أوثق الوسائل في شرح الرسائل

ميرزا موسى التبريزي

أوثق الوسائل في شرح الرسائل

المؤلف:

ميرزا موسى التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات كتبي نجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٦

في المستحبّات بل هو غير حجّة وغير معتنى به مطلقا ولا يجوز الركون إليه في حكم من الأحكام وإنّما الكلام في مسألة فرعيّة وهي استحباب كلّ فعل بلغ الثّواب عليه فالخبر الضّعيف ليس دليلا على الحكم وإنّما هو محقق لموضوعه نظير يد المسلم واحتمال طهارة ما لم يعلم نجاسته فكما أنّ الدّليل في ملكية كلّ ما في يد المسلم وطهارة مجهول النّجاسة نفس أدلة اليد وأصالة الطّهارة فكذا الدّليل فيما نحن فيه على استحباب الفعل هذه الأخبار الصّحيحة لا الخبر الضعيف ليكون هذه الأخبار أدلة حجيّة الخبر الضعيف أقول وهذا الكلام لا يخلو عن مناقشة بل منع أمّا أولا فلأنّه مخالف لعنوان المسألة في معقد الشهرة والإجماعات المحكية بقولهم يتسامح في أدلّة السّنن فإنّ الظّاهر منه العمل بالخبر الضعيف في السّنن وهكذا قولهم في الفقه يستحب كذا للرواية الفلانيّة فيريدون الاستحباب الواقعي الذي هو مدلول الرّواية الضعيفة وقد تراهم يحسبون مستحبات كثيرة كالوضوءات والأفعال المستحبة مع أنّ بعضها ثابت بالرّوايات الضعيفة والحال أنّ التأمّل في كلماتهم في الأصول والفقه يوجب القطع بإرادة حجيّة الخبر الضّعيف في المستحبّات وأمّا ثانيا فلان ما ذكر في التعبير عن المسألة باستحباب كل فعل دلّ على استحبابه خبر ضعيف عبارة أخرى عن حجيّة الضعيف في المستحبّات ويجوز مثل هذا التعبير في حجية الخبر الصّحيح أيضا بأن يقال الكلام فيه في وجوب كلّ فعل دل الخبر الصّحيح على وجوبه واستحباب كل فعل دل الخبر باستحبابه وكذا الحرمة والكراهة والإباحة وكذا الأحكام الوضعيّة بناء على كونها أحكاما مستقلّة كما استدلّوا على حجيّة خبر الواحد بأن في ترك الفعل الّذي أخبر بوجوبه مظنة الضّرر ويجب دفع الضّرر المظنون وحاصل هذا يرجع إلى أنّه يجب عقلا كل فعل أخبر بوجوبه ويحرم كلّ ما أخبر بحرمته بل إذا تأمّلت في سائر أدلّة وجوب العمل بالخبر لا تجدها إلا دالة على إنشاء الأحكام الظاهرية المطابقة لمدلول الخبر لموضوعاتها ولا محصّل لجعل الخبر حجّة ومتّبعا إلاّ هذا فإن المراد من تصديق العادل فيما يخبره أو العمل بخبره ليس عقد القلب على صدقه وكونه متبعا بل تطبيق المكلّف عمله أعني حركاته وسكناته على مدلول الخبر وهذا المعنى نفسه مجعول في الخبر الضعيف بالنسبة إلى الاستحباب أترى أن المانع عن التّمسك بالآحاد في المسألة الأصولية يتمسك بخبر الواحد على أنّه يجب كل فعل ذهب المشهور إلى وجوبه ويستحب كلّ ما ذهبوا إلى استحبابه ويحرم كلّ ما ذهبوا إلى تحريمه ويكره كذلك ويباح كذلك أو يقول إنّه يتمسّك بخبر الواحد في مسألة حجيّة الشّهرة هذا مع أنّك إذا تأمّلت لا تكاد ثمرة في فرع من فروع المسألة بين التعبيرين المذكورين فتأمّل وأمّا ثالثا فلأنا لو سلّمنا أنّ الكلام ليس في حجيّة الخبر الضعيف بناء على أنّ الحجّة من الأمور الغير العلميّة عبارة عمّا أمر الشّارع باتباعه وتصديقه والبناء على مطابقة مضمونه للواقع وأخبار التّسامح لم يستفد منها ثبوت هذا الاعتبار للخبر الضعيف بل استفيد استحباب فعل قام على استحبابه خبر ضعيف نظير أدلة وجوب الاحتياط على القول بوجوبه مطلقا أو في الجملة حيث إنها تدلّ على وجوب كل فعل قام فيه احتمال الحرمة أو احتمال كونه هو المكلّف به وأدلة الاستصحاب حيث إنها تدل على ثبوت الحكم السّابق لكل موضوع احتمل فيه بقاء ذلك الحكم فنظير الخبر الضّعيف نظير الاحتمال في مسألتي الاحتياط والاستصحاب في كونه محقّقا لموضوع الحكم الظّاهري لا علامة ودليلا على الحكم الواقعي لكن نقول إنّ هذا لا ينفع في إخراج المسألة عن الأصول غاية الأمر أن يكون نظير مسألتي الاحتياط والاستصحاب وقد صرّح المحقّق في المعارج في جواب من استدلّ على وجوب الاحتياط بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله دع ما يريبك إلى ما لا يريبك بكون مسألة الاحتياط أصوليّة لا تثبت بخبر الواحد وكذا صرّح المحقّق السّبزواري بكون مسألة الاستصحاب أصوليّة لا يجوز التّمسك فيها بالآحاد أترى أنّ هذين المحققين لم يميزا بين المسائل الأصولية والفروعيّة نعم قد خلط بينهما من قاس مسألتنا بمسألة اعتبار اليد وأصالة الطهارة في الأعيان المشكوكة فالتحقيق في الفرق بينهما هو أنّ المسألة الأصولية عبارة عن قاعدة يبنى عليها الفقه أعني معرفة الأحكام الكليّة الصّادرة عن الشّارع ومهدت لذلك فهي بعد إتقانها وفهمها عموما أو خصوصا مرجع للفقيه في الأحكام الفرعيّة الكليّة سواء بحث فيها عن حجيّة شيء أم لا وكلّ قاعدة متعلقة بالعمل ليست كذلك فهي فرعيّة سواء بحث فيها عن حجيّة شيء أم لا ومن خواص المسائل الأصولية أنّها لا تنفع في العمل ما لم ينضم إليها صرف قوة الاجتهاد واستعمال ملكته فلا تفيد المقلّد بخلاف المسائل الفرعيّة فإنّها إذا أتقنها المجتهد على الوجه الّذي استنبطها من الأدلّة جاز إلقاؤها إلى المقلد ليعمل بها وحينئذ فالبحث عن حجيّة خبر الواحد ووجوب الاحتياط والاستصحاب في الأحكام الصّادرة عن الشّارع مسائل أصولية لأن المجتهد بعد ما أتقنها عموما أو خصوصا يرجع إليها في المسائل الفرعيّة ولا تنفع المقلّد لأنّ العمل بها موقوف على ملكة الاجتهاد فكيف يمكن للمقلد أن يعمل بخبر الواحد حيثما وجده مع عدم قوة له يقتدر بها على فهم مدلول الخبر والفحص عن معارضه وكيفية علاج المعارضة بعد العثور على المعارض وكيف يمكن للمقلد إيجاب الاحتياط على نفسه أو الأخذ بالبراءة في المسائل المشكوكة أو الالتزام بالحالة السّابقة فيها مع أنّ جميع ذلك موقوف على صرف ملكة الاجتهاد واستعمال القوة القدسيّة في الفحص عن الأدلة وفهم ما يمكن منها أن يردّ على الأصول المذكورة ويرفع اليد به عنها وذلك واضح والحاصل أنّه لا فرق بين الأصول وبين العمومات اللفظيّة الّتي هي الأدلة للأحكام في أنّه لا يعمل بها إلاّ بعد الفحص وأمّا البحث عن اعتبار اليد وأصالة الطّهارة في الأعيان المشكوكة وحجيّة قول الشّاهدين فهي مسائل فرعيّة فإنّها بعد إتقانها لا يرجع إليها المجتهد عند الشك في الأحكام الكليّة إذ الثّابت بهذه القاعدة الأحكام الجزئيّة الثّابتة للجزئيّات الحقيقية الّتي ليس وظيفة الفقيه البحث عنها بل هو والمقلّد فيها سواء فهي ليست متعلقة للاجتهاد ولا للتقليد وأمّا ما يرى من رجوع الفقهاء في الموارد إلى القواعد مثل قاعدة اللزوم وقاعدة الصّحة ونحوهما فلا يعنون بها الأحكام الفرعيّة المرادة من هذه العمومات بل المراد بها نفس العمومات التي هي القابلة للرّجوع إليها عند الشّكّ وأمّا مدلول هذه العمومات والمستنبط منها بعد الاجتهاد والنّظر في تلك العمومات

٣٠١

ومعارضها وما يصلح أن يخصّصها ونحو ذلك فهي قاعدة لا تنفع إلاّ في العمل وينبغي أن يلقى إلى المقلّد ويكتب في رسائل التّقليد مثلا إذا لاحظ الفقيه قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) واستنبط قاعدة وجوب الوفاء بكلّ العقود أو ببعضها على حسب ما يكشف له بعد ملاحظة المعارضات والمخصّصات أنه مراد الله تعالى من هذا العموم فلا ريب أنّ هذه القاعدة قاعدة عمليّة تلقى إلى المقلّد ولا يصلح أن يكون مرجعا في مسألة وإنّما المرجع في المسألة المشكوك فيها هو العموم الدّال على هذه القاعدة فمعنى الرّجوع إلى هذه القاعدة الرّجوع إلى عموم ما دلّ عليها وهذا بخلاف الرّجوع إلى قاعدة اليقين أو الاحتياط في مقام الشّكّ والتّمسّك بخبر الواحد فإنّ شيئا من ذلك ليس رجوعا إلى عموم قوله عليه‌السلام احتط لدينك ولا بعموم أدلّة حجيّة خبر الواحد إذ لم يقع شك في تخصيص هذه العمومات حتّى يرجع إلى عمومها فتبيّن أنّ حال قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تنقض اليقين مثلا حال أدلة حجيّة خبر الواحد في أنّ المجتهد بعد ما فهم مراد الله سبحانه منها عموما أو خصوصا بأن قطع بالمراد منها يصير مرجعا للأحكام الشرعية عند الشك بخلاف أوفوا بالعقود فإن المرجع في الحقيقة أصالة الحقيقة وعدم التخصيص الثابتة في نفس الأدلة لا في المعنى المراد منها وإن أبيت إلاّ عن أن المرجع في موارد الاستصحاب ليس إلاّ نفس قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين فهو نفس المرجع لا مدلوله منعنا على هذا الوجه كون المرجع في إثبات حكم العقد المشكوك وجوب الوفاء به هي الآية لأنّ الشك في وجوب الوفاء بهذا العقد الخاص راجع إلى الشّكّ في شمول الآية فالدليل في الحقيقة على وجوب الوفاء بما شكّ في شمول الآية له هو ما دلّ على وجوب الحكم بالشّمول في العمومات اللّفظيّة عند الشّكّ في خروج بعض الأفراد وهذا غير جار في الرّجوع إلى لا تنقض في موارد الاستصحاب فتحصّل أن لا تنقض اليقين أبدا في مرتبة فوق مرتبة أوفوا بالعقود فإن اعتبرت الآية مرجعا كان لا تنقض الشّكّ مرجعا وإن كان لا تنقض مرجعا كان دليل اعتبار ظاهر الآية مرجعا في مقام الشّكّ لأنفسها والسّرّ في ذلك أنّ الشّك الموجب للرّجوع إلى لا تنقض غير الشّكّ الموجب للرّجوع إلى عموم الآية فافهم واغتنم إذا عرفت ما ذكرنا ظهر لك أنّ قاعدة التّسامح مسألة أصولية لأنّها بعد إتقانها واستنباط ما هو مراد الشّارع منها في قبال الآخبار المتقدمة فهو شيء يرجع إليه المجتهد في الاستحباب وليس ممّا ينفع المقلّد في شيء لأنّ العمل بها يحتاج إلى إعمال ملكة الاجتهاد وصرف القوّة القدسيّة في استنباط مدلول الخبر والفحص عن معارضة الرّاجح عليه أو المساوي له ونحو ذلك ممّا يحتاج إليه العمل بالخبر الصّحيح فهو نظير مسألة حجيّة خبر الواحد ومسائل الاستصحاب والبراءة والاحتياط في أنّها يرجع إليها المجتهد ولا ينفع المقلّد وإن كانت نفس القاعدة قطعيّة المراد من حيث العموم أو الخصوص وممّا ذكرنا ظهر أنّ إطلاق الرّخصة للمقلّدين في قاعدة التّسامح غير جائز كيف ودلالة الأخبار الضّعيفة غير ضروريّة فقد يظهر منها ما يجب طرحه لمنافاته لدليل معتبر عقلي أو نقلي وقد يعارض الاستصحاب احتمال الحرمة الذي لا يتفطن له المقلّد وقد يخطئ في فهم كيفيّة العمل إلى غير ذلك من الاختلال نعم يمكن أن يرخص له ذلك على وجه خاص يؤمن معه الخطأ كترخيص أدعية كتاب زاد المعاد للعامي الّذي لا يقطع باستحبابها وهو في الحقيقة إنشاء باستحبابها لا إنشاء بالتّسامح ومن جملة ما أورد على تلك الأخبار ما حكي عن جماعة من أنّ مفاد تلك الرّوايات أنّه إذا ورد أنّ في العمل الفلاني ثواب كذا فهي دالّة على أن مقدار الثّواب الّذي أخبر به في العمل الثّابت استحبابه كزيارة عاشوراء يعطاه العامل وإن لم يكن ثواب هذا العمل على ذلك المقدار المروي فهي ساكتة عن ثبوت الثّواب على العمل الّذي أخبر بأصل الثّواب عليه وربّما يجاب عن ذلك بإطلاق الأخبار نعم قوله عليه‌السلام في رواية صفوان المتقدّمة من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمل ظاهر في ما ذكره المورد بل لا يبعد استظهار ذلك من بعض آخر مثل الرّواية الثّانية لمحمّد بن مروان عن أبي جعفر عليه‌السلام كما لا يخفى ولكنه ظهور ضعيف مع أنّ في إطلاق الوافي كفاية والمقيد منها لا يعارض المطلق حتّى يحمل المطلق عليه مع أنّ صريح بعضها الاختصاص بورود الرّواية بأصل الرّجحان والخبرية مثل قوله عليه‌السلام في رواية الإقبال المتقدّمة من بلغه شيء من الخير فعمل به وقوله عليه‌السلام في الرّواية الأولى لهشام من بلغه شيء من الثّواب فعمله فإن الظّاهر من شيء من الثواب بقرينة فعمله هو نفس الفعل المستحب وكذا الرّواية الأولى لمحمّد بن مروان والنبوي العامي ومنها ما قيل من أنّ الرّوايات مختصّة بما ورد فيه الثّواب فلا يشمل ما دلّ على أصل الرّجحان ولو استلزمه الثّواب وأجيب عنه بأن الرجحان يستلزم الثّواب فقد ورد الثّواب ولو بدلالة ما ورد عليه التزاما وفيه أنّ المخبر بأنّ الله تعالى قال افعلوا كذا ليس مخبرا بأنّ الله يثيب عمله إذ الأمر لا يدلّ على ترتب الثّواب على الفعل المأمور به بإحدى الدّلالات نعم العقل يحكم باستحقاق الثواب عليه إلاّ أن يقال إن الإخبار بالطّلب يستلزم عرفا الإخبار بالثّواب والأحسن في الجواب أنّ كثيرا من الأخبار المتقدمة خال عن اعتبار بلوغ الثّواب على العمل مثل رواية ابن طاوس والنبوي وقد عرفت أنّ المراد بالثّواب في أولى روايات هشام وابنه مروان كالمراد بالفضيلة في النبوي هو نفس العمل بعلاقة السّببيّة كما في قوله تعالى وسارعوا إلى مغفرة من ربّكم ومنها أنّ هذه الأخبار معارضة بما دلّ على لزوم طرح خبر الفاسق وجعل احتمال صدقه كالعدم وأجيب عنه بأنّه لا تعارض نظرا إلى أنّ هذه الأخبار لا تدلّ على جواز الرّكون إلى خبر الفاسق وتصديقه وإنّما تدلّ على استحباب ما روى الفاسق استحبابه وفيه أنّ هذا وإن لم يكن تصديقا له إلاّ أن معنى طرح خبر الفاسق جعل احتمال صدقه كالعدم وظاهر هذه الأخبار الاعتناء باحتماله وعدم جعله كالعدم ولهذا لو وقع نظير هذا في خبر الفاسق الدّال على الوجوب لكانت أدلّة طرح خبر الفاسق معارضة له قطعا بل قد عرفت ممّا ذكرنا أنّ هذا في الحقيقة عمل بخبر الفاسق وربّما يجاب أيضا بأنّ النّسبة بينهما عموم من وجه والترجيح مع هذه الأخبار والتّحقيق في الجواب أنّ دليل طرح خبر الفاسق إن كان هو الإجماع فهو في المقام غير ثابت وإن كانت آية النّبإ فهي مختصّة بشهادة تعليلها بالوجوب والتّحريم فلا بد في التعدي عنها من دليل مفقود في المقام ومنها أنّ الإخبار

