أوثق الوسائل في شرح الرسائل

ميرزا موسى التبريزي

أوثق الوسائل في شرح الرسائل

المؤلف:

ميرزا موسى التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات كتبي نجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٦

دون ذيها وإلى هذا الوجه أشار المصنف رحمه‌الله في آخر كلامه أيضا بقوله ومن هنا قد يلتجئ إلى آخره وسيأتي الكلام فيه وثانيهما كون العقاب مرتبا على ترك ذي المقدمة لكن حين ترك المقدّمة المفضي تركها إلى تركه مع ارتفاع خطابه أيضا حين تركها وهذا الوجه محكي عن صاحب الذخيرة في رسالته الّتي أفردها في مقدّمة الواجب وعليه لا بد من ارتكاب نوع مسامحة في كلماتهم لأنّ قول الأردبيلي وإن كان معاقبا بالتّقصير وكذا قول صاحب المدارك فيأثم تركها لا بترك ذلك المجهول لا بد أن يحمل على إرادة تحقّق العقاب حين ترك المقدّمة لا على ترتبه على تركها وكذلك قول صاحب الذخيرة إنّ التكليف متعلّق بمقدمات الفعل كالنظر والسّعي لا بد أن يحمل على إرادة بقاء التّكليف ما دامت المقدمة غير متروكة وارتفاعه حين تركها المفضي إلى ترك ذيها لا كون المقدّمة متعلّقا للطلب النّفسي وهنا وجه ثالث وهو ترتب العقاب على ترك المقدّمة نفسيا لا من جهة كون تركها المفضي إلى ترك ذيها علّة تامّة لتركه مع الالتزام بارتفاع خطابه حين تركها والأوّل بعيد عن ظاهر كلماتهم لأنّ التعبير بلفظ المقدّمة ربّما يأبى عن إرادة الوجوب النفسي لأنّ جهة الغير مأخوذة في مفهوم المقدّمة والمستفاد من كلامه أيضا في بيان مراد المشهور وجوه أحدها أن يكون العقاب مرتبا على ترك ذي المقدّمة المغفول عنه حين الغفلة عنه مع الالتزام ببقاء خطابه حينئذ أيضا وثانيها الصّورة بحالها إلاّ في الالتزام بارتفاع خطابه حين ترك المقدّمة وثالثها أن يكون العقاب مرتبا على ترك ذيها حين تركها مع الالتزام بارتفاع خطابه حين تركها كما تقدّم ثمّ استظهر كون مرادهم هو الوجه الأوّل بوجهين وسنشير إلى توضيحهما وتوضيح ما يتعلق بسائر كلمات المصنف رحمه‌الله بعد الفراغ من أدلّة القولين فنقول قد استدل على المشهور بوجوه أحدها أنّ مقتضى الخطابات الواردة في الكتاب والسّنة المتعلقة بالعناوين الواقعية مثل الصّلاة والصّوم والزكاة والخمس وكذا في باب المعاملات مثل الخمر والنجس ونحوهما كون العقاب مرتبا على مخالفة هذه العناوين لا على ترك مقدماتها وإن كان مفضيا إلى تركها وثانيها أن المكلّف إذا التفت إلى وجود واجبات ومحرّمات في الشّرع مطلوب منه فعلها أو تركها في آن من الآنات وعلم بذلك إجمالا وترك الفحص والسّؤال عن تفاصيلها لا يعذر بمجرّد غفلته عنها في وقت العمل لأنّ المسلم من قبح تكليف الجاهل هو الجاهل المحض لا الملتفت العالم بها إجمالا ولو عرضت له الغفلة بعده ولذا نفي العلامة فيما حكاه صاحب المدارك في عبارته المتقدمة كون العلم شرطا في التكليف لأنّ مراده لا بدّ أن يكون ما ذكرناه لا الجاهل المحض وحاصله نفي كون العلم التفصيلي شرطا في التكليف وثالثها إجماعهم على تكليف الكفار بالفروع وكونهم معاقبين بها مع جهلهم بها ولذا قد عرفت أنّ صاحب الذّخيرة مع ميله إلى كون التكليف متعلّقا بالمقدمات قد استشكل فيه لأجل هذا الإجماع المقتضي لتعلق التكليف بنفس الأحكام المجهولة وأنت خبير بأن الظّاهر أن فتوى الأصحاب بكون الكفّار مكلّفين بالفروع إنّما هو في قبال فتوى أبي حنيفة بكونهم مكلفين بالأصول دون الفروع وحينئذ لا يمكن أن يستفاد من إطلاقهم لكونهم مكلفين بالفروع كون العقاب مرتبا على مخالفة نفس الأحكام المجهولة حين مخالفتها أو حين ترك مقدّماتها المفضي إلى تركها أو على نفس ترك المقدّمات أو غير ذلك مما تقدّم فلا وجه حينئذ لاستشكال صاحب الذخيرة فيما جنح إليه أوّلا لأجل هذا الإجماع ورابعها قوله تعالى (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ) والتقريب فيه واضح لأنّ اعتذارهم عن كونهم معذّبين في السّقر بترك الصّلاة والإطعام دليل واضح على كون العقاب مرتبا على مخالفة نفس الواجبات والمحرّمات دون مقدماتها وخامسها ما تقدّم في الدّليل الثالث من أدلّة وجوب الفحص عن الأخبار الظاهرة في كون وجوب الفحص والسّؤال المجرّد للوصول إلى الواقع وأن مدار الثّواب والعقاب على نفس إطاعة الواجبات والمحرّمات ومخالفتها لا على مقدماتها وهذه جملة أدلتهم وأنت خبير بأن مطلوبهم في المقام أعني صورة ترك المكلف الفحص والسّؤال مع إفضاء تركهما إلى مخالفة الواقع من الواجبات والمحرّمات مركب من أمرين أحدهما بقاء خطاب التكليف الواقعي إلى زمان تحقق المخالفة والآخر ترتب العقاب حين تحقق المخالفة والأدلّة المذكورة لا تثبت شيئا منهما لأن غايتها ترتب العقاب على مخالفة نفس التّكاليف الواقعية لا على ترك مقدّماتها وأمّا دلالتها على بقاء خطاباتها إلى زمان تحقق المخالفة وكذا كون ترتب العقاب حين تحققها فلا لعدم منافاتها لترتب العقاب وكذا ارتفاع خطاباتها حين ترك مقدّماتها المفضي إلى مخالفتها وإن أرادوا من ترتب العقاب على مخالفتها هذا المعنى كما أسلفناه وعند بيان الوجوه المحتملة في كلماتهم يرد عليه أولا عدم دلالة الأدلّة المذكورة على خصوص هذا المعنى أيضا وثانيا أنّه مناف لكلماتهم في الفروع من الوجهين اللّذين أشار إليهما المصنف رحمه‌الله قدس‌سره هذا وأمّا ما ذهب إليه الجماعة فقد عرفت أنّ صاحب المدارك استدل عليه بقبح تكليف الجاهل بما هو جاهل به وأنّه تكليف بما لا يطاق فلا بدّ أن يكون مكلّفا بالفحص والسّؤال ومعاقبا على تركها إلا على ترك الفعل المجهول الحكم وهو إن أراد بذلك كون الفحص والسّؤال واجبين بالوجوب النفسي كما هو ظاهرهم ففيه منع قبح تكليف الجاهل مطلقا لأنّ المسلم منه تكليف الجاهل محضا لا مع الالتفات إلى الأحكام الواقعية والعلم بها إجمالا وكونها مطلوبة منه وإن عرضت الغفلة بعده لأنّه مع هذا الالتفات والعلم يصح من الشّارع الحكيم تكليفه بما في الواقع من الأحكام وإن لم يعرف تفصيلها ولا قبح فيه أصلا وحينئذ يجب عليه بحكم العقل والنقل الفحص والسّؤال عن مفصّلاتها فإذا ترك ذلك وعرضت له الغفلة عنها بالكليّة وخالف الأحكام الواقعيّة بعضا أو كلاّ لا يقبح من الشّارع مؤاخذته على هذه المخالفة وإن أراد أنّه مع الالتفات يتنجز التكليف بالواقع ويبقى هذا التكليف ما دام الالتفات باقيا ويرتفع خطاب الواقع حين عروض الغفلة ويستحق العقاب لأجل ترك الفحص والسّؤال وإن لم يجبا بالوجوب النفسي لا لأجل مخالفة الواقع ففيه أوّلا أنّه مع الاعتراف بتنجز التكليف بالواقع بالالتفات لا وجه لدعوى كون العقاب على ترك الفحص إذ لا مانع من ترتب العقاب على مخالفة الواقع حين ترك الفحص المفضي إلى تركه نظرا إلى كونه مخالفة حكمية للواقع كما ستعرفه بل لا معنى لما ذكر أصلا كما لا يخفى وثانيا أن مقتضى ترتب العقاب على ترك المقدّمة هو ترتب الثّواب عليها أيضا لا على الواجبات النفسية وهو خلاف المعهود من الشّرع الأنور فيلزم حينئذ إهمال التكاليف الواقعية وجعل المدار في الثواب والعقاب على مقدّماتها وثالثا أنّه خلاف ظاهر الأدلّة كتابا وسنّة كما تقدّم عند بيان أدلّة المشهور وإن أراد ترتب عقاب مخالفة الواقع حين ترك الفحص المفضي إلى مخالفته نظرا إلى

٤٠١

كونه مخالفة حكمية للواقع فهذا الوجه وإن لم يخالف الأدلّة بل يعاضده الاعتبار لأنّه نتيجة مقدمات أربع الأولى كون الفحص مطلوبا لأجل الوصول إلى الواقع وأنّه لا عقاب ولا ثواب على الواجبات الغيرية الثانية كون الالتفات والعلم إجمالا بأن في الواقع واجبات ومحرمات مطلوب منه فعل الأولى وترك الثانية منجّزين للتكليف بالواقع الثالثة قبح خطاب الغافل الرّابعة لغوية ترقب حصول زمان المخالفة إذا ارتفع خطاب الواقع قبله بالغفلة ونحوها كما هو الفرض لصيرورة الفعل مستحيل الوقوع لأجل ترك مقدمته إلاّ أنّه لا يبقى حينئذ مغايرة بين هذا الوجه ومذهب المشهور لاحتمال إرادتهم ذلك أيضا كما تقدّم مع أنّ فيه إشكالا من جهة أخرى وهو استلزامه لنفي كثير من الأحكام أو أكثرها من الفسّاق والكفار لكونها مشروطة بالعلم والقدرة أو زمان خاص أو حالة خاصّة وهكذا ولا ريب في عدم تنجز التكليف بالواجبات المشروطة قبل تحقق شروط وجوبها فإذا حصلت الغفلة عنها قبل تحققها أو حينه يرتفع التكليف عنها من رأس أمّا قبل تحقّق شروط وجوبها فواضح وأمّا بعده فلفرض عروض الغفلة ولا ريب في غفلة الكفّار في أغلب أوقاتهم عن إجماليات أحكامنا وكذا الفسّاق من الفرقة النّاجية في كثير من أوقاتهم فيلزم ارتفاع هذه الأحكام عنهم اللهمّ إلاّ أن يفضي عن هذا الإشكال بالتزام تنجز التكليف بجميع الأحكام الواقعية بالالتفات إليها لكن كل بحسبه فالواجبات المطلقة على وجه الإطلاق والمشروطة على وجه التعليق والاشتراط نظير ما لو قال الشارع يجب عليك هذا الفعل عند تحقّق الشّرط الفلان فمع توجّه الخطاب إليه فعلا بالإتيان بالواجب المشروط بعد تحقق شرطه تجب عليه بحكم العقل المحافظة على مقدمات هذا الفعل فلا يعذر مع ترك بعض مقدماته المفضي إلى تركه نظير ما لو قال أوجبت عليك الآن أن تزور الحسين عليه‌السلام في القابل إذ تجب عليه حينئذ المحافظة على جميع ما تتوقف عليه الزّيارة في القابل فيجب عليه الآن تحصيل ما لا يمكن تحصيله من مقدماتها في القابل ويدل عليه أيضا بناء العقلاء لأنّ المولى إذا أمر عبده بخياطة ثوب في الغد وفرض عدم تمكّنه من تحصيل الخيوط والإبرة في غد فإذا لم يحصلهما اليوم واعتذر في غد بأنّ الخياطة لم تكن واجبة علي قبل الغد حتى يجب تحصيل مقدماتها كذلك وتحصيلها اليوم أيضا متعذّر لم يسمع منه ذلك واستحق اللّوم والذمّ عندهم وقد سمّى صاحب الفصول هذا القسم من الواجب واجبا معلقا لأنّه قد قسّمه إلى منجز ومعلّق قال في مبحث المقدّمة وينقسم باعتبار آخر إلى ما يتعلق وجوبه بالمكلّف ولا يتوقف حصوله على أمر غير مقدور له كالمعرفة وليسمّ منجزا وإلى ما يتعلق وجوبه به ويتوقف حصوله على أمر غير مقدور له وليسمّ معلّقا كالحجّ فإنّ وجوبه يتعلق بالمكلف من أوّل زمن الاستطاعة أو خروج الرّفقة ويتوقّف فعله على مجيء وقته وهو غير مقدور له والفرق بين هذا النّوع وبين الواجب المشروط هو أنّ التوقف هناك للوجوب وهنا للفعل انتهى وممّا ذكرناه تظهر صحّة دعوى كون الكفار معاقبين على الفروع بمجرّد التفاتهم واحتمالهم لحقية دين الإسلام بل لحقية دين آخر سوى دينه في آن من الآنات وإن عرضت لهم الغفلة بعده في تمام عمرهم إذ بمجرّد هذا الاحتمال يستقل العقل بوجوب الفحص عن سائر الأديان وبمجرّد ترك الفحص وعروض الغفلة بعده يترتب عليه مؤاخذة جميع ما يترتب عليه من مخالفة أحكام الدّين الحق هذا كلّه مع أنّه يمكن منع غلبة الغفلة على الكفّار عن حقية دين الإسلام كما تقدّم في تقرير الإشكال لأنّهم لانغمارهم في المعاصي وكثرة متابعتهم لتسويلات الشيطان تعرض لهم كثيرا حالة شبيهة بحال الغفلة لا يقبح معها التكليف لا أنّه تحصل لهم الغفلة بالمرّة بحيث يقبح تكليفهم في هذه الحالة وتحقيق ما ينبغي أن يقال في المقام أنّه إذا ترك الفحص والسّؤال ثم تعذّر عليه ذلك فإن كان ملتفتا إلى الواقع ومتمكّنا من الاحتياط ولكنّه ترك الاحتياط وبنى في مقام العمل على مقتضى البراءة يعاقب على مخالفة الواقع وإن لم يكن متمكنا منه مع التفاته إلى الواقع كما في موارد دوران الأمر بين المحذورين أو كان غافلا عن الواقع بالمرة يترتب عليه عقاب مخالفة الواقع حين ترك الفحص المفضي إليها لقبح تفويت الخطابات الواقعية من المكلف باختياره ومن هنا يظهر وجه النّظر في إطلاق قول المشهور والجماعة على جميع احتمالاتهما إذ على كل تقدير لا بد من التفصيل بما عرفت (قوله) وهو توجّه النّهي إلى الجاهل إلخ حاصله أنّ شرطيّة شيء في عبادة إذا نشأت من النّهي كإباحة المكان النّاشئ شرطيته من عدم جواز اجتماع الأمر والنّهي فمقتضى قضيّة عدم توجّه النّهي حين الجهل به هو انتفاء الشّرطية أيضا والحكم بصحّة الصّلاة حين الجهل به والمشهور لا يحكمون بها فحكمهم بالفساد حينئذ دليل على بقاء النّهي عندهم حين الجهل كما يومي إليه قول العلاّمة على ما تقدّم في الحاشية السّابقة بأنّ الجاهل كالعامد وأنّ التحريم لا يتوقف على العلم به (قوله) والاعتذار عن ذلك إلخ اعلم أنّ في كلماتهم عناوين ثلاثة أحدها جواز اجتماع الأمر والنّهي وعدمه والآخر من توسّط دارا مغصوبة وقد نقلوا فيه أقوالا ثلاثة أحدها أنّه منهي عن الخروج ومأمور بالخروج إمّا مطلقا أو بقصد التخلّص من الغصب فهو عاص بالفعل والترك كليهما واشتهرت حكاية هذا القول عن أبي هاشم وعزاه المحقق القمي إلى أكثر أفاضل المتأخرين بل إلى ظاهر الفقهاء وفيه نظر وثانيها أنّه مأمور بالخروج مطلقا أو بقصد التخلّص وعاص به واختاره الفخر الرّازي وتبعه صاحب الفصول وثالثها أنّه مأمور بالخروج وليس منهيّا عنه ولا معصية فيه وهو المشهور والثالث ما لو نهى عنه الشّارع أوّلا ثمّ ارتفع هذا النّهي بسبب من المكلف وفي جواز أمره به في الزّمان الثاني أعني زمان ارتفاع النّهي وعدمه إشكال ومثاله أنّ الجنب في نهار شهر رمضان إذا كان على شاهق على ساحل البحر فهو منهي عن رمي نفسه عن الشاهق وعن الارتماس في الماء وإذا عصى ورمى نفسه عنه إليه فلا ريب في ارتفاع النّهي عنه حين الهبوط والنّزول إذا صار بحيث لا يتمكن من حفظ نفسه عن السّقوط وفي صحّة نية الغسل منه حينئذ ارتماسيا نظرا إلى ارتفاع النّهي وعدمه إشكال والفرق بين هذه المسألة ومسألة من توسّط أرضا مغصوبة كون المكلّف هنا مسبوقا بالنّهي عن رمي نفسه وعن الغسل ارتماسا بخلافه في تلك المسألة لكونه فيها على ما هو المشهور غير منهي عن الخروج سابقا ولاحقا كما قرّر في محلّه وهذه المسألة غير معنونة في كلماتهم فقها وأصولا نعم قال صاحب الفصول في تحرير عنوان من توسط أرضا مغصوبة بعد نقل الأقوال والحقّ أنّه مأمور بالخروج مطلقا أو بقصد التخلّص وليس منهيّا عنه حال كونه مأمورا به لكنّه عاص به بالنّظر إلى النّهي السّابق انتهى ومع فرض النّهي السّابق تتحد هذه المسألة مع ما ذكرناه ويظهر حكم ما نحن فيه منهم في الفقه في مواضع منها حكمهم ببطلان عبادة الجاهل المقصّر كما هو محلّ الكلام في المقام فإنّه بإطلاقه يشمل الغافل أيضا مع أنهم قد قرروا قبح خطاب الغافل فلا بد أن يكون البطلان حينئذ مستندا إلى اجتماع الأمر مع المبغوضية

٤٠٢

الواقعية لفرض عدم النّهي الفعلي لأن تخصيص كلماتهم بغير الغافل لا دليل عليه ودعوى كون الفساد مستندا إلى اجتماع الأمر والنّهي خلاف ما قرروه فلا بد أن يكون مستندا إلى اجتماع الأمر مع أثر النّهي وهي المبغوضيّة ومنها حكمهم بكون الكفّار مكلفين بالفروع كالأصول وهو أيضا يشمل صورة الغفلة مع الالتفات السّابق لأنّ مقتضى تكليفهم بالفروع بطلان عبادتهم مع الجهل بالحكم مع قطع النظر عن اشتراط صحتها بالإسلام لوضوح عدم الفرق في ذلك بين الأحكام التكليفية والوضعية وهو لا يتم إلاّ مع عدم اجتماع الأمر مع المبغوضية الواقعية ويظهر الكلام فيه أيضا ممّا تقدّم ويمكن أن يحتج للبطلان بوجوه أحدها أن مناط الحكم بالبطلان في موارد اجتماع الأمر والنّهي ليس هو تضاد نفس الإنشاءين لعدم كون الإنشاء من الأمور القارة بالذات لكونه إنّي الحصول والزّوال فلا يتمانعان مع تقدم أحدهما بل المناط فيه تضاد وصف المطلوبية والمبغوضية الحاصلتين من إنشاء الأمر والنّهي في نظر أهل العرف فإنّه يقال بعد الأمر إن هذا الفعل مطلوب للمولى وبعد النّهي أنّه مبغوض له وهو حاصل فيما نحن فيه أيضا بالفرض لأنّه بعد ارتفاع النّهي السّابق لا تجتمع المبغوضية الباقية بعده مع الأمر أو المطلوبية الحاصلة منه وإن كان المناط فيه عدم اجتماع إرادة الفعل والترك الكاشف عنها الأمر والنّهي وأنّها قابلة للبقاء والدّوام فكذلك ما نحن فيه لفرض بقاء الكراهة فيه أيضا فهي لا تجتمع مع الأمر وثانيها أنّه لو لم نقل بالبطلان فيما نحن فيه نظرا إلى ارتفاع النهي السّابق لعدم القدرة على امتثاله فلا بدّ من القول بعدم دلالة النّهي على الفساد في جميع موارده لأن المقدور من الأفعال مقدماتها دون أنفسها ولذا قيل إن الفعل ما لم يجب لم يوجد وما لم يمتنع لم ينعدم فهو قبل إيجاد مقدّماته ممتنع وبعده واجب والنّهي عن الفعل المقدور باعتبار مقدّماته لا يمكن بقاؤه إلى زمان نفس الفعل لما عرفت من وجوبه بعد إيجاد مقدّماته فلا بد أن يكون الباقي بعده أثره وهي المبغوضية فلا بدّ أن يكون الفساد مستندا إليه وثالثها أنهم قد صرّحوا بعدم جواز النسخ قبل زمان العمل والوجه فيه أن الشّارع إذا أمر بشيء ثم نسخه قبل زمان العمل به لزم إمّا حصول البداء لله تعالى أو اجتماع المطلوبيّة مع خلافها واللاّزمان كلاهما باطلان ولو لم يكن أثر النّهي أعني المبغوضية مضادا للأمر فيما نحن فيه لم يبق لعدم جواز النسخ قبل زمان العمل وجه هذا وتحقيق المقام أن يقال إن ارتفاع النّهي إن كان بسبب ارتفاع القدرة عن الفعل كما في مثال رمي المكلف نفسه من شاهق فالأقوى بطلان العبادة لأنّ الفعل الاضطراري كما لا يصحّ أن يكون متعلقا للنهي كذلك لا يصح أن يكون متعلقا للأمر فلا يصح أن يقصد الغسل في حال السّقوط في المثال وإن كان بسبب امتناع امتثال النّهي مع بقاء القدرة على الفعل بعد ارتفاع النّهي فالأظهر هو الحكم بالصحة ولذا يحكم بصحّة عبادات المماطل في أداء الدّين مع مطالبة المدين إذا سافر فرارا عنه بحيث لا يقدر على أدائه في السّفر لأن المماطلة وإن كانت منهيّا عنها مع المطالبة وبقاء القدرة على الأداء إلاّ أنّه مع ارتفاع النّهي بسبب عدم القدرة يحكم بصحّة عباداته مع بقاء أثر النّهي وكذا يحكم بصحّة زيارة من زار الحسين عليه‌السلام أو اشتغل بعبادة أخرى في يوم عرفة في البلاد النائية مع تركه حجة الإسلام مع الاستطاعة وهكذا وبالجملة أنّ الأمر بأداء الدّين والحج على القول بدلالة الأمر بالشيء على النّهي عن ضدّه وإن دلّ على النّهي عما يضادهما من العبادات إلاّ أنّه إذا تعذر امتثال النّهي لأجل ارتفاع الأمر بتعذر الأداء والإتيان بأفعال الحجّ يحكم بصحّة ما يضادهما من العبادات كما عرفت وإذا عرفت هذا نقول إنّ المصنف ره قد صرّح أوّلا بكون حكم المشهور ببطلان عبادة الجاهل المقصّر غير الملتفت مبنيا على عدم جواز اجتماع الأمر والنّهي لأجل إطلاقهم القول بأن الجاهل كالعامد ثمّ اعتذر عنه باستناد البطلان فيما حكموا به فيه إلى عدم جواز اجتماع المبغوضية مع الأمر بعد ارتفاع النّهي ثم صرّح أولا ببطلان هذه الطّريقة ثم ناقضها بتصريحهم بالصّحّة في مسألة المتوسط في أرض مغصوبة ثمّ أجاب عن النقض ببيان الفارق بينهما وهو بقاء الاختيار فيما نحن فيه وعدم إمكان امتثال النّهي في مسألة التّوسّط في أرض مغصوبة وقد عرفت وجه البطلان ولكنّك خبير بأن الاعتذار غير عام والبطلان غير متجه والنقص غير وارد والجواب غير صالح للفرق أمّا الأوّل فلأن حكم المشهور ببطلان عبادة الجاهل المقصّر يشمل ما لو عجز عن الفحص وكان ملتفتا إلى الواقع ومتمكّنا من امتثاله بالاحتياط ولا ريب أن البطلان فيه مستند إلى عدم جواز اجتماع الأمر والنهي لا إلى ما ذكر في الاعتذار اللهمّ إلاّ أن يلتزم باختلاف مستند البطلان بحسب الموارد بأن كان البطلان في بعضها مستندا إلى عدم جواز اجتماع الأمر والنّهي وفي بعض آخر إلى عدم جواز اجتماع المبغوضية مع الأمر ولكنه خلاف ظاهر كلماتهم لإطلاقهم القول بأن الجاهل كالعامد وهو ظاهر في اتحاد مستند البطلان في جميع موارده وأمّا الثاني فلأنّك قد عرفت أنّ بطلان الطريقة المذكورة إنّما هو لأجل الحكم بالصحّة في مسألتي الدّين والحجّ وهو غير وارد على الطريقة المذكورة لحكم المشهور فيهما بالبطلان وقد ادعى العلامة في القواعد والتّذكرة شهرة القول به في مسألة الدّين وإطلاقه يشمل ما نحن فيه من عروض العجز عن الأداء بسفر ونحوه ولا فرق بينها وبين مسألة الحجّ وهو واضح اللهمّ إلاّ أن يقال في إبطال الطريقة المذكورة إنّه إن أريد بالمبغوضية المبغوضية الفعلية الّتي يتعقبها استحقاق العقاب فهي ممنوعة في حال الغفلة إذ النّهي الفعلي كما أنّه قبيح في حال الغفلة كذلك المبغوضية المذكورة وإن أريد بها المبغوضية الشأنية فهي غير منافية للأمر كما في الجاهل بالموضوع وأمّا الثّالث فلما تقدّم من حكم المشهور بكون الخروج في مسألة من توسط أرضا مغصوبة مأمورا به من دون نهي ومعصية وهو صريح في عدم المبغوضية والإثم في الخروج أصلا فلا وجه لقوله وإن كان إنّما بالخروج وأمّا الرّابع فلأن مقتضى الجواب المذكور عدم الإثم في الخروج في مسألة المتوسّط أرضا مغصوبة وهو لا يجامع ما نسبه إلى المشهور بقوله وإن كان إثما بالخروج (قوله) وجاهل الموضوع إلخ فإنّ الترخيص للفعل ثابت من الشّارع مع الجهل بالموضوع لعدم وجوب الفحص عند الشبهة في الموضوعات الخارجة كما مرّ وسيأتي هذا إذا كان فساد العبادة متفرّعا على حكم تكليفي كالصّلاة في الدّار المغصوبة إذ مع الجهل بالموضوع يرتفع النّهي ويتبعه ارتفاع الشّرطية وأمّا إن كانت الشّرطية ثابتة بخطاب وضعي مفيد للشّرطية الواقعية أو بدليل لبّي مردّد مدلوله بين كونه شرطا واقعيّا أو ذكريّا فعلى الأوّل يحكم بفساد العبادة وعلى الثّاني يبنى على كون الأصل في الشّروط أن يكون ذكريّا أو واقعيّا فيعمل بمقتضاه (قوله) نعم يبقى الإشكال إلخ ينشأ من أنّ المتيقن من حكم المشهور بالبطلان هي صورة الجهل بالحكم دون نسيانه سيّما إذا لم ينشأ من تقصير ومن كون النسيان في حكم الجهل سيّما إذا كان النسيان من تقصير مضافا إلى أنّ النّهي وإن سلمنا ارتفاعه بالنسيان إلاّ أن المبغوضيّة باقية كما في صورة الجهل هذا إن أراد

