أوثق الوسائل في شرح الرسائل

ميرزا موسى التبريزي

أوثق الوسائل في شرح الرسائل

المؤلف:

ميرزا موسى التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات كتبي نجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٦

زواله بإلقاء الشبهة نعم إذا استقرّ اعتقاده بالتقليد ولم يحتمل عنده زواله بإلقاء الشبهة فالعقل حينئذ وإن لم يحكم بتحصيل أزيد من ذلك ولكن العالم بطريق الاستدلال إذا علم من حال هذا الرّجل المذعن من قول أبيه وأمّه أنّه لو ألقيت إليه شبهة تزلزل اعتقاده وتردد فيه بمجرد إلقائها إليه وجب عليه تنبيهه على ذلك من باب الإرشاد وطريق التّنبيه إمّا بإلقاء الشبهة إليه لإزالة اعتقاده حتّى يحصّل بعده اعتقادا ثانيا أتقن من الأوّل لكون حصول الاعتقاد الثّاني بعد الالتفات إلى الشّبهة وإمّا بأن يقول له لا يجوز لك التديّن على طبق اعتقادك لعدم الاعتداد به لعدم حصوله عن نظر واستدلال فيجب عليك تحصيل اعتقاد ناش من الاستدلال وهذا إنّما يتمشى بالنّسبة إلى من لا يلتفت إلى وجوب العمل على طبق العلم والاعتقاد وأنّه لا طريق له أقرب إلى الواقع من العلم سيّما من لا يحتمل عنده زوال اعتقاده بإلقاء الشبهات كما يتفق ذلك لبعض عوام النّاس لأنّ منهم من لو قال له بعض الثّقات عنده في العلم لا يجوز ذلك العمل بعلمك تزلزل في وجوب العمل بعلمه وأمّا بالنّسبة إلى من كان ملتفتا إلى أنّه لا طريق أقرب إلى الواقع من العلم وأنّه لا يعقل ترك العمل به فينحصر تنبيهه في الوجه الأوّل وما قدمناه في المذعن من قول أبيه وأمّه من وجوب تنبيهه من باب الإرشاد على ما عرفت جار أيضا فيمن حصل له الاعتقاد من النّظر والاستدلال ولم يحتمل عنده زواله بإلقاء الشّبهة ولكن غيره كان عالما بعدم استقرار اعتقاده وزواله بإلقاء الشّبهة فحينئذ يجب عليه تنبيهه أيضا من باب الإرشاد كما تقدّم إلاّ أنّ الوجه الثّاني من وجهي التنبيه لا يجري هنا كما هو واضح (قوله) إنّما هو في العقليّات إلخ لأنّه لو فرض حصول العلم من التقليد في المسألة العقلية فلا يخلو ذلك إمّا أن يكون مع التفات العقل إلى الجهة التي يحكم فيها بملاحظتها أو مع الغفلة عنها وكلاهما باطلان أمّا الأوّل فلأنّه مع التفات العقل إلى الجهة الّتي يستقل بملاحظتها في المسألة ويحكم فيها بشيء نفيا أو إثباتا لا يعقل حينئذ حصول العلم من قول الغير مطلقا سواء كان مطابقا له أو مخالفا له وأمّا الثّاني فلأنّه مع الغفلة تخرج المسألة من كونها عقلية مثلا إذا أخبر أحد بحدوث العالم فإن كان المخبر له ملتفتا إلى تغير العالم وكون كلّ تغيير حادثا فلا يعقل حصول العلم له من سبب آخر وإن لم يكن ملتفتا إليهما فلا يكون حدوث العالم عقليّا ولو بالنّسبة إلى هذا الشخص غير الملتفت (قوله) مع أن الإنصاف إلخ في إطلاق كلامه منع واضح لمخالفته للعيان وشهادة الوجدان (قوله) نظرا إلى العمومات إلخ وجه الحاجة إلى تمهيد المقدّمات الثّلاث وأنّ العمومات بمجرّدها لا تكفي في إثبات المدّعى لإمكان اندراج الجاهل القاصر في صنف الكفار ولا بضميمة ما دل على خلود الكفار في النار لإمكان خلود الجاهل القاصر في النّار فلا يتم المقصود إلاّ بضميمة تقبيح العقل لمؤاخذته ثمّ إنّ التّمسّك بالعمومات إنما يتم على تقدير اعتبار الظواهر في مثل المقام وهو ممنوع كما أوضحناه فيما علقناه على المقام الأوّل فالأولى أن يستدلّ على عدم وجود القاصر في المعارف الخمس بما أطبقوا عليه من وجوب اللّطف على الله سبحانه إذ لا شكّ أن نصب الأمارة القطعيّة في المعارف الخمس من أقوى الألطاف على الله تعالى إذ لا ريب أن معرفتها والاعتقاد بها من أقوى أسباب القرب إلى الله تعالى والبعد عن معاصيه ولو لا وجوب هذا اللطف لا يمكن إثبات وجوب إرسال الرّسل ونصب الأوصياء عليه تعالى فكيف يجوز لله سبحانه أن يهمل عباده كالهمج الرعاع ولا ينصب أمارة على التوحيد والعدل والمعاد والنبوّة والإمامة(قوله) شهادة الوجدان إلخ لا يخفى أنّ شهادة الوجدان إنّما تتم مع الاطلاع على حال الغير والعلم بعدم تمكنه من تحصيل المعرفة في تمام عمره ولو بالسّؤال والتّعلم وهو بعيد(قوله) مع ورود الأخبار إلخ قد تقدّم فيما علقناه على المقام الأوّل شطر من الأخبار الدّالة على ثبوت الواسطة ومناظرة زرارة مع أبي جعفر عليه‌السلام (قوله) لأنّ المفروض عجزه إلخ يمكن تقريب الاستدلال بوجهين أحدهما أنّ موضوع الأصول الاعتقادية هو العلم دون الواقع على وجه يكون العلم طريقا إليه فمع انتفاء العلم ينتفي التكليف لانتفاء موضوعه ولا دليل على قيام الظنّ مقامه مطلقا ولو مع انسداد باب العلم إليه وقد تقدّم توضيحه عند شرح قوله ولعل الوجه في ذلك أنّ وجوب التديّن المذكور إلى آخره وثانيهما أنّه على تقدير تسليم تعلق التّكليف بالواقع في الأصول أيضا كالفروع بأن كان التديّن بأصول الإسلام مطلوبا في نفس الأمر والعلم طريقا إليه فلا ريب أنّ قيام الظنّ مقام العلم حينئذ على تقدير الانسداد إنّما هو على فرض عدم جواز التّوقف هنا كعدم وجوب الاحتياط في الفروع لأجل لزوم اختلال النظم أو العسر وعدم جوازه في المقام كما ذكره المصنف رحمه‌الله غير ثابت لاحتمال اختصاص التكليف بالواقع بصورة التمكن من تحصيل العلم بالواقع ولعلّ المصنف رحمه‌الله قد خلط بين الوجهين لأن قوله ولا دليل آخر على عدم جواز التّوقف ربّما يومي إلى الوجه الثّاني وقوله فلا دليل على وجوب تحصيل الظنّ ربّما يومي إلى الأوّل فتدبر(قوله) فلا يبعد وجوب إلزامه إلخ لا يخفى أنّ الحكم بالوجوب لا يناسب حكمه بعدم وجوب تحصيل الظنّ على من لم يتمكن من العلم ولو تمّ ما ذكره من الأولوية لثبت وجوب تحصيل الظنّ على نفسه أيضا(قوله) إمّا أن يكون إصراره إلخ أي بقاؤه على التقليد وعدم رجوعه إلى النّظر والاستدلال (قوله) على الوجوب أي وجوب النّظر(قوله) بعد أولا إلخ بأن لم يحكم عقله بوجوب النّظر ولا بيّن له غيره (قوله) فهذه أقسام أربعة عشر إلخ ثلاثة أقسام للمقلد الجازم في الحقّ لأنّه إمّا عالم بوجوب النّظر بدلالة عقله أو ببيان الغير أو جاهل به وعلى تقدير العلم إمّا مصرّ أو غير مصرّ وثلاثة أقسام للمقلّد الظانّ في الحقّ لأنّه أيضا إمّا عالم بوجوب النّظر أو جاهل به وعلى تقدير العلم مصرا وغير مصرّ وأربعة أقسام للمقلّد الجازم في الباطل لأنّه إمّا عالم بوجوب النّظر أو جاهل به وعلى تقدير العلم إمّا معاند ومصر وإمّا معاند غير مصرّ وإمّا مصرّ غير معاند وأربعة أقسام للمقلد الظانّ في الباطل على نحو ما عرفته في سابقه فهذه أربعة عشر قسما(قوله) ثمّ ذكر الباقي إلخ تتمّة العبارة هكذا إن مات ولم يرجع من اعتقاده الباطل التّاسع هذه الصّورة من غير علم بالوجوب وهذا أيضا كافر وكذا العاشر يعني هذه الصّورة من غير عناد الحادي عشر المقلّد في الباطل الظّان معاندا مع العلم والإصرار الثّاني عشر بلا إصرار الثّالث