٣٠٢

بترتب الثواب على العمل المذكور لا يستلزم الاستحباب وأجيب بأن الثواب لا يكون إلاّ فيما يترجّح فعله على تركه وليس المستحب إلاّ ما كان كذلك وجاز تركه وفيه أنّ الثّواب قد يكون على إتيان الشيء لاحتمال كونه محبوبا راجحا وهذا لا يحتاج في ترتب الثّواب إلى رجحان آخر غير الرّجحان المحتمل وقد ذكرنا سابقا أنّ هناك شيئين أحدهما فعل محتمل المطلوبية لداعي احتمال كونه مطلوبا وهو معنى الاحتياط وهذا لا يحتاج في ثبوت الثواب عليه إلى صدور طلبه من الشّارع بل يكفى احتمال كون الفعل مطلوبا مع كون داعي الفاعل هو هذا الاحتمال والثّاني مجرّد إتيان محتمل المطلوبيّة من دون ملاحظة كون الداعي هو الاحتمال وهذا لا يترتب الثواب إلاّ إذا ورد الأمر به شرعا لأن ترتب الثواب لا يكون في فعل إلاّ إذا كان الدّاعي عليه طلبا محقّقا أو محتملا واحتمال الأمر موجود لكنه لم يصر داعيا بالفرض فإذا كان الأمر المحقق غير موجود فلا ثواب فحاصل الإيراد أنّه كما يمكن أن يكون الأخبار محمولة على الوجه الثّاني بأن يكون الشّارع قد طلب بهذه الأخبار مجرّد فعل محتمل المطلوبيّة فيكون إخباره بالثواب عليه كاشفا عن أمره به فيكون هذا الثواب المخبر به بإزاء موافقة الاستحباب الّذي كشف عنه بيان الثّواب كذلك يحتمل أن يكون إخباره هذا بالثواب على الوجه الأوّل ويكون بيانا لما يحكم به العقل من استحقاق العامل لداعي احتمال المطلوب والثواب المرجوّ ولو على فرض مخالفة ما رجاء للواقع فيكون الإخبار مختصّا بما إذا فعل الفعل لداعي احتمال المطلوبيّة بل ربّما يدعى أنّ هذا هو الظاهر من هذه الأخبار مع تفاوتها في مراتب فإن قوله في غير واحد منها ففعله رجاء ذلك الثواب كالصّريح في ذلك وما خلا عن هذا القيد فإنما يستفاد منه كون الدّاعي إلى الفعل احتمال المحبوبيّة من جهة تفريع إتيان الفعل على البلوغ بالفاء الّتي هي ظاهرة في الترتب فإن الفعل لا يترتب على البلوغ ولا تأثير للبلوغ فيه على وجه سوى كون ما يورثه البلوغ من القطع أو الظنّ أو الاحتمال داعيا إلى العمل اللهمّ إلاّ أن يمنع من دلالة الفاء على ما ذكر من السّببيّة والتّأثير بل هي عاطفة على نحو قوله من سمع الأذان فبادر إلى المسجد كان له كذا فالأخبار الخالية عن تعليل الفعل برجاء الثواب غير ظاهرة في مضمون الأخبار المشتملة على التعليل بل هي ظاهرة في ترتب الثواب على نفس الفعل واللاّزم من ذلك كونها مسوقة لبيان استحبابه لما عرفت من أن إتيان محتمل المحبوبيّة بما هو هو لا يوجب الثواب فالأخبار بثبوت الثواب عليه بيان لاستحبابه ويؤيّد ما ذكرنا فهم الأصحاب القائلين بالتّسامح ومنها أنّ هذه الأخبار لو نهضت للدّلالة على استحباب الشيء بمجرّد ورود الرّواية الضعيفة لنهضت للدّلالة على وجوب الشيء بذلك لأنّ الرّواية إذا دلت على الوجوب يؤخذ بها ويحكم بكون الفعل طاعة والمفروض أنّ المستفاد من الرّواية كون طلبه على وجه يمنع من نقيضه فيثبت الوجوب وقد يجاب بأنا لم نعمل بالرّواية الضعيفة حتّى يلزمنا الأخذ بمضمونه وهو الطلب البالغ حدّ الإلزام والمنع من النقيض وإنّما عملنا بالأخبار الدّالة على استحباب ما ورد الرّواية بأنّ فيه الثّواب وهذا منه فيستحب وإن كان واجبا على تقدير صدق الرّواية في الواقع ولا تنافي بين وجوب الشّيء واقعا واستحبابه ظاهرا والأولى في الجواب هو أنا لو قلنا أيضا بحجيّة الخبر الضعيف بهذه الأخبار فإنا نقول بحجيّته في أصل رجحان الفعل دون خصوصيّته من النّدب أو الوجوب فإنّ الواجب فيها التّوقف والرّجوع إلى الأصول العمليّة كأصالة البراءة وكم من حجة شرعية يتبعّض في مضمونها من حيث الأخذ والطّرح وهناك أيضا بعض الاحتمالات التي ذكروها في معنى هذه الأخبار لم نتعرض لذكرها لبعدها وعدم فائدة مهمّة في ردّها وينبغي التنبيه على أمور الأوّل أنّه إذا احتمل الفعل المذكور التحريم احتمالا غير مستند إلى رواية أو فتوى ففيه فإن قلنا بالتّسامح من باب الاحتياط فهو غير متحقّق لأنّ احتمال الحرمة أولى بالمراعاة ولا أقلّ من تساويه مع احتمال الرّجحان في الفعل اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ الّذي لا يتأتى مع احتمال الحرمة هو الاحتياط بمعنى الأخذ بالأوثق وأمّا قاعدة جلب المنفعة المحتملة فتوقفها على عدم احتمال الحرمة محلّ نظر إذ الغرض قد يتعلق بخصوص المنفعة المحتملة في الفعل إلاّ أن يقال إنّ الكلام في الحسن العقلي وحكم العقل باستحقاق من أتى بمحتمل المحبوبيّة رجاء محبوبيّة الثواب والعقل هنا غير حاكم نعم لو فرض كون المحبوبيّة المحتملة على تقدير ثبوتها واقعا أقوى من محبوبيّة الترك المحتملة فالظاهر ترجيح الفعل ومن هنا ربّما يحكم برجحان فعل ما احتمل وجوبه وكراهته وترك ما احتمل حرمته واستحبابه هذا من حيث قوّة المحبوبيّة وأمّا من حيث إن دفع الضّرر أولى من جلب النفع فلا إشكال في ترجيح احتمال لزوم الفعل أو الترك وأمّا بناء على أخبار التّسامح فالظاهر إطلاقها وعدم تقييدها بعدم احتمال الحرمة نعم ما اشتمل منها على التعليل برجاء الثواب ظاهر في صورة عدم احتمال التحريم لكنك قد عرفت أن المعتمد في الاستدلال هو إطلاق غيرها والمطلق هنا لا يحمل على المقيد كما لا يخفى اللهمّ إلاّ أن يدعى انصراف تلك الإطلاقات أيضا إلى غير صورة احتمال التحريم وعلى الإطلاق ففي صورة احتمال الحرمة فيما وردت الرّواية الضعيفة باستحبابه فهنا يتعارض استحباب الفعل لأجل الأخبار واستحباب الترك لأجل قاعدة الاحتياط والظّاهر عدم التعارض بل يحكم بكون كل من الفعل والتّرك مستحبّا ولا ضير في ذلك كما إذا دلّ على استحباب شيء دليل معتبر ودلّ على تحريمه أمارة غير معتبرة كالشّهرة مثلا فإن فعله من حيث هو مستحب وتركه لداعي احتمال مبغوضيته للمولى أيضا محبوب فلم يتوجّه الاستحبابان إلى الفعل المطلق والترك المطلق ثم لو فرض حكم العقل بأن دفع مضرّة التحريم المحتملة أولى من جلب منفعة الاستحباب المقطوع بها قبح حكم الشّارع بطلب محتمل التحريم واستحبابه فلا بد من تقييد الأخبار بما عدا صورة احتمال التحريم الثّاني هل يعتبر في الرّواية الضّعيفة أن يفيد الظنّ أو يكفي فيه أن لا يكون موهوما أو لا يعتبر ذلك أيضا وجوه منشؤها إطلاقات النصوص والفتاوى وإمكان دعوى انصراف النّصوص الّتي هي مستند الفتاوى إلى صورة عدم كون مضمون الرّواية موهوما أو إلى صورة كونه مظنونا والاحتمال الأوسط أوسط الثّالث هي يعتبر فيها أن تكون مدونة في كتب الخاصّة أم لا الأقوى هو الثّاني لإطلاق الأخبار وقد حكي عن بعض منكري التسامح إلزام القائلين به بأنّه يلزمهم أن يعملوا بذلك مع ما ورد من النّهي

٣٠٣

عن الرجوع إليهم وإلى كتبهم وفيه أنّه ليس رجوعا إليهم ومجرّد الرّجوع إلى كتبهم لأخذ روايات الآداب والأخلاق والسّنن ممّا لم يثبت تحريمه الرّابع حكي عن الشّهيد الثّاني في الرّعاية أنّه قال جوّز الأكثر العمل بالخبر الضّعيف في نحو القصص والمواعظ وفضائل الأعمال لا في صفات الله وأحكام الحلال والحرام وهو حسن حيث لم يبلغ الضّعيف حد الوضع والاختلاق انتهى أقول المراد بالعمل بالخبر الضّعيف في القصص والمواعظ هو نقلها واستماعها وضبطها في القلب وترتّب الآثار عليها على ما يتعيّن الواجب والحرام والحاصل أنّ العمل بكل شيء على حسب ذلك الشيء وهذا أمر وجداني لا ينكر ويدخل في القصص حكاية فضائل أهل البيت ومصائبهم صلوات الله عليهم ويدخل في العمل الإخبار بوقوعها من دون نسبة الحكاية على حدّ الإخبار بالأمور الواردة بالطّرق المعتمدة كأن يقال كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يصلّي كذا ويفعل كذا ويبكي كذا ونزل مولانا سيّد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه كذا وكذا ولا يجوز ذلك في الأخبار الكاذبة وإن كان يجوز حكايتها فإنّ حكاية الخبر الكاذب ليس كذبا مع أنّه لا يبعد عدم الجواز إلاّ مع بيان كونها كاذبة ثم إنّ الدّليل على جواز ما ذكرنا من طريق العقل حسن العمل بهذه مع أمن المضرّة فيها على تقدير الكذب وأمّا من طريق النّقل فرواية ابن طاوس ره والنّبوي مضافا إلى إجماع الذّكرى المعتضد بحكاية ذلك عن الأكثر وربّما يؤيد جواز نقل هذه الأخبار جواز ما دلّ على رجحان الإعانة على البرّ والتّقوى وما دلّ على رجحان الإبكاء على سيّد الشّهداء عليه‌السلام وأن من أبكى وجبت له الجنّة وفيه أنّ الإعانة والإبكاء قد قيّد رجحانهما بالإجماع بالسّبب المباح فلا بدّ من ثبوت إباحة السّبب من الخارج حتى يثبت له الاستحباب بواسطة دخوله في أحد العنوانين فلا يمكن إثبات إباحة شيء وعدم تحريمه بأنّه يصير مما يعان به على البرّ ولو كان كذلك لكان لأدلّة الإعانة والإبكاء قوّة المعارضة لما دلّ على تحريم بعض الأشياء كالغناء في المراثي والعمل بالملاهي لإجابة المؤمن ونحو ذلك الخامس أنّه هل يلحق بالرّواية في صيرورته منشأ للتّسامح فتوى الفقيه برجحان عمل أم لا لا إشكال في الإلحاق بناء على الاستناد إلى قاعدة الاحتياط وأمّا على الاستناد إلى الأخبار فالتّحقيق أن يقال إن كان يحتمل استناده في ذلك إلى صدور ذلك من الشّارع أخذ به لصدق البلوغ بإخباره وأمّا إن علم خطاؤه في المستند بأن استند في ذلك إلى رواية لا دلالة فيها فلا يؤخذ به وإن احتمل مطابقته للواقع لأنّ مجرّد احتمال الثّواب غير كاف بمقتضى الأخبار بل لا بدّ من صدق البلوغ عن الله سبحانه أو النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأقل ذلك احتمال صدقه في حكايته والمفروض أنا نعلم بأنّ هذا الرّجل خاطئ في حكايته فهو نظير ما إذا قال الرّجل سمعت عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ في كذا ثوابا كذا مع أنا لم نشك في أنّه سمع رجلا اشتبه عليه برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمّا الاكتفاء بمجرّد احتمال أن يكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ذلك فهو اكتفاء بمجرد الاحتمال ولا يحتاج إلى قيد البلوغ وكذا لو علمنا أنّه استند في ذلك إلى قاعدة عقليّة فإنّ البلوغ منصرف إلى غير ذلك ومن ذلك أن ما حكي من حكم الغزالي باستحقاق الثّواب على فعل مقدّمة الواجب لا يصير منشأ للتّسامح لأنّ الظّاهر عدم استناده في ذلك إلاّ إلى قاعدة عقليّة مثل تحسين العقل للإقدام على تهيئة مقدّمات الواجب ونحو ذلك ومنه يظهر ما في ما ذكره المحقق القمّي رحمه‌الله في القوانين من إمكان كون ذلك منشأ للتّسامح وأضعف من ذلك ما ذكره في حاشية منه على هذا الكلام بأن القول بالاستحباب في مثل المقام يستلزم تسديس الأحكام السّادس أنّ المشهور إلحاق الكراهة بالاستحباب في التّسامح في دليله ولا إشكال فيه بناء على الاستناد إلى قاعدة الاحتياط وأمّا بناء على الاستناد إلى الأخبار فلا بدّ من تنقيح المناط بين الاستحباب والكراهة وإلا فمورد الأخبار ظاهر الاختصاص بالفعل المستحبّ فلا يشمل ترك المكروه إلاّ أن يدعى عموم لفظ الفضائل في النبوي بل عموم لفظ الشيء في غيره للفعل والترك فتأمّل مضافا إلى ظاهر إجماع الذّكرى وصريح اتّفاق الوسائل بل جميع معاقد الاتفاق بناء على أنّ السنة تشمل ترك المكروه مضافا إلى ظهور الإجماع المركب السّابع قيل إن المستفاد من الأخبار هو إعطاء الثّواب لمن بلغه الرّواية بالثّواب فيلزم الاقتصار على مدلولها فإفتاء المجتهد باستحبابه مطلقا مشكل نعم للمجتهد أن يروي الحديث ثم يفتي بأن من عمل بمقتضاه كان الأجر له انتهى بمضمونه وفيه أولا ما عرفت من أن الأخبار المتقدّمة إنما دلّت على جواز العمل بالأخبار الضعيفة في السّنن فالأخبار الضعيفة في مقام الاستحباب بمنزلة الصّحاح وحينئذ فلا بأس بنقل المجتهد لمضمونها وهو الاستحباب المطلق فيكون بلوغ الرواية إلى المجتهد عثورا على مدرك الحكم لا قيدا لموضوعه وثانيا أنّه لو سلمنا عدم دلالة تلك الأخبار إلا على استحباب الفعل في حق من بلغه لا على حجيّة ما بلغ لمن بلغ لكن نقول قد عرفت أنّ أمثال هذه المسائل مسائل أصوليّة ومرجع المجتهد في الأحكام الشرعيّة دون المقلد فالقيود المأخوذة في موضوعاتها إنما تعتبر اتصاف المجتهد بها دون المقلد ألا ترى أن المعتبر في استصحاب الحكم الشّرعي كون المجتهد شاكّا في بقاء الحكم وارتفاعه والمعتبر في الاحتياط كون المجتهد شاكّا في المكلّف به وكذا الكلام في البراءة والتّخيير والسرّ في ذلك أنّ هذه القيود يتوقّف تحقّقها إثباتا ونفيا على مراجعة الأدلّة وبذل الجهد واستفراغ الوسع فيها وذلك وظيفة المجتهد فكأنّه يفعل ذلك كلّه من طرف المقلّد ويسقط الاجتهاد عنه بفعله وهذا بخلاف القواعد الفرعيّة الظاهرية فإنّ القيود المأخوذة في موضوعاتها نظير القيود المأخوذة في الأحكام الواقعيّة كالسّفر والحضر والصّحة والمرض يشترك فيها المجتهد والمقلد فمن دخل في الموضوع ثبت له الحكم ومن خرج فلا كالاستصحاب والاحتياط والبراءة والتخيير في الشّبهة الموضوعيّة في الأمور الخارجيّة وقد عرفت سابقا وستعرف أنّ إثبات بلوغ الثواب على عمل لا يعارضه بلوغ العقاب إذ ثبوته ليس من وظيفة المقلّد وأمّا ثالثا فلأنا لو سلمنا كون بلوغ الثواب قيدا لموضوع الحكم الفرعي بأن يناط الحكم باستحبابه وجودا وعدما بالنّسبة إلى المجتهد والمقلد لكن نقول إنّ إفتاء المجتهد بالاستحباب وإن كان إنشاء بما لم يدلّ عليه دليل الاستحباب لأنّ الفرض اختصاصه

٣٠٤

بمن بلغه الثّواب إلاّ أنّ هذا ممّا لا يترتب عليه مفسدة عملية ولا يوجب وقوع المقلد في خلاف الواقع إذ المقلّد حين العمل يعتمد على فتوى المجتهد فهذه الفتوى محققة لموضوع حكم العقل والنقل فيه باستحقاق الثواب حيث إن المقلّد إنّما يأتي بالفعل رجاء الثّواب وفي هذا الجواب نظر لا يخفى للمتأمل هل يجوز للمقلد أن يعمل بقاعدة التسامح إذا أخذها تقليدا من المجتهد أو حكم عقله بها بناء على الاستناد فيه إلى الاحتياط أم لا الظاهر من بعض الأوّل والتحقيق أنّ قاعدة التسامح كما عرفت سابقا مسألة أصولية يرجع إليها المجتهد في إثبات الاستحباب ودعوى جواز رجوع المقلد إليها إذا أمكنه تشخيص الموضوع بأن يفهم دلالة الرّواية الضّعيفة وسلامتها عن المعارضة ببلوغ الحرمة أو ثبوتها بدليل معتبر ويفهم على تقدير المعارضة ترجيح مدلول أحدهما مع الآخر من حيث قوة الدّلالة أو وجود الجابر إلى غير ذلك معارضة بجواز ذلك في سائر القواعد الأصولية مثل العمل بالأصول في الأحكام الشّرعيّة بل العمل بالأدلّة الشّرعية مثل الكتاب بأن يفهم دلالتها وسلامتها عن المعارض كما لا يخفى فالأقوى عدم جواز رجوع المقلّد إليها إلاّ في طائفة من الموارد الّتي يعلم المجتهد بعدم ثبوت الحرمة فيها وثبوت الأخبار الضعيفة الواضحة الدّلالة بحيث يأمن المجتهد وقوع المقلد في خلاف الواقع لكنّ العمل بالقاعدة حينئذ أيضا جائز بعد تقليد المجتهد في تحقق شروطها وانتفاء موانعها التّاسع إذا وردت رواية ضعيفة بالوجوب أو الحرمة فقد عرفت في أصل المسألة جواز الحكم بالاستحباب والكراهة للأخبار وإن قلنا بدلالتها على العمل بالرّوايات الضعيفة في السّنن لأنّ التبعيض في مدلولات الحجج الظّاهرية أخذا وطرحا ليس يندفع فيحكم في الفعل المذكور بأن فيه أو في تركه رجحانا للأخبار ولا يحكم بثبوت العقاب على خلافه لأصالة البراءة وعدم حجيّة الضعاف في الوجوب والحرمة وكأنّ هذا مقصود الفقهاء وإن أبت عنه ظاهر عباراتهم حيث يقولون بعد ذكر الرّواية الضعيفة الدّالة على الوجوب إن الرّواية ضعيفة تحمل على الاستحباب وحيث إن ظاهر هذا الكلام تفرع الحمل على الاستحباب على ضعف الرّواية طعن عليهم بأن ضعف الرّواية كيف يصير قرينة للحمل على الاستحباب وأنت خبير بأن هذا شيء غير معقول لا يصدر عن غافل فضلا عن الفحول فمرادهم كما عن صريح شارح الدّروس هو أن الحكم بالنسبة إلى الاستحباب وأمّا معنى حمل الرّواية على الاستحباب فهو أن يؤخذ بمضمونه من حيث الثواب دون العقاب فكأن قد ألغيت دلالتها على اللّزوم وعدم جواز التّرك تنزيلا لغير المعتبر منزلة المعدوم العاشر إذا وردت رواية ضعيفة بالاستحباب وورد دليل معتبر على عدم استحبابه ففي جواز الحكم بالاستحباب من جهة الرّواية الضّعيفة وعدمه وجهان بل قولان صرّح بعض مشايخنا بالثّاني لأن الدّليل المعتبر بمنزلة القطعي فلا بد من التزام عدم استحبابه وترتب آثار عدم الاستحباب عليه كما لو قطع بعدم الاستحباب وفيه أن الالتزام بعدم استحبابه ليس إلاّ من جهة ما دل على حجيّة ذلك الدليل المعتبر وهو معارض بالأخبار المتقدّمة وإن سلمنا أنها لا تثبت حجيّة الخبر الضعيف بل مجرّد استحباب فعل ما بلغ عليه الثواب إذ لا مدخل لهذا التعبير في المعارضة فإن معنى حجيّة الخبر الصّحيح تنزيله منزلة الواقع ولا معنى لذلك إلا جعل مضمونه أعني عدم الاستحباب حكما للمكلّف في مرحلة الظّاهر ومضمون تلك الأخبار جعل الاستحباب حكما له في الظاهر وأمّا تنزيل هذا الدّليل المعتبر بمنزلة القطع في عدم جواز العمل بتلك الأخبار في مقابلة فهو ضعيف جدّا لأن الأخبار المتقدّمة من جهة اختصاصها كالفتاوى بغير صورة القطع لا تجري في صورة القطع فكأنّ الشّارع قال إن من بلغه الثّواب على عمل ولم يقطع بكذبه يستحب له ذلك العمل والدّليل المعتبر إنما هو بمنزلة القطع بالنّسبة إلى الأحكام الشرعية المجعولة المتعلقة للقطع لا بالنّسبة إلى الأحكام المترتبة على نفس صفة القطع كيف ولو كان كذلك لم يحسن الاحتياط مع وجود الدّليل المعتبر لأنّه بمنزلة القطعي الذي لا احتياط معه وكذا لو نذر أحد أن يصوم ما دام قاطعا بحياة ولده فزال قطعه بها مع دلالة الدّليل المعتبر كالاستصحاب أو البينة عليها فإنّه لا ينبغي التأمّل في عدم وجوب الصّوم والسّرّ في ذلك كلّه أنّ الشارع نزّل المظنون بالأدلّة المعتبرة منزلة الواقع المقطوع به فيترتب عليه آثار الواقع المحتمل المقابل للمظنون منزلة غير الواقع المقطوع بعدمه لا أنّه نزل صفة الظنّ منزلة صفة القطع ونزل نفس الاحتمال المرجوع منزلة القطع بالعدم فالتنزيلات الشّرعيّة في الأدلة الغير العلمية بالنسبة إلى المدرك لا الإدراك فالتّسامح والاحتياط وعدم وجوب الصّوم في الأمثلة المذكورة تابعة لنفس الاحتمال وعدم القطع لا يرتفع بما دلّ على اعتبار الأدلة الظّنيّة ولذا لا ينكر الاحتياط مع قيام الأدلة المعتبرة والعجب ممّن أنكر التّسامح في المقام مع أنّه تمسّك لإثباته بقاعدة الاحتياط فالتحقيق أنّه لا إشكال في التسامح في المقام من باب الاحتياط بل هو إجماعي ظاهرا وأمّا من باب الأخبار فمقتضى إطلاقها ذلك أيضا إلاّ أن يدّعى انصرافها إلى غير ذلك ولا شاهد عليه فيقع التعارض بين هذه الأخبار وأدلة ذلك الدّليل المعتبر لا نفسه لاختلاف الموضوع ومقتضى القاعدة وإن كان هو التساقط إلاّ أنّ الأمر لما دار بين الاستحباب وغيره وصدق بلوغ الثواب ولو من جهة أخبار بلوغ الثّواب حكم بالاستحباب تسامحا فإن قلت أخبار بلوغ الثّواب لا تعم نفسها قلنا نعم غير معقول إلاّ أنّ المناط فيها منقح فلا يقدح عدم العموم اللّفظي لعدم تعقّله فافهم فالقول بالتسامح قويّ جدّا الحادي عشر إذا ورد رواية ضعيفة بالاستحباب وأخرى بعدمه فلا إشكال في التسامح لأنّ الخبر الضعيف ليس حجّة في عدم الاستحباب فوجوده كعدمه ومنه يعلم أنّه لو كان الدّال على عدم الاستحباب أخصّ مطلقا من الدّال على الاستحباب فلا يحمل هنا المطلق على المقيّد ولا العام على الخاص لأن دلالة الخبر الضّعيف على عدم الاستحباب مطلقا أو في بعض الأفراد كالعدم لا يمنع من التّسامح الثّاني عشر لو ورد رواية ضعيفة بالوجوب أو بالاستحباب وأخرى بالحرمة أو الكراهة فلا إشكال في عدم جريان التسامح من باب الاحتياط كما لا يخفى إلاّ إذا بنينا على ترجيح احتمال الخطر كراهة أو تحريما على احتمال المحبوبيّة وجوبا أو استحبابا وتقديم احتمال اللّزوم فعلا أو تركا على غيره وأمّا من جهة الأخبار فالظّاهر أيضا عدم التسامح لأنّ كلاّ من الفعل والترك قد بلغ الثّواب عليها وظاهر الرّوايات استحباب كلّ من الفعل والترك