٤٠٣

الاستشكال على مذاق المشهور وإلاّ فعلى مذاق المصنف رحمه‌الله لا بد من الحكم بالصّحة لارتفاع النّهي بالنسيان وعدم تأثير المبغوضية في البطلان كما صرّح به في الجهل بالحكم والتحقيق أن يقال إن نسيان الحكم إمّا أن يكون من تقصير في المحافظة أو قصور فيها وعلى التقديرين إمّا أن يكون الحكم المنسي مما يبتلي به المكلف غالبا أو لا والأقرب هو الحكم بالصّحة على جميع التقادير أمّا على تقدير ندرة الابتلاء فواضح لعدم وجوب المحافظة حينئذ على عدم وقوع النّسيان إذ كما لا يجب تعلم المسائل مع عدم غلبة الابتلاء كما صرّح به المصنف رحمه‌الله عند بيان وجوب الفحص في العمل بأصالة البراءة كذلك المحافظة على عدم وقوع النسيان بعد تعلّمه بل بطريق أولى وكذلك مع غلبة الابتلاء إذا كان النسيان من من قصور لوضوح عدم التكليف بالمحافظة حينئذ وأمّا مع التقصير فإن سلمنا حصول العصيان حينئذ بسبب ترك المحافظة فلا ريب أن النّهي يرتفع بسبب النسيان فلا بد من الحكم بالصّحة مع أنّ وجوب المحافظة على عدم وقوع النسيان ممنوع لحديث رفع الخطاء والنسيان لإطلاقه بالنسبة إلى صورتي القصور والتقصير ومنه يظهر ضعف تأمل بعضهم في ناسي الموضوع كالعلامة في مبحث المكان من القواعد بل حكي عنه الحكم بالبطلان فيها في مبحث لباس المصلّي لارتفاع النّهي بالنسيان أولا وارتفاع حكم النسيان بالنبوي ثانيا(قوله) إنّه يلزم حينئذ عدم العقاب إلخ قد تقدّم توضيحه وما يدفعه عند شرح قوله وقد خالف فيما ذكرنا إلى آخره وما دفعنا به الملازمة المذكورة هناك أشار المصنف رحمه‌الله إليه هنا بقوله ويمكن أن يلتزم حينئذ إلى آخره فراجع وستقف على تتمة الكلام في ذلك (قوله) فإنّه قد تكون الحكمة إلخ قال صاحب الفصول في مبحث المقدّمة ثم اعلم أيضا أنّ الواجب النفسي قد يكون وجوبه لفائدة التهيؤ والاستعداد لواجب آخر مشروط بشرط غير حاصل فيجوز أن يكون وجوبه من هذه الجهة مراعى لوجوب ذلك الواجب المشروط على تقدير الإتيان بهذا الواجب والامتثال به مراعى بوقوعه فيجوز أن يترتب على ترك مثل هذا الواجب ما يترتب على ترك الآخر إذا أدّى تركه إلى عدم تحقق وجوبه لاستناد فوات فوائده إليه وينبغي أن يجعل من هذا الباب استحقاق المرتد الّذي لا تقبل توبته العقوبة على ما يفوته بالارتداد من الواجبات المشروطة بأمور غير حاصلة حال الارتداد لو قلنا بذلك وأن يجعل منه وجوب تعلم الصّلاة وأحكامها قبل دخول وقتها مع أنّ وجوبها مشروط بدخول وقتها لو قلنا بذلك ويقرب هذا النّوع من الواجب النفسي إلى الواجب الغيري بالمعنى المتقدّم لمساواته إيّاه في جملة من الثمرات وربّما يظنّ أنّه منه وليس كما يظنّ إذ لا يعقل الوجوب الغيري عند عدم وجوب الغير فكيف يكون من بابه نعم لو فسّر الوجوب الغيري بمعنى آخر أعمّ من المعنى المتقدّم جاز انتهى وقول المصنف رحمه‌الله ويمكن أن يلتزم حينئذ باستحقاق إلخ الظّاهر أنّ مراده حمل كلام المشهور على الوجه الأخير من الوجوه المتقدّمة المحتملة في كلامهم من الالتزام بترتب عقاب الواجبات المشروطة حين ترك الفحص المفضي إلى تركها وإن كان ترك الفحص قبل زمان تحقق شرط وجوبها وفي كلامه نوع مسامحة إذ لا بدّ حينئذ أن يقول عند ترك تعلم بدل على ترك التعلم اللهمّ إلاّ أن يريد بترتب العقاب على ترك التّعلم ترتبه عليه من حيث إفضائه إلى ترك التكاليف لا من حيث نفسه نظير قوله في توجيه كلام الأردبيلي رحمه‌الله فإذا ترك المعرفة عوقب عليه من حيث إفضائه إلى آخره ثم إنّ الوجه فيما ذكره هو قبح تفويت المكلّف للخطابات الواقعية بسوء اختياره وإن لم تكن منجزة حين تفويتها بشهادة بناء العقلاء كما ذكره من مثال الطومار وأنت خبير بإمكان منعه إذ لو صحّ ذلك لوجب تحصيل شرائط الوجوب أيضا على فاقدها كالاستطاعة والنّصاب في الحجّ والزّكاة لوضوح عدم الفرق بينها وبين شرائط تنجزه كالعلم والالتفات فيما نحن فيه إذ الباعث على بنائهم أنهم على تقبيح تفويت الواقع هو قبح تفويت مصالح الواقع وهو مشترك الورود فكما يقبح ترك الفحص المؤدّي إلى عدم تنجز التكليف بالحجّ بعد حصول الاستطاعة لأجل عروض الغفلة عن وجوبه كذلك لو ترك تحصيل الاستطاعة ممن قدر عليه أو شربت المرأة دواء صارت به حائضا وهو خلاف الإجماع مع أنّ ثبوت بنائهم على وجه يكشف عن حقيّة ما بنوا عليه في الواقع على سبيل القطع أو عن تقرير المعصوم عليه‌السلام كذلك قابل للمنع نعم لا تبعد دعوى قبح تفويت الشرط فيما كان شرطا للفعل دون الوجوب كما في الواجب المعلّق على ما ذكره صاحب الفصول وإلاّ لزم لغوية توجيه الخطاب قبل زمان الفعل فتأمل وأمّا ما ذكره من مثال الطومار فيمكن أن يمنع كون الذّم فيه لتفويت الواجبات المشروطة قبل زمان تحقق شرط وجوبها كما يظهر ممّا ذكرناه ولعلّه إلى ما ذكرناه أشار المصنف رحمه‌الله بالأمر بالتّأمل (قوله) هذا خلاصة الكلام إلخ اعلم أنّه قد بقي الكلام في عقاب الجاهل القاصر ولم يتعرض له المصنف رحمه‌الله ولعلّه لقلّة وجوده في الخارج والكلام فيه أيضا في عمله تارة من حيث العقاب وأخرى من حيث الصّحة والفساد فالكلام فيه في مقامين أمّا المقام الأوّل فاعلم أنّ القصور تارة ينشأ من عدم تحصيل المكلّف حظّا من العلم يتمكن به من استعلام الأحكام عن أدلتها وأخرى من جهة سنوح العوارض الخارجة وإن كان ذا ملكة قدسيّة يقتدر بها على استعلامها إن لم تسنح هذه السّوانح كالمرض أو الحبس المانعين من الفحص أو عدم وجود كتب الأخبار والاستدلال عنده ونحو ذلك أمّا الأوّل فوظيفته التقليد بلا إشكال وأمّا الثاني فهل يجوز له العمل على طبق البراءة لعموم أدلتها بعد فرض عجزه عن الفحص أو يجب عليه العمل بالأصول الجارية في الموارد الشخصيّة أو يجب عليه الاحتياط بالأخذ بأوثق الاحتمالات لعلمه إجمالا بالأحكام الواقعية فيرجع شكّه إلى الشكّ في المكلف به دون التكليف أو يجب عليه تقليد مجتهد حيّ عالم بالأحكام لعموم أدلّة وجوب رجوع الجاهل إلى العالم وإن كان متمكنا من استعلام الأحكام لو لا سنوح السّوانح الخارجة وجوه أوجهها الأخير وأمّا الأوّل فيرد عليه أنّ المقتضي لجواز الرجوع إلى أصالة البراءة ليس مجرّد الجهل بالواقع بل هو بعد الفحص وعدم وجدان الدليل الناقل فمجرّد الجهل مع العجز عن الفحص لا يوجب الرجوع إليها في حكم العقل لعدم صلوحه للعذر عنده مع أنّه قد يتردد الأمر بين المتباينين كالظهر والجمعة وهو ليس بمورد للبراءة مضافا إلى ما ذكر في الوجه الثالث من قضية العلم الإجمالي نعم يدفعه عدم اختصاص محل الكلام بذلك لكونه أعمّ منه وممّا ثبت جميع أبواب الفقه إلاّ مسألة واحدة وقصرت يد المكلّف عن الفحص فيها ويرد على ما عدا الأخير من الوجوه المذكورة أيضا أن العمل بالأصول سواء كانت هي البراءة أو الاحتياط أو غيرهما إنّما هو فيما لم يقم دليل على تعيين أحد طرفي الشبهة ولذا لا يجب الاحتياط في الشبهة المحصورة مع قيام البينة على نجاسة أحد طرفيها أو طهارته وقد عرفت وجود الأدلّة على وجوب رجوع الجاهل إلى العالم والمراد بوجوب التقليد عليه وجوبه تخييرا بينه وبين العمل بالاحتياط لا وجوبه تعيينا إذ

٤٠٤

هذا الجاهل لا يقصر عن سائر الجهال الذين قلنا بجواز ترك طريقي الاجتهاد والتقليد لهم وجواز الأخذ بالاحتياط ومن هنا يسقط ما سمعناه من بعض مشايخنا مذاكرة من التفصيل بينما لو قلنا بوجوب التقليد للأدلّة الخاصة وبينما لو قلنا بوجوبه من باب الاضطرار وعدم وجود طريق أقرب إلى الواقع منه للعامي كما قيل بجواز تقليد الأموات والمجتهد الفاسق مع عدم وجود المجتهد العادل الحيّ نظرا إلى إمكان منع وجوب التقليد على الثّاني في محلّ الفرض إذ الحاكم بجواز التقليد حينئذ هو العقل وهو حينئذ لا يحكم بوجوبه تعيينا نعم ظاهر الفقهاء هو تقديم التقليد على الاحتياط كما يظهر من فتواهم بوجوب تقليد الأموات والمجتهد الفاسق مع عدم وجود العادل الحيّ ووجه الضعف واضح ممّا ذكرناه ووجه عدم تجويز المشهور للعمل بالاحتياط إن ثبت إنّما هو لأجل بطلان عمل تارك طريقي الاجتهاد والتقليد عندهم هذا كلّه فيما أمكن التقليد لمجتهد حيّ عادل وإن تعذر فهل يجوز العمل بأصالة البراءة في موارد الشكّ في التكليف وبالاحتياط في موارد الشّك في المكلّف به لعموم أدلتها أو يجب عليه الاحتياط مطلقا لوجود المقتضي وهو العلم الإجمالي بالأحكام الواقعية وعدم المانع وهو أدلّة وجوب التقليد وجهان وقد يفصّل في المقام بأنّ القصور عن الفحص إن كان عن أغلب المسائل الفقهية بأن كان العمل بأصالة البراءة في تلك المسائل موجبا لإلغاء أحكام كثيرة في الواقع وجب عليه الاحتياط حينئذ لوجود المقتضي وعدم المانع كما عرفت وإن كان في بعض الموارد بحيث لا يحصل من ملاحظة اجتماع هذه الموارد علم إجمالي بالواقع مع قطع النظر عن العلم الإجمالي الحاصل في الموارد الشّخصية كما في مثال الظّهر والجمعة والقصر والإتمام جاز عليه العمل بالأصول الجارية في مواردها أما العمل بأصالة الاحتياط والاستصحاب في مواردهما فواضح وأمّا البراءة فلوجود المقتضي بالفرض وهو الشّكّ في التكليف وعدم المانع لأنّ المانع إمّا هو العلم الإجمالي وهو مفروض الانتفاء وإمّا وجوب دفع الضّرر المحتمل وهو إن كان موجبا لوجوب الاحتياط وجب ذلك بعد الفحص أيضا في موارد إمكانه ممّا كان الشّك فيه في التكليف لوضوح عدم اندفاع احتمال الضّرر بالفحص إذ غايته حصول الظنّ بعدم الدّليل وهو لا يرفع احتماله مع أنّ قبح التكليف بلا بيان يدفع احتماله كما قررناه في محلّه وفيه ما تقدّم من أنّ العقل إنّما يعذر الجاهل بعد الفحص وعدم وجدان الدّليل لا مطلقا وإلاّ لم يجب الفحص من رأس ومجرّد القصور عن الفحص لا يوجب حكم العقل بقبح التكليف بلا بيان كما هو واضح فالأظهر وجوب الاحتياط مطلقا إن لم يستلزم العسر والحرج المنفيين في الشّرع وإلاّ وجب تقليد الأموات من باب حجيّة مطلق الظنّ ومن هنا يمكن تقديم قول المشهور من الأموات على غيرهم إن كان هنا قول مشهور منهم وإلاّ ممن كان أوثق في الفتوى كالمحقق والشّهيد وأمثالهما على غيره وأمّا المقام الثاني فإنا إذا قلنا بوجوب الاحتياط أو التقليد على القاصر نأخذ في العمل بخلاف الطريقين كما إذا صلّى بدون السّورة من دون تقليد فالأقوى هو الحكم بفساد عباداته مطلقا طابقت الواقع أم لا لعدم تأتي قصد القربة من الشاك في صحّة عمله اللهمّ إلاّ أن تفرض الغفلة عن احتمال فساد عمله نعم ربّما يقال بتأتي ذلك من بعض المنغمرين في المعاصي من حكّام الجور وأمثالهم لأنّك إن نبّهتهم على غصبية لباسهم أو مكانهم وأن ذلك موجب لفساد العبادة لا يصغون إليك ويقصدون التقرب مع ذلك في عباداتهم وبالجملة أنّ مطابقة العمل للواقع إنما تجدي في صحّة العبادة مع تحقق قصد القربة لا مطلقا وأمّا المعاملات فالأقوى صحّتها مع انكشاف مطابقتها للواقع بعد تحقق قصد الإنشاء في العقود والإيقاعات منها لعدم اعتبار قصد القربة فيها ليسري الفساد إليها من جهته وأمّا في مثل الطهارة والنجاسة فالأمر أوضح ويظهر الكلام في كفاية المطابقة الاتفاقية في الحكم بالصحّة وكذا المراد من الواقع الّذي اعتبر مطابقة العمل له وكذلك في إمكان قصد الإنشاء من الجاهل ممّا ذكره المصنف رحمه‌الله في الجاهل المقصّر فتدبّر هذا كلّه في الجاهل القاصر عن الفحص المقصّر في العمل وأمّا الجاهل الّذي وظيفته التقليد من أوّل الأمر فالكلام في صحة عباداته ومعاملاته مع تركه لطريقي التقليد والاحتياط فكما ذكرناه (قوله) تارة في المعاملات إلخ بالمعنى الأعمّ أعني ما لا تحتاج صحّته إلى قصد القربة(قوله) ولا إشكال فيما ذكرنا بعد ملاحظة أدلة إلخ يظهر تحقيق الكلام فيه ممّا سيذكره المصنف رحمه‌الله من كون هذه الأسباب الشّرعيّة كالأمور الواقعيّة غير المجعولة في عدم توقف تأثيرها على قيام طريق علمي أو ظنّي عليها وسنشير إلى توضيحه إن شاء الله تعالى (قوله) إلاّ من بعض مشايخنا إلخ هو الفاضل النراقي في مناهجه (قوله) بعد مقدّمة إلخ قد ذكر في تحقيق ما بنى عليه مقدّمتين إحداهما ما ذكره المصنف رحمه‌الله والأخرى أنّه لا شكّ في أنّه لا تكليف فوق العلم والاعتقاد ويلزمه أن لو اعتقد أحد ترتب أثر على شيء بحيث لم يحتمل خلافه ترتب عليه في حقّه فمن اعتقد حلية الزّوجة بعقد باطل واقعا تحل عليه ما دام كذلك كما تحل الأجنبية باعتقاد أنّها زوجته ومن اعتقد بطلان عقد صحيح يحرم عليه المعقودة به ما دام كذلك كما تحرم الزوجة باعتقاد أنها أجنبية(قوله) ولا دليل على التقييد إلخ أي تقييد الحكم بترتب الأثر مع الموافقة بل يكفي فيه مجرد الموافقة الاتفاقية(قوله) لأنّه مأمور إلخ تعليل للمنفي (قوله) وإن لم يسأل إلخ وإن سأل وثبتت الحرمة بطريق أولى (قوله) عمّا هو التحقيق إلخ سيحقّقه في مبحث الاستصحاب (قوله) هي الأمور الواقعية المجعولة إلخ توضيح المقام أنّه غير خفي على ذوي الألباب أن سببية الأسباب الخارجة كتأثير الحرارة والبرودة في الحاسّة ونحوهما تابعة على كيفية وجوداتها التكوينيّة من حيث اقتضاؤها للتأثير مطلقا أو في حال دون أخرى على حسب استجماعها لشرائط التّأثير وعدم المانع منه وعدمهما وإذا ثبتت سببيّة شيء لشيء إمّا مطلقا أو في الجملة فكما أنّ تأثير هذا الشيء تابع على وجوده الواقع سواء كان معلوما أم مظنونا أم مشكوكا فيه كذلك الأسباب الشّرعيّة فإنّها وإن كانت قابلة لجعلها سببا في حال دون أخرى كتأثير عقد النّكاح في إحداث علاقة الزوجيّة مع كون الصّيغة عربيّة لا فارسيّة إلاّ أنّه إذا ثبتت السّببيّة مطلقا أو في الجملة لا تختلف الحال في تأثيرها بين كون وجود السّبب معلوما أو مظنونا أو مشكوكا فيه فلا يشترط تأثيره بقيام طريق عقلي أو شرعيّ عليه وإن كان قابلا لذلك وذلك لأنّ الطّريق المثبت له إمّا هو الطريق العقلي أعني القطع مطلقا والظنّ عند الانسداد الأغلبي بناء على اعتباره من باب الحكومة دون الكشف والطريق الشّرعي المخصوص كالظّنون الخاصّة أمّا الأوّل فواضح لعدم اعتبار شيء في حجيّة القطع وكذا الظنّ عند الانسداد وسوى الكشف عن الواقع فلا يفرق في اعتبار مؤداهما فيما تعلّقا بصحّة عقد مثلا بين مقارنتهما بوجوده في الخارج وبين تأخرهما عنه بأن كان بطلانه أوّلا مقطوعا به أو مظنونا أو مشكوكا فيه ثمّ حصل القطع بصحته و

