أوثق الوسائل في شرح الرسائل

ميرزا موسى التبريزي

أوثق الوسائل في شرح الرسائل

المؤلف:

ميرزا موسى التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات كتبي نجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٦

فلا إشكال حينئذ في وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين من دون تعليق على تحقق الابتلاء وعدمه لفرض تنجز التكليف حينئذ بالواقع على كل تقدير وإن لم تعدّ الواقعة الثانية مبتلى بها للمكلف عند الأولى وضابط المقام أنّ الخطاب الصّادر عن الشّارع إمّا أن يتأخر فيه زمان الفعل عن زمان التكليف بأن قال في يوم الخميس أوجبت اليوم عليك الغسل في يوم الجمعة مثلا وإمّا أن يتحد زمانهما وعليه إمّا أن يتحد زمانهما مع زمان صدور الخطاب وتوجّهه إلى المخاطب بأن قال اجتنب عن النجس وكان النجس موجودا ومحل ابتلاء له حين الخطاب وإمّا أن يتأخر زمانهما عن زمانه بأن قال إذا كان يوم الجمعة اغتسل فيه بأن كان الزّمان شرطا للوجوب أيضا لا ظرفا للواجب خاصّة والأولان من أقسام الواجب المطلق وخص صاحب الفصول أولهما باسم المعلّق وثانيهما باسم المطلق والثّالث هو المشروط وقد بسطنا الكلام في تحقيق ما يتعلق بذلك في كتابنا المسمّى بغاية المأمول وحينئذ إذا اشتبه متعلق التكليف بين أمرين فلا إشكال في وجوب الاحتياط في الأوّلين وكذا في وجوبه في الثالث مع العلم بتحقق الشّرط وكذلك في عدم وجوبه مع العلم بعدم تحققه بل ومع الشك فيه أيضا لعدم العلم بوجود المقتضي له وهو العلم بتوجّه الخطاب المنجز الّذي يعاقب على مخالفته على كل تقدير وممّا ذكرناه يظهر وجه النّظر في ما أطلقه المصنف رحمه‌الله من عدم وجوب الاحتياط بل جواز المخالفة القطعيّة في ما لا تعدّ الواقعة الثانية محلّ ابتلاء للمكلّف عند الواقعة الأولى لما عرفت من عدم تماميّة ذلك في التكليف المعلق على ما اصطلح عليه صاحب الفصول إلاّ أنّ الظاهر أنّ إطلاق المصنف رحمه‌الله مبني على ظاهر الخطابات الشّرعيّة المتعارفة فإنّها لا تخرج من القسمين الأخيرين سواء وقع التعبير فيها في ما ذكر الزمان فيه قيدا للكلام بقولنا إن كان وقت كذا فافعل كذا أو بقولنا افعل كذا في وقت كذا كما أوضحناه في مبحث المقدّمة في كتابنا المذكور فراجع حتّى تطلع على حقيقة الحال (قوله) لكنّ الأظهر إلخ لتحقق الابتلاء لكل من طرفي الشبهة بحسب العرف في المثالين بخلاف مثال الحيض نعم لو فرض تردد الأمر فيه أيضا بين أوّل الشّهر والرّابع والسّابع كان كالأولين أيضا وبالجملة أنّ المدار في الابتلاء وعدمه على حكم العرف ولطول الزّمان وقصره مدخل في حكمهم بالنسبة إلى الأفعال المتدرجة في الوجود ومن هنا يمكن التّأمّل في إطلاق وجوب الاجتناب في المثال الثّاني لأنّ المسلم منه فيه إنّما هو في ما علم بابتلائه في يومه بمعاملة ربوية وأمّا في ما علم بذلك في شهره ففي الفرق حينئذ بينه وبين مثال الحيض تأمل فتدبّر(قوله) فيرجع فيه أي في مقدار الحيض أمّا عدم جواز الرّجوع فيه إلى الاستصحاب فللعلم بارتفاع الحالة السّابقة فيه وأمّا جواز الرّجوع إلى أصالة الإباحة فلفرض عدم الاعتداد بالعلم الإجمالي في المقام وأنت خبير بأنّه إذا بقي من الشّهر مقدار الحيض كثلاثة أيّام فإذا مضى جزء من هذا المقدار يحصل للمرأة القطع بكونها حائضا إما في هذا الزّمان أو في سابقه فيتعين عليها استصحاب الحيض فلا وجه معه لأصالة الإباحة كما لا يخفى (قوله) إلى أصالة الإباحة والفساد إلخ لا يخفى أنّ حرمة المعاملة تارة تنشأ من ذاتها وأخرى من كون إيقاعها بقصد ترتيب الآثار تشريعا وفسادها ملازم لإحدى الحرمتين لا محالة إذ المقصود من إثبات الفساد بالأصل أنّما هو في صورة قصد ترتيب الآثار وإلاّ فالفساد مع عدم قصده ثابت بالقطع لا بالأصل وحينئذ يشكل الجمع بين الأصلين لمنافاة مؤداهما والقول بأن أصالة الإباحة إنّما تنفي الحرمة الذّاتيّة وأصالة الفساد إنّما تلازم الحرمة التّشريعية غير مفيد بعد ثبوت الحرمة ولو تشريعا بعد الفساد لعدم ترتب أثر على الإباحة الذّاتية من حيث هي كما هو واضح (قوله) ليس دائر مدار الحكم إلخ خلافا لصاحب الحدائق وقد تقدم سابقا شطر من الكلام في ذلك فراجع (قوله) على وجه إلخ يعني بناء على صحة معاملات الصّبي المميّز إذ على القول بفسادها بكون الفساد مستند إلى عدم البلوغ لا إلى كون المعاملة ربوية(قوله) لكن الظّاهر الفرق إلخ بالقول باعتبار الأصول العمليّة مع العلم الإجمالي بخلافها وبعدم اعتبار الأصول اللفظية معه ووجه الفرق أنّ اعتبار الأولى إنّما هو من باب التعبّد الشرعي والفرض أنّ العلم الإجمالي بخلافها إنّما يؤثر في سقوطها مع تنجز التكليف بالواقع لسلامة الأصل في كلّ من المشتبهين عن المعارض بدونه بخلاف الثّانية لأن اعتبارها من باب الظّهور النّوعي المرتفع مع العلم ولو إجمالا بخلافها بل وكذلك لو قلنا باعتبارها من باب التعبد العقلائي لظهور عدم تعبدهم بالظّواهر مع العلم الإجمالي بخلافها وأنت خبير بأنّه يمكن منع تأثير العلم الإجمالي في العمل بالظّواهر أيضا في ما احتمل كون الفرد الخارج من الأفراد الّتي لا يبتلي بها المكلّف كما إذا أمر المولى بإكرام العلماء وثبتت حرمة إكرام عالم مردد بين أحد علماء البلد إجمالا وبين عالم في بلد ناء لا يبتلي به المكلّف عادة إذ لا ريب أن العقلاء لا يعذّرون العبد حينئذ في ترك إكرام علماء البلد لأجل كون العام عنده مخصّصا بمجمل والسّرّ فيه عدم ظهور العام في الشّمول للأفراد التي لا يبتلي بها المكلّف عادة إلاّ على وجه التعليق بالابتلاء وإذا تردّد الخارج بين الأفراد التي يبتلي بها المكلّف فعلا وبين غيرها رجع الشّكّ في تخصيصه بالنّسبة إلى الأفراد التي له ظهور في الشّمول لها فعلا إلى الشّك البدوي الذي يدفع بعموم العام ولعلّه إلى ذلك أشار المصنف رحمه‌الله بأمره بالتأمّل ويحتمل أن يكون إشارة إلى أنّ الكلام في سقوط الظّواهر عن الظهور بالعلم الإجمالي بخلافها في المقام وعدمه إنّما هو فرع جواز التمسّك بها في الشبهات الموضوعيّة كما حكي عن المحقق الكركي وإلاّ كما هو الحقّ المحقّق في محلّه فلا وقع للفرق المذكور لوضوح عدم ظهورها في الشّمول للموضوعات المشتبهة ولو بالشك البدوي فضلا عن المشوب بالعلم الإجمالي كما إذا ورد وجوب إكرام العلماء وتردّد الأمر في شخص بين كونه عالما وجاهلا إذ لا ريب أن خطاب الأمر بإكرام العلماء لا يقتضي كونه عالما أو جاهلا بالخصوص إذا لم يعلم بكونه مسبوقا بأحد الوصفين وكذا في ما نحن فيه إذا لم يعلم المكلف بكون الصّادر عنه من مصاديق البيع الرّبوي أو غيره فعموم حلية البيع أو حرمة الرّبا لا يقضي كونه من أحد القبيلين (قوله) السّابع قد عرفت إلخ لا يذهب عليك أن وجه مناسبة ذكر مسألة الخنثى من تنبيهات الشبهة المحصورة هو اشتباه المكلف به مع كون الشبهة ناشئة من اشتباه مصداق المكلف وربّما يقال بعدم كفاية مجرّد ذلك فيها لأن الكلام في الشبهة المحصورة إنما هو في ما اشتبه مصداق الحرام بعد العلم بالحرمة ولا ريب في عدم اشتباه مصداق الحرام في مسألة الخنثى بل نفس الخطاب المتوجّه إليها وإن كان الاشتباه فيه ناشئا من الاشتباه في مصدق المكلف الّذي توجّه

٣٤١

إليه الخطاب في الواقع فالأنسب ذكرها في ذيل مسائل الشّبهة الحكمية من مسائل الشك في المكلّف به لأنها وإن كانت خارجة من المقامين إلاّ أنّها بالأخيرة ألصق (قوله) على هذا فيحرم إلخ لا يخفى أنّ في حكم الخنثى وجوها ستة أقواها ما اختاره المصنف رحمه‌الله قد تقدّمت مع ما يتعلّق بفروع المسألة على مختاره في صدر الكتاب وبملاحظته تبتصر هنا فراجع (قوله) كل من قبليه من الّتي الرجوليّة والأنوثية(قوله) بناء على عدم العموم إلخ هذا بالنسبة إلى حرمة نظر الرّجل إلى الخنثى قال الله تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ) وتوهم العموم فيه إنما هو بالنظر إلى إطلاقه من جهة عدم تقييد الغضّ فيه بكون الغضّ من غير الخنثى فهو بإطلاقه يشملها والرّجال والنساء غاية الأمر أنه قد خرج منه نظر الرجل إلى أمثاله وإلى من يجوز النظر إليها من النّساء الأقارب فتبقى حرمة نظر الرجل إلى الخنثى مندرجة تحت إطلاقه وأمّا وجه عدم العموم فلكون الفعل فيه ممّا حذف متعلقه فاعتبار العموم فيه تابع لتقدير لفظ عام يشمل الخنثى وغيرها ولا قرينة له ومع التّسليم فالشبهة موضوعيّة لفرض عدم كون الخنثى طبيعة ثالثة فهي داخلة في أحد القبيلين فلا يجوز التّمسك فيها بالعموم أو الإطلاق (قوله) للرّجال إلخ صفة للغض (قوله) عدم جواز التّمسك إلخ هذا بالنّسبة إلى حرمة نظر النّساء إلى الخنثى قال الله سبحانه (قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَ) إلى قوله (أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) الآية ولا يذهب عليك أنّ الأمر بوجوب الغضّ للنّساء كآية الأمر بغض البصر للرجال ليس له عموم بخلاف النهي عن إبداء الزينة فإن له عموم بقرينة الاستثناء ولذا غير أسلوب العبارة فبنى الأمر في الآية الأولى على عدم العموم وفي هذه على عدم جواز التمسك بالعموم في المقام نظرا إلى كون الشّبهة مصداقية وظاهره تسليم العموم هنا خاصّة وكذا قد جعل بناء الاستدلال في الأولى على الأمر بالغض وهنا على حرمة إبداء الزينة مع الأمر بالغض هنا أيضا قال في كنز العرفان يحرم إبداء الزينة فقيل المراد مواضعها على حذف المضاف لا نفس الزّينة لأنّ ذلك يحلّ النّظر إليه كالحليّ والثياب والأصباغ وقيل المراد نفسها ويظهر لي أنّ المراد نفس الزّينة وإنما حرّم النّظر إليها إذ لو أبيح كان وسيلة إلى النظر إلى مواضعها وأمّا ما ظهر منها فليس بمحرّم للزوم الحرج المنفي في الدين انتهى ومبنى الاستدلال في المقام بالعموم على تقدير جوازه إنما هو على القول الأوّل وكذا على أن حرمة إبداء مواضع الزينة للنّساء تستلزم حرمة نظر الغير إليها أيضا فمقتضى العموم حرمة النّظر إلى النّساء على كل من الرّجال والنساء وإذا انضمت إليه حرمة نظر النّساء إلى الرجال كما هو مقتضى صدر الآية لأنه وإن لم يكن له عموم كما تقدم إلاّ أن هذا متيقن منه يثبت بمقتضى صدر الآية والمستثنى منه في ذيلها حرمة نظر كلّ من الرّجال والنّساء إلى النّساء ونظر النّساء إلى الرّجال وقد استثنى من ذلك جواز نظر النّساء إلى أمثالهن فإذا نظرت المرأة إلى الخنثى فإن كانت الخنثى مؤنثا في الواقع يكون هذا النّظر حلالا في وإن كان مذكرا كان حراما كذلك وحيث فرض تردّدها بينهما كانت الشبهة في الحكم لأجل الشّبهة في مصداق موضوعه في الخارج فلا يجوز التّمسّك بالعموم حينئذ وهذا غاية توجيه المقام وهو بعد لا يخلو من إشكال بل منع لأنه مع ما في عبارة المتن لما عرفت من عدم تماميّة التمسّك بعموم حرمة الإبداء بانفراده على تقدير جوازه في الشبهات الموضوعيّة من دون ضم صدر الآية إليه إن التّمسك بعموم آية حرمة إبداء الزّينة لا مدخل له في إثبات حرمة نظر النساء إلى الخنثى كما هو المدعى لأن غايته الدلالة على حرمة نظر الرّجال إليها كما عرفت وأمّا صدر الآية فهو بنفسه وإن كان مفيدا لحرمة نظر النّساء إلى الخنثى بناء على عمومه للرّجال والنساء وجواز التّمسك بعمومه في الشبهات الموضوعيّة بعد إخراج النّساء منه إلاّ أنّه لا حاجة حينئذ في إثبات حرمة نظر النّساء إلى الخنثى إلى ضمّه إلى ذيل الآية نعم لو كان المقصود من إيراد كل من الآيتين إثبات حرمة نظر الرّجال إلى الخنثى خاصّة لم يرد على المصنف رحمه‌الله شيء ممّا قدمناه إلاّ أنّه يبقى حكم حرمة نظر النساء إلى الخنثى بلا دليل مذكور في العبارة(قوله) تفصيلا إلخ قيد للتوجه والمراد بالتوجه التفصيلي هو العلم بتوجه الخطاب إليه وإن كان مردّدا بين خطابين في قبال العلم بتوجه خطابين إلى صنفين يعلم بدخوله في أحدهما(قوله) كما ترى إلخ لأن منشأ الانصراف هنا هي قلة وجود الخنثى وهي بنفسها من دون ضمّ كثرة الاستعمال إليها ليست منشأ له ومعه لا حاجة إليها كما صرّح به المصنف رحمه‌الله في بعض تحقيقاته في الفقه (قوله) ويمكن الفرق إلخ إنّما خصّ الفرق بالمجوّزين لعدم تأتيه على القول بوجوب الموافقة القطعية لفرض وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين فيما كان الأصل في كلّ منهما الحلّ لقاعدة الاشتغال بعد تساقط الأصلين لأجل التعارض أو لأجل حكومتها عليهما على الوجهين في مبنى هذا القول وأمّا فيما كان الأصل فيهما الحرمة فللعمل بالأصلين فيهما لأنّ المانع من العمل بهما في الأوّل هو لزوم المخالفة العملية للعلم الإجمالي المفقودة هنا بالفرض (قوله) إذا وافق إلخ كما في مفروض المقام (قوله) كما لو علم إلخ لأصالة عدم سبب الحلّ في جميع ما ذكر(قوله) وربما يقال إلخ حكي ذلك عن المحقق السّبزواري في رسالته الّتي أفردها في مقدمة الواجب حيث قال بوجوب الاحتياط في النّفوس والأعراض دون الأموال نظرا إلى ما استفيد من الشّرع من اهتمام الشّارع بالأوّلين ووجه النّظر هو منع ثبوت الضرورة في النفوس والأعراض أيضا لإطلاق كلام المجوزين (قوله) والمعروف فيها إلخ الكلام هنا كالمحصورة تارة يقع في وجوب الموافقة القطعيّة وأخرى في جواز المخالفة القطعيّة وأشار إلى الأوّل هنا وإلى الثّاني في التّنبيهات (قوله) وادعاه صريحا إلخ ادعاه في الفائدة الرّابعة والعشرين من فوائده العتيقة قال مع أن عدم وجوب الاجتناب من غير المحصور مجمع عليه بين الكلّ ولا ريب فيه ومدار المسلمين في الأعصار والأمصار كان على ذلك وقد حققناه في موضع آخر انتهى وعن حاشيته على المدارك دعوى الضرورة عليه قال مضافا إلى الإجماع بل وضروري الدّين في غير المحصور وطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار انتهى وهو كذلك في الجملة كما نقله المصنف رحمه‌الله عن بعضهم إذ لا ريب في عدم وجوب الاجتناب في ما علم فيه نجاسة شيء من أثوابه أو ثوب من أثواب رجال

٣٤٢

العالم وكذا في ما علم فيه نجاسة إنائه أو حرمة شيء من أمواله أو نجاسة أحد أواني العالم أو حرمة شيء من أموالهم وهكذا(قوله) وهو كاف في المسألة إلخ لما سيشير إليه من كون المسألة فرعيّة ولا إشكال فيه لأنا إن سلمنا كون أصالة البراءة في الشّبهات الحكميّة أصولية فلا ريب في كونها في الشبهات الموضوعيّة فرعيّة وقد أشار إلى نظير ذلك في مسألة الاستصحاب وقد حققنا الكلام في ذلك في محل آخر (قوله) وإن كان خلاف الظاهر إلخ لأنّ ظاهر نفي العسر وتوجيه الخطاب في الآيات إلى كلّ واحد من المكلفين كون المنفي هو العسر الشّخصي دون النوعي فيدور الحكم مدار تحقق العسر فعلا في حقّ كلّ مكلّف وأمّا ما دل من إناطة الأحكام بالعسر واليسر الغالبين فمنها قوله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ... (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) إذ لا ريب أن استلزام الصّوم في السّفر للعسر غالبي بالنسبة إلى الحالات والأشخاص ومنها صحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال في الرّجل الجنب يغتسل فينتضح من الماء في الإناء فقال لا بأس ما جعل عليكم في الدّين من حرج ومنها صحيحة أبي بصير عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن الجنب يجعل الركوة أو التور فيدخل إصبعه فيه قال إن كان يده قذرة فليهرقه وإن كان لم يصبها قذر فليغتسل منه هذا ممّا قال الله تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ومنها موثقة أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إنا نسافر فربما يلينا بالعذير من المطر إلى جانب القرية فيكون فيه العذرة ويبول فيه الصّبي وتبول فيه الدّابّة وتروث فقال إن عرض في قلبك شيء فافعل هكذا يعني افرج الماء بيدك ثم توضأ فإن الدّين ليس بمضيق فإنّ الله عزوجل يقول (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) إلى غير ذلك من الأخبار ويؤيّدها مضافا إلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعثت بالحنفية السّهلة السّمحة إن الحكمة في رفع العسر والحرج عن هذه الأمّة هو تسهيل الأمر عليهم في أمر معاشهم ومعادهم ولا ريب أن تحديد ما يرتفع به العسر ويندفع به الحرج وموارد لزومهما والاقتصار في ما يتعلق بالمعاش والمعاد على ذلك يوجب العسر والمشقّة على العباد فاللطف الواجب عليه تعالى الباعث لرفع المشاق عنهم كما قرّر في محلّ آخر أو الأدلّة السمعية من الآيات والأخبار الدّالة على ارتفاعها مقتضية لكون المدار في رفعها على الغالب وإلا لزم نقض الغرض فتأمّل وإطالة الكلام بالنقض والإبرام في تحرير هذه القاعدة وإثباتها وبيان مقدار مقتضاها وكيفيّة اقتضائها وحال معارضتها مع سائر الأدلّة خارجة من محلّ الكلام والاهتمام بالأهمّ هو الأهمّ (قوله) وفي هذا الاستدلال نظر إلخ توضيح النّظر أن ظاهر أدلة نفي العسر والحرج من الآيات وأكثر الرّوايات هو اعتبار العسر الشّخصي الملحوظ بالنسبة إلى آحاد المكلفين فتكون النسبة بينها وبين المدعى عموما من وجه إذ ربّ مورد من موارد العسر لا دخل له في الشبهة غير المحصورة وربّ مورد من موارد الشبهة غير المحصورة لا يلزم من الاحتياط فيه عسر على بعض المكلفين ولو بالنسبة إلى بعض حالاته وأمّا إذا لوحظت هذه الأدلّة مع ما دل على دوران الأحكام مدار السّهولة على الأغلب فالمنساق منها بيان كيفية جعل الأحكام الكليّة الواقعيّة الأوّلية أو الثّانويّة بمعنى أنّ الشّارع حين جعل الأحكام الواقعية لموضوعاتها الواقعيّة قد لاحظ عدم لزوم عسر على أغلب المكلفين في امتثالها وشمول هذه الأخبار للشبهة غير المحصورة إنّما يتم إذا فرض كون عنوان الشبهة غير المحصورة موضوعا بحسب الواقع لوجوب الاجتناب فحينئذ يلاحظ في ثبوت هذا الحكم لهذا الموضوع عدم لزوم عسر على الأغلب في أغلب مواردها وليس كذلك بل هي عنوان في كلمات العلماء لموضوعات متعدّدة قد اشتبه كل واحد منها بين أمور غير محصورة فجعل الشبهة غير المحصورة عنوانا في كلماتهم لهذه الموضوعات إنّما هو لأجل كونه جامعا لشتات جزئيات هذه الموضوعات ليتوصل به إلى البحث عن هذه الموضوعات المشتبهة على الجملة لا لأجل كون هذا العنوان موضوعا بحسب الواقع لوجوب الاجتناب بل الموضوع لهذا الحكم هي الموضوعات المشتبهة المذكورة ولا شك أنّه لا يلزم في امتثال هذه الأحكام المتعلّقة بالموضوعات المذكورة في الواقع عسر وحرج على الأغلب وإلاّ لزم ذلك فيما لو فرض فيه العلم التّفصيلي أيضا بهذه الموضوعات ولا يلتزم به أحد وكذلك فيما لوحظ كل واحد من هذه الموضوعات بنفسه باعتبار اشتباهه بين أمور غير محصورة كالخمر المشتبه كذلك والنجس المشتبه كذلك ونحوهما بمعنى لزومه في كل واقعة واقعة منها وليس كذلك وبالجملة أنّه لا مقتضي لعدم وجوب الاحتياط في ما لا يلزم منه فيه عسر أصلا وإليه يشير قوله وإن الاجتناب في صورة اشتباه إلخ نعم لو فرض لزوم العسر على الأغلب في بعض هذه الوقائع يلتزم بارتفاع التكليف فيه عن الجميع في خصوص الواقعة اللازم فيها ذلك بمقتضى الأخبار المذكورة لكن لا يلزم منه الالتزام بارتفاع التكليف في غيرها أيضا وإليه يشير قوله نعم لو لزم الحرج من جريان إلخ وأمّا لزوم العسر من انضمام الوقائع المذكورة على الأغلب بمعنى لزوم العسر من اجتناب جميع موارد الشبهة غير المحصورة فقد عرفت أنّ شمول الأخبار المذكورة لذلك إنّما هو فرع كون عنوان الشبهة غير المحصورة موضوعا في الواقع لوجوب الاجتناب وقد عرفت أنّه ليس كذلك هذا غاية توضيح ما ذكره المصنف ره وربّما يمنع شمول الأخبار المذكورة لصورة لزوم العسر في بعض الوقائع أيضا إذا لوحظت كل واحدة منها في نفسها على ما عرفت لأنّ ظاهر هذه الأخبار نفي العسر عن الأحكام الواقعية الأولية لا نفي العسر اللاّزم من اشتباه موضوع الحكم الواقعي بين أمور غير محصورة أيضا كما في المقام وفيه أنّه إن تمّ ما ذكر لزم أن لا تجري هذه القاعدة في الأحكام الظاهريّة الثانويّة وإن كان العسر اللازم فيها شخصيّا أيضا لكون جميع الآيات والأخبار الواردة في الباب على نسق واحد ولا يلتزم به ذو مسكة نعم يمكن أن يقال إنّ المقصود من إجراء أصالة البراءة في مواردها هو مجرّد رفع المنع من الترك في الشبهات الوجوبيّة ومن الفعل في الشّبهات التحريميّة وبعبارة أخرى أن مقتضاها مجرّد عدم العقاب على الترك أو الفعل كما هو مختار المصنف رحمه‌الله لا نفي الأحكام الواقعيّة في موارد احتمالها مجرّدا أو مع شوبه بالعلم الإجمالي كما هو مقتضى قاعدة نفي العسر في موارد لزومه وحينئذ يختلف الدّليل والمدعى ولذا جعلت أصالة البراءة من الأدلّة الفقاهتية وقاعدة العسر من الأدلة الاجتهادية وفيه أنّ هذه القاعدة لم تذكر في المقام دليلا على جريان أصالة البراءة بل دليلا على عدم وجوب الاحتياط فيه مع قطع النّظر عن كون مقتضاها عدم الوجوب في الواقع أو الظاهر وقد أورد