٣٠٥

وهو غير ممكن لأن طلب الفعل والترك قبيح لعدم القدرة على الامتثال وصرف الأخبار إلى استحباب أحدهما على وجه التخيير موجب لاستعمال الكلام في الاستحباب العيني والتخييري مع أنّ التخيير بين الفعل والترك في الاستحباب لا محصّل له فتعيّن خروج هذا الفرض عن عموم الأخبار مضافا إلى انصرافها بشهادة العرف إلى غير هذه الصّورة الثالث عشر لو علم استحباب شيء وتردّد بين شيئين فلا إشكال في استحباب المتيقن إذا كان بينهما قدر متيقن ولا فيما إذا جمع بينهما إذا كانا متباينين ولم يكن قدر متيقن وإنما الكلام في استحباب غير المتيقن إذا ورد به رواية ضعيفة أو فتوى فقيه وفي استحباب أحد المتباينين مثال الأوّل ما إذا ورد رواية أو فتوى باستحباب الزّيارة الجامعة ولو مع عدم الغسل وباستحباب النّافلة ولو إلى غير القبلة وزيارة عاشوراء مع فقد بعض الخصوصيات مثال الثّاني ما إذا تردّد المسح المستحبّ بثلاث أصابع بين أن يكون طولا وأن يكون عرضا وكان على كلّ منهما رواية أو فتوى فهل يستحبّ في الاقتصار على أحدهما ثواب من باب التّسامح والكلام قد يقع من باب الاحتياط وقد يقع من باب الأخبار أمّا من باب الاحتياط فالظاهر أن الإتيان بالمتيقّن في الأوّل والجمع بين المحتملين في الثّاني لاستقلال العقل بالفرق بين من لم يتعرض للامتثال رأسا وبين من تعرض له بإتيان المحتمل كما أنّ الإقدام على محتمل المبغوضيّة لا يخلو عن مرجوحيّة وإن لم يجمع بين محتملاته نعم لا يسمّى هذا الاحتياط لأن الاحتياط لغة وعرفا هو إحراز المقصود الواقعي سواء كان دفع ضرر أو جلب منفعة ويعبّر عنه بالأخذ بالأوثق وهو لا يتحقق إلاّ إذا انحصر المحتمل في المأتي بأن لا يكون للواقع محتمل سواه كما في محتمل المطلوبيّة والمبغوضيّة مع عدم العلم الإجمالي ويسمّى بالشك في التكليف أو إذا جمع بين المحتملات كما في الشّكّ في المكلف به مع العلم بالتّكليف وهذان القسمان مشتركان في استحقاق الفاعل ثواب الامتثال القطعي أمّا الثّاني فلأنّه حصل القطع بالامتثال وأمّا الأوّل فلأنّه أيضا حصّل القطع به على فرض ثبوته واقعا وأمّا الاقتصار في القسم الثّاني على أحد المحتملات فهو دون القسمين في الرّجحان ومنع رجحانه لكون اقتصاره على أحد المحتملات كاشفا عن عدم كون الدّاعي له هو تحصيل رضا المولى إذ لو كان هو الدّاعي لدعاه إلى تحصيل اليقين بالجمع بين المحتملات مكابرة للوجدان الحاكم بحسن التعريض للامتثال عكس التعريض للمخالفة وأمّا الكلام في استحباب هذا المحتمل من جهة الأخبار فالتحقيق فيه التفصيل بينما كان من القسم الأوّل وهو الفرد المشكوك وما كان من الثّاني أعني المتباينين فيشمل الأخبار الأوّل دون الثّاني لأنّه إذا وردت رواية بأن مطلق الزّيارة الجامعة فيها كذا فيصدق بلوغ الثّواب على هذا المطلق ومجرّد ورود رواية أخرى على التقييد لا يمنع استحباب المطلق لما عرفت في الأمر الحادي عشر من أنّ المطلق في الأخبار الضعيفة لا يحمل على المقيّد فيها لعدم حجيّة الخبر الضّعيف في نفي الاستحباب بل لو فرض رواية معتبرة على التقييد المستلزم للدّلالة على نفي استحباب ما عدا محلّ القيد فقد عرفت في الأمر العاشر قوة جريان التسامح فيه أيضا وأمّا أحد محتملي المتباينين فهو وإن صدق عليه بعد ورود رواية باستحبابه أنّه ممّا بلغ عليه الثواب إلاّ أنّ المحتمل الآخر أيضا كذلك فإن حكم ثبوت استحبابهما معا فهو خلاف الإجماع وإن حكم باستحباب أحدهما دون الآخر فهو ترجيح بلا مرجّح والتخيير ممّا لا يدل عليه الكلام هذا مع وضوح أنّ الأخبار منصرفة بشهادة فهم العرف إلى الشبهة الابتدائية دون النّاشئة من العلم الإجمالي وأمّا في القسم الأوّل فالمعلوم الإجمالي حيث دار بين المطلق والمقيد فيكون استحباب المقيد قطعيّا ونشك في استحباب المطلق بما هو فيتسامح فيما ورد في استحبابه فتأمّل بقي هنا شيء وهو أنا إنّما حكمنا في القسم الأوّل بمجرّد استحباب الفرد المشكوك وأمّا إثبات كونه امتثالا للكلّي المأمور به المردّد بين المطلق والمقيد بحيث يترتب عليه أحكام ذلك الكلي فلا مثلا إذا ورد الأمر بنوافل الظهر أو صلاة جعفر فشككنا في أنّه يشترط فيهما القبلة أم لا وورد رواية ضعيفة أو فتوى فقيه في عدم اشتراطهما بالقبلة فالفرد المأتي به على خلاف القبلة لا يحكم عليها بأنها صلاة جعفر ولا أن الذي يترتب على نوافل الظهر بل ولا من الأوامر القطعية المتعلقة بمطلق الصّلاة فإنّ استحباب مطلق فعل تلك الأجزاء ولو على خلاف القبلة لا يستلزم الخروج عن عمومات الصّلاة أو خصوصاتها ومنه يظهر أن نية امتثال تلك الأوامر القطعيّة بهذا الفرد المشكوك تشريع محرّم وهذا هو السّرّ في أنهم لا يتسامحون في شروط الماهيات المستحبّة وإجرائها بل يلتزمون فيها بالمتيقن متمسكين بأن العبادات توقيفية كما ذكروا ذلك في جواز النافلة إلى غير القبلة وفي جواز النافلة مضطجعا ومستلقيا في حال الاختيار ونحو ذلك فحاصل معنى التسامح الّذي ذكرنا في هذا المقام أنّه إذا ورد استحباب مطلق وورد استحباب مقيّد فحيث يلزم منه نفي استحباب المطلق فيحكم باستحباب المطلق ولو في ضمن غير المقيد لكن لا يحكم بكونه امتثالا لأمر قطعي ثبت في المقام مردّدا بين المطلق والمقيّد فافهم واغتنم الرّابع عشر قد يجري على لسان بعض المعاصرين التسامح في الدّلالة نظير التّسامح في السّند بأن يكون في الدّليل المعتبر من حيث السّند دلالة ضعيفة فيثبت بها الاستحباب تسامحا وفيه نظر فإنّ الأخبار مختصّة بصورة بلوغ الثّواب وسماعه فلا بد أن يكون البلوغ والسّماع ومع ضعف الدّلالة لا بلوغ ولا سماع نعم قاعدة الاحتياط جارية لكنّها لا تختص بالدّلالة الضعيفة بل تجري في صورة احتمال الدّليل واحتماله للمطلوبيّة الخامس عشر إذا ثبت استحباب شيء بهذه الأخبار فيصير مستحبّا كالمستحبّات الواقعيّة يترتّب عليه من الأحكام التكليفيّة والوضعيّة والمحكي عن الذخيرة أنّه بعد ذكر أنّه يمكن أن يتسامح في أدلة السّنن بالأخبار المذكورة قال لكن لا يخفى أنّ هذا الوجه إنّما يفيد مجرّد ترتب الثواب على ذلك الفعل لا أنّه أمر شرعيّ يترتب عليه الأحكام الوضعيّة المترتبة على الأحكام الواقعيّة انتهى أقول وكأنه حمل الأخبار على عنوان الاحتياط حتّى لا يكون الفعل المحتمل في ذاته محبوبا بل المحبوب هو الفعل مع كون الدّاعي عليه هو احتمال المحبوبية لا الاستحباب القطعي الحاصل من تلك الأخبار فحينئذ فالحق ما ذكره لأنّ الفعل مع قطع النظر عن كون الدّاعي عليه هو رجاء إدراك مطلوب المولى

٣٠٦

ليس مستحبّا لا عقلا ولا شرعا ومع القيد المذكور لم يتعلق به طلب شرعي يكون إتيانه امتثالا لذلك الطلب الشرعي لمّا عرفت مفصّلا من أن الفعل بهذا القيد بذاته موجب لاستحقاق الثّواب لا باعتبار صدور أمر فيه فحينئذ فالأحكام الوضعية المترتبة على المستحبّات لا يترتب عليها لكن قد عرفت أن الأخبار في مقام الاستحباب الشّرعي وجعل المحبوبية من حيث هو هو وحينئذ فهو كأحد المستحبّات الواقعيّة السّادس عشر يجوز العمل بالرّوايات الضعيفة في أفضلية مستحبّ من مستحب آخر أمّا على قاعدة الاحتياط فواضح لأن طلب المزية المحتملة في أحدهما محبوب عقلا وأمّا على الأخبار فلأن مرجع أفضلية أحدهما إلى استحباب تقديم الفاضل على المفضول في الاختيار عند التعارض فيشمله الأخبار مضافا إلى عموم قول الذكرى إنّ أخبار الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم ومن هنا يظهر وجه المسامحة في كراهة العبادات بمعنى قلة الثواب وأمّا لو حملنا الكراهة فيها على مجرّد المرجوحيّة من دون نقص الثّواب بناء على أنّ المكروه من العبادات كالمعيوب الّذي لا ينقص قيمته عن الصحيح كما حكي عن بعض ففيه إشكال ولو حملنا الكراهة على المعنى الاصطلاحي فلا إشكال أيضا في التسامح السّابع عشر هل يجوز التسامح في الرّواية الغير المعتبرة الدّالة على تشخيص مصداق المستحب أو فتوى الفقيه بذلك فإذا ذكر بعض الأصحاب أنّ هودا وصالحا على نبيّنا وآله وعليهما‌السلام مدفونان في هذا المقام المتعارف الآن في وادي السّلام فهل يحكم باستحباب إتيان ذلك المقام لزيارتهما والحضور عندهما أم لا وكذا إذا ورد رواية بدفن رأس مولانا سيّد الشّهداء عليه‌السلام عند أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليهما فهل يستحبّ زيارته بالخصوص أم لا وكذا لو أخبر عدل واحد بكون هذا المكان مسجدا أو مدفنا لنبيّ أو وليّ التحقيق أن يقال بعد عدم الإشكال في الاستحباب العقلي من باب الاحتياط وجلب المنفعة المحتملة إنّ الأخبار وإن كانت ظاهرة في الشبهة الحكميّة أعني ما إذا كان الرّواية مثبتة لنفس الاستحباب لا لموضوعه إلاّ أنّ الظّاهر جريان الحكم في محلّ الكلام بتنقيح المناط إذ من المعلوم أن لا فرق بين أن يعتمد على خبر الشّخص في استحباب العمل الفلاني في هذا المكان كبعض أماكن مسجد الكوفة وبين أن يعتمد عليه في أنّ هذا المكان هو المكان الفلاني الذي علم أنه يستحب فيه العمل الفلاني مضافا إلى إمكان أن يقال إنّ الإخبار بالموضوع مستلزم للإخبار بحكم بل قد يكون الغرض منه هو الإخبار بثبوت الحكم في هذا الموضوع الخاصّ والحاصل أنّ التّسامح أقوى نعم لو ترتب على الخبر المذكور حكم آخر غير الاستحباب فلا يترتب عليه لما عرفت فلو ثبت كيفية خاصة للزيارة من القريب بحيث لا يجوز في البعيد فلا يجوز لأنّ الثابت من الرّواية استحباب حضور هذا المكان لا كون الشّخص مدفونا فيه وكذا يستحب الصّلاة في المكان الذي يقال له المسجد ولا يجب إزالة النجاسة ولا يجوز الاعتكاف فيه إلى غير ذلك ممّا هو واضح من المطالب المتقدّمة الثّامن عشر قد عرفت أنّ حرمة التّشريع لا يزاحم هذا الاستحباب سواء قلنا به من باب الاحتياط أم قلنا به من باب الأخبار لأنّ موضوع التشريع منتف على التقديرين ولكن هذا في التشريع العام وأمّا التّشريع الخاص بأن يحكم الشّارع بعدم مشروعيّة عنوان بالخصوص كأن ينفي الصّوم في السّفر بقوله لا صيام في سفر وقوله ليس من البرّ الصّيام في السّفر ونحو ما دلّ على نفي الوتر في النوافل بمعنى صلاة ركعة واحدة وقوله لا تطوّع في وقت فريضة أو لا صلاة لمن عليه صلاة وقوله لا صلاة إلاّ إلى القبلة فالظّاهر عدم جريان التسامح فيها لا لورود الدّليل المعتبر على عدم استحباب الفعل لما عرفت من أنّ هذا لا يمنع التسامح سيّما على قاعدة الاحتياط وجلب المنفعة المحتملة بل لأنّ المستفاد من هذه الأدلّة الخاصة هو أنّ امتثال مطلقات أوامر هذه العبادات لا يتحقق بدون ذلك الشّرط أو مع ذلك المانع لما عرفت من أنّ الأخبار الضّعيفة لا تبين الماهيّات التوقيفية فالصّائم في السّفر لا يجوز له أن ينوي الصّوم لداعي امتثال أوامره وكذا النافلة في وقت الفريضة أو ممن عليه القضاء التّاسع عشر ظاهر الأصحاب عدم التفصيل في مسألة التسامح بين أن يكون الفعل من ماهية العبادات المركّبة المخترعة وبين أن يكون من غيرها إلاّ أنّ الأستاذ الشريف تغمده الله بغفرانه فصل ومنع التسامح في الأولى والذي بالبال ممّا ذكره لسانا في وجه التفصيل هو أنّ إلى هنا جفّ قلمه الشريف وبلغ كلامه اللّطيف نور الله مرقده المنيف وإنّي شاهدت أمّ النسخ ولكني نسخت هذه النسخة من نسخة مستنسخة من الأصل الحمد لله أوّلا وآخرا وظاهرا وباطنا (قوله) لظهورها في عدم تعيين الشيء إلخ الأولى أن يقال بدله لأنّ مفادها عدم تعيين الشيء ليشمل الدّليل العقلي أيضا إذ لا معنى لدعوى الظّهور بالنّسبة إلى العقل وكيف كان فلا يفيد شيء من أدلّة البراءة نفي الوجوب التخييري من حيث هو وإن أفاد نفي التعيين بالعرض أمّا دليل العقل فلأنّ غايته في باب البراءة هو الحكم بقبح العقاب بلا بيان لا نفي الخطاب الواقعي فإذا شكّ في كون فعل مباحا أو واجبا مخيرا بينه وبين فعل آخر معلوم الوجوب في الجملة وتركه المكلّف فلا يخلو إمّا أن يترك معه الفعل الآخر أيضا أو لا فعلى الأوّل لا معنى لنفي العقاب للعلم به إجمالا لأجل ترك واجب واقعي وإن لم يعلم بجهة العقاب وكذا على الثّاني لا مسرح لحكم العقل فيه للعلم بعد العقاب حينئذ بجواز ترك أحد فردي الواجب المخير مع العلم بوجوبه مع اختيار فرد آخر منهما فضلا عن صورة الشكّ فيه نعم لو تعذر الفرد الآخر الّذي علم بوجوبه إجمالا أمكن نفي وجوب الفرد المشكوك فيه بالأصل إلاّ أنّ المنفي حينئذ هو وجوبه التعييني العارضي المحتمل لأجل تعذر الفرد الآخر لا وجوبه التخييري وهو خارج من محل الكلام وأمّا الأدلة النقلية فلأنّ المنساق منها هو نفي الضيق عن المكلّف في التكاليف المجهولة ولا ريب أنّ نفي وجوب الفرد المشكوك فيه لا يوجب توسعة عليه بل هو موجب للضيق عليه لأجل تعين الإتيان بالفرد الآخر عليه حينئذ بنفي وجوب الفرد المشكوك فيه (قوله) ففي جريان عدم الوجوب إلخ يعني في استصحاب عدم الوجوب تفصيل بالنسبة إلى التخيير العقلي والشّرعي فيجري الأصل في الثّاني دون الأوّل وتوضيحه أنّه إذا شكّ في وجوب فعل بأن دار الأمر فيه بين كونه أحد فردي الواجب المخير وكونه مباحا فهو على وجهين أحدهما أن يعلم إجمالا وجوب فعل ولكن لم يعلم أنّ الواجب هو الكلّي المشترك

٣٠٧

بين الفرد المشكوك فيه وغيره أو خصوص الفرد الآخر الّذي علم وجوبه في الجملة كما إذا ورد الأمر بعتق رقبة وشكّ في أنّ متعلّقه هو الكلّي الذي مقتضاه ثبوت التخيير بين أفراده الّتي منها الفرد المشكوك فيه أعني الكافرة أو هو خصوص المؤمنة حتى يجب عتقها تعيينا وثانيهما أن يعلم وجوب فعل بالخصوص في الجملة ولكن شكّ في كونه واجبا تعيينا بالخصوص أو كونه أحد فردي الواجب المخير فيه شرعا كما إذا ورد أمر بعتق المؤمنة وشكّ في ورود أمر آخر بالكافرة على وجه لو ثبت كان مفيدا للوجوب التّخييري وعلى تقدير عدم ثبوته كان عتق الكافرة مباحا أمّا الأوّل فلا يكن فيه استصحاب عدم وجوب الفرد المشكوك فيه لعدم دخوله في أطراف الشّبهة لأنّ مرجعها حينئذ إلى أنّ الواجب هو الكلّي حتى يجب الفرد المشكوك فيه أيضا بوجوبه أو الفرد الآخر منه فتصير الشّبهة في الفرد المشكوك فيه حينئذ ناشئة من الشّبهة في حكم الكلّي لا فيه نفسه فهو بنفسه ليس موردا للأصل ولا مسرح لنفي وجوب الكلّي أيضا لتثبت به إباحة المشكوك فيه للعلم إجمالا بوجوب أحد الأمرين تعيينا أعني الكلّي والفرد الآخر فليس نفي وجوب أحدهما بأولى من نفي وجوب الآخر فيتعيّن هنا إجراء أصالة عدم اللازم الوضعي لوجوب الفرد المشكوك فيه وهو عدم سقوط ذلك الفرد المتيقّن الوجوب بفعل المشكوك فيه لا أصالة عدم وجوب المشكوك فيه وإن كان مؤدّى كلّ منهما عدم وجوبه وأمّا الثّاني فهو أيضا على قسمين أحدهما أن يعلم كون الفرد المشكوك فيه مسقطا للتّكليف المعلوم إجمالا على تقدير وجوبه في الواقع كما في سائر الواجبات التّخييرية والآخر أن يعلم كونه مسقطا له وإن ثبتت إباحته في الواقع كما في مثال الصّوم والسّفر إذا ورد الأمر بالصّوم في الحضر وشكّ في ورود أمر آخر بالسّفر بحيث لو ثبت أفاد التّخيير بينهما لأنّه على تقدير عدم ثبوته كان مباحا مسقطا لوجوب الصّوم أمّا الأوّل فيمكن فيه إجراء أصالة عدم وجوب الفرد المشكوك فيه للعلم إجمالا بورود الأمر للفرد المتيقّن والشّك في وروده في الفرد الآخر فينفي بالأصل فيه وكذا أصالة عدم اللاّزم الوضعي لوجوب الفرد المشكوك فيه فيثبت بهما وجوب الفرد الآخر تعيينا وأمّا الثّاني فتجري فيه أصالة عدم الحكم التّكليفي خاصة كما هو واضح وقد ظهر ممّا ذكرناه أنّ مقتضى الأصل عند دوران الأمر بين التّعيين والتّخيير سواء كان التخيير عقليّا أم شرعيّا هو التّعيين وظهر أيضا جواز انفكاك استصحاب عدم التّكليف الأزلي عن مورد قاعدة البراءة لما عرفت في الحاشية السّابقة عدم كون شيء من الأقسام المذكورة موردا للقاعدة مع جريان أصالة عدم الوجوب في بعضها على ما عرفت ومن هنا يظهر ضعف ما سمعناه من بعض مشايخنا من دعوى عدم الانفكاك بينهما والكلام في ذلك محرّر في مقام آخر ثم إن فرض دوران الأمر بين التّعيين والتخيير يتصور على وجوه أحدها أن يدور الأمر فيه بين الكلي والفرد وقد عرفت أنّه ليس بمجرى للاستصحاب وثانيها أن يدور الأمر فيه بين تعيين فرد والتّخيير بينه وبين فرد آخر من جهة الاشتباه في كيفيّة إنشاء الشّارع بأن يعلم إجمالا بإنشائه لوجوب الإكرام مثلا ولكن لم يعلم كونه على وجه يختص بزيد على وجه التعيين أو يعمّ زيدا وعمرا على وجه التّخيير وهذا أيضا ليس بمورد للاستصحاب لأنّ مرجع نفي وجوب إكرام عمرو إلى نفي الإنشاء التّخييري وهو ليس بأولى من نفي الإنشاء التّعييني وثالثها أن يعلم إنشاء الشّارع لوجوب إكرام زيد وشكّ في إنشائه لوجوب إكرام عمرو أيضا بإنشاء آخر بحيث لو ثبت ثبت التّخيير بينهما وهذا هو مورد للاستصحاب لكون إنشاء وجوب إكرام أحدهما معلوما والآخر مشكوكا فيه فينفي بالأصل بخلاف القسمين الأوّلين ثم إن حكمنا بالتّعيين أو التّخيير في الأقسام المتقدّمة إنما هو مع عدم إطلاق لفظي يقتضي التّعيين كما إذا كان الحكم المعلوم إجمالا ثابتا بدليل لبيّ كالإجماع أو لفظي مجمل وإلاّ فلو ورد قولنا أكرم زيدا وشكّ في كون المراد وجوب إكرامه تعيينا أو تخييرا بينه وبين إكرام عمرو كان مقتضى الإطلاق ولو بواسطة عدم ذكر القيد وجوب إكرام زيد تعيينا وإن كان الأمر حقيقة في الوجوب التخييري أيضا على المختار إلا أنّ إطلاق الأمر ينصرف إلى التّعيين كما قرّر في محلّ آخر وبقي هنا إشكال وهو أنّ المصنّف قدس‌سره في مسألة الشّكّ في الأجزاء والشّرائط قد ذكر القسم الأوّل والثاني من الأقسام الثّلاثة المذكورة لدوران الأمر بين التّعيين والتّخيير واختار في الأوّل كونه مجرى لأصالة البراءة بمعنى البراءة عن محتمل التّعيين وفي الثّاني كونه مجرى لقاعدة الاحتياط فحكم بوجوب الأخذ بمحتمل التّعيين على نوع تردّد منه في ذلك ولا ريب أن مقتضى الحكم بالبراءة في الأوّل هو الالتزام بثبوت التّخيير بين الفردين ولو عقلا ولازمه تعين كلّ منهما عند تعذّر الآخر وعدم جواز دفع تعينه بالبراءة لأنّ الباقي بعد تعذر أحدهما إن كان هو محتمل التّعيين فهو متعيّن إمّا بالذّات أو بالعرض لأجل تعذّر الآخر وإن كان هو الفرد الآخر فبعد إثبات التّخيير بينه وبين الفرد المتعذّر بأصالة البراءة لا وجه لدفع احتمال تعيّنه بتعذّر الفرد الآخر بأصالة البراءة لفرض كون التعيّن العرضي فيه بمقتضى إثبات التّخيير بينهما بالأصل وحينئذ نقول إن ما اختاره في تلك المسألة من كون ما دار الأمر فيه بين التعيين والتّخيير مجرى للبراءة ينافي ما اختاره هنا من كون الفرد المحتمل للتّعيين العرضي لأجل تعذر الفرد الآخر مجرى لها كما هو واضح ثم إنّ ما اختاره هنا من كون الفرد المحتمل للوجوب التّعييني والتّخييري مجرى لاستصحاب عدم سقوط وجوبه بالإتيان بالفرد الآخر الّذي مقتضاه وجوب الأخذ بمحتمل التّعيين ينافي ما اختاره في تلك المسألة من الحكم بالتّخيير فيما دار الأمر فيه بين التّعيين والتّخيير العقلي بأصالة البراءة لفرض كون أصالة عدم السّقوط مقتضيا للأخذ بمحتمل التّعيين ولكنّك خبير بإمكان منع جريان هذا الأصل في المقام لأنّ المستصحب إن كان هو عدم سقوط الوجوب التعيني فهو غير محرز قبل الإتيان بالفرد الآخر لفرض الشّكّ فيه وإن كان هو عدم سقوط الوجوب المشترك بين التّعيين والتّخيير فأصالة البراءة حاكمة على هذا الأصل لكون الشّكّ في السّقوط مسبّبا عن الشّكّ في الوجوب التّعييني في الفرد المحتمل له فإذا ثبت عدم وجوبه تعيينا وكون المكلّف مخيّرا بينه وبين الفرد الآخر بأصالة البراءة ارتفع الشّك عن سقوطه بالإتيان بالفرد الآخر مضافا إلى أنّه مع الإتيان بالفرد المشكوك