٢٤١

عشر بلا علم الرّابع عشر بلا عناد والحكم في الجميع يظهر مما سبق انتهى (قوله) مقتضى هذا القول إلخ يعني أن الحكم بكفر المقلّدين في الباطل على القول بعدم التقليد أولى من الحكم بكفر المقلّدين في الحقّ على هذا القول وقد تقدّم أنّ مقتضى قول المشهور من عدم جواز التقليد هو الحكم بكفر المقلّد في الحقّ فالمقلّد في الباطل أولى (قوله) من القول بوجوب النّظر مستقلا إلخ اختاره المحقّق أيضا في المعارج (قوله) لأنّه يؤدّي إلى الإغراء إلخ لأنّ الحكم بسقوط العقاب يؤدّي إلى بقائه على التقليد وجهله بوجوب النّظر(قوله) وأجاب عنه بمنع ذلك إلخ عبارة الشيخ المحكية هكذا وذلك لا يؤدّي إلى شيء من ذلك لأن هذا المقلّد لا يمكنه أن يعلم أنّ ذلك سائغ له فهو خائف عن الإقدام على ذلك ولا يمكنه أن يعلم سقوط العقاب عنه فيستديم الاعتقاد إلى آخر ما ذكره وفيما نقله المصنف رحمه‌الله عنه رحمه‌الله من العبارة تغيير وتبديل غير مخلّ بالمقصود(قوله) وأقوى ممّا ذكرنا إلخ يعني أنّ الأقوى ممّا ذكرناه من إطلاق عدم جواز التقليد هو تخصيص عدم الجواز بصورة وجود طريق علمي إجمالي أو تفصيلي يمكن للمقلد التوصّل إليه لأن من ليس له طريق علمي أصلا فهو كالبهائم (قوله) أقول ظاهر كلامه إلخ في كلام الشّيخ مواقع للنّظر لا بأس بالإشارة إليها مع توضيح لما أورده المصنف رحمه‌الله عليه أحدها أن ظاهره بل صريحه دعوى إجماع العلماء على كفاية التقليد في الأصول حيث لم يقطعوا موالاتهم ولا أنكروا عليهم وهو موهون بذهاب المشهور إلى اشتراط الاستدلال القطعي في حصول الإيمان كما هو المحكي عنهم وإليه أشار المصنف رحمه‌الله بقوله بعد تسليمه بل يمكن دعوى الإجماع عليه إن عممنا الاستدلال للتفصيلي منه والإجمالي لأنّ ما ذكره من عدم قطعهم موالاتهم وعدم نكيرهم عليهم إنّما هو لأجل ما أشار إليه المصنف رحمه‌الله من إمكان كون ذلك من باب الحمل على الجزم بعقائدهم لعدم العلم بأحوالهم فيجوز أن يحصل لهم العلم من أوائل الأدلّة وإجمالياتها لما قدمناه عند شرح قوله بقي الكلام في أنّه إذا لم يكتف بالظنّ إلخ من أن كلّ علم لا بدّ أن يستفاد من دليل تفصيلي أو إجمالي فاتفاقهم على عدم قطعهم موالاتهم إنّما هو لأجل اتفاقهم على كفاية الدّليل الإجمالي لا لأجل تجويزهم التّقليد الّذي هو الأخذ بقول الغير من غير دليل كما صرّح به المحقّق في المقام لبعد كون عدم قطعهم موالاتهم لأجل تجويزهم التقليد بالمعنى المذكور مع اشتراط المشهور الاستدلال القطعي في حصول الإيمان فلا بدّ أن يصرف التّأويل إلى كلماتهم بتعميم الاستدلال في كلماتهم للتفصيلي والإجمالي ومن هنا يندفع ما يمكن أن يورد على المصنف رحمه‌الله من كون عدم قطع العلماء لموالاتهم من باب الحمل على الجزم بعقائدهم لا يجتمع مع اشتراط المشهور للاستدلال في حصول الإيمان لعدم تمكّن العامي منه وإن كان جازما بعقيدته ووجه الاندفاع هو ما ذكرناه من كون مرادهم من الاستدلال أعم من الاستدلال التفصيلي والإجمالي وثانيها ما أورده المصنف رحمه‌الله أيضا من أن عدم قطع الموالاة كما يحتمل أن يكون للعفو عن ترك النّظر والاستدلال كذلك يحتمل أن يكون لكون التقليد وترك النظر جائزا لأنّ عدم قطع الموالاة إذا لم يدلّ على جواز التقليد لكفاية وجود الحكم في الأدلة في الإنكار لم يدل على العفو أيضا لأنّ الأدلّة كما دلّت على وجود الحكم كذلك دلّت على المؤاخذة على مخالفته بل لو ثبت عدم قطعهم للموالاة فلا بدّ أن يكون ذلك لأجل جواز التّقليد إذ لو كان للعفو لزم عدم نهيهم لهم عن المنكر لأنّ ترك الواجب ممّا يجب النّهي عنه للأئمّة عليهم‌السلام والعلماء رحمهم‌الله وإن كان الفاعل جاهلا فضلا عن العالم بالحكم إذ فائدة الإمامة والعلم تكميل نفوس العامة بالهداية إلى ما فيه الرّشاد ومجرّد كون الحكم مذكورا في الكتاب والسّنّة غير كاف في ذلك وإلاّ لا يجب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر بالنسبة إلى فاعل المنكر وتارك المعروف مع علمه بالحرمة والوجوب وهو كما ترى وممّا ذكرناه قد ظهر أن السّيرة لو تمّت لعارضت الأدلّة الدّالة على وجوب النّظر والاستدلال ولذا التجأ المصنف رحمه‌الله إلى منع السّيرة بقوله لكن الكلام في ثبوت التقرير إلى آخره وممّا ذكرناه قد ظهر أيضا أنّ مراد المصنف رحمه‌الله بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ما يشمل أمر الجاهل بحكم المعروف ونهي الجاهل بحكم المنكر بأن يبيّن له الحكم أولا ثمّ أمر بالفعل أو التّرك وكذا مراده بكفاية وجود الحكم في الأدلّة من حيث الإرشاد والدّلالة على الحكم الشّرعي كفايته بالنّسبة إلى المجتهدين لوضوح عدم كفايته بالنّسبة إلى المقلّدين وثالثها منع قيام دليل على وجوب الاستدلال تفصيلا إذا فرض حصول العلم من تقليد الآباء والأمهات كما تقدم سابقا نعم يمكن دفعه بما استظهره المصنف رحمه‌الله من كلامه من اختصاص محلّ كلامه بالتّقليد غير المفيد للقطع ورابعها أن دفع إشكال الإغراء بالنّسبة إلى المقلد الذي اطلع على سيرة المسلمين وعلى كون مقتضاها العفو عن التقليد وترك الاستدلال بمنع الاطلاع رأسا كما هو صريح كلامه في الجواب عمّا اعترض به على نفسه ممّا لا وجه له وخامسها أن وضع العقاب عن المقلد في الحقّ دون الباطل مع تساوي المقلّدين في جميع الأفعال الاختياريّة مناف لقواعد العدل فتدبّر ثم إن على الشّيخ إشكالا آخر وهو أنّ القول بالعفو الحتمي عن المعصية كيف يجامع ما تقرّر في محلّه من كون الإيعاد على الحرام لطفا واجبا عليه سبحانه لكونه مقربا إلى الطّاعة ومبعدا عن المعصية ففي العفو إخلال باللّطف الواجب وهذا الإشكال وارد أيضا على ما ورد في الأخبار المستفيضة من العفو عن المعاصي في التّاسع إلى الحادي عشر من شهر ربيع المولود وعلى ما دلّ من الأخبار على العفو من نية السّوء وقد حكي عن المصنف رحمه‌الله الجواب عن الأوّل بأن القبيح هو العفو مع إعلام المكلّف بذلك والمفروض في كلام الشيخ عدم علم المقلّد بالعفو لكون الدّاعي إلى التحرز مع جهله به باقيا لا محالة وعن الثّاني بأنّه قد يكون في الإعلام بالنّسبة إلى من علم من حاله عدم الإقدام إلى المخالفة والمعصية في التكاليف مطلقا سواء كان ممّا ثبت العفو عنه أم لا كسلمان وأضرابه مع إيجاب إخفاء ذلك عليه إلاّ ممن علم من حاله عدم الإقدام إلى المعصية مصلحة نعم ربّما يخطئ مثل سلمان في الإعلام بمن اعتقده غير مقدم على المعصية فيعلّمه مع كونه من العصاة في الواقع فيكون هذا العاصي سببا لانتشار هذا الحكم وبالجملة أنّه مع فرض كون انتشار هذا الحكم عن تقصير المقصّرين لا يلزم خلاف اللّطف على الله سبحانه نظير أنّ إبلاغ الأحكام لطف على الله سبحانه مع اختفاء