٤٠٥

انكشف بطلان الاعتقاد الأوّل فمقتضى الاعتقاد الثّاني المعتبر من باب محض الكشف هو تأثير العقد من حين وقوعه لا من حين حصولهما ودعوى إمكان اشتراط تأثير العقد بحصول الاعتقاد المذكور ضعيفة إذ المقطوع أو المظنون كون العقد مؤثرا من حين وقوعه فكيف يتأخّر تأثيره عنهما وبعبارة أخرى أن مقتضى تأخّر تأثيره عنهما اعتبارهما من باب الموضوعيّة دون الكشف وهو خلاف المفروض وأمّا الثّاني فإنّه وإن أمكن أن يقال إنّ المؤثر من العقود مثلا ما قام طريق شرعيّ عليه بمعنى تأثيره من حين قيام الطريق لا من حين وقوعه نظرا إلى عدم كون اعتبار الطّرق الشرعيّة من باب الطريقيّة المحضة كالقطع أو الظنّ المطلق على ما عرفت إلا أن ذلك خلاف ظاهر أدلة اعتبارها لأنّ ظاهرها اعتبارها من باب الطّريقيّة والكشف وإن قلنا بتضمنها لوجود مصلحة فيها متداركة لمصلحة الواقع على تقدير تخلفها عنه ومقتضى اعتبارها من باب الكشف ثبوت مؤدّياتها في الخارج ولا ريب أن مؤدّى الطّريق صحّة العقد من حين وقوعه لا من حين قيام الطريق ولذا قلنا بعدم الإجزاء في الأحكام الظّاهرية والعذرية وكذا بوجوب تجديد المعاملات عند تجدّد رأي المجتهد وإذا حققت ذلك ظهر لك مواقع النظر في كلام المفصّل منها قوله كالمجتهد المتبدل رأيه لأن قياس العامي المعتقد بحكم في واقعة لأجل سكونه إلى أبويه وأمثالهما على المجتهد واضح الفساد وإن كان يظهر مثله من المحقق القمي رحمه‌الله أيضا في غير موضع من كتابه لأن غاية ما يترتب على اعتقاد العوام عدم المؤاخذة على عمله ما دام اعتقاده باقيا لا تأثير اعتقاده في صحّة عمله مع مخالفته للواقع لأنّ هذا هو القدر الثابت من حكم العقل بجواز عمله باعتقاده فالقول بالإجزاء في الأوامر الظّاهريّة الشرعيّة لا يلازم القول به فيما نحن فيه لعدم ثبوت أمر شرعي بالمأتي به ولو بحسب العقل حتّى يتأتى فيه القول بالإجزاء ونحوه الكلام في قطع المجتهد بحكم في بعض الوقائع لكون القطع مطلقا طريقا عقليّا لا شرعيّا وأوضحنا الكلام فيما يتعلق بالمقام في مبحث الإجزاء وغيره ومنها قوله إذ المفروض عدم القطع إلى آخره إذ قد عرفت عدم الفرق بين القطع والظنّ فراجع ومنها قوله وأمّا ما يختصّ أثره إلخ لأنّ دعوى الفرق بين العقود والإيقاعات وما ذكره من مثال الطّهارة والتذكية غير واضحة كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله بقوله فإن أحكام زوجية هند لزيد إلى آخره ومنها قوله فلم يترتب في حقّه الأثر إلخ لأنّه إن أراد عدم ترتبه عند الفاعل الجاهل بالواقع فهو مسلم إلاّ أنّه غير مجد وإن أراد عدم ترتبه في الواقع المنكشف بالتقليد بعد إيقاع العمل فممنوع لما عرفت من كون الطّرق الشّرعيّة كواشف عن صحّة العمل أو بطلانه من حين وقوعه لا من حين قيام الطّريق ومن هنا يظهر فساد قوله ولم يصر هذا سببا كذلك إلى آخره إذ غاية الأمر عدم ثبوت السّببية عنده قبل التقليد أمّا بعده فهو يكشف عن ثبوتها من أوّل الأمر ومنها قوله والأصل في المعاملات الفساد لأنّ جميع ما ذكره في صورة اختصاص الأثر بمعين أو معينين من قضية انفصال السّببيّة وأصالة الفساد والاستصحاب جار في صورة عدم الاختصاص أيضا كما هو واضح ومنها قوله فيستصحب إلخ لحكومة الأدلة الاجتهادية على الأصول العملية وقد عرفت كون التقليد كاشفا عن صحّة العقد من أوّل الأمر(قوله) وتوريثها منه أي إعطاء الورثة أو الحاكم الإرث من ماله لها(قوله) والإنفاق عليها أي إنفاق الحاكم أو ولي الصّغير أو المجنون عليها من ماله إذا كان مسافرا أو محبوسا أو مجنونا أو غير ذلك ممّا يتفق له من الموانع الشّرعيّة أو العقلية الّتي تمنع من مباشرة الإنفاق له عليها(قوله) نعم لا يكون مكلفا إلخ هذه ثمرة قيام الطّريق العقلي أو الشّرعي (قوله) عرفت مواقع النظر كما عرفتها مستوفاة ممّا قدمناه (قوله) وتمام الكلام في محلّه إلخ قد استوفينا الكلام في ذلك في مبحث الإجزاء بما لا مزيد عليه (قوله) ثمّ إنّ مرآة مطابقة إلخ لا يخفى أنّ الوجوه الأربعة المذكورة في الأمر الأوّل آتية هنا أيضا(قوله) من أن التكليف الأوّلي إلخ لأن المقصود الأوّلي من تكليف العباد امتثال الأحكام الواقعيّة الأولية والطّرق الشّرعية إنّما اعتبرت لكونها غالبة الإيصال إليها لا من حيث الموضوعيّة وموافقة هذه الطّرق إنّما تجدي بالنسبة إلى من سلك بها لا بالنسبة إلى من أهملها وسلك في امتثال الأحكام الشّرعية سبيل هواه وهو كما ترى في غاية من الضّعف لأنّ الكلام في عمل الجاهل على طبق البراءة من دون فحص أعم ممّا أمكن بعد الفحص في مورد العمل للوصول إلى الواقع على سبيل القطع وإلى طريق شرعيّ معتبر وممّا لم يمكن فيه ذلك لأجل عدم وجود طريق قطعي وظنّي في الواقع وممّا أمكن فيه أحدهما دون الآخر وعلى الأوّل أعمّ ممّا وافق الطريق للواقع وممّا خالفه وعلى جميع التقادير أمكن فيه الاحتياط أم لا كما إذا دار الأمر بين المحذورين كما لو دار الأمر بين وجوب فعل وحرمته ولا ريب أيضا أنّه لا فرق في مؤدّيات الأدلة الدّالة على وجوب العمل بمقتضى الطرق الشّرعيّة بين من كان طالبا للوصول إليها والعمل بمؤدّاها ومن أعرض عنها وأخذ في عمله سبيل هوى نفسه نعم لا يجب الأخذ بها تعيينا على من تمكّن من تحصيل العلم بالواقع تفصيلا أو إجمالا بالاحتياط وحينئذ فدعوى عدم ثبوت التكليف بالطّرق الظاهريّة إلاّ لمن عثر عليها واضحة الفساد لأنّه إن أريد بنفي التكليف عمّن لم يعثر عليها نفيه عمّن لم يعثر عليها بعد الفحص فهو خارج ممّا نحن فيه وإن أريد نفيه عمّن لم يعثر عليها قبل الفحص فهو مناف لمقتضى أدلتها كما عرفت سيما فيما لا يمكن تحصيل الواقع فيه تفصيلا ولا إجمالا بالاحتياط إمّا لعدم كون الواقعة موردا له بالذات كما عرفت أو لعروض المانع منه مع فرض التمكن من الفحص ووجود الطّريق الشّرعي في الواقع بحيث يصل إليه بعد الفحص نعم تسليم ثبوت التكليف بها مع وجودها في الواقع وإمكان العثور عليها بعد الفحص ومنع تأثير الموافقة الاتفاقية لها حينئذ مع مخالفة العمل للواقع في إسقاط العقاب كلام آخر سيوضحه المصنف رحمه‌الله عند بيان ما قوّاه وممّا قدّمناه من تعميم محلّ الكلام لما قدمناه يظهر أن قوله في بيان الوجه الثّاني أن الواقع إذا كان في علم الله سبحانه إلى آخره وكذا قوله في بيان الوجه الثّالث فلأنّه كان قادرا على موافقة الواقع بالاحتياط وكذلك قوله في بيان الوجه الرّابع ومن عدم التكليف بالواقع لعدم القدرة أخصّ من المدّعى مضافا إلى ضعف الوجوه المذكورة كما يظهر بالتأمّل في بيان ما قواه (قوله) ومن أن الواقع إذا كان إلخ لا يخفى أنّ الجاهل إذا عمل على طبق البراءة من دون فحص فلا يخلوا إمّا أن يكون المقام بحيث لا يمكن فيه الوصول بعد الفحص إلى الواقع ولا إلى طريق مجعول أو يمكن الوصول فيه إلى الواقع دون الطريق الشّرعي سواء لم يكن هنا طريق أصلا أو كان ولم يمكن الوصول إليه أو بالعكس وعليه لا يخلو إمّا أن يكون الطّريق مطابقا للواقع أو مخالفا له وإمّا يمكن الوصول إلى كلّ من الواقع والطّريق وعليه أيضا إمّا أن يكون الطريق مطابقا للواقع أم مخالفا له وفي موارد التمكن من الوصول إلى الطّريق المجعول إمّا أن يكون الطّريق متحدا

٤٠٦

أو متعددا وعلى الثّاني إمّا أن تتوافق الطّرق في المؤدّى أو تختلف فيه ومقتضى ما ذكره من الوجه أن يكون المدار في باب المؤاخذة وعدمها في القسمين الأولين وفي القسم الرّابع مع اتحاد الطريق وموافقته للواقع على الواقع الأوّلي وفي القسم الثالث مع اتحاد الطريق وكذا مع تعدّده واتحاد المؤدّى على مؤدّى الطريق ويشكل الأمر في هذا القسم فيما لو تعدد الطّريق مع الاختلاف في المؤدّى وكذا في القسم الرّابع مع مخالفة الطريق للواقع مع اتحاده وتعدّده لعدم استفادة حكمهما ممّا ذكره كما لا يخفى (قوله) تكليف واقعي إلخ إمّا أولي أو ثانوي (قوله) ومن عدم التكليف بالواقع إلخ لا يخفى أنّ مقتضى هذا الوجه ارتفاع التكليف من رأس فيما لا يمكن تحصيل الواقع فيه تفصيلا وإن أمكن تحصيله إجمالا بالاحتياط مع فرض عدم وجود طريق مجعول يمكن الوصول إليه بالفحص وهو كما ترى (قوله) من باب حرمة التجري إلخ متعلق بقوله ثابتا يعني ثبوت التّكليف بالطرق إنّما هو من باب كون حرمة مخالفته من باب حرمة التجري فلا يثبت على مخالفتها عقاب من حيث هو لا قبل العثور عليها ولا بعده (قوله) إلاّ أنّه لا مانع إلخ مرجعه إلى دعوى وجود المقتضي وهي مخالفة العمل للواقع وعدم المانع وهو بتقريب ما ذكره فإن قلت إنه لا إشكال في كون العمل بالطرق الظّاهريّة مانعا من ترتب العقاب على مخالفة الواقع لو اتفقت وهو لا بدّ أن يكون لوجود مصلحة في العمل بها وإلاّ لزم تفويت مصلحة الواقع على المكلّف من دون تداركها بشيء وهو قبيح وإذا عمل المكلّف على طبق البراءة من دون فحص وكان التكليف ثابتا في الواقع وكان هنا طريق شرعيّ أيضا ناف له لم يعثر عليه المكلّف فحينئذ يحتمل أن يكون الطّريق متضمنا لمصلحة متداركة لمصلحة الواقع بحيث يسقط التكليف الواقعي مع موافقة العمل له ولو من باب الاتفاق من دون أن يكون العمل مستندا إليه لا يقال إنّ ظاهر أدلّة اعتبار الطرق الشرعية كون اعتبارها من باب الطّريقية والكشف الغالبي عن الواقعي دون الموضوعيّة والقدر المتيقّن من الالتزام بوجود المصلحة المتداركة فيها إنّما هو في صورة استناد العمل إليها لا مطلقا لأنّا نقول إنا لا ندعي القطعي بوجود المصلحة فيها مع الموافقة الاتفاقيّة بل نقول إنّه محتمل ومجرّد عدم العلم بالمانع لا يكفي في إعمال المقتضي إذ لا بدّ فيه من القطع بالعدم ودعوى القطع به هنا كما ترى لا يقال إنّ الأصل عدم هذه المصلحة لأنّا نقول إنّه لا اعتداد بهذا الأصل على مذاق المصنف رحمه‌الله إذ المرتب عليه كون العقاب مرتّبا على مخالفة الواقع وهو أثر عقلي لا يثبت بالأصول مع أنّ قوله قادرا عليه يعني بالاحتياط على إطلاقه ممنوع إذ قد يدور الأمر بين وجوب فعل وحرمته وقد يتعذّر الاحتياط لمانع خارجي كما إذا شكّ في وجوب السّورة ولكن تعذّرت عليه قراءتها لمانع خارجي فصلى بدونها من دون فحص عن الأدلّة وممّا ذكرناه يظهر ضعف قوله فإذا أخطأ لم يترتب عليه شيء لأنّه إن أراد القطع بعدم ترتبه عليه فقد عرفت أنّه لا سبيل إليه وإن أراد عدم العلم به فقد عرفت أنّه غير مجد في المقام ومن هنا يظهر ضعف مقايسة ما نحن فيه على وجوب الإعادة على تقدير تخلّف الطّريق عن الواقع لأنّ عدم وجوب الإعادة مبني على القطع بوجود المصلحة في الطّريق بحيث تكون متداركة لمصلحة الواقع على تقدير تخلّفه عن الواقع سواء ظهرت مخالفته للواقع بعد العمل به أم لا إذ مع احتمال تقيد مصلحة بعدم ظهور مخالفته للواقع قبل خروج الوقت لا بدّ من الإعادة لبقاء الأمر الأوّل بخلاف ما نحن فيه إذ لا بدّ في دعوى ترتب العقاب على مخالفة الواقع من القطع بعدم المصلحة في الطّريق الذي فرض اتفاق موافقة العمل له ولا يكفي فيه عدم العلم به كما عرفت قلت إنّ ظاهر أدلّة اعتبار الطرق الظّاهريّة كما صرّح به المصنف رحمه‌الله كون اعتبارها من باب الطّريقية والالتزام بتضمنها للمصلحة المتداركة مع تخلفها عن الواقع واستناد العمل إليها إنّما هو من باب الضّرورة ودفع قبح تفويت مصلحة الواقع من التمكن من الوصول إليها عن الشارع ولا ضرورة مع عدم استناد العمل إليها وإن اتفقت موافقته لها فيقتصر في الخروج من ظاهر الأدلة على القدر الّذي تدعو إليه الضّرورة وأمّا ما أوردته على المقايسة المذكورة ففيه أنّ المطلوب في المقام أعني إثبات كون المدار في العقاب على مخالفة الواقع وإن كان مبنيا على إثبات خلو الطّريق في صورة عدم استناد العمل إليه من المصلحة وفي مقام إثبات وجوب الإعادة على احتمال تقيد مصلحة الطريق بعدم انكشاف الخلاف إلاّ أنّ الاستشهاد للمدّعى بوجوب الإعادة مع انكشاف تخلف الطّريق عن الواقع إنّما هو من حيث ابتناء كل من المدعى في المقام ووجوب الإعادة على اعتبار الطرق من باب الطريقية دون الموضوعية وإن اختلفت جهة الكلام في المقامين بتقريب ما ذكر في السؤال نعم ما أورد على إطلاق قوله قادرا عليه متّجه كما لا يخفى (قوله) نعم إذا عثر عليه إلخ حاصله دعوى حرمة مخالفة الطّرق الشرعيّة من باب التجري على تقدير العثور عليها وعدمها مع عدم العثور عليها وإن كانت موجودة في الواقع وفيه نظر لأنّ الجاهل إذا ترك الاحتياط وعمل على طبق البراءة من دون فحص مع احتماله لوجود دليل ناقل في الواقع فهو أيضا نوع من التجري وهو واضح ولذا يستقل العقل بوجوب الاحتياط في صورة عدم الفحص عن الأدلّة(قوله) من باب التجرّي إلخ على القول بحرمته وحاصله أنّ استحقاق العقاب حينئذ إنّما هو من باب التّجري لا من باب حرمة مخالفة فتوى المفتي ولو مع فرض مخالفتها للواقع (قوله) لزم من ذلك إلخ في إطلاق الملازمة منع لأنّها إنّما تتجه مع رجحان مصلحة الطريق على مصلحة الواقع بحيث أغمض الشّارع مع وجوده عن الواقع من رأس بخلاف ما لو تساوتا إذ مقتضاه ثبوت التخيير بين العمل بالواقع والطّريق وعلى هذا التقدير يتجه الوجه الرّابع كما هو واضح ثمّ إنّ تحقيق الكلام في كيفية جعل الطرق قد تقدّم في مباحث الظنّ فراجع (قوله) وقد استثنى الأصحاب إلخ هذا هو المشهور بل حكي عليه الإجماع وورد به النصّ وقد استثنى جماعة الجاهل بمفطرات الصّوم أيضا وإن كان مقصّرا لأنّهم قد اختلفوا فيه على أقوال فعن الأكثر بل المشهور فساد الصّوم بها ووجوب القضاء والكفّارة عليه وعن الشيخ في التهذيب وابن إدريس أنّه إذا جامع أو أفطر جاهلا بالتحريم لم يجب عليه شيء وظاهرهما سقوطهما معا واحتمله في محكي المنتهى وعن المعتبر الذي يقوى عندي فساد صومه ووجوب القضاء دون الكفّارة وحكاه في المدارك مع اختياره عن أكثر المتأخرين وقيل بالتفصيل بين الجاهل المقصّر في السّؤال فيجب عليه القضاء والكفّارة وبين غير المقصّر فلا يجب عليه الكفارة خاصة حكاه في الجواهر عن بعض مشايخه لأن ظاهر من نفي القضاء كما عرفته من الشيخ والحلي هو الحكم بصحّة الصّوم وظاهرهما الحكم بالمعذورية من حيث الحكم الوضعي دون التكليفي وحينئذ يأتي هنا أيضا الإشكال الّذي ذكره المصنف رحمه‌الله في استثناء مسألتي الجهر والإخفات والقصر والإتمام ولم أر من تعرّض للإشكال هنا نعم قد حكي عن المنتهى تعليل عدم القضاء والكفارة برفع القلم عن الجاهل وظاهره دعوى المعذورية من حيث الحكم التكليفي أيضا وعليه لا يأتي فيه

٤٠٧

الإشكال المذكور لابتنائه كما ستعرفه على بقاء التّكليف بالواقع وصحّة العمل المأتي به ومن هنا يظهر أيضا عدم تأتي الإشكال المذكور فيما أفتى به جماعة من حلية أكل الرّبا مع الجهل بالحكم مع التقصير لتصريحهم بالمعذورية بحسب الحكم التكليفي وفساد المعاملة قال في الدّلائل اعلم أنّ المعاوضة الرّبوية باطلة من أصلها في القدر الزّائد والمساوي عالما وجاهلا قاصرا ومقصّرا لكن الدّليل دلّ على أنّ الجاهل هنا لا إثم عليه وإن كان مقصّرا وأنه متى عرف وتاب حلّ له ما مضى من الرّبا وإن كان متميّزا وصاحبه معروفا وإن لم يتب فكالعامد انتهى (قوله) بمعذورية الجاهل إلخ المراد به الجاهل بالجهل المركب لعدم تأتي قصد القربة من الجاهل بالجهل البسيط فتبطل عبادته من هذه الجهة لا محالة(قوله) وظاهر كلامهم إرادتهم إلخ هذا ظاهر ما سئل عنه الرّسي والرّضي والسيّد المرتضى رضي الله عنهم على ما حكاه عنهم جماعة قال الأوّل ما الوجه فيما تفتي به الطّائفة من سقوط فرض القضاء عمّن صلّى من المقصرين صلاة المتمّم بعد خروج الوقت إذا كان جاهلا بالحكم في ذلك مع علمنا بأنّ الجهل بأعداد الرّكعات لا يصحّ معه العلم بتفاصيل أحكامها ووجوهها إذ من البعيد أن يعلم بالتفصيل مع جهل الجملة الّتي هي الأصل والإجماع على أن من صلى صلاة لا يعلم أحكامها فهي غير مجزية وما لا يجزي من الصّلاة يجب قضاؤه ويقرب منه سؤال الثّاني أيضا وأجاب المرتضى عنه مقرّرا لهما على ما يستفاد من كلامهما من كون الحكم مفروغا منه تارة بأنّه يجوز تغيّر الحكم الشّرعي بسبب الجهل وإن كان الجاهل غير معذور وأخرى بما يقرب منه أيضا من أنّ الجهل وإن لم يعذر صاحبه وهو مذموم يجوز أن يتغيّر معه الحكم الشّرعي ويكون حكم العالم بخلاف حكم الجاهل وقال في الجواهر بعد نقله وكأنّه يريد أن الجاهل هنا أيضا غير معذور بالنسبة للإثم وعدمه وإن كان فعله صحيحا للدّليل وستعرف تتمة كلامه (قوله) فحينئذ يقع الإشكال إلخ توضيح الإشكال إنّ مقتضى عدم معذورية المكلّف بحسب الحكم الواقعي بقاء الأمر بالواقع ومقتضى كون المأتي به مسقطا عن الواقع كونه صحيحا إذ لا معنى لإسقاط الباطل وصحّته فرع الأمر به لأنّه معنى الصّحة في العبادات وحينئذ يلزم الأمر بضدّين في آن واحد وهو خلف وحينئذ لا بدّ في دفع الإشكال كما ذكره المصنف رحمه‌الله إمّا من منع أحد الأمرين أو دعوى عدم التضاد بينهما والوجوه المذكورة في مقام الجواب عن الإشكال المذكور راجعة إلى أحدهما(قوله) إمّا بدعوى كون القصر إلخ هذا الجواب قد تقدم عن المرتضى في جواب ما أورده الرّسي وأخوه الرّضي رضي الله عنهم وحاصله تغيير الأحكام الواقعية بالعلم والجهل فالمسافر العالم بالقصر حكمه القصر في الواقع والجاهل به حكمه الإتمام كذلك وكذا في مسألة الجهر والإخفات وفيه أولا أنه غير معقول إذ مقتضى فرض العلم أو الجهل بحكم كونهما مسبوقين به فكيف يكون مدار وجوده عليهما وثانيا أنّه مستلزم للتّصويب الذي لا يقول به المصوّبة لما عرفت من استلزامه كون مدار الأحكام الواقعيّة على الاعتقاد وأمّا عدم قول المصوبة بذلك فلأنّهم إنّما يقولون بالتصويب في الموارد الخالية من النص كما في موارد القياس والمصالح المرسلة وقد تقدم دلالة النّص والإجماع على حكم ما نحن فيه اللهمّ إلاّ أن يراد من اختلاف الأحكام بالعلم والجهل تنجز الحكم الواقعي بالعلم في حق العالم وحدوث حكم ظاهري في حقّ الجاهل على حسب اعتقاده كحدوث الإباحة الظّاهريّة في حق الجاهل بالوجوب والحرمة مع بقاء الحكم الواقعي على حاله في الواقع ولكن ينافيه ما تقدّم عند شرح قوله وظاهر كلامهم إرادتهم إلى آخره من كون ظاهرهم إرادة عدم المعذوريّة بحسب الحكم الواقعي ومن هنا قد حمل كلامهم في الجواهر على إرادة قضيّة الترتّب الّذي نقله المصنف رحمه‌الله عن كاشف الغطاء قدس‌سره كما ستقف عليه (قوله) إلا أنّه مستغنى عنه إلخ لأنّه إن أراد الاستغناء ما دام اعتقاد الخلاف باقيا فله وجه وكذا إن انكشف الخلاف بعد خروج الوقت بناء على كون القضاء بأمر جديد وأمّا إن انكشف الخلاف في الوقت فلا وجه له إذ لا بد حينئذ من الإعادة لأنّ المسافر إذا اعتقد أن تكليفه الإتمام وصلّى تامة ثم انكشف خلافها قبل خروج الوقت لا يكون المأتي به مجزيا وإن قلنا بالإجزاء في الأوامر الظاهرية لعدم حدوث أمر ظاهري بسبب الاعتقاد بالمأتي به لأنّ غايته المعذورية في عدم الإتيان بالواقع ما دام الاعتقاد باقيا لا حدوث أمر من قبل الشّارع بالمعتقد كما قررناه في مسألة الإجزاء واعترف به المصنف رحمه‌الله في بعض كلماته (قوله) لكن هذا كلّه إلخ لأن مرجع هذه الأربعة إلى عدم تعلق التكليف بالواقع في حق الجاهل إمّا لكون التكليف الواقعي في حقه ما اعتقده وإمّا لعدم تنجز التّكليف الواقعي في حقّه أو لارتفاع خطابه وإن كان معاقبا على مخالفة الواقع (قوله) بالتزام أنّ غير الواجب إلخ بأن كان المأتي به أمرا أجنبيّا غير مأمور به وكان مع ذلك مسقطا عن الواجب وهذا الوجه قد اختاره بعض مشايخنا وفيه مضافا إلى ما أورده عليه المصنف رحمه‌الله أنّه مناف لقاعدة اللّطف لأنّه إذا اعتقد المسافر كون التكليف في حقّه الإتمام وصلّى تامّة ثم انكشف خلافه قبل خروج الوقت فمقتضى اللّطف الباعث على بعث الأنبياء وإرسال الرّسل ونصب الأوصياء عليهم الصّلاة والسّلام وتكليف العباد بما كلّفوا به هو بقاء الأمر الواقعي وكون الجاهل مكلّفا بامتثاله بعد زوال جهله (قوله) نعم قد يوجب إتيان إلخ فعليه لا بدّ من دعوى كون الحرام مسقطا عن الواجب (قوله) إنّ الظاهر من الأدلة إلخ روى ابن بابويه في الصّحيح عن زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قالا قلنا فمن صلّى في السّفر أربعا يعيد أم لا قال إن كان قرئت عليه آية التقصير وفسّرت له فصلى أربعا أعاد وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه وظاهر نفي الإعادة صحة الصّلاة المأتي بها وكونها مطلوبة للشّارع وفي صحيحة زرارة الواردة فيمن جهر في موضع الإخفات أو عكس وإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه وقد تمّت صلاته (قوله) وثبوت الأمر بالبدل فتأمّل إلخ لعلّ الأمر بالتأمّل إشارة إلى منع تعلق الأمر بالبدل في كلّ مورد لأنّ الفعل الاضطراري قد يسقط عن الواجب بل فعل الغير أيضا قد يسقط عنه كما صرّح به المحقق القمي رحمه‌الله كما إذا وجب غسل الثوب للصّلاة فأطارته الريح إلى الماء فانغسل بنفسه أو وجب عليه تحصيل الماء للوضوء أو الغسل ففاجأه من أتاه به ولكنّك خبير بأنّه تمكن دعوى الكلية الّتي ادعاها المصنف رحمه‌الله في الأبدال الشرعيّة وما ذكر إنّما هو من قبيل الأبدال العقلية لجواز حصول الغرض في الواجبات التوصلية بالفعل الاضطراري أو فعل الغير بخلاف الواجبات التعبّدية ويحتمل أن يكون الأمر بالتأمّل إشارة إلى أنّه إن أريد بالكليّة الّتي ذكرها الاستقراء التام المفيد للقطع في مورد الشكّ فهو ممنوع وإن أريد بها الاستقراء الناقص المفيد للظنّ فهو ليس بحجة ويحتمل أن يكون أشار إلى انتقاض الكليّة بمثل السّفر المسقط لوجوب الصّوم مع عدم الأمر به يقينا(قوله) والثّالث بما ذكره كاشف الغطاء إلخ على هذا الوجه حمل في الجواهر ما تقدّم من المرتضى رحمه‌الله قال بعد نقله وكأنّه يريد أنّ الجاهل هنا أيضا غير معذور بالنسبة للإثم وعدمه وإن كان فعله صحيحا للدّليل إذ لا بأس بترتيب الشّارع حكما على فعل أو