٣٠٨

فيه يحصل الشك في الخروج من عهدة التّكليف المعلوم إجمالا فمقتضى قاعدة الاشتغال هو الإتيان بالفرد الآخر ومعها لا مجرى لاستصحاب عدم السّقوط لحكومتها عليه وإن توافقا في المؤدّى (قوله) ربّما يتخيل إلخ يمكن أن ينتصر لهذا المتخيّل في منع كون الائتمام أحد فردي الواجب المتخيّر بأن ظاهر كلمات الفقهاء حيث حكموا بأنّه يجب تعلم القراءة على من لا يحسنها كما في الشرائع وغيره هو وجوب التّعلم تعيينا كما حكي التّصريح به عن كشف الغطاء لا تخييرا بينه وبين الائتمام وإلاّ فلا بد أن يصرّحوا بالتخيير بينهما وقد ادعى في محكي مطالع الأنوار استفاضة الإجماع على وجوب التعلم وادعى أن ظاهرهم وجوبه تعيينا وإن ذكر بعده أنّه إن ثبت الإجماع عليه وإلاّ فمقتضى الأدلّة كونه تخييرا وقريب منه ما حكاه بعض الأساطين عن مصابيح العلامة الطباطبائي وهذه العبارة إنما يقال فيما كان ظاهر الأصحاب الإجماع عليه ولكن الإنصاف عدم ثبوته وإطلاق الفقهاء لوجوب التعلم الموهم للوجوب التعييني إنّما هو إمّا لأجل معلومية جواز الائتمام كما ذكره بعضهم أو لعدم تمكن أغلب النّاس في أغلب الأوقات سيّما أهل البادية والقرى من الائتمام لا لأجل وجوب التعلم تعيينا كما هو واضح وحينئذ فما استظهره المصنّف قدس‌سره لا يخلو من قوّة وسيجيء تتمة الكلام في ذلك وقد ذكر بعضهم أن الأحوط هو الائتمام وفيه نظر لأن التّعلم إن كان واجبا تعيينا في الواقع كان الأمر به مقتضيا للنّهي عن الائتمام لأنا وإن لم نقل بكون الأمر بالشيء مقتضيا للنّهي عن ضدّه بحسب الاجتهاد إلاّ أنّه محتمل سيّما بعد ذهاب المشهور إليه وهو كاف في نفي موافقة الائتمام للاحتياط نعم يتم ما ذكر مع ضيق الوقت لسقوط وجوب التعلم حينئذ يقينا ولكن هذا في الحقيقة ليس عملا بالاحتياط(قوله) مستحبّا مسقطا بأن لم يتصف الائتمام بالوجوب أصلا بل كان هو أمرا أجنبيّا مسقطا عن التّكليف بالصّلاة كالسّفر بالنسبة إلى الصّوم (قوله) فيدفع وجوبه التّخييري يعني وجوبه التخييري المتعين بتعدد أحد الفردين (قوله) في شرح قول والده إلخ نظر والده إما إلى ما ذكره المصنف رحمه‌الله من كون الائتمام والانفراد مع القراءة من قبيل فردي الواجب المخير فإذا تعذّر الثّاني تعيّن الأوّل وإمّا إلى ما ذكره الفخر من كون الائتمام بدلا اختياريّا والصّلاة مع الإتيان فيها بما يحسن من القراءة مع العجز عنها بدلا اضطراريّا ومع تعذر المبدل وإن لم يتعين أحد البدلين إلا أنّ البدل الاختياري أولى بالتّقديم في الاعتبار لكونه مجعولا في عرض المبدل التامّ الأجزاء بخلاف البدل الاضطراري لكونه مجعولا في طوله وستعرف تتمّة الكلام في ذلك (قوله) لعموم نصين عموم الأوّل من حيث شموله للمتمكن من الجماعة وغيره والثّاني من حيث شموله للعاجز عن القراءة ومقتضاهما جواز صلاة العاجز منفردا ولو مع التمكن من الجماعة(قوله) والمنشأ أن قراءة الإمام إلخ لا يخفى أن ما يحتمله المقام وجوه أحدها أن يكون من قبيل تعذّر أحد فردي الواجب المخير كما عرفته عند شرح قوله في شرح قول والده إلخ وثانيها أن يكون من قبيل دوران الأمر بين البدل الاختياري والاضطراري وقد عرفت هناك أن مقتضاه وجوب تقديم البدل الاختياري لا يقال إن كون البدل الاختياري في عرض المبدل والاضطراري في طوله كما تقدم هناك إنّما يقتضي أولوية تقديمه لا وجوبه إذ الفرض تحقق موضوع الاضطرار لأنا نقول نمنع صدق الاضطرار مع التمكن من البدل الاختياري وثالثها أن يكون من قبيل دوران الأمر بين البدل الاختياري والمبدل النّاقص ففي تقديم الأوّل أو ثبوت التخيير بينهما وجهان ذكرهما المصنف رحمه‌الله في مسائل الشّك في الأجزاء والشرائط عند دوران الأمر بين البدل الاضطراري والمبدّل النّاقص من أن مقتضى البدليّة كونه بدلا عن التام فيقدم على النّاقص ومن أن الناقص حال الاضطرار تام لانتفاء جزئيّة المفقود فيثبت التخيير بينهما كثبوته بين المبدّل والبدل الاختياري ورابعها أن يكون من قبيل دوران الأمر بين المسقطين ولا ترجيح حينئذ كما ذكره فخر الدين وحينئذ لا بد من تحقيق كون قراءة الإمام بدلا أو مسقطة وكذا تحقق كون تعذّر الجزء مسقطا أو كون الصّلاة الفاقدة للجزء بدلا اضطراريا كالتيمّم بالنسبة إلى الوضوء والغسل أو مبدلا أصليا غاية الأمر أن يكون تعلق الأمر به مرتبا على تعذّر الجزء المفقود كما هو ظاهر قول المصنف رحمه‌الله إنّ الناقص حال الاضطرار تام لانتفاء جزئيّة المفقود كما عرفت وليعلم أنّ المنساق من لفظ المسقط في أمثال المقام هو ما كان سببا لسقوط التكليف من دون حصول امتثال للأمر فلا يشمل امتثال الأمر وإن كان سببا لارتفاعه ولا يبعد شموله لمخالفته لكونها سببا للسّقوط اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ المنساق منه ما كان مسقطا للتكليف من دون ترتب عقاب على المكلّف من جهته فتدبّر والظّاهر عدم شموله أيضا للإتيان ببدل المأمور به لأنّه في حكمه ولا لأدائه من دون امتثال كأداء الدّين من دون قصد إطاعة الأمر المتعلق به ومن هنا يظهر كون المسقط مباينا للبدل وكذا الإسقاط للامتثال والأداء نعم الامتثال أخصّ من الأداء مطلقا ثم إنّ الإسقاط تارة يحصل بفعل المكلّف كما إذا أتى بالمكلّف به في حال الذّهول عن الأمر في غير التعبديّات وأخرى بفعل الغير كما إذا وجب عليه تحصيل الماء للوضوء ففاجأه من أتاه به وأيضا قد يحصل بالفعل المباح كما في المثال الأوّل وقد يحصل بالفعل الحرام كما إذا ركب الدابة المغصوبة في طريق الحجّ أو غسل ثوبه النجس بالماء المغصوب إذا وجب غسله للصّلاة وإذا عرفت هذا نقول يمكن أن يستدلّ على كون الائتمام أو قراءة الإمام مسقطا لا بدلا بوجوه أحدها أن ظاهر الفقهاء حيث حكموا بوجوب تعلّم القراءة على من لا يحسنها هو وجوبه تعيينا إذ لو وجب ذلك تخييرا بينه والائتمام لأشاروا إلى ذلك وقد أوضحنا ذلك عند شرح قوله وربّما يتخيّل ولكنا قد أسلفنا هناك ما يزيفه أيضا وثانيها ظاهر خبر إبراهيم بن علي المرافقي وعمر بن الرّبيع البصري المنجبر ضعف سنده كما قيل بالشّهرة المحكيّة أو المحصّلة أنّه سئل جعفر بن محمّد عليهما‌السلام عن القراءة خلف الإمام فقال إذا كنت خلف الإمام وتتولاّه وتثق به فإنّه يجزيك قراءته وإن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت به فإذا جهر فأنصت قال الله تعالى (وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) إذ لو كان الائتمام بدلا عن صلاة الانفراد مع القراءة لم تكن قراءة

٣٠٩

الإمام مجزية عن قراءته بل كان نفس الائتمام بدلا عنها مضافا إلى صراحتها كغيرها من جملة من الأخبار في جواز قراءة المأموم أيضا فلو كان الائتمام بدلا عنها لزم الجمع بين العوض والمعوض ويؤيّده أن الأشهر كما عن المعتبر والدّروس بل المشهور كما في الرّوضة كراهة قراءة المأموم غير المسبوق خلف الإمام المرضيّ في أوليي الفريضة الإخفاتية وثالثها ظاهر الإجماعات المحكيّة صريحا وظاهرا عن جماعة على سقوط القراءة عن المأموم في أوليي الفريضة الإخفاتية ورابعها الأخبار الدّالة على ضمان الإمام القراءة دون غيرها بناء على كون المراد به سقوطها بقراءة كما ادعاه في الجواهر وخامسها ما ذكره في الجواهر في مقام نفي التخيير بين الائتمام وتعلم القراءة لمن لا يحسنها من عدم كون الائتمام من أفعال المكلّف كي يتخير بينهما ضرورة توقفه على ما لا يدخل تحت قدرته مع عدم اطمئنانه بإتمام صلاته جماعة بحيث لا يحتاج فيها إلى القراءة انتهى ولكن الإنصاف أنّ شيئا من هذه الوجوه لا يغني من جوع أمّا الأوّل فلمّا عرفت وأمّا الثّاني فلأنّ الظاهر أنّ المراد بالإجزاء فيه مجرّد عدم وجوب القراءة على المأموم مع قراءة الإمام لوضوح عدم ورود الخبر في مقام بيان بدليّة الائتمام أو كونه مسقطا ومنه يظهر ضعف دلالة الثالث والرّابع أيضا لوضوح ورودهما في مقام بيان عدم وجوب القراءة لا في مقام بيان البدليّة أو الإسقاط وأمّا قضية الجمع بين البدل والمبدل ففيه أن الائتمام بدل عن وجوب القراءة في حال الانفراد في بعض الموارد كما في الأوليين من الفريضة الإخفاتية وعن أصل مشروعيتها في موضع آخر كما في الأوليين من الفريضة الجهرية مع سماع القراءة والأوّل لا ينافي جوازها وأمّا الخامس فيرد عليه أنّ الائتمام لو لم يكن مقدورا للمكلّف لم يرد الأمر به والمقصود من بدليته بدليّة المقدار المقدور منه لا مطلقا نعم يرد ما ذكر على دعوى بدلية قراءة الإمام إن قلنا باعتبار تعلق القدرة بالشيء في بدليته عن المأمور به فتدبّر وحينئذ يتجه ما ذكره المصنف رحمه‌الله من كون صلاة الجماعة أحد فردي الواجب المخير وكونها أفضلهما وحينئذ إن قلنا بكون المبدل الناقص تامّا لأجل انتفاء جزئيّة المفقود كما تقدّم عن المصنف رحمه‌الله ثبت التخيير بينهما وإن قلنا بكونه بدلا اضطراريّا يمكن الحكم بتعين الائتمام لعدم صدق الاضطرار مع التمكن من البدل الاختياري ويحتمل عدمه نظرا إلى تحقق موضوع الاضطرار حقيقة وكذلك إن قلنا بكونه مسقطا لفرض عدم العلم بإسقاطه في محلّ الفرض فالخروج من عهدة التكليف المعلوم إجمالا لا يحصل إلاّ بالايتمام وليس في المقام شيء تطمئن به النفس في تعيين أحد الوجوه المذكورة وما عرفته من المصنف رحمه‌الله من انتفاء جزئية المفقود لا يدل على كون الباقي مأمورا به لاحتمال كون سقوط التكليف به لأجل كونه أمرا أجنبيا مسقطا له أو بدلا اضطراريّا كما هو واضح (قوله) ثم إن الكلام في الشك إلخ اعلم أنّه قد بقي في المقام أمران أحدهما ما أشار إليه المصنف رحمه‌الله من كون الكلام في الشكّ في الوجوب الكفائي نظير الكلام في الشك في الوجوب التخييري فنقول إذا شك في وجوب فعل كفاية أو كونه مباحا لا يمكن نفي وجوبه بأصالة البراءة لما تقدم سابقا وسيجيء أيضا من كون مقتضاها مجرّد نفي العقاب لا نفي الخطاب الواقعي ولا عقاب على ترك الواجب الكفائي مع قيام الغير به نعم لو احتمل تعينه لأجل عدم وجود من تقوم به الكفاية أو لعدم قيامه به مع وجوده أمكن نفي وجوبه العيني العرضي المحتمل حينئذ بها وأمّا أصالة العدم فهي جارية هنا بلا إشكال وعليه لا يجوز للمصلّي ردّ السّلام إلاّ بقصد القرآن أو الدّعاء بناء على جوازه فيها وأمّا أصالة عدم اللازم الوضعي فهي غير جارية بالنسبة إلى المصلّي الشّاك نعم هي جارية بالنسبة إلى غيره ممن قطع بتوجّه خطاب إليه وشك في كون مفاده الوجوب العيني أو الكفائي إذ يصح حينئذ أن يقال إنّ الأصل عدم سقوطه عنه بفعل المصلّي وثانيهما أنّ الأصحّ عدم جريان أصالة البراءة في الواجبات الّتي لا يترتب على مخالفتها عقاب مثل الوجوب التبعي للمقدّمة إن قلنا بعدم ترتبه عليه فلا يمكن نفي وجوبها بالأصل عند الشّكّ فيه كما زعمه جماعة ولا ينافي ذلك ما اخترناه من إجراء البراءة عند الشّكّ في الأجزاء والشّرائط لوضوح الفرق بينهما لأنّ الشّكّ في وجوب المقدّمة إنّما هو بعد إحراز كونها مقدّمة لواجب فلا أثر لنفي وجوبها حينئذ إذ مقدّمات الواجب لا بد من الإتيان بها سواء قلنا بوجوبها أم لا لفرض توقف الواجب عليها بخلاف ما لو شك في أصل الجزئيّة والشرطيّة إذ هذا المعنى قابل لنفيه بالبراءة وإن لم تكن نفس الجزء والشّرط ممّا يترتب عليه عقاب لأن محتمل الجزئيّة إن كان جزءا في الواقع ترتب على تركه ترك الواجب في الواقع فعند تركه يحتمل ترتب العقاب على تركه ولو من جهة إفضائه إلى ترك الواجب وحينئذ يصحّ أن يقال الأصل عدم ترتب عقاب على تركه وإن كان من جهة إفضائه إلى ترك الواجب وسيجيء توضيحه في محلّه إن شاء الله تعالى بخلاف وجوب المقدّمة على ما عرفت نعم لو قلنا بكون مقتضى البراءة رفع التكليف مطلقا سواء كان إلزاميّا مثل الوجوب والحرمة أم غيره كالاستحباب والكراهة أمكن نفي الوجوب التبعي أيضا بالأصل ولكنّه خلاف التحقيق وإن شئت تحقيق المقام وإن كان خارجا من المقصود نقول إنّهم قد اختلفوا في جواز التمسّك بأصالة البراءة في غير التكاليف الإلزاميّة على قولين فقيل بلا وهو المحكي عن المشهور وقيل بنعم وهو المحكي عن بعض كتب العلاّمة وتبعها صاحبا الهداية والفصول والحق هو الأوّل لأن البراءة تارة تفرض بالنسبة إلى الأحكام الواقعيّة وأخرى بالنّسبة إلى الأحكام الظاهريّة أمّا الأوّل فكما في زمن الحضور مع فرض فقد الموانع من قبل المكلّف والمكلّف من تبليغ الأحكام وإيصالها إلى المكلفين لاستقلال العقل حينئذ مع عدم بيان الشّارع بعدم الحكم في الواقع وإن كان هو الاستحباب أو الكراهة لأنّ عدم بيانه له لو فرض وجوده في الواقع ينافى الغرض المقصود من جعل الأحكام وأمر السّفراء بتبليغها وأمّا الثّاني فكما في أمثال زماننا الّذي منعت الحوادث من وصول الأحكام إلينا إذ لا ريب في تبليغ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جميع ما يجب عليه تبليغه من الأحكام إلى أوصيائه المعصومين عليهم‌السلام وهم أيضا لم يقصّروا في تبليغها إلى المكلفين إنّما منعهم من ذلك تغلب الظّالمين ونحن نعلم أنّه لو ارتفعت الموانع لظهرت الحجّة وبيّن الأحكام على ما هي عليه في كلّ ما تحتاج إليه الأمّة ولا ريب أنّه مع