٢٤٢

جملة منها علينا لأجل تقصير المقصّرين في الحفظ والإبلاغ وبالجملة أنّه قد يكون في الإعلام مصلحة وإن لم نعلمها بخصوصها (قوله) فلا ينبغي التّأمّل إلخ بل نقول ستعرف في كلام المصنف رحمه‌الله عدم صلاحيّة مثل القياس لترجيح أحد الدّليلين المتعارضين فعدم صلاحيّته لجبر ضعف دليل أولى لأنّ الترجيح إنّما يكون بين دليلين تامّين بحيث لا يوجد مانع من العمل بهما سوى تمانعهما وتعارضهما فالترجيح إنّما هو لرفع المانع عن العمل بأحدهما المعيّن والجبر إنّما يفرض بالنّسبة إلى الدّليل الضّعيف فلا محالة يكون الجابر جزء حجّة فإذا فرض عدم صلاحيّة مثل القياس للترجيح فعدم صلاحيته لصيرورته جزء حجّة بطريق أولى (قوله) ومن هنا لا ينبغي التّأمّل إلخ حاصله أنّ المعتبر في باب الدّلالة هو ظهور الكلام بنفسه أو بالقرائن في المعنى المقصود وغاية ما تفيده الظّنون الخارجة هو كون المعنى المظنون مرادا من هذا الكلام لا إعطاء الكلام ظهورا في الإرادة مضافا إلى منع إفادتها لما ذكر كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله (قوله) أو بالقرائن الدّاخلة إلخ لعل المراد منها ما يعدّ جزءا من الكلام كالقرائن اللفظيّة المتّصلة أو كالجزء منه كالقرائن اللفظيّة المنفصلة أو الحاليّة(قوله) بفهم الأصحاب إلخ مثل قوله عليه‌السلام لا سهو في سهو حيث فسّره العلامة في المنتهى بأنّه لا سهو في موجب السّهو ونسبه إلى فهم الأصحاب والفرق بين فهم الأصحاب وعملهم واضح (قوله) كما عرفت إلخ خبر لقوله والفرق وهو إشارة إلى ضعف الفرق المذكور وذلك لأنك قد عرفت في كلام المصنف رحمه‌الله أنّ المعتبر في القرائن ما يعطي ظهورا في إرادة المعنى والقرينة الظنيّة الوجود ليست كذلك إذ غايتها الظن بالظهور لا القطع به ولذا يعتبر في القرائن القطع بوجودها وإن كانت دلالتها ظنية فتدبّر فإن قلت كيف تنكر جبر ضعف الدّلالة بالأمارات المشكوكة الاعتبار ومن مذهبك عدم جواز العمل بالعمومات التي نالتها يد التّخصيص كثيرا مثل قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وقوله عليه‌السلام المؤمنون عند شروطهم ولا ضرر ولا ضرار ونحوها إلاّ بعد عمل أكثر الأصحاب أو طائفة منهم في مورد أريد إجراء حكم هذه العمومات فيه وليس هذا إلاّ التزاما بانجبار الدّلالة بعمل الأصحاب قلت هذا ليس من قبيل ما ذكرت لعدم قصور في إفادة العمومات المذكورة للعموم واشتراط العمل بها إنّما هو لوجوب الفحص عن المخصّص في العمل بالعمومات لما كثر من ورود التخصيص عليها وقصرت أيدينا عن الوصول إلى مخصّصاتها بالفحص عن مظانّها وكان القدماء واقفين على الأدلّة الخاصّة والعامّة ومطّلعين على ما لم يصل إلينا كثيرا كان عملهم بها في مورد كاشفا ظنيّا عن عدم ورود مخصّص عليها مخرج لهذا المورد عنها فاشتراط عمل الأصحاب بها في جواز العمل بها إنّما هو لرفع المانع لا لإثبات المقتضي (قوله) وبقي الكلام في مسند إلخ المخالف هنا هو الشّهيد الثّاني والمقدس الأردبيلي وصاحبا المدارك والمعالم على ما حكي عن بعضهم ثمّ لا يخفى أنّ للشهرة خصوصيّة وامتيازا من بين سائر الأمارات غير المعتبرة ولذا قيل باعتبارها من باب الظنّ الخاصّ للمقبولة والمرفوعة وقد تقدّم الكلام في دلالتهما عند الكلام في الشّهرة فراجع فإذا فرض عدم صلوحها للجبر فغيرها أولى بذلك (قوله) بصدق الخبر يعني من حيث الصّدور(قوله) الصّدور مطلقا وإن لم يكن الرّاوي مؤمنا(قوله) لخروج خبر غير الإمامي إلخ لا لعدم حجيّة مظنون الصّدور وحاصله أن مظنون الصّدور حجة عندهم إلاّ أنّه خرج منه خبر غير الإمامي بالدليل (قوله) قلنا إن كان إلخ حاصله أنّ المستثنى إن كان مختصّا بغير مظنون الصّدور فلا بدّ أن يقولوا بحجيّة الموثق لدخوله في المستثنى منه ولا يقولون به وإن كان عاما له فلا بدّ أن يقولوا بعدم حجيّة الضّعيف المنجبر بالشهرة وهو خلاف المدّعى (قوله) مع أن المشهور لا يقولون بذلك إلخ هذا ربّما ينافي مقابلة المنجبر بالشّهرة وغيرها من الأمارات للخبر الموثق في قوله وبالجملة فالفرق بين الضعيف إلخ لأنّ هذا الكلام يومي إلى عمل المشهور بالمنجبر بغير الشّهرة أيضا كعملهم بالمنجبر بها ولعل الأوّل مبني على ظاهر كلمات المشهور حيث خصّوا الجواز في ظاهر كلماتهم بالمنجبر بالشهرة والثّاني على حمل الشّهرة في ظاهر كلماتهم على المثال لوضوح أنّ وجه الجبر بها إفادتها للظنّ بالصّدور وهذا المناط حاصل في غيرها من الأمارات أيضا ولكن يمكن دفعه بمنع كون المناط في الجبر بالشّهرة هو مجرّد الظنّ بالصّدور لاحتمال كونه شيئا آخر مفقود في غيرها كالإجماع والأولوية كما سيشير إليه (قوله) مجبور بالشّهرة لعلّ هذا مبني على ما زعمه المشهور من صلوح الشّهرة للجبر لا على مختار الشّهيد الثّاني (قوله) ولا يخفى بعده لأنّ المنهي عنه إلخ مضافا إلى أنّه خلاف ظاهر لفظ التبيّن وإلى أنّ مقتضاه القول بالجبر بكلّ ظنّ سواء كان حاصلا من الشّهرة أو غيرها ولا يقول به المشهور بل مقتضاه القول بحجيّة مطلق الظنّ ولذا استدلّ المحقق القمي رحمه‌الله بمنطوق الآية عليه لأنّه مع التبيّن عن صدق الخبر فمناط اعتباره هو نفس التبيّن من دون مدخليّة للخبر في العمل (قوله) مع أن ذكر الشّهرة إلخ من التأمّل فيما ذكره يظهر ضعف كلّ من دعوى الإجماع والأولويّة فلا تغفل (تنبيه) اعلم أنا إن قلنا بكون الشّهرة جابرة لضعف سند الرّواية فإنّما هو لأجل إفادتها للظنّ بصدق الرّاوي وكون الرّواية صادرة عن الإمام عليه‌السلام وحينئذ إذا كان للخبر جزءان أو أجزاء كان أحد الجزءين موافقا لفتوى المشهور دون الجزء الآخر فالمنجبر حينئذ هو ضعف السّند بالنّسبة إلى إثبات الجزء الموافق لفتواهم لأنّ المظنون بسبب الشّهرة صدق الرّواية أو الرّاوي بالنّسبة إلى الجزء الموافق خاصّة وربّما يخرج هنا شقوق لا دليل عليها فلا طائل في ذكرها فتدبّر(قوله) على هذا الوجه أي لأجل إفادة الظن النّوعي (قوله) كان للتوقف مجال ناش من انتفاء موضوع الحجيّة بسبب القياس ومن كون الظنّ القياسي كعدمه شرعا(قوله) فيكفي في المطلب إلخ من عدم كون القياس موهنا مطلقا وعلى تقديره يلزم ارتكاب تخصيصين أحدهما في أدلة حجيّة الخبر والآخر في أدلّة حرمة العمل بالقياس وكلاهما خلاف الأصل (قوله) بل مقتضى ظاهر لايخفى أنّه لو كان المنع من العمل بالقياس لأجل كونه كالموهوم لزم منه وجوب العمل بما يقابله سواء كان هنا أمارة أو أصل معتبر أم لا وهو كما ترى (قوله) ويؤيّد ما ذكرنا إلخ إنّما جعله مؤيّدا لاحتمال كون ردع الإمام عليه‌السلام لأجل عمل أبان بالقياس في مقابل ما بلغه من الخبر لا لمجرّد طرح الخبر به من دون عمل به كما هو المدعى (قوله) وهذا حسن يعني القول بعدم حصول الوهن بالقياس مطلقا

