه إلخ فيه إشارة إلى منع الجواز لما أشار إليه في أوّل هذا التنبيه ثمّ إنّ هذا الجواب مركب من مقدمتين إحداهما وجوب الفحص في العمل بالاستصحاب والأخرى عدم وجود القاصر في أصول الدّين والأولى مسلمة والثّانية ممنوعة كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله عند الكلام في اعتبار الظنّ في أصول الدّين مضافا إلى إمكان فرض الكلام في زمان المهلة والنّظر كما أشرنا إليه ثمة(قوله) وإن أراد به الإسكات إلخ نظرا إلى اعتراف المسلمين بحجيّة الاستصحاب في شرعهم وحاصل ما أجاب به أنّ الإسكات والإلزام إنّما يأتي مع اعتراف المسلمين بالشكّ وليس كذلك لدعوى المسلمين القطع بكون الشّريعة السّابقة منسوخة بشرعهم (قوله) ونفي الحرج لا دليل عليه إلخ لأنّ نفيه شرعيّ وليس بعقلي ولم يثبت دليل عليه في الشّريعة السّابقة وأنت خبير بأنه إنّما يتم إذا لم يبلغ الحرج حدّا يوجب اختلال نظم أمور المكلّف معاشا ومعادا وإلاّ فلا ريب في استقلال العقل بنفيه والمطلوب إنّما يتم على تقدير عدم لزوم هذه المرتبة من الحرج من الجمع بين أحكام الشّريعتين وهو موقوف على ملاحظة أحكامهما وسبرها ولو إجمالا ويمكن نفي الإشكال عنه فيما لو انسد باب العلم في إحدى الشّريعتين أو كليهما لما ذكره المصنف ره

٥١٨

عند بيان دليل الانسداد من كون الاحتياط عند الانسداد الأغلبي موجبا لذلك فضلا عن انضمام الانسداد في الشريعة السّابقة إليه في شرعنا وأمّا الخصوصيّة الّتي ادعاها المصنف رحمه‌الله فلم يظهر لها وجه لعدم الفرق في موضوع الأحكام الكليّة بين القليل والكثير بعد تحقّق عنوان موضوع الحكم فبعد تحقّق عنوان الحرج ولو في حقّ مكلف واحد انتفي عنه الحكم الحرجي نعم يختلف الحكم بذلك فيما لو كان الحرج نوعيّا أو شخصيّا إذ لو تحقّق الحرج للأغلب انتفي الحكم عن الجميع على الأوّل وعمّن تحقق في حقه الحرج خاصة على الثّاني ولكن لا دخل لذلك فيما نحن فيه لسقوط التكليف عمّن تحقق في حقه الحرج على التقديرين ولا تؤثر فيه القلّة والكثرة(قوله) بالتقريب الّذي ذكره بعض المعاصرين إلخ هو صاحب الفصول (قوله) ودعوى أنّ النبوّة موقوفة إلخ حاصلها أنّ الجواب المذكور يرجع إلى أن علمنا بنبوّة عيسى وموسى عليهما وعلى نبيّنا وآله الصّلاة والسّلام إنّما هو بإخبار نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله فمع الشكّ في نبوّته لا يبقى لنا علم بنبوّتهما حتّى يستصحب ومع تسليم نبوته لا معنى للاستصحاب ولمانع أن يمنع حينئذ توقّف ثبوت نبوّتهما على نبوّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى يلزم من صحّة التمسّك باستصحاب نبوّتهما ثبوت نبوّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله بل على صدقه وعليه لا يلزم المحذور(قوله) لعدم قابليته للارتفاع إلخ هذه العبارة يحتمل معنيين أحدهما أنّ صفة النبوّة قائمة بشخص النّبي فعدم النبوّة بعد موت النّبي إنّما هو لعدم تحقق موضوعها لا لارتفاعها حتّى تكون قابلة للشكّ في الارتفاع