٣١٠

وجود المانع وعدم وصول البيان من الشّارع فالعقل إنما يستقل بقبح العقاب على مخالفة الواقع لو كان فيه ما يوجبه وأمّا دلالته على قبح التّكليف بما لم يوعد العقاب على فعله أو تركه فلا وحينئذ لو فرض في الواقع واجب لا يترتّب على موافقته ثواب ولا على مخالفته عقاب مثل الواجبات التبعيّة المستفاد خطابها من خطاب ذي المقدّمة على القول بها لا يستقل العقل بنفيها عند الشّكّ فيها وكذا الكلام في الاستحباب والكراهة والتمسّك في ذلك بقبح خطاب الجاهل يدفعه حسن الاحتياط يقينا فيجوز للشّارع أن يكتفي من بيان ما لم يوعد عليه بما هو معلوم عند الجاهل من حسن الاحتياط هذا إذا لم يكن الأمر فيه دائرا بين المحذورين كالاستحباب والكراهة وسيجيء حكم الدّوران بينهما في محلّه إن شاء الله تعالى وإذا حققت ذلك فاعلم أنّ الصّورة الأصلية أعني صورة إجراء البراءة بالنسبة إلى زمن الحضور خارجة من محلّ كلام المنازعين في أصالة البراءة لأن مبناها حينئذ على قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ولم يتمسك به أحد في إثبات اعتباره سوى المحقّق القمي رحمه‌الله في بعض كلماته وقد خطأه المصنف رحمه‌الله في بعض كلماته الآتية فمقصودهم منها أنّما هو إجراؤها بالنسبة إلى أمثال زماننا الّتي قد صدر عن الشّارع فيها بيان جميع الأحكام حتّى أرش الخدش إلاّ أنّه منعت الحوادث من وصولها إلينا وقد عرفت أن غاية ما يستقل العقل بنفيه فيها هو مجرّد نفي العقاب وحينئذ نقول إنّ القائل بالبراءة مطلقا سواء كانت في مورد الحكم الإلزامي أم غيره إن أراد إجراءها بالنسبة إلى زمن الحضور فقد عرفت خروجه من محلّ الكلام وإن أراد إجراءها بالنسبة إلى أمثال هذا الزّمان فقد عرفت عدم نهوضها حينئذ لنفي الاستحباب والكراهة (قوله) لم يحتج إليها إلخ لفرض ثبوت أصل الرّجحان الشّرعي فيصح به قصد القربة في العبادات وإن لم يعلم أن رجحانه من جهة وجوبه أو استحبابه في الواقع (قوله) وهنا مقامات إلخ من أنّ مقتضى القاعدة فيما تعارض فيه نصان هل هو التخيير أو التساقط والرّجوع إلى الأصل أو التوقف أو الاحتياط على ما ذكره مستوفي في باب التعادل والترجيح (قوله) فيما نحن فيه إلخ من الشّكّ في التّكليف (قوله) ممّا دل على التّوسعة إلخ فيما تعارض فيه نصّان (قوله) وإن كانت أخصّ منها إلخ لاختصاص دلالتها على التّوسعة والتخيير بصورة عدم إمكان الاحتياط بخلاف أخبار التخيير(قوله) ومنه يظهر عدم جواز إلخ يستفاد منه اشتراط جواز الحكم بالتخيير في تعارض الخبرين من باب الأخبار بالفحص عن الأدلّة كالحكم بالتخيير من باب العقل فيما دار الأمر فيه بين محذورين من دون نص وهو كذلك لوجوب الفحص المعتبر عن المعارض في العمل بالأخبار وعدم كفاية وجدان المعارض في الجملة ثمّ إنّ التمسّك بالصّحيحة مبني على كون موردها من قبيل الأقل والأكثر الاستقلاليين ليرجع إلى الشّكّ في التكليف لا الارتباطيين وإلاّ كان أجنبيّا عمّا نحن فيه اللهمّ إلاّ أن يريد بالمناط ما يشمل ذلك لكن الظّاهر أنّ المقصود منه تعدية حكم ما لا نصّ فيه إلى صورة تعارض النّصين نظرا إلى كون المناط في الأوّل هو الشكّ وعدم العلم بالحكم الواقعي فتدبّر(قوله) التّوقيع المروي إلخ لا يذهب عليك أنه لم يحك عن أحد الفتوى بمضمون التوقيع سوى المفيد حيث حكي عنه في الجواهر القول بمشروعية التّكبير عند القيام من التشهّد الأوّل إلى الرّكعة الثالثة ثم قال وفي الذكرى لا نعلم له مأخذا وحينئذ يكون التوقيع مطروحا بشكل التّمسّك به في المقام اللهمّ إلاّ أن يقال أن طرحه من جهة ما ذكرناه لا يستلزم طرحه من جهة دلالته على التخيير في تعارض الخبرين بناء على جواز التبعيض في السّند كما سيجيء في باب التعادل والترجيح فتدبّر(قوله) يجري هذا المجرى إلخ يعني أنّ القيام من التشهّد أيضا قيام بعد الجلوس من السّجدة الثّانية فتشمله الرّواية الثّانية(قوله) وأراد شموله إلخ بأن كان نصّا في هذا الفرد مثل أن يقع التصريح فيه بجميع حالات الانتقال علي وجه لا يقبل التقليد أو التخصيص (قوله) وكفاية قصد القربة إلخ لا يخفى أنّ الإغراء إنما هو من جهة قصد الوجوب فيما ليس بواجب إذا أخذ بالرّواية الأولى وهو لا يندفع بالقول بكفاية قصد القربة في العمل إذ اللاّزم في المقام هو قصد الخلاف وهو غير جائز على هذا القول أيضا(قوله) والأولويّة القطعيّة لأنّه إذا ثبت التخيير وعدم وجوب الاحتياط في مورد الشّكّ في المكلف به ففي مورد الشّك في التكليف أولى (قوله) مع قطع النّظر عن الأخبار إلخ فلا ينافي المشهور بل المنقول عليه الاتفاق من القول بالتخيير هنا ولكن قد تقدّم في المسألة الأولى تضعيفه لهذا الوجه فراجع مع أن الكلام في المسألتين لو كان مع قطع النّظر عن الأخبار صارت المسألة فرضية وهو بعيد مضافا إلى أنّ لازمه القول بالتخيير مع ملاحظتها وهو مخالف لما يشاهد من عملهم في الفقه كما قيل فالأولى أن يقال إنّ مرجع نزاعهم في تقديم الناقل أو الحاظر إلى النّزاع في كون النقل أو الخطر مرجحا في تعارض الخبرين وعدمه إذ اللاّزم أوّلا في تعارض الخبرين على مذهب المجتهدين هو استعمال الجهد في الفحص عن المرجّحات ثمّ التّرجيح بها إن وجدت وإلاّ فالتخيير فمن قال بتقديم النّاقل أو الخاطر فقد زعم كون ذلك مرجحا عند التعارض وهو لا ينافي القول بالتخيير عند فقد المرجحات كما إذا كان الخبران معا مخالفين للأصل (قوله) يدل عليه جميع إلخ لا يذهب عليك أن المصنف رحمه‌الله قد استدلّ في الشبهات الموضوعيّة التّحريميّة أولا بالأخبار الخاصة بها وثانيا بالكتاب والسّنة المتقدّمين في الشبهة التّحريمية الحكميّة ولا ريب في عدم شمول الأخبار للمقام وهو واضح وأمّا الكتاب فكذلك أيضا لظهور اختصاص الآيات المستدلّ بها على أصالة البراءة بالشبهات الحكميّة وأمّا السّنّة فغاية ما يمكن أن يستدلّ به منها عليه هو حديث الرفع وقوله عليه‌السلام النّاس في سعة ما لا يعلمون لظهور اختصاص غيرها بالشبهات الحكميّة أيضا والعمدة في المقام هو الإجماع حتّى من الأخباريين وأمّا العقل فقد تقدم تقريب الدّلالة فيه في الشبهة الموضوعيّة التّحريميّة فراجع وقد يتوهّم الخلاف في المسألة من صاحب الرّياض قال فيما شك في بلوغ الذّهب والفضّة نصابهما أنّ مقتضى الأدلّة وجوب الزّكاة في النصاب وهو اسم لما كان نصابا في نفس الأمر من غير مدخليّة للعلم به في مفهومه وحينئذ فيجب تحصيل العلم والفحص عن ثبوته وعدمه في نفس الأمر ولو من باب المقدّمة لكن ظاهر كلمة من وفقت عليه من الأصحاب الإطباق على عدم الوجوب هنا فإن تمّ إجماعا وإلاّ فالأحوط الاستعلام أو إخراج ما تيقن معه بعدم اشتغال الذّمّة كما صرّح به بعض متأخري المتأخرين

٣١١

انتهى وفيه أنّه قد صرّح بلا فصل بقوله وإن كان ما ذكروه لا يخلو عن قوّة لإمكان دفع المناقشة بما هنا ليس محلّه انتهى نعم قد فصل هو بينما شك في بلوغه النّصاب وما علم بلوغه إليه وشكّ في الزائد بالقول بالبراءة في الأوّل وبالاحتياط تحصيلا للبراءة اليقينيّة عمّا علم اشتغال الذّمّة به إجمالا في الثّاني حاكيا له عن الشّيخ ومنتهى العلاّمة وجماعة نعم ما نقله عن بعض متأخري المتأخرين صريح في المخالفة بل ما اختاره في المسألة الثّانية أيضا كذلك لكونها من جملة موارد المسألة نظير مثال قضاء الفوائت الّذي ذكره المصنف قدس‌سره وكيف كان فقد يجاب عمّا استدلّ به لبعض متأخري المتأخرين بانصراف الألفاظ مطلقا أو الواردة منها في مقام بيان الأحكام كما قيل إلى المعاني المعلومة وفيه مع منع الانصراف وإن ادعاه المحقق القمي رحمه‌الله في غير المقام أنّ مقتضاه انحصار تعلق الأحكام الواقعيّة بالموضوعات المعلومة فلا معنى للتّمسك حينئذ بالبراءة في الموضوعات المشتبهة للعلم بعدم تعلقها بها حينئذ بحسب نفس الأمر وهو خلاف طريقة المحقّق المذكور وغيره مع أنّ مقتضاه نفي حسن الاحتياط وهو بديهي الفساد فالأولى في الجواب منع كون وضع الألفاظ للمعاني الواقعيّة مقتضيا لوجوب الاحتياط كما قرّره المصنف رحمه‌الله مضافا إلى الإجماع وبعض الأخبار كما قدمناه (قوله) ومن ذلك يعلم إلخ هذا بيان لعدم الفرق في موارد المسألة بين الشبهة البدوية والمشوبة بالعلم الإجمالي إذا كانت الشّبهة فيها راجعة إلى الأقلّ والأكثر الاستقلاليّين مع تضعيف قول المشهور في مسألة قضاء الفوائت (قوله) فله وجه إلخ لحكومة الاستصحاب الموضوعي على أصالة البراءة عن الزّائد المشكوك فيه (قوله) ولم يعلم العدد إلخ كما إذا فاتت الظّهر من أيّام لم يعلم عددها(قوله) وربّما يظهر من بعض المحققين إلخ هو شيخنا البهائي في حاشية المدارك على ما حكي عنه وحاصل الفرق أنّه إذا علم في الزّمان السّابق بفوات مقدار معيّن ولو بالعلم بفوات كل فائتة حين فوتها ثم نسي ذلك المقدار فمقتضى القاعدة هو القضاء حتّى يحصل العلم بالفراغ وأمّا إذا شكّ في مقدار ما فات من غير سبق علم ونسيان منه كما إذا علم إجمالا باشتمال عدّة من صلواته السّابقة على خلل موجب للبطلان ولم يعلم كميّتها وإن لم يعلم بذلك حين العمل فالحكم هنا البراءة من الزّائد على القدر المتيقن وجعل الأمثلة المذكورة من قبيل الثاني دون الأوّل وحاصل ما أجاب به المصنف رحمه‌الله هو منع الفارق بين الصّورتين نظرا إلى أنّ كلّ علم إجماليّ منحلّ إلى علم تفصيليّ وشك بدوي فهو ليس موردا للاحتياط والاشتغال وهذا محصّل ما ذكره سابقا وتوضيح المقام أنّ المكلّف وإن علم بفوات كلّ صلاة فاتت منه حين فوتها ولم يكن النسيان أيضا مسقطا للقضاء لكن الشكّ بعده في عدد الفوائت يسري إلى الزائد على المتيقن فيكون الزّائد عليه مشكوكا من أصله فلا وجه للاستناد إلى الاستصحاب أو قاعدة الاشتغال ولا فرق فيما ذكرناه بينما لو علم بفوات صلاة الظّهر بخصوصها وشك في فوات العصر معها وعدمه وما لو علم بفوات عدد مجهول مردّد ابتداء بين الأقل والأكثر وما لو علم فوات فرائض متعدّدة وعلم بفوات كلّ واحدة عند فواتها ولم يضبطها في عدد بعد فوتها وما لو علم بفوات عدد معين كالعشرة مثلا ثمّ نسي هذا العدد فدار أمره بين الأقلّ والأكثر لرجوع العلم الإجمالي في الجميع إلى علم تفصيلي وشكّ بدوي وإن شئت توضيحه فقسه على مسألة الدّين إذ لا ريب أن من علم أنّه كان عليه دين ونسي مقداره فلا ريب في كون شكّه في الزمان الثّاني ساريا إلى الزّائد على المتيقّن وسيجيء في مبحث الاستصحاب عدم الاعتداد بهذا الشّكّ وعدم كونه موردا للاستصحاب ولا لقاعدة الاشتغال فما يحكى عن بعضهم من التّمسّك بهما في القسم الرّابع لا وجه له ثمّ إنّ ما استظهره المصنف رحمه‌الله من كلام المحقّق المذكور من الفرق بين ما نحن فيه وما ذكره من الأمثلة لا يخلو من إشكال وتوضيحه أن من فاته بعض صلواته ودار الأمر بين الأقل والأكثر لا يخلو إمّا أن تكون المعلومة الفوت صلاة واحدة ويشك في الزّائدة عليها وإمّا أن تكون صلوات متعددة ويشك في الزّائدة عليها وعلى التّقديرين إمّا أن يعلم بكلّ فائتة حين فوتها ثمّ يتردد الأمر بين الأقلّ والأكثر لأجل النسيان من دون سبق علم بعدد مخصوص قبله وإمّا أن يعلم بعد الفوت عدد ما فاته ثمّ يعرض له النسيان وإمّا أن يحصل له العلم الإجمالي بفوات بعض صلواته الدائرة بين الأقلّ والأكثر من دون سبق علم بما فاته لا حين الفوت ولا بعده كما إذا وجد على ثوبه منيّا وعلم بإتيانه ببعض صلواته مع الجنابة إمّا بأن علم بإتيانه بصلاة واحدة معها وشكّ في الزّائدة وإمّا بأن علم بإتيانه بصلوات متعددة معها وشكّ في الزّائدة عليها فالأقسام ستّة وهذه الأقسام آتية أيضا في مسألة الدّين وأكثرها في ما تحمله عن أبويه أو بالإجارة وهو واضح وإذا تحقق هذا نقول إن ظاهر المحقق المذكور هو التفصيل بين أقسام سبق العلم التفصيلي ثمّ عروض النسيان وقسمي عروض العلم الإجمالي ابتداء وحينئذ إن أراد المصنف رحمه‌الله بما نحن فيه ما علم المكلّف بفوات صلوات متعدّدة مع العلم بكلّ واحدة منها حين فوتها أو مع العلم بعددها المخصوص بعد فوتها ثمّ عرض النّسيان فدار الأمر بين الأقل والأكثر يرد عليه مع عدم الدّليل على تخصيص كلمات العلماء بذلك لإطلاق حكمهم بوجوب القضاء حتّى يغلب على ظنّه الوفاء أن ما ذكره المحقّق المذكور لا يصلح فارقا بينما ذكر وما ذكره المصنف رحمه‌الله من الأمثلة لما عرفت من أنّ ما ذكره المحقّق المذكور من التفصيل جار في مثال الدّين وما تحمله من أبويه أو بالإجارة بل في ما لو علم بفوات صلاة واحدة وشك في الزائدة عليها مع إطلاق فتوى العلماء بالبراءة فيها وإن أراد به ما لو حصل العلم الإجمالي ابتداء بفوات صلوات متعددة مع دورانها بين الأقل والأكثر من دون سبق علم تفصيلي يرد عليه مع عدم الشّاهد له أيضا أنّه لا معنى حينئذ للفرق الّذي استظهره من كلام المحقّق المذكور بين ما نحن فيه وما ذكره المصنف رحمه‌الله من الأمثلة لأن المقصود من استظهار هذا الفرق تصحيح قول المشهور بوجوب الاحتياط فيما نحن فيه والمفروض أنّ المحقّق المذكور قد اختار القول بالبراءة في هذا المورد(قوله) يحصل للمكلّف علم إجمالي إلخ بأن علم إجمالا بعروض خلل في بعض صلواته الماضية من دون علم به حين الإتيان بها(قوله) في نظير المقام قد تقدّم عند شرح قوله يدلّ عليه جميع ما تقدّم في الشّبهة الموضوعيّة التحريميّة إلخ حكم جماعة في مسألة الزّكاة بوجوب الاحتياط في نظير

٣١٢

المقام فراجع (قوله) وربّما يوجّه الحكم إلخ يعني حكم المشهور بوجوب القضاء حتى يعلم أو يظنّ الفراغ وحاصله أنّ استصحاب عدم الإتيان بالمشكوك فيه حاكم على أصالة البراءة عنه ولا فرق فيه بين القول بكون القضاء تابعا للأداء أو بأمر جديد لثبوت بقاء الأمر وكذا توجّه الخطاب بقضاء الفوائت بإثبات عدم الإتيان بالأصل ومن هنا احتاج إلى دفع دعوى أنّ الحقّ كون القضاء بأمر جديد لا بالأمر الأوّل وهو في الأدلة معلق على صدق الفوت وهو أمر وجودي مسبوق بالعدم وإثباته بأصالة عدم الإتيان بالمشكوك فيه لا يتمّ إلاّ على القول بالأصول المثبتة ولا نقول بها وحاصل الدّفع هو منع كون القضاء مرتبا على عنوان الفوت في الشّرع بحيث يدور الحكم مدار صدق عنوانه ولذا يجب قضاء الصّوم على الحائض مع عدم صدق عنوان الفوت مع وجود المانع وما ورد من الأمر بقضاء ما فات كما فات مبني على التعبير بالفرد الغالب من حصول ترك المأمور به في وقته مع التمكن منه وإلاّ فالمدار على مجرد عدم الإتيان بالمأمور به لا عليه مع صدق عنوان الفوت فتدبّر عليه (قوله) وأمّا ما دلّ على أن الشكّ إلخ هي حسنة زرارة والفضيل عن أبي جعفر عليه‌السلام قال متى استيقنت أو شككت في وقت صلاة أنّك لم تصلها صلّيتها وإن شككت بعد ما خرج وقت الفوائت فقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شكّ حتّى تستيقن وإن استيقنت فعليك أن تصليها في أيّ حال كنت كما صرّح به في الرّياض وسيجيء ظهور الحسنة في الشّك البدوي فلا تشمل المشوب بالعلم الإجمالي كما في المقام ولكن المصنف رحمه‌الله سيصرّح بمنع هذا الظّهور (قوله) وإن شئت تطبيق إلخ الفرق بين هذا التّوجيه وسابقه أن هذا التّوجيه مبني على منع جريان أصالة البراءة وسابقه على تسليمه وحكومة الاستصحاب الموضوعي عليها وإن شئت قلت إنّ للمستصحب في السّابق هو عدم الإتيان بالمأمور به الّذي يتفرع عليه توجّه الخطاب بالقضاء وهنا بقاء الأمر بالطبيعة وكيف كان فحاصل التّوجيه هو الاستكشاف بالأمر بالقضاء عن كون المراد بالأمر بالأداء في الوقت أمرين أحدهما مطلوبيّة الطبيعة من حيث هي بإرادة مستقلة والآخر مطلوبيّة إيجادها في ضمن فرد خاص كذلك فإذا انتفي الثّاني بقي الأوّل وإذا شك في الإتيان بالفرد تستصحب مطلوبية الطّبيعة وربّما يعضده أنّه لو لا تعدّد المطلوب في الأوامر الموقتة أشكل تكليف الكفار بالقضاء لأنّه إن كان بوصف الكفر فهو تكليف بما لا يطاق وإن كان بعد الإسلام فهو يجب عما قبله فلا يبقى معنى لتكليفهم بالقضاء ولا مناص منه إلاّ بما ذكرناه من تعدّد المطلوب إذ يصحّ حينئذ أن يقال إنّه إذا كان المطلوب بالأمر الموقت أمرين مطلوبية الطبيعة من حيث هي وإيجادها في الوقت فمقتضى الأول بقاء التكليف في خارج الوقت وإن استلزم التكليف بما لا يطاق ولا قبح فيه لأنّ الامتناع إنّما جاء من قبلهم لا من قبل المكلف بالكسر لأنّه كان لهم قبول الإسلام في الوقت والإتيان بالطّبيعة على وجه الصّحة فإذا قصّروا في ذلك وتركوا الامتثال بها فالعقل لا يقبح بقاء التكليف في خارجه بخلاف ما لو قلنا بكون التكليف مقيدا بالوقت وكون القضاء بأمر مستقل إذ تقصيرهم في التكليف الأوّل حينئذ لا يصحّح بقاء التكليف الثّاني كما هو واضح والإنصاف أنّ المقام لا يصفوا عن شوب إشكال وإن زعم المحقق القمي رحمه‌الله كون سوء اختيار المكلّف مصححا للتكليف بالمحال والكلام في ذلك محرر في مقام آخر (قوله) أمّا أولا لا يخفى أنّ هذه الإيرادات الثلاثة مختلفة فالأوّل وارد على التوجيه الأخير خاصّة والأخيران مشتركا الورود عليه وعلى سابقه (قوله) تكليفا مغايرا إلخ المستند فيه ظهور الأمر بالأداء في اتحاد التكليف والأمر بالقضاء في إرادة التكليف المستقل (قوله) بوصف الفوت لا يقال إنّ هذا بظاهره ينافي ما تقدّم من المصنف من كون المراد بالفوت في الأخبار مجرّد الترك لأنّا نقول يتم المطلوب على التقديرين كما هو واضح (قوله) ويؤيّده إلخ يؤيده أيضا وجوه أحدها أن القضاء في مصطلح الفقهاء والأصوليين تدارك ما فات في وقته في خارجه إذ المأتي به في خارج الوقت على ما ذكر في التوجيه لا يكون تداركا لما فات بل عينه لا يقال إنّ هذا اصطلاح متأخر فلا يجوز حمل الأخبار عليه لأنا نقول الظّاهر كونه مأخوذا من إطلاقات القضاء في الأخبار وثانيها أن الظاهر من قوله عليه‌السلام اقض ما فات هو الإتيان بالفعل ثانيا بعد ارتفاع الأمر به وهو لا يصدق مع بقاء الأمر الأوّل وثالثها أنّه على ما ذكر في التوجيه يكون الأمر بالقضاء تأكيدا لما يستفاد من الأمر الأوّل وهو مطلوبيّة الطبيعة من حيث هي وعلى ما ذكره المصنف رحمه‌الله يكون تأسيسا للأمر بالقضاء فمع الشّك في كون إنشاء مطلوبيّة القضاء حين الأمر الأوّل أو حين الأمر الثّاني فالأصل يقتضي تأخره فتدبّر(قوله) خال عن السّند إلخ لا يخفى أنّه مع تسليم العموم يكون القاعدة حاكمة على كلّ من استصحاب عدم الإتيان في الوقت وأصالة بقاء الأمر بالطبيعة وقاعدة الشغل ومنع العموم يظهر من الرّياض عند شرح قول المحقّق ولو فاتته يعني من الفرائض ما لم يحصه قضى حتّى يغلب على ظنه الوفاء قال علي المشهور بل المقطوع به في كلام الأصحاب كما في المدارك وهو مشعر بالإجماع فإن تمّ وإلاّ كان الرّجوع إلى الأصول لازما ومقتضاها القضاء حتى يحصل القطع بالوفاء تحصيلا للبراءة اليقينيّة عمّا تيقن ثبوته في الذّمة مجملا وبه أفتى شيخنا في الروض في بعض الصّور وفاقا للذكرى خلافا لسبطه في المدارك فاستوجه الاكتفاء بقضاء ما تيقن فواته خاصة مطلقا وفاقا لمحتمل التذكرة قال لأصالة البراءة من التكليف بالقضاء مع عدم تيقن الفوات ويؤيده الحسن متى ما استيقنت أو شككت في وقت صلاة أنّك لم تصلّها صلّيتها وإن شككت بعد ما خرج وقت الفوات فقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شيء حتى تستيقن وإن استيقنت فعليك أن تصليها في أيّ حال وفيه نظر لابتناء الأوّل يعني عدم وجوب القضاء لأصالة البراءة على عدم حجيّة الاستصحاب وهو خلاف الصّواب والمتبادر من الثّاني هو الشّكّ في ثبوت أصل القضاء في الذّمة وعدمه ونحن نقول بحكمه الّذي فيه ولكنّه غير ما نحن فيه وهو الشكّ في مقدار القضاء بعد القطع بثبوت أصله في الذّمة واشتغالها به مجملا والفرق بينهما واضح لا يخفى انتهى وأنت خبير بأن المتّجه ما ذكره صاحب المدارك لكون الشكّ في الزّائد على المتيقّن بدويا مندفعا بأصالة البراءة كما حققه المصنف رحمه‌الله وأسلفنا توضيحه ومنه يظهر أيضا فساد