٣٤٣

المحقّق القمي رحمه‌الله على الدّليل المذكور بما لحظه في الفصول قائلا وأمّا ما أورده بعض المعاصرين بأنّ العسر والحرج قد لا يتحققان في غير المحصور كما إذا لم يكن هنا ما يوجب استعمال البعض وقد يتحقّقان في المحصور أيضا كما إذا اضطر إلى استعمال البعض منه مع أنّهما يقتضيان رفع الإثم دون غيره كالنّجاسة ولهذا لو اضطرّ إلى أكل الميتة لم يرتفع عنه حكم النّجاسة انتهى وأقول إنّ ما أورده أوّلا من عدم اطّراد القاعدة في جميع موارد الشّبهة غير المحصورة يظهر الكلام فيه مما ذكره المصنف رحمه‌الله وما علقناه على توضيح كلامه وما أورده ثانيا من كون مقتضى العسر والحرج مجرد رفع الإثم دون غيره من الأحكام يرد عليه مضافا إلى أن المقصود في المقام منع وجوب الاحتياط ويكفي فيه مجرّد عدم الإثم في الارتكاب لإثبات الطهارة والحلية ما عرفته من منع ذلك كيف لا وتقدم قاعدة العسر على سائر العمومات المثبتة للتّكاليف أقوى من تقدم الأدلّة الخاصّة عليها لكون تقدّمها من باب الحكومة وتقدم الخاصّ عليها من باب المعارضة وقوة الدّلالة وعلى كل تقدير فلا إشكال في ما ذكرناه ولذا احتج بها بعض الأصحاب على طهارة الحديد في مقابل الأخبار الدّالة على نجاسته واعتذار المحقّق المذكور عنه بأنّه تأسيس للحكم ودفع لا رفع لحكم ثابت وبينهما فرق واضح غير واضح كما اعترف به في الفصول نعم هنا كلام آخر في جواز التمسك بمثل هذه القواعد الّتي كثر ورود التّخصيص عليها من دون جابر ولا دخل له في ما ذكره والله العالم (قوله) مع أن لزوم الحرج إلخ إن أراد خروج هذه الموارد من الشّبهة غير المحصورة من محلّ النّزاع كما هو ظاهر كلامه فهو ينافي استدلاله الآتي على عدم وجوب الاجتناب بعدم تحقق الابتلاء بجميع أطراف الشّبهة في كثير من مواردها وإن أراد دخولها فيها وكون عدم الوجوب فيها مستند إلى عدم الابتلاء فهو تحكم بحت إذ لا منافاة في استناد عدم وجوب الاجتناب في غير المحصور إلى أمرين أحدهما عدم تحقق الابتلاء في كثير من موارده والآخر لزوم العسر الغالبي في موارده فإنه إذا فرض هنا أمور غير محصورة يلزم من الاحتياط فيها العسر على الأغلب وكان بعضها خارجا من محلّ الابتلاء ثم حصل العلم الإجمالي بحرمة بعضها فعدم تأثير العلم حينئذ في تنجّز التّكليف بالواقع كما يمكن أن يستند إلى خروج بعض أطراف العلم الإجمالي من محلّ الابتلاء كذلك يمكن أن يستند إلى لزوم العسر الغالبي (قوله) إنّ المستند في وجوب إلخ يعني أنّ العمدة في ذلك وإلاّ فقد تمسّك المصنف رحمه‌الله بالأخبار أيضا ويحتمل أن يكون الوجه في تخصيص المستند بالعقل رجوع مؤدّاها إليه وهو وجوب الاحتياط من باب المقدّمة وعلى تقدير كون المستند فيه الأخبار يتمّ الجواب أيضا كما هو واضح وعلى كلّ تقدير فمحصّل الجواب أنّ المستند في وجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة هو العقل وهو مشترك بينها وبين غير المحصورة وأخبار الحلّ لا تشتمل شيئا منهما (قوله) إجماعا إلخ لا تضرّ هنا مخالفة الأخباريين في مسألة البراءة إن قلنا بقدح مخالفتهم في الإجماع لاختصاص خلافهم بالشّبهات الحكميّة التّحريمية لإجماعهم على أصالة البراءة في الشّبهات الحكميّة الوجوبيّة ممّن عدا الأمين الأسترآبادي وفي الشّبهات الموضوعية مطلقا فإن قلت إن أخبار وجوب الاجتناب مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله اتركوا ما لا بأس به حذرا عمّا به البأس ونحوه عامّة لجميع الشّبهات وقد عارضها دليلان أحدهما الإجماع والآخر أخبار الحلّ فلا وجه لتخصيصها أولا بالإجماع ثمّ ملاحظة النسبة بينها وبين أخبار الحلّ قلت نعم لكنّه إنّما يتمّ فيما تعارضت الأدلّة بأزيد من دليلين ولم يكن أحدها أخصّ من الباقي وإلاّ فلا بد من التّخصيص أولا بالخاص ثمّ ملاحظة النّسبة بين الباقي وإن انقلبت إلى نسبة أخرى بعده كما سيجيء في خاتمة الكتاب (قوله) والحاصل أنّ أخبار الحل إلخ ربما يتوهم أن الأولى أن يقال مضافا يدل قوله الحاصل نظرا إلى أنّ ما ذكره ليس حاصلا لما قبله لأنّ مقتضى كون النّسبة بين الأخبار هو العموم والخصوص مطلقا تخصيص العام بالخاص لا فرض قدر متيقّن لكلّ من الطّرفين واعتبار تعارضهما في مادة ثم نفي أولوية إدخالها تحت أحدهما بالخصوص لكون ذلك وظيفة تعارض العام والخاص من وجه لا مطلقا ويمكن دفع هذا التوهّم بأن العام والخاص مطلقا إذا كان لكلّ منهما فرد متيقن الدّخول تحته وتعارضا في فرد آخر على وجه كان ظهور كلّ منهما فيه بمرتبة واحدة يجري عليه حكم تعارض العام والخاص من وجه وما نحن فيه من هذا القبيل فإن قلت إنّما نمنع كون النّسبة بينهما عموما وخصوصا مطلقا لأنه إذا فرض وجود فرد متيقن لكل منهما وتعارضا في فرد ثالث كانت النسبة بينهما عموما وخصوصا من وجه لا مطلقا قلت إن هذا إنّما يتم فيما لم يشتمل شيء منهما على ما هو المتيقّن من الآخر وما نحن فيه ليس كذلك لأن أخبار المنع وإن لم تشتمل على الشّبهات البدوية للإجماع الذي ادعاه إلا أن أخبار الحلّ تشتمل بإطلاقها على الشّبهات المحصورة وإن لم تكن تصافيها فتكون النسبة بينهما عموما وخصوصا مطلقا لاشتمال أخبار الحلّ على جميع موارد أخبار المنع وهذا غاية توضيح المقام وهو بعد لا يخلو من نظر بل منع لأن أخبار الحلّ شاملة للشبهات البدوية بالنّصوصية بقرينة الإجماع المذكور وللمحصورة وغير المحصورة بالعموم وأخبار المنع شاملة للمحصورة بالنصوصية لكونها متيقنة منها ولغير المحصورة بالعموم فتعارضهما في غير المحصورة إنّما هو بالعموم ومجرد اشتمال كل منهما على قدر متيقن من الآخر لكن النسبة حينئذ تكون عموما من وجه لا مطلقا وهو خلاف لا يوجب وهنا في دلالة الخاص حتى يتساوى ظهورهما في الشمول لمادة التعارض نعم يتم ذلك لو لم يشمل شيء منهما ما هو المتيقن من الآخر لكن النسبة حينئذ تكون عموما من وجه لا مطلقا وهو خلاف الفرض كما عرفت توضيحه (قوله) إلا أن يقال إلخ حاصله دعوى أظهرية أخبار الحلّ في الشمول للشّبهة غير المحصورة من أخبار وجوب الاجتناب بقرينة الاستهجان العرفي الحاصل من قلّة الأفراد الباقية تحت الأولى على تقدير إخراج أفراد الشّبهة غير المحصورة من تحتها وإدخالها تحت الثانية وأنت خبير بأن هذه الدعوى لا تخلو من مصادمة للعيان ومخالفة لصريح الوجدان لكثرة وجود الشّبهات المجرّدة عن العلم الإجمالي في الخارج بحيث لا يبقى مجال لدعوى الاستهجان المذكور بعد ملاحظة كثرتها وإنّ شئت فلاحظ بدنك وثوبك ودارك وسائر ما يتعلق بك وغيرها لأنك كثيرا ما تشك في نجاستها وحليّتها من دون أن يحصل لك علم إجمالي بنجاسة بعضها أو كونه مغصوبا ومجرّد علم إجمالي بوجود نجس أو مغصوب في العالم وضمّ ذلك إليه غير مجد في دخول ذلك في أطرافه كما هو واضح ومع التسليم فلا ريب في خروج بعض أطراف الشبهة غير المحصورة المفروضة من محلّ الابتلاء كما اعترف به المصنف رحمه‌الله في ما مضى ويأتي واعترف أيضا بعدم وجوب الاحتياط في مثلها ومع التسليم فلا ريب في إندراج الشبهات البدوية الحكميّة تحت الأولى

٣٤٤

وهي بمجرّدها كافية في منع الاستهجان المذكور اللهمّ إلاّ أن يريد بأخبار الحلّ ما هو ظاهر الاختصاص بالشّبهات الموضوعيّة وهو كما ترى (قوله) فإنّ الظّاهر منه إلخ بقرينة السّياق (قوله) إلا أن يدعى إلخ لعلّ هذا المعنى أظهر كما يشهد به لفظ الجميع المضاف إلى ما في الأرض وقوله فما علمت فيه ميتة الظاهر في اعتبار العلم تفصيلا أو إجمالا في وجوب الاجتناب حيث لم يقل فما علمت أنّه ميتة كما هو واضح (قوله) يحل الجبن المأخوذ إلخ أي وإن حصل العلم الإجمالي بوجود الحرام في السّوق (قوله) فتأمّل لعلّ الأمر بالتأمل إشارة إلى منع عدم اعتبار السّوق مع العلم الإجمالي بخلافه لأنّ غلبة وجود العلم الإجمالي بوجود الحرام والنجس في سوق المسلمين شاهد لشمول الإجماع والأخبار لصورة العلم الإجمالي بالخلاف (قوله) أصالة البراءة إلخ حاصل هذا الوجه أنّ المانع من جريان أصالة البراءة في أطراف الشبهة المحصورة أو غير المحصورة هو العلم الإجمالي بوجود الحرام فيها بحكم العقل بوجوب الاجتناب عن الجميع من باب المقدّمة العلميّة ولا ريب أنّ اعتبار العلم مطلقا إنّما هو لأجل حكم العقل وبناء العقلاء عليه فإذا فرض عدم اعتناء العقلاء به عند اتساع دائرة الشبهة بحيث تعد غير محصورة كان وجوده كالعدم ويرتفع المانع من جريانها ولعلّ هذا هو المراد من المحكي عن الدّرر النجفية بعد بيان الفرق بين المحصور وغيره وبيان حكم المحصور قال إمّا غير المحصور فإنّه لا يعلم وجود الحرام ثمة ولا يقطع بحصوله فلا يتعلق التّكليف الشّرعي باجتنابه ووجوده في الواقع ونفس الأمر مناطا للأحكام الشّرعيّة وإنّما جعلت منوطة بنظر المكلّف وعلمه كما لا يخفى على من أحاط خبرا بالقواعد الشرعيّة والضوابط المرعيّة انتهى وإلا فتوجّه المنع إليه واضح لأنّ ظاهر العلماء اعتبار العلم الإجمالي في غير المحصور أيضا كما ستقف عليه عند بيان الفرق بينه وبين المحصور فلا تغفل (قوله) فتأمّل لعلّه أشار بالأمر بالتأمّل إلى أنّ مقتضى هذا الوجه جواز المخالفة القطعيّة بارتكاب الجميع كما صرّح به في التنبيه الأوّل وهو مناف للعلم إجمالا بكون أحد أطراف الشّبهة حراما أو نجسا في الواقع ولذا اختار هناك عدم جواز ارتكاب الجميع مع العزم عليه أو مطلقا ويحتمل أن يكون إشارة إلى الفرق بين الضرر الدنيوي والأخروي وفيه تأمّل ويحتمل أن يكون إشارة إلى منع الفرق في الأمثلة بين المحصور وغيره بما ذكره لأنّه لو أخبر شخص بموت أحد مردد بين ولده وشخص آخر وبموت المردد بين ولده وبين كلّ واحد من أهل بلده نمنع عدم اضطراب باله في الثّاني إذا احتمل كون المخبر عنه ولده احتمالا عقلائيا غاية الأمر أن يختلفا في شدة الاضطراب وقلته وذلك بمجرده لا يوجب فرقا مجديا في المقام اللهمّ إلاّ أن تبلغ قلة الاضطراب في الثّاني حدّا لا ينبغي به عند العقلاء (قوله) إنّ الغالب عدم إلخ هذا الدليل كما ترى أخصّ من المدّعى اللهمّ إلاّ أن يتمسّك بعدم القول بالفصل (قوله) والمسألة فرعيّة إلخ ظاهره عدم اعتبار الظنّ إن فرضت المسألة أصوليّة وهو خلاف مذهبه ولو قال سيما وأنّ المسألة فرعيّة يكتفي فيها بالظنّ اتفاقا كان أولى (قوله) في أنّه هل يجوز ارتكاب إلخ تحقيق هذا المطلب يتوقف على ملاحظة الأدلة المتقدّمة على تقدير تماميّتها أمّا الأوّل فإن إطلاقهم القول بجواز الارتكاب هنا وإن كان يحتمل أن يكون في مقابل حكمهم بوجوب الاحتياط في الشبهة المحصورة كما ذكره المصنف ره ويؤيّده عدم وجدان مصرّح بجواز المخالفة القطعيّة هنا إلاّ أن تعرضهم لنقل الخلاف في جواز المخالفة القطعيّة في المحصورة وعدم تعرضهم للخلاف هنا مع إطلاقهم القول بجواز الارتكاب ربّما يرشد إلى كون الجواز هنا من المسلمات عندهم لأنّه ربّ مسألة وإن لم يتعرضوا لها إلا أنّه تظهر فيؤتهم فيها من قرائن أحوالهم فلو كان هنا مخالف لتعرضوا لنقله أيضا لا محالة وبالجملة أنّهم قد تعرضوا للفرق بين المحصور وغير المحصور وكذا لحكم المحصور من حيث وجوب الموافقة القطعيّة وكذلك لحكم غير المحصور من حيث الموافقة القطعيّة وأمّا من حيث جواز المخالفة القطعية فلم يقع تصريح منهم بذلك نفيا وإثباتا فيحتمل فيه الأمران إلاّ أنّ ما ذكرنا فيه أقرب ممّا ذكره المصنف رحمه‌الله نعم يحتمل على ما ذكرناه أيضا أن يكون عدم تعرضهم لجواز ارتكاب جميع أطراف الشّبهة غير المحصورة لأجل ندرة وقوع ارتكاب جميعها لا لأجل ما قدّمناه وأمّا الثّاني فإن كان المدار في العسر على الشّخصي منه فهو لا يدلّ على جواز المخالفة القطعيّة لجواز الاكتفاء فيه حينئذ بما يندفع به العسر فلا دليل على جواز ارتكاب غيره وإن كان المدار فيه على النّوعي منه كما هو مقتضى الآية والرّوايات على ما تقدم فلا ريب في اقتضائه للجواز إلاّ أنّه قد تقدّم عدم تماميّة هذا الدّليل في جميع موارد المدعى وأمّا الثّالث فلا ريب أنّ مقتضى أخبار الحلّ جواز ارتكاب الجميع وقد صرّح المصنف رحمه‌الله في الشّبهة المحصورة بأن مقتضاها إمّا جواز المخالفة القطعيّة أو الموافقة القطعيّة إلاّ أنّه قد تقدم عدم تماميّة هذا الدّليل أيضا وأمّا الرّابع فظاهره قوله أمن أجل مكان واحد إلخ هو عدم جواز الارتكاب نعم قوله فما علمت أن فيه ميتة قرينة لإرادة جواز ارتكاب الجميع لكن قد تقدم ضعف دلالة الرواية وأمّا الخامس فهو واضح الدّلالة على الجواز ولكن قد تأمّل المصنف رحمه‌الله في تماميّته كما تقدم وأمّا السّادس فهو أيضا مقتض للجواز إلاّ أنّه قد تقدم كونه أخصّ من المدعى فهذه الأدلّة على تقدير تماميّة أصلها وإن اتفقت في الدّلالة على جواز المخالفة القطعيّة ولذا اختارها بعض سادة مشايخنا إلاّ أنها غير ناهضة لإثبات ذلك إمّا لقصور في أصلها كما في ما عدا الأوّل أو في الدّلالة على المدعى هنا كما في الأوّل فمقتضى العلم الإجمالي بوجود الحرام بين المشتبهات كما حقّقه المصنف رحمه‌الله هو عدم جواز المخالفة القطعيّة وإن لم يكن عازما عليها من أوّل الأمر ومعه بطريق أولى ثمّ إن القول بعدم وجوب الاحتياط في غير المحصور أو جواز المخالفة القطعيّة فيه لا بدّ من تخصيصه بما إذا لم يكن الحرام المعلوم إجمالا أهمّ في نظر الشّارع ومتميّزا عن سائر المحرّمات امتيازا تامّا وإلاّ فالظاهر وجوب الاحتياط في مثله وإن كانت الشبهة غير محصورة بل لا إشكال فيه في بعض الموارد كما إذا اشتبه إمام مفترض الطّاعة بين غير محصور من الكفار مهدوري الدّم فلا يجوز الجهاد معهم ولا قتل واحد منهم يحتمل كونه ذلك الإمام ويدل عليه بناء العقلاء وصريح الوجدان ولم أر من تنبه لذلك فلا تغفل (قوله) على ذلك إلخ أي على ارتكاب الكلّ (قوله) والتحقيق يعني أن التحقيق أن عدم الجواز ليس لأجل صدق المعصية كما ذكر بل لأجل استلزامه طرح إلى آخر ما ذكره ومقتضى هذا التحقيق عدم جواز ارتكاب الجميع مع عدم العزم عليه أيضا من أوّل الأمر(قوله) إذا قصد الجميع (١٢) أي قصد من أوّل الأمر ارتكاب كلّ واحد بنفسه لا لأجل المقدمة والتوصّل إلى الحرام الواقعي وإلاّ فالظّاهر استحقاق العقاب إلى آخر ما ذكره (قوله) فصور ارتكاب إلخ إحداها ارتكاب الجميع من دون عزم عليه من أوّل الأمر الثانية ارتكابه مع العزم عليه من أوّل الأمر الثّالثة ارتكابه بقصد التّوصّل به