٤٠٨

ترك لمكلّف عاص به كما في مسألة الضدّ الّتي مبناها أنّ الشّارع أراد الصّلاة من المكلّف وطلبها منه بعد عصيانه بترك الأمر المضيق الّذي هو إزالة النجاسة مثلا فهنا أيضا يأثم هذا الجاهل بترك التعلم والتفقه المأمور بهما كتابا وسنة إلا أنّه لو صلى بعد عصيانه في ذلك صحت صلاته للدّليل فتأمل انتهى وهو كما ترى بعيد عن كلام المرتضى في الغاية فتدبّر وكيف كان فحاصل ما ذكره كاشف الغطاء أنّ الممتنع هو الأمر بضدّين مطلقا في آن واحد وأمّا إن كان على وجه الترتب فلا استحالة فيه بأن كان الأمر بأحدهما مرتبا على تحقق العصيان بمخالفة الآخر فنقول فيما نحن فيه إنّ التكليف أوّلا بالذات إنما هو بالواقع وإذا عصى بمخالفته تحقق الأمر بما اعتقده من وجوب الإتمام في السّفر أو الجهر في موضع الإخفات أو بالعكس ونقول أيضا في مسألة الضدّ إن التكليف أولا وبالذات إنما هو بإزالة النجاسة وإذا عصى بمخالفته تعلّق الأمر بالصّلاة وهكذا يقال في جميع موارد الأمر بالضدّين ظاهرا وحاصل ما أورده عليه المصنف رحمه‌الله من عدم تعقّل ذلك أنّه إذا فرض ترتب الأمر بغير الأهم على مخالفة الأمر بالأهم فلا شك أن مخالفته لا تتحقق بمجرّد عزم على المخالفة إذ إطاعة الأوامر ومخالفتها ليستا دائرتين مدار الإرادة والعزم فمخالفة الأمر بالأهم في المضيقين لا تتحقق إلاّ بالشّروع في غير الأهم والفرض أنّ الشّروع فيه على وجه الإطاعة والامتثال الّذي هو فرع تحقق الأمر به لا يمكن إلاّ بعد تحقق مخالفة الأمر بالأهمّ قبله لفرض عدم تعلق الأمر بغير الأهم إلا بعد تحقق مخالفته فليس هنا زمان تفرض فيه مخالفة الأمر بالأهم حتّى يتحقّق الأمر فيه بغير الأهمّ ليمكن الشّروع فيه على وجه الإطاعة والامتثال ثمّ إن قضيّة الترتب لعلّه قد أخذها كاشف الغطاء من المحقق الثّاني وقد تبعه صاحب الفصول وأخوه صاحب الهداية وذيل الكلام في ذلك وسيع قد أشبعناه في مبحث الضدّ وقد طوينا الكشح عن إطالة الكلام فيها وما يرد عليها من وجوه الإشكال لخوف الإطالة (قوله) حتّى العقل إلخ لعل الوجه فيه أنّ عدم حكم العقل بالبراءة قبل الفحص في الشبهات الحكميّة إنما هو من جهة كون العمل بها قبل الفحص عن دليل الواقعة مع احتمال وجوده في الواقع وإمكان الوصول إليه بالفحص نوع تجرّ على مخالفة الشّارع نعم بعد الفحص والعجز عن الوصول إليه يحكم بعدم تنجز التكليف بالواقع لو كان لأجل قبح التكليف بلا بيان وهذا الوجه غير جار في الشبهات الموضوعيّة بناء على ما حققه في الشّبهة التّحريميّة الموضوعيّة من عدم كون الخطابات الواقعيّة دليلا على الشبهات الخارجة في نظر أهل العرف فوجود هذه الخطابات لا يمنع من العمل بأصالة البراءة في المصاديق الخارجة المشتبهة نعم لو كان العمل بها مستلزما للمخالفة الكثيرة كان هذا مانعا من العمل بها كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله في ذيل كلامه لكونها في نفسها مع قطع النّظر عن مخالفة العلم الإجمالي قبيحة عند العقل وهذا أيضا هو الوجه في عدم جواز العمل بأصالة البراءة عند الانسداد أو الأغلبي كما تقدم في محلّه (قوله) لو كان هذا المقدار يمنع يعني أن العلم بالتكليف مع الشكّ في مقدار المكلّف به وتردد الأمر فيه بين الأقل والأكثر الاستقلاليين إن كان مانعا من إجراء أصالة البراءة قبل الفحص كان مانعا منه بعده أيضا إذ الفحص لا يزيل العلم الإجمالي مطلقا فمع عدم تبيّن الحال بعد الفحص لا بدّ من العمل بالاحتياط دون البراءة لوجود المانع بالفرض (قوله) ليس مبنيا على وجوب الفحص إلخ مع التّسليم لا يجب الفحص أيضا كما قدّمناه في بيان تقرير دلالة العقل فراجع (قوله) كما لا يجب الإعطاء أي والحال أنّه لا يجوز كما لا يجب فالمشبه هو عدم الجواز(قوله) وبعد الفحص عن حال المشكوك إلخ يعني أنّ الفحص إن كان واجبا وجب الإعطاء في المثال بعد الفحص والعجز عن العلم بالحال والمفروض أنّه غير واجب (قوله) إنّ وجوب التبين شرطي إلخ لا يذهب عليك أنّ الاستدلال بالآية على حجّية خبر العدل تارة بمفهوم الوصف كما هو ظاهر قول صاحب المعالم فيما نقله عنه المصنف ره هنا إن وجوب التثبت فيها متعلق بنفس الوصف إلى آخره وأخرى بمفهوم الشّرط وهي على الأوّل ظاهرة في كون الفسق سببا لوجوب التبين وعليه تكون الآية منساقة لبيان جواز العمل بخبر العادل من دون تبين وكون التبيّن شرطا في جواز العمل بخبر الفاسق وكون الفسق سببا لاشتراط ذلك فيه وعلى الثّاني تحتمل وجهين أحدهما أن يكون العدالة شرطا كما ذكره المصنف رحمه‌الله وعليه تكون الآية منساقة لبيان جواز العمل بخبر الواحد بشرط عدالته وكون التبيّن شرطا في جواز العمل بخبر الفاسق الثّاني أن يكون الفسق مانعا وعليه تكون الآية واردة لبيان جواز العمل بكل خبر إلاّ خبر الفاسق وكون التبين شرطا في جواز العمل بخبر الفاسق وعلى جميع التقادير تكون الآية منساقة لبيان حجّية خبر العادل من دون تبيّن وكون التبين شرطا في جواز العمل بخبر الفاسق لا كونه واجبا نفسيّا كما حققه عند الاستدلال بالآية على حجية خبر الواحد ومقتضاها على جميع هذه التقادير عدم جواز العمل بخبر مجهول الحال لا قبل الفحص ولا بعده مع عدم تبيّن الحال للشك في حجيّة خبره وهو في حكم العلم بعدمها كما ستعرفه فردّ خبره حينئذ من هذه الجهة لا من جهة ما ذكره صاحب المعالم كما ستقف عليه نعم ربّما يتوهّم على الوجه الأخير جواز العمل بخبره من دون فحص نظرا إلى كون الشكّ حينئذ في المانع فينفي بالأصل وفيه أنّ هذا الأصل إنّما يجري فيما علم عدم وجود المانع في زمان حتّى يستصحب لوضوح عدم إثبات عدم المانع المطلق لعدم المانع الخاص والمفروض في المقام خلافه إذ لا إشكال مع العلم بعدمه في السّابق ثمّ إنّ صاحب المعالم لمّا استند في إثبات عدم جواز العمل بخبر مجهول الحال إلى كون المقام من موارد قاعدة الاحتياط دون البراءة نقول في توضيح ما اعترض به عليه المصنف رحمه‌الله تأكيدا لما قدمناه إنّ وجوب الاحتياط هنا ليس من جهة أن تعليق حكم بوصف واقعي هو شرط في تحققه يوجب عدم جريان البراءة كيف لا ولو صح هذا لجرى في الشبهة التحريميّة الموضوعيّة أيضا إذ مع تردّد مائع بين كونه خمرا أو خلا يمكن أن يقال إنّ الحلية مشروطة بكون هذا الشيء خلا فلا بدّ من الاحتياط حتّى يحصل القطع بالبراءة بل من جهة أنّ الآية مسوقة لبيان شرطية العدالة في حجيّة خبر الواحد وكون التبيّن حينئذ شرطا في جواز العمل بخبر الفاسق ومرجعه إلى اشتراط قبول الخبر في نفسه من دون تبيّن بعدالة المخبر وعدم جواز العمل به مع فسقه إلاّ بشرط التبيّن عن حاله وحينئذ فمع الشكّ في العدالة يحصل الشكّ في الحجيّة ومع الشكّ فيها فالعقل يستقل بعدمها كما يستقل به مع الشكّ فيها ابتداء كما إذا شك في حجيّة خبر الواحد مطلقا مع القطع بعدم اشتراط حجّيته بشيء في الواقع على تقدير حجيته كذلك فالشكّ في الحجيّة ليس بمورد لأصالة البراءة مطلقا وإن قلنا بها في سائر موارد الشبهة الموضوعيّة وقد نبه المصنف رحمه‌الله على مثله عند الرّد على من تمسّك بأصالة الإباحة لإثبات حجيّة الظن (قوله) لكن الشأن في صدق إلخ لأنّ الغالب حصول العلم بالموضوع وجودا أو عدما من دون فحص واحتياج إليه فلا تلزم المخالفة الكثيرة حينئذ بالعمل بأصالة البراءة في الموارد الباقية المشكوك فيها(قوله) ففيه أنّه مسلم ولا يجدي إلخ لأنّ الأمر بالشيء إنّما يقتضي إيجاب ما لا يتم الواجب إلاّ به أعني المقدّمات الوجودية للمأمور به والعلم بوجود شرط الوجوب ليس من قبيلها ولذا يصح الحجّ من الجاهل

٤٠٩

بالاستطاعة فتسليم توقف وجوب الفعل على شرط وجوبه دون العلم به مسلم إلا أنّه غير مجد في شيء لأنّ عدم توقف الوجوب على العلم بشرط الوجوب لا يستلزم تحصيل العلم بالوجوب على تقدير وجود الشرط في الواقع لما عرفت من عدم كونه من المقدمات الوجودية للمأمور به وغاية الأمر احتمال تحقق وجود الشرط فيحتمل وجوب الفعل لأجل ذلك لكنه ينفي بالأصل كما أفاده المصنف ره (قوله) فملخّصه أن حدّ الفحص إلخ لا يخفى أن في مقدار الفحص وجوها أحدها وجوب الانتهاء في الفحص إلى أن يحصل العلم بعدم الدّليل النّاقل وثانيها وجوبه إلى أن يحصل اليأس من وجدانه في الكتب المعتبرة التي بأيدينا اليوم وهو اختيار المصنف رحمه‌الله وثالثها جواز الاكتفاء فيه بمطلق الظنّ بعدم الدّليل الناقل وتنشأ من حرمة العمل بما عدا العلم ومن أنّه إن أريد من العلم بالعدم العلم بعدمه في الواقع فهو متعذر وإن أريد العلم بعدمه في الكتب الّتي يمكن الوصول إليها فهو متعسّر وموجب لتعطيل أكثر الأحكام فلا بدّ من التنزل إلى اعتبار الظنّ ولكنّ الظنّ إذا اختلفت مراتبه قوّة وضعفا فالعقل لا يجوّز العدول عن القويّ إلى الضّعيف كما قرّر عند تقرير دليل الانسداد ومن أنّه إذا اكتفي في إثبات أصل الأحكام بالظنّ ففي الفحص عن أدلّتها بطريق أولى وفيه أنّه إن أريد هذا على القول بمطلق الظنّ يرد عليه أنّه لا وجه لاشتراط الفحص إلى أن يحصل الظنّ بالعدم على هذا القول لأنّه مع حصول الظن بالعدم يكون هذا الظنّ دليلا على عدم الحكم فلا وجه معه للاستناد إلى أصالة البراءة اللهمّ إلا أن يريد إفادة الفحص مع ضميمة أصالة البراءة للظنّ بالعدم فتأمل وإن أريد على القول بالظنون الخاصة يرد عليه أن هذه الظّنون علوم شرعيّة ولا يلزم من الاكتفاء بها الاكتفاء بمطلق الظنّ وقد عرفت الدّليل على الاكتفاء بالظنّ الأقوى مضافا إلى إمكان دعوى بناء العقلاء عليه في خصوص المقام اللهمّ إلاّ أن يدعى كون اعتبار الظنّ الأقوى أعني الاطمئنان والوثوق بالعدم موجبا لتعطيل أكثر الأحكام نظير ما عرفته في اعتبار العلم وهو غير بعيد(قوله) أمكن أن يكون قوله حجّة إلخ من باب الرّواية دون التقليد المصطلح كما يظهر ممّا ذكره في المقام (قوله) لكن اللازم حينئذ إلخ لأن جواز التقليد بالمعنى المتقدم في الحاشية السّابقة إنّما هو من باب الاضطرار والمتيقّن منه هي صورة حصول الظنّ بعدم الدّليل بعد الفحص وأنت خبير بإمكان منع جواز التقليد بالمعنى المذكور على هذا التقدير أيضا لأنّ اعتبار العلم بالعدم إن كان موجبا لتعطيل الأحكام الّتي كان الاحتياط فيها موجبا للعسر كما هو الفرض كان ذلك كاشفا عن انسداد باب العلم في غالب الأحكام وكان اللاّزم حينئذ الاقتصار في إثبات الأحكام والفحص عن أدلتها على الظنّ لا التقليد في الموارد المذكورة وذلك لأنّ المدار في انفتاح باب العلم على ما صرّح به المصنف رحمه‌الله في مباحث الظنّ إمكان تحصيل جملة من الأدلّة وافية بأغلب أبواب الفقه بحيث لا يلزم من العمل بالأصول في الموارد الخالية منها محذور ولا ريب أنّه إذا فرض كون اعتبار العلم بعدم الدّليل في العمل بأصالة البراءة موجبا لتعطيل أحكام موارد كثيرة بحيث كان العمل بالاحتياط فيها موجبا للعسر كان العمل بالأصول في تلك الموارد مستلزما للمخالفة الكثيرة وإلا لم يلزم العسر من الاحتياط فيها فلزوم العسر من العمل به فيها كاشف عن عدم ثبوت مقدار من الأدلة واف بأغلب أبواب الفقه فالأولى في تعليل عدم وجوب تحصيل العلم بالعدم هو دعوى بناء العقلاء بل استمرار سيرة العلماء على كفاية الاطمئنان وعدم وجوب تحصيل العلم مع أنّ العمدة في عدم جواز العمل بالبراءة قبل الفحص إمّا هو الإجماع أو الأخبار أو عدم معذورية المكلف مع مخالفة العمل للواقع إذا بنى على أصالة البراءة قبل الفحص والمتيقن من الأوّل غير ما نحن فيه والثّاني غير منصرف إلى ما نحن فيه أعني صورة الاطمئنان بعدم الدّليل والثالث غير جار فيما نحن فيه (قوله) لأصل البراءة شروطا إلخ لا يخفى أن جعل ما ذكره من شروط العمل بأصل البراءة مبنيّ على عدم الفرق بينها واستصحاب العدم عندهم وإلاّ فأصالة عدم بلوغ الماء كرّا وأصالة عدم تقدم الكرية من قبيل الثّاني دون الأوّل وهو واضح ولكن صريح صاحب الوافية عدم اختصاص ما ذكره من الشّروط بأصالة البراءة لأنّه قال اعلم أن لجواز التمسّك بأصالة براءة الذّمّة وأصالة العدم وبأصالة عدم تقدم الحادث شروطا إلى آخر ما ذكره وما نقله المصنف رحمه‌الله عنه قد تبع فيه المحقق القمي وستقف عند شرح ما يتعلق بحكم المشهور بالطهارة فيما علمت الكرّية والملاقاة وشك في المتقدّم منهما على عبارة صاحب الوافية فانتظرها(قوله) توضيح الكلام إلخ إيضاح هذا التوضيح أنّ مرجع ما ذكره صاحب الوافية إلى اشتراط جواز العمل بأصالة البراءة بعدم معارضتها أصلا آخر من جهة أخرى لأنّه إذا استلزم العمل بها لإثبات حكم شرعي من جهة أخرى فأصالة عدم هذا الحكم الشّرعي تعارضها وهو رحمه‌الله لم يفرق بين الأصول الحاكمة والمحكوم عليها والأصول المعارضة والضّابط في المقام أنّ الأصلين المفروضين لا يخلوان إمّا أن يكون الشك المأخوذ في كلّ منهما مسببا عن سبب آخر كالشك في نجاسة ماء وفي غصبية أرض وإمّا أن يكون مسبّبا عن ثالث كما في مثال الظّهر والجمعة والقصر والإتمام والإناءين المشتبهين لكون الشّكّ في كلّ من المشتبهين في هذه الأمثلة مسبّبا عن العلم الإجمالي وإمّا أن يكون الشّك في أحدهما مسبّبا عن الآخر كالشكّ في الثوب المغسول بماء مشكوك النجاسة مع العلم بسبق طهارته ومن هذا القبيل المثال الثّاني من الأمثلة الّتي ذكرها الفاضل التّوني لكون الشكّ في النجاسة مسببا عن الشكّ في الكرّية وكذا في مثال الحجّ وكذلك الصّلاة مع الشكّ في طهارة الماء وهكذا أمّا الأوّل فلا إشكال فيه لعدم مجال توهم التعارض فيه أصلا وأمّا الثّاني فهو مورد تعارض الأصلين وفي عدم جواز العمل بهما مسلكان وقد اختلفت فيهما كلمات المصنف رحمه‌الله أحدهما عدم شمول أدلّة البراءة لصورة العلم الإجمالي من رأس كما سلكه في الشّبهة المحصورة والآخر تساقطهما لأجل التعارض الذي هو فرع الجريان وقد سلكه هنا وفي غير موضع من مباحث هذا المقصد وهذان المسلكان إنما هما فيما كان العمل بالأصلين مستلزما لمخالفة العلم الإجمالي بحسب العمل وإن استلزمها بحسب الالتزام فيعمل بكل منهما من دون اعتبار معارضة بينهما كما صرّح به في غير موضع من الكتاب وجعله هنا أحد الوجهين فيما دار الأمر فيه بين وجوب فعل وحرمته ومال إلى عدم الجواز في فروع العلم الإجمالي وأمّا الثّالث فهو موضوع مسألة المزيل والمزال وقد اختلفت كلماتهم فيها فصريح المحقق القمي رحمه‌الله والمحكي عن جماعة كالشيخ والمحقّق والعلاّمة في بعض أقواله كما نقله عنهم المصنف رحمه‌الله في مبحث الاستصحاب اعتبار التعارض بينهما ومختار المصنف رحمه‌الله تقديم الأصل في الشك السّببي عليه في الشك المسبّب وهو المتصور وحينئذ يقع الإشكال في أنهم مع هذا الاختلاف والتشاجر في تلك المسألة قد اتفقوا في مسألة الحجّ على وجوبه بنفي الدّين المشكوك فيه بأصالة البراءة ولم يحكموا بالتعارض بينها وبين أصالة البراءة عن وجوب الحجّ ويمكن التّوفيق بينهما