٣١٣

دعوى انصراف الرّواية إلى صورة الشكّ البدوي نعم لا يجري الأصل في صورة دوران الأمر بين المتباينين كالشكّ في أن الفائتة هي الظهر أو العصر لعدم القدر المتيقن في البين حتّى يؤخذ بالمتيقن وينفي المشكوك فيه بالأصل وقال في المدارك إذا توضأ المكلّف وضوءا رافعا للحدث فرضا أو نفلا ثمّ جدّد وضوءا آخر بنيّة النّدب أو الوجوب ثمّ ذكر الإخلال بعضو من إحدى الطّهارتين إلى أن قال وإن اعتبرنا الرّفع أو الاستباحة وقلنا بعدم رفع المجدد وجب إعادتها يعني الطّهارة والصّلاة الواقعة بعد الطّهارتين لإمكان أن يكون الإخلال من الأولى والثّانية غير مبيحة وقوّى العلاّمة في المنتهي عدم الالتفات إلى هذا الشّكّ مطلقا لاندراجه تحت الشكّ في الوضوء بعد الفراغ ونقله الشّهيد في البيان عن السّيّد جمال الدّين بن طاوس رحمه‌الله واستوجهه ويمكن الفرق بين الصّورتين بأنّ اليقين هنا حاصل بالتّرك وإنما حصل الشّكّ في موضوعه بخلاف الشّك بعد الفراغ فإنّه لا يقين فيه بوجه والمتبادر من الأخبار المتضمّنة لعدم الالتفات إلى الشّكّ في الوضوء بعد الفراغ هو الوضوء الّذي حصل الشّكّ فيه بعد الفراغ منه فتأمّل انتهى وهو وإن كان منظورا فيه إلاّ أنّه أولى ممّا ذكره صاحب الرّياض لأنّ اليقين ببطلان إحدى الطّهارتين حاصل وليس هنا قدر متيقن يؤخذ به وينفي الزّائد المشكوك فيه بالأصل أو بقاعدة الفراغ من الوضوء بخلاف ما نحن فيه لأن القدر المتيقّن فيه حاصل والزّائد المشكوك فيه منفي بالأصل وأمّا وجه النّظر فيما ذكره صاحب المدارك فهو ما قرّر في محلّه من أن العلم الإجمالي في الشّبهة المحصورة إنّما يفيد وجوب الاحتياط إذا ترتب على الوضوء المجدّد فإجراء قاعدة الشّكّ بعد الفراغ بالنسبة إلى طرفي الشّبهة أثر شرعيّ والفرض في المقام عدم ترتب أثر على الوضوء الأصلي لا يعارض إجراءها في المجدّد(قوله) وكما في بعض المقامات كما إذا كان الشّكّ في التّرك العمدي لا بمثل النّسيان والنّوم ونحوهما(قوله) وأمّا ثالثا إلخ هذا النقض وارد على التّوجيهين أمّا على الأوّل فواضح وأمّا على الثّاني فإنّه يمكن أن يقال أيضا إنّ أمر الشّارع للولي بقضاء ما فات عن أبيه من الصّلوات يكشف عن مطلوبية صدورها في الخارج مطلقا سواء كان من الميّت أم الولي وإن كانت مطلوبيّة صدورها عن الولي مرتّبة على فواتها عن الميّت وإن إتيان الميّت بها في حال حياته مطلوب آخر(قوله) وأضعف منه التمسّك إلخ النصّ هي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له أخبرني عن رجل عليه من صلاة النّوافل ما لا يدري ما هو من كثرتها كيف يصنع قال فليصل حتّى لا يدري كم صلّى من كثرتها فيكون قد قضى بقدر ما عليه من ذلك الخبر وقد استدلّ بها الشّيخ في محكي التّهذيب على استحباب قضاء ما يغلب على الظنّ فواته من النّوافل ووجه الأضعفية مع ابتنائه على ما ذكره المصنف ره قدس‌سره هو عدم دلالتها على وجوب تحصيل الظنّ أو العلم بالفراغ اللهمّ إلاّ أن يكون قوله قضى حتّى لا يدري كم صلّى كناية عن حصول الظنّ لأجل كثرة ما صلّى لكنه كما ترى لا شاهد له مع أن وجه الاستدلال في التعدي عن موردها إلى ما نحن فيه إمّا هو تنقيح المناط أو الأولويّة والأوّل ممنوع والثّانية بطريق أولى لأنّ النّوافل أدنى مرتبة من الفرائض فلا يلزم من الاكتفاء فيها بالظنّ الاكتفاء به في الفرائض لثبوت التسامح فيها دونها اللهمّ إلا أن يقال إن التّعدي إنّما هو في مراعاة الاحتياط في الفرائض لا في كفاية الظنّ بالفراغ مع أنّه يمكن أن يقال إنّ الثّابت في النّوافل هو استحباب القضاء إلى أن يغلب على ظنّه الوفاء والأولويّة إن تمّت إنّما تثبت الاستحباب في الفرائض دون الوجوب ومن هنا يظهر الوجه في أمره بالتّأمّل في الأولويّة الّتي ذكرها في المتن (قوله) في حكم دوران الأمر بين الوجوب والحرمة إلخ ينبغي قبل الأخذ في المطلوب من بيان أمور الأوّل أنّه لا ينبغي الإشكال في أن الواجب قد يكون تعيينيّا وقد يكون تخييريّا عقليا أو شرعيّا وأمّا الحرام فالنّهي إن تعلّق بفرد خاصّ فلا ريب في إفادته حرمته تعيينا وإن تعلق بالطبيعة يفيد حرمتها تعيينا بالأصالة وكذا حرمة أفرادها كذلك من باب المقدمة لأنّ امتثاله لا يمكن إلاّ بالاجتناب عن جميع أفرادها بالالتزام يفيد العموم فيها لا محالة نعم هو من قبيل المطلق بالنّسبة إلى زمان الامتثال بل إطلاقه بالنسبة إليه أحوالي لا مادّي فإذا ترك أفراد الطبيعة في الزمان الثّاني حصل امتثال النّهي ما لم تفهم من الخطاب المتضمّن للنّهي أو من الخارج إرادة العموم بحسب الزّمان أيضا وإن تعلق بأحد الأمرين بأن قال لا تفعل هذا أو هذا فهو يفيد التخيير في ترك أحدهما نظير الشبهة المحصورة في الموضوعات على القول بحرمة المخالفة القطعيّة وعدم وجوب الموافقة كذلك وإذا تحقّق ذلك نقول إن الوجوب والحرمة اللّذين فرض الدّوران بينهما إمّا أن يكونا تعيينيين أو تخييريين أو مختلفين فالأوّل مثل ما لو دار الأمر بين وجوب شرب التّتن وحرمته والثّاني مثل ما لو علم وجوب شيء في الجملة وحرمة آخر كذلك وشكّ في وجوب ثالث وحرمته على وجه لو ثبت وجوبه كان تخييريّا بينه وبين ما علم وجوبه في الجملة وكذا لو ثبت تحريمه ثبت كذلك والثالث ما لو دار الأمر بين وجوب كلي وحرمة فرد معيّن منه أو دار بين حرمة أحد شيئين تخييرا ووجوب أحدهما المعين أمّا الأوّل فلا إشكال أيضا في خروجه منه لما تقدّم في المسألة الأولى من مسائل المطلب الثّاني من عدم كون الشّكّ في الوجوب التخييري مجرى لأصالة البراءة ويظهر بالمقايسة كون التحريم التخييري أيضا كذلك وأمّا الثالث فإن دار الأمر فيه بين التحريم التخييري والوجوب التعييني فلا إشكال في دخوله في محل النّزاع إن تعذّر أحد فردي الحرام المخير الّذي لا يحتمل الوجوب لصيرورة التحريم المحتمل في الفرد الآخر تعيينيّا بتعذر معادله فيدخل في القسم الأوّل لدوران الأمر حينئذ بين الوجوب والتحريم التّعيينيين وإن لم يتعذّر ينفي وجوبه التّعييني المحتمل بالأصل بخلاف تحريمه المحتمل كما عرفت وإن دار الأمر فيه بين الوجوب التخييري والتحريم التّعييني فإن كان التخيير شرعيا ينفي التحريم التعييني المحتمل بالأصل دونه وإن كان عقليّا فهو موضوع مسألة اجتماع الأمر والنّهي وقد مرّ حكمه في محلّه ونقول هنا أيضا إنّه لا إشكال على القول بجواز اجتماع الأمر والنّهي في كون الإتيان بالصّلاة في الدار المغصوبة مبرئا للذمة وإن استلزم حراما وأمّا على القول بعدم جوازه فالقائلون به بين مرجّح للنّهي ومرجّح للأمر ومتوقف فيه وعلى الأوّلين فالأمر واضح إذ مرجّح النّهي يحكم بالحرمة والبطلان ومرجّح الأمر يحكم بالصّحة وعدم الحرمة وأمّا على القول بالتّوقف فمقتضى أصالة البراءة هو عدم الحرمة ومقتضى أصالة

٣١٤

بقاء الاشتغال هو بطلان الصّلاة ووجوب إعادتها ثانيا فيتعارض الأصلان لكون عدم الحرمة مستلزما للصّحة في الواقع والحرمة للبطلان كذلك وحينئذ تخرج في المسألة وجوه أحدها ترجيح أصالة الاشتغال إذ نسبتها إلى أصالة البراءة نسبة الدّليل إلى الأصل إذ البراءة إنّما تجري مع عدم المقتضى للتكليف وقاعدة الاشتغال مقتضية له وثانيها العمل بمقتضى الأصلين وإن لزمت منه مخالفة العلم الإجمالي لأنّها غير قادحة ما لم تستلزم مخالفة عمليّة والمقام ليس كذلك فيحكم بعدم الحرمة وبطلان الصّلاة وثالثها ترجيح أصالة البراءة وهو الأقرب لأن إباحة المكان ليست من الشّرائط الواقعية الّتي تبطل الصّلاة بالإخلال بها مطلقا كالطّهارة ونحوها لأنّ شرطيتها إنّما استفيدت من النّهي عن الغصب فإذا انتفت حرمته بالأصل يحكم بالصّحة لتحقق الشرط وانتفاء المانع فتكون شرطيتها عملية لا واقعيّة الثّاني أنّه يعتبر في محلّ النّزاع أن لا يكون الشّكّ في الوجوب مسببا عن الشّكّ في التحريم أو بالعكس مثل ما لو نذر الإتيان بفعل لاعتقاد رجحانه ثم شكّ في حرمته بسبب من الأسباب إذ بعد نفي الحرمة بالأصل يتعين الأخذ بالوجوب المحتمل الثالث ما أشار إليه المصنف قدس سرّه من كون المراد بالوجوب والحرمة هنا ما كان توصليا لا تعبديّا يعتبر فيه قصد القربة إذ لو كانا تعبديين أو أحدهما المعين كذلك بأن دار الأمر بين وجوب فعل تعبّدا وتركه توصّلا أو بالعكس لم تأت فيه الوجوه المذكورة في المتن الّتي منها الحكم بالإباحة لا أصالة البراءة عنهما أمّا الأوّل فإنّ مقتضاها جواز كل من الفعل والترك من دون اعتبار قصد القربة فيهما وهو مخالف بحسب العمل لمّا علم إجمالا من وجوب أحد الأمرين تعبدا وأمّا الثّاني فكذلك أيضا لأنّ مقتضاها فيما علم إجمالا وجوب الفعل تعبّدا أو تركه توصّلا جواز الإتيان به من دون قصد القربة وهو مخالف لما علم إجمالا من أحد الأمرين وبالعكس في صورة العكس وقد أوضحنا ما يتعلق بذلك فيما علقنا على حجيّة القطع الرّابع أن المراد بالحرمة المحتملة في المقام هي الحرمة الذّاتية دون التشريعيّة لعدم منافاة الثّانية للإتيان بالفعل بداعي احتمال المطلوبيّة كما هو واضح (قوله) الآثار المتعلّقة بكل منهما بالخصوص احترز بقيد الخصوصية عمّا لو ترتب أثر شرعي على القدر المشترك بين الوجوب والحرمة كما إذا نذر أن يعطي الفقراء درهما إن أتى بفعل متعلق بحكم إلزامي من وجوب أو حرمة وكان غرضه من إدخال الحرمة في متعلق نذره أن يكون ذلك زاجرا له عن ارتكاب المحرّمات ليصحّ النّذر فإذا أتى بفعل مردّد بين الوجوب والحرمة وجب الإعطاء للعلم بصدور أحد الأمرين عنه ولا يصح إجزاء أصالة عدم الوجوب خاصة أو الحرمة كذلك أو هما معا لأنّ الأوّلين معارضان بالمثل والثّاني مخالف للعلم الإجمالي بحسب العمل بخلاف ما لو ترتب الأثر الشّرعي على خصوص أحد الأمرين دون الآخر كما إذا نذر أن يعطي الفقراء درهما إن أتى هو أو غيره بواجب أو نذر وأن يعطيهم درهما إن أتى بفعل حرام ليكون هذا زاجرا له عن ارتكاب المحرّمات فأتى بفعل مردّد بين الوجوب والحرمة إذ لا إشكال حينئذ في جريان أصالة عدم الوجوب على الأوّل وأصالة عدم الحرمة على الثّاني من دون معارضة شيء أصلا نعم إن ترتب أثر على خصوص كل منهما كما لو نذر أن يعطي درهما لمن أتى بواجب ويعزّر من أتى بفعل حرام فأتى شخص بفعل مردد بين الوجوب والحرمة فحينئذ لا يجوز إجراء أصالة عدم الوجوب خاصة ولا الحرمة كذلك ولا هما معا إذ الأولان ترجيح بلا مرجّح والثّالث مستلزم للعلم التفصيلي بمخالفة العمل لما علم إجمالا من وجوب الإعطاء أو التعزير ولذا اشترط جريان الأصلين بما إذا لم تلزم مخالفة علم تفصيلي يعني مخالفة علم تفصيلي بمخالفة العمل للحكم الواقعي المعلوم إجمالا ولعلّ الوجه في عدم استثناء العلم الإجمالي بمخالفة العمل له هو عدم تحققه فيما نحن فيه لأنّ فرض مخالفة العمل لكل من الوجوب والحرمة مستلزم للعلم التفصيلي بمخالفة العمل للحكم المعلوم إجمالا(قوله) على وجه تقدم في أوّل الكتاب إلخ قال هناك إذا تولد من العلم الإجمالي العلم التفصيلي بالحكم الشرعي وجب اتباعه وحرمت مخالفته لما تقدم من اعتبار العلم التفصيلي من غير تقييد بحصوله من منشإ خاص إلى أن قال وبالجملة لا فرق بين هذا العلم التفصيلي أعني الناشئ من العلم الإجمالي وبين غيره من العلوم التّفصيلية إلاّ أنّه قد ورد في الشّرع موارد توهم خلاف ذلك ثمّ ذكر شطرا من تلك الموارد قال فلا بد في هذه الموارد من التزام أحد أمور على سبيل منع الخلو ثمّ ذكر توجيهات ثلاثة لمخالفة العلم التفصيلي في الموارد المذكورة قال وعليك بالتأمّل في دفع الإشكال عن كلّ مورد بأحد الأمور المذكورة فإنّ اعتبار العلم التفصيلي بالحكم الواقعي لا يقبل التخصيص بإجماع ونحوه انتهى وقوله هنا على وجه تقدم إلخ إشارة إلى التوجيهات المذكورة هناك (قوله) إنما الكلام هنا في حكم الواقعة إلخ لا يخفى أن المثال للمقام مع استجماعه للقيود الأربعة المتقدمة عند بيان محلّ النّزاع وإن كان كثيرا في الشّرع إلاّ أن الحكم قد ثبت فيها بالأدلّة مثل إجابة الزوجة لما دعاها إليه الزّوج من الدخول في ما بعد النقاء وقبل الغسل أو في ما اختلف فيه من أيّام الاستظهار لأنّه قد قيل بوجوب الاستظهار بالتحيض بعد أيّام العادة إذا كانت دون العشرة بيومين وقيل بثلاثة وقيل بالتخيير بينهما إلى غير ذلك من الأقوال فيحتمل الوجوب في ما اختلف فيه إلحاقا له بأيام الاستحاضة وتحتمل الحرمة إلحاقا له بأيّام الحيض إلاّ أن الحكم فيه قد ثبت بالاستصحاب بل الأخبار كما سيجيء ومثل ردّ السّلام في الصّلاة إذا كان المسلم غير بالغ أو غالطا فيه إذ يحتمل تحريمه لأجل حرمة إبطال الصّلاة ويحتمل وجوبه لأجل وجوب رد السّلام إلا أن أصالة الصّحة وعدم عروض المانع تدفع احتمال الحرمة وبالجملة أن وجود مثال مخالف للأصول حتّى يثمر في المقام نادر ويمكن أن يمثل له بما اختلفوا فيه من اشتراط الدّخول في ثبوت العدّة على الحائل بالطلاق كما هو ظاهر المشهور أو تكفي فيه المساحقة من مقطوع الذكر سليم الأنثيين كما حكي عن الشيخ في مبسوطه قال وجبت عليها العدّة إن ساحقها فإن كانت حاملا فبوضع الحمل وإلا فبالأشهر دون الأقراء فإذا طلّقها بعد المساحقة بالطلاق الرّجعي وراجعها قبل انقضاء عدّتها فالتمتع بها بالدّخول أو غيره بعد المطالبة منه يتردّد بين الوجوب والحرمة عند من اشتبه عليه حكم المسألة(قوله) وجوها ثلاثة إلخ بل ستّة أحدها بالإباحة الظّاهرية الثّاني التوقّف عن الحكم الواقعي وعدم الحكم بشيء في مقام الظاهر الثالث ترجيح جانب الحرمة الرّابع التخيير الابتدائي