٣٤٥

إلى الحرام الواقعي بأن جعل ارتكاب الكلّ مقدّمة لارتكابه وإلى الأولى أشار بقوله لكن مع عدم العزم على ذلك وإلى الثّانية بقوله وأما معه فالظاهر وإلى الثالثة بقوله ولو قصد نفس الحرام (قوله) اختلف عبارات الأصحاب إلخ لا ريب أنّ اختلافهم في ضابط المحصور وغيره ليس بحسب مفهومهما اللغوي لتبينه لغة حتّى إنّه قد يقال إنّه لا مصداق لغير المحصور في الخارج بحسب الحقيقة اللّغوية إذ كل موجود محصور لا محالة وإنّما الخلاف في بيان المراد منهما في كلمات العلماء فحملهما جماعة على ظاهر ما يتفاهم منهما عرفا وفسّرهما بعض آخر بلازم معناهما وعلى كل تقدير فالشّبهة إنّما هي في مفهومهما يعني في المعنى المراد منهما لا في مصداقهما بعد تبيّن مفهومهما نعم قد يظهر خلاف ذلك من بعض كلماتهم كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى (قوله) إنّما يتجه إذا كان الاعتماد إلخ فيه إشارة إلى دفع ما أورد على الجماعة من أن جعل المرجع في المحصور وغير المحصور هو العرف إنّما يتم إذا وقع هذان اللفظان في الكتاب أو السّنة وليس كذلك لأنّهما إنّما وقعا في كلمات القوم والكشف عن مفهومهما عرفا لا يستلزم كون هذا المفهوم العرفي موضوعا للحكم الشّرعي وغايته أن يعتبر ذلك في مقام نسبة الفتوى إليهم لا في مقام تعيين موضوع الحكم الشّرعي ووجه الدفع أنّهما وإن لم يقعا موضوعين في الكتاب والسّنة لحكم شرعي إلاّ أنّهما وقعا في معاقد إجماعاتهم المستفيضة أو أن تحصيل الإجماع إنما هو من عبارات من غير بهذين اللّفظين وذلك كاشف عن إناطة الحكم في كلام المعصوم بهما ومن هنا قد صرّح غير واحد بكون الإجماعات المنقولة على القول باعتبارها في حكم الأخبار تلاحظ في إسنادها الصّحة والضّعف والإرسال والإضمار ونحوها وفي دلالتها العموم والخصوص والإطلاق والتقييد والتعارض وعلاجه وغيرها من أحكام الدّلالة فيعامل معها معاملة الأخبار لكشفها عن صدور معقدها عن المعصوم عليه‌السلام فنقل الإجماع على عدم وجوب الاجتناب عن الشبهة غير المحصورة بمنزلة رواية العدل ذلك عن المعصوم عليه‌السلام فهو يكشف عن وقوع هذا اللفظ في كلامه موضوعا لهذا الحكم فكما أن في الأخبار مع عدم ثبوت الحقيقة الشّرعيّة تقدم الحقيقة العرفية على اللغوية مع العلم بوجودها في عصر الإمام عليه‌السلام بل ومع الشك فيه قضية لتشابه الأزمان وغلبة توافق العرفين وإن كانت أصالة تأخّر الحادث قاضية بخلافه كذلك في ما نحن فيه فكل مورد علم صدق عنوان غير المحصور أو عنوان المحصور عرفا وإلاّ فالفقيه يستعمل ظنّه فإن حصل الظن بشيء منهما وإلاّ يرجع إلى مقتضى الأصول كما نقله المصنف رحمه‌الله عن فوائد الشّرائع فلا يرد حينئذ ما يتوهم من عدم اعتبار ظنّ الفقيه في الموضوعات لأنّه إنّما لا يعتبر في الموضوعات الصرفة دون المستنبطة وما نحن فيه من قبيل الثّاني دون الأوّل هذا غاية توجيه ما وجّه به المصنف رحمه‌الله كلمات الجماعة والظاهر أن مراده بدعوى كشف الإجماع عن إناطة الحكم في كلام المعصوم عليه‌السلام بالعبارة الّتي وقع التعبير بها عن معقده هو كشفه عن إناطة الحكم في كلامه بها أو بما يرادفها لأن تعبير مدع الإجماع بلفظ غير المحصور مثلا إنّما هو لأجل التعبير عن مراده لا لأجل وقوعه في كلام الإمام عليه‌السلام ويؤيده عدم ورود لفظ المحصور وغير المحصور في الكتاب والسّنة فلا يرد حينئذ منع كشفه عن إناطة الحكم في كلامه بخصوص عبارة معقد الإجماع (قوله) فلأن جعل الألف إلخ يرد عليه مضافا إلى ما ذكره أنّ النسبة بين ما ذكره المحقّق الثّاني من الضابط أعني عسر العدّ في زمان قصير كالألف على ما مثلوا به وعنوان غير المحصور عموم مطلقا إذ ربّ ألف من الأشياء يعسر عدّه في زمان قصير ولا يعدّ غير محصور عرفا كالأوقية من الحنطة كما ذكره المصنف رحمه‌الله وربّ ألف منها بعسر عدّه كذلك ويصدق عليه عنوان غير المحصور كألف دار في البلد(قوله) وأمّا ثانيا إلخ هذا مبني على كون مراد المحقق الثّاني بإعمال الظنّ في الموارد المشتبهة إعماله لتشخيص الموضوعات الصّرفة لأنّها هي الّتي لا يعتبر فيها ظنّ الفقيه وإلا فنقل الإجماع مستفيض على اعتبار ظنّه في الموضوعات المستنبطة فنقول في تقريب ما أورده أنّ ظاهره حيث جعل ضابط غير المحصور ما يعسر عدّه في زمان قصير ومع ذلك قد فرض في فوائد الشّرائع له مصاديق مبينة الإندراج تحته وموارد مبينة الخروج من تحتها ومصاديق مشتبهة هو كون موارد الاشتباه من قبيل اشتباه المصاديق الخارجة وإلاّ فلا ريب في كون ضابط عسر العد في زمان قصير مبنيّا بحسب المفهوم ويحتمل أن يكون مراده منع اعتبار ظنّ الفقيه مع كون الشّبهة في المفهوم بناء على ما تقدّم منه عند بيان اعتبار الظنّ في اللّغات وعدمه من اختياره عدم الاعتداد به وإن عدل عنه في الدّورة الأخيرة من مباحثته الّتي لم تتم له وأدركه هادم اللّذات قبل وصول البحث إلى هنا وتقريب الإيراد حينئذ وفرض الشّبهة في مفهوم الضابط واضح لمن أعطاه الله حظا من الفطانة(قوله) ففيه أنّ الوجه المقتضي إلخ يرد عليه مضافا إلى ما ذكره أنّ الاستصحاب قد يقتضي الحرمة أو النجاسة في بعض الموارد كما إذا كان هنا أشياء يشك في عدّها غير محصورة وعلمت نجاسة جميعها أو حرمتها ثمّ علم إجمالا بعروض الطّهارة أو الحلية لها إلاّ النّادر منها ثمّ إنا نزيد على ما ذكره المصنف رحمه‌الله ببيان محتملات كلام المحقّق الثّاني فنقول إنّه إن أراد بالاستصحاب أصالة الإباحة الثابتة للأشياء في نفسها وقبل العلم الإجمالي الحاصل بحرمة بعضها يرد عليه أن الإباحة الأصلية لا تنافي الحرمة العارضة لأجل المقدّمة العلمية للاجتناب عن الحرام المعلوم إجمالا كيف لو تمّ ذلك جرى في المحصور أيضا وإن أراد به أصالة إباحة الأشياء المشكوك في كونها محصورة أو غير محصورة بمعنى استصحاب إباحتها مع وصف هذا الشكّ يرد عليه أنّه لم يعلم إباحتها بهذا الوصف في زمان حتّى يستصحب وإن أراد أصالة براءة الذّمّة عن وجوب الاجتناب عن هذا الموضوع المشكوك كونه من المحصور أو غيره يرد عليه أنّ مقتضى القاعدة حينئذ وجوب الاجتناب عنه وتوضيح المقام أنّه مع اشتباه المحصور بغير المحصور إمّا من جهة الاختلاف في تفسير ضابط غير المحصور وعدم الاطمئنان بشيء من تفاسيرهما وإمّا من جهة اختيار بعضها ووقوع الاشتباه في بعض مصاديقه ففي كون المرجع فيه أصالة البراءة حتّى يلحق بغير المحصور أو الاشتغال حتّى يلحق بالمحصور وجوه أحدها كون المرجع فيه استصحاب البراءة كما نقله المصنف رحمه‌الله عن فوائد الشّرائع والوجه فيه أن من المشتبهات ما هو واجب الاجتناب يقينا كالأفراد الواضحة للمحصور ومنها ما هو غير واجب الاجتناب كذلك كالأفراد الواضحة لغير المحصور وما هو مردّد بينهما ولا علم لنا بوجود المقتضي للاجتناب عنه لأنّ المقتضي له هو كونه من المحصور ولم يعلم ذلك فيه وثانيها كون المرجع فيه أصالة الاشتغال على نحو ما قرّره المصنف رحمه‌الله من وجود المقتضي وعدم العلم بالمانع وثالثها التّفصيل

٣٤٦

بين القول بجواز المخالفة القطعيّة في غير المحصور كما اختاره بعض سادة مشايخنا فلا يجب فيه الاحتياط وبين القول بعدم جوازها كما اختاره المصنف رحمه‌الله فيجب والوجه فيه أن الأول مبني على عدم كون العلم الإجمالي في غير المحصور مقتضيا لوجوب الاحتياط كما قرّره المصنف رحمه‌الله في الدليل الخامس لأصل المسألة ومع الشّكّ في كون المورد من قبيل المحصور وغير المحصور لا يبقى لنا العلم بوجود المقتضي لوجوب الاجتناب فيعمل فيه بأصالة البراءة لعدم المانع منه حينئذ والثّاني مبني على تسليم وجود المقتضي في غير المحصور وإبداء المانع من إجماع أو لزوم عسر ونحوهما ومع الشك في وجود المانع يعمل المقتضي عمله فإن قلت إنّ الأمر في المقام على القول بعدم جواز المخالفة القطعيّة في غير المحصور دائر بين الأقلّ والأكثر الاستقلاليين لأن المورد في الواقع إن كان من قبيل المحصور يجب الاجتناب عن جميع أطرافه وإن كان من قبيل غير المحصور يجب الاجتناب عن مقدار الحرام خاصّة ومع دوران الأمر بين الأقل والأكثر يجب الأخذ بالمتيقن ونفي الزّائد بالأصل قلت نعم ولكنه إنّما يتم في ما دار الأمر فيه بين الأقل والأكثر في نفس الأحكام دون طرق امتثالها وإطاعتها والاحتياط في موارده من قبيل كيفية الامتثال للحكم المعلوم إجمالا إذ لا مطلوبية له في نفسه مع قطع النظر عن التوصّل به إلى امتثال الحكم المحتمل أو المعلوم إجمالا والوجه فيه أنّ العقل إنّما يستقل بقبح التكليف بلا بيان في ما وجب البيان على الشّارع كما في نفس الأحكام الواقعية بخلاف طرق امتثالها لكون كيفية امتثالها موكولة إلى طريقة العقلاء في امتثال أحكام الوالي فمع الشك في بعض شرائط الامتثال لا يمكن دفع احتماله بأصالة البراءة بل العقل مستقل حينئذ بوجوب الاحتياط تحصيلا للبراءة عن التكليف المعلوم تفصيلا أو إجمالا ولذا قلنا بكون مقتضى الأصل وجوب تقليد المجتهد الحيّ الأعلم وعدم جواز تقليد الميّت وغير الأعلم بل الأمر كما وصفناه من وجوب الاحتياط في موارد الشّكّ على القول بجواز المخالفة القطعيّة أيضا لوجود المقتضي وعدم المانع أمّا الأوّل فلفرض العلم الإجمالي بوجود الحرام بين المشتبهات وأمّا الثّاني فلفرض الشك في كون المورد من قبيل غير المحصور حتّى يكون المقتضي مقارنا لوجود المانع والأصل عدمه وما تقدم من منع وجود المقتضي في غير المحصور على هذا القول ضعيف يظهر وجهه ممّا عرفت (قوله) وعن كاشف اللّثام إلخ يقرب منه ما حكي عن بعضهم من جعل الضّابط لزوم العسر في الاجتناب وعدمه فما يلزم من اجتنابه عسر فهو غير محصور وما يلزم فيه ذلك فهو محصور وأورد عليه بكون الضّابط غير حاصر إذ ربّ مورد من موارد غير المحصور لا يلزم من الاجتناب فيه عسر كما إذا اشتبه إناء في أواني بلد يمكن للمكلّف التحرّز عنها من دون عسر ولو بالسّكنى في مكان آخر وربّما يجعل المرجع فيه العرف من دون اعتبار عسر عدّه مطلقا أو في زمان قصير وهو حسن إن كان عنوان المحصور وغير المحصور واردين في الكتاب والسّنة وقد تقدم الكلام فيه (قوله) ويمكن أن يقال إلخ لا يذهب عليك أن مقتضى هذا الوجه جواز المخالفة القطعيّة وهو غير مرضي عند المصنف رحمه‌الله وقد تقدّم تصريحه بالتأمّل فيه مع أن هذا الضّابط أيضا لا يزيد إلاّ التحير في موارد الشّكّ لأنّه كثيرا ما يشك في بلوغ أطراف الشّبهة إلى حيث لا يعتنى بالعلم الإجمالي فيها عند العقلاء وعدمه كما صرّح به في الإحالة إلى العرف وضبطه بعسر العدّ بزمان قصير(قوله) ونحوه ما إذا علم إلخ عليه يكون وجوب الفحص في العمل بالظواهر إمّا لأجل كون الشبهة فيها من قبيل الكثير في الكثير أو من قبيل المحصور وعلى تقدير كونها من قبيل غير المحصور يمكن الفرق بينها وبين غيرها من موارد غير المحصور بأن اعتبار الظواهر من باب الظّهور النّوعي وهذا الظّهور يسقط بالعلم الإجمالي بوجود صارف عن بعضها مختف عنا وإن كانت الشبهة غير محصورة بخلاف الأواني الغير المحصورة الّتي علم بنجاسة بعضها لأنّ المانع من إجراء أصالة الطّهارة فيها هو العلم الإجمالي بنجاسة بعضها ومع عدم الاعتداد به لأجل اتساع دائرة الشّبهة يرتفع المانع من إجراء الأصل اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ العلم الإجمالي الذي لا يعتنى به عند العقلاء لا يصدم في الظهورات العرفيّة أيضا مطلقا ولعلّه في بعض الموارد لا يخلو من تأمل إلا أن يبلغ اتساع دائرة العلم الإجمالي إلى حيث يعدّ وجوده فيه كالعدم وبالجملة أنّ مدار الظواهر على الظهور النّوعي عرفا فإن بقي هذا الظهور مع العلم الإجمالي المذكور فهو وإلاّ فلا اعتداد بمثله سواء كان العلم الإجمالي في مورده معتنى به عند العقلاء أم لا(قوله) بالوقائع الّتي تقع إلخ غير خفي أن مراد من جعل ضابط غير المحصور عسر العدّ مطلقا أو في زمان قصير هو عدّ هذه الوقائع المحتملة وحينئذ لا يرد عليه ما تقدم من المصنف رحمه‌الله من النقض بأوقية من طعام تبلغ ألف حبة فتدبّر(قوله) فالظّاهر أنّه ملحق إلخ يعني حكما وإن كان ملحقا بغير المحصور موضوعا ولا يخفى أنّ دعوى لحوقه موضوعا بالمحصور أو غيره فرع وجود ضابط في التمييز بينهما وقد زيف المصنف رحمه‌الله الضّوابط المذكورة لتمييزهما ومع تسليمهما فهي مختلفة لأنّه على ما ذكره المحقّق الثّاني من الرّجوع فيه إلى العرف ففي لحوقه بالمحصور وغيره وجهان من فرض عدم حصر آحاد المشتبهات ومن أن المدار في المحصور وغير المحصور قلة وكثرة على نسبة مجموع المحرمات إلى المشتبهات دون آحادها ونسبة خمسمائة إلى ألف وخمسمائة كنسبة الواحد إلى الثلاثة فيكون من قبيل المحصور لأنّ الأمر بالاجتناب إنّما تعلق بمجموع المحرّمات فيعتبر نسبة المجموع إلى المشتبهات وأمّا على ما نقله عن كاشف اللّثام فهو لاحق بغير المحصور وهو واضح وأمّا على ما احتمله المصنف رحمه‌الله فهو لاحق بالمحصور لفرض اعتبار العلم الإجمالي في مورده (قوله) لأن الأمر معلّق إلخ توضيحه أنّ مدار الفرق بين المحصور وغير المحصور من حيث قلة المحتملات وكثرتها على كون جريان الأصل في أحدها معارضا بجريانه في غيره وعدمه فإذا علم بوجود خمسمائة شاة محرمة في ألف وخمسمائة كان الحرام مجموع الخمسمائة ومحتملاته المتباينة الّتي يحتمل كون واحد منها حراما والباقي مباحا ثلاثة لعدم إمكان فرضها أربعة فصاعدا لأنّه إذا فرض حرمة الواحد من الأربعة أو الزّائد عليها فالباقي أيضا لا ينفك عن الحرام الواقعي وحينئذ لا يمكن فرض التعارض بين المحتملات في جريان أصالة البراءة كما هو المناط في وجوب الاحتياط في الشبهة المحصورة وممّا ذكرناه يظهر توضيح المراد بقوله وأمّا ما عدا هذه الثلاثة إلى آخره (قوله) فحكمها يظهر ممّا ذكرنا إلخ في إطلاقه نظر من وجهين أحدهما أن من الشبهات الحكمية أيضا قد تفرض غير محصورة اللهمّ إلاّ أن يكون نظره إلى عدم وجوده في الخارج وثانيهما أن مختار المصنف رحمه‌الله في تعارض النّصين هو التخيير دون الاحتياط اللهمّ إلاّ أن يكون نظره إلى مقتضى القاعدة مع قطع النّظر