٤١٠

بوجهين أحدهما أن يكون نزاعهم في مسألة المزيل والمزال مبنيا على اعتبار الاستصحاب من باب الأخبار إذ يمكن أن يقال حينئذ إن شمول الأخبار المذكورة بعمومها لأحد الاستصحابين ليس بأولى من شمولها للآخر وأمّا إن قلنا باعتباره من باب بناء العقلاء فلا خلاف لهم في تقديم الأصل في الشك السّببي عليه في الشكّ المسبّب لاستقرار بنائهم عليه وقد ادعى المصنف رحمه‌الله في مبحث الاستصحاب استمرار سيرة النّاس عليه ولا ريب أنّ عمدة أدلّتهم على البراءة هو العقل وبناء العقلاء وكذا استصحاب العدم لكون اعتباره أيضا عندهم من باب بناء العقلاء فلا مناص حينئذ من تقديم أصالة عدم وجوب الدّين على أصالة عدم وجوب الحجّ ولكنّه ربّما يشكل بعدم تمسّك أحد من العلماء في اعتبار الاستصحاب مطلقا بالأخبار إلى زمان والد شيخنا البهائي قدس‌سرهما على ما سيصرح به المصنف رحمه‌الله في محلّه وثانيهما أنّ اختلافهم في مسألة المزيل والمزال إنّما هو فيما إذا لم يكن الأصل في الشكّ السّببي من الأصول الموضوعيّة وإلاّ يقدم على الشك المسبّب بلا خلاف لدعوى الشيخ علي في حاشية الرّوضة إجماعهم على تقديم الأصول الموضوعيّة على الحكميّة وأصالة عدم الدّين من الأصول الموضوعية بالنسبة إلى أصالة عدم وجوب الحجّ فيختص نزاعهم في مسألة المزيل والمزال بما كان الأصلان فيه من الأصول الحكميّة كاستصحاب النجاسة والطّهارة أو عدمها إذا كان الشكّ في موضوع أحدهما مسبّبا عن الآخر والعجب من المحقق القمي رحمه‌الله فإنّه مع تسليمه جريان أصالة عدم الدّين في مثال الحجّ من دون معارضتها أصالة عدم وجوب الحجّ ادعى المعارضة في مثال الملاقي للنجاسة المشكوكة الكرّية قال إنّ التمسّك بأصالة عدم الكرّية صحيح ولا يوجب ذلك الحكم بوجوب الاجتناب عما لاقاه لمعارضته باستصحاب طهارة الماء وطهارة ملاقيه انتهى مع كون استصحاب عدم الكرّية أيضا من الأصول الموضوعية فلم يعلم وجه الفرق بين المثالين ويشكل هذا الوجه أيضا باختلاف كلماتهم في المقام فربّما يحكمون بتعارض أصالة عدم الحكم أصالة بقاء الموضوع ولذا ترى أنّ الشيخ في مبسوطه ذهب إلى عدم وجوب فطرة العبد إذا لم يعلم خبره واستحسنه في المعتبر مجيبا عن الاستدلال للوجوب بأصالة البقاء بمعارضتها أصالة عدم الوجوب وحكي عن العلاّمة أيضا في بعض كتبه الحكم بطهارة الماء القليل الذي وقع فيه الصّيد مع عدم العلم باستناد موته إلى الرّمي أو إلى الوقوع في الماء مع أنّ أصالة عدم التذكية من الأصول الموضوعية بالنسبة إلى أصالة طهارة الماء فالإنصاف عدم ثبوت الإجماع المذكور وبقاء التنافي بين إجماعهم في مثال الحجّ واختلافهم في تلك المسألة وهذا أيضا ظاهر المصنف رحمه‌الله في مبحث الاستصحاب لأنّه مع استدلاله على تقديم الأصل في الشك السّببي عليه في الشكّ المسبّب بالإجماع عليه في كثير من الموارد الّتي منها مثال الحجّ قد نقل كلماتهم المنافية له الّتي قد عرفت شطرا منها ولنرجع إلى توضيح ما ذكره المصنف قدس‌سره فنقول إنّ الشّارع قد يرتب حكما على موضوع ويجعل لهذا الموضوع شرائط وموانع ويحصل الشّكّ في تحقّق هذا الحكم لأجل الشك في بعض موانع هذا الموضوع أو شرائطه كما في مثال الحجّ إذا حصل الشكّ في حصول الاستطاعة لأجل الشكّ في اشتغال الذّمة بدين مانع من حصول الاستطاعة الشّرعيّة وكذا في مثال الماء الملاقي للنجاسة إذا حصل الشك في نجاسته لأجل الشك في كرّيته وقد يرتّب حكما على موضوع ويتردّد حكم هذا الموضوع عندنا بين حكمين كما إذا تردد الأمر بين وجوب فعل وحرمته كالجهر ببسم الله في الصّلوات الإخفاتية وقد يتردد الأمر في موضع الحكم بين أمرين كما في الإناءين المشتبهين والقصر والإتمام والظهر والجمعة وظاهر صاحب الوافية بقرينة الأمثلة الّتي ذكرها فرض التعارض بين الأصلين في المقامين نظرا في الأوّل إلى معارضة أصالة البراءة عن الدين أصالة عدم وجوب الحجّ وأصالة عدم الكرية أصالة عدم التنجس وفي الثّاني إلى معارضة أصالة البراءة عن وجوب الفعل أو عن حرمة أحد الإناءين أو عن وجوب القصر أو الظّهر أصالة البراءة عن حرمة الفعل أو الإناء الآخر أو وجوب الإتمام أو الظهر وهو في الثّاني متجه لكون الشك المأخوذ في موضوع الأصلين فيه مسبّبا عن ثالث وهو العلم الإجمالي وحكمه التعارض أو عدم جريان الأصلين من رأسهما كما أسلفناه وفي الأوّل ضعيف جدّا لكون الشّكّ في وجوب الحجّ والتنجس مسببا عن الشكّ في تعلق الدّين بالذّمة وعن الشكّ في الكرية لكون الشّكّ في وجوب الحجّ وكذا في تنجّس الملاقي مسبّبا عن الشك في تحقق موضوعهما وهي الاستطاعة في الأوّل وقلة الملاقي في الثّاني فإذا ثبتا بأصالة البراءة عن الدّين وأصالة عدم الكرّية ترتب عليهما حكمهما ولا تعارضهما أصالة عدم الحكمين لما عرفت من أنّ المتعيّن في مثله تقديم الأصل في الشك السّببي عليه في الشك المسبّب فلا تغفل (قوله) وأمّا لاستلزام نفي الحكم به حكما إلخ لا يخفى ما في العبارة من القصور لعدم شمولها لصورة دوران الأمر بين حكمين في موضوع واحد كالوجوب والحرمة لأن نفي الوجوب لا يستلزم حكما ملازما لحكم تكليفي آخر بل نفي الوجوب بنفسه ملازم لثبوت الحرمة في هذا الموضوع بل في مثل الظهر والجمعة والقصر والإتمام أيضا كما لا يخفى نعم يتم ذلك في الإناءين المشتبهين بناء على كون نفي حرمة أحدهما ملازما للإباحة الملازمة لحرمة الإناء الآخر(قوله) يستلزم عقلا أو شرعا إلخ لا يقال لا إشكال في إثبات اللوازم الشّرعيّة بالاستصحاب كما سيجيء في محلّه فإذا فرض أنّ الشّارع رتب وجوب الإنفاق على الزوجة على عدم وجوب أداء الدّين مثلا فلا ريب في أنّ استصحاب عدم وجوب أداء الدّين عند الشك فيه يثبت وجوب الإنفاق والممنوع إنّما هو إثبات اللوازم العقلية والعادية والملزومات الشّرعيّة دون لوازمها لأنا نقول سيشير المصنف رحمه‌الله إلى استثناء هذا المورد بقوله إلاّ أن يكون الحكم الظاهري إلخ لأن أصالة عدم وجوب أداء الدين مثبت لموضوع الاستطاعة الذي ترتب عليه وجوب الإنفاق (قوله) إلى رفع المانع يعني من ترتب حكم الموضوع (قوله) فإذا انحصر الطّهور إلخ هذا مثال آخر من الأمثلة الشّرعية للوجه الأوّل والفرق بين الأمثلة الثلاثة المذكورة لهذا الوجه أن هذا المثال من موارد جريان أصالة الإباحة ومثال عدم بلوغ الماء كرّا من موارد استصحاب العدم ومثال الحجّ كالمثال العرفي من موارد أصالة البراءة والأصول الثلاثة مشتركة في إثبات موضوع أنيط به حكم شرعي (قوله) حكم مردد بين حكمين إلخ لا يخفى ما في هذه العبارة من القصور لعدم شمولها للإناءين المشتبهين لكونهما من قبيل دوران الأمر في حكم بين عروضه لأحد موضوعين نعم ينطبق ذلك على ما دار الأمر فيه بين الوجوب والحرمة اللهمّ إلاّ أن يريد بالحكمين في مثل الإناءين المشتبهين حرمة شربهما المعلوم ثبوت أحدهما إجمالا ولو قال بثبوت حكم مردّد بين حكمين أو ثبوت حكم مردد بين موضوعين كان أولى (قوله) ولعل مقصود إلخ قد تقدّم عند شرح عنوان هذا الشرط صراحة كلام صاحب الوافية في عدم الاختصاص

٤١١

(قوله) وأمّا أصالة عدم بلوغ إلخ قد تقدم ذلك لكنه أعاد هنا تمهيدا لبيان ما يرد على المحقق القمي ره (قوله) ففي الرّجوع إلى طهارة الماء إلخ مبنى الوجه الأوّل على كون القلة شرطا في الانفعال بالملاقاة ومع الشكّ في كون الماء الموجود قليلا أو كثيرا يحصل الشكّ في كون الملاقاة رافعة للطهارة وحينئذ يرجع إلى قاعدة الطهارة أو استصحابها والثاني على كون الملاقاة سببا للانفعال والكثرة مانعة ومع الشكّ في الكثرة يحصل الشك في وجود المانع وحينئذ يحكم بتأثير المقتضي لكون الشكّ في وجود المانع مع إحراز المقتضي في حكم عدمه عند العقلاء وإن لم يكن عدمه موردا للاستصحاب وهو كما ترى إذ الحكم بتأثير المقتضي موقوف على إحراز عدم المانع ودعوى بناء العقلاء على عدمه حينئذ في حيّز المنع والفرض عدم كونه موردا للأصل أيضا لأنّه إن أريد به استصحاب عدم المانع في هذا الموجود الخارجي فهو غير مسبوق بالعدم بالفرض وإن أريد استصحاب عدم الكرّ في هذا المكان فهو لا يثبت عدم كرّية هذا الماء إلاّ على القول بالأصول المثبتة ومن هنا يظهر أنّ الأظهر هو الحكم بالطّهارة مطلقا سواء قلنا بكون القلّة شرطا أو الكثرة مانعا وللمصنف رحمه‌الله في كتاب الطّهارة كلام لا يخلو إيراده من فائدة قال ظاهر النصّ والفتوى كون الكرّية مانعة عن نجاسة الماء أمّا النّصّ فلأنّ المستفاد من الصّحيح المشهور إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء أنّ الكرّية علة لعدم التنجيس ولا نعني بالمانع إلا ما يلزم من وجوده العدم وأمّا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء إلاّ ما غيّر لونه وقوله عليه‌السلام في صحيحة حريز كلّما غلب الماء ريح الجيفة فتوضأ واشرب ونحو ذلك فهي وإن كانت ظاهرة في كون القلة شرطا في النجاسة بناء على أنّ القليل هو المخرج عن عمومه فلا بدّ من إحرازها في الحكم فإذا شكّ في كون ماء خاص قليلا أو كثيرا وجب الرّجوع إلى تلك العمومات إلاّ أنّه لما دلّت أخبار الكرّ كما تقدّم على كون الكرّية مانعة ونفس الملاقاة سببا بل هذه الأخبار بنفسها دالّة على هذا المعنى حيث إنّ الخارج منها هي القلّة وهي أمر عدميّ باعتبار فصلها يرجع الأمر بالأخرة إلى مانعيّة الكثرة التي هي مفاد أخبار الكثرة فكان اللاّزم تقييد الماء في هذه الأخبار بالكثير وجعل الكثرة جزءا داخلا في موضوع الماء المحكوم بعدم الانفعال فتلك العمومات ليس من قبيل ما كان عنوان العام مقتضيا للحكم وعنوان المخصّص مانعا هذا كلّه مضافا إلى ما دلّ بعمومه على انفعال الماء خرج منه الكرّ مثل قوله عليه‌السلام الماء الّذي يدخله الدّجاجة الواطئة للعذرة أنّه لا يجوز التوضي منه إلاّ أن يكون كثيرا قدر كرّ من الماء وقوله عليه‌السلام فيما يشرب منه الكلب إلاّ أن يكون حوضا كبيرا يستسقى منه فإن ظاهرهما كون الملاقاة للنّجاسة سببا لمنع الاستعمال والكرية عاصمة ومن هنا يظهر أنّه لا بدّ من الرّجوع إلى أصالة الانفعال عند الشكّ في الكرية شطرا وشرطا وسيأتي ضعف ما يحتمله بعضهم في هذا المقام سواء شك في مصداق الكرّ كما إذا شكّ في كرّية ماء مشكوك المقدار غير مسبوق بالكرّية أم في مفهومه كما إذا اختلف في مقدار الكر أو في اعتبار اجتماعه أو استواء سطوح أجزائه ولم يكن هناك إطلاق في لفظ الكرّ ونحوه يرجع إليه ووجه الرّجوع إلى العموم في الأخيرين واضح لأن الشكّ في التخصيص وكذا الوجه في الرّجوع إليه مع الشّكّ في المصداق إذا كان الماء مسبوقا بالقلة لاستصحاب عدم الكرّية ومثل هذا الاستصحاب وإن كان مخدوشا عند التدقيق لعدم إحراز الموضوع فيه إلاّ أنّ الظاهر عرفا من أدلّة الاستصحاب شموله له وأمّا إذا لم يكن مسبوقا بالكرّية إمّا لفرض وجوده دفعة وإمّا للجهل بحالته السّابقة لترادف حالتي الكرّية والقلة عليه فقد يتأمّل في الرّجوع فيه إلى العمومات بناء على أنّ الشكّ في تحقق ما علم خروجه كما في قولك أكرم العلماء إلاّ زيدا إذا شك في كون عالم زيدا أو عمرا ولا يلزم من الحكم بخروجه مجازا ومخالفة ظاهر محوجة إلى القرينة إلاّ أنّ الأقوى فيه الرّجوع إلى العموم إمّا لأن أصالة الكرّية وإن لم تكن جارية لعدم تحققها سابقا إلاّ أن أصالة عدم وجود الكرّ في هذا المكان يكفي لإثبات عدم كرّية هذا الموجود بناء على القول بالأصول المثبتة وإمّا لأن الشك في تحقق مصداق المخصّص يوجب الشكّ في ثبوت حكم الخاصّ له والأصل عدم ثبوته له فإذا انتفي حكم الخاصّ ولو بالأصل ثبت حكم العام إذ يكفي في ثبوت حكم العام عدم العلم بثبوت حكم الخاص دون العكس فتأمل والفرق بين المثال وما نحن فيه أنّ الأمر في المثال دائر بين المتباينين وفيما نحن فيه بين الأقلّ والأكثر والمتيقن خروج المعلومات وإمّا لأنّ عنوان المخصّص في المقام من قبيل المانع عن الحكم الّذي اقتضاه عنوان العام فلا يجوز رفع اليد عن المقتضي إلاّ إذا علم بالمانع ومع الشكّ فالأصل عدم المانع وإن كان ذات المانع كالكرّية فيما نحن فيه غير مسبوق بالعدم والفرق بينما نحن فيه وبين المثال أنّ عنوان المخصّص في المثال ليس من قبيل المانع بل هو مقسّم فكان العام عند المتكلّم منقسم إلى قسمين كلّ منهما يقتضي حكما مغايرا لما يقتضيه الآخر ولأجل بعض ما ذكرنا أفتى جماعة كالفاضلين والشّهيد بنجاسة الماء المشكوك في كريته نظرا إلى أصالة عدم الكرّية الحاكمة على استصحاب طهارة الماء ويمكن حمل كلامهم على الغالب وهو البلوغ تدريجا فلا يشمل ما لم يكن مسبوقا بالقلة نعم احتمل في موضع من المنتهى الرّجوع إلى استصحاب الطهارة مستدلاّ عليه بقاعدة اليقين والشكّ ولعلّه لاعتضاده بقاعدة الطّهارة وإلاّ فقاعدة اليقين جارية في الكرّية غالبا بل دائما كما عرفت وممّا ذكرنا يظهر ما في كلام بعض أنّه إذا شكّ في شمول إطلاقات الكرّ وإطلاقات القليل لبعض الأفراد فالأصل يقضي بالطّهارة وعدم تنجّسه بالملاقاة نعم لا يرفع الخبث به بأن يوضع فيه كما يوضع في الكرّ والجاري وإن كان لا يحكم عليه بالنجاسة بمثل ذلك بل يحكم بالطّهارة فيؤخذ منه ماء ويرفع به الخبث على نحو القليل ولا مانع من رفع الحدث به لكونه ماء طاهرا قال والسّر في ذلك أنّ احتمال الكرّية كافية في حفظ طهارته وعدم تنجّسه ولكن لا يكفي ذلك في الأحكام المتعلقة بالكرّ كالتطهر به من الأخباث بوضع المتنجّس في وسطه ونحو ذلك ثم جواز التّطهير به على هذا النّحو انتهى وظاهر كلامه بقرينة ذكره في ذيل عنوان اعتبار تساوي السّطوح في الكرّ أنّ مراده الشكّ في شرط اعتصام الكرّ وانفعال القليل وهو الوجه الثالث من وجوه الشّكوك الثلاثة الّتي ذكرناها وقد عرفت أنّه لا إشكال في وجوب الرّجوع فيه إلى عموم الانفعال وكأنّه تخيل تبعا لصاحب الحدائق أنّ كلا من القلّة والكثرة أمران وجوديان لا بدّ من الرّجوع عند تردّد الماء بينهما إلى ما يقتضيه الأصل في أحكام القليل والكثير إلاّ أنّ صاحب الحدائق رجع إلى الاحتياط لكونه الأصل عنده فيما لا نصّ فيه وأنت خبير بأنّ القليل مع أنّه أمر عدمي باعتبار فصله العدمي لم يترتب في الأدلة حكم عليه وإنّما يترتب على ما ليس بكرّ كما يستفاد من قوله عليه‌السلام إلاّ أن يكون كثيرا قدر كرّ وقوله إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجسه الدال على كون السّبب في عدم الانفعال الكرية فمع الشكّ فيه يحكم بعدم المسبّب لأصالة عدم السّبب ونظير ذلك

٤١٢

ما زعمه بعضهم في التذكية والموت من وجوب الرّجوع إلى الأصول في الأحكام إذا شكّ فيهما وبالجملة فلا ينبغي الإشكال في الحكم بالنجاسة مع الشكّ في الكرية مطلقا نعم هذا الحكم في الصّورة الأخيرة لا يخلو عن إشكال وإن ذكرنا له وجوها انتهى كلامه زيد في الخلد إكرامه وأنت خبير بأن ما ذكره من الوجوه الثّلاثة في جواز الرّجوع إلى عمومات الانفعال بالملاقاة مع كون الشّبهة في المصداق الذي لم تعلم حالته السّابقة ضعيف جدّا أمّا الأوّل فلضعف القول بالأصول المثبتة وأمّا الثّاني فإن أصالة عدم حكم الخاص إنّما تجدي في جريان حكم العام إذا كانت الشبهة في الخاص حكمية لا مصداقية لأنّه إذا ورد وجوب إكرام العلماء وشكّ في حرمة إكرام زيد العالم مثلا فأصالة عدم حرمته تقتضي وجوب إكرامه عملا بعموم العام مع الشكّ في المخصّص بل أصالة عموم العام مزيلة للشبهة عنه من دون حاجة في التمسّك بها إلى الأصل المذكور لأصالة عدم ورود مخصّص عليه بخلاف ما لو ورد قولنا أكرم العلماء ولا تكرم زيدا العالم وشك في شخص في كونه زيدا العالم أو عمرا العالم إذ أصالة البراءة عن وجوب إكرامه لا تقضي بظهور العام في الشمول له لتساويه في الاندراج تحت كل من العام والمخصّص بل كل منهما مجمل بالنسبة إلى هذا المصداق المشتبه وقوله المتيقن خروج المعلومات يرد عليه أنّ الخارج هو الأفراد الواقعية دون المعلومة وأمّا الثالث فلعدم ثبوت قاعدة إحراز المقتضي والشكّ في المانع ما لم يكن المانع مسبوقا بالعدم لعدم الدّليل عليه كما أسلفناه ولكنّ الظّاهر أن مقصوده بيان الفرق بين المخصّصات وذلك لأنّ المخصّص قد يكون مقسّما لأفراد العام إلى قسمين مثل أن تقول أكرم العلماء ولا تكرم الفسّاق منهم لأنّ مرجعه إلى وجوب إكرام العدول منهم وحرمة إكرام الفسّاق منهم وحينئذ إذا كان واحد منهم مجهول الحال من حيث العدالة والفسق وتردّد بين دخوله تحت العام والخاص يكون كلّ من العام والخاص مجملا بالنسبة إليه ولا يكون لشيء منهما ظهور في الشّمول له وقد يكون مثبتا للمانع من حكم العام بالنسبة إلى بعض أفراده مثل ما ورد من لعن بني أميّة قاطبة بعد ما ورد من إكرام المؤمن وعدم إهانته لكون الإيمان مقتضيا لحسن الإكرام وعنوان كون المؤمن من بني أميّة مانعا منه فإذا شك في كون مؤمن من بني أميّة فعموم العام يقتضي عدم كون هذا الموضوع المشتبه من بني أميّة فيكون مبينا لحاله ومزيلا للشبهة عنه كما قرر في محلّه وما نحن فيه من هذا القبيل لفرض كون الكرية مانعة والملاقاة مقتضية للنجاسة ومراد المصنف رحمه‌الله بأصالة عدم المانع هو هذا المعنى لا البناء على عدمه مع الشكّ فيه وإن لم يكن مسبوقا بالعدم حتّى يمنع قيام الدّليل عليه اللهمّ إلا أن يمنع الفرق بين المانع والمقسم في المخصصات في نظر أهل العرف لعدم التفاتهم إلى ذلك ولذا استشكل في الحكم بالنجاسة في آخر كلامه (قوله) وأمّا أصالة عدم تقدم إلخ يعني في المثال الثّالث من الأمثلة التي ذكرها صاحب الوافية وحاصل ما أورده عليه يرجع إلى وجهين أحدهما عدم صحّة استصحاب عدم تقدم الكرية على الملاقاة لعدم اليقين بذلك في السّابق حتّى يستصحب وثانيهما مع تسليم كون المراد بأصالة عدم التقدّم أصالة عدم حدوث الكرّية في زمان الملاقاة أنّ الأصل معارض بمثله إذ الأصل أيضا عدم حدوث الملاقاة في زمان الكرية إذ الكلام في المقام إنّما هو فيما جهل تاريخ كل من الكرية والملاقاة فلا وجه لجعل المقام موردا للأوّل وظاهره سيما مع تخصيص الاعتراض على المفصّل بحكمه بالطهارة مع التقارن في صورة جهل تاريخهما هو الحكم بالنجاسة في صورة العلم بتاريخ الملاقاة لأجل أصالة عدم الكرية في زمان الملاقاة وبالطهارة في صورة العكس لأجل أصالة عدم حدوث الملاقاة في زمان الكرّية وفيه نظر يظهر وجهه ممّا علقناه على أمره بالتأمّل (قوله) فقد يفصّل إلخ المفصّل صاحب الفصول ويظهر أيضا من العلاّمة الطّباطبائي في منظومته فيما علم بحدوث كلّ من الطّهارة والحدث وشكّ في المتقدّم منهما قال