٣١٥

في الأخذ بأحد الاحتمالين الخامس التخيير الاستمراري فيه يقال السّادس التخيير الاستمراري بشرط البناء عليه من أوّل الأمر كما أشار إلى الجميع في طي كلامه نعم قد جعل هنا الأخذ بأحدهما في الجملة ثالث الثلاثة مشيرا به إلى الأربعة الأخيرة فلا يرد أن المذكور هنا وجوه أربعة لا ثلاثة كما هو واضح ثمّ إن القول منحصر في ترجيح جانب الحرمة والتخيير كما صرّح به المصنف رحمه‌الله في المقصد الأوّل عند بيان فروع العلم الإجمالي ويمكن أن يقال بكونها خمسة بناء على شمول ما ذكره الشّيخ في الإجماع المركب لما نحن فيه أحدها ترجيح جانب الحرمة وثانيها التخيير كما عرفت وثالثها الرّجوع إلى الأصل كما حكاه الشّيخ هناك ومقتضاه الحكم بالإباحة فيما نحن فيه ورابعها التّوقف بحسب الواقع وعدم الحكم بشيء في مقام الظاهر واختاره المصنف رحمه‌الله هنا وخامسها التفصيل بين تعدد الواقعة واتحادها بالقول بالتخيير الابتدائي في الأوّل والرّجوع إلى البراءة في الثّاني واختاره المصنف رحمه‌الله أيضا في المقصد الأوّل عند بيان فروع العلم الإجمالي وهو ينافي ما اختاره هنا وعليه تكون الوجوه سبعة ثم إن هذه المسألة ليست مشمولة لنزاع الأخباريين مع المجتهدين في وجوب الاحتياط وعدمه في الشبهات الحكميّة لوضوح أنهم إنما يقولون به مع إمكانه لا بدونه وقد أشار إليه المصنف رحمه‌الله في بعض كلماته فما صدر عن المحقق القمي رحمه‌الله وغيره من جعل هذه المسألة محل نقض لقول الأخباريين ليس في محلّه (قوله) حتّى قوله عليه‌السلام كل شيء إلخ وجه خصوصيّة هذه الرّواية هو إمكان أن يمنع الاستدلال بها على المقام نظرا إلى كون الغاية فيها هو العلم بورود أحد الأمرين من الأمر والنّهي وهو حاصل في المقام بالفرض وضعفه ظاهر ممّا ذكره المصنف رحمه‌الله لا يقال إنّه لو كان المراد بالأمر والنهي فيها ما علم تفصيلا لم يجب الاحتياط فيما تردّد الواجب أو الحرام بين أمرين كالظهر والجمعة والقصر والإتمام والإناءين المشتبهين لعدم العلم بالأمر والنّهي فيهما تفصيلا لأنا نقول إن الأمر في الأولين معلوم تفصيلا وإن وقع الاشتباه في متعلقه وأمّا الثّالث فلا دخل له فيما نحن فيه للعلم فيه بالنّهي ومتعلقه تفصيلا وإنّما وقع الاشتباه فيه في مصداق متعلقه بخلاف ما نحن فيه لفرض الجهل بخصوص الأمر والنّهي فيه لا يقال سلمنا ولكنها ليست صريحة فيما ذكر فلا بد من تأويلها بما يشمل العلم الإجمالي أيضا لكونه كالتفصيلي في الاعتبار كما قرّر في مبحث حجيّة القطع لأنّا نقول إن هذا إنّما هو فيما استلزم طرحه المخالفة العملية وليس المقام كذلك لأنّ غايته لزوم المخالفة الالتزاميّة كما يظهر من تقريره لدليل العقل لا يقال سلمنا ولكن الفتوى بالإباحة ولو في الظّاهر مخالف بحسب العمل لما علم إجمالا من الوجوب أو الحرمة لأنا نقول سيظهر ضعف هذا الجواب أيضا ممّا ذكره في تقرير دليل العقل مضافا إلى وقوع نظير ذلك في الشّرع كثيرا مثل الحكم بطهارة البدن وعدم ارتفاع الحدث فيما توضأ بمائع مردّد بين الماء والخمر مع ملازمة الطّهارة لارتفاع الحدث وعدم ارتفاعه للتنجس بحسب الواقع والحكم بأحكام الزّوجيّة من أحد الجانبين دون الآخر فيما أقر أحد الزّوجين بالزّوجيّة وأنكرها الآخر إلى غير ذلك ممّا تقدم في المقصد الأوّل عند بيان فروع العلم الإجمالي وسيجيء أيضا في الشّبهة المحصورة(قوله) على رواية الشيخ الرّواية الأخرى المجرّدة عن لفظ أوامر للصّدوق قدّس سره (قوله) وليس العلم بحبس التكليف لأنّ اللاّزم من طرح العلم الإجمالي في الأوّل هي المخالفة الالتزاميّة كما فيما نحن فيه لأنّ المكلّف بحسب العمل لا يخلو من فعل موافق لاحتمال الوجوب وعن ترك موافق لاحتمال الحرمة واللازم من طرحه في الثّاني هي المخالفة بحسب العمل لأن من ترك الظهر والجمعة أو القصر والإتمام أو شرب الإناءين المشتبهين كان عمله مخالفا للتكليف المعلوم إجمالا أو تفصيلا لا محالة والمسلّم من قبح المخالفة هو الثاني دون الأوّل إذ لا دليل عليه سوى بعض الوجوه الّتي ضعّفها المصنف ره (قوله) فهو حاصل إلخ إن أراد حصول الموافقة لحكم الله سبحانه في كلّ من حال الفعل والترك فهو واضح الفساد للعلم بمخالفة إحدى الحالين للواقع وإن أراد حصول الموافقة في إحداهما فهو غير كاف في تحصيل موافقة حكم الله إذ لو ثبت ذلك ثبت وجوبه في جميع الحالات لا في الجملة ولكنّ الظّاهر بل المتعيّن أن مراده بوجوب الموافقة وجوب عدم العلم بمخالفة العمل للواقع بأن يريد بالموافقة الموافقة الاحتماليّة لا القطعيّة كما يرشد إليه تعليله بقوله فإن في الفعل موافقة للوجوب لعدم العلم بالوجوب بالفرض حتّى تكون موافقة الفعل موافقة قطعيّة والوجه فيه أن ما يقبح عقلا هو العلم بالمخالفة لا احتمالها وإلاّ ثبت وجوب الاحتياط في جميع موارد الشّبهات البدوية والفرض في المقام بطلانه (قوله) فهو تابع للعلم بالحكم إلخ حاصله أنّه لم يدلّ دليل على وجوب الانقياد على الأحكام الواقعية بمعنى كون ذلك أيضا حكما من الأحكام الواقعيّة سابقا على العلم به ولا استفيد ذلك من الدّليل المثبت للحكم وإنّما هو تابع للعلم بالحكم لأجل وجوب التدين بما جاء به النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن علم تفصيلا يجب التديّن به كذلك وإن علم إجمالا فكذلك أيضا كما سيجيء توضيحه والتدين الإجمالي بالحكم الواقعي على ما هو عليه في الواقع لا ينافي جواز التدين بالإباحة الظاهرية ومن حيث كون الفعل غير معلوم الحكم تفصيلا لأنّه إنّما ينافي العلم بالواقع تفصيلا لأنّ المأخوذ حينئذ في موضوع الحكم الظّاهري هو الشكّ في الواقع وهو لا يجتمع مع العلم به تفصيلا وكذا إجمالا مع استلزام طرحه للمخالفة العملية لما عرفت في الحاشية السّابقة من قبحه وشيء منهما غير لازم فيما نحن فيه وأنت خبير بأنه ينافي ما تقدم في المقام منه في المقصد الأوّل عند بيان حكم مخالفة العلم الإجمالي من تقويته لعدم جواز الرّجوع إلى الإباحة فيما احتمل الوجوب والحرمة كما في ما نحن فيه نظرا إلى استلزام الفعل في زمان والترك في آخر للمخالفة العملية فراجع (قوله) توضيح الاندفاع حاصله أن هنا أمورا أربعة أحدها طرح المعلوم بالإجمال بحسب العمل الثّاني التديّن بحكم الله الواقعي على نحو ثبوته عندنا الثالث وجوب الالتزام بخصوص أحد الاحتمالين الرّابع جواز التديّن بالإباحة الظّاهريّة والمحرم من هذه الأمور هو الأوّل وهو غير حاصل والواجب بمقتضى وجوب التديّن بما جاء به النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الثاني وهو حاصل بالفرض والمطلوب هو الثّالث ولا دليل عليه فتعين الرّابع (قوله) وليس حكما شرعيّا يعني أنّ وجوب الالتزام بخصوص الوجوب أو الحرمة لو لم يكن تابعا للعلم

٣١٦

التّفصيلي بل كان واجبا واقعيّا في عرض سائر الواجبات الواقعيّة التي يجب مراعاتها مع الجهل التّفصيلي كان اللاّزم في المقام هو وجوب الأخذ بخصوص أحدهما وإلا لزمت المخالفة العمليّة لما علم من وجوب الالتزام في الواقع بما علم إجمالا من الوجوب أو الحرمة وقد أشار إلى هذا الوجه في صدر الكتاب أيضا وحاصله ثبوت الفرق بين كون العلم التّفصيلي بالأحكام الواقعيّة أو العلم الإجمالي بها مأخوذا في موضوع وجوب الالتزام التّفصيلي أو الإجمالي وبين كون وجوب الالتزام بها حكما واقعيّا سابقا على العلم بها كنفس سائر الأحكام الواقعيّة إذ اللاّزم على الأوّل هو عدم وجوب الالتزام ما لم يحصل العلم بها تفصيلا أو إجمالا وإلاّ لزم تقدّم الحكم على موضوعه وحينئذ إن حصل العلم بها تفصيلا وجب الالتزام بها كذلك وإن حصل العلم بها إجمالا وجب الالتزام بها كذلك بمعنى وجوب الالتزام بوجوب الفعل في الواقع إن كان واجبا في الواقع وبحرمته إن كان حراما كذلك وهو لا ينافي البناء على الإباحة في مقام الظّاهر واللاّزم على الثّاني هو وجوب الالتزام بوجوب الفعل بالخصوص أو حرمته كذلك في مقام الظّاهر إذ الالتزام بإباحته كذلك مستلزم لمخالفة العمل لما علم وجوبه في الواقع من وجوب الالتزام بالحكم الواقعي للفعل من الوجوب أو الحرمة نظير سائر الواجبات التي يجب عدم مخالفة العمل لها (قوله) ومن هنا يبطل إلخ أي من عدم كون وجوب الالتزام بالأحكام الواقعيّة حكما واقعيّا في عرض غيرها ووجه البطلان هو كون وجوب الالتزام بالأخبار من حيث هي حكما واقعيّا في المسألة الأصوليّة بمقتضى أدلّة اعتبارها فإذا تعذّر امتثال هذا الحكم الواقعي لأجل تعارض الخبرين وجب الأخذ بأحدهما لا محالة كي لا تلزم المخالفة بحسب العمل لهذا الحكم ومن هنا قد استدلّ في محكي المفاتيح على التّخيير في تعارض الخبرين بأدلّة اعتبارهما فالحكم بوجوب الأخذ بأحدهما يكون واردا على وفق القاعدة وتبقى أخبار التخيير شاهدا له بخلاف ما نحن فيه على ما عرفت وأنت خبير بأنّ هذا الوجه ينافي ما تقدّم منه في المقصد الأوّل عند بيان جواز مخالفة العلم الإجمالي من استدلاله بأخبار التّخيير في تعارض الخبرين على وجوب الأخذ بأحد الاحتمالين فيما نحن فيه وعدم جواز الحكم بالإباحة فيه فراجع (قوله) بتنقيح المناط لأنّ المناط في حكم الشّارع بالتخيير في تعارض الخبرين إنّما هو عدم إعراضه عن الأحكام الواقعيّة ورجحان الأخذ بها بحسب الإمكان وهو موجود فيما نحن فيه أيضا بل على وجه الأولويّة للعلم إجمالا بصدق أحد الاحتمالين بخلاف الخبرين المتعارضين لاحتمال كذب كلا المتعارضين ومن هنا يظهر إمكان تقريب الدّلالة بوجهين أحدهما تنقيح المناط والآخر الأولويّة القطعية ويرد على الأوّل مضافا إلى ما أورده المصنف رحمه‌الله أنه يحتمل أن يكون أمر الشّارع بالتّخيير في تعارض الخبرين لأجل مصلحة في العمل بخبر العادل سوى مصلحة الوصول إلى الواقع ومع احتمالها يكون المناط مستنبطا لا قطعيّا ومنه يظهر منع الأولويّة فضلا عن أن تكون قطعيّة فلا تغفل (قوله) أو منع إلخ لأنّ ما ذكر إنّما يتمّ لو قلنا باعتبار الأخبار من باب السّببية والموضوعيّة لا من باب كونها مرآة وطريقا إلى الواقع كما هو الأظهر وإلاّ فمقتضى القاعدة عند التّعارض هو التّساقط فلا بد أن يكون ما تضمنته الأخبار من التخيير في تعارض الخبرين من باب التعبّد وهو غير مفيد في المقام وسيأتي الكلام في ذلك مستوفي في باب التعادل والترجيح ولكنّك خبير بأن ما دلّ على كون اعتبار الأخبار من باب الطّريقيّة إن كان ظنّا معتبرا شرعا فلا اعتداد بإبداء احتمال الخلاف في المقام وإن لم يكن معتبرا كذلك فلا وجه للمنع المذكور (قوله) وما ذكروه في مسألة إلخ في مقام بيان عدم جواز خرق الإجماع المركب من عدم جواز مخالفة قول الإمام عليه‌السلام ووجه عدم الشّمول هو احتمال اختصاصه بما استلزم الخرق المخالفة العمليّة وهي منتفية فيما نحن فيه بالفرض (قوله) مما كان الرّجوع إلخ بيان لما نحن فيه (قوله) مع أن عدم جواز إلخ في مسألة اختلاف الأمّة ووجه عدم الاتّفاق ظاهر من كلام الشيخ (قوله) هو إرادة التخيير الواقعي يؤيّده عدم الإشارة إلى الحكم الظّاهري في كلمات الفقهاء فحيث يطلقون الحكم سواء كان هو التّخيير أو غيره من الأحكام الخمسة فالظّاهر إرادة الواقعي منه حتّى إن ظاهرهم اعتبار الأصول من باب الظنّ الّذي مقتضاه تعيين الحكم الواقعي وتقسيمه إلى الواقعي والظّاهري إنما حدث في كلام المتأخرين كما هو واضح للمتأمّل المتتبع ولكنّك خبير بأن استشهاده فهم المحقّق ربما ينافيه ظاهر كلامه في مسألة اتّفاق الأمّة بعد اختلافهم لأنّ الشّيخ بعد أن منع ذلك لمنافاته التّخيير كما نقله عنه المصنف رحمه‌الله اعترضه المحقّق بجواز كون التّخيير مشروطا بعدم الاتّفاق فيما بعد وهذا إنّما يناسب فهم المحقق من التّخيير في كلام الشّيخ التخيير مع الظّاهري لوضوح عدم اشتراط الأحكام الواقعيّة باتفاق الآراء أو اختلافها وإلاّ كان شبيها بالتصويب اللهمّ إلاّ أن يقال إن مراده دعوى الاشتراط بحسب الواقع بناء على أن بطلان المطلب لا يدلّ على عدم إرادته ويؤيّده ما قدّمناه من عدم الإشارة في كلماتهم إلى تقسيم الحكم إلى كلماته بذلك (قوله) للشيخ بعض هو المحقق القمّي قدس‌سره تبعا لسلطان العلماء في حاشية المعالم وقد ادّعى فيها صراحة كلام الشيخ في إرادة التخيير الظّاهري نظرا إلى قوله نحن مخيّرون في العمل سيّما مع تعقيبه بقوله وذلك يجري مجرى خبرين إذا تعارضا أقول إن كلام الشّيخ وإن لم يكن صريحا فيما ذكره لكن الإنصاف ظهوره فيه ولعلّه لا يقصر عمّا استشهده المصنف رحمه‌الله من التّفريع ولعلّ هذه الخلافات والتنافيات ناشئة من عدم التفرقة بين الحكم الواقعي والظّاهري موضوعا وآثارا وحينئذ يحتمل أن يكون الشيخ قد أراد بالتخيير التّخيير الظّاهري ومع ذلك قد منع الاتّفاق بعد الخلاف بزعم منافاة ذلك للحكم بالتّخيير ويؤيّده ما عرفته في الحاشية السّابقة من الاختلاف في كلمات المحقّق أيضا والإنصاف أنّ هذا كلّه خارج من السّداد وستعرف ما ينبغي بناء كلام الشّيخ عليه (قوله) ثمّ علّله باطراح قول الإمام عليه‌السلام قال ما لفظه لأنهم إذا اختلفوا على قولين علم أن قول الإمام موافق لأحدهما لأّنه لا يجوز أن يكون قوله خارجا عن القولين لأنّ ذلك مقتضى كونهم مجمعين على قولين انتهى والظاهر أنّ مراده بقوله كونهم مجمعين إلخ إجماعهم على نفي الثّالث فهو لا ينافي قوله فيما نقله عنه المصنف رحمه‌الله فلا يكون إجماعا لأن مراده به نفي الإجماع على خصوص أحد القولين (قوله) أقوى شاهد إلخ إذ لو كان مراده بالتخيير هو التّخيير الظّاهري لم يستلزمه الاتفاق بعد الاختلاف إبطال قول الإمام عليه‌السلام لكشف ذلك عن كون قول الإمام

٣١٧

عليه‌السلام هو المجمع عليه من القولين (قوله) من حيث العمل فتأمل لعله إشارة إلى منع الظهور مع إطلاق كلماتهم ويؤيّده بل يدل عليه انحصار القول فيما نحن فيه كما صرّح به في المقصد الأوّل عند بيان جواز مخالفة العلم الإجمالي في التخيير وترجيح جانب الحرمة إذ لو جازت المخالفة الالتزاميّة لكان القول بالإباحة الظّاهريّة فيما نحن فيه أولى بالإذعان لموافقتها لأصالة البراءة عن كل من الوجوب والحرمة لعدم تأثير العلم الإجمالي حينئذ في الفرق بينه وبين الشّبهات المجرّدة عنه وتؤيّده أيضا ملاحظة كلمات الشيخ مثل تعليله لعدم جواز إحداث قول ثالث أو رابع في المسألة بموافقة قول الإمام عليه‌السلام لأحد القولين وبعدم جواز إجماع الأمّة على المسألتين مخطئة فيهما على مذهبنا ومذهب العامة وغير ذلك ممّا هو ظاهر كالصّريح في كون مخالفة قول الإمام عليه‌السلام من حيث هي ممنوعة عندهم كيف ولو كانت المخالفة الالتزاميّة جائزة عندهم لأشاروا إليها لا محالة مع أنها مستلزمة للمخالفة العمليّة بتعدد الواقعة كما اعترف به المصنف رحمه‌الله في المقصد الأوّل فإن قلت كيف تأبى عن نسبة تجويز المخالفة الالتزاميّة إليهم والشّيخ قد عزى جواز الرّجوع إلى مقتضى الأصل في مسألة الإجماع المركب إلى بعض أصحابنا كما حكاه عنه المصنف رحمه‌الله والأصل قد يكون مخالفا للقولين وقول الشيخ أيضا بالتخيير الواقعي مستلزم لطرح قول الإمام عليه‌السلام كما أورده عليه المحقّق وقرّره صاحب المعالم ولا ريب أن تعميم كلامهما لصورة لزوم المخالفة العمليّة بعيد جدا بقبحها عقلا ومنافاتها لاعتبار قول الحجّة ولكلماتهم في حجيّة الإجماع على مذهب الخاصة فلا مناص من حمل كلامهما على صورة لزوم المخالفة بحسب الالتزام دون العمل قلت ما حكاه الشيخ مجهول القائل وإن عزاه إلى بعض أصحابنا ولعلّه قد غفل عن استلزام الرّجوع إلى الأصل مخالفة قول الإمام عليه‌السلام في بعض الأحيان التزاما أو عملا أو جوّز المخالفة مطلقا مع موافقة الأصل أو أراد به الأصل الموافق لأحد القولين وأمّا قول الشيخ بالتخيير فلا دلالة فيه على جواز مخالفة قول الإمام عليه‌السلام أصلا لأنّ قوله بذلك إنّما هو من أجل قوله باعتبار الإجماع من باب اللّطف لأّنه مع اختلاف الأمّة على قولين إذا لم يظهر الإمام عليه‌السلام ولم يظهر الحقّ كشف ذلك عن كون الحقّ في كلا القولين وإلا وجب عليه الظّهور وردع إحدى الطّائفتين عن الباطل فقوله بالتخيير إنّما هو لأجل كون ذلك قول الإمام عليه‌السلام لا مخالفا له وعليه يتفرع أيضا ما ذكره من عدم جواز الوفاق بعد الخلاف وبالجملة أنّي لم أجد مدعيّا من العلماء لجواز خصوص المخالفة الالتزاميّة تصريحا أو تلويحا بل مطلقا كما هو واضح مضافا إلى مخالفته لطريقة العقلاء كما ستعرفه (قوله) ولكنّ الإنصاف إلخ هذا اعتراض على جميع ما تقدم بمنع نهوض أدلّة البراءة لإثبات الإباحة الظّاهريّة وحاصله أن ما هو ظاهر في إثبات الإباحة الظاهرية مثل قوله عليه‌السلام كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي منصرف إلى محتمل الحرمة وغير الوجوب وما دل على نفي التّكليف عمّا لم يعلم نوع التكليف فيه مثل قوله عليه‌السلام الناس في سعة ما لم يعلموا وقوله عليه‌السلام ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم وفي حكمه دليل العقل ظاهر في مجرّد نفي العقاب على الفعل أو الترك وعدم تعيّن خصوص أحدهما عليه وهو أعمّ من الإباحة الظّاهريّة وغير مناف لوجوب الأخذ بأحدهما نعم هذا الوجوب أيضا لا دليل عليه فالمتيقن من الأدلّة هو التوقف عن الحكم الواقعي والالتزام به على ما هو عليه في الواقع وعدم الالتزام شيء في مقام الظّاهر وإن لم يكن حرج في الفعل أو التّرك في مقام العمل ومن هنا يظهر قوة القول الثّاني ودليله فإن قلت كيف لا تلتزم في مقام الظاهر بحكم ظاهري وقد تواترت الأخبار على عدم خلو واقعة من حكم حتّى أرش الخدش قلت المسلّم عدم خلو الواقعة من حكم واقعي لا من حكم ظاهري أيضا لعدم الدليل عليه إذا لم يحتج إليه في مقام العمل ولذا نقول بعدم الوجوب مع عدم الحكم بالاستحباب فيما دار الأمر بينهما نظرا إلى عدم كون نفي الوجوب بالأصل مثبتا للاستحباب وقد يمنع عدم الدّليل على الوجوب المذكور نظرا إلى بناء العقلاء على الالتزام بأحد الاحتمالين فيما دار الأمر فيه بين المحذورين كما فيما نحن فيه لكون ذلك نحو امتثال للحكم المعلوم إجمالا عندهم ولا ريب في كون طريق امتثال الأحكام وكيفيّة امتثالها موكولة إليهم وهو غير بعيد بعد ما عرفت في الحاشية السّابقة من عدم ظهور قول بجواز المخالفة الالتزاميّة سيّما في هذه المسألة التي قد تقدّم غير مرّة انحصار القول فيها في تقديم جانب الحرمة والتخيير فتدبّر والله العالم بأحكامه (قوله) يستدلّ على الأوّل إلخ ربّما يستدلّ عليه بالإجماع المحكي عن النّهاية وفيه أنّه لا اعتداد به بعد العلم بمستند المجمعين وهو الوجوه الاعتبارية المضعفة في المتن لأن غايته الظن ولا اعتداد به لا يقال إن العمل بالظن في باب التّرجيح إجماعي لأنا نقول إن الإجماع إنّما هو في تعارض الاحتمالين كما فيما نحن فيه اللهمّ إلاّ أن يتمسّك بقبح ترجيح المرجوح بعد عدم إمكان الاحتياط وحينئذ لا بدّ من منع إفادته للظنّ (قوله) حيث يدور الأمر إلخ قد مرّ غير مرّة انحصار القول في هذه المسألة في ترجيح جانب الحرمة والتخيير فيكون الأوّل متيقنا(قوله) بأن دفع المفسدة إلخ لا يقال لو وجب دفع المفسدة وجب ترجيح جانب الحرمة ابتداء ولم يحتج إلى إثبات وجوب الأخذ بأحد الاحتمالين لأنّا نقول لعل المستدلّ قد اعتبر وجوب الدّفع في مقام التّرجيح ما لا يعتبر في غيره فتأمّل (قوله) بمنع الغلبة إلخ هذا إن أريد بها الاستقراء التامّ وإلاّ يمكن منع اعتبار الظنّ الحاصل منها أوّلا ومنع حصول الظن منها في خصوص المقام ثانيا لوضوح عدم حصول الظنّ في مورد الشّكّ بوجدان مثالين كما هو واضح ولعلّ هذا هو مراد المحقق القمي رحمه‌الله في مبحث اجتماع الأمر والنّهي من منع حجيّة هذا الاستقراء وإلاّ فلا وجه له على مذهبه من اعتبار الظنّ المطلق على تقدير تسليم إفادته للظنّ ومنع مطابقة المثالين للمراد ثالثا كما أوضحه المصنف ره (قوله) فإن ترك العبادة في أيّام الاستظهار إلخ توضيح المقام أن استظهار الحائض إمّا في آخر أيّام دمها أو في أوّلها أمّا الأوّل فإن المعتادة عددا دون العشرة إذا انقطع دمها ظاهرا لدون العشرة استبرأت بما هو المقرّر في الفقه فإذا خرجت القطنة ملطّخة بالدّم بأي لون اتفق استظهرت بترك العبادة بيومين أو ثلاثة أو مخيرة بين يوم ويومين كما حكي عن المشهور أو بغير ذلك من الأقوال المختلفة النّاشئ اختلافها