٣٤٧

عن دليل وارد أو حاكم عليها من الأخبار أو غيرها(قوله) كما إذا تردّد الغناء إلخ كما إذا فسّر الغناء تارة بالصّوت المطرب وأخرى بالصّوت مع الترجيع فمجمع القيدين خارج ممّا نحن فيه للعلم بحرمته يقينا ومادّتا الافتراق من قبيل ما علم إجمالا بحرمة أحد العنوانين كما في ما نحن فيه (قوله) عموم من وجه إلخ إنّما خصّ المثال بالعموم من وجه لخروج العموم والخصوص مطلقا من محلّ الكلام لانحلال العلم الإجمالي فيه على علم تفصيلي وشكّ بدوي كما سيصرح به (قوله) حرمة الأذان الثالث إلخ في رواية حفص بن غياث عن أبي جعفر عليه‌السلام الأذان الثّالث يوم الجمعة بدعة وفي الرّياض المشهور أنّ المراد بالثالث هو الأذان الثّاني بعد أذان آخر واقع في الوقت قبل ظهر الجمعة سواء كان بين يدي الخطيب أم على المنارة أم غيرها وعلل كونه بدعة بأنّه لم يفعل في عهد النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا في عهد الأوّلين إنّما أحدثه عثمان أو معاوية على اختلاف النقلة فيكون بدعة وإحداثا في الدّين ما ليس منه قيل سمّي ثالثا لأنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شرع للصّلاة أذانا وإقامة فالأذان الثّاني بالنّسبة إليهما يكون ثالثا وفي محكي المعتبر احتمل كون المراد به أذان العصر ولذا قيل بالمنع عنه وسمّي ثالثا إمّا لما ذكرناه وإمّا بالنّظر إلى كونه ثالثا بالنّسبة إلى أذان الصّبح والظّهر بناء على كون أوّل اليوم من أوّل الفجر الثّاني دون طلوع الشمس (قوله) ومثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله من جدّد قبرا إلخ الخبر مرويّ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام واختلف في لفظه ومعناه قيل هو جدّد بالجيم لا غير كما عن محمّد بن الحسن الصّفار وحكي عنه عدم تجديد القبر وتطيين جميعه بعد مرور الأيّام عليه وبعد ما طيّن عليه في الأوّل وعن سعد بن عبد الله حدّد بالحاء غير المعجمة بمعنى سنّم قبرا وعن أحمد بن عبد الله البرقي جدث وفسّر بالقبر وفي الفقيه بعد نقل الخلاف والّذي أذهب إليه أنّه جدّد بالجيم ومعناه أنّه نبش قبرا لأنّه من نبش قبرا فقد جدّده وأحوج إلى تجديده وقد جعله جدثا محفورا انتهى وفي التّهذيب في معنى قول البرقي يمكن أن يكون المعنى بهذه الرّواية يعني رواية الجدث أن يجعل القبر دفعة أخرى قبرا لإنسان آخر لأنّ الجدث هو القبر فيجوز أن يكون الفعل مأخوذا منه ثمّ حكي عن محمّد بن محمّد النّعمان أنّه كان يقول إن الخبر بالخاء والدّالين وذلك مأخوذ من قوله تعالى (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) والخدّ هو الشّق يقال خددت الأرض خدّا أي شققته وعلى هذه الرّواية يكون النّهي يتناول شقّ القبر إما ليدفن فيه أو على جهة النبش على ما ذهب إليه محمّد بن على وقال وكلّ ما نقلناه من الرّوايات محتمل والله أعلم بالمراد والّذي صدر عنه الخبر انتهى وفي الرّياض بناء على رواية جدّد بالجيم ويحتمل قتل المؤمن ظلما فإنّه سبب لتجديد القبر وفي الفقيه بعد ما تقدّم قال أقول إنّ التّجديد على المعنى الّذي ذهب إليه محمّد بن الحسن الصّفار والتحديد بالحاء غير المعجمة الّذي ذهب إليه سعد بن معاذ والّذي قاله البرقي من أنّه جدث داخل في معنى الحديث وأن من خالف الإمام في التجديد والتسنم والنبش واستحل شيئا من ذلك فقد خرج من الإسلام والّذي أقول في قوله من مثّل مثالا يعني به من أبدع بدعة ودعا إليها ووضع دينا فقد خرج انتهى وظاهره إرادة الجميع من لفظ الحديث وهو كما ترى وعن الشّهيد في الدّروس ويكره تجديده بالجيم والحاء والخاء فإنّ الاختلاف ليس في كلام الإمام عليه‌السلام وما ذكره الإمام أحد تلك الألفاظ لا الجميع انتهى ويحتمل ذلك منه لأجل التّسامح في أدلّة الكراهة ومن أمثلة المقام أيضا ما ورد في الخبر من أنّه لا تعرّب بعد الهجرة واختلف في تفسير التّعرب فقيل هو العود إلى دار الكفر بعد الإسلام وإن لم يرتدّ وقيل هو الارتداد بعد الإسلام وأورد عليه بما ورد في بعض الأخبار من كونه من الكبائر وقيل هو رفع اليد عن الاشتغال بتحصيل الأحكام الشّرعيّة والاشتغال بغيرها (قوله) اعلم أنا لم نذكر إلخ لا يذهب عليك أنّ المراد بالأقلّ والأكثر في هذا المطلب أعني اشتباه الواجب بغير الحرام من مطالب الشّكّ في المكلّف به هو الأقلّ والأكثر الارتباطيان خاصّة مثل الشّكّ في الأجزاء والشّرائط من العبادات وأمّا الاستقلاليان كقضاء الفوائت المردّدة بين الأقل والأكثر والدّين المردّد بينهما فداخلان في الشكّ في التكليف لانحلال العلم الإجمالي حينئذ على علم تفصيلي وهو العلم بوجوب الأقل وشك بدويّ وهو الشكّ في وجوب الزّائد على الأقلّ ولذا أدرج المصنف رحمه‌الله هذا القسم في مسائل الشّكّ في التكليف وكذلك المراد بالأقلّ والأكثر في قوله لم نذكر في الشّبهة التّحريمية من الشك في المكلّف به صورة دوران الأمر بين الأقل والأكثر إلخ هو الارتباطيان دون الاستقلاليين بدليل قوله لأنّ الأكثر معلوم الحرمة إلخ لأن العلم بحرمة الأكثر إنّما هو في الارتباطي دون الاستقلالي بل الأمر في الاستقلالي بالعكس لأنّ الأقل فيه معلوم الحرمة دون الزائد عليه وبالجملة أنّ كلا من الارتباطي والاستقلالي المذكورين داخل في الشّك في التكليف إلاّ أنّ المراد في المقام هو الأوّل بقرينة التّعليل ومثال الارتباطي نقش صورة الحيوان ذي الرّوح لأنّ المتيقّن حرمة نقش تمام الصّورة والشكّ في حرمة النّاقص وأمثال الاستقلالي حرمة قراءة العزائم للحائض لأنّ المتيقّن حرمة قراءة نفس آية السّجدة دون الزائد عليها ومن طريق ما ذكرناه يظهر أنّ الأولى للمصنف رحمه‌الله أن يصرح بخروج كل من الارتباطيين والاستقلاليين من الشّبهة التّحريميّة ويعلّله بما يشملهما معا ثمّ إنّه سيشير إلى أقسام الأقلّ والأكثر الارتباطيّين عند بيان حكم القسم الثّاني من القسمين اللّذين ذكرهما والمراد بالارتباطي كما مرّ في غير موضع ما لم يكن الأقلّ مجزيا عن التّكليف ولو بقدره على تقدير وجوب الأكثر في الواقع بخلاف الاستقلالي كما يظهر من الأمثلة(قوله) لأنّها معصية إلخ بل تدلّ عليه الأدلّة الأربعة أمّا الكتاب فمثل قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) وقوله سبحانه (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) لأنّ العصيان كما يصدق مع مخالفة الخطاب التّفصيلي كذلك مع مخالفة الخطاب المعلوم إجمالا وهو واضح لمن تتبع طريقة العرف ومنه يظهر وجه دلالة ما دلّ على ذلك من السّنة وأمّا الإجماع فلعدم المخالف سوى ما حكاه المصنف رحمه‌الله عن المحقّق الخونساري والقمي رحمه‌الله وهو حجة عليهما لسبقه عليهما فلا تقدح مخالفتهما في المقام مضافا إلى عدم قدح خروج معلوم النسب مع أنّ ما جوّزاه من جواز الرّجوع إلى أصالة البراءة ينافي ما منعاه من عدم جواز خرق الإجماع المركب لأنّ المستند فيه أيضا هو عدم جواز طرح قول الإمام عليه‌السلام المعلوم إجمالا بل هو من جزئيّات ما نحن فيه لأنّ مرجع الكلام فيه إلى جواز مخالفة قول الإمام عليه‌السلام المعلوم إجمالا وعدمه وما نقله الشيخ في مسألة الإجماع المركّب عن بعضهم من جواز الرّجوع إلى مقتضى الأصول لم تظهر مخالفته لما ذكرناه لاحتمال إرادة القائل

٣٤٨

صورة دوران الأمر بين الوجوب والحرمة لا الواجب وغير الحرام كما في ما نحن فيه مضافا إلى جهالة القائل ولعلّه ممّن لا تقدح مخالفته في الإجماع فإن قلت إنّ مستندهم في عدم جواز خرق الإجماع المركّب هو الإجماع وهو مفقود في المقام قلت مع تسليم عدم الإجماع هنا أن الإجماع ليس دليلا تعبّديّا بل لأجل كشفه عن قول الإمام عليه‌السلام وهذا المناط موجود في ما نحن فيه فالتنافي بين القول بجواز الرّجوع إلى أصالة البراءة هنا وعدم جواز خرق الإجماع المركب واضح جليّ نعم لا يرد هذا على قول صاحب الفصول بجواز الخرق مع فرض ثبوت شطري الإجماع المركّب بالأصل وعدم جوازه مع ثبوت أحدهما بدليل اجتهادي ولكن قد تبيّن فساده في محلّه وأمّا العقل فتقريبه واضح بعد صدق المعصية وقبحها عند العقل والعقلاء فدعوى اشتراط تنجز التكليف بالعلم التّفصيلي واضحة الفساد فإذن الأقوى ما قواه المصنف رحمه‌الله قدس الله روحه اللّطيف (قوله) أمّا الثّاني إلخ اعلم أنّ هنا أمرين وقبل الأخذ بالمطلوب لا بد من بيانهما أحدهما أنّه يظهر من المحقق القمي رحمه‌الله كون النّزاع في المقام في وجوب الاحتياط أو التخيير في الأخذ بأحد المشتبهين صغرويا وأن مرجعه إلى أن التكليف هل هو ثابت بالواقع من حيث هو حتى يجب الاحتياط أو بعدم جواز ترك مجموع الأمرين حتّى يكون العقاب مرتبا على تركهما معا لا على ترك أحدهما إن كان هو الواجب في الواقع فيثبت التخيير بينهما لا محالة وعلى تقدير ثبوت أحد الأمرين لا نزاع في الخصم فيه وإنّما النّزاع في إثباته وكل على شاكلته أقول يمكن تقريره معنويّا أيضا بأن كان النّزاع على تقدير ثبوت التكليف بالواقع في اقتناع الشّارع في امتثال الواقع بالإطاعة الاحتمالية لأدلّة البراءة بعد الفراغ عن عدم جواز المخالفة القطعيّة أو أنّه يجب الاحتياط استصحابا للشغل اليقيني بعد الإتيان بأحدهما وهو الظّاهر من المحقّق الخونساري في ما يأتي من كلامه في عبارة المصنف رحمه‌الله لأن ظاهره هناك كفاية الإطاعة الظنّية وإن لم يكن الظنّ معتبرا بالخصوص مع ثبوت التكليف بالواقع وثانيهما أن مقتضى الأصل على تقدير تقرير النّزاع صغرويا هو القول بالتخيير لأن القدر المتيقن من التّكليف هو عدم العقاب إلاّ على ترك مجموع الأمرين مع أنّ الأصل عدم اشتغال الذّمة بالواقع من حيث هو وعلى تقريره معنويا وجوب الاحتياط لقاعدة الاشتغال بعد عدم ثبوت كون أحد المشتبهين بدلا عن الواقع نعم المتعين على ما يظهر من المحقّق الخونساري من كفاية الإطاعة الظنّية هو جواز الاقتناع بالإطاعة الظنّية لفرض انقلاب أصالة حرمة العمل بالظنّ عنده بل عند كلّ من عمل بالأصول من باب الظنّ على ما هو ظاهرهم إلى أصالة جواز العمل به وبالجملة أنّه تلزم على الأوّل إقامة الدّليل على وجوب الاحتياط وعلى الثّاني إقامته على كفاية الإطاعة الاحتمالية أو الظّنّية وعلى الثّالث إقامته على لزوم الإطاعة القطعيّة وهو واضح (قوله) أمّا الأوّل فلأنّ إلخ حاصله كون ثبوت الخطاب العام مع عدم المانع من تنجز مقتضاه كما ستعرفه علة تامّة لاستقلال العقل بوجوب الاحتياط ويؤيّده بل يدلّ عليه بناء العقلاء إذ لا ريب في كون طريقتهم في امتثال أوامر الموالي مرجعا في معرفة امتثال الأحكام الشّرعيّة لكون كيفية امتثالها موكولة إلى طريقة العقلاء في إطاعة أوامرهم العرفيّة والاحتياط أيضا من جملة كيفيته كما نبّهنا عليه غير مرّة وبالجملة أنّ العلم الإجمالي عندهم كالتفصيلي في تنجز التّكليف به نعم بينهما فرق من جهة أخرى وهي أنّه يصحّ مع العلم الإجمالي أن يجعل الشّارع أحد المشتبهين بدلا عن الواقع بأن يقنع في امتثال الواقع بالإطاعة الاحتمالية الّتي هي المرتبة الوسطى بين الإطاعة القطعيّة والمخالفة القطعيّة فيكون الواقع حينئذ مراعى في الجملة لا مطروحا بالكليّة ولا ملحوظا بالجملة بخلاف العلم التفصيلي إذ لا مسرح لقضية البدلية فيه أصلا لوضوح التناقض بين مطلوبيّة الواقع تعيينا كما هو مقتضى العلم التّفصيلي وجعل شيء آخر بدلا عنه مخبرا بينهما نعم إثبات البدلية في صورة العلم الإجمالي يحتاج إلى دليل ومجرد احتمالها لا يمنع من حكم العقل بوجوب الاحتياط فلا يرد حينئذ أنّه مع احتمال البدليّة كيف تدعي استقلال العقل وبناء العقلاء على وجوب الاحتياط في المقام وإن شئت زيادة توضيح لذلك نقول إن ما ادعاه الخصم من جواز التخيير في الأخذ بأحد المشتبهين إمّا أن يكون مبنيا على منع المقتضي لوجوب الاحتياط أو على إبداء المانع منه أمّا الأوّل فبأن يدعى كون الألفاظ موضوعة للمعاني المعلومة أو منصرفة إليها مطلقا أو في حيّز الأوامر والنّواهي مثل أقيموا الصّلاة وآتوا الزكاة وعلى جميع التقادير ينحصر المأمور به والمنهي عنه في الأفعال المعلومة فلا يكون الجاهل مكلّفا بالواقع حتّى يجب الاحتياط وأمّا الثّاني فبأن يمنع بعد تسليم وضع الألفاظ للمعاني الواقعية من دون مدخليّة للعلم والجهل فيه وتسليم عدم الانصراف مطلقا من تنجز التّكليف مع الجهل بالمكلّف به إمّا عقلا وذلك أيضا إمّا لأجل عدم تمكّن المكلّف من امتثال الواقع مع الجهل به وإمّا لقبح توجيه الخطاب إلى الجاهل وإمّا لكون المقام من قبيل دوران الأمر بين الواجب والحرام لفرض عدم وجوب أحد المشتبهين في الواقع فيكون الإتيان تشريعا محرّما وإمّا لفقد شرط من شروط المأمور به وهو الجزم بالنية في العبادة ولذا أوجب الحلّي الصّلاة عريانا لمن اشتبه ثوبه الطّاهر بالنّجس أو شرعا لأدلّة البراءة ويرد على الأوّل أمور أحدها لزوم تقييد جميع إطلاقات الكتاب والسّنّة بالعالمين وهو خلاف الأصل الثّاني لزوم التّصويب الباطل لاختلاف الأحكام حينئذ باختلاف آراء المجتهدين واعتقاداتهم لعدم وجود حكم واقعي حينئذ ولو شأنا في حقّ الجاهل مع تقيّد موضوعه بالعلم الثّالث لزوم الدّور كما نقله المصنف رحمه‌الله عن الفاضل الرّابع لزوم جواز المخالفة القطعيّة لفرض عدم وجود حكم واقعي في حقّ الجاهل والمفروض الفراغ من بطلانه فلا وجه للقول بالتخيير حينئذ كما هو محلّ الكلام ويرد على الثّاني أمّا على دعوى عدم التّمكن من الامتثال فإنّها ممّا يكذبه إمكان الاحتياط بل حسنه عقلا وشرعا كيف لا ولو صرّح الشّارع بأنّي إذا أمرتكم بشيء واشتبه عليكم هذا الشّيء وتردّد بين أمرين أوجبت عليكم أن تحصلوا مرادي ولو بالاحتياط لا تلزم عليه غائلة أصلا مضافا إلى ما نقله المصنف رحمه‌الله من اعتراف الخصم بجواز تكليف الجاهل في الجملة وأمّا على دعوى قبح الخطاب فإنّها أضعف من سابقها كما أوضحه المصنف رحمه‌الله وأمّا على دعوى دوران الأمر بين الوجوب والحرمة فلعدم تأتي احتمال التشريع مع إتيان الفعل بعنوان الاحتياط إلاّ على الوجه الذي سيشير المصنف رحمه‌الله إليه وإلى دفعه وأمّا على دعوى عدم تحقّق الجزم بالنيّة فلمنع وجوبه فيما لا يتمكن المكلّف من معرفة المكلّف به تعيينا مضافا إلى إمكانه في المقام بقصد الوجوب الظّاهري بكل من المشتبهين لكن يشير

٣٤٩

المصنف رحمه‌الله إلى ضعف هذا الوجه وسيجيء تحقيق ما يتعلق بالمقام وأمّا عدم المنع شرعا فلما أوضحه المصنف رحمه‌الله كما لا يخفى (قوله) إلى فقد شرط إلخ بأن كان عدم الجهل من شرائط وجود المأمور به كما سيصرح به (قوله) في الجملة إلخ بأن لم يكن الخطاب محملا من رأس (قوله) ويقبح إلخ على صيغة الماضي عطفا على قوله لجاز(قوله) الواجبات الواقعية إلخ بل في أصول العقائد أيضا(قوله) ودعوى أنّ مرادهم إلخ أي مراد المشهور بتكليف الجاهل وعدم قبح عقابه (قوله) بين كون الجهل مانعا إلخ كما فيما نحن فيه وعدم الأمر بإزالة الجهل فيما نحن فيه إنّما هو لعدم إمكانه كما هو الفرض (قوله) في حاله إلخ كما في الجاهل المقصّر(قوله) وقد تقدّم بطلانها إلخ من عدم استقلال العقل بالعذر حينئذ(قوله) لاستلزام إجرائها إلخ قد أوضحه في الشّبهة المحصورة وسيشير إليه أيضا في الجواب عما أورده على نفسه (قوله) مثل صحيحة عبد الرّحمن إلخ تقريب الاستدلال بها أن موردها وإن كان مباينا لمحلّ النّزاع لأنّ ما نحن فيه من قبيل المتباينين وموردها من قبيل الأقل والأكثر الاستقلاليّين بناء على ما هو ظاهر الفقهاء من كون الكفارات من قبيل الدّيون في كون كلّ مقدار مجزيا عن التّكليف المتعلّق به إلاّ أنّه يمكن إثبات المطلوب بها من وجوه أحدها الإجماع المركّب إذ لا مفصّل بين المتباينين والأقلّ والأكثر لأنّ كلّ من قال بوجوب الاحتياط في الثّاني قال به في الأوّل أيضا وثانيها طريق الأولويّة وهو واضح وثالثها أنّ قوله عليه‌السلام بمثل هذا يعطى وجوب الاحتياط في جميع موارد العلم الإجمالي كما هو قضيّة المماثلة هذا ويرد على الأوّلين أنّ الإجماع والأولويّة إنّما يتمان لو قلنا بوجوب الاحتياط في الأقل والأكثر الاستقلاليين وهو خلاف مختار المصنف رحمه‌الله كما تقدّم في أقسام الشكّ في التّكليف وعلى الثّالث مع تسليم كون المراد بالمماثلة هي المماثلة في مطلق العلم الإجمالي وقد تقدم الكلام فيه عند الكلام على أدلّة الاحتياط في الشّبهة البدويّة التّحريميّة أنّ المفروض في مورد الرّواية تمكن المكلّف من تحصيل العلم التّفصيلي بالتّكليف ولا إشكال في وجوب الاحتياط في مثله ولو مع كون الشبهة فيه بدويّة فضلا عن غيرها فكيف يتسرّى الحكم إلى موارد عدم التمكّن كما هو الفرض ثمّ إنّه يمكن أن يستدلّ على المختار أيضا باستصحاب الشّغل وعدم الخروج من عهدة التّكليف بالإتيان بأحد المشتبهين وسيأتي الكلام فيه عند شرح ما يتعلق بكلام المصنف رحمه‌الله وكذا بالإجماع على الاشتراك في التّكليف إذ لا ريب في كون المشافهين مكلفين في مثال الظّهر والجمعة مثلا بخصوص إحداها ولا يحصل العلم للغائبين بالخروج من عهدة هذا التّكليف الذي طرأ عليه الاشتباه في الأزمنة المتأخرة إلاّ بالاحتياط وفيه أنّ الاشتراك في التّكليف إنّما هو مع العلم باتحاد الصّنف ولعلّ العلم التّفصيلي بالمكلّف به له مدخل في اتحاد صنف الحاضر والغائب والفرض فقده في محلّ الفرض (قوله) فإن قلت إن تجويز إلخ هذا أحد الوجوه الّتي يمكن أن يستدلّ بها على القول بالتّخيير وثانيها أصالة البراءة كما سيشير إليه وسيأتي الكلام في تقريبها وتزييفها وثالثها استلزام القول بوجوب الاحتياط للتشريع المحرّم وسيشير إليه أيضا والمراد بتجويز الشّارع تجويزه في بعض الموارد الخاصّة الّتي ثبت فيها التخيير عقلا كما في موارد دوران الأمر بين المحذورين أو شرعا كما في موارد تعارض النّصّين إذ لا ريب في شمول الأخبار الواردة في تعارضهما لصورة العلم الإجمالي أيضا وحاصل هذا السّؤال أن العلم الإجمالي لو كان علّة تامّة لتنجز التّكليف بالواقع كما هو مقتضى فرض وجود المقتضي لوجوب الاحتياط وعدم المانع منه عقلا وشرعا لم يقع خلافه في الشّرع إذ الوقوع دليل إمّا على عدم المقتضي أو على وجود المانع (قوله) حكم بتحريمها إلخ أي تحريم ترك الكلّ وتأنيث الضّمير باعتبار التأويل بالمخالفة القطعيّة(قوله) فهو من باب الاكتفاء إلخ الفرق بين جعل أحد المشتبهين بدلا عن الواقع واقتناع الشّارع في مقام الامتثال بالإتيان بنفس الواقع أو بدله وبين الرّخصة في مخالفة الواقع في الجملة لأجل مصلحة في المقامين واضح وصريح المصنف رحمه‌الله تعين حمل ما دلّ على التخيير في بعض موارد العلم الإجمالي على الأوّل وهو مبني على قبح الرّخصة المذكورة مع العلم إجمالا بمطلوبيّة الواقع تعيينا بخلاف جعل البدل للواقع لأنّه ليس رخصة في المخالفة بل مرجعه إلى مطلوبيّة الواقع أو ما يقوم مقامه (قوله) وممّا ذكرنا يظهر إلخ هذا بناء على الاستناد في أصالة البراءة إلى الأخبار وأمّا بناء على الاستناد فيها إلى العقل فقد يقال في تقريبها أنّه إذا حصل العلم بالوجوب وشكّ في الواجب كما في محلّ الفرض فالعقاب المرتب على مخالفة التكليف الثّابت هنا في الجملة لا يخلو إمّا أن يكون مرتبا على مخالفة كلّ من المشتبهين صادف الواقع أم لا أو على الأمر الدّائر بينهما أو على مخالفة الواقع المتعيّن عند الشّارع المجهول عندنا والأوّل لا يقول به القائل بوجوب الاحتياط أيضا لأنّه إنّما يقول على تقدير ترك الاحتياط بترتب العقاب عليه على تقدير مصادفة المتروك للواقع لوضوح عدم مطلوبيّة الاحتياط إلاّ لأجل التوصّل به إلى الواقع فالعقاب عند القائل بوجوب الاحتياط إنّما هو على ترك الواقع دونه وقد حقّق المصنف رحمه‌الله ذلك في مسائل الشّك في التكليف والثّاني ليس عنوانا يتعلق به التكليف ويعاقب على مخالفته والثّالث قبيح عقلا إذ لا أثر للعلم الإجمالي هنا لأنّه إنّما يؤثر مع العلم بعنوان التكليف ووقوع الشّبهة في بعض مصاديقه المردّد بين الأمرين كما في الشبهة المحصورة وإلاّ فالعقاب على مخالفة الواقع فيما نحن فيه مستلزم للعقاب على التكليف المجهول وهو قبيح عقلا فالقدر المسلم من التكليف المرتب على مخالفته العقاب هنا هو عدم جواز ترك مجموع الأمرين لا كل واحد منهما وتوهم عدم وجود القائل بالبراءة هنا سوى ما حكاه المصنف رحمه‌الله عن المحقق الخوانساري والقمي رحمه‌الله ضعيف جدّا لأنّا لم نجد مصرحا بوجوب الاحتياط هنا فضلا عن أن يكون مشهورا بين الأصحاب بل ظاهر إطلاقهم القول بالبراءة في غير موضع هو القول بالبراءة هنا أيضا فلاحظ كلام السّيد في مبحث حجيّة أخبار الآحاد حيث أورد على نفسه قائلا على ما حكاه عنه في المعالم إذا سددتم طريق العمل بالأخبار فعلى أيّ شيء تعولون في الفقه كله وأجاب ممّا حاصله أن معظم الفقه يعلم بالضّرورة من مذاهب أئمتنا فيه بالأخبار المتواترة وما لم يتحقق ذلك فيه ولعلّه الأقل يعوّل فيه على إجماع الإماميّة ثمّ ذكر كلاما طويلا في حكم ما وقع فيه الخلاف بينهم وحاصله أنّه إن أمكن تحصيل العلم بأحد الأقوال من طرق ما ذكرناه تعيّن العمل به