والبقاء بعد الموت كي تكون موردا للاستصحاب والآخر أنّ صفة النّبوّة قائمة بالنّفس النّاطقة الّتي لا زوال لها فتكون صفتها أيضا دائميّة فلا تكون موردا للاستصحاب ولكن يرد على هذا المعنى أنّ قيام الصّفة بالموصوف لا يقتضي كون الموصوف علّة تامّة لثبوتها إذ يحتمل أن يكون قيامها به مشروطا بشرط مفقود عند ظهور نبيّ آخر إذ الحكم والمصالح كثيرة لا يحيط بها إلاّ الله تعالى مع أنّ ما ذكر إنّما يتم إن كانت النبوّة صفة واقعيّة لا أمرا منتزعا من وجوب إطاعته فيما جاء به إذ الخلاف في قيام النبوّة بالنّفس أو بها مع مدخليّة الهيكل الجسماني إنّما يتم على الأوّل اللهمّ إلاّ أن ينازع على الثّاني أيضا في مدخليّة أحد الأمرين بالخصوص في وجوب الإطاعة وهو فاسد إذ مورد الاستصحاب حينئذ يكون هو وجوب التديّن بما جاء به لا الصّفة المنتزعة لعدم قابليتها للاستصحاب مع أنّه على تقدير احتمال مدخلية الهيكل الجسماني لا يمكن استصحاب الصّفة لعدم العلم ببقاء الموضوع (قوله) ولعلّ هذا الجواب يرجع إلى ما ذكره الإمام عليه‌السلام الرّواية طويلة نقلها الطبرسيّ في الاحتجاج وهي تحتمل وجهين آخرين أحدهما أن لا يكون الإمام عليه‌السلام في مقام ردّ الاستصحاب بل في مقام دفع كلام جاثليق حيث سأله بقوله ما تقول في نبوّة عيسى وكتابه وهل تنكر منهما شيئا وسكت في جواب الإمام عليه‌السلام بقوله إنا مقرّ بنبوّة عيسى إلى آخره ولم يلتفت إلى التمسّك بالاستصحاب بالتقريب الّذي تمسّك به اليهودي في مناظرة السّيّد ولو تمسّك به لعلّ الإمام عليه‌السلام أجابه بجواب أوفي وأتمّ وثانيهما مع تسليم كون الإمام عليه‌السلام في مقام ردّ الاستصحاب أنّه عليه‌السلام لما كان مدعيا لنبوّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله والجاثليق منكرا لها فأبرز الإمام عليه‌السلام دعواه في زيّ الإنكار حتّى لا يطالبه بدليل على دعواه والجاثليق لما لم يلتفت إلى عدم كون مقالته عليه‌السلام واقعة للاستصحاب سكت بذلك وهو من طرق المناظرة بل أحسنها(قوله) لا يخفى أنّ الإقرار بنبوّة إلخ حاصله أن ما أقرّ به الإمام عليه‌السلام من نبوّة عيسى وكتابه والبشارة إن كان كلّ منها إقرارا مستقلا لا يحسم مادة كلام الجاثليق إذ له أن يقول له إنّه بعد الإقرار بالنّبوّة فلا يجديك دعوى إقرار عيسى بالبشارة إلاّ عن دليل وبرهان فما لم تقم دليلا على هذه الدّعوى فلا بد من الأخذ بالإقرار الأوّل فلا بدّ أن يكون مراد الإمام عليه‌السلام أنّ إقرارنا بنبوّة عيسى ليس على إطلاقه بل على تقدير البشارة بمعنى أن من نقرّ بنبوّته هو عيسى الّذي بشّر أمّته بنبوّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله فالمقرّ به هي النبوّة المتعلّقة بهذا الموصوف على تقدير وجود هذه الصّفة فيه لا مطلقا وحقيقة ذلك ترجع إلى أنّه إذا كان شخص واحد وجزئي حقيقي في الخارج على صفة وكان اتصافه بها على تقدير وجود صفة أخرى فيه مثل كون زيد ابن عمرو فإنّه على تقدير كون عمرو أباه لكون البنوّة