٣١٨

من اختلاف الأخبار أو من الاختلاف في الجمع بينها ولا كلام لنا في ذلك وقد استفاض نقل الاتفاق الذي لا يقصر عن نقل الإجماع كما اعترف به المصنف قدس‌سره في بعض كلماته على أصل مشروعيته وإنّما الإشكال في كونه على وجه الاستحباب أو الوجوب والأوّل هو المشهور بين المتأخرين بل عزي إلى عامتهم بحمل الأخبار الآمرة بظاهرها بالاستظهار على اختلافها على الاستحباب والمانعة منه بظاهرها الدّالة على ترتيب أحكام الاستحاضة على بيان عدم الوجوب والمصنف قدّس سره بعد أن نقل في كتاب الطّهارة هذا الوجه مع وجوه أخر للجمع بين الأخبار وضعّفها قال وهنا جمع آخر لا يخلو عن قرب ثمّ ذكر ما حاصله إبقاء أخبار الاستظهار على ظاهرها من الوجوب وجعلها مختصة بصورة رجاء المرأة الانقطاع لدون العشرة وحمل أخبار الاغتسال بعد العادة على اليائسة عن الانقطاع هذا في المعتادة وأمّا المبتدئة أعني من لم تستقرّ لها عادة عددية فإنها عند رؤية الدّم على القطنة المستدخلة تصبر حتى تنقى يقينا أو بحكم استبراء آخر أو بمضي من أوّل حيضها عشرة أيّام فإن انقطعت اغتسلت وإلاّ رجعت إلى المتميز على وجه مقرّر في محلّه وحكي عليه الإجماع عن جماعة وأمّا الثّاني فالمعتادة وقتا وعددا وكذا وقتا خاصّة أو عددا كذلك تتحيض الأولى منهن بمجرّد الرّؤية إذا اتفقت في أوّل أيّام العادة إجماعا وكذا إذا تقدّمت عليها بزمان يصدق معه تعجيل العادة للأخبار لا بمثل عشرين يوما وكذا الثّانية في وجه قوي ويشمله إطلاق إجماع المحقق في الشّرائع وقيل وكذا إجماع الفاضل في المنتهى وكذلك الثالثة في وجه لا يخلو من نظر إن لم يكن إجماعا وأمّا المبتدئة فتتحيّض بالرّؤية عند المصنف رحمه‌الله وجماعة من المتأخرين بشرط اتصاف الدّم بصفات الحيض وبدونه يستظهر إلى مضي ثلاثة أيّام والكلام في هذه المراتب مقرّر في الفقه أمّا الأوّل فربّما يقال إنّ مقتضى الأصل فيه بقاء دم الحيض وأورد عليه المصنف رحمه‌الله في كتاب الطّهارة بمعارضته أصالة بقاء الدّم إلى ما بعد العشرة المستلزم لعدم كونه حيضا شرعا ثمّ قال لكن المرجع بعد تسليم المعارضة إلى استصحاب أحكام الحيض لا نفس الموضوع وأقول إن قوله مع تسليم المعارضة إشارة إلى حكومة أصالة البقاء إلى ما بعد العشرة على أصالة بقاء دم الحيض لأنّ الشّكّ في كون الدّم بعد أيّام العادة وقبل العشرة دم حيض مسببا عن الشكّ في تجاوز الدّم عن العشرة نعم يرد عليه أن جريان الاستصحاب مشروط ببقاء الموضوع فمع تعارض الأصلين يشك في بقاء الموضوع فلا يصح استصحاب أحكام الحيض حينئذ ثمّ قال نعم لو قلنا بأن الأصل لا يجري في مثل المقام من الأمور التّدريجيّة كما نبّهنا عليه مرارا كان الأصل عدم حدوث دم الحيض زائدا على ما حدث فيزول به استصحاب بقاء أحكام الحائض انتهى وقد صرّح بعدم جريان هذا الأصل في المبتدئة وفيه أن مبني الاستصحاب على التسامح وإلاّ لم يجر استصحاب الأزمان وهو اتفاقي بل ادعى عليه بعضهم الضّرورة ومن هنا تبيّن عدم كون الحكم بالتحيض مبنيا على الاستصحاب وإن كان جريانه متّجها في المقام وربّما يقال بابتنائه على قاعدة الإمكان وأورد عليه المصنف رحمه‌الله أيضا بأنّها إنّما استفيدت من الإجماعات المحكيّة دون الأخبار لعدم نهوضها لإثباتها كما قرّر في الفقه والمفروض أن المشهور بين المتأخرين عدم الحكم بالحيضية في المقام وجعل الاستظهار مستحبّا مع أن قاعدة الإمكان كما تقدّم في محلّه لا تجدي في التحيّض بدم متزلزل يحتمل ظهور كونها المستحاضة لعدم استقرار الإمكان فتأمّل فالأولى إثبات وجوب الاستظهار بالأخبار انتهى ولعلّ هذا هو الوجه في عدم تعرّض المصنف رحمه‌الله لقاعدة الإمكان هنا مع تعرضه لها في حكم المبتدئة وأمّا الثّاني فأصالة الطّهارة وعدم الحيض هنا متجهة وصرّح المصنف رحمه‌الله في الطهارة هنا أيضا بعدم ابتناء وجوب التحيض على قاعدة الإمكان معلّلا بما تقدّم من عدم استقرار الإمكان وممّا ذكرناه قد ظهر ما في كلام المصنف رحمه‌الله من مواقع النظر أمّا أوّلا فإن شهرة الحكم بين المتأخرين باستحباب الاستظهار لا يضرّ بعد اختياره للوجوب ولو في الجملة وأمّا ثانيا فلما عرفت من عدم كون الوجوب مبنيا على الاستصحاب مضافا إلى عدم صحة الجمع بين استصحاب الموضوع والحكم في قوله لمراعاة أصالة بقاء الحيض وحرمة العبادة كما هو واضح وأمّا ثالثا فإن كون الحكم في المبتدئة مستفادا من الإطلاقات مشكل بل غير صحيح لأنّ اتصاف الدّم بكونه دم حيض مشروط بعدم نقصانه عن ثلاثة أيّام فمع الشّكّ في أوائل زمان الرّؤية في أنّه يتجاوز عن الثّلاثة أم لا تصير الشبهة موضوعيّة لا يصحّ فيها التمسّك بالإطلاقات عند المصنف رحمه‌الله خلافا للمحقّق الثّاني كما سيجيء في مبحث الاستصحاب وأمّا رابعا فلما عرفت من عدم كون الحكم بوجوب تحيّض المبتدئة مبنيا على قاعدة الإمكان نعم قال المصنف رحمه‌الله في المعتادة أن تحيضها برؤية الدّم مع أصالة عدم حدوث الزّائد من جهة أن العادة سبب شرعيّ للحكم وليس من جهة الإمكان حتّى يعتبر فيه الاستقرار وكيف كان فقد يورد على المثال أيضا بكون حرمة عبادة الحائض تشريعية وقد تقدّم عند تحرير محلّ النّزاع خروج ذلك من محلّ النزاع وفيه أنّه خلاف ظاهر الأوامر نعم قال المصنف رحمه‌الله لا إشكال في تحريم الصّلاة يعني على الحائض من حيث التّشريع وهل هي محرمة ذاتا كقراءة العزائم أو لا حرمة فيها إلاّ من جهة التشريع بفعل الصّلاة الغير المأمور بها وجهان من التصريح بعدم الجواز والأمر بالترك في النّصوص وأكثر معاقد الإجماعات ففي صحيحة زرارة إذا كانت المرأة طامثا لا تجوز لها الصّلاة وفي صحيحة أخرى لا تحل لها الصّلاة وفي أخرى إذا دفقته يعني الدم حرمت عليها الصّلاة ونحوها غيرها وفي المنتهى يحرم على الحائض الصّلاة والصّوم وهو مذهب عامة أهل الإسلام ومن أن الظّاهر توجّه التحريم والأمر بالترك في الأدلّة على فعل الصّلاة على وجه التعبد والمشروعيّة كما كانت تفعلها قبل الحيض ولا ريب في حرمة ذلك لأنّه تشريع وتعبد بما لم يأمر به الشّارع وإنّما تظهر الثمرة في حسن الاحتياط بها بفعل الصّوم والصّلاة الواجبين أو المندوبين عند الشّكّ في الحيض مع فرض عدم أصل أو عموم يرجع إليه فإن قلنا بالتحريم الذّاتي لم يحسن له الاحتياط سيما بفعل المندوبة والأقوى عدمه للأصل وظهور النّواهي فيما ذكرنا مع أن أوامر الترك واردة في مقام رفع الوجوب ولذا أبدل التحريم في المعتبر والنّافع بعدم الانعقاد فقال في المعتبر لا ينعقد للحائض صوم ولا صلاة وعليه الإجماع وقال المصنف رحمه‌الله هنا ولا يصحّ منها الصّوم انتهى وأنت خبير بأنّه يمكن منعه لمخالفته لظواهر الأخبار ولا مانع من اجتماع الجهتين مع قصد التعبد كما في قراءة العزائم وقد سمعت من بعض مشايخنا وجود خبر دالّ على حرمة صلاة المحدث ولو مع عدم قصد التعبّد

٣١٩

بأن أتى بصورتها من دون قصد التّقرّب ومع التسليم كان عليه الإشارة إلى الإيراد المذكور في المثال الأوّل أيضا كما أشار إليه في المثال الثاني فلا تغفل والله أعلم (قوله) فلعلّه لأصالة بقاء الحيض إلخ فيكون المثال خارجا من محل النّزاع لأنّ مقتضى الاستصحاب كون الدّم الخارج بعد أيّام العادة حيضا فيخرج من مورد دوران الأمر بين الحرمة والوجوب وبعبارة أخرى أنّ الحكم بوجوب الاستظهار إنما ينفع المستدلّ لو حكم على الدّم بأحكام الحيض مع فرض تردّده بين كونه حيضا أو استحاضة نظير الحكم بالنجاسة في الشبهة المحصورة ومقتضى الاستصحاب في المعتادة والإطلاقات في المبتدئة كون الدّم الخارج حيضا لا إجراء أحكام الحيض على المردد بينه وبين الاستحاضة نعم قد تقدّم الإشكال في التمسّك بهما في المقام فتدبّر(قوله) لأنّ الظّاهر كما ثبت في محلّه إلخ قال المصنّف قدس‌سره في شرح قول الفاضل في الإرشاد وإذا حكم بنجاسة الماء لم يجز استعماله في الطهارة أمّا الحرمة فلأن المفروض فعله بقصد ترتب الأثر عليه وإلاّ لم يكن مستعملا للماء في الطهارة ولذا قال كاشف اللثام إنّ استعماله في صورة الطهارة والإزالة مع اعتقاد عدم حصولهما لا إثم فيه وليس استعمالا فيهما انتهى وعن النهاية أن المراد بالحرمة عدم ترتب الأثر ولعله لأنّه المستفاد من النهي الوارد في مقام بيان الموانع كاستفادة الحكم الوضعي من الأمر الوارد في مقام بيان الشّروط وهذه غير الحرمة النّاشئة من ذات الفعل ولذا صحّ جعل الحكم مطلقا غير مختص بصورة العلم والاختبار فإن الحرمة الذاتية لا تجري فيهما في غيرهما كمن تطهر معتقدا لطهارة الماء أو مكرها عليه وربّما يستظهر في المقام تحقق الحرمة الذاتية أيضا من ظواهر النّهي عن التوضي بالماء النّجس ونحوه وحكمهم بوجوب الاجتناب عن الإناءين المشتبهين في الطّهارة عن الخبث في ظاهر كلامهم فإنّ الحرمة التشريعيّة لا تمنع عن الاحتياط بالجمع بين الواجب وغيره المحرم تشريعا كما في اشتباه المطلق بالمضاف واشتباه القبلة والمائية وغير ذلك لعدم عنوان التشريع مع الاحتياط ويضعف الاستظهار من ظاهر النواهي بأنّ النّهي فيها وارد في مقام رفع اعتقاد الإجزاء الحاصل من إطلاق أوامر الطّهارة فإن الأمر المطلق كقول الشّارع توضأ وصلّ وقول الموكّل اشتر لي رقبة يدلّ على الرّخصة في الوضوء بالماء النّجس والصّلاة في الثّوب النّجس وشراء الرّقبة الغير المؤمنة وهذه الرّخصة رخصة وضعية حاصله من تخيير العقل في امتثال المطلق في ضمن أيّ فرد كان فإذا ورد بعد ذلك قوله لا تتوضأ بالماء النّجس ولا تصل في الثّوب النّجس ولا تشتر رقبة غير مؤمنة لم يرد بذلك إلاّ رفع تلك الرّخصة أعني رفع الإذن عن امتثال المطلق في ضمن الفرد المنهي عنه وأنّ الامتثال في ضمن هذا الفرد غير مأذون فيه ومعلوم أنّ هذا لا يوجب تحريما أصلا فضلا عن أن يكون ذاتيّا نعم التعرّض للامتثال فيما لم يأذن الشّارع في الامتثال به تشريع محرم بالأدلّة الأربعة ولا يجوز أن تكون حرمة هذا التشريع بتلك النواهي لأنها محصّلة ومحققة لموضوع التشريع فلا يصحّ أن يكون منهيّا عنه بها وأمّا حكمهم بوجوب اجتناب المشتبهين فلأجل النّص الوارد بوجوب التيمّم معهما فيقتصر على مورد النّص وما يفهم منه التعدي إليه كأزيد من الإناءين واشتباه نجس العين بالطّاهر وغير ذلك انتهى وإذا فرض كون تحريم الاستعمال تشريعيّا خرج المثال من محلّ النّزاع كما تقدّم عند تحرير محلّه لعدم منافاته للاحتياط كما عرفت وحينئذ يجوز أن يتوضأ بأحد الإناءين ثمّ يغسل أعضاء الوضوء بالآخر ثم يتوضأ به للقطع حينئذ بحصول الطّهارة اليقينية ويدفع احتمال تنجس بدنه بقاعدة الطّهارة إذ كما يحتمل عروض النجاسة عقيب التطهير بالماء الطّاهر كذلك يحتمل تعقب التّطهير بالماء الطّاهر بالتطهير بالمتنجّس مع أنه يمكن تكرير الصّلاة بالإتيان بها عقيب كل من الطّهارتين فالنّهي عن استعمال الإناءين المشتبهين كما في موثقتي سماعة وعمّار عن رجل معه إناءان وقع في أحدهما قذر ولا يدري أيّهما هو ولا يقدر على ماء غيرهما قال يهريقهما ويتيمّم وعن المعتبر والمنتهى عمل الأصحاب بهما وقبولهم لهما مضافا إلى الاتفاقات المستفيضة لا بد أن يكون من باب التعبّد لمصلحة راعاها الشّارع لا لأجل تقديم جانب الحرمة المحتملة وقال المصنف رحمه‌الله ويمكن تنزيل النّص لأجل تطبيقه على القاعدة على ما إذا لم يتمكن من إزالة النّجاسة المتيقنة عن بدنه وتكرار الصّلاة مع كل وضوء وإن كان ممكنا إلاّ أنّه قد لا يتمكن من إزالتها للصّلاة الآتية ولسائر استعمالاته المتوقفة على طهارة يده ووجهه وقال وبالجملة فترك الاستفصال لا يفيد العموم في هذا المورد بالنسبة إلى صورة غير صورة لزوم وقوعه في المحذور من استعمال النجس في الصّلاة والأكل والشرب ونجاسة ما يتضرر من نجاسته من المأكول والمشروب انتهى ويؤيّده عدم كون الأمر بالإراقة للوجوب يقينا فلا بد أن يكون الوجه فيه معارضة التوضي بالإناءين لفوات واجب آخر من طهارة البدن في الصّلاة أو الأكل والشرب ونحوها وحينئذ تكون الإراقة قريبا من الاحتياط لانتقال التكليف حينئذ إلى التيمّم وفيه نوع جمع بين ترك الحرام وفعل الواجب ولعلّه من هنا قد أفتى بعض مشايخنا بجواز التوضي بهما على نحو ما تقدم وحينئذ تكون الموثقتان واردتين على طبق القاعدة ثمّ إنّ حرمة التوضي بالماء النجس أو المحتمل له تشريعا لأجل قصد التعبّد به مع فقد شرطه أو احتمال ذلك فيه لا ينافي تحريم استعماله في الأكل والشرب ذاتا كما هو واضح ومع تسليم الحرمة الذّاتية في المقام نقول إن وجه ترك الواجب وهو الوضوء ثبوت البدل له دون الحرام وهو التيمّم لا كون ذلك لأجل تقديم جانب الحرمة وفي التيمّم نوع جمع بين الواجب وترك الحرام قال المصنف رحمه‌الله في كتاب الطّهارة وكأنه لذلك يجب التيمّم في كل مورد يلزم من الطهارة المائية فوات واجب لا بدل له ولا يختص بما يلزم منه فعل محرّم والسّرّ أنّه فهم من أدلّة التيمّم عند العذر في استعمال الماء المشمول لمورد مزاحمة واجب أو استلزام محرّم وعلّل في بعض الأخبار تقديم مراعاة سائر الواجبات والمحرّمات بأنّ الله جعل للماء بدلا فتأمّل انتهى ومع التسليم نقول إن تقديم جانب الحرمة فيما نحن فيه إنّما هو للتحرز عن الحرمة المحتملة ولا يمكن إثبات ذلك بوجوب ترك استعمال الإناءين المشتبهين لأنّه للاحتراز عن الحرمة المعلومة إجمالا لا يقال إذا ثبت جواز المخالفة القطعية للواجب لأجل تحصيل الموافقة اليقينية للحرام ثبت جواز المخالفة للوجوب المحتمل لأجل تحصيل الموافقة للحرمة المحتملة لاتحاد طريقهما وبهذا الاعتبار عدّ هذا المثال

٣٢٠