٢٤٣

وإن قيّدنا اعتبار الظواهر بعدم حصول الظنّ بخلافها(قوله) وأمّا ما كان اعتباره إلخ حاصل الفرق بين الصّورتين أنّ الشّرع إذا دل على حجيّة الخبر ما لم يظن خلافه فإذا حصل الظنّ من القياس بخلافه فموضوع الحجيّة حينئذ وإن كان مرتفعا باعتبار ارتفاع قيده إلاّ أن الحكم بعدم الحجيّة حينئذ أيضا بحكم الشّرع بذلك لأنّ الشرطية إذا ثبتت بالشّرع فإذا ارتفع الشّرط يكون ارتفاع المشروط من جانب الشّارع فحينئذ يكون عدم حجيّة مثل هذا الخبر من الآثار المرتبة على الظن القياسي وقد نفاها الشارع عنه رأسا هذا بخلاف ما إذا كانت حجيّة الخبر الّذي لم يظن خلافه ثابتة ببناء العقلاء لا بجعل الشّارع فإنّه إذا ارتفع موضوعها بالظن القياسي لا يترتب عليه أثر شرعي أصلا لأن المرتب عليه حينئذ ارتفاع بنائهم لارتفاع موضوعه بسبب الظنّ القياسي وهو أثر عادي لا شرعي ونفي جميع الآثار الشّرعيّة عن القياس لا يدل على نفيه أيضا وإذا عرفت هذا ظهر لك أنّ المراد بقوله فلا يرتفع ذلك إلى آخره أنّ المنع المذكور لا يرتفع بما ورد في القياس لعدم كون المنع المذكور من الآثار الشّرعيّة المرتبة على مورده والضّمير في قوله في كونه مجعولا إلخ راجع إلى القدح وكونه مجعولا شرعيّا فيما كان اعتبار الأمارة المقيد بعدم الظنّ بخلافها شرعيّا واضح لأن مرجع قدح القياس في حجيتها إلى ارتفاع حجيتها بسبب فقد شرط الحجيّة وقد عرفت كون المشروط شرعيّا مع كون الشّرطيّة شرعيّة فيكون ارتفاع المشروط أيضا عند ارتفاع شرطه شرعيّا بخلاف ما لو كان اعتبار الأمارة المقيّد بعدم الظنّ بخلافها من باب إمضاء بناء العقلاء فإنّ مرجع قدح القياس حينئذ إلى ارتفاع إمضاء الشّارع لأجل ارتفاع موضوعه وهو بناء العقلاء فارتفاع الحجيّة حينئذ عقلي لا شرعيّ فلا تدل الأخبار الواردة في القياس على عدم هذا القدح لأنّ الفرض أنّ مقتضاها عدم ترتيب الآثار الشّرعيّة على مورده دون العقليّة والعادية وكيف كان فحيثما فرض عدم كون الظنّ القياسي قادحا في حجيّة الخبر المذكور كان مرجعه إلى تقييد دليل حجيّة الخبر المذكور بغير الظنّ القياسي وحاصله حجيّة الخبر ما لم يكن خلافه مظنونا إلاّ إذا كان خلافه مظنونا بالظنّ القياسي (قوله) فلا إشكال في الحكم إلخ هذا إنّما يتم فيما لو علم أنّ اعتبار الشّارع للخبر بوصف الظنّ كون اعتباره في حجيته من باب الطريقية المحضة لا لأجل مصلحة أخرى فيه وإلاّ فلا وجه للحكم بحجيته مع زوال الوصف (قوله) لأنّه لا ينقصهما إلخ لا يذهب عليك أنّه إذا نهى الشّارع عن العمل بالقياس وصرّح بكون وجوده كعدمه فالعقل بعد الانسداد إنّما لا يجوّز العمل بالظنّ الحاصل منه في موارده قبل حصوله لأنّ العقل إنّما يجوز العمل بالظنّ بعد الانسداد لكونه أقرب إلى الواقع من الوهم والشّكّ وإذا كشف الشّرع عن حال القياس وأنّه كالشّك أو الوهم فلا يجوّز العقل الإقدام على العمل به لا محالة ولكن إذا حصل الظن منه فلا محالة يكون الرّاجح عند العقل هو مؤدّى القياس لا ما يقابله لكونه موهوما حينئذ والعقل لا بدّ حينئذ أن يحمل حكم الشّارع بكون القياس كالشّكّ أو الوهم في إصابة الواقع وعدمها على سائر الموارد التي لم يحصل الظنّ من القياس فيها بعد وكذلك عموم النهي في مورد حصول الظنّ على عدم إرادة الواقع منه في هذا المورد وإلاّ فلا يعقل نهي الشّارع عن العمل بالظنّ في مورد الانسداد مع إرادة الواقع منه في هذا المورد كما حقّق المصنف رحمه‌الله جميع ذلك في الوجه السّادس من وجوه التفصي عن إشكال إخراج القياس من تحت نتيجة دليل الانسداد وحينئذ إن أراد من الظنّ الثاني ما كان مفيدا لرجحان كون الواقع في مورده وإن كان ذلك موهوما فعلا لأجل حصول الظنّ الفعلي بخلافه ففيه أنّ العقل لا يجوّز العمل بمثل ذلك بعد الانسداد لأنّ المدار في حكم العقل على الرّجحان الفعلي وإن أراد منه ما كان مفيدا لرجحان كون الواقع في مورده فعلا وإن كان الظنّ حاصلا بخلافه ففيه أنّه غير معقول كما عرفت وإلى جميع ما ذكرناه أشار المصنف رحمه‌الله في آخر كلامه بقوله ثمّ إنّك تقدر بملاحظة إلى آخره (قوله) بل يجب القول بذلك ظاهره كون صحّة ما ذكره أولى بالنّسبة إلى رأي البعض من قول من قال بالانسداد الأغلبي والوجه فيه واضح لأنّ القائل به لم يبطل وجوب الاحتياط بعد الانسداد إلاّ عمومه وكليّته وحينئذ يمكن أن يلتزم بوجوب الاحتياط في مورد القياس إلاّ أنّه بعد ملاحظة عدم نقصان الأمارة المزاحمة بالظنّ القياسي بالنسبة إلى السّليمة عنه يستقلّ العقل بوجوب العمل بكلّ منهما بخلافه على رأي البعض لأنّه قد أبطل وجوب الاحتياط من رأس وحينئذ فلا مناص من العمل بالظنّ المزاحم بالقياس إذ بعد الانسداد وبقاء التكليف إذا فرض عدم وجوب الاحتياط وعدم الدّليل على جواز العمل بالبراءة والاستصحاب وحرمة العمل بالقياس فلا مناص من العمل بالأمارة المزاحمة به إذ لولاه للزم التكليف بما لا يطاق (قوله) وأمّا الظنّ الّذي لم يثبت إلغاؤه إلخ لا يخفى أنّ الظنّ غير المعتبر إن كان صالحا للتوهين كان صالحا للترجيح أيضا لأنّه إذا فرض كونه موهنا لدليل مخالف له ومسقطا له عن درجة الاعتبار فكونه مرجحا لأحد الدّليلين المتعارضين بطريق أولى وإن لم يصلح لذلك فلا بد في الترجيح من التماس دليل آخر ومن هنا كان المناسب تأخير الكلام في الترجيح عن الكلام في التّوهين كما صنعه المصنف رحمه‌الله وكيف كان فالتوهين يلاحظ تارة بالنّسبة إلى السّند بأن يحصل الظنّ من أمارة غير معتبرة بعدم صدور الخبر عن الإمام عليه‌السلام وكونه كذبا وأخرى بالنّسبة إلى وجه الصّدور بأن يحصل الظنّ منها بصدوره تقية لا لبيان الواقع وثالثة بالنّسبة إلى الدّلالة أمّا الأوّل فلا إشكال فيه على القول باعتبار الخبر من باب الظنّ بصدق الرّاوي أو الظنّ بصدوره عن الإمام عليه‌السلام أو الوثوق به لأنّ الأمارة إذا أفادت الظن بخلاف الأمور المذكورة انتفي مناط اعتباره على الأقوال المذكورة بل تسميتها موهنة حينئذ لا تخلو من مسامحة كما لا يخفى وأمّا على القول باعتباره من باب صفة الرّاوي أعني كونه عدلا فربّما تمكن دعوى كونها موهنة له أيضا ولذا قال صاحب المدارك مخالفة الحديث الصّحيح مشكل ومخالفة الأصحاب أشكل وذلك لأنّ اعتبار وصف العدالة في الرّاوي عندهم إنّما هو لكونه قرينة على صدق الخبر ومع حصول الظنّ بخلافه من أمارة غير معتبرة يزول عنه وصف كونه قرينة اللهمّ إلاّ أن يقال بكون اعتبار وصف العدالة عندهم من باب التّعبد المحض بل تمكن دعوى عدم الدّليل على اعتبار الخبر المخالف للأمارة الظنّية على هذا القول أيضا كيف لا وقد ادعى في مطالع الأنوار الإجماع