والأبوة من المتضايفين صحّ لنا نفي كونه على الصفة المذكورة على تقدير عدم وجود الصّفة الأخرى فيه وفيما نحن فيه أيضا لما كانت نبوّة عيسى مرتبطة بالبشارة لما علمنا من وجوب ذلك عليه صحّ لنا نفي نبوّته على تقدير عدم بشارته فإقرار الإمام عليه‌السلام بالنّبوّة والكتاب والبشارة بمنزلة الإقرار بأمر واحد لما ثبت من الارتباط والاقتران بينها(قوله) فلا يدلّ على تسليمه إلخ من حيث دلالة الالتزام بها على كون الجاثليق منكرا وقوله موافقا للأصل ثمّ المراد بالاستصحاب هنا هو المنجز دون المعلق وهو واضح (قوله) فالحقّ هو التفصيل في المقام إلخ تحقيق المقام أنّه إذا تعلّق حكم بعام إمّا أن يتعلّق بأفراده في كلّ زمان بأن كان الزمان جزء موضوع للحكم بأن يعلم من حال الآمر أنّ مراده بقوله أكرم العلماء وجوب إكرام زيد وعمرو وبكر إلى آخر الأفراد في كلّ زمان يسع إكرامهم أو يصرّح هو بذلك بأن يقول يجب عليك إكرام كلّ فرد من العلماء في كل زمان من الأزمنة وإمّا أن يتعلق بالأفراد على وجه الدّوام والاستمرار من دون أخذ الزمان قيدا له بأن يعلم من جهة عدم تقيد الأمر بزمان كون مراد الآمر استمرار حكم الأفراد أو كان الاستمرار من لوازم الفعل المأمور به كالأمر بالوفاء بالعقود بناء على أنّه مع المخالفة في زمان لا يسمّى وفاء كما ادعاه بعضهم وستعرف ما فيه أو صرّح الآمر بذلك بقوله أكرم العلماء دائما وكيف كان فاعتبار الزّمان على هذا التقدير من باب الظرفية لا التقييد ثمّ إذا خرج بعض الأفراد من تحت العموم في زمان بأن قال لا تكرم زيدا العالم يوم الجمعة فهو لا يخلو أيضا إمّا أن يعتبر الزّمان فيه أيضا من باب التقييد أو من باب الظرفية فالأقسام أربعة الأوّل أن يكون الزّمان في كل منهما معتبرا من باب التقييد الثّاني أن يعتبر في كلّ منهما من باب الظرفيّة الثالث أن يكون في العام من باب الظرفية وفي الخاص من باب التقييد الرّابع عكس الثّالث أمّا الأوّل فلا يمكن فيه استصحاب حكم المخصّص حتّى يحكم بعدم وجوب إكرام زيد فيما بعد يوم الجمعة أيضا لفرض أخذ الزمان فيه جزء موضوع فلا يمكن إسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر بالاستصحاب لاشتراط اتحاد الموضوع في جريانه وحينئذ لا بدّ في محلّ الشكّ من العمل بعموم العام لفرض كون كل فرد في كلّ زمان موضوعا مستقلاّ فمع خروج بعض الأفراد في زمان فأصالة عدم التخصيص زائدا

٥١٩

على ما علم تقتضي عدم خروجه في زمان آخر بل لو لم يكن هنا عموم وجب الرّجوع إلى سائر الأصول والعمومات دون استصحاب حكم المخصّص كما عرفت وأمّا الثّاني فالمتعين فيه استصحاب حكم المخصّص إذ ثبوت حكم المخصّص في محلّ الشكّ لا يستلزم التخصيص في حكم العام زائدا على ما علم من تخصيصه حتّى يدفع بأصالة عدم التّخصيص الزّائد لأنّه إذا أخذ حكم الأفراد مستمرّا بحسب الأزمان فالموضوع كلّ فرد من دون خصوصيّة زمان فبعد إخراج بعضها في زمان لا يبقى للعام مقتض للشمول للزّمان الثّاني حتّى يكون استصحاب حكم المخصّص