٣٥٠

وإلا كنّا مخيّرين بين الأقوال المختلفة لفقد دليل التعيين ويقرب منه كلام الشيخ في مبحث اختلاف الأمّة على القولين فصاعدا حيث نقل فيه قولا يطرح القولين والرّجوع إلى مقتضى الأصل واختار هو القول بالتخيير لأنّه أيضا يشمل ما نحن فيه ولعلّ المتتبّع يجد غير ما ذكرناه أيضا بل ما ورد من الأخبار الدّالّة على التخيير فيما تعارض فيه نصّان يشمل المقام أيضا وهذا غاية ما يمكن أن يقال في المقام وهو بعد ما يخلو من نظر بل منع لأنا نقول بترتب العقاب على مخالفة الواقع المعيّن عند الله المجهول عندنا ولا قبح فيه أصلا بعد استقلال العقل بعدم الفرق بين العلم التفصيلي والإجمالي في صحّة تنجّز التّكليف بكل منهما كما قرّره المصنف رحمه‌الله في المقصد الأوّل من مقاصد الكتاب ودعوى الفرق بين الشّبهة المحصورة وما نحن فيه ممّا لا يصغى إليه إذ مجرد العلم بعنوان الحكم في الأولى لا يوجب الفرق بعدم العلم بوجوب أحد الأمرين فيما نحن فيه أيضا بحيث يقطع بعدم رضا الشّارع بمخالفته أصلا كيف لا والمناط في حكم العقل بوجوب الاحتياط في الأولى ليس إلاّ تحصيل العلم بامتثال المراد الواقعي للشّارع مع العلم بنوع التكليف وهو حاصل فيما نحن فيه أيضا ومجرّد العلم بعنوان الحكم في الأولى لا يصلح فارقا عند العقل وأمّا ما تقدّم من استفادة القول بالتخيير من إطلاق كلام السّيّد والشّيخ ففيه أنّ هذه العناوين المستحدثة في كتب أواخر أصحابنا مطويّة في كتب المتقدّمين عليهم ولعلّهم غير ملتفتين إلى هذه العناوين وإلا تعرضوا لها في كتبهم أيضا ولعل السّيّد والشّيخ بعد عرض عنوان هذه المسألة ومضاهيها عليهما لا ينكران القول بوجوب الاحتياط فيهما لما ركز في العقول من اعتبار العلم الإجمالي كالتفصيلي وبالجملة أن التمسّك بذيل مثل هذا الإطلاق غير مجد في المقام لعدم الاطمئنان به كما لا يخفى وأمّا إطلاق أخبار التخيير فيما تعارض فيه نصّان ففيه أنا لا نمنع من القول بالتخيير فيما ثبت بالدّليل وإنّما الكلام فيما خلا منه كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله في الجواب عمّا أورده على نفسه هذا كلّه مع أن مقتضى منع ترتب العقاب على ترك كلّ واحد من المشتبهين ولا على العنوان المردّد ولا على نفس الواقع هو جواز المخالفة القطعيّة والفرض في المقام الفراغ من بطلانه ولا معنى حينئذ لترتّب العقاب على ترك مجموع الأمرين لعدم خلوه من أحد الأمور المذكورة عند التأمّل (قوله) لأنّ العمل بها إلخ حاصله أنّ هنا ثلاثة أفراد تشمل الأخبار المذكورة واحدا منها بمفهومه وفردين بمنطوقهما الأوّل هو الفرد المعلوم إجمالا والآخران الأمران اللذان اشتبه الواجب بينهما ففي مثل الظهر والجمعة قد علمنا بوجوب واحدة منهما في نفس الأمر ومقتضى قوله عليه‌السلام النّاس في سعة ما لا يعلمون وما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم هو عدم وضع هذا الفرد عنّا وكوننا مأخوذين به وملزمين عليه وعدم التّوسعة علينا فيه ومقتضى منطوقهما كون وجوب خصوص الظّهر والجمعة موضوعا عنّا ونحن في سعة منه وهما غير واجبتين علينا لكن دلالة المفهوم على عدم كون الفرد المعلوم وجوبه إجمالا موضوعا عنّا دليل علميّ بضميمة حكم العقل بوجوب المقدّمة العلميّة على وجوب الإتيان بكل من الخصوصيّتين فالعلم بوجوب كلّ واحدة منهما لنفسه وإن كان محجوبا عنّا إلا أنّ العلم بوجوب كل واحدة من باب المقدّمة ليس محجوبا عنا ولا منافاة بينهما كما لا منافاة بين عدم الوجوب النفسي واقعا والوجوب الغيري كذلك في سائر المقامات وممّا ذكرناه قد تبين أنّ أخبار البراءة في المقام حجّة لنا لا علينا هذا غاية توضيح كلامه وهو بعد لا يخلو من نظر لأنّ استفادة فرد ثالث من هذه الأخبار لا يخلو من منع لأن غاية ما يستفاد من قوله عليه‌السلام الناس في سعة ما لا يعلمون كون العلم بالحكم الواقعي غاية للحكم بالإباحة الظاهريّة لمجهول الحكم فما يفيده الخبر بمفهومه هو بيان غاية الحكم المذكور فيه بمعنى نفيه عن الموضوع المذكور في منطوقه عند زوال وصف الجهالة عنه كما هو ضابط أخذ المفهوم المخالف فالفرد المنفي عنه الحكم في طرف المفهوم هو عين الفرد الذي ترتب عليه الحكم في طرف المنطوق غاية الأمر أن يكون ترتب حكم المنطوق عليه عند وصف الجهالة وحكم المفهوم عند زوالها فالموضوع واحد وإن اختلف حكمه بحسب اختلاف حالاته وإن شئت تطبيقه على مثال الظّهر والجمعة نقول إنّهما غير واجبتين مع ملاحظة كون كلّ واحدة منهما مجهولة الحكم بالخصوص إلى أن يحصل العلم بوجوب إحداهما المعينة في الواقع وبعد العلم به يرتفع عنهما الحكم الظاهري الثابت لهما بوصف الجهل فليست هنا أفراد ثلاثة حتّى يكون أحدهما موردا لحكم المفهوم والآخران لحكم المنطوق كيف لا والمعلوم الإجمالي لا يخرج من المشتبهين لأنّه أحدهما في الواقع هكذا قرّر المقام بعض مشايخنا وفيه نظر لمنع كون مقصود المصنف ره إثبات وجود فرد ثالث مغاير للمشتبهين بالذّات يكون موردا لحكم المفهوم لوضوح أن مقصوده دعوى كون العلم المأخوذ غاية للحكم المذكور في هذه الأخبار أعم من التفصيلي والإجمالي ومقتضاه وقوع التعارض بين المنطوق والمفهوم لأنّ مقتضى الأوّل إباحة كل من المشتبهين إذا لوحظ بنفسه ومقتضى الثّاني وجوب كل منهما من باب المقدّمة العلميّة لامتثال الواجب المعلوم إجمالا بل لا منافاة بينهما في الحقيقة لعدم تنافي إباحة الشيء من حيث كونه مجهول الحكم ووجوبه من باب المقدّمة العلميّة فليس في كلامه من حكاية تثليث الأفراد عين ولا أثر ومع التسليم فلا بدّ أن يكون مراده فرض المشتبهين بوصف اشتباهما فردين والواحد المعيّن في الواقع باعتبار كونه معلوما بالإجمال فردا ثالثا فيكون اختلافها بالاعتبار لا بالذّات وهذا الاختلاف الاعتباري لا يضر في اشتراط اتحاد موضوع حكم المنطوق والمفهوم كما لا يخفى نعم ربما أورد على المصنف رحمه‌الله أنّ ظاهر قوله ولا منافاة بين عدم وجوب الشّيء ظاهرا لذاته ووجوبه ظاهرا من باب المقدّمة إلى آخر ما ذكره كون الشيء المجهول الحكم مباحا بالذات وواجبا من باب المقدّمة العلميّة في محلّ الفرض ومقتضاه فرض وجود شأني للحكم الظّاهري كالواقعي وليس كذلك لكون وجودات الأحكام الظّاهريّة في الواقع تابعة لوجوداتها الفعلية بمعنى عدم وجود لها في الواقع إلاّ في مقام فعليتها وتنجزها وأنت خبير بأنّه يمكن أن يريد بعدم منافاة وجود الشيء ظاهرا لذاته ووجوبه مقدّمة عدم وجوبه لو لم يكن مقدّمة لواجب لا اجتماع الإباحة الظّاهريّة والوجوب الظّاهري في مورد فتدبّر ويمكن القول بجواز اجتماعهما في المقام بناء على القول بكون الأحكام الظّاهرية مجعولة لتغاير موضوع الإباحة والوجوب في مورد اجتماعهما كما لا يخفى (قوله) نظير ذلك مطلق إلخ حاصله

٣٥١

أن قبح التكليف المجهول من دون بيان كما ألجأنا إلى عدم تسليم ثبوت التكليف بنفس الأمر فيما نحن فيه كذلك السّبب والباعث لاكتفائنا بالظنّ في امتثال مطلق الأحكام وعدم تسليمنا لثبوت التكليف بنفس الواقع على ما هو عليه المقتضي لوجوب تحصيل القطع بالواقع في مقام الامتثال هو ذلك سيما في أمثال زماننا الّذي كثر فيه الاشتباه في الأحكام الواقعيّة ومتعلقاتها وهذا على المذهب الحقّ لأهل الحقّ من التخطئة إمّا لعدم تأتي القول بقبح الخطاب بالمجمل وتأخير البيان عن وقت الحاجة في الأحكام الواقعية على القول بالتّصويب كما هو واضح وإمّا لأن أهل التّصويب كلّهم أو جلّهم من الأشاعرة النافين لإدراك العقل حسن الأشياء وقبحها ولا وجه للاستناد إلى قبح الخطاب بالمجمل على مذهبهم في نفي تعلّق التّكليف بالواقع على ما هو عليه فلا يرد حينئذ استدراك قوله على مذهب أهل الحق إلى آخره بتقريب أن يقال إنّه لا دخل للقول بالتخطئة والتّصويب في نفي تعلق التكليف بالواقع على ما هو عليه وعدمه ولا يترتب على ذلك أثر بالنّسبة إلى قبح تأخير البيان بل المناسب لنفي التكليف بالواقع وكفاية الظنّ في مقام الامتثال هو القول بالتخطئة لابتنائه على نفي الأحكام الواقعيّة وكون ما ظنّه المجتهد هو حكم الله الواقعي هذا غاية توضيح المقام وهو بعد لا يخلو من نظر لأنّ اختلاف القائلين بالتخطئة والتّصويب إنّما هو في الموارد الخالية من النّصّ لاتفاق الفريقين على القول بالتخطئة في موارده فإطلاق القول بها أو بالتّصويب أجنبي عن قضيّة تعلق التكليف بالواقع وقاعدة قبح تأخير البيان بل على مذهبنا قد ورد النّص عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام في جميع الوقائع حتى أرش الخدش كما ورد في أخبارنا الّتي ادعي تواترها (قوله) إذ لا إجمال في الخطاب إلخ يعني بالنسبة إلى المشافهين بهذا الخطاب إذ الإجمال إنّما طرأ بالنّسبة إلينا لأجل بعض الأمور الخارجة ولا يجب على الإمام عليه‌السلام إزالة هذا الإجمال إذ اللاّزم حينئذ هو الرّجوع إلى القواعد المقررة من جهتهم في موارد الشّبهة ومع فقدها إلى الأصول والحاصل أنّ القبيح هو الخطاب بما كان مجملا بالذات لا بما طرأ عليه الإجمال بعد الخطاب وفهم المراد منه بالنسبة إلى من شارك من خوطب به في مؤدّاه (قوله) مع أن التكليف بالمجمل إلخ حاصله منع قبح الخطاب بالمجمل مطلقا وإن كان إجماله ذاتيا أيضا وتوضيحه أنّ التكليف بالمجمل يتصوّر على وجوه أحدها أن يتعلق التكليف بالواقع من دون علم المكلف به ولا تمكّنه من الوصول إليه ولو بالاحتياط مثل أن يقول ائتني بشيء وأراد به شيئا معيّنا في الواقع وثانيها أن يتعلق التّكليف بالواقع وكان المكلّف متمكنا من تحصيل العلم به بالاحتياط لا على وجه التفصيل بأن قال أكرم بعض هذه الجماعة من العلماء وأراد واحدا معيّنا من العشرة ولكن كان الغرض من الخطاب هو الإطاعة التفصيليّة دون الإجماليّة وثالثها كسابقه إلاّ في عدم تعلق الغرض بالإتيان بالواقع بالإطاعة التفصيلية بأن كان المقصود من الخطاب الإتيان بالواقع ولو بالاحتياط والمسلم من قبح الخطاب بالمجمل من دون بيان عند الحاجة هو القسمان الأوّلان وإلاّ فلا ريب في صحّة الخطاب على الوجه الأخير كما حكي التصريح به عن جماعة من أواخر المتأخرين منهم الوحيد البهبهاني قدس‌سره (قوله) ففيه أنّه إذا كان إلخ ظني أن ما ذكره المحقق القمي رحمه‌الله من فرض وقوع التكليف منجزا غير مشروط بالعلم إنّما هو على سبيل الفرض ومع قطع النظر عن قبح الخطاب بالمجمل كما يومي إليه قوله نعم لو فرض وقوله من أين هذا الفرض وأنّى يمكن إثباته ومقصوده أنّه لو فرض وجود هذا الأمر المحال كان الاحتياط واجبا وأنّى يمكن إثباته ثمّ إنّ المفروض ثبوت وجوب الشيء لا حصول الإجماع أو ورود النّص عليه فكأنّه قال إذا فرض ثبوت هذا الوجوب بدليل من إجماع أو نصّ كان الاحتياط واجبا وإن كان هذا الوجوب لأجل استلزامه المحال محالا فلا يرد حينئذ أنّه إذا كان الوجوب المذكور محالا لأجل استلزامه تأخير البيان عن الحاجة لا يمكن قيام دليل شرعي عليه إذ القبيح لا يصير حسنا بقيام دليل شرعيّ عليه بل قيام الإجماع الذي هو من الأدلّة القطعيّة عليه محال والفرق بينه وبين ما أورده المصنف رحمه‌الله واضح إلا أنّ شيئا منهما غير وارد بعد ما عرفت (قوله) كان ذلك اعترافا إلخ يعني اعترافا بعد إنكاره أوّلا(قوله) غير معقول إلخ لاستلزامه الدور(قوله) وأمّا ما ذكره من استلزام ذلك إلخ ظاهر المحقق القمي رحمه‌الله كون سقوط قصد التعيين محذورا مانعا من تعلق التكليف بالواقع نظرا إلى اشتراط صحة العبادة به فمع تعلق التّكليف بالواقع ينتفي شرط صحّتها ويرد عليه أوّلا عدم اختصاص محلّ الكلام بالتعبديات ولا ريب في عدم اشتراط قصد التّعيين في التوصليات وثانيا منع اشتراطه ولذا قلنا بصحّة عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد وثالثا منع اشتراطه فيما لا يمكن فيه تعيين الواقع إذ لم يقل به أحد فيما أعلم ورابعا أن سقوط قصد التعيين إنّما حصل بمجرّد التّردد والإجمال في الواجب سواء قلنا فيه بالاحتياط أو البراءة كما أوضحه المصنف ره (قوله) قصد التعيين إلخ يعني تعيين المأمور به الواقعي وإلاّ فالتّعيين في الظّاهر ممكن على القول بالبراءة بل على القول بالاحتياط أيضا على أحد وجهي قصد التقرب (قوله) له في ذلك طريقان إلخ الأوّل مبني على كون الأمر بالاحتياط في نظائر المقام شرعيّا إذ يصحّ حينئذ أن يقصد التقرب بكل من المشتبهين لصيرورتهما مأمورا بهما بعد تعلّق الأمر الشّرعي بهما والثّاني مبني على كون الأمر به إرشاديا عقليّا كما هو الأظهر ولذا أورد المصنف رحمه‌الله على الأوّل بما أورده من الوجهين والوجه فيه أنّ نفس الاحتياط طريق إطاعة لما هو واجب في نفس الأمر ولا يمكن تعلق الأمر الشّرعي بما هو طريق الإطاعة والامتثال وإلاّ لافتقر هذا الأمر أيضا إلى أمر شرعي آخر فيدور أو يتسلسل ومن هنا حمل الأمر في قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) على الإرشاد الّذي لا يترتب عليه أثر سوى ما يترتب على نفس الواقع فمرجع الأمر بالاحتياط هو الإرشاد إلى ما فيه من مصلحة المكلف وهي الائتمان بإتيان المشتبهين من خطر مخالفة الواقع وهذا الأمر بمجرّده لا يصلح أن يقصد به التقرب لأنّ حصول التقرّب بالعبادة إنّما هو باعتبار حسنها الّذي هو منشأ الأمر بها ولا حسن في المقدّمة العلميّة إلا مجرّد التوصل بها إلى الواقع وهو بمجرّده لا يحصل به التقرب كما صرّح به المصنف رحمه‌الله وبما فيه من الدقة ولذا ضعّفنا ما جعلوه ثمرة لوجوب المقدّمة من صحّة قصد الطاعة بالمقدّمة فيما يعتبر فيه ذلك كما فيما نحن فيه من مثال الظّهر والجمعة والقصر والإتمام ووجه الضّعف واضح وممّا ذكرناه يظهر أيضا أن قصد الوجه المعتبر في العبادة لا يصحّ في المقام بقصد الوجوب العارض للمشتبهين

٣٥٢

من باب المقدّمة لأنّ المراد بالوجه المقصود هو الوجوب العارض للعبادة التي هي المقربة إلى الله والمشتبهان مع قطع النّظر عن الواقع لا مطلوبية لهما وليسا مقربين إلى الله سبحانه ولذا حكم المصنف رحمه‌الله بأن المقصود في المقام إحراز الوجه الواقعي ثمّ إنّ الثمرة بين الطريقين فيما تظهر لو أتى بالظهر مثلا أوّلا من دون قصد الإتيان بالجمعة بعدها لتحصيل الواجب الواقعي بل ومع قصد عدمه فتصح الظهر حينئذ على الطريقة الأولى دون الثانية لفرض تعلق الوجوب الشّرعي على كلّ واحدة منهما فيصحّ الإتيان بكل واحدة منهما ولو مع القصد إلى عدم الإتيان بالأخرى بخلافه على الثانية إذ وجوب كلّ واحدة منهما حينئذ من باب المقدّمة فلا يصحّ قصد التّقرب بالواجب الواقعي حينئذ مع عدم القصد عند الإتيان بأحد المشتبهين إلى عدم الإتيان بالآخر وهو واضح ثم إنّ ما ذكره المصنف رحمه‌الله هنا من عدم صحّة قصد التقرّب بكل واحد من المشتبهين من حيث كونهما مقدّمة للواقع وإن كان متجها في بادئ النّظر إلاّ أنّه قد حقّق في مسألة دوران الأمر بين الوجوب وغير الحرمة مع كون الشبهة ناشئة من فقدان النّصّ صحّة قصد التقرّب بالفعل المحتاط به لأجل حسن الاحتياط فراجع (قوله) بالنّسبة إلى ما عدا الواجب إلخ فيه نظر لأنّ الظاهر تحقّق التّشريع بكلّ من المشتبهين لأن التشريع هو إدخال لم يثبت في كونه من الدّين في الدّين لا خصوص ما علم أنّه ليس منه فيه لقبح الأوّل أيضا عقلا بل شرعا أيضا كما اعترف به المصنف رحمه‌الله عند تأسيس الأصل في العمل بالظنّ وحيث لم يثبت كون خصوص كلّ واحد من المشتبهين من الدين يكون الإتيان بخصوص كلّ واحد منهما بقصد كونه من الدّين تشريعا(قوله) مضافا إلى أنّ غاية إلخ يرد عليه مضافا إلى ما ذكره أنّ محذور التّشريع مشترك بين القول بوجوب الاحتياط والتخيير لأنّ القائل بالثّاني يدعي أنّ الواجب عدم المخالفة القطعيّة للواقع وكفاية الموافقة الاحتماليّة فيه وهو يحصل بالإتيان بأحد المشتبهين فيكون القول بالتخيير من شعب القول بالاحتياط لكونه قولا بالاحتياط في الجملة لفرض كون الإتيان بأحدهما لأجل تحصيل الواقع في الجملة لا لأجل وجوبه بالخصوص شرعا فيكون الإتيان به بقصد كونه من الدّين تشريعا ولكن هذا مبني على ما عرفته في الحاشية السّابقة من تحقق التشريع فيما لم يثبت كونه من الدّين مطلقا وحينئذ يمكن دعوى كون القول بالاحتياط أولى من القول بالتخيير لحصول الواقع بالأوّل بالفرض والشكّ في حصوله بالثّاني (قوله) عدم التمكن من تمام إلخ حاصله دوران الأمر في المقام بين فوات وصف من أوصاف الذات يقينا وبين احتمال فوات الذّات وأنّ الأوّل أولى من الثّاني وهو لا يخلو من تأمّل لأنّ نية التقرّب لا تقاس على سائر شرائط العبادة لأن قوامها بها وهي روحها وهي بدونها كالعدم لأنّ مطلوبيتها إنّما هي بعنوان حصول التقرّب والامتثال بها بل ذلك هي الغاية المقصودة منها ويمكن دعوى معارضة فوات مثل هذا الوصف لفوات الذات فيما كان الأوّل قطعيّا والثّاني محتملا كما هو الفرض (قوله) إن اعتبار قصد إلخ حاصله منع اعتبار قصد التقرّب بخصوص المأتي به تفصيلا وإن ذلك على تقدير تسليمه إنّما هو فيما أمكن تحصيل العلم التفصيلي بالواقع فيه كيف وهو غير مسلّم فيه أيضا ولذا قلنا بجواز الاحتياط فيما أمكن فيه العلم التفصيلي ومرجع ما ذكره هنا في كيفيّة قصد التقرّب أو الوجه إلى الطّريقة الثانية من الطريقين اللتين ذكرهما(قوله) قد تقدّم في مسألة إلخ الظاهر أن مقصوده الإشارة إلى ما حققه في سائر مصنفاته نعم قد ذكر شطرا من الكلام في أدلّة التّسامح في بعض مسائل الشّك في التكليف إلا أنا قد أشرنا عند شرح قوله له في ذلك طريقان إلى آخره إلا أنّ ما ذكره هناك ينافي ما بنى عليه تحقيق الكلام هنا ثمّ إن تحقيق الكلام في كون الوضوء والغسل حسنين بالذات دون التيمّم موكول إلى الفقه وأمّا صحّة التقرّب بالأمر الغيري وعدمها وكذا صحّة ترتّب الثّواب على موافقته والعقاب على مخالفته وعدمها فقد استوفينا الكلام في ذلك في مبحث المقدّمة وذكرنا هناك أن ظاهر الفقهاء كون قصد التقرّب في الوضوء والغسل لأجل الأمر الغيري المتعلق بهما وذكرنا أيضا الإشكال فيه في صيرورة التيمم بمجرّد الأمر الغيري به عبادة كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله أيضا هنا فمن أراد أن يصدع الحق فعليه بمراجعته (قوله) فإن قلت يمكن إثبات إلخ هذا من جملة الأدلّة الّتي استدلوا بها على المختار كما أشرنا إليه في بعض الحواشي السّابقة وقد قرر التّمسك به بوجهين أحدهما ما هو ظاهر المصنف رحمه‌الله من أنّه إذا علم بالوجوب وتردد الواجب بين أمرين فالأصل بقاء الشغل وعدم الخروج من عهدة التكليف بالإتيان بأحدهما فيثبت وجوب الأوّل منهما بالإجماع إذ الفرض هنا حرمة المخالفة القطعيّة ووجوب الآخر بالأصل ويرد على التمسّك بالإجماع مضافا إلى ما أورده المصنف رحمه‌الله أنّ هذا الإجماع ليس بحجة لكون المسألة عقليّة لأنّ مستند المجمعين هو العقل كما أوضحه المصنف رحمه‌الله لا ورود دليل تعبّدي على ذلك ولا اعتداد بالإجماع في المسائل العقلية كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله في المقصد الأوّل عند بيان أدلّة القول بحرمة التجري وأوضحناه هناك والفرق بينه وبينما أورده المصنف رحمه‌الله هو عدم الاعتداد بالإجماع فيما علم بمستند المجمعين وبضعفه ومبني على ما ذكرنا عدم الاعتداد به في المسائل العقلية مع قطع النظر عن مستندهم وعلى كلّ تقدير لا يمكن إثبات الوجوب الشّرعي به ثم إن ظاهر المصنف رحمه‌الله تسليم كون هذا الإجماع اصطلاحيا إلا أنّه ادعى عدم إمكان الاستكشاف به عن خطاب شرعي بعد العلم بمستند المجمعين وضعف دلالته على الوجوب الشّرعي الذي هو المدّعى ويمكن أن يقال بعد تسليم صحة الاستكشاف به عن خطاب شرعي إنّ هذا الخطاب لا يزيد على خطابات وجوب الاحتياط فكما أنّها إرشادية لا يثبت بها الوجوب الشرعي كذلك المستفاد من الإجماع ومرجع ما ذكرناه مع ما ذكره المصنف رحمه‌الله إلى منع حجيّة هذا الإجماع أولا ومنع الاستكشاف به عن خطاب شرعي ثانيا ومنع استفادة الوجوب الشّرعي من الخطاب الشّرعي المستفاد منه ثالثا وأمّا التمسّك بالاستصحاب فيرد عليه مضافا إلى ما أورده المصنف رحمه‌الله أنّه إنّما يتم لو سلّم الخصم ثبوت التكليف بالواقع على ما هو عليه والمحقق القمي رحمه‌الله ينكر ذلك ويدعي أن القدر المتيقن من تعلق التكليف بالواقع هو حرمة ترك كلّ من الأمرين لا أحدهما لو صادف الواقع كما هو صريح ما نقله عنه المصنف رحمه‌الله ولذا استظهرنا منه في بعض الحواشي السّابقة كون النّزاع في المقام صغرويا نعم لا يرد هذا الإيراد على ما هو ظاهر المصنف رحمه‌الله هنا من التمسّك بالاستصحاب لإثبات كيفية النية بعد الفراغ من أصل وجوب الاحتياط مع أنّه يمكن أن يقال إنّ هذا الدّليل إقناعي لا إلزامي لأن مقتضى الخطاب الشّرعي ثبوت التكليف بنفس الواقع بناء على ما هو الحق من وضع الألفاظ للمعاني الواقعيّة لا المعلومات بالتفصيل كيف لا ومقتضى وضعها للمعاني المعلومة جواز المخالفة القطعيّة والمفروض هنا