٢٤٤

على عدم اعتبار قول العدل في مقام الشّهادة إذا لم يكن مورثا للظنّ ففي الأحكام بطريق أولى فتأمل وأمّا الثّاني ففيه وجهان من كون ورود الكلام في مقام التقيّة والخوف خلاف الأصل والظّاهر لأنّ الظّاهر من حال المتكلّم سيّما المنصوب من قبل الله تعالى لتبليغ الأحكام الواقعيّة هو بيان المراد الواقعي لا إيراد الكلام لغرض آخر مضافا إلى بناء العقلاء عليه ولذا يحمل السّامع الأقارير والوصايا على بيان الواقع وإن لم يكن مخاطبا بالكلام بل سامعا من وراء الحجاب ومن أنا قد علمنا إجمالا بصدور كثير من الأخبار عن الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم في مقام التقيّة والاضطرار وبوجودها في الأخبار الموجودة بأيدينا اليوم فلا بد حينئذ من اعتبار الظنّ بذلك وإلاّ سقط جميعها عن درجة الاعتبار لاحتمال ذلك في كلّ واحد منها وهو واضح البطلان والأقرب هو الوجه الأوّل لمنع العلم الإجمالي بعد إفراد الأخبار المعلومة الصّدور في مقام التقيّة من بينها بوجود خبر واحد ممّا ورد في مقام الخوف والتقيّة فيما بقي منها بأيدينا اليوم ومجرّد احتماله فيها أو الظنّ به في مورد بسبب الأمارات الخارجيّة لا يوجب ترك العمل بها لاندفاعه بما عرفت من الأصل والظّاهر وبناء العقلاء وأمّا الثّالث فالحق عدم صلوح الأمارات المشكوكة الاعتبار للتوهمين بحسب الدّلالة لأنّ اعتبار ظواهر الألفاظ إمّا من باب الظّهور العرفي المفيد للظنّ النّوعي والتعبّد العقلائي وحصول الظنّ من الأمارات المشكوكة الاعتبار بخلاف ما أفادته ظواهر الألفاظ لا ينافي شيئا منهما وهو واضح نعم لو قلنا باعتبارها من باب الظنّ الشخصي أو السّببيّة المقيّدة بعدم حصول الظن بخلافها كان الظنّ الحاصل من الأمارات المشكوكة الاعتبار على خلافها موهنا لها بل مسقطا لها عن درجة الاعتبار إلاّ أنّه لم يظهر قول محقّق بالاحتمالين المذكورين هذا كلّه إذا تبيّنت جهة التوهّمين بأن علم أنّ عمل المشهور بخلاف الخبر لسقم عندهم إما في خصوص مسنده أو في وجه صدوره أو دلالته وأما إذا اشتبهت هذه الجهات كلاّ أو بعضا فهنا صور أربع أحدها التباس الأمر من الجهات الثلاث الثانية دوران الأمر بين كون المتوهمين من جهة السّند أو الدّلالة الثالثة دوران الأمر بين كون المتوهمين من جهة السّند ووجه الصّدور الرّابعة دوران الأمر بين كونه من جهة الدّلالة ووجه الصدور والحقّ فيما عدا الأخيرة منها كونها موهنة للخبر لما عرفت من عدم حجيّته من حيث السّند في مقابل الأمارات المورثة للظنّ بخلافه على جميع الأقوال في اعتبار الأخبار من باب الظّنون الخاصّة ومع اشتباه حال عمل العلماء بخلاف الخبر واحتمال كون إعراضهم عنه من جهة سقم في سنده لم يثبت مقتضى العمل به لكون النّتيجة تابعة لأخسّ مقدّماتها وأمّا الأخيرة فالحقّ فيها عدم صلوحها للتّوهين لما عرفت من عدم صلوحها بحسب كلّ من الدّلالة ووجه الصّدور فكلّ من طرفي الشبهة لا يقدح في الأخذ بالخبر المقابل للشّهرة مثلا المحتملة للجهتين (قوله) مدفوع لأنّ حرمة العمل بالظنّ كما قرّر في محل آخر إمّا من باب حرمة التّشريع والتّدين بغير العلم وإمّا لأجل مخالفة الأصول وشيء منهما غير لازم في المقام لفرض عدم العمل في مؤدّى الأمارة غير المعتبرة في المقام وإن سقطت الأمارات المزاحمة بها عن الحجيّة بسبب مزاحمتها (قوله) ويمكن أن يحتجّ لذلك إلخ يمكن أن يحتجّ له أيضا بوجه آخر وهو أنّه لا ريب في ثبوت التّخيير بين الخبرين المتعارضين المتساويين وإذا فرض موافقة أحدهما للقياس جاء احتمال تعيّن الأخذ به فيدور الأمر حينئذ بين التّعيين والتّخيير والمقرّر في محلّه أنّ المتعيّن بمقتضى قاعدة الاشتغال هو وجوب الأخذ بمحتمل التّعين ويرد عليه أنّ العمل بالأصل إنّما هو فيما لا دليل على خلافه وما دلّ على كون وجود القياس كعدمه دليل على خلافه (قوله) بعد الفراغ عن المرجّحات بحسب السّند إلخ لا يذهب عليك أنّ المتعارضين بالعموم من وجه إن كانا موردين لملاحظة المرجحات السّندية فيها ولا وجه للحكم بالإجمال في مادة التعارض والرجوع فيها إلى مقتضى العمومات والأصول لأنّ مقتضى ملاحظة المرجّحات السّنديّة هو الحكم بالتّخيير مع فقدها وإن كانا مجملين بالنّسبة إلى مادة التعارض حتّى يصحّ الحكم بوجوب الرّجوع فيها إلى مقتضى العمومات والأصول فلا وجه حينئذ لملاحظة المرجّحات السّندية لأن موردها المتعارضان على وجه التباين وبالجملة أن المتعارضين بالعموم من وجه إن كانا في حكم المتباينين فالمتجه حينئذ هو الرّجوع إلى المرجّحات السّندية ومع فقدها فالتّخيير وإن لم يكونا في حكمهما بأن كانا مجملين بالنّسبة إلى مادّة التعارض فالمتّجه حينئذ هو الرّجوع فيها إلى مقتضى العمومات والأصول من دون ملاحظة التّرجيح بحسب السّند أصلا كما سيجيء في خاتمة الكتاب (قوله) وهو ترجيح السّند إلخ لا يخفى أنّ الكلام في المقام مبني على مقدّمتين أشار إليهما المصنّف رحمه‌الله الأولى أنّ الخلاف في جواز ترجيح السّند بمطلق الظنّ إنّما هو على القول باعتبار الأخبار من باب الظن النوعي أو التعبّد لا على سائر الأقوال الثّانية أن التّرجيح بحسب السّند تارة بحسب الصّدور وأخرى بحسب المضمون بأن يظنّ من أمارة خارجة كون مضمون أحد الخبرين المتعارضين مطابقا للواقع وأن لم يحصل منها الظنّ بصدور ألفاظه عن الإمام عليه‌السلام والمرجّح أيضا إما داخل أو خارج والمراد بالأوّل ما يرجع إلى السّند ويعطي الخبر قوّة من حيث الصدور عن المعصوم عليه‌السلام مثل الأعدليّة والأوثقية والأورعيّة وعلوّ السّند وكون الخبر واردا بطرق مختلفة فإذا وجدت في أحد الخبرين المتعارضين إحدى هذه الزّيادات يرجح صاحب الفضيلة على فاقدها مع فرض استجماعه لشرائط الحجيّة بأن كان راويه عدلا والآخر أعدل والتّرجيح بذلك لا يحتاج إلى تجشم الاستدلال عليه لأنّه إذا دلّت آية النبإ على اعتبار خبر العادل فهي بنفسها تدلّ على جواز الترجيح بالأعدليّة وغيرها مما تقدّم لكون اقتضائها لاعتبار ذي الفضيلة المذكورة أقوى من الفاقد لها وذلك لأنّا إذا قلنا باعتبار خبر العادل فله جهة موضوعيّة لأن جعل الشّارع له طريقا لامتثال أحكامه لا بدّ فيه من ملاحظة وجود مصلحة فيه فتدارك بها مصلحة الواقع على تقدير تخلّفه عنه وجهة مرآتية إلى الواقع لأجل بعد احتمال الكذب فيه بالنّسبة إلى خبر الفاسق فإذا انضاف إليه وصف زائد على ما تقدّم تقوت جهة صدوره عن المعصوم فيتقوّى بذلك اقتضاء الدّليل الدّال على اعتباره ومع الغضّ عن ذلك فإجماعهم منعقد حتى من الأخباريين على جواز الترجيح بالمرجحات

٢٤٥

الدّاخلة كما أنّه انعقد على جواز الترجيح بحسب وجه الصّدور بما يوجب رجحان صدور أحد الخبرين المتعارضين لبيان خلاف الواقع لأجل تقية ونحوها وتحرير المصنف رحمه‌الله للكلام في الترجيح بحسب وجه الصّدور على جميع الأقوال إنّما هو لأجل إتمام المقصود بحسب القاعدة وإلاّ فالظاهر انعقاد إجماعهم عليه أو مبني على عدم القطع بهذه الدّعوى وكيف كان فمحل البحث في المقام إنّما هو التّرجيح بحسب المضمون خاصّة بأن يظن بإحدى الأمارات المشكوكة الاعتبار كون مضمون أحد الخبرين المتعارضين أقرب إلى الواقع من الآخر مثل الشّهرة وعدم الخلاف وظهور الإجماع والإجماع المنقول على القول بعدم اعتباره والأولوية الظنيّة والاستقراء ونحوها وممّا ذكرنا يظهر ضعف ما أورد على قول الشّهيد الثّاني بتقديم قول المجتهد الأعلم من جهة كونه أقرب إلى الواقع بأن قول غير الأعلم قد يكون أقرب إلى الواقع من قول الأعلم من جهة موافقته للشّهرة وأقوال الأموات ونحوهما وذلك لأن مراد الشّهيد الثّاني من الترجيح بالأعلميّة نظرا إلى كون قوله أقرب إلى الواقع هو الترجيح بالمرجّح الدّاخل نظرا إلى كون دلالة ما دل على اعتبار قول العالم على اعتبار قول الأعلم أقوى من دلالته على اعتبار قول غيره فلا يعارضه اقتران قول غيره بالمرجحات الخارجة مضافا إلى ما عرفت من الإجماع على اعتبار المرجّح الدّاخل بخلاف غيره نعم لو قلنا باعتبار المرجحات الخارجة يقع التعارض بين المرجّح الدّاخل والخارج وستقف على رجحان الثّاني وتقدّمه على الأوّل وكيف كان فحيث قد عرفت انحصار محل الكلام في المرجحات الخارجة فالمشهور اعتبارها بل هذا أحد الموازين بين الأصولي والأخباري حيث ذهب الأخباريون إلى التوقف عند انتفاء المرجحات المنصوصة بخلاف الأصوليين لإطباقهم على جواز الترجيح بها (قوله) لدوران الأمر إلخ لأنّه مع تعارض الخبرين الموافق أحدهما للشّهرة مثلا فالقول فيه منحصر في ثبوت التخيير في العمل بأيّهما شاء وترجيح الموافق لها ومع العجز عن ترجيح أحد القولين سرى احتمال تعين العمل بالموافق لها إلى المقام فيدور الأمر بين التعيين والتخيير واليقين بفراغ الذمّة لا يحصل إلاّ بالأخذ بمحتمل التعيين وهذا لا ينافي القول بالتّخيير فيما لو دار الأمر فيه بين التعيين والتخيير في الفروع لأن العقل لما لم يكن له سبيل إلى الأحكام التعبديّة الفرعيّة وكان بيانها واجبا على الشّارع فحيث يدور الأمر بين حكمين فرعيين على وجه التعيين والتخيير فالعقل يستقل بقبح المؤاخذة لو أخذ المكلّف بأحدهما واتفقت مخالفته للواقع سواء كان محتمل التعيين أو غيره إذ لو كان أحدهما مقصودا للشّارع بالخصوص فلا بدّ من بيانه لقبح العقاب بلا بيان بخلاف ما لو دار الأمر بين التعيين والتخيير في المسائل الأصوليّة كما فيما نحن فيه لأن الواجب على الشّارع بيان نفس الأحكام الواقعية لا بيان كيفية امتثالها لوضوح كون ذلك موكولا إلى طريقة العقلاء في امتثال أوامر الموالي وحينئذ فلا بدّ من ملاحظة طريقتهم فإن استفيد منها اعتبار وجود شيء أو عدمه في كيفيّة الامتثال فلا بدّ من الأخذ به وإلاّ فمع الشّكّ لا بدّ من الاحتياط والأخذ بما هو الأوثق في مقام الامتثال فإن قلت إنّ هذا إنّما يتم في مقابل القول بالتخيير الذي هو نوع من البراءة لا في مقابل قول الأخباريين بالاحتياط قلت كلامنا في المقام إنما هو مع من قال بالتخيير من الأصوليين بعد الفراغ من إبطال قول الأخباريين بالاحتياط في الشبهات فإن قلت نعم ولكن إطلاق أخبار التخيير في تعارض الخبرين يمنع وجوب الاحتياط في المقام قلت أوّلا أن هذه الأخبار كلّها ضعيفة كما قيل فتأمل وثانيا أنّها موهونة بمصير الأكثر إلى خلافها حيث اعتبروا المرجّحات المنصوصة ولا اعتداد بالخبر المخالف للشّهرة على ما هو التحقيق بل عند جميع القائلين بالظنون الخاصّة أو المطلقة كما أشرنا إليه في بعض الحواشي السّابقة وثالثا أنها واردة في مقام الحيرة وعدم وجود مرجّح أصلا وذلك لأنّه لا ريب في صدور الأخبار المتضمّنة للمرجحات المنصوصة وحينئذ نقول إنّ رواة أخبار التخيير لا يخلو إمّا أن يكونوا عالمين بتلك المرجّحات حين سؤال الإمام عليه‌السلام مع علمه بعلمهم بذلك حتّى يكون مورد هذه الأخبار هو الحكم بالتخيير مع فقد المرجحات المنصوصة مطلقا سواء كانت هنا أمارة مشكوكة الاعتبار موافقة لأحد الخبرين أم لا ولكنه في غاية البعد لاختلاف رواة أخبار الترجيح والتخيير وإمّا أن يكون سؤالهم في مقام الحيرة وانتفاء المرجحات منصوصة كانت أم غيرها وذلك لا ينافي الترجيح بالأمارات المشكوكة الاعتبار ويؤيده وقوع الحكم بالتخيير في أخبار الترجيح بعد بيان المرجحات إذ لو كان الرّاوي عالما بوجوه الترجيح لم يحتج إلى البيان فمع عدم علم الرّاوي بها فحكم الإمام عليه‌السلام بالتخيير ابتداء في إخباره لا بدّ أن يكون مفروضا فيما انتفت فيه المرجحات مطلقا وإلاّ فلا بدّ حينئذ من بيان ما يجوز الترجيح به وما لا يجوز ثم الحكم بالتخيير لقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة بناء على كون ظاهر هذه الأخبار وقوع السّؤال عن محلّ الحاجة لا عن قضيّة فرضية وقد عرفت عدم منافاة ذلك للترجيح بالأمارات المشكوكة الاعتبار(قوله) فيعارض الاحتياط إلخ كما إذا فرض خبران دل أحدهما على استحباب السّورة والآخر على وجوبها وفرضت فتوى المشهور بمضمون الأوّل وقلنا بوجوب الاحتياط عند الشكّ في الأجزاء والشّرائط(قوله) إذا لا يكفي في ذلك إلخ لأنّ دلالة الأدلّة على حجيّة الأخبار غير المتعارضة إنّما هي على وجه الوجوب التّعييني فلو شملت الأخبار المتعارضة أيضا فلا بدّ أن تدل على وجوب العمل بها على وجه التخيير وحينئذ يلزم استعمال اللّفظ في أكثر من معنى واحد وأنت خبير بأنّه يكفي في إثبات حجية الخبر المرجوح نفس أخبار الترجيح والتخيير لأنّهما فرع اعتبار المتعارضين مع أنّه يمكن أن يمنع عدم شمول ما دل على اعتبار المتعارضين في أنفسهما لصورة التعارض لأن مقتضى ما دل على اعتبارهما في نفسهما وإن كان هو وجوب العمل بكل منهما تعيينا إلاّ أنّ إثبات التخيير بينهما ليس بنفس دليل اعتبارهما حتّى يلزم استعمال اللّفظ في معنيين بل به بضميمة حكم العقل لأن دليل اعتبارهما وإن دلّ على وجوب العمل بكل منهما تعيينا مطلق إلاّ أنّه يستكشف بذلك عن مطلوبية العمل بكل منهما بحسب الإمكان عند الشّارع وعدم رضاه بتركهما عند التّمكن من العمل بأحدهما لا بعينه فحيثما يمكن العمل بالخبرين معا يجب العمل بكل منهما تعيينا بمقتضى دليل اعتبارهما وحيثما لا يمكن فيه ذلك يجب العمل بأحدهما تخييرا تحصيلا لرضا الشّارع بحسب الإمكان (قوله) وليس المقام إلخ إذ الفرض عدم العلم بحجيّة الخبر المرجوح