بالنسبة إليه مستلزما لارتكاب خلاف الظّاهر في العام زائدا على ما علم ارتكابه فيه بخلاف القسم الأوّل لكون كلّ فرد في كل زمان فردا من العام يلزم ارتكاب خلاف الظّاهر في العام بإخراج فرد منه بالنسبة إلى كلّ زمان ومع ظهور العام في الشّمول لكل زمان بالعموم الأصولي كنفس الأفراد لا يصحّ استصحاب حكم المخصّص لاشتراط جريانه بعدم وجود دليل حاكم عليه وهذا وجه آخر في عدم جريان استصحاب حكم المخصّص هناك سوى ما قدّمناه وأمّا الثالث فلا يصحّ فيه استصحاب حكم المخصّص لما مر في القسم الأوّل ولا يشمله حكم العام أيضا لما تقدّم في القسم الثّاني فلا بد من الرّجوع إلى سائر القواعد والأصول وأمّا الرّابع فيعمل فيه بالعموم ولا يجوز فيه استصحاب حكم المخصص كما يظهر ممّا تقدّم في القسم الثّاني وهنا بحث وهو أنّ المشهور كون التخصيص موجبا للتجوز ومقتضاه أنّه إذا خرج زيد يوم الجمعة في القسم الأوّل من عموم إكرام العلماء كلّ يوم لزم التجوّز في كلّ من العلماء وكلّ يوم ومقتضى ما تقدّم هناك من عدم جواز استصحاب حكم المخصّص بعد ضمّ خطابي العموم والخصوص وجوب إكرام من عدا زيد أبد الآباد وكذا وجوب إكرام زيد فيما عدا يوم الجمعة من الأيام ولكن مقتضى التجوز في عموم العلماء وكلّ يوم على ما عرفت خلافه إذ مقتضى تخصيص العلماء وجوب إكرام من عدا زيد ومقتضى تخصيص كلّ يوم ثانيا وجوب إكرام من عدا زيد من العلماء فيما عدا يوم الجمعة من الأيّام وأمّا وجوب إكرام زيد فيما عدا يوم الجمعة وكذا وجوب إكرام من عداه بالنسبة إلى يوم الجمعة فلا يستفاد من ضم الخطابين والجواب أنّ هذا إنّما يلزم على تقدير استقلال كلّ من التخصيصين بحيث يقطع النّظر في كلّ منهما عن الآخر وليس كذلك إذ إخراج زيد من وجوب إكرام العلماء إنّما هو بملاحظة كونه يوم الجمعة لا من حيث هو فكان لزيد وجودات على حسب وجوده في الأزمان قد تعلق بها الحكم مستقلا أحدها زيد يوم الجمعة والآخر زيد يوم السّبت وهكذا فالمخرج هو زيد بلحاظ كونه يوم الجمعة وأمّا بلحاظ كونه يوم السّبت فهو باق تحت العموم وكذا سائر الأفراد بالنسبة إلى يوم الجمعة لاندراجها تحته بلحاظ كونها في ذلك اليوم وبعبارة أخرى أنّ ما ذكر من المحذور إنّما يلزم لو أخرج زيد من العموم أولا ثم أسند الحكم إلى الباقي وقيد الحكم حينئذ بكلّ زمان وأخرج منه يوم الجمعة وليس كذلك بل قد اعتبر لأفراد العام وجودات متعددة باعتبار كلّ يوم وأسند الحكم إليهما بهذا الاعتبار ثم أخرج منها زيد بلحاظ وجوده يوم الجمعة فلزوم التجوّز في العامين بتخصيص واحد لا بتخصيصين مستقلّين فتدبّر(قوله) لم يرجع إلى العموم إلخ لفرض عدم عموم لفظي يشمل كلّ زمان (قوله) في موضوعين إلخ أحدهما في العمل بالعموم في مورد الاستصحاب والآخر في تخصيص العام بالاستصحاب وقد قلنا بخلاف ذلك في الموضعين (قوله) ما ذكره المحقّق الثّاني إلخ قد نقل بعض مشايخنا عن الشيخ علي بن الشيخ جعفر صاحب كاشف الغطاء سماعا منه في مجلس بحثه التمسّك بعموم الأمر بالوفاء بالعقود