٣٥٣

الفراغ من بطلانه وعدم تسليم المحقق المذكور ثبوت التكليف كذلك لا يضرّ بعد تبيّن خلافه وثانيهما أنّه إذا علم بالواقع تفصيلا بالسّماع من الإمام عليه‌السلام أو غيره ثمّ عرض الاشتباه بالنسيان مثلا تردد الواجب بين أمرين فالأصل بقاء الشغل وعدم الخروج من عهدة التكليف الثّابت بالواقع بالإتيان بأحدهما وإذا ثبت وجوب الاحتياط في مثل هذه الصّورة ثبت في غيرها مما اشتبه فيه الواجب من أوّل الأمر كما في أمثال زماننا بعدم القول بالفصل ولا يرد عليه ما أوردناه على التقرير الأوّل من عدم تسليم الخصم ثبوت التكليف بالواقع نعم يرد عليه أوّلا إمكان التّفصيل في المقام لعدم العلم بإجماعهم على عدم الفصل لعدم عنوان المسألة بالقيود المأخوذة في موضوعها في كلمات كثير من العلماء وثانيا إمكان قلب الإجماع على مذاق المحقّق القمي رحمه‌الله على ما تقدّم من منعه من ثبوت التّكليف بالواقع فيما لم تكن الشبهة مسبوقة بالعلم التفصيلي وأنّ المتيقّن منه هو وجوب عدم ترك كل واحد من المشتبهين لا وجوب الإتيان بنفس الواقع على ما هو عليه كي يجب الاحتياط فنقول فيما لم يكن العلم الإجمالي فيه مسبوقا بالعلم التفصيلي إن مقتضى استصحاب عدم التكليف الثابت في حال الصّغر أو الجنون عدم ثبوت التكليف إلاّ بحرمة ترك كلا الأمرين لا وجوب كليهما وإذا ثبت التخيير هنا بحكم الاستصحاب ثبت فيما كان مسبوقا بالعلم الإجمالي بعدم القول بالفصل فتأمّل فإن قلت إنّ غاية الأمر هنا تعارض الاستصحابين والاستصحاب الوجودي مقدّم على العدمي كما هو المصرّح به في كلماتهم قلت لا دليل على التّرجيح بذلك ولم أر مصرحا به من الفقهاء المعتنين بالفقه سوى ما حكاه بعض مشايخنا من صاحب المناهل ولا دليل عليه لشمول أدلّة الاستصحاب لكلّ منهما على نهج واحد فلا مرجح لإدراج أحدهما تحتها دون الآخر مع أنّه يمكن ترجيح الاستصحاب العدمي هنا على الوجودي بالتّعدد وقد صرّح والده صاحب الرّياض بالترجيح به في مبحث الحيض (قوله) من جهة حكم العقل إلخ حاصل هذا الوجه أن الاستصحاب إنّما يجري فيما لم يكن الشّك في بقاء الحكم السّابق علة تامّة لثبوته في حال الشك وإلاّ كان ثبوت الحكم في مورد الشكّ يقينيا فلا يبقى شك في الحالة الثّانية في الظاهر حتّى يستصحب فيه الحكم السّابق ولذا لا يجري استصحاب الاشتغال في مورد قاعدته لكون الشكّ في ارتفاع الحكم بعد العلم إجمالا أو تفصيلا بثبوته علّة تامّة لحكم العقل بوجوب تحصيل اليقين بالفراغ وما نحن فيه من جزئيّات هذه الكليّة لأنّه إذا علم بوجوب شيء في الواقع وتردّد عندنا بين أمرين فالشكّ في الخروج من عهدة التكليف بعد الإتيان بأحدهما علة تامّة لحكم العقل بتحصيل العلم بالفراغ بالإتيان بالآخر وإلاّ لم يكن حاكما بوجوب الإتيان بالجميع من أوّل الأمر فلا مجرى حينئذ لاستصحاب الشّغل لإثبات وجوب الآخر ومن هنا يظهر أنّ الأظهر عدم جريان الاستصحاب أيضا فيما لو شكّ في فعل الظهر قبل خروج الوقت وإن كان ظاهر المصنف رحمه‌الله تسليم جريانه اللهمّ إلا أن يقال بكونه مبنيّا على مذاق المشهور في أمثال المقام (قوله) إن مقتضى الاستصحاب إلخ الأظهر عدم جريان هذا الاستصحاب لعدم ترتب أثر شرعي عليه لما سيجيء في محلّه من عدم جريانه فيما لم يترتب فيه أثر شرعيّ على المستصحب ولا أثر لاشتغال الذّمّة هنا سوى وجوب تحصيل اليقين بارتفاعه والفرض أنّه من آثاره العقليّة دون الشّرعيّة(قوله) فشيء منهما لا يثبت إلخ لأنّ استلزام بقاء وجوب ما وجب سابقا أو عدم الإتيان بالواجب الواقعي لوجوب المشتبه الآخر وكونه هو الواجب الواقعي عقلي والأصول لا تثبت اللوازم العقلية (قوله) كما في بعض الرّوايات إلخ رواه في المجمع عن علي عليه‌السلام قال إنّها الجمعة يوم الجمعة والظهر سائر الأيّام وعن التهذيب والكافي عن الباقر عليه‌السلام في الصّلاة الوسطى قال عليه‌السلام هي صلاة الظّهر وهي أوّل صلاة صلاّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهي وسط النهار ووسط صلاتين بالنّهار صلاة الغداة وصلاة العصر قال عليه‌السلام وفي بعض القراءات حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وصلاة العصر الحديث (قوله) فتأمل إلخ لعل الأمر بالتأمّل إشارة إلى منع الأولوية لعدم أثر لوجود هذا الخطاب المجمل عند العقل لأنّ اعتبار وجود الخطاب المبيّن عنده إنما هو لأجل كونه طريقا إلى الواقع فإذا علم بوجود أحد الحكمين في الواقع لا يفرق فيه عند العقل بين كون سبب هذا العلم الإجمالي هو الإجماع كما في مسألة فقدان النّص أو الخطاب المجمل كما في هذه المسألة(قوله) منع قبحه يعني فيما تمكن المكلف من الإطاعة ولو بالاحتياط(قوله) يعطي عدم الظّهور إلخ لأن مفروض كلامه هو الحكم بوجوب الاحتياط فيما كان الإجمال في خطاب الشّارع ذاتيّا لا عرضيّا لبعض الأمور الخارجة فهو إنّما يقول بوجوب الاحتياط في الأوّل وما ذكره المصنف رحمه‌الله من وجوب الاحتياط فيه إنّما هو الثّاني ولعله يقول بالتخيير فيه كما أشار المصنف ره إلى وجهه فإن قلت إن ما ذكره من الوجه غير وجيه لأن المحقق الخوانساري يسلم وجوب الاحتياط فيما كان الخطاب مجملا بالنّسبة إلى المخاطبين ولا بدّ له أن يسلّم ذلك أيضا فيما عرض الإجمال للغائبين لبعض الأمور الخارجة لأنّ الأحكام إنّما تختلف باختلاف موضوعاتها فإذا فرض كون إجمال الخطاب سببا لوجوب الاحتياط في حقّ المشافهين فلا بدّ أن يكون سببا له في حقّ الغائبين أيضا وإن فرض كون الخطاب المفروض إجماله للغائبين مبنيا للمشافهين لأنّ المناط في اشتراكهم في التكليف هو تحقق موضوع ثبت له حكم للمشافهين عند الغائبين وإن لم يتحقق هذا الموضوع للمشافهين أصلا كما إذا ثبت وجوب القصر للمسافر في حقّ المشافهين فمتى اتّصف أحد من الغائبين بعنوان هذا الموضوع وجب عليه القصر وإن لم تتفق مسافرة أحد من المشافهين قلت نعم إلاّ أنّ الاشتراك في التكليف إنّما هو مع العلم باتحاد الصّنف ولعل كون إجمال الخطاب سببا لوجوب الاحتياط إنّما هو فيما كان المكلف مخاطبا بهذا الخطاب فإن قلت لو بنيت على هذا انهدمت قاعدة الاشتراك لوجود هذا الاحتمال في جميع الموارد قلت عدم مدخليّة توجيه الخطاب في اختلاف الصّنف إنّما هو فيما علم عدم المدخليّة فيه كما هو الغالب وإلا فمع احتمالها نمنع انعقاد الإجماع على الاشتراك (قوله) فالتحقيق أن إلخ هذا بيان لميزان الفرق بين موضوع مسألتي إجمال النّص وفقدانه بتخصيص موضوع الأولى بما كان مجملا بالنسبة إلى المخاطب وتخصيص موضوع الثانية بما لم يرد فيه نصّ أصلا أو ورد خطاب مجمل بالعرض إذا قلنا بعدم شمول الخطاب للغائبين لأن عروض الإجمال يجعل الخطاب في حكم فقد النّص لعدم العلم حينئذ بالخطاب المبين الصّادر عن الشّارع ولا العلم بالخطاب المجمل المتوجّه إلينا فإذا قال الشّارع حافظوا على الصّلوات والصّلاة

٣٥٤

الوسطى وقامت قرينة على إرادة خصوص الظهر أو الجمعة فهو في قوّة قوله صلّ الظّهر أو قال صلّ الجمعة فإذا فقدت القرينة فمرجع الشك إلى أنّ الصادر عن الشّارع هو قوله صلّ الظهر أو صلّ الجمعة وليس هذا من قبيل تعارض النّصين أيضا لعدم العلم بصدور كلا الخطابين عن الشّارع ولو بطريق شرعيّ كما هو المعتبر فيه بل المعلوم إجمالا صدور أحدهما وعدم صدور الآخر فهو داخل في موضوع فقدان النّص مع العلم بنوع التكليف وعلى التحقيق المذكور لا يكون المحقق الخوانساري مخالفا في هذه المسألة فتختص مخالفته بالمسألة السّابقة أعني فقدان النّص بخلاف المحقّق القمي رحمه‌الله لمخالفته في كلتا المسألتين (قوله) فالمشهور فيه التخيير إلخ المقصود من التعرّض لهذه المسألة إنما هو بيان كونها من موارد الاحتياط أو التخيير الّذي هو في معنى البراءة وهذا وجه المناسبة لذكرها في مسائل الشكّ في التكليف والمكلّف به لأنّ الغرض منه استيفاء جميع موارد البراءة والاحتياط وأمّا سائر الوجوه أو الأقوال في تعارض النّصّين من التّساقط أو الوقف والاحتياط في مقام العمل أو غير ذلك فبيانها موكول إلى مبحث التعادل والترجيح كما نبه عليه المصنف رحمه‌الله في المسألة الثالثة من مطالب الشّكّ في التكليف فلا يرد حينئذ ما يتوهم من أولوية ذكرها في مبحث التعادل والترجيح وكذا تعرضه أيضا لسائر الوجوه أو الأقوال في المقام (قوله) عدم موافقة إلخ لأن المفروض تعارض النصّين على وجه التّباين الكلي بحيث لا يمكن الجمع بينهما (قوله) والأقوى هنا أيضا إلخ بل هنا أولى لعدم تأتي بعض أدلتهم على القول بالتخيير في الشبهة الحكميّة هنا لأن منها منع انعقاد الإجماع على الاشتراك في التكليف هنا وذلك لأنا قد أسلفنا في بعض الحواشي السّابقة أنهم قد تمسكوا للقول بوجوب الاحتياط بقاعدة الاشتراك في التكليف نظرا إلى أنّه مع تردّد الواجب بين أمرين لا ريب في كون الحاضرين مكلفين بهذا التكليف المعلوم إجمالا فلا بدّ للغائبين حينئذ من الاحتياط ليحصل اليقين بالفراغ ممّا ثبت بقاعدة الاشتراك وأجيب عنه على القول بالتخيير بمنع ثبوت الاشتراك إلاّ فيما ثبت العلم به تفصيلا وأنت خبير بأنّه على تقدير تسليمه والشّبهة الحكمية لا يتأتى هنا لفرض العلم بالتّكليف تفصيلا وإن وقع الاشتباه في مصداق متعلقه ومنها دعوى قبح الخطاب بالمجمل كما تمسّك به المحقق القمي رحمه‌الله لأنه مع تسليم تأتي هذه الدّعوى في الشّبهة الحكميّة فلا مسرح لها في المقام لفرض تبيّن الخطاب وعدم وجوب إزالة الشبهة عن المصاديق الخارجة على الشّارع وهو واضح هذا ويؤيّد المختار بل يدل عليه بناء العقلاء الذين هم المرجع في معرفة كيفية امتثال الأحكام الشرعيّة إذ لا ريب في عدم تفرقتهم في إيجاب تحصيل القطع بالفراغ من التكليف المبيّن بين تبيّن مصاديقه واشتباهه كما هو واضح لمن لاحظ الأمثلة العرفية وتتبع مواردها فالعلم التفصيلي بالخطاب كما أنّه مقتضي عندهم للموافقة القطعية عند تبين مصاديقه كذلك مع اشتباه بعض مصاديقه وتردّده بين أمرين أو أمور(قوله) مستندا في ظاهر كلامه إلخ يمكن أن يستدلّ عليه بوجهين آخرين يمكن استفادتهما أيضا من التأمّل في أطراف كلام المحقق القمي رحمه‌الله أحدهما منع المقتضي لوجوب الاحتياط لأنّه في مثل الفائتة المردّدة بين الظهر والجمعة أو الماء المردد بين المطلق والمضاف وغيرهما إمّا هو الإجماع أو الأدلّة اللفظية ويرد على الأوّل أن القدر المتيقن منه حرمة المخالفة القطعيّة بأن ترك القضاء أو الوضوء رأسا لا وجوب الموافقة القطعيّة بالإتيان بكلا الأمرين وعلى الثّاني أنّه إنّما يتم على القول بوضع الألفاظ للمعاني الواقعية وفيه منع لإمكان دعوى وضعها للمعلومات الذّهنيّة كما هو مذهب جماعة ومع التسليم فهي منصرفة مطلقا أو في خير الأوامر إليها وأنت خبير بأنّ الأوّل إنّما يتم إن كان المستند في المقام هو الإجماع وليس كذلك بل هو مع بناء العقلاء وغيره كما عرفت وأمّا الثّاني فضعفه ظاهر لأنّ الحقّ كون الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية دون المعلومة ودعوى الانصراف إليها ضعيفة لعدم المنشإ له في المقام مع أنّه لو تمّ أفاد جواز المخالفة القطعيّة والفرض هنا الفراغ من بطلانه وثانيهما أن مقتضى الجمع بين الإجماع على حرمة المخالفة القطعيّة وأدلّة البراءة المقتضية لها هو القول بالتخيير في المقام وفيه أنه إنّما يتم إن كانت أدلّة البراءة شاملة لصور العلم الإجمالي وليست كذلك لأنّها إن شملت كلا المشتبهين فهو ينافي العلم الإجمالي المدلول على اعتباره بالاعتبار ومفهوم أدلّة البراءة كما أوضحه المصنف رحمه‌الله في المقام الثاني في مقامي المسألة الأولى وإن شملت أحدهما المعين فهو ترجيح بلا مرجّح وإن شملت أحدهما لا بعينه فهو مستلزم لاستعمالها في معنى التخيير في موارد العلم الإجمالي وفي الإباحة التّعيينيّة في موارد الشبهات البدويّة وهو غير جائز(قوله) وأنت خبير إلخ يرد عليه مضافا إلى ما ذكره أمّا أوّلا فإنّه مع تسليم كون الخطاب بمشتبه المصداق من قبيل الخطاب بالمجمل أنّه إنّما يتم إن قلنا بشمول الخطاب للمعدومين وهو ممنوع بتسليم الخصم ويدفعه أنا ننقل الكلام إلى المشافهين إذ لا ريب في عروض الاشتباه للمصاديق ولو في بعض الموارد عندهم أيضا فإذا ثبت التخيير لهم مع اشتباه مصداق المكلّف به ولو في بعض الموارد ثبت لنا أيضا بقاعدة الاشتراك في التكليف اللهم إلاّ أن يمنع حصول العلم بذلك في حق المشافهين وأمّا ثانيا أن التكليف مع اشتباه مصداق المكلف به لو كان قبيحا لما وقع شرعا كما في اشتباه القبلة واشتباه الثوب الطّاهر بالنجس لما ورد من وجوب الاحتياط فيهما(قوله) ما ورد من وجوب إلخ هو المروي عن المحاسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سئل عن رجل أنه نسي صلاة من الصّلوات الخمس لا يدري أيّها هي قال عليه‌السلام يصلّي ثلاثة وأربعة وركعتين فإن كانت الظّهر والعصر والعشاء كان قد صلّى وإن كانت المغرب والغداة فقد صلّى إنّما جعلها مؤيّدة لا دليلا لعدم صراحتها في عليّة اليقين بالتكليف لوجوب تحصيل اليقين بالفراغ إذ لو كان كذلك لوجب الأمر بالإتيان بخمس صلوات لعدم حصول اليقين بالفراغ بالثلاث فلا بدّ أن يكون التعليل بحصول الفراغ بالثلاث تعبّديا بمعنى اقتناع الشّارع عن الواقع بما يناسبه لأنّ الفائتة إن كانت هي الظّهر مثلا فقد قنع الشّارع عنها بالإتيان بأربع ركعات مع التخيير فيها بين الجهر والإخفات ولا ريب في عدم حصول اليقين بالفراغ من الواقع بمثلها ببطلان الظهر أداء وقضاء مع الجهر فيها فلا بد أن يكون الحكم بمثلها تعبديا وحينئذ إن سلمنا جواز التعدي لأجل هذه العلّة إلى الفائتة عن المسافر المرددة بين الثنائية والثلاثية فلا ريب في عدم جواز التّعدي إلى غيرها كما إذا تردد الفائت بين الحجّ والصّوم أو غيرهما (قوله) بل النّزاع فيما كان إلخ توضيح المقام أنّه مع اشتباه مصداق المكلف به بغيره قد يتردّد الأمر بين ذاتهما كتردّد