وإن يكن يعلم كلا منهما

مشتبها عليه ما تقدّما

فهو على الأظهر مثل المحدث إلاّ إذا عيّن وقت الحدث وحاصله الحكم بكونه محدثا مع الجهل بتاريخ كل منهما لتعارض أصالة عدم حدوث كلّ منهما في زمان حدوث الآخر وكذا مع العلم بتاريخ الطهارة لأصالة عدم حدوث الحدث في زمان الطهارة نعم يحكم بكونه متطهرا مع العلم بتاريخ الحدث لأصالة عدم حدوثها في زمانه ومن هنا تنحلّ عقدة الإشكال عن معنى بيت آخر له رحمه‌الله في خلل الوضوء قبل البيتين المذكورين بفاصلة بيتين آخرين وهو قوله

والشك في جفاف مجموع الندى

يلغى إذا ما الوقت في الفعل بدا

لأنّ حاصله أنّه إذا شكّ في تحقق جفاف مجموع الندى في العضو السّابق على العضو الّذي هو فيه وعدمه يبطل وضوؤه إذا لم يعلم وقت الفعل ووقت الجفاف للشك حين العمل في تحقق شرطه الذي هو الموالاة بين أفعال الوضوء وكذا إذا علم بوقت الجفاف دون الفعل كما إذا شك في حال مسح الرجلين في أنّه في حال غسل اليد اليسرى هل كانت يده اليمنى جافّة أم لا مع علمه بحصول الجفاف حين طلوع الشّمس مثلا إذ الأصل عدم حدوث غسل اليد اليسرى قبل زمان حصول الجفاف بل حين حدوثه أيضا ومقتضاه الحكم بالبطلان لعدم حصول شرط الصّحة وأمّا إذا علم وقت الفعل دون الجفاف كما إذا علم بحصول غسل اليد اليسرى عند طلوع الشّمس وشكّ في تقدّم الجفاف عليه وتأخره عنه فحينئذ يلغى الشك ويحكم بالصّحة إذ الأصل عدم حدوث الجفاف في زمان غسل اليد اليسرى وهذا المعلى محكي عن النّاظم قدس سرّه وقد استصعب جماعة من الأعلام فهم معناه وقد حكي أن صاحب الجواهر بعد أن تأمّل فيه ليلة من الليالي صرّح بأنّه إمّا مجمل أو معمّى لا يفهم منه معنى (قوله) وفيه أن تقارن ورود إلخ حكي الحكم بالتقارن عن الشهيد الثّاني أيضا ويرد عليه مضافا إلى ما ذكره ومضافا إلى أنّ التقارن من الأمور الحادثة المسبوقة بالعدم أيضا يمكن استصحاب عدمها إنّ إثبات التقارن باستصحاب عدم تقدّم كل من الحادثين على الآخر لا يتم إلاّ على القول بالأصول المثبتة(قوله) إلاّ أنّ ظاهر المشهور فيما نحن فيه إلخ يمكن أن يستدل لهم بوجوه أحدها أن يكون الحكم تعبديا ثابتا بالإجماع على خلاف القاعدة كما ادّعاه المرتضى وفيه أن ظاهر المشهور ورود الحكم على وفق القاعدة وثانيها أن يكون الحكم مبنيّا على اعتبار الأصول المثبتة فبعد تعارض الأصلين يرجع إلى قاعدة الطهارة وثالثها أن تكون القلة شرطا في الانفعال وبعد تعارض الأصلين يحصل الشك في تحقق شرط الانفعال حين الملاقاة فيحكم بالطّهارة لقاعدتها ورابعها كون الكرّية مانعة من الانفعال وبعد تعارض الأصلين يحصل الشكّ في تحقق المانع حين الملاقاة فيحكم بالطهارة لقاعدتها وإليه أشار المصنف رحمه‌الله فيما يأتي من كلامه بقوله إلاّ أنّ الاكتفاء بوجود السّبب إلى آخر ما ذكره وستعرف الوجه في أمره بالتّأمّل فيه وستقف على ما ينبغي أن يقال في تحقيق المقام (قوله) على كفاية تتميم إلخ تقريب الاستدلال فيه هو اتحاد الطّريق والمناط في الموردين وهو حصول التقارن بين الكرية والملاقاة(قوله) لأنّ الشكّ مرجعه إلخ لأنّه نتيجة تعارض الأصلين (قوله) فتأمّل إلخ يظهر وجه التأمّل والإشكال فيه ممّا أسلفناه في ذيل ما نقلناه عن المصنف رحمه‌الله في كتاب

٤١٣

الطهارة عند شرح قوله ففي الرّجوع إلى طهارة الماء للشك في كون ملاقاته مؤثرة إلى آخر ما ذكره فراجع ولكنّك خبير بأنّ الأولى في الاعتراض على المشهور أن يقال بأن الانفعال في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله الماء إذا بلغ قدر كرّ لم ينجسّه شيء مرتب على عدم الكرّية دون القلّة وعدم الانفعال على حصول الكرية فأصالة عدم حدوث الكرّية إلى زمان حصول الملاقاة فيما علمت الكرية والملاقاة وشكّ في المتقدّم منهما تقتضي كون الملاقاة مؤثرة في الانفعال وأمّا أصالة عدم حدوث الملاقاة إلى زمان حصول الكرّية فلا يترتب عليها أثر لعدم ترتب عدم الانفعال على عدم الملاقاة إلى زمان حصول الكرّية بل على حصول الملاقاة في زمان الكرية لأنّ هذا وإن كان لازما عقليّا لعدم حدوث الملاقاة إلى زمان حصول الكرّية إلاّ أنّ الأصل المذكور لا يثبته إلاّ على القول بالأصول المثبتة وبالجملة أنّ الأصلين إذا لم يترتب على مقتضى أحدهما أثر شرعي لا يعارض ما ترتب عليه ذلك كما قرّر في محلّه تنبيه اعلم أنّ المصنف رحمه‌الله قد تبع المحقّق القمي فيما نقله عن صاحب الوافية والموجود فيها بعد بيان جملة من معاني الأصل هكذا اعلم أنّ هنا قسما من الأصل كثيرا ما يستعمله الفقهاء وهو أصالة عدم الشيء وأصالة عدم تقدم الحادث بل هما قسمان والتحقيق أنّ الاستدلال بالأصل بمعنى النفي والعدم إنّما يصحّ على نفي الحكم الشّرعي بمعنى عدم التّكليف لا على إثبات الحكم الشّرعي ولهذا لم يذكره الأصوليّون في الأدلة الشّرعية وهذا يشترك فيه جميع أقسام الأصل المذكورة مثلا إذا كان أصالة براءة الذّمة مستلزمة لشغل الذّمة من جهة أخرى فحينئذ لا يصحّ الاستدلال بها ثم ساق الكلام في ذكر جملة من أمثلة أصالة البراءة وأصالة العدم ممّا كان إجراؤهما فيه مستلزما لثبوت التكليف من جهة أخرى إلى أن قال وكذا في أصالة عدم تقدم الحادث فيصح أن يقال في ماء وجد فيه نجاسة بعد الاستعمال ولم يعلم هل وقعت النجاسة قبل الاستعمال أو بعده الأصل عدم تقدّم النجاسة فلا يجب غسل ما لاقى ذلك الماء قبل رؤية النجاسة ولا يصح إذا كان شاغلا للذّمة كما إذا استعملنا ماء ثمّ ظهر أنّ هذا الماء كان قبل ذلك نجسا ثمّ طهر بإلقاء كرّ عليه دفعة ولم يعلم أن الاستعمال هل كان قبل تطهيره أو بعده فلا يصحّ أن يقال الأصل عدم تقدّم تطهيره فيجب إعادة غسل ما لاقى ذلك الماء في ذلك الاستعمال لأنّه إثبات حكم بلا دليل لأن حجيّة الأصل في النفي باعتبار قبح تكليف الغافل ووجوب إعلام المكلّف بالتّكليف فلذا يحكم ببراءة الذّمة عند عدم الدّليل فلو ثبت حكم شرعيّ بالأصل يلزم إثبات حكم من غير دليل وهو باطل إجماعا انتهى ثم إنّه بعد أن أورد شطرا من الكلام في البين قال اعلم أن لجواز التمسّك بأصالة براءة الذّمة وبأصالة العدم وبأصالة عدم تقدم الحادث شروطا أحدها ما مرّ من عدم استلزامه لثبوت حكم شرعي من جهة أخرى وثانيها أن لا يتضرر بسبب التمسّك به مسلم وذكر في بيانه ما يقرب ممّا نقله المصنف رحمه‌الله وثالثها أن لا يكون الأمر المتمسّك فيه بالأصل جزء عبادة مركبة فلا يجوز التمسّك به لو وقع الاختلاف في الصّلاة هل هي ركعتان أو أكثر أو أقل في نفي الزائد وعلى هذا القياس بل كلّ نصّ بيّن فيه أجزاء ذلك المركب كان وإلاّ على عدم جزئية ما لم يذكر فيه فيكون نفي ذلك المختلف فيه حينئذ منصوصا لا معلوما بالأصل كما لا يخفى انتهى وغير خفي أنّ ما ذكره مثالا لأصالة عدم تقدّم الحادث غير منطبق على ما نقله عنه المصنف رحمه‌الله مثالا لها وهو المثال الثالث من الأمثلة الّتي نقلها لأنّ ما ذكره مفروض فيما كان المشكوك فيه تقدم وقوع النجاسة على الاستعمال وكذا تقدم الاستعمال على التطهير وفيما نقله عنه المصنف رحمه‌الله تقدم الكرّية على ملاقاة النجاسة وأقول في تحقيق ما ذكره من مثال الشكّ في تقدّم الكرّية على الاستعمال أنّ واحدا منهما إمّا أن يكون معلوم التاريخ بأن يعلم أن الماء النجس الملقى عليه الكرّ والمستعمل منه كان إلقاء الكرّ عليه وقت طلوع الشّمس ووقع الشكّ في تقدم الاستعمال على زمان إلقاء الكر عليه وتأخّره عنه أو علم زمان الاستعمال ووقع الشكّ في تقدم إلقاء الكر عليه وتأخّره عنه أو يجهل تاريخ كلّ منهما وعلى التقادير إمّا أن يكون المغسول به نجسا أو ظاهرا ولا بد من الحكم بطهارة المغسول على بعض التقادير الستة وبنجاسته على بعض آخر وأمّا إذا كان المغسول به نجسا وكان تاريخ الكرّية معلوما فقد يتوهم أنّ اللاّزم حينئذ هو الحكم بطهارة المغسول لأصالة عدم تقدّم الاستعمال على الكرية ويلزمه حصول الغسل بالكر وفيه ما لا يخفى لعدم ترتب طهارة الثوب المغسول به على الأصل المذكور فإن حصول الطهارة مرتب في الأدلّة على الغسل في الكرّ لا على عدم تقدم الاستعمال على إلقاء الكرّ نعم هو لازم عقلي له والأصل المذكور لا يثبته إلاّ على القول بالأصول المثبتة فلا بد حينئذ من استصحاب نجاسته وأمّا إذا علم تاريخ الاستعمال فأصالة عدم تحقق إلقاء الكر في زمان الاستعمال تقتضي بقاء نجاسة الثوب وعدم ارتفاعها بالغسل بالماء المذكور وإن شئت قلت الأصل بقاء نجاسته إلى زمان الاستعمال وأمّا إذا جهل تاريخهما فإمّا أن يقال حينئذ بأن مقتضى إجراء الأصلين هو الحكم بمقارنة الاستعمال لإلقاء الكر كما نقله المصنف رحمه‌الله عن المفصل فيما علم بحدوث الملاقاة والكرية وشك في المتقدّم منهما وحكي أيضا عن الشّهيد الثاني كما أسلفناه أو لا يقال بذلك لما أسلفناه هناك من كون المقارنة من الأمور الحادثة المسبوقة بالعدم فهي بنفسها مورد للأصل والأصلان إنما يثبتانها على القول بالأصول المثبتة وعلى الأوّل لا بد من الحكم ببقاء نجاسة الثوب كما قرّره المصنف رحمه‌الله فيما اعترض به على المفصّل نعم على هذا القول لا بدّ من فرض الكلام فيما نحن فيه فيما لم تكن المقارنة مقارنة لبقاء الثوب في الماء بعد إلقاء الكرّ بأن يفرض إخراج الثوب حين حصول المقارنة وإلاّ فلا بد من الحكم بزوال نجاسته وعلى الثاني لا بدّ من الحكم ببقاء النجاسة أيضا لأنّ مجهولي التاريخ لا يزيد على صورتي العلم بالتّاريخ لعدم خروجه منهما وقد عرفت أن مقتضاهما الحكم بالنجاسة وأمّا إذا كان المغسول طاهرا فحينئذ إن كان تاريخ إلقاء الكرّ معلوما يحكم بطهارة الثوب لما عرفت من عدم ترتب أثر شرعي على أصالة عدم تقدم الاستعمال على إلقاء الكر فيستصحب طهارته وإن كان تاريخ الاستعمال معلوما يحكم بتنجسه لما عرفت من أنّ مقتضى أصالة عدم تقدّم إلقاء الكرّ بمعنى عدم حدوثه في زمان احتمل فيه تنجّسه بالملاقاة ولا تعارضها أصالة بقاء طهارة الثّوب لحكومتها عليها لأنّ مقتضى الأولى كون الثوب مغسولا بالماء المتنجّس فيرتفع الشكّ في بقاء طهارته وفيه نظر لأنّ الحكم بتنجسه موقوف على إثبات نجاسة الماء في زمان الغسل بالدّليل أو الأصل والأوّل مفروض العدم والثاني لا يثبتها لأنّ غاية ما هنا هو استصحاب عدم إلقاء الكرّ إلى زمان الاستعمال واستصحاب بقاء النجاسة إلى زمانه وشيء منهما غير مفيد في المقام لأنّ استصحاب عدم إلقاء الكرّ إلى زمان الاستعمال لا يثبت كون الماء الموجود حين الاستعمال غير كرّ

٤١٤

إلاّ بالملازمة العقلية الّتي لا يثبتها الأصل مضافا فيه وفي الثّاني إلى أنّ الموضوع في الزّمان السّابق هو الماء القليل ولم يعلم بقاؤه إلى زمان الاستعمال فلا مجرى للأصل حينئذ لعدم العلم ببقاء موضوعه حتى يقال بحكومته على أصالة طهارة الثوب وإن جهل تاريخهما فلا بد من الحكم بطهارة الثوب حينئذ لأنّ أصالة عدم حدوث الاستعمال في زمان إلقاء الكرّ لا يترتب عليه أثر شرعيّ كما تقدم فلا تعارض أصالة طهارة الثوب ولا تعارضها أيضا أصالة عدم حدوث إلقاء الكرّ في زمان الاستعمال كما عرفته فيما كان الاستعمال معلوم التّاريخ (قوله) يرد عليه أنّه إن كان إلخ مضافا إلى عدم تمسّك أحد بقاعدة الضّرر في إثبات الضّمان سوى ما يظهر من بعض كلمات صاحب الرّياض ويؤيّده حصرهم أسباب الضمان في اليد والإتلاف والتّسبيب ثم إنّ ما أورده عليه المصنف رحمه‌الله تبعا لغير واحد من أواخر المتأخّرين يرجع إلى وجوه أحدها أنّ مجرّد احتمال اندراج ما نحن فيه تحت قاعدة الضّرر والإتلاف لا يوجب رفع اليد عن الأصل المحكم في المقام الثّاني أنّه على تقدير القطع بالاندراج لا وجه لتخصيص الشرط بعدم التّضرّر إذ كما يعتبر في العمل بأصالة البراءة عدم كون موردها موردا للقاعدتين كذلك يعتبر أيضا عدم كونه موردا لسائر القواعد الثالث منع دلالة قاعدة الضرر على الضمان بل الضار إن قصد بفعله الإضرار على الغير فهو إثم قطعا وإلاّ فلا إثم عليه أيضا قال في الجواهر إنّ استفادة الضمان من القاعدة المزبورة متوقفة على الانجبار بفتوى الأصحاب إذ لا اقتضاء لها إلاّ عدم مشروعية ما فيه الضّرر والضرار في الإسلام على معنى النّهي عن إيجاده وهو إنّما يقتضي حرمة ذلك لا الجبر بالضمان المتوقّف على إرادة انتفاء وجوده في الدّين المنزل على إرادة جبر ما يحصل منه فيه بالغرامة لأنّه أقرب المجازاة إلى نفيه بل يمكن دعوى إرادة ذلك حقيقة من النفي بلا تجوّز إلاّ أنّ ذلك كلّه كما ترى لا يصلح دليلا لذلك من دون انجبار بفتوى الأصحاب فضلا عن الفتوى بخلافه انتهى (قوله) كما لا وجه لما ذكره إلخ هذا إشارة إلى الاعتراض على ثالث الشّروط بما هو واضح (قوله) قد ادعى فخر الدّين إلخ قد اعترف المصنف رحمه‌الله في بعض رسائله المفردة لهذه القاعدة بعدم عثوره في الإيضاح بهذه الدّعوى من الفخر ولكنّي وجدتها في أواخر باب الرّهن في مسألة إقرار الرّاهن بعتق العبد المرهون قبل الرّهن قال وثالثها العتق فنقول يجب عليه فكّ الرهن بأداء الدّين فإذا تعذّر وبيع في الدّين وجب افتكاكه فإن بذله للمشتري بقيمته أو أقل وجب فكّه ولو بذله بالأزيد ولو بأضعاف قيمته فالأصحّ وجوب فكه عليه لوجوب تخليص الحرّ فإنّه لا عوض له إلاّ التخليص ولا يمكن إلاّ بالأزيد من القيمة وما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب واحتمال عدمه لإمكان استلزامه الضرّر بأن يحيط بمال الرّاهن والضّرر منفي بالحديث المتواتر ضعيف ولا وجه له عندي انتهى فتدبر وقد جمع في أواخر كتاب المعيشة من الكافي بابا لهذه القاعدة وكثرة الأخبار الواردة فيها أغنت عن ملاحظة سندها وتمييز صحيحها عن ضعيفها وسليمها عن سقيمها فلا وجه لرميها بالضّعف في أخبارها كما صدر عن بعضهم نعم لا بد حينئذ من إيراد الكلام في دلالتها وفي مقدار مدلولها وفي ملاحظة معارضها إذ لا بدّ في تأسيس كلّ قاعدة من الكلام فيه من جهات من جهة الإثبات ومن جهة دلالة الدليل المثبت لها ومن جهة معارضاتها(قوله) فلا تتعرض من الأخبار الواردة إلخ من هذه الأخبار الواردة النبوي المشهور بين العامة والخاصّة لا ضرر ولا ضرار في الإسلام وهو مروي في كتب الفقهاء وأرسلها في التذكرة والذكرى ونهاية ابن الأثير عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي بعض الكتب مرويّ بدون لفظ في الإسلام ومنها ما نقله المصنف رحمه‌الله في كتاب المكاسب في مسألة حرمة الغشّ قال وفي رواية العيون قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأسانيد منّا ليس من المسلمين من غشّ مسلما أو ضرّه أو ماكره ومنها رواية طلحة بن زيد عن الصّادق عليه‌السلام أنّ الجار كالنّفس غير مضارّ ولا آثم ومنها رواية عقبة بن خالد عن الصّادق عليه‌السلام قال قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال لا ضرر ولا ضرار ومنها ما رواه في التهذيب عن هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل شهد بعيرا مريضا وهو يباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم فجاء واشترك فيه رجلا بدرهمين بالرّأس والجلد فقضي أنّ البعير برئ فبلغ ثمنه دنانير قال لصاحب الدّرهمين خمس ما بلغ فإن قال لا أريد إلا الرّأس والجلد فليس له ذلك هذا الضّرار وقد أعطي حقّه إذا أعطي الخمس ومنها ما روي عن محمّد بن الحسين قال كتبت إليه يعني أبا محمّد عليه‌السلام رجل كان له رحى على نهر قرية والقرية لرجل فأراد صاحب القرية أن يسوق إلى قريته الماء في غير هذا النّهر ويعطل هذه الرّحى أله ذلك فوقع يتّق الله عزوجل ويعمل في ذلك المعروف ولا يضارّ لأخيه المؤمن ومنها ما رواه عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين أهل المدينة في مشارب النخل أنّه لا يمنع نفع البئر وبين أهل البادية أنّه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء فقال لا ضرر ولا ضرار ومنها الأخبار المتضمّنة أن من أضرّ بشيء من طريق المسلمين فهو ضامن ومنها الأخبار الواردة في العيون الضارة بعضها ببعض وقد يستدل على المدعى أيضا بالعقل والكتاب والأوّل كما ترى والثّاني أيضا مثله اللهمّ إلاّ أن يريد به ما دلّ منه على نفي العسر والحرج ولكن صدق الضّرر عليها مطلقا كما ترى (قوله) وهي الرّواية المتضمنة إلخ ما نقله أوّلا رواه ابن مسكان عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ويقرب منها ما رواه الحذاء عنه عليه‌السلام إلاّ أنّه ليس فيها لفظ الضّرر والضّرار بل فيها أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ما أراك يا سمرة إلا مضارا اذهب يا فلان فاقلعها واضرب بها وجهه وما نقله ثانيا رواه ابن بكير عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام وهذه الرّوايات كما ترى صريحة في ذمّ سمرة وعدم قبوله قول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن روضة الكافي أنّه يعني سمرة بن جندب ضرب ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على رأسها فشجّها فخرجت إلى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فشكت وعن شرح ابن أبي الحديد على النّهج أنّ معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم على أن يروي أنّ هذه الآية نزلت في عليّ عليه‌السلام ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا إلى قوله لا يحبّ الفساد وأنّ هذه نزلت في ابن ملجم لعنه الله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) فلم يقبل فبذل مائتي ألف فلم يقبل فبذل ثلاثمائة ألف فلم يقبل فبذل أربعمائة ألف فقبل وروى ذلك وفيه أنّ سمرة بن جندب عاش حتّى حضر مقتل الحسين عليه‌السلام وكان من شرطة ابن زياد وكان أيّام مسير الحسين عليه‌السلام إلى العراق يحرص النّاس على الخروج إلى قتاله (قوله) كان له عذق إلخ قال الطّريحي العذق كفلس النخلة بحملها وأمّا العذق بالكسر فالكباسة وهي عنقود التمر والجمع أغداق كأحمال ثمّ إنّ في المقام بحثا وهو أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كيف