في المسألة إلاّ أنّه استند في استفادة العموم الزماني منه إلى عدم صدق الوفاء مع عدم قصد الاستمرار عليه فإذا خرج البيع المغبون فيه في زمان الاطلاع بالغبن يحكم فيما بعده باللّزوم وسقوط الخيار للعموم وكون المتيقّن من الخارج ما ذكرناه من أوّل زمان الاطلاع وأنت خبير بمنع اشتراط الاستمرار على ترتيب الآثار على العقد في صدق الوفاء إن هو إلاّ كسائر المطلقات نعم يمكن أن يقال إنّ المتعاقدين لما كانا قاصدين للالتزام بمقتضى العقد والاستمرار عليه فالوفاء به لا يصدق إلا بالاستمرار على مقتضاه ولعلّ هذا أيضا مراده إلاّ أنّه يرد عليه أنّ غايته إثبات إرادة الاستمرار وهو لا ينافى استصحاب حكم المخصّص كما قرّره المصنف رحمه‌الله لأنّ المنافي له اعتبار الزّمان فيه من باب التقييد بأخذ كل فرد في كلّ زمان فردا من العام كما أسلفنا توضيحه في الحواشي السّابقة(قوله) لأن عموم الوفاء إلخ يرد عليه أولا منع الملازمة والسّند فيه واضح وثانيا مع التّسليم أنّ مقتضاه استلزام خروج بعض الأفراد خروجه مع ما يتبعه من العموم الزّماني فإذا خرج بعض الأفراد في زمان لا يبقى في العام مقتض للشمول له بعده هذا ويمكن دفع الأوّل بما نبهنا عليه في الحاشية السّابقة من أنّ استفادة تبعيّة العموم الأفرادي للعموم الزّماني إنّما هي من جهة قصد المتعاقدين للاستمرار فالوفاء بالعقد الواقع بينهما لا يكون إلاّ بالاستمرار على الالتزام بمقتضى العقد ومنه يندفع الثّاني أيضا لأنّ عدم وجوب الوفاء وعدم وجوب العمل بما قصده المتعاقدان في زمان لا يستلزم عدمه بعده أيضا ولكن يزيف ذلك ما تقدم هناك من عدم منافاته لاستصحاب حكم المخصّص فلا تغفل (قوله) إلاّ أنّ بعضهم إلخ هو صاحب الرّياض (قوله) لأنّ نفي الضّرر إلخ حاصله أنا إن قلنا بكون عموم الوفاء بالعقود مستتبعا لعموم الأزمان بحيث يتعدد أفراد الموضوع بتعدد الأزمان فلا يفرق فيه بين كون المخصّص هو الإجماع أو قاعدة الضّرر في عدم صحّة استصحاب حكم المخصّص إذ العام حينئذ كما يثبت حكم ما بعد الزّمان الّذي نفت القاعدة لزوم الوفاء فيه لفرض عدم عموم القاعدة للزّمان الثّاني لانتفاء الضّرر بثبوت الخيار للمغبون في الزّمان الأوّل كذلك الزّمان المجمع على خروجه من حكم العام وإن قلنا بكون عموم الوفاء مستتبعا لاستمرار الحكم خاصّة لا يفرق فيه أيضا بين الأمرين في صحّة استصحاب حكم المخصّص إذ كما يصح استصحاب حكم الإجماع فيما بعد الزّمان الّذي انعقد الإجماع على خروجه من حكم العام نظرا إلى عدم شمول العام لما بعد الزّمان المخرج كذلك يصح استصحاب حكم القاعدة إلى ما بعد الزّمان الّذي أخرجته من حكم العام وبالجملة إنّ القاعدة كالإجماع مثبتة لحكم الزّمان المخرج بهما وليست محدّدة لزمان خروج الفرد فإن كان هنا عموم يشمل ما بعد الزّمان المخرج فلا يصلح استصحاب حكم المخصّص على التقديرين وإلاّ يصح استصحابه كذلك فتدبّر (قوله) بعض من قارب عصرنا من الفحول إلخ هو العلاّمة الطّباطبائي قال في فوائده ما لفظه

٥٢٠