٣٥٥

الفائتة بين الظهر والعصر وقد يتردد الأمر بينهما باعتبار الاشتباه والتردّد في بعض شرائط المكلف به مع العلم بمصداقه تفصيلا من غير جهة ما وقع فيه التردّد من بعض شرائطه كما مثّل به المصنف رحمه‌الله وكلا القسمين داخلان في موضوع النزاع في المسألة الرّابعة وإذا قرّر النّزاع في ثانيهما على نحو ما قرّره في تلك المسألة فلا بد أن يقال في مورد اشتباه القبلة أو اللّباس مثلا هل يجب الاحتياط بالصّلاة إلى الجهات الأربع وفي الثّوب الطّاهر والنجس أو يتخير في الصّلاة إلى الجهات وفي أحد الثوبين إلاّ أنّ المصنف رحمه‌الله قد ادعى أن ما كان من قبيل الثّاني ينبغي أن يقرّر النّزاع في أصل ثبوت الشّرطيّة وعدمه معلّلا ذلك بأن القائل بعدم وجوب الاحتياط ينبغي أن يقول بسقوط الشّروط عند الجهل لا بكفاية الفعل مع احتمال الشّرط ولعلّ الوجه فيه أن مرجع القول بالتخيير عند اشتباه بعض الشّروط إلى نفي الشّرطيّة لعدم ترتب أثر على أحدهما بالخصوص بخلاف ما لو جهل أصل المكلف به كالفائتة المردّدة بين الظّهر والعصر لأنّ أثر القول بالتخيير فيه هو عدم جواز المخالفة القطعية وأنت خبير بعدم صلوح ذلك للفرق لأن أثر القول بالتخيير عند اشتباه بعض الشروط أيضا قد يظهر في عدم جواز المخالفة القطعيّة فيها كما إذا ترددت القبلة بين جهتين أو اشتبه الثّوب النّجس بالطّاهر فلا يجوز الصّلاة إلى غيرهما من الجهات وفي غيرهما من الثياب نعم قد لا يمكن تحصيل القطع بمخالفة الشرط الذي اشتبه مصداقه إلاّ بمخالفة مشروطه كما فيما لو ترددت القبلة بين الجهات الأربع إلاّ أنّ ذلك بمجرده لا يصلح للفرق مطلقا لا يقال إنّه لا دليل على القول بالتخيير هنا إلا الوجهان اللّذان أشار إليهما المصنف رحمه‌الله وهما يقتضيان سقوط الشرطيّة لا التخيير بين المشتبهين لأنا نقول إن ما نقله عن المحقق القمي رحمه‌الله من الدّليل على القول بالتخيير فيما اشتبه مصداق الواجب يقتضيه فيما اشتبه مصداق الشّرط أيضا كما لا يخفى فالأولى في التعليل أن يقال إنّ للقائل بوجوب الاحتياط فيما اشتبه مصداق الواجب أن يمنع أصل الشّرطيّة هنا فلا معنى لدعوى وجوب الاحتياط حينئذ فلا بدّ أن يقرّر النزاع في أصل الشّرطيّة ولكن الإنصاف الأولى مع ذلك أن يقرّر النّزاع تارة في أصل الشرطيّة للوجهين اللذين ذكرهما وأخرى في ثبوت التخيير لما نقله عن المحقق القمي رحمه‌الله فتدبّر ثم لا يخفى أن ما ذكره المصنف رحمه‌الله في المقام جار بعينه في الشبهة الحكمية ممّا علم فيه الوجوب وتردد الواجب بين أمرين والقسمان السّابقان آتيان فيها أيضا والأوّل كتردّد الواجب بين الظّهر والجمعة والثّاني كتردّد شرط الصّلاة بين أمرين مع العلم بأصل الثبوت في الجملة وهنا أيضا يمكن منع الشّرطيّة لأنّ ما ذكره المصنف رحمه‌الله لذلك من الوجهين وإن لم يتأت أولهما هنا إلاّ أن ثانيهما جار فيه كما هو واضح ولعل المصنف رحمه‌الله قد اكتفي عن التنبيه على تعميم عنوان البحث لما يشمل الشبهة الحكميّة أيضا بما نبه عليه في آخر المسألة الأولى فتدبّر(قوله) وليس اشتراطه في مرتبة إلخ لأنّ شرائط العبادة على قسمين قسم سابق على الأمر بها وهو شرائط المأمور به كالقبلة والسّتر ونحوهما في الصّلاة وقسم مسبوق بالأمر ومترتب عليه وهو شرائط امتثال الأمر كنية التقرب بالمأمور به والحزم فيها وقصد الوجه لأنّ هذه الأمور متفرعة على ورود الأمر فلو كان مأخوذا في المأمور به لزم تقدّم الشيء على نفسه لأنّ الأمر بشيء مسبوق بتصوّر هذا الشيء مع ما يعتبر فيه من الأجزاء والشّرائط فلو كانت الأمور المذكورة معتبرة في نفس المأمور به لزم ما ذكرناه من المحذور وممّا ذكرناه قد ظهر الوجه فيما ذكره المصنف رحمه‌الله من عدم كون الأمور المذكورة في مرتبة سائر الشرائط وأمّا الوجه في كون اعتبار الجزم بالنيّة وقصد الوجه في حال التّمكّن من معرفة المأمور به مع شرائطه تفصيلا لأنّ مبنى اعتبارهما هو بناء العقلاء في أوامرهم العرفية لا دليل شرعي تعبدي في ذلك ولم يثبت بناؤهم على أزيد ممّا ذكرناه ثم إن ما حقق المصنف رحمه‌الله به المقام مبني على اعتبار الجزم بالنيّة وقصد الوجه وإلاّ فعلى المختار وفاقا للمصنف رحمه‌الله في غير المقام من عدم اعتبارهما في تحقق الامتثال ولذا قلنا بجواز سلوك طريق الاحتياط وترك طريقي الاجتهاد والتقليد فالأمر أوضح (قوله) على الوجه المتقدّم إلخ هذا مبني على كون الأمر بالاحتياط إرشاديا لا شرعيّا وقد تقدم توضيحه في المسألة الأولى من مسائل هذا المطلب عند شرح ما يتعلق بالطّريقين اللذين ذكرهما المصنف رحمه‌الله لكيفيّة قصد القربة بالمشتبهين وما ذكره هنا بقوله ويترتب على هذا إلى آخره بيان للثمرة للطريقين وقد أوضحناها هناك فإن قلت إنّ غاية ما ذكرت هناك صحّة قصد التقرّب بكل من المشتبهين إن كان الأمر بهما شرعيّا وبالواقع المعلوم إجمالا كما ذكره المصنف رحمه‌الله هنا وهناك إن كان الأمر بهما إرشاديّا وهذا ينافي الملازمة الكليّة من أن كلما حكم به العقل حكم به الشّرع لكون حكم العقل هنا بل في كل مورد كما صرّح به سلطان العلماء في بعض حواشي المعالم إرشاديا إلى ما في الفعل أو التّرك من مصلحة المكلّف فغاية ما يحكم به أن في فعل هذا أو تركه مصلحة المكلّف لا الأمر بأحدهما على طريق المولوية فإذا فرض حكم الشّرع على طبق حكم العقل فلا بد أن يكون حكم الشّرع أيضا إرشاديّا وإذا قلنا بصحّة قصد التقرّب بكل من المشتبهين إذا ثبت وجوبهما شرعا فلا بد أن نقول بذلك إذا ثبت وجوبهما عقلا أيضا قلت نعم إلاّ أن الملازمة المذكورة إنّما هي فيما أمكن ورود حكم شرعي فيه لوضوح عدم تأتيها فيما لم يكن كذلك وما نحن فيه من هذا القبيل إذ لا ريب أن الاحتياط طريق إطاعة للحكم المعلوم إجمالا غير قابل لجعل الشارع لأن العلم الإجمالي كالتّفصيلي طريق اضطراري عقلي منجز للتكليف بالواقع وعلّة تامّة عند العقل لوجوب الاحتياط في الظاهر ما لم يثبت جعل الشّارع أحد المحتملين بدلا عن الواقع كيف لا ولو كان قابلا لورود أمر شرعيّ عليه لاحتاج وجوب إطاعة هذا الأمر أيضا إلى أمر آخر وهكذا فيتسلسل ومن هنا حمل قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) على الإرشاد ومع فرض عدم قابليته لورود أمر شرعي عليه بمعنى عدم قابليته للاتّصاف بالوجوب الشّرعي من حيث كونه احتياطا لو فرض إيجاب الشّارع لكلا المحتملين فلا بد أن يكون ذلك من باب الإرشاد لإمضاء حكم العقل أو من باب التعبد مع قطع النّظر عن كونه طريقا إلى امتثال الواقع وتعين قصد التقرّب بالواقع المعلوم مرتب على الأول وبكل من المشتبهين على الثّاني ولا يلزم من كون وجوب الاحتياط عقلا إرشاديا كونه شرعا كذلك ثم إنّه من التأمّل فيما ذكرناه يظهر فساد ما أورده المحقق القمي رحمه‌الله على الفاضل التّوني في دعواه عدم ترتب ثمرة على النّزاع في مسألة الحسن والقبح زاعما لورود الأمر الشّرعي في كلّ مورد ادعي فيه استقلال العقل

٣٥٦

بالحسن أو القبح لأنه قد أورد عليه باستقلال العقل بحجيّة الظنّ في أمثال زماننا مما انسد فيه باب العلم مع عدم ورود أمر شرعي على جواز العمل به قال وأي ثمرة أعظم من هذا وهذا كما ترى إنّما يتمّ ثمرة للنزاع لو كانت حجيّة الظنّ في زمن الانسداد قابلة لورود أمر شرعي عليها وليس كذلك لأنّ الظنّ في صورة الانسداد كالقطع طريق اضطراري لامتثال الأحكام الواقعية غير قابل لجعل الشّارع وممّا ينبّه على ما ذكرناه من اختصاص مورد الملازمة بما ذكرناه أنّ الأشاعرة مع نفيهم لها قالوا بحجيّة الظن في صورة الانسداد فهو يكشف عن خروجها من مورد الملازمة (قوله) قوله عقلي لا شرعي إلخ عليه يبتني ما ذكره في التّنبيه السّابق واللاّحق وما ذكره متجه والقول بالوجوب الشّرعي يبتني على وجوه قد أشار المصنف رحمه‌الله إلى أكثرها هنا أحدها الأخبار الآمرة بالاحتياط لظهورها في الوجوب النفسي وفيه مضافا إلى ما ذكره المصنف رحمه‌الله أنّه ليس في الأخبار الآمرة بالاحتياط كما قيل خبر مودوع في الكتب الأربعة سوى صحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج وقد تقدم في المسألة الأولى من مسائل هذا المطلب وكذا في الشّبهة التّحريميّة البدويّة عدم دلالتها على المدّعى خصوصا هنا من وجوه وثانيها الخبر المتقدّم في الفائتة وفيه مضافا إلى ما ذكره المصنف رحمه‌الله أنّه قد تقدّم في المسألة الرّابعة الإشكال في صحّة التمسّك بالعلة المنصوصة فيه وثالثها الاستصحاب المضعّف بما أشار إليه هنا وما قدّمناه في المسألة الأولى ورابعها العقل لأن ترك بعض محتملات الواجب الواقعي المعلوم إجمالا يدلّ على عدم مبالاة المكلّف بامتثال الأحكام الواقعية لاحتمال كون المتروك هو الواجب في الواقع وهو قبيح فيثبت وجوب الإتيان بالجميع عقلا ويوضحه ما نقله المصنف رحمه‌الله في صدر الكتاب من الدّليل العقلي على حرمة التجري ومرجعه إلى إناطة الأحكام الشّرعيّة بالأمور غير الاختيارية لولاها كما هو واضح لمن راجعه لأنّ مورده وإن غاير ما نحن فيه في كون المطلوب هناك حرمة التّجري بارتكاب ما قطع بحرمته أو بترك ما قطع بوجوبه مع مخالفة قطعه للواقع وهنا حرمته بترك ما احتمل كونه هو الواجب في الواقع إلاّ أنّه يمكن إجراء الدّليل المذكور هنا أيضا بأن يقال إذا اشتبهت القبلة على شخصين وصلّى أحدهما إلى الجهة الّتي صلّى الآخر إلى خلافها مع تركهما باقي الجهات كلا أو بعضا فإما أن يستحقا العقاب أو لا يستحقه أحدهما أو يستحقه من صادف فعله الواقع دون الآخر أو بالعكس ولا سبيل إلى الثّاني والثالث وأمّا الرابع فهو مستلزم لإناطة العقاب وعدمه بالأمور غير الاختياريّة وهي هنا المطابقة وعدمها إذ الفرض تساويهما فيما سواهما فيتعين الأوّل فيثبت حينئذ ترتب العقاب على مجرّد ترك بعض محتملات الواجب الواقعي صادف الواقع أم لا وهو لا يتم إلاّ على تقدير كون وجوب المشتبهات شرعيّا لما قرّره المصنف رحمه‌الله من عدم ترتبه عليها بالخصوص على تقدير كون وجوبها عقليّا وضعفه يظهر ممّا أسلفه المصنف رحمه‌الله في صدر الكتاب ويؤيّده بل يدل عليه أنّه لا ريب في كون المشتبهات مقدّمات علميّة للواقع والعبد إنما يذم عند العقلاء على ترك نفس الواجب الواقعي دون مقدّماته ولذا ترى أنّه لو نوى أشخاص معصية ولكن منع بعضهم منها مانع قبل إيجاد شيء من مقدماتها وآخر بعد إيجاد جملة منها وثالثا بعد إيجاد تمامها فلا ريب في توجّه الذم إليهم بمرتبة واحدة فهو يكشف عن كون الذّم على ما هم عليه من خبث السّريرة من دون مدخليّة للمقدّمات في ذلك وإلاّ كان توجه الذمّ إليهم مختلفا في الشّدة والضّعف اللهمّ أن يمنع عدم استحقاق العقاب لأن غاية ما ثبت من الأخبار مثل قوله عليه‌السلام نية السّوء لا تكتب ونحوه هو العفو عنها لا عدم الاستحقاق أصلا ومع التسليم يمكن أن يقال إنّ القدر المتيقن منها هو العفو عنها مع عدم إيجاد بعض مقدّمات الحرام لا معه والفرض فيما نحن فيه إيجاد المكلّف بعض مقدّمات الحرام الذي هو ترك الواجب الواقعي مع أنّ لنا أن نمنع من ثبوت العفو مطلقا ولذا حكي عن الحلّي وصاحب المدارك الإجماع على قبح إرادة القبيح فالقدر المتيقن ما لو نوى المعصية ثمّ رجع وتاب عنها لا مع الاستمرار على نيّتها ولذا قد ورد في الأخبار تعليل خلود الكفار في النار بعزمهم على الكفر ما داموا أحياء وبه يجمع بينه وبينما دلّ على العفو مطلقا ولكنك خبير بأنّ المناط في استحقاق العقاب عند العقل هو ارتكاب نفس الحرام أو ترك نفس الواجب من دون مدخلية للمقدمات في ذلك أصلا بل قد قرّرنا في مبحث المقدّمة عدم تعقل ترتب العقاب على مخالفة الواجبات الغيرية أو مدخليتها في ذلك وقولنا مع أن لنا أن نمنع فيه أن استحقاق العقاب مع استمرار النية غير مضرّ فيما نحن فيه بعد فرض عدم مدخلية إيجاد بعض المقدّمات فيه لأن المقصود في المقام عدم استحقاق العقاب بترك الصّلاة إلى بعض الجهات وإن فرض استحقاقه لأجل استمراره على العزم بترك بعض محتملات الواجب والفرق بينهما واضح لعدم استلزام الثّاني حرمة ترك بعض المحتملات من حيث هو كما هو المدّعى (قوله) وعلى ما ذكرنا فلو إلخ قد ذكرنا تحقيق هذا المطلب في مبحث المقدّمة وبيّنا هناك عدم تعقّل ترتب العقاب على الواجبات الغيريّة سواء كانت تبعية أو أصلية نعم قد ذكرنا هناك وسيجيء أيضا عند بيان شروط العمل بأصالة البراءة أن عقاب ذي المقدّمة مع ترك مقدمته المفضي إلى ترك ذيها إنما يترتب عند تركها وعليه ترتب صحة تكليف الكفار مع غفلة كثير منهم عن دين الإسلام إلاّ في بعض الأحيان كما سيجيء في محلّه إن شاء الله تعالى (قوله) لو انكشف مطابقة ما أتى به إلخ يترتب عليه أنّه لو شكّ في حكم بعض أجزاء الصّلاة أو شرائطها بعد الدخول فيها ولم يعلم بحكم هذا الشكّ ودار أمره بين أمرين كما إذا شكّ في وجوب الجهر أو الإخفات أو نحو ذلك فحينئذ إن بنى حين الشك على أحد الأمرين وعلم به مع العزم على السّؤال عن حكم الواقعة بعد الفراغ والإتيان بالمحتمل الآخر على تقدير عدم صحّة ما بنى عليه أولا صحت صلاته إذا انكشف صحّة ما بنى عليه أولا إما بسؤال المجتهد أو غيره والوجه فيه ما ذكره المصنف رحمه‌الله بقوله لأنّه صلى الصّلاة الواقعية إلى آخر ما ذكره وهذا مع قصور الجاهل واضح وأمّا مع التقصير والالتفات فربّما يشكل بعدم تأتي قصد القربة منه فلا يصحّ له الدخول في الصّلاة مع الشّك في بعض أجزائها أو شرائطها على الوجه المذكور وبالجملة أن المسائل الّتي يندر ابتلاء المكلف بها لا يجب على المكلّف لأجل ندرة وقوعها تعلّمها قبل الدخول في العبادة وحينئذ فلا إشكال في صحة قصد التّقرب منه حين الشّروع فيها ولو مع الجهل والالتفات وأمّا ما يجب تعلمها قبل الشّروع فيها لأجل كثرة الابتلاء بها فربّما يشكل قصد التقرب منه حين الشّروع فيها مع الالتفات نعم لو فرضت الغفلة والذّهول حين الشّروع