٢٤٦

(قوله) فتراهم يستدلون إلخ يؤيّده أيضا استمرار سيرة الفقهاء على التّرجيح بالأمارات المشكوكة الاعتبار كما هو واضح للمتتبع (قوله) ما ذكروه في مسألة تعارض إلخ حاصله أنّهم قد ذكروا في الأصول مسألة تعارض النّاقل والمقرر مع عدم ورود نصّ فيها واختلفوا في تقديم أحدهما على الآخر معللين تقديم النّاقل بأن حمل الخبر على ما لا يستفاد إلاّ من الشّرع أولى من حمله على ما يستفاد من العقل أيضا لكون التأسيس أولى من التّأكيد وتقديم المقرر بأن المخالف للأصل يستفاد منه ما لا يستفاد إلاّ منه والموافق له حكمه معلوم من العقل فكان أولى ويستفاد من هذا الخلاف كون التّرجيح بأقربيّة مضمون أحدهما إلى الواقع مفروغا منه فيما بينهم وأن خلافهم في تقديم الناقل أو المقرّر إنّما هو لأجل توهّم كلّ من أرباب القولين أقربية مضمون أحدهما إلى الواقع (قوله) فإنا نعلم إلخ حاصله أنّ الأصدقية وإن كانت من المرجحات الدّاخلة المجمع على جواز التّرجيح بها إلاّ أنّ مناط اعتبار الشّارع لها من المرجحات يفيد جواز الترجيح بكل ما أفاد أقربية مضمون أحد الخبرين إلى الواقع من الآخر(قوله) وليس هذه الصّفة مثل الأعدلية إلخ إذ يحتمل أن يكون الشّارع قد جعل للعادل مرتبة لأجل عدالته فأمر بالأخذ بخبره وإن احتملت مخالفته للواقع حفظا لانتهاك حرمته بين الأنام بخلاف صفة الصّدق على ما قرّبه المصنف رحمه‌الله وكذلك في الترجيح بالأعدليّة والأصدقيّة(قوله) وممّا يستفاد منه المطلب إلخ المطلوب هو جواز الترجيح بكل ظنّ بل بكل مزية في أحد الخبرين مفقودة في الآخر كما سيصرح به وإثبات هذا المطلب بما تضمن التّرجيح بالشّهرة موقوف على مقدّمات أشار المصنف رحمه‌الله إلى جميعها إحداها كون طرح الشاذّ النّادر لأجل ثبوت ريب فيه لا لأجل عدم الرّيب في بطلانه ووجه التوقف على هذه المقدّمة واضح إذ مع بطلان أحد الخبرين يخرج الخبران من فرض التعارض كما هو واضح الثّانية أنّ المراد بانتفاء الرّيب من المشهور ليس انتفاؤه على جميع الوجوه بل انتفاء الرّيب الموجود في الشّاذ النّادر خاصة ووجه التّوقف على هذه المقدّمة أنه لولاها لانحصر مورد الترجيح بصورة عدم وجود ريب في المشهور مطلقا سواء كان هو الرّيب الموجود في الشّاذّ النّادر أم غيره والمقصود أعمّ منه الثّالثة أنّ المراد بثبوت الرّيب في الشّاذ النّادر ليس ثبوته على وجه يكون موهوما حتّى يكون انتفاؤه في المشهور بانتفاء احتماله من رأس ووجه التوقف عليها أنّه لولاها لما ثبت الترجيح بوجود ريب مشكوك في أحد المتعارضين موهوم في الآخر واستفادة المطلب ممّا تضمن التّرجيح بالشهرة بعد تمهيد هذه المقدّمات واضحة(قوله) كما يقتضيه صدر الخبر إلخ لأنّه قد تضمّن التّرجيح بالأعدليّة أوّلا وبالشّهرة ثانيا ومقتضى الأوّل جواز الترجيح بالأعدليّة وإن كان خبر العادل مشهورا(قوله) ولذا علّل يعني كلمات العلماء سوى ما ورد في الأخبار(قوله) بناء على أن الوجه في التّرجيح إلخ إنّما قيّد بذلك لأنّ هنا وجوها أخر لا يصحّ الاستدلال على هذه الوجوه بما تضمّن التّرجيح بمخالفة العامّة للمقام أحدها كون الترجيح بها تعبّدا محضا وثانيها كونه لأجل حسن ذاتي في مخالفة العامّة من حيث هي مع قطع النّظر عن كون مخالفة الخبر لهم أمارة لصدقه بحسب المضمون أو الصّدور وثالثها كون موافقة العامة دليلا على صدور الخبر الموافق لهم تقيّة ولا ريب أن شيئا من هذه الوجوه لا يصلح لإثبات جواز التّرجيح بمطلق الظنّ أو بكل مزية وفضيلة موجودة في أحد المتعارضين مفقودة في الآخر وقد تعرّض المصنف رحمه‌الله في باب التّعادل والتّرجيح لجميع هذه الوجوه وما يشهد بها من الأخبار وكلمات علمائنا الأخيار وما يرد عليها وما يدفعه عنها فلا حاجة لإطالة الكلام في ذلك في المقام (قوله) ولا بد من العمل به إلخ هذا دليل رابع في المقام قد استدلّ به جماعة منهم المحقّق الخونساري على ما حكي عنهم وهو قد يقرّر بوجه آخر وهو أنا نعلم إجمالا بوجود أخبار مطابقة للواقع في جملة الأخبار المتعارضة والفرض عدم إمكان العمل بكلّ من المتعارضين وحينئذ إن قلنا بطرحهما والعمل بالأصول الجارية في موردهما لزمت مخالفة العلم الإجمالي بل هو مخالف للأدلّة الدّالّة على اعتبار المتعارضين فتدبّر وإن قلنا بالتخيير تلزم التّسوية بين الرّاجح والمرجوح وإن قلنا بتعيّن العمل بالموهوم وطرح المظنون لزم ترجيح المرجوح على الرّاجح مع أنّه مخالف للعلم الإجمالي بمطابقة بعض الأخبار المظنونة من المتعارضين للواقع فتعين العمل بالمظنون والفرق بين هذا الوجه وما ذكره المصنف رحمه‌الله واضح وما أجاب به عنه مشترك بينهما(قوله) وحاصل هذه المقدمات لا يخفى أن المقدّمات المذكورة إنّما تنتج جواز الترجيح بمطلق الظنّ إن لم يمكن الاحتياط في المقام أو ثبت عدم وجوبه لا يقال لا ثمرة بين القول بوجوب الاحتياط في المقام وجواز الترجيح بمطلق الظن إذ مقتضى الاحتياط كما سيصرح به هو الأخذ بالخبر المظنون لأنا نقول أن الفرق بين العمل بالمظنون من باب الاحتياط ومن باب حجيّة المرجّح أعني مطلق الظنّ واضح مع أنّ الثمرة ربّما تظهر في الأخذ بالمظنون من باب الالتزام والتدين بالطريق الشّرعي بأن أخذ بالمظنون من حيث إنّه الطريق المتعين الأخذ عليه لأنّه حرام من باب التّشريع على الثّاني لفرض عدم ثبوت التّرجيح بمطلق الظنّ بخلافه على الأوّل (قوله) فالوجه فيه كما عرفت إلخ لا يخفى أن المصنف رحمه‌الله قد ذكر في باب التعادل والترجيح في المتعارضين وجوها الأول الرّجوع فيهما إلى المرجحات السّندية ومع فقدها فالتّخيير الثاني الحكم بالإجمال في مادة الاجتماع من أوّل الأمر والرّجوع إلى الأصول الثالث التفصيل بين ما لم يكن للمتعارضين مورد سليم عن المعارض كقوله اغتسل للجمعة الظّاهر في الوجوب وقوله ينبغي الغسل للجمعة الظاهر في الاستحباب فالأوّل وبينما كان لهما مورد سليم عن المعارض كالعامين من وجه فالثاني وهو قد اختار الأوّل وإن استشكل فيه أخيرا وقد صرّح هناك بكون المتعارضين مطلقا سواء كان تعارضهما من وجه التباين متفقين على نفي الثّالث وهو ينافي قوله هنا والخبر المخالف له لا ينهض لذلك إلخ مع أن ما ذكره هنا من تساقط الخبرين لأجل المعارضة ينافي ما تقدّم منه عند التمسّك بقاعدة الاشتغال من دعوى عدم الدّليل على حجيّة الخبر المرجوح وأن المتيقن جواز العمل به من المتعارضين هو الخبر المظنون إذ لا متيقن على تقدير التعارض (قوله) خصوصا مع أنّ مبنى إلخ يعني أن مقتضى الاحتياط هو ما ذكرناه خصوصا مع ملاحظة أن مبنى ما نحن فيه من الحكم بالتخيير أو الأخذ بما طابق الظنّ غير المعتبر