٤١٥

أمر بقلع عذق سمرة استنادا إلى قاعدة الضّرر واندراج الواقعة فيها لأن تردّد سمرة إلى عذقه كما أنّه كان ضررا على الأنصاري كذلك قلع عذقه ضرر عليه فكيف قدم أحد الضررين على الآخر مع تساويهما في الاندراج تحت القاعدة والجواب مع عدم قدح هذا الإشكال في الاستدلال أنّ سمرة كان قاصدا للإضرار على الأنصاري ولم يكن مقصوده مجرّد الانتفاع بعذقه وإن استلزم ضرر الأنصاري ولا ريب في حرمة الإضرار مع قصده ومن هنا يظهر شمول الرّواية لصورة قصد الإضرار ولكن ليس المورد مخصصا لعموم اللّفظ(قوله) وأمّا معنى اللّفظين إلخ لا إشكال في معنى الضّر وأنّه ضدّ النّفع والمستفاد ممّا نقله عن الصّحاح أنّ المصدر هو الضّر واسم المصدر هو الضّرر وأنّ المجرّد والمفاعلة منه بمعنى واحد وقيل الضّر بالفتح ضدّ النفع وبالضمّ الهزال وسوء الحال وأمّا لفظ الضّرار ففي مفهومه إجمال كما يظهر ممّا نقله عن النهاية إلاّ أنّه لا يضرّ بالاستدلال بالأخبار بعد تبين مفهوم لفظ الضّرر هو الاسم والضّرار هو المصدر فيكون منهيّا عن الفعل الّذي هو المصدر وعن إيصال الضّرر الذي هو الاسم ويظهر من النهاية كون الضرار مصدرا للمجرّد كما أنّه مصدر للمفاعلة(قوله) يتعدى بنفسه إلخ مثل كبّه وأكبّ به وقد ذكر في أخر المصباح في فصل تعدية الثلاثي اللاّزم أربعة عشر موضعا تعدّى فيها الثلاثي وقصر رباعيّه ولم يذكر مادة الضّرر منها هناك (قوله) بعد تعذر إرادة إلخ لوجود الحقيقة في الشّرع والعادة بديهة وبعد تعذر إرادتها اختلفوا في المعنى المراد من اللّفظ على وجوه أحدها ما ذكره المصنف رحمه‌الله من أنّ المراد نفي الضّرر المشروع بمعنى عدم جعل الشّارع حكما يلزم منه ضرر على أحد تكليفيا كان أو وضعيّا فكل حكم تكليفي أو وضعي يلزم من جعله أو إمضائه شرعا ضرر على أحد من قبل الله تعالى أو من قبل العباد فهو منفي شرعا وغير مجعول لله تعالى ولا ممضي عنده وهذا أظهر الوجوه في معنى الرّواية إذ لا يرد عليه سوى لزوم المجازية في الظرف أعني قوله في الإسلام إذ لا بدّ حينئذ من أخذ لفظ في بمعنى السّببية لأنّ المراد بالإسلام هو الأحكام الشرعية والضّرر مرتّب عليها ومسبّب عنها لا مستقر فيها حتّى يتم معنى الظرفية ولكن لفظ في الإسلام لم يرد إلاّ في بعض الرّوايات المتقدّمة مع أن هذا المحذور أهون من سائر المحاذير الواردة على سائر الوجوه لمساعدة فهم العرف عليه وأمّا ما أورده عليه المصنف رحمه‌الله من منافاته للفقرة الثّانية أعني قوله ولا ضرار بمعنى المجازاة أو فعل الاثنين فمع ورود هذا الإشكال على كلّ تقدير وعدم اختصاصه بهذا الوجه أنه إنّما يرد على تقدير أخذه بأحد المعنيين المذكورين وهو غير متعين لاحتمال التأكيد فيه كما تقدّم وبالجملة أنا قد أشرنا إلى أن لفظ الضرار في الرّواية مجمل وأنّه غير مصادم للاستدلال بالفقرة الأولى أعني قوله لا ضرر لظهوره عرفا ولغة في ضدّ النّفع وكيف كان فالاستدلال بالرّواية على هذا الوجه على إثبات حكم وضعي إنّما هو باعتبار كون نفي الحكم الضّرري مستلزما لحكم وضعي مثل نفي لزوم البيع مع الغبن لاستلزامه الخيار للمشتري وجواز العقد بالنسبة إليه ونفي براءة ذمّة الضّار عن تدارك ما أدخله من الضّرر المستلزم لضمانه وهكذا وثانيها ما احتمله المصنف رحمه‌الله من أخذ النفي بمعنى النهي بأن كان إنشاء التحريم مرادا من الجملة وهذا المعنى محكي عن البدخشي قال الضّرر والضرار ممنوع منه شرعا وتحقيق ذلك أن النفي هاهنا بمعنى النّهي بقرينة أصل الضّرر الواقع انتهى ويؤيده قول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في قضية سمرة إنّك رجل مضارّ حيث ذمّه على فعل الضّرر وثالثها أن يكون النفي باقيا على ظاهره ويكون مدخوله مقيدا بالإذن من الشّارع والمعنى لا ضرر مأذونا فيه شرعا ولا ضرار كذلك في الإسلام فكل فعل يكون فيه ضرر على الغير يكون غير مأذون فيه شرعا فيكون حراما فيرجع هذا المعنى إلى سابقه ويرد عليهما أولا أن حمل الجملة الخبرية على معنى الإنشاء وكذا التقدير فيها خلاف الظّاهر ولو بمعونة ملاحظة نظائرها مثل قوله لا عسر ولا حرج في الدّين مضافا إلى أصالة عدمها وثانيا أن حمل النفي على إرادة معنى التحريم لا يتم في رواية الشفعة المتقدّمة إذ ليس فيها فعل يتعلق به التحريم مع أن الصّادق عليه‌السلام قد أثبت الشفعة فيها بقاعدة الضّرر لأنه إذا باع أحد الشّريكين حصّته من المال المشترك فيه فالفعل الّذي يمكن تعلق النّهي به إمّا إيقاع العقد أو إبقاؤه والأوّل غير حرام بلا إشكال والثّاني لا يعقل تعلق النّهي به لأن الإبقاء إنّما هو فعل الله تعالى دون المكلّف مع أن حرمة الإبقاء لا تستلزم ثبوت الشفعة لعدم المنافاة بين حرمة إبقائه وعدم ثبوت حقّ الشفعة للشفيع نظير عدم استلزام حرمة بيع الزاد والرّاحلة على المستطيع للفساد وكذا لو باع ثوبا واشترط في ضمن العقد أن يبيعه ثوبا آخر فإنّ بيع الثوب الآخر من الغير حرام لأجل وجوب الوفاء بالشّروط ولا تستلزم حرمته الفساد والوجه في ذلك كلّه عدم تعلق النّهي بذات المعاملة وأركانها لتعلق النّهي في الأوّل بتفويت الحجّ وفي الثّاني بعدم الوفاء بالشّرط وثالثا أنّ العلماء قد استدلوا خلفا عن سلف وجيلا بعد جيل بهذه القاعدة في باب الخيارات من خيار الغبن والعيب ونحوهما ولا حرمة في البيع المغبون فيه ولا في بيع المعيب كيف لا وقد يجهل المتبايعان بالغبن والعيب ولا معنى للتحريم حينئذ ورابعا أن متعلق الحرمة هو أفعال العباد دون الأحكام مع أن العلماء ربّما يستدلون على الأعمّ منهما ولذا ترى أنّهم يقولون بعدم وجوب الوضوء فيما استلزم استعمال الماء الضّرر استنادا إلى هذه القاعدة وكذا بعدم وجوب الحجّ مع العلم أو الظنّ بالضّرر في الطّريق ولا معنى لحرمة إيجاب الوضوء والحجّ على الله تعالى عن ذلك هذا ويمكن دفع ما عدا الأوّل بحمل النّهي على بيان الحرمة التشريعيّة دون الذّاتيّة بأن يراد بتحريم الضّرر تحريم الالتزام بالحكم الّذي يترتب عليه الضّرر لوضوح حرمة الالتزام بالحكم المنفي شرعا ولعله لأجل ذلك قد صرّح المصنف رحمه‌الله برجوع المعنى الثّاني إلى الأوّل لوضوح ثبوت الحرمة على المعنى الأوّل أيضا لما عرفت من استقلال العقل بقبح الالتزام بالحكم المنفي شرعا غاية الأمر أنّ الحرمة على المعنى الأوّل تكون ثابتة بحسب العقل وعلى المعنى الثّاني مصرحا بها في الرّواية وخامسا أنّ حمل نفي الضّرر على إرادة النّهي عنه لا يناسبه تقييده بقوله في الإسلام إذ الإسلام عبارة عن نفس أحكامه سبحانه فيصير المعنى حينئذ يحرم فعل الضّرر في الأحكام ولا ريب في هجنته الهجنة في الكلام العيب مصباح ورابعها وهو ما يستفاد ممّا نقله المصنف رحمه‌الله عن الفاضل التّوني أن يكون المراد نفي الضّرر المجرد عن التدارك والجبران في الإسلام لا بدعوى حذف قيد الجبران بل بدعوى كون الضّرر المتدارك غير ضرر ادعاء كدعوى دخول الشجاع في جنس الأسد على مذهب السّكاكي فلا حذف حتّى ينفي بالأصل إذ كما أن ما يحصل بإزائه نفع كدفع مال بإزاء عوض مساو له أو أزيد لا يسمّى ضررا كذلك الضّرر المقرون بحكم الشّارع بلزوم تداركه منزل منزلة عدمه وإن لم يسلب عنه مفهوم الضّرر حقيقة بمجرّد حكم الشّارع بالتدارك فإتلاف المال بلا تدارك ضرر صاحبه إن وجد في الخارج فهو منفي فلا بدّ أن يكون

٤١٦

مقرونا بحكم الشّارع بالضمان وكذلك تمليك المغبون ماله من غيره بإزاء ما دونه في القيمة من دون جبرانه بالخيار وهكذا ويرد عليه أوّلا أنّه مجاز فلا يصار إليه بلا دليل وثانيا منع صحة التنزيل بمجرد حكم الشّارع بالتدارك إذ التّنزيل إنّما يصح مع التدارك فعلا لا بمجرّد الحكم به فتأمل وثالثا أن الفقهاء ربّما يتمسكون بقاعدة الضّرر في نفي وجوب الوضوء مع الضّرر في استعمال الماء وفي نفي وجوب الحجّ مع العلم أو الظنّ بالضّرر في الطّريق ونحوهما مع عدم تحقق الجبران في أمثالهما على تقدير وقوع التكليف وبالجملة أنّ الفقهاء لم يفرقوا في موارد القاعدة بين الضّرر العائد إلى نفس المكلّف وغيره ورابعا أن لفظ في ظاهر في معنى الظرفية وعلى هذا المعنى لا بد أن يجعل بمعنى السّببية إذ الإسلام عبارة عن نفس أحكام الشّرع ولا معنى لنفي الضّرر غير المتدارك في الإسلام إلاّ بجعل لفظ في بمعنى السّببيّة كما لا يخفى (قوله) لأنّ فعل البادئ منهما إلخ أي الأوّل منهما وفي بعض النّسخ الثّاني بدل البادئ والصحيح هو الأوّل وحاصله أنّه لو كان المراد بالرّواية نفي حكم شرعيّ ينشأ منه ضرر على أحد لا يبقى معنى للفقرة الثّانية أعني قوله ولا ضرار إذا أخذ بمعنى المجازاة أو فعل الاثنين أمّا على الأوّل فإنّه إذا أضرّ أحد غيره فبراءة ذمّة الضّارّ عن تدارك ما أدخل عليه من الضّرر منفية بالفقرة الأولى فلا بدّ من تداركه بالضّمان وهذا الحكم الوضعي أيضا منفي بالفقرة الثّانية لأنّ الضّمان حكم وضعي يترتب عليه ضرر على الضارّ أيضا بعنوان المجازاة فهو منفي بها وأمّا على الثّاني فإنّ شخصين إذا أضرّ كلّ منهما بالآخر فالبادئ منهما ضرر منفي بالفقرة الأولى والضّرار حينئذ إنما يتحقق بفعل الثّاني لا بفعلهما ولعلّ من فسّره بمعنى الجزاء أخذه من معنى المضارة بمعنى فعل الاثنين لا أنّه معنى مستقل بحياله (قوله) لكن لا بد أن يراد بالنهي إلخ فيه تعريض على صاحب الجواهر لأنّه كما تقدّم سابقا ادّعى كون المراد بالنفي في الرّواية معنى النّهي وأنّه لا يدلّ على الفساد وعن المحقق القمي ره أيضا منع الملازمة بينهما على تقدير كون المراد بالنفي معنى النّهي (قوله) ثمّ إنّ هذه القاعدة حاكمة إلخ اعلم أنّا قد أشرنا سابقا إلى أنّ الكلام في تأسيس كلّ قاعدة يقع تارة من حيث بيان الدّليل المثبت لها وأخرى من حيث دلالتها ومقدارها وثالثة من حيث المعارض وعدمه وقد أشار المصنف رحمه‌الله إلى الأولين وأراد أن يشير إلى الثالث هنا وليعلم أنّه ليس في الكتاب والسّنة ما يعارض هذه القاعدة كليّة بأن يدلّ على عدم نفي الضّرر في الأحكام عموما نعم قد يدل دليل خاص على ثبوت حكم خاص في مورد الضّرر فيكون هذا الدّليل مخصّصا لعموم القاعدة وقد تكون العمومات مثبتة للحكم على وجه العموم فتشمل موارد الضّرر أيضا فيقع التعارض بينها وبين هذه القاعدة بالعموم من وجه وقد اختلف كلماتهم في تقديم هذه القاعدة أو ملاحظة المرجّحات واختار المصنف رحمه‌الله الأوّل بدعوى حكومة هذه القاعدة عليها وإن شئت زيادة توضيح لذلك نقول إنّك قد عرفت ممّا ذكرناه وذكره المصنف رحمه‌الله أنّ هذه القاعدة ممّا استفاضت بها الأخبار بل ادعى الفخر تواترها وهي المناسبة للملة السّمحة السّهلة إلا أنّ الإشكال في أنّها من قبيل الأصول فتعتبر حيث لا دليل على خلافها عموما وخصوصا حتّى يقال إنّ الأصل عدم هذا الحكم الضّرري إلاّ أن يثبت خلافه بدليل خاصّ أو عام ليكون جميع العمومات مقدّما عليها أو هي من قبيل الأدلّة وعليه فهل هي من قبيل الأدلة اللّفظية أو العقلية وعلى الأوّل فهل هي فائقة على سائر العمومات أو في عرضها حتّى يلتمس التّرجيح عند معارضتها معها وجوه أمّا الأوّل فهو لازم كلّ من قال بتدارك الضّرر المرتب على العمل بالحكم الشّرعي بالمثوبة الأخرويّة أو غيرها بمعنى عدم تحقق موضوع الضّرر حينئذ كما يظهر من صاحبي العوائد والعناوين لأنّ أدلة الأحكام إمّا مثبتة لنفس الحكم الضّرري كأوامر الزكاة والخمس والجهاد أو ما يشمل ذلك كالأمر بالوضوء الشّامل لصورة استلزام استعمال الماء للضّرر وعلى أيّ تقدير فالأمر يكشف عن وجود مصلحة في موارده فائقة على الضّرر الحاصل منه إذ الأوامر كالنواهي لا بدّ من أن تنشأ من وجود مصلحة في متعلقها سوى المثوبة الحاصلة من إطاعتها وامتثالها فكل مورد ضرري يشمله الدّليل خصوصا أو عموما أو إطلاقا لا تشمله أدلّة نفي الضّرر فيختص مورد هذه القاعدة كموارد الأصول العملية بموارد عدم وجود الدّليل عليها ومن هنا يظهر فساد فرض التعارض بين هذه القاعدة على هذا التقدير أعني تقدير تسليم تدارك الضّرر بالمثوبة الأخرويّة وبين عمومات التكليف على ما عرفته من صاحبي العوائد والعناوين وحاصل ما ذكره بعد التّصريح بعدم تحقّق موضوع الضّرر فيما كان في مقابله نفع آجل أو عاجل أنّ كلّ ما ورد في الشّرع من الأحكام بعد وجود النّفع الأخروي في الجميع بل النفع الدّنيوي من دفع بليّة وحفظ مال وزيادة نعمة كما هو مقتضى الآيات والأخبار في الزّكاة والصّدقة ونظائرها لا يعدّ ضررا حقيقة وذلك واضح بل ذلك في الحقيقة نفع لأنّ ما يصل إلى المكلّف بذلك من الخير أضعاف ما أصابه من النقص ظاهرا وما ورد من مثل القصاص ونحوه فإنّما هو جبر لما وقع من الضّرر وكذلك الدّية ونحوها على ما قرّره الشّارع الحكيم وكل ما فيه تحمل المنقصة مقابل بمثوبة لا يخفى على من اعتقد بوعد الحق فلا ينتقض بورود ما هو ضرر في الشريعة ولا يلزم من ذلك عدم إمكان معارضة دليل بقاعدة الضّرر نظرا إلى كشفه عن نفع دنيوي أو أخروي إذ الأصل عدم تحقق ذلك والفرض أنّ كونه ضررا في الظّاهر مقطوع به ومقابلته بالنفع محتملة فيما لم يقم دليل قويّ محكم دالّ على ثبوته فإذا تعارض مثلا دليل دالّ على ثبوت ضرر مع دليل نفيه بالعموم من وجه لا يعلم من ذلك تخصيص أحد الدّليلين بالآخر حتّى يعلم أنّه ليس من الضّرر فلا بد من دليل راجح مخصّص لذلك حتى نعرف أنّه خارج من هذا الموضوع فتدبّر جدّا وتوضيحه أن الدّليل المثبت على قسمين قسم دالّ على نفس الضّرر كالزكاة والحجّ ونحوهما ولا ريب أنّه بعد دلالة الدّليل على ذلك نعرف أنه ليس بضرر وقسم ليس كذلك فإن دليل وجوب الحجّ والتوضّي يشمل ما لو كان فيه ضرر بدني مثلا ولا يمكن أن يقال إنّه ليس بضرر إذ ما ثبت من الدّليل العوض على الوضوء والحجّ لا على المضارّ الأخر الموجودة في ضمنهما ووجود المقابل للطبيعة لا يرفع الضّرر في اللّواحق وقس على ذلك ما يرد عليك من نظائر ما دفعناه بقاعدة الضّرر انتهى محصّل ما ذكره ووجه الفساد يظهر ممّا أسلفناه لأن تسليم شمول أدلة وجوب التوضّي والحجّ بعمومها لما فيه الضّرر البدني مثلا لا يجامع دفع ما يتدارك به الضّرر الحاصل منهما بالأصل ولا وجه لدعوى كون النفع العائد منهما محتملا إذ مع تسليم شمول عموم الأدلّة لصورة الضّرر فهو يكشف عن وجود مصلحة في الفعل يتدارك بها الضّرر الحاصل به سوى المثوبة الحاصلة بالإطاعة كيف لا ولو فرض أمر الشّارع بخصوص من يتضرر باستعمال الماء بالتوضّي فلا ريب في عدم قبحه لكشف الأمر عن وجود مصلحة فائقة على

٤١٧

الضّرر الحاصل منه ولا شكّ في عدم الفرق بين الأمر بعموم ما يشمل مورد الضّرر وبخصوص الفعل المتضمّن له فيما ذكرناه وهنا وجه آخر لكون هذه القاعدة من قبيل الأصول دون الأدلة ذكره المحقّق القمي رحمه‌الله قال فبما حكي عنه أنّه تعالى لا يرضى بإضرار بعض عباده بعضا ولا يفعل ما يضرّ بعباده ويجوز لمن تضرّر دفع الضّرر عن نفسه فالمراد بنفي الضّرر نفي ما هو زائد على ما هو لازم لطبائع التكاليف الثّابتة بالنسبة إلى طاقة أوساط النّاس البريئين عن المرض والعذر الّذي هو معيار مطلق التكاليف بل هي منتفية من الأصل إلا فيما ثبت وبقدر ما ثبت ولا يريد الله الضّرر إلاّ من جهة التكاليف الثّابتة بحسب أحوال متعارف الأوساط انتهى وإذا كان المراد بالضّرر هو الزّائد على الضّرر الحاصل في طبائع التكاليف بالنسبة إلى أوساط النّاس فنفي الضّرر حينئذ لا يعارض التكاليف الضّرريّة غير الزّائد ضررها على الضّرر الحاصل في طبائعها بالنسبة إلى الأوساط نعم هو يعارض الدّليل المثبت للتكليف الضّرري الزائد على ما في طبائعها بالنسبة إلى الأوساط فللقاعدة حينئذ جهة أصلية وجهة دليلية ولكن كلمات علمائنا الأخيار بل إجماعهم وأخبار أئمّتنا الأطهار عليهم‌السلام تدفع كونها من قبيل الأصل مطلقا أو في الجملة بحيث يتوقف جريانها في مورد على عدم الدّليل أمّا الأوّل فواضح وأمّا الثّاني فلما تقدم من الأخبار مستندا للقاعدة لتضمّن جملة منها لتمسّك النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعض خلفائه المعصومين عليهم‌السلام بالقاعدة في مقابل الأدلّة المنافية لها كما في قصّة سمرة حيث أمر بقلع العذق تمسّكا بالقاعدة مع مخالفتها لسلطنة المالك على التصرّف في أمواله وكذا قد أثبت الشّفعة بها مع مخالفتها لعموم وجوب الوفاء بالعقود وحكم فيمن اشترى بعيرا مريضا وأشرك فيه رجلا بدرهمين في الرّأس والجلد واتفق أن البعير برئ فبلغ ثمنه دنانير بأن له خمس ما بلغ وأنّه إن قال لا أريد إلاّ الرّأس والجلد فليس له ذلك تمسّكا بالقاعدة مع مخالفتها لقاعدة الشّركة وإذا ثبت عدم كونها من قبيل الأصول ففي كونها من قبيل الأدلّة العقليّة أو اللفظيّة وجهان بل قولان واستدلّ على الأوّل في العناوين بما حاصله أنّ العقل كما يقبح إضرار النّاس بعضهم ببعض فيحرم لذلك كذلك يقبح الإضرار من الله تعالى عن ذلك فيحرم عليه أيضا بمعنى عدم جواز صدوره عنه سبحانه عقلا فإنّ الضّرر والضرار مناف للطف والعدل على ما يفهم من معناهما ومثل ذلك غير مجوز عقلا أيضا كما أسلفناه في مسألة العسر والحرج وأقول إنّ قبح الإضرار من المكلّفين إنّما هو مع قصده وأمّا لا معه فلا نسلّم قبحه ولعلّ المستدل أيضا لا ينكر ذلك وموضوع البحث هنا أعمّ ممّا صدر عن عزم والتفات وغيره فالدّليل لا يعمّ موارد المدّعى وأمّا قبحه من الله تعالى فإنما يتجه على تقدير إدراك العقل عدم تداركه بما هو أصلح للعبد ولعل الأمر بالفعل الضّرري لدفع ضرر أشدّ منه بدني أو مالي أو غيرهما أو منفعة كذلك أو لمجرد الابتلاء وبالجملة أنّ أمر الشّارع بفعل ضرري يكشف عن وجود مصلحة فيه فائقة على الضّرر الحاصل منه لقبح الإضرار من الحكيم على الإطلاق وهذا ليس بمجرّد احتمال حتّى يدفع بالأصل كما توهّم فتعين أن تكون القاعدة من الأدلة النقلية الثابتة بالأخبار المتقدّمة وهل هي في عرض سائر القواعد حتّى يلتمس الترجيح في موارد التعارض أو هي حاكمة عليها والأوّل يظهر من غير واحد من المتأخرين قال المحقّق القمي ره قاعدة لزوم البيع تعارض قاعدة الضّرر وبينهما عموم من وجه ويحكم بالخيار ترجيحا للثّاني من جهة العقل والعمل وغيرهما ولو كانت من باب الأصل لما عارضت الدّليل انتهى ونقل المصنف رحمه‌الله عن الفاضل النّراقي والثّاني هو المختار وفاقا للمصنف رحمه‌الله ويدل عليه وجوه أحدها ما أشار إليه المصنف رحمه‌الله من قياس هذه القاعدة على نظائرها من سائر القواعد من قاعدة العسر وغيرها فكما أنّ قاعدة العسر تقدّم على سائر أدلة التكاليف من دون ملاحظة الترجيح بينهما كذلك هذه القاعدة وثانيها ما أشار إليه المصنف رحمه‌الله من ورود أخبار هذه القاعدة في مقام الامتنان على العباد وهو إنّما يتحقق فيما كانت العمومات والمطلقات مثبتة للتكاليف مطلقا حتّى في مورد الضّرر ليكون رفعها بهذه الأخبار عن موارد الضّرر منّة على العباد ولا نعني بالحكومة سوى هذا المعنى ولو لم تكن العمومات والمطلقات مقتضية لثبوت مقتضياتها مطلقا حتّى في موارد الضّرر لم يكن للامتنان معنى في المقام وثالثها أنّ معنى الحكومة كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله أن يكون أحد الدليلين متعرّضا بمدلوله اللّفظي للآخر ومبيّنا للمراد منه إمّا بالتعميم في موضوعه أو التخصيص فيه أمّا الأوّل فمثل ما دلّ على الطّهارة بالاستصحاب أو بشهادة العدلين لحكومته على ما دلّ على أنّه لا صلاة إلاّ بطهور بالتعميم في موضوع الطّهارة في الدّليل المحكوم عليه لدلالته على كون المراد بها فيه أعم من الطّهارة الواقعية والثابتة بالاستصحاب أو البيّنة وذلك لأن دليل الاستصحاب أعني قوله لا تنقض اليقين بالشكّ متعرض بمدلوله اللّفظي لبيان حال ما دلّ على أنّه لا صلاة إلاّ بطهور مثلا وكذا دليل حجية البينة إذا قامت على طهارة ثوب المصلّي فإنّهما يبيّنان ويفسّران المراد بالطّهارة في قوله عليه‌السلام لا صلاة إلاّ بطهور وأنّها أعمّ من الطّهارة المعلومة والطّهارة المستصحبة وما قامت عليه البيّنة وأمّا الثّاني فكقاعدة الضّرر أو العسر أو غيرهما لدلالتهما على كون المراد بمتعلق التكليف في سائر العمومات والمطلقات ما عدا موارد الضّرر والعسر فتعرض الدّليل الحاكم لبيان المراد بالدليل المحكوم عليه تارة يكون بالتّعميم في موضوع الدّليل المحكوم عليه وأخرى بالتخصيص فيه وممّا ذكرناه قد ظهر أنّ الأخبار الواردة في مقام بيان هذه القاعدة بالنسبة إلى أدلة التكاليف من قبيل ذلك لأنّ مقتضاها نفي الحكم الضّرري من بين الأحكام فهي تنادي بأعلى صوتها عدم تشريع حكم ضرري في جملة الأحكام الّتي تثبت بمقتضى أدلتها فكلّ حكم في مورد الضّرر غير مجعول للشّارع فهذه الأخبار مفسّرة ومبيّنة بمداليلها اللّفظية لحال سائر العمومات والمطلقات ومصرّحة بعدم شمولها لموارد الضّرر فلا تعارض بينهما حتى يلتجأ إلى ملاحظة التّرجيح في موارد الاجتماع إذ لا معنى للتعارض مع كون أحد الدّليلين مفسّرا للمراد بالآخر إمّا بالتعميم أو التخصيص فيه كما أشرنا إليه نعم لورود دليل خاص على ثبوت حكم ضرريّ في مورد خاص كان مخصصا لهذه القاعدة لعدم كونها من القواعد التي لا تقبل التخصيص ورابعها أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعض خلفائه المعصومين عليهم‌السلام قد استدلاّ بهذه القاعدة في مقابل سائر العمومات والمطلقات المثبتة للتكليف من دون ملاحظة الترجيح بينهما كما في قصّة سمرة ومسألة الشفعة وغيرهما ممّا تقدّم ولو لا قضية الحكومة بينهما لا يبقى وجه لتقديمها عليه من دون ملاحظة ترجيح بينهما وخامسها سيرة العلماء كما صرّح به المصنف رحمه‌الله في بعض رسائله قال في تقريبه عليه جرت سيرة الفقهاء في مقام الاستدلال في مقامات لا يخفى منها استدلالهم على ثبوت خيار الغبن وبعض خيارات أخر بقاعدة نفي الضّرر مع وجود عموم النّاس مسلّطون على أموالهم الدّال على لزوم العقد وعدم سلطنة المغبون على إخراج ملك الغابن بالخيار عن ملكه انتهى (قوله) ثمّ إنّه