٣٥٧

فيها وعرض الشكّ بعده وبنى على السّؤال بعد الفراغ منها على ما عرفت في الجاهل القاصر أمكن القول بالصّحّة حينئذ كما لا يخفى (قوله) لم يسقط الامتثال إلخ لأن مقتضى الشّرطيّة وإن كان سقوط المشروط مع سقوط الشرط إلاّ أنّ قاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور وما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه حاكمة عليه بناء على تأتيها في المركبات العقليّة(قوله) لأنّ فعل الحرام لا يعلم هنا إلخ حاصله أنا لو قلنا بعدم كون العلم الإجمالي منجزا للتكليف بالواقع في الشبهة غير المحصورة في نظر العقلاء فإنّما هو من جهة عدم حصول العلم بارتكاب الحرام حين الارتكاب مع عدم حصر الشّبهة لأنّه إنّما يعلم به بعد ارتكاب الجميع تدريجا فحين ارتكاب كل بعض من المشتبهات يحتمل كون الحرام هو الباقي أو المأتي به وهذا الوجه غير جار فيما كانت الشّبهة وجوبية للقطع بترك الواجب الواقعي في أن ترك جميع المحتملات (قوله) وهل يجوز الاقتصار إلخ لا يذهب عليك أن عنوان الكلام في المقام وإن اختصّ بغير المحصور إلا أنّه يشاركه المحصور أيضا في الحكم إذا قلنا بعدم وجوب الموافقة القطعيّة فيه أيضا فلا بد من تعميم النّزاع في المقام لهما ولا بد قبل الأخذ في المطلوب من بيان أمر وهو أنّ الخلاف في وجوب الميسور من المشتبهات وعدمه إنّما هو فيما لم يبق مقتض لوجوب الاحتياط في المشتبهات الميسورة بعد عدم وجوب الاحتياط بترك جميع أطراف الشبهة وإلاّ فلو فرض وجود العلم الإجمالي فيما تيسر من المشتبهات أيضا مع قطع النّظر عمّا تعسّر منها وجب الاحتياط بالإتيان بما تيسّر منها بلا إشكال كما أنّ مقتضى القاعدة عند انسداد باب العلم هو وجوب الاحتياط بالإتيان بجميع المحتملات سواء كانت مظنونة أم مشكوكة أم موهومة إلاّ أنّ تعسّر هذا الاحتياط قد أحوجنا إلى الاقتصار فيه على سلسلة المظنونات لكونها أولى من غيرها وليس لأحد أن يتوهم وجود الخلاف فيه من حيث وجوب استيعاب جميع المظنونات وعدمه بعد عدم وجوب الاحتياط الكلي لأنّ العلم الإجمالي بوجود واجبات ومحرّمات واقعيّة في سلسلة المظنونات والمشكوكات والموهومات كما أوجب علينا الاحتياط في الجميع كذلك العلم الإجمالي بها في سلسلة المظنونات مع قطع النظر عن غيرها أوجب علينا الاحتياط الكلي في سلسلتها بعد عدم وجوبه مطلقا لأجل العسر أو غيره بخلاف ما نحن فيه على ما عرفت ثمّ إنّ عدم وجوب الموافقة القطعيّة إمّا أن يكون بسبب من المكلّف بالفتح من تعذر الإحاطة بجميع المحتملات أو تعسّرها أو من قبل المكلّف بالكسر لأجل دليل تعبدي على ذلك وعلى الأول إمّا أن يكون ما تعذّر أو تعسّر من المحتملات معيّنا أو غير معيّن كما إذا تعذّرت أو تعسّرت الصّلاة إلى بعض جهات القبلة عند اشتباهها معيّنا أو غير معيّن وعلى الثّاني أيضا لا بدّ أن يفرض الكلام فيما لم يقم دليل على إرادة مرتبة معينة من المحتملات بعد عدم إرادة الجميع وإلا فلا إشكال في وجوب الإتيان بما قام عليه الدّليل فمحلّ الكلام فيه ما قام الدّليل فيه على عدم وجوب الاحتياط الكلي من دون دلالة على وجوب مرتبة معينة منه بل احتمل عدم وجوب شيء منها إلا فيما قام الدّليل على حرمة المخالفة القطعية أو وجوب بعضها أقل أو أكثر كما في مثال اشتباه القبلة بأن يقال إن الإجماع قد انعقد على عدم وجوب ما زادت على أربع صلوات إلى الجهات الأربع لا بمعنى وجوب الأربع خاصّة بل بمعنى عدم وجوب الزّائد عليها وأما هي فلم يدل دليل على وجوبها بالخصوص بل يحتمل كون الواجب بعد عدم وجوب الزّائد عليها هي الواحدة أو الصّلاة إلى جهتين أو ثلاث جهات نعم في رواية خراش دلالة على وجوب الأربع إلى الأربع إلا أنّها لضعفها لا تصلح مستندا في المقام نعم قد انعقد الإجماع على وجوب أصل الصّلاة وأمّا وجوب تحصيل شرطها وهي القبلة في ضمن أربع صلوات أو الاقتصار بما دونها فلا وحينئذ يمكن القول بوجوب واحدة خروجا من مخالفة الإجماع المذكور وعلى كل تقدير فقد عرفت أنّ الأقسام في المقام ثلاثة أمّا القسم الأوّل فمقتضى القاعدة عند وجوب الاحتياط فيه بأن يجب الإتيان بجميع ما تيسر من المحتملات بل مقتضاها جواز المخالفة القطعيّة لاحتمال كون الواجب هو ما تعذّر أو تعسّر فيرجع الشكّ في الباقي إلى الشّك في التكليف فيجوز ترك الجميع إلاّ أن يدعى بناء العقلاء على حرمة المخالفة القطعية فيه كما هو ظاهر المصنف رحمه‌الله حيث فرض الكلام بعد الفراغ منها أو انعقد الإجماع عليها في بعض الموارد فيجب حينئذ إبقاء مقدار الحرام لكي لا يحصل القطع بالمخالفة ولكن صريح المحقق في الشرائع في مسألة القبلة بل المشهور كما ادعاه المصنف رحمه‌الله وغيره هو وجوب الاحتياط على حسب ما أمكن ولعلّ الوجه فيه بناء العقلاء عليه ولعلّ السّر فيه توهم وجود المقتضي وعدم المانع أمّا الأوّل فلفرض تحقق العلم الإجمالي بوجود واجب مردد بين أمور وأمّا الثّاني فإن تعذر البعض الذي يحتمل كونه هو الواجب لا يستلزم إهمال الواقع بالمرة لكونه مرعيّا عند العقل والعقلاء بحسب الإمكان وبالجملة أنّ بناءهم ثابت على مراعاة العلم الإجمالي بحسب الإمكان وإن اختفي علينا السرّ فيه وأمّا ما ذكرت من رجوع الشكّ في الباقي مع عدم وجوب الاحتياط الكلّي إلى الشكّ في التكليف ففيه أن مبنى البراءة والاشتغال إنّما هو على بناء العقلاء وبعد استقرار بنائهم على الاحتياط بحسب الإمكان في المقام فلا جدوى لرجوع الشكّ فيه إلى الشكّ في التكليف دون المكلف به ومن هنا يظهر وجه الفرق بينما نحن فيه ممّا كانت الشّبهة وجوبيّة وبين الشّبهة المحصورة حيث قد عرفت أنّ المشهور هنا بل ظاهر الفقهاء هو وجوب الاحتياط بحسب الإمكان مطلقا وقد فصّل في الشبهة المحصورة بينما كان تعذر بعض أطراف الشبهة سابقا على العلم الإجمالي وبينما كان لاحقا به بالقول بعدم وجوب الاحتياط في الأوّل دون الثّاني وقد تقدم اختيار المصنف رحمه‌الله له في التنبيه الخامس من تنبيهات الشّبهة المحصورة وقد يفرق بينهما بكون أمر الوجوب عندهم أهمّ من الحرمة وقد تقدّم وجه التفصيل المذكور في الشبهة المحصورة هناك وبتذكّر ما ذكره هناك وذكرناه هنا تقدر على استفادة ما أهملنا ذكره هنا فتدبر وستعرف زيادة توضيح لذلك في القسم الثالث وممّا ذكرناه يظهر الكلام في القسم الثّاني أيضا وظاهر المصنف رحمه‌الله تحقّق بناء العقلاء على الاحتياط بحسب الإمكان هنا دون سابقه ولذا تمسّك بأصالة البراءة في الأوّل دون الثّاني ولعلّ السّر فيه أنّ الرّخصة في البعض غير المعين يفهم منها عرفا جعل الباقي بدلا من المكلف به الواقعي وفي البعض المعيّن يفهم رفع اليد عن الواقع ومع الشك يرجع إلى أصالة البراءة فالفارق إمّا هو العرف مطلقا أو بضميمة الأصل والعمدة في أمثال المقام ثبوت بناء العقلاء على وجه يكشف عن ثبوت ما بنوا عليه في الواقع أو عن تقرير

٣٥٨

المعصوم عليه‌السلام كما هو مناط اعتباره فافهم وأمّا القسم الثالث فيمكن القول فيه بعدم وجوب الاحتياط بالإتيان بجميع ما عدا المرخص فيه بل بجواز المخالفة القطعيّة إلا أن يدعى بناء العقلاء مطلقا أو الإجماع في بعض الموارد على عدم جوازها كما تقدم لأنّ رخصة الشّارع في ترك بعض المقدّمات العلميّة لا يجتمع مع إرادته للواقع من المكلّف فهو دليل عدم مطلوبيّة الواقع على ما هو عليه ولا يتأتى هنا التفصيل المتقدّم في القسم الثّاني بين الرّخصة في البعض المعين وغيره لأن رخصة الشّارع ابتداء في ترك بعض المقدمات العلمية معيّنا كان أو غير معين دليل عرفا على عدم إرادته للواقع بخلاف ما لو كانت الرّخصة بسبب من المكلّف بالفتح على ما عرفت وأمّا احتمال وجوب الاحتياط بالإتيان بمرتبة معينة من المحتملات كالصّلاة إلى أربع جهات أو أقل منها فالأصل ينفيه كما عرفته في القسم الأوّل غاية الأمر حرمة المخالفة القطعيّة في المثال المتقدّم للإجماع فيقتصر فيه على الإتيان بصلاة واحدة خروجا من مخالفة الإجماع ولا دليل على ما زاد عليه فإن قلت إذا دخل الوقت وتمكن المكلّف من الصّلاة إلى القبلة مع معرفتها تفصيلا ثمّ اشتبهت عليه القبلة وعجز عن الصّلاة إلى بعض جهاتها معيّنة أو غير معيّنة لمرض أو غيره فمقتضى استصحاب الشغل أو بقاء الأمر الأوّل المنجز في حال التمكن هو وجوب الاحتياط الكلي وما دلّ على عدم وجوب ذلك لا ينفي وجوب ما أمكن من المحتملات فيجب الاحتياط بما لم ينعقد الإجماع على خلافه كالصّلوات الأربع في المثال المتقدّم استصحابا لما ثبت أوّلا إلى أن يثبت الرّافع وهو في المثال المتقدّم هي الصّلاة إلى أربع جهات دون الأقل منها وإذا ثبت وجوب الاحتياط هنا ثبت فيما هو اشتبه الواجب فيه من أوّل الأمر بالإجماع المركّب لا يقال يمكن قلب الإجماع لأنّه إذا ثبت عدم وجوب الاحتياط فيما اشتبه الواجب فيه من أوّل الأمر ثبت في غيره أيضا بالإجماع المركب لأنا نقول ضميمة الإجماع في الصّورة الأولى وهي الاستصحاب أقوى من ضميمته في الثانية وهي أصالة البراءة قلت إنّ هذه الاستصحابات غير معتبرة على القول الحق وإن كان خلاف ظاهر المشهور لتغير موضوعها لأن ثبوت التكليف في الحالة الأولى إنّما هو في حال العلم والتمكن من الإطاعة التفصيلية وفي الحالة اللاّحقة إنّما هو في حال الجهل وعدم التمكّن نعم يمكن إثبات وجوب الاحتياط في هذا القسم أيضا بوجهين آخرين أحدهما قاعدة الاشتغال لا استصحابه حتّى يمنع بما تقدم بتقريب أن يقال إذا ثبت وجوب إطاعة الواقع في حال العلم والتمكن من الإطاعة التفصيلية ثبت وجوب تحصيل القطع بالواقع في حال الجهل أيضا لأنّ الشغل اليقيني يقتضي البراءة اليقينية غاية الأمر أنّ الإجماع على عدم وجوب الاحتياط الكلي أحوجنا إلى الاقتصار في مقام الامتثال على الإتيان بما لم ينعقد الإجماع على خلافه لعدم حصول اليقين بالبراءة إلاّ بذلك ويتم المطلوب بضميمة الإجماع كما تقدّم وثانيهما استفادة ذلك من مجموع الخطابات الشرعيّة بعد ما قرّر في محلّ آخر من كون العلم الإجمالي كالتّفصيلي طريقا اضطراريّا غير قابل لجعل الشّارع والتصرف فيه إلا برفع اليد عن الواقع نعم قد يفرق بينهما بصلوح العلم الإجمالي لجعل بعض أطرافه بدلا من الواقع بخلاف العلم التفصيلي كما نبّه عليه المصنف رحمه‌الله غير مرة فنقول إنّ مقتضى إطلاق ما ورد من الكتاب والسّنة في وجوب الصّلاة واشتراطها بالقبلة هو وجوبها على المكلفين حتى مع اشتباه القبلة ومقتضاه وجوب الاحتياط الكلي إلا أنه بعد ضمه إلى الإجماع على عدم وجوب الاحتياط الكلّي يفيد بدلالة الإشارة على كون بعض أطراف الشّبهة بدلا من الواقع لأنّ مطلوبية الواقع كما هو مقتضى إطلاق الخطابات وعدم وجوب الاحتياط الكلي لا يجتمعان إلاّ بذلك لأن البدل في المثال المتقدّم مثلا إمّا هي الصّلاة إلى أربع جهات للإجماع على عدم وجوب الزائد عليها أو صلاة واحدة مخيّرا في الإتيان بها إلى أيّ جهة أراد فيرجع الشّكّ في جعل البدليّة حينئذ إلى التعيين والتخيير والمرجع فيه هو الاحتياط وإن قلنا بأصالة البراءة عند دوران الأمر بينهما في نفس الأحكام الأوليّة وتمسّك المصنف رحمه‌الله بها في القسم الأوّل ضعيف كما لا يخفى لأن دوران الأمر بينهما هنا إنّما هو في طريق امتثال ما علم إجمالا والمرجع عند الشك في بعض شرائط كيفيّة الامتثال هو الاحتياط وإن قلنا بأصالة البراءة عند الشكّ في الأجزاء والشّرائط كما قرّرناه في محلّ آخر وفاقا للمصنف رحمه‌الله وتوهم سقوط شرطية القبلة عند اشتباهها ضعيف كما نبّه عليه المصنف رحمه‌الله في التنبيه الأوّل تقريبا وتزييفا فراجع (قوله) أو اختياره ما يعلم به إلخ كاختيار ثوب طاهر آخر غير الثوبين المشتبهين وتحقيق هذا المقام قد تقدم عند بيان فروع العلم الإجمالي وسيأتي أيضا عند التعرّض لشروط البراءة والاحتياط كما نبّه عليه (قوله) مبنيان على أنّه هل يجب إلخ توضيحه أنّ اعتبار العلم التفصيلي وتقديمه على العلم الإجمالي يحتمل وجهين أحدهما أن يكون اعتباره لأجل مراعاة نفس الواجب بمعنى كون تقديمه على العلم الإجمالي لأجل تقليل التردد في نية نفس الواجب وتقليل محتملاته في الخارج فإذا صلّى في الثوبين المشتبهين إلى أربع جهات يقع التردّد في انطباق المأتي به للواجب الواقعي من جهتين إحداهما من جهة القبلة والأخرى من جهة الثّوب الطّاهر فإذا تمكن من إزالة هذا التردد مطلقا أو في الجملة وجبت وهذا إذا كان إهمال العلم التفصيلي موجبا لزيادة التردد في الواجب على ما عرفت وأمّا إذا لم يوجب ذلك فلا يجب تحصيله وتقديمه على العلم الإجمالي لانتفاء مناط تقديمه عليه وذلك كالظهر والعصر المرددتين بين القصر والإتمام فإن في كيفيّة امتثالهما وجوها أحدها أن يشرع في محتملات العصر بعد الفراغ من محتملات الظّهر بأن يصلّي الظّهر قصرا وإتماما ثمّ العصر كذلك وثانيها أن يصلّيهما قصرا ثم يصلّيهما إتماما وثالثها أن يصلي الظهر قصرا ثم العصر إتماما وبالعكس أمّا الأوّل فإذا شرع في أحد محتملات العصر كما إذا أتى بها قصرا فالشكّ في انطباق المأتي به للواقع إنّما هو من جهة الشكّ في كون المأمور به في الواقع هو القصر أو الإتمام لا من جهة اشتماله على شرطه الواقعي وهو الترتب على الظهر الواقعية للقطع بحصوله حينئذ وأمّا الثّاني فإذا صلّى العصر قصرا بعد الظّهر كذلك فالشكّ في انطباق المأتي به للواقع وإن وقع من وجهين أحدهما من جهة حصول الشرط وهو الترتب على الظهر الواقعية لأن المكلّف به في الواقع إن كان هو الإتمام لم تكن العصر المأتي بها قصرا مشتملة على هذا الشرط والآخر من جهة احتمال كون المكلّف به في الواقع هو الإتمام دون القصر إلاّ أنّه لا أثر للشكّ من الجهة الأولى لعدم كونه موجبا لزيادة التردّد في الواجب الواقعي زائدا على

٣٥٩

التردّد الحاصل من الجهة الثّانية لأن العصر المقصورة إن كانت مأمورا بها في الواقع فقد وجدت شرطها وهو التّرتّب على الظهر الواقعية وإن لم تكن مأمورا بها فالبطلان حينئذ مستند إلى ذلك لا إلى فقد الشّرط لفرض عدم إجدائه على تقدير عدم كونها مأمورا بها لأن العصر المقصورة إذا وقعت بعد الظّهر التّامّة الواقعية لم يعتد بهذا الترتب لأنّ الترتب إنما يعتبر بين الواجبين واقعا لا بين الواجب واقعا والواجب ظاهرا من باب المقدّمة فالتردّد في انطباقها على الواقع إنّما هو من جهة الشّكّ في كون المكلف به هو القصر أو الإتمام لا من جهة وجدان الشّرط وعدمه لما عرفت من عدم إجداء وجدانه له على تقدير عدم كونها مأمورا بها فلا بدّ من القول بجواز الإتيان بالظهر والعصر مقصورتين ثم إتيانهما تامتين على القول بوجوب تقديم الإطاعة التّفصيلية على الإجمالية مهما أمكن وقد يقال أيضا في وجهه أن المقصود من اشتراط ترتب العصر على الظّهر إن كان ترتب العصر الواقعية على الظهر الواقعية فهو حاصل بالفرض وإن كان ترتب العصر الظاهريّة أعني ما ثبت وجوبه من باب المقدّمة العلمية على الظهر الظّاهرية فهو أيضا حاصل وإن كان ترتب العصر الظاهريّة على الظّهر الواقعية فهو ممنوع لأنّ ظاهر الأدلة هو اعتبار التّرتب بين الواجبين واقعا كما صرّح به المصنّف رحمه‌الله فإن قلت إنّه قد ادعى بعضهم الإجماع على تقدّم الإطاعة التّفصيليّة على الإجماليّة والعلم بحصول الترتب تفصيلا لا يحصل إلا بالإتيان بجميع محتملات الظّهر أوّلا قلت إنّ مورد الإجماع كما تقدّم في صدر الكتاب إنّما هو في ما كانت الإطاعة الإجماليّة موجبة لتكرار العمل وهو هنا غير حاصل بالفرض وأنت خبير بأن الشرط على القول بتقدّم الإطاعة التّفصيلية على الإجمالية هو ترتب العصر الواقعية على الظهر الواقعية مع العلم بالترتب حين العمل لا بعد الفراغ منه وهو لا يحصل إلاّ بالدّخول في محتملات العصر بعد الفراغ من محتملات الظّهر وأمّا الثالث فلا ريب في عدم كفايته في المقام وثانيهما أن يكون اعتباره لأجل مراعاة نفس الخصوصيّة المشكوكة في العبادة بمعنى أن يتوقف حصول الامتثال على العلم التفصيلي بخصوصيات العبادة الّتي يمكن تحصيل العلم بها سواء كانت الخصوصيّة المشكوكة مع عدم العلم بها موجبة للتردد في أصل الواجب أم لا كما عرفت تفصيل القول فيه وعرفت أيضا أنّ الخصوصيّة المشكوكة فيما نحن فيه من جهتين إحداهما من جهة الشّكّ في حصول الترتب والأخرى من جهة القصر والإتمام فإن تمكّن من إزالة الشكّ عن الخصوصيتين أو إحداهما اعتبر ذلك في حصول الامتثال (قوله) ومن ذلك يعني من اعتبار الترتّب بين الواجبين واقعا(قوله) لأنّ الترتّب إلخ لأنّ الأثر الشّرعي المرتب على بقاء الشغل أو بقاء الأمر الأوّل هو عدم جواز الإتيان بالعصر الواقعية دون الظّاهريّة لأنّ عدم جواز الإتيان بها إنّما هو من الآثار العقلية لبقاء الأمر الأوّل دون الشّرعيّة وهو واضح والمصحّح للإتيان بها هو الاحتياط الّذي لا تمنع الأصول من العمل به في مواردها(قوله) فيمكن أن يقال إلخ لا يذهب عليك أنّ الشكّ في تحقق الأمر بالعصر بعد الإتيان بأحد محتملات الظهر يتوقف على تسليم مقدّمتين إحداهما أن نقول إنّ الوقت المختصّ بالظّهر هو ما وسع من أوّل الوقت لفعل الظهر مع ما عليه المكلّف من بطوء اللّسان وسرعته وبطوء الحركة في القيام والقعود وسرعتها ونحو ذلك مضافا إلى ما نتوقف عليه من مقدّماتها الوجودية إن لم تكن حاصلة في أوّل الوقت دون المقدمات العلمية وإلاّ كان الوقت المختصّ للظّهر فيما اشتبه الواجب بين القصر والإتمام ما تسع ستّ ركعات مع ما تتوقف عليه من المقدّمات الوجوديّة إن لم تكن حاصلة قبله فإذا أتى بأحد محتملي الظّهر من القصر أو الإتمام يحصل القطع بعدم الأمر بالعصر بعده لفرض بقاء الوقت المختص بالظّهر بعد والأظهر اختصاص الوقت المختصّ بما ذكرناه أوّلا ولذا لو أتى بأحد محتملي الظّهر ثمّ غفل عن محتملها الآخر وأتى بأحد محتملي العصر وانكشف مطابقتهما للواقع أجزأ ذلك عن التكليف المعلوم إجمالا بلا إشكال ولو كان المختص بها متسعا لما يسعها ومقدّماتها الوجودية والعلميّة فلا بد أن لا تجزي العصر في هذا الفرض عن الواقع لوقوعها في الوقت المختصّ بالظهر بالفرض الثانية أن يكون المأتي به من محتملي الظّهر هو القصر دون الإتمام وإلا حصل القطع بتحقق الأمر بالعصر المأتي بها بعد الظّهر التامّة(قوله) إنما تقتضي عدم إلخ لا يخفى أنّ نسبة عدم مشروعية الدّخول فيما ذكره إلى الأصل لا يخلو من مسامحة إذ عدم مشروعية الدّخول حينئذ لأجل العلم ببطلان المأتي به من محتملات العصر تفصيلا لبطلانه حينئذ إمّا من جهة عدم الأمر بالظّهر وإمّا من جهة عدم حصول الترتب لكن الظاهر أن المقصود بيان عدم تمامية ما ذكره الخصم من عدم مشروعيّة الدخول إلا فيما ذكره والمقصود أنّ مقتضى الأصل لا يتم إلاّ في هذه الصّورة وإن كان عدم المشروعية مستندا إلى العلم دون الأصل (قوله) على تقدير عدم الأمر إلخ متعلق بقوله تحتمله يعني أنّ أصالة عدم الأمر بالعصر إنّما تقتضي عدم مشروعيّة الدخول في العصر الواقعيّة ومحتملاتها الّتي كان احتمالها لها على تقدير عدم الأمر بها واقعا لأنّه إذا صلّى العصر إلى غير الجهة الّتي صلّى الظّهر إليها فتكون العصر المأتي بها على خلاف جهتها محتملة لأن تكون مأمورا بها في الواقع إنّما هو على تقدير عدم الأمر بالعصر المأتي بها على خلاف جهة الظّهر لأنّها إن كانت عصرا واقعية فهي غير مأمور بها لعدم ترتبها على الظّهر الواقعية وكذلك فيما لو صلّى الظّهر مقصورة والعصر تماما أو بالعكس وأمّا لو صلاهما إلى جهة واحدة أو تامتين أو مقصورتين فأصالة عدم الأمر بالعصر لا تقتضي عدم مشروعيّة الدّخول في بعض محتملاتها لأنّ الإتيان به حينئذ إنّما هو لأجل احتمال الأمر بها والأصول لا تمنع العمل بالاحتياط في مواردها (قوله) بين الأقلّ والأكثر إلخ يعني الارتباطيين منهما لما أسلفناه في الحواشي السّابقة من خروج الاستقلاليين منهما من مسائل الشكّ في المكلّف به (قوله) أو جزء ذهني إلخ مرجع الشّكّ فيه إلى الشّكّ في الشّرطيّة وتسميته جزءا إنّما هي باعتبار دخول التقييد في المقيّد وإن كان نفس القيد خارجا منه (قوله) فيرجع اعتبار ذلك إلخ لا يذهب عليك أنّ الكلام في هذا القسم إنّما هو فيما لو كان الشّكّ في شرطية القيد المنتزع وبيان الأصل في ذلك وأمّا لو كان الشّكّ في جزئية شيء للأمر الخارج المنتزع منه أو شرطيّته بعد تسليم أصل الشّرطيّة كما إذا شكّ في جزئية شيء أو شرطيّته للوضوء أو الغسل أو التيمّم فالظاهر خروجه من محل الكلام إذ لا ملازمة بين القول بالبراءة عند الشّكّ في الأجزاء والشّرائط والقول بها فيما ذكرناه

٣٦٠