٢٤٧

على اعتبار الخبر من باب الظنّ النّوعي المطلق والحال أنّ إثبات ذلك المبنى بوصف الإطلاق مشكل خصوصا إذا كان الظنّ المقابل للخبر هي الشّهرة فإنّ القول بحجيّة الخبر المخالف لها أشكل فإذا احتمل كون حجيّة الخبر مقيدا بعدم الظنّ بخلافه مطلقا أو خصوص الظن الحاصل من الشهرة فالاحتياط يقضي بالأخذ بالمظنون خاصّة من المتعارضين دون الموهوم لاحتمال عدم حجيّته لأجل الشكّ في وجود مناط الاعتبار فيه (قوله) في مقابل التخيير إلخ حاصله أنّه إذا تعارض خبران وكان أحدهما موافقا لظن غير معتبر فإنّ فرض دوران الأمر بين التخيير والترجيح بالظن فمقتضى الاحتياط هو الأخذ بالمظنون وإن دار الأمر بين الحكم بتساقطها والرّجوع إلى الأصل الجاري في موردهما وبين التّرجيح بالظنّ وحينئذ إن كان الأصل الجاري في موردهما مثبتا للتّكليف كالاستصحاب المثبت له مع إمكان الاحتياط في مورده أو قاعدة الاحتياط بأن كان أحدهما موافقا للاحتياط اللاّزم في المسألة والآخر مخالفا لها بأن دل أحدهما على وجوب السّورة والآخر على استحبابها وقلنا بوجوب الاحتياط عند الشكّ في الأجزاء والشّرائط فالأحوط حينئذ هو العمل بقاعدة الاحتياط دون الخبر المظنون المخالف لها وإن كان العمل به أيضا موافقا للاحتياط الجاري في الأصول لأنّ الاحتياط في الفروع لأجل كونه محرزا لمطابقة العمل للواقع أولى من الاحتياط في الأصول وإن كان هو أيضا محرزا لمطابقة العمل بطريق شرعي وإن كان نافيا للتكليف كأصل البراءة أو الاستصحاب النافي له أو مثبتا له مع عدم التمكّن من الاحتياط لأجل المعارضة بمثله كما ستعرفه ففي جواز العمل بالأصل أو تعيّن الأخذ بالخبر المظنون إشكال ينشأ من كون المرجع بعد تعارض الخبرين وتساقطهما هو الأصول إذ الفرض عدم الدليل على التّرجيح بالظنّ وعدم نهوض المتعارضين للورود على الأصل ومن كون الترجيح بالظنّ موافقا للاحتياط في الأصول مع فرض كون الاحتياط في الفروع غير ممكن في نفس الواقعة فلا يتأتى فيه ما تقدّم من كون الاحتياط في الفروع مقدّما عليه في الأصول وأمّا ما مثل به المصنف رحمه‌الله للاستصحاب المثبت مع عدم إمكان الاحتياط في مورده من أصالة الفساد في المعاملات فتوضيحه أنّ شخصين إذا تبايعا ببيع المعاطاة فأصالة الفساد تقتضي ردّ الثّمن إلى المشتري والمثمن إلى البائع ولا يمكن الاحتياط في هذه الواقعة لأنّه بعد وقوع العقد فاحتمال الصّحة المقتضية لانتقال الثمن إلى البائع والمثمن إلى المشتري معارضة باحتمال الفساد المقتضي لبقاء الأوّل على ملك المشتري والثّاني على ملك البائع فإذا ورد خبر مشهور بصحّة بيع المعاطاة وآخر غير مشهور بفساده ففي الترجيح بالظنّ أو الحكم بالتّساقط والرّجوع إلى أصالة الفساد إشكال قد عرفت وجهه (تتميم) اعلم أنّ الكلام في اعتبار الظنّ في الموضوعات تارة في المستنبطة منها وأخرى في الصرفة والمراد بالأولى ما له دخل في استنباط الأحكام الكليّة من الكتاب والسّنة وهو ما يتعلق بظواهر الألفاظ سواء تعلق بتعيين الأوضاع أو بتعيين المرادات منها وبالثّانية هي الجزئيّات الشخصيّة الخارجة الّتي وقعت مصاديق للأحكام الكليّة أو موضوعاتها والكلام في اعتبار الظنّ في الأولى على مذهب القائلين بالظنون الخاصة أو المطلقة قد أسلفه المصنف رحمه‌الله عند الكلام على حجيّة الظواهر وعلّقنا على كلامه هناك ما ينبغي أن يتلقى بالقبول وأمّا الكلام في اعتباره في الثانية مثل الظن بكون العين الموجودة في الخارج كلبا بعد العلم بنجاسة الكلب شرعا أو كونها دما بعد العلم بحكمه الكلي فالمشهور بل المدعى عليه الإجماع هو عدم اعتبار الظنّ فيها وهذه هي مسألة تعارض الأصل والظاهر الّتي ذهب المشهور فيها إلى تقديم الأصل على الظاهر الّذي هو عبارة عن المظنون وربّما يظهر من المحقق القمي اعتبار الظنّ فيها بل ادعى عليه الإجماع لأنّه في طي الدّليل الثّالث من الأدلّة الثّلاثة الّتي أقامها على حجيّة ظنّ المجتهد في مبحث الأخبار قال والحاصل أنّ المقصود بالذّات من الخطاب وإن كان حصول نفس الحكم النفس الأمري لكن يظهر من جعل الشّارع مناط تفهيمه النطق بالألفاظ الّتي جرت عادة الله بأنّها لا تفيد اليقين في الأغلب أنّه راض بهذا الظنّ ويكتفي به عمّا أراده في نفس الأمر لأنّه غير فاقد للمصلحة أيضا كما عرفت فهذا الظنّ مما علم حجيّته وهذا هو الذي اتّفق العلماء على حجيّته من دون خلاف بينهم قائلين إنّ الظنّ في موضوعات الأحكام من مباحث الألفاظ وغيرها حجّة إجماعا انتهى وفي مبحث الاجتهاد والتّقليد في مقام بيان كون مدار العلماء على العمل بمطلق الظنّ قال فمنها تداول بينهم ترجيح الظّاهر على الأصل وترجيح أحد الأصلين بسبب اعتضاده بالظاهر والعمل على الظّاهر في كلماتهم في الجملة إجماعي انتهى والحقّ عدم حجيّة الظنّ وعدم الدّليل عليها يكفينا مئونة الاستدلال عليه ومستند القائل بحجيّته وجهان أحدهما دليل الانسداد المعروف الجاري في الأحكام لأنّه إذا فرض انسداد باب العلم فيها وجاز العمل فيها بمطلق الظنّ بحكم الدّليل المذكور فلا بدّ من الاكتفاء به فيها وفي متعلقاتها من موضوعاتها ومصاديق موضوعاتها لعدم إجداء القطع بمصاديقها بعد عدم إمكان تحصيل القطع بنفس الأحكام وموضوعاتها قال المحقّق القمي رحمه‌الله إنه بعد العمل بالظنّ في نفس الحكم لم يبق داع إلى العمل بالقطع في متعلقاته لأنّ ما بعضه ظنّي لا يكون كلّيه قطعيّا وفيه أنّ اللاّزم أوّلا بحكم العقل والعقلاء هو تحصيل القطع بامتثال الأحكام الشرعيّة ولا ينتقل عنه إلى الامتثال الظنّي إلاّ مع تعذّره أو إقامة الشّارع ظنّا مقام القطع مطلقا ولا ريب أنّ العقل لا يعذّر العاجز عن تحصيل القطع إلاّ في الجهة الّتي عجز عن تحصيله فيها ولذا لو تعذر القطع بجهة القبلة فالعقل لا يقنع بالظنّ في الوقت أو غيره من شرائط الصّلاة أيضا فإذا كانت للامتثال جهات مختلفة كمعرفة نفس الحكم وموضوعة ومصاديق موضوعه الكلي فتعذر تحصيل القطع ببعض الجهات لا يوجب الاكتفاء بالظن في الجهة الّتي يمكن تحصيل القطع فيها لدوران الأمر حينئذ بين الاكتفاء بظنين فصاعدا وبين الالتزام بتحصيل ظنّ وقطع ولا ريب أن الثّاني هو المتعيّن كما عرفت وليس ما نحن فيه من قبيل الموضوعات المستنبطة حتى يستلزم الظنّ بها الظنّ بنفس الحكم الكلي حتّى تثبت حجيّة هذا الظنّ بالملازمة وثانيهما جريان دليل الانسداد في نفس الموضوعات الصّرفة لانسداد باب العلم فيها وعدم إمكان العمل بالاحتياط كما هو واضح وكون العمل بأصالة البراءة مستلزما للمخالفة القطعيّة فلا بدّ من الاقتناع بالظنّ في مقام الامتثال كنفس الأحكام وفيه