٤١٨

يظهر ممّا ذكرناه إلخ توضيحه أن مقتضى حكومة قاعدة الضّرر على عمومات التكاليف أن لا تكون المصالح الّتي تنشأ منها الأحكام صالحة لتدارك ما يترتب عليها من الضّرر في بعض مواردها وإلاّ لم يكن لحكومة هذه القاعدة عليها وجه لأنّ الشّارع إذا أمر بالتوضي على وجه الإطلاق الشامل لصورة التضرّر باستعمال الماء كان ذلك كاشفا عن وجود مصلحة فيه حتّى في مورد الضّرر وإلاّ كان إطلاق الأمر خاليا من المصلحة إلاّ أنّ حكومة هذه القاعدة على إطلاق الأمر بالتوضي يكشف عن عدم وجود المصلحة في مورد الضّرر بمعنى عدم كون أصل مصلحة الحكم متداركة للضّرر الحاصل من استعمال الماء وإلاّ لم يكن لوضع الحكم عن مورد الضّرر معنى لارتفاع موضوع الضّرر حينئذ بتداركه بمصلحة مساوية له أو أقوى منه (قوله) وقد يدفع بأن العمومات إلخ الدافع هو صاحبا العوائد والعناوين وقد تقدم كلامهما عند شرح ما يتعلق ببيان حكومة هذه القاعدة على سائر العمومات ونقول هنا أيضا توضيحا لبيان مرادهما أنّ غاية ما يلزم من الأمر على وجه العموم أو الإطلاق هو حسن الطبيعة الّتي تعلق بها أو بأفرادها الأمر ووجود مصلحة فيها فإذا فرض ترتّب ضرر على العمل به في واقعة خاصّة فإطلاق الأمر أو عمومه إنّما يكشف عن وجود مصلحة في نفس الطبيعة مع قطع النّظر عن أفرادها وخصوصياتها وهذه المصلحة لم تلاحظ في مقابل الضّرر الحاصل من خصوصيات الأفراد فلا تصلح لتداركه فشمول الأمر بإطلاقه أو عمومه لمثل هذا الفرد موقوف على وجود مصلحة فيه زائدة على مصلحة الطبيعة حتّى يتدارك بها الضّرر الحاصل به وهذه المصلحة إن كانت ملحوظة في نظر الشّارع في نفس الأمر في مقابل الضّرر الحاصل منه صحّ تعلق الأمر به وحينئذ يخرج هذا الفرد من موضوع قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ضرر ولا ضرار كسائر الأفراد الّتي لا يترتب عليها ضرر أصلا لارتفاع الضّرر فيه أيضا بالتدارك وإن لم تكن ملحوظة كذلك بأن لم تكن فيه مصلحة زائدة على مصلحة الطبيعة فقاعدة نفي الضّرر تمنع شمول عموم الحكم له وتخصّصه بغير موارد الضّرر ولا علم لنا بوجود هذه المصلحة الزّائدة في موارد الضّرر حتّى يقال بتداركه بها ومع تكافؤ احتمالي وجودها وعدمها تتعارض هذه القاعدة مع عموم الأمر بل أصالة عدم هذه المصلحة الزّائدة تقضي بكون المورد من موارد القاعدة لا كونه مشمولا لعموم الأمر فأمّا أشنعية هذا الدّفع من أصل التوهم فاعلم أنّ المصنف رحمه‌الله قد أشار بقوله إن سلم أوّلا إلى منع شمول إطلاق الأمر أو عمومه لموارد الضّرر وثانيا على تقدير التسليم إلى منع عدم انجبار الضّرر الموجود بمصلحة الحكم أمّا الأوّل فإن مقتضى إطلاق نفي الضّرر في الأحكام عدم وجود مصلحة متداركة في موارد الضّرر وعدم شمول إطلاق الأمر أو عمومه لها كما أسلفناه في الحاشية السّابقة كيف لا ولو فرض احتمال وجودها في مورد الضّرر لم يبق مورد لهذه القاعدة لأنّها إنّما وردت في مقابل سائر العمومات والمطلقات فلو تعارض احتمال وجود المصلحة الزّائدة واحتمال عدمها في موارد الضّرر لا تكون هذه القاعدة مستقلة بنفي حكم في مورد إلاّ بضميمة الأصل إلاّ في موارد أصالة البراءة التي أغنتنا عن التمسّك بالقاعدة فيها ومن لاحظ الأخبار الواردة في المقام على جهة الامتنان قطع بفساده وأمّا الثّاني فإن تسليم عموم الأمر أو إطلاقه لموارد الضّرر يكشف عن وجود المصلحة الزائدة فيها لا محالة وإلاّ بقي شموله لها بلا مصلحة وهو قبيح ومحصّل ما ذكرناه هنا وفي الحاشية السّابقة أنّ القاعدة إن لم تكن حاكمة على عموم الأمر فعمومه لموارد الضّرر يكشف عن وجود المصلحة الزائدة فيها لا محالة فيقع التعارض بينه وبين قاعدة نفي الضّرر وإن كانت حاكمة عليه فهو لا يتم إلا بتسليم عدم جبر المصلحة للضرر الموجود وممّا ذكرناه قد ظهر أن خروج مثل الزكاة والخمس والجهاد من عموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ضرر ولا ضرار إنّما هو من باب التخصّص دون التخصيص إذ لا بد فيها من وجود مصلحة متداركة لا محالة بناء على عدم صدق الضّرر مع تداركه بمصلحة موازية أو أقوى منه ولكنه لا يخلو من نظر لأن تدارك الضّرر إنّما يصحّح التكليف بالتضرر ولا يوجب خروجه من موضوع الضّرر فلا بد أن يكون خروج ما ذكرناه من باب التخصيص دون التخصّص (قوله) ولعلّ هذا كاف يعني عمل العلماء في جبر وهن دلالة العام على مورد الشكّ وربّما يقال بكفاية عدم إعراض الأصحاب عن العام في مورد التمسّك في جبر وهنه والأقرب هو الأوّل والسرّ في كفايته أن وهن العموم بكثرة ورود التخصيص إمّا من جهة أنّه مع ورود مخصّصات كثيرة على عام وعدم معرفة جميعها بأعيانها يحصل العلم إجمالا بورود بعض المخصّصات عليه ومع الشكّ في مورد في بقائه تحت العام أو خروجه ببعض المخصّصات الّتي لا نعرفها تفضيلا بعود العام مجملا لا يجوز التمسّك به في مورد الشكّ وإمّا من جهة ضعف ظهور العام في العموم والشّمول بتوارد المخصصات الكثيرة عليه وإن لم يكن هنا علم إجمالي بل الظن قبل الفحص في مثل ما نحن فيه حاصل بخروج مورد الشكّ من تحت العام إلحاقا له بالأعمّ الأغلب ويدفع الأوّل أنّه إنّما يتم في موارد العمل بالعام من دون ضميمة عمل العلماء لا معها لا بمعنى ارتفاع العلم الإجمالي بعملهم حتّى يمنع بل بمعنى كشف عملهم عن خروج مورد عملهم من أطراف العلم الإجمالي وبعبارة أخرى أن مورد الشك لما كان محتمل الدّخول في أطراف العلم الإجمالي فعملهم يكشف عن خروجه منها من أوّل الأمر ويدفع الثّاني أنّ غاية ما يقتضيه ورود المخصّصات الكثيرة على العام هو وجوب الفحص عن مخصصاته في مظانها ومظانها فيما نحن فيه هي الأخبار بضميمة عمل العلماء فبعد الفحص عنها كذلك يرتفع محذور وهن العموم وذلك لأن العمل بالعمومات سيّما الموهون منها بكثرة التخصيص وإن كان مشروطا بالفحص عن مخصّصاتها عن مظانها إلى أن يحصل اليأس من وجدانها إلاّ أنّ مظان مخصّصات هذه القاعدة ليست مضبوطة معلومة حتّى يرجع في الفحص عنها إليها لأنّ أكثر التّخصيصات الواردة عليها معلوم بالإجماع دون النصّ فلا بد في العمل بها من الرّجوع إلى عمل الأصحاب الناقدين للآثار المرويّة عن الأئمة الأطهار عليهم‌السلام إذ بعد الرّجوع إليه يرتفع وهن العموم ويزول الظن المذكور ويحصل للعام ظهور في الشّمول وعدم خروج مورد الشكّ من العموم (قوله) وإن كان في كفايته نظر إلخ تقرير وجه النّظر أن كثرة التخصيص إن بلغت إلى مرتبة الاستهجان فلا بد من حمل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ضرر ولا ضرار على معنى آخر لا يلزم منه ذلك كما إذا حمل النفي على معنى النّهي أو غير ذلك وإن لم تبلغ إليها فلا يبقى فرق بين هذا العام وسائر العمومات المخصّصة فلا وجه لتخصيص الوهن بالدّلالة به مع أن ما ذكرناه من الوجهين في الحاشية السّابقة على تقدير تسليمهما إنّما يتم وجها في جبر وهن الدّلالة في موارد ثبوت عمل العلماء دون غيره وظاهر المصنف رحمه‌الله كفاية عملهم في الموارد الكثيرة في جبر وهنها مطلقا حتّى في مورد لم يثبت عملهم بالعام فيه وهو لا يخلو من نظر لأنّ صلاحية عملهم للجبر إنما هو من جهة كشفه عن عدم خروج محلّ الشكّ من عموم العام وعملهم إنما يكشف عن ذلك في مورد عملهم لا مطلقا(قوله) إلى منع أكثريّة الخارج إلخ يمكن أن يقال علي تقدير تسليم أكثرية الخارج إن المستهجن منها ما كان الباقي بعد تخصيص الأكثر قليلا لا يعتد به في جنب الخارج كالواحد والاثنين بالنسبة إلى عشرين أو ثلاثين بخلاف ما لو كان الباقي كثيرا في نفسه ومعتدا به بحياله وإن كان الخارج أكثر منه كالعشرة بالنسبة إلى اثني عشر لمنع الاستهجان في الثّاني

٤١٩

فتأمل (قوله) بعنوان واحد جامع إلخ فإن قلت إنّ التخصيص النّوعي خلاف الظّاهر لا يصار إليه إلاّ بدليل لظهور العام في العموم الأفرادي والمخصّصات في كون خروج الخارج بعنوانه الخاصّ لا بعنوان عامّ مع أنّه مع عدم معرفة عنوان المخصّص يحتمل دخول محلّ الشّك في عنوان المخصّص فيعود العام من قبيل المخصّص بالمجمل قلت ليس مرادنا بالتخصيص النّوعي تخصيص نوع من الأفراد بل المراد تخصيص أفراد نوع واحد لكن لا بلحاظ كلي جامع بين الأفراد بل بلحاظ أشخاص الأفراد لكن من نوع واحد ودعوى عود محذور لزوم تخصيص الأكثر المستهجن مدفوعة بمنع استهجان هذا القسم من التخصيص لأنّا وإن قلنا باستهجان تخصيص الأكثر ولكنه ليس على إطلاقه إذ لا بد من استثناء بعض الموارد منه مثل الوقوع في مقام المزاح والهزل وما نحن فيه أيضا من جملة موارد الاستثناء ويشهد به تمسّك النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعموم لا ضرر في قصة سمرة والصّادق عليه‌السلام في الشفعة فإن تمسّكهما بالعموم يكشف إمّا عن عدم ورود تخصيص الأكثر عليه بأن كان التخصيص بحسب النّوع وإمّا عن عدم استهجان تخصيص الأكثر ولكن يبقى الإشكال حينئذ في كون العام من قبيل المخصّص بالمجمل (قوله) في قوله عليه‌السلام المؤمنون عند شروطهم إلخ لأن الشّرط لغة إمّا بمعنى الإلزام والالتزام بشيء مطلقا كما في الصّحاح وهو غير واجب إلاّ بمثل النذر والعهد أو في ضمن العقد مع شرائطه الخاصّة أو إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه كما في القاموس وقد خرج منه ما خالف مقتضى العقد وما حلّل حراما أو حرّم حلالا وغير ذلك (قوله) قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) إلخ عن مجمع البيان أنّ العقد أوكد العهود فاختلف في هذه العهود على أقوال أحدها أنّه عهود أهل الجاهليّة بينهم على النصرة والمؤازرة والمظاهرة وثانيها أنّه عهود الله في حلاله وحرامه وثالثها العقود التي يعاقدها النّاس بينهم ويعقدها المرء على نفسه كعقد الإيمان ورابعها أمر أهل الكتاب بالوفاء بما أخذ به ميثاقهم بالعمل بالتوراة والإنجيل في تصديق نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله وما جاء به من عند الله وأقواها القول الثّاني كما رواه ابن عبّاس وتدخل فيه جميع الأقوال الأخر انتهى وفي الصّحيح كما صرّح به المصنف رحمه‌الله وهو المروي عن القمي عن الصّادق عليه‌السلام تفسيرها بالعهود (قوله) ثمّ إنّه يشكل الأمر إلخ وجه الإشكال أن ظاهر الرّوايات اعتبار الضّرر الشخصي وظاهر العلماء حيث تمسّكوا بهذه القاعدة في إثبات خيار الغبن والعيب والشّفعة هو اعتبار الضّرر النوعي بالتقريب الذي ذكره المصنف رحمه‌الله ويدل عليه أيضا استدلال الإمام عليه بهذه القاعدة لإثبات الشّفعة مطلقا في بعض أخبار الباب كما تقدّم في بعض الحواشي المتقدّمة وربّما يقال إنّ الظاهر من الرّوايات اعتبار الضّرر الشّخصي فهو الأصل في كل مقام إلا أن يدل دليل خاص من خبر أو سيرة من العلماء في مورد خاص كما عرفت على اعتبار الضّرر النّوعي لكون ذلك قرينة لإرادته في الموارد الخاصة من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ضرر ولا ضرار من باب الدّعوى وتنزيل الضّرر النّوعي منزلة الشّخصي كما ارتكب مثله في قوله عليه‌السلام لا عسر ولا حرج في الدّين وحاصله اعتبار عموم المجاز في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ضرر ولا ضرار لعدم صحّة إرادة المعنى الحقيقي والمجازي من لفظ واحد كما هو واضح (قوله) إلا أن يستظهر إلخ كما ترشد إليه رواية الشفعة كما عرفته في الحاشية السّابقة(قوله) أشكل إلخ لكون نفي الضّرر حينئذ مستعقبا لضرر آخر فتتعارض فيهما القاعدة وحاصل ما أجاب به المصنف رحمه‌الله أنّ الضّرر الثّاني ليس بضرر لترتبه على تزلزل العقد كما في سائر العقود الجائزة ويحتمل أن يريد أنّ الضّرر الثّاني مرتب على جريان القاعدة في الضّرر الأوّل فلا تشمله القاعدة لاستناد ثبوته إليها ولعلّ الأمر بالتأمّل على الأوّل إشارة إلى أنّ الثّاني إنّما لا يكون ضررا على تقدير عدم لزوم العقد ابتداء مع قطع النّظر عن الضّرر الأوّل والفرض أن تزلزل العقد إنّما نشأ من تقديم ضرر البائع والشفيع على ضرر صاحبه وعلى الثّاني إشارة إلى أن عدم شمول القاعدة للضّرر الثّاني إنّما هو بالدّلالة اللفظية وإلاّ فلا ريب في شمولها له بتنقيح المناط نظير ما أجيب عمّا اعترض على ما أورد على المرتضى فيما ادعاه من الإجماع على عدم حجيّة خبر الواحد فإنّه أورد عليه باستلزامه عدم حجيّة ما نقله من الإجماع لكونه من جملة أخبار الآحاد واعترض عليه بأنّه لا يشمل نفسه وأجيب عنه بأنّه وإن لم يشمل نفسه بالدّلالة اللفظيّة إلاّ أنّه يشمله بتنقيح المناط (قوله) بالنسبة إلى شخص واحد إلخ قال المصنف رحمه‌الله في رسالته المفردة في هذه القاعدة لو دار الأمر بين حكمين ضرريّين بحيث يكون الحكم بعدم أحدهما مستلزما للحكم بثبوت الآخر فإن كان ذلك بالنسبة إلى شخص واحد فلا إشكال في تقديم الحكم الذي يستلزم ضررا أقل ممّا يستلزمه الحكم الآخر لأنّ هذا هو مقتضى نفي الحكم الضرري عن العباد فإن من لا يرضى بتضرّر عبده لا يختار له إلا أقلّ الضررين عند عدم المناص عنهما انتهى وأقول أنّ الضّررين المتوجه أحدهما إلى العبد على وجه الدّوران لا يخلوان إمّا أن يتساويا بحسب المرتبة والاعتقاد بأن كانا ماليين أو عرضيين أو نفسيين ويكونا مظنونين أو مقطوعين وإمّا أن يكون أحدهما راجحا بحسب المرتبة والاعتقاد والآخر مرجوحا كذلك وإمّا أن يكون أحدهما راجحا بحسب المرتبة ومساويا للآخر بحسب الاعتقاد وإمّا بالعكس وإمّا أن يكون لكل منهما جهة رجحان بأن كان أحدهما راجحا بحسب المرتبة والآخر بحسب الاعتقاد وهذه أقسام خمسة أمّا الأوّل منها فلا إشكال في تخيّر المكلّف في أخذ أحدهما ودفع الآخر مع تساويهما في الكمّيّة وأمّا مع اختلافهما فيها فيدخلان في صورة رجحان أحدهما وأمّا الثاني والثالث والرّابع فيدفع الضّرر الرّاجح فيها ويؤخذ بالمرجوح مع تساويهما في الكميّة وأمّا مع اختلافهما فيها بمعنى كون المرجوح أكثر مقدارا من الرّاجح فهو يدخل في القسم الخامس أعني صورة رجحان كل منهما من جهة وليعلم أن هذا القسم يختلف بحسب الأشخاص إذ رب شخص يتحمل الضرر المالي وإن كان كثيرا دون العرضي وإن كان قليلا والضرر العرضي المقطوع به أولى من المالي المظنون في الجملة فلا بد من ملاحظة الأشخاص ودفع الرّاجح بحسب حالهم هذا كله فيما كان الضرران دنيويّين وإن كان أحدهما دنيويّا والآخر أخرويّا كما في الزكاة والخمس والجهاد فلا يخلو إمّا أن يقوم على الأخروي دليل قطعي أو ظني معتبر فيقدم على الدنيوي لأنّ الضّرر الأخروي قليله أشدّ بمراتب من المهالك الدّنيويّة فضلا عن سائر مضراته وإمّا أن لا يقوم عليه دليل كذلك فيقدم الضّرر الدنيوي حينئذ لكون أصالة البراءة حينئذ مؤمنة عن الضّرر الأخروي المشكوك أو المظنون بظن غير معتبر(قوله) أو شخصين فمع فقد المرجّح إلخ قال المصنف رحمه‌الله بعد ذكر ما قدمناه في الحاشية السّابقة وإن كان بالنسبة إلى شخصين فيمكن أن يقال أيضا بترجيح الأقل ضررا أو مقتضى نفي الضّرر عن العباد في مقام الامتنان عدم الرّضا بحكم يكون ضرره أكثر من ضرر الحكم الآخر لأنّ العباد كلّهم متساوون في نظر

٤٢٠