٢٤٨

أن من مقدمات هذا الدّليل بقاء التكليف بالواقع وهو في الموضوعات ممنوع فإذا شكّ في نجاسة شيء يبنى على طهارته وفي حرمته يبنى على إباحته وبالجملة أنّ ثبوت التكليف بالواقع في الموضوعات في غير ما ثبت بدليل قطعي أو بدليل منته إلى القطع غير مسلّم فلا يتم تمام مقدمات الدّليل المذكور فيها حتّى تفيد حجته مطلق الظنّ فيها كنفس الأحكام نعم يستثنى من ذلك موارد يعتبر الظنّ فيها وإن كانت من قبيل الموضوعات الصرفة منها ما استلزم الظن به الظن بالحكم الكلّي كالظنون الرّجالية لأنّ الظنّ بكون زرارة الواقع في سند رواية هو ابن أعين يستلزم الظنّ يكون ما تضمّنه الخبر هو حكم الله سبحانه وكالظنّ بمضمون ما ورد من تحليل الأئمة عليهم‌السلام لخمسهم أو أنفالهم على اختلاف الرّواية لشيعتهم في زمان الغيبة لأن الظنّ بإذن المالك وإن كان من قبيل الظنّ بالموضوع الصّرف إلاّ أنّه مستلزم للظنّ بالحكم الكلّي وهو جواز التّصرف للشيعة في زمان الغيبة في سهم الإمام عليه‌السلام أو الأنفال وكالظن في تشخيص الحائر الشّريف في الخارج لأن مفهوم الحائر وإن كان معلوما وهو ما حار فيه الماء ولم يعله حيث أرادوا انطماس أثر القبر الشريف إلا أن الظن بموضوع هذا الكلي في الخارج يستلزم الظنّ بالحكم الكلّي وهو تخير المسافر في القصر والإتمام فيه ومنها كون المورد بحيث يجري دليل الانسداد فيه بنفسه كالأنساب والعدالة مثل كون شخص من آل هاشم أو عدلا وكالأملاك مثل كون هذا المال لزيد دون عمرو إلا أنّ العلماء رضوان الله عليهم استراحوا فيها على اليد ولولاها لجرى فيها أيضا دليل الانسداد وربّما أجري هذا الدّليل في الأعيان الّتي يظن كونها من الموقوفات سواء حصل الظن من مثل الكتابة كالكتب المكتوب فيها ذلك أم من العلائم كما في المدارس والمساجد ونحوها أو بأخبار من لم تثبت عدالته نظرا إلى حصول العلم الإجمالي بوجود موقوفات كثيرة في جملة الأعيان بحيث لا تجري معه أصالة البراءة أعطانا الله البراءة من النّار يوم يقوم الأشهاد ووفقنا قبله على سبيل الرّشاد فإنّه وليّ التّوفيق وقد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق في العصر من اليوم الثامن من الشهر الخامس من سنة ١٢٩١ حادي وتسعين بعد الألف ومائتين قد مضين من الهجرة المصطفوية على هاجرها آلاف سلام وتحيّة بيد مصنّفه قليل البضاعة كثير الإضاعة موسى بن جعفر بن أحمد التبريزي ثبت الله أقدامهم يوم تزل فيه الأقدام وفرغ كاتبه في العصر من اليوم العاشر من الشّهر الثامن من سنة إحدى وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة النبويّة صلوات الله عليه

٢٤٩

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وآله المعصومين الأطيبين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدّين قوله فلمّا لم يكن فيه كشف إلخ لتساوي نسبة الشك إلى طرفيه فلا يعقل أن يعتبر من باب الكشف بالنسبة إلى أحدهما وإلاّ لزم ترجيح أحد المتساويين على الآخر ولكنّا قد أسلفنا فيما علقناه على صدر الكتاب ما يناقش في ذلك (قوله) كان حكما ظاهريّا اعلم أنّ الأحكام باعتبار تعلقها بنفس الموضوعات الواقعية وبالموضوعات المشكوك في حكمها تنقسم إلى واقعية وظاهرية والأدلّة الدّالّة عليها إلى اجتهادية وفقاهتيّة أمّا الأولى فهي كما يستفاد من عبارة المصنف رحمه‌الله هي الأحكام المقرّرة في نفس الأمر لنفس الموضوعات الواقعيّة من غير مدخلية للعلم والجهل فيها بمعنى تغيّرها وتبدّلها بعلم المكلّف وجهله بها إذ لو كان لهما مدخل فيها لزم التّصويب في الأحكام الأولية لدورانها حينئذ وجودا وعدما مدار العلم والجهل نعم قد يكون لهما مدخل في موضوع هذه الأحكام بمعنى كونهما جزءا من موضوعاتها من دون أن يلزم منه تصويب باطل بأن يجعل الشّارع الحرمة والنّجاسة مرتبتين على الخمر المعلومة الخمرية ومقتضاه كونها مباحة وطاهرة في حقّ الجاهل بها ومن هذا القبيل جواز الشّهادة بناء على كون علم الشّاهد بالواقعة جزءا من موضوع هذا الحكم وهذه الأحكام على قسمين اختياري وهي الأحكام التي جعلها الشّارع للمختار كوجوب الإتيان بالصّلاة قائما وتسمى بالأحكام الواقعيّة الاختيارية واضطراريّ وهي الأحكام الّتي جعلها الشّارع للمضطر مثل وجوب الإتيان بالصّلاة قاعدا أو مضطجعا وتسمى بالأحكام الواقعيّة الاضطراريّة ومن لوازم هذه الأحكام عدم تنجّزها إلاّ مع العلم بها ومع العلم بها لا يجوز للشّارع الحكم بخلافها إذا حصل العلم بها تفصيلا لوضوح المنافاة بينهما وأمّا مع العلم بها إجمالا ففيه وجه للجواز لعدم امتناع أن يأمر الشّارع ببدل الواقع بمعنى أن يقنع ببعض محتملات الواقع في مقام امتثاله بأن جعله بدلا عن الواقع كما في الشبهة المحصورة على القول بعدم وجوب الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة وأمّا الثّانية فهي الأحكام المقرّرة للجاهل بالأحكام الواقعيّة كمؤديات الأصول العمليّة وهي مستلزمة لأحكام أخر مقررة في نفس الأمر لينسب الجهل إليها وتكون هذه ظاهريّة بالنّسبة إليها كما قرّره المصنف رحمه‌الله وتسمّى أحكاما واقعية ثانوية في لسان بعضهم وظاهريّة في لسان آخرين ووجه التّسمية واضح ممّا قرّره المصنف رحمه‌الله قيل ومن لوازمها عدم تحقّقها إلاّ مع العلم بها لأنّ مؤدى البراءة والاستصحاب مثلا لا يتحقق ولا يصير حكما في حق المكلّف إلاّ بعد العلم بكونه حكم الله في حقّه فبمجرّد علمه به يجعل هذا الحكم في حقّه ويتنجز التكليف به بخلاف الأحكام الواقعية لتحققها في الواقع مع علم المكلّف بها وجهله نعم تنجزها يتوقف على العلم بها على ما أسلفناه فتأمل ومن جملة لوازمها أيضا انتفاؤها حقيقة أو حكما مع العلم أو الظن المعتبر بالحكم الواقعي على ما قرّره المصنف رحمه‌الله وتوضيحه أنّ الواقع قد يفرض بالنّسبة إلى نفس الأمر وقد يفرض بالنسبة إلى ما جعله الشّارع في عرض الواقع بل عينه بالتنزيل كمؤديات الكتاب والسّنة على القول باعتبارها بالخصوص وبكونها منزّلة بمنزلة الواقع وإن لم تكن هي هو وقد عرفت كون الأحكام الظاهرية مجعولة في حق الجاهل بالحكم الواقعي لا العالم به وحينئذ إن كان المأخوذ في موضوع الحكم الظاهري أعم من الجهل بالحكم الواقعي وما هو بمنزلته فمع العلم بأحدهما ينتفي موضوعه لفرض انتفاء الوصف المأخوذ في موضوعه فيتبعه انتفاء الحكم الظّاهري حقيقة وحينئذ تكون الأدلّة الاجتهادية سواء أفادت العلم أو الظنّ بالواقع واردة على الأصول وإن كان المأخوذ فيه هو الجهل بالحكم الواقعي خاصّة دون ما هو بمنزلته فبالعلم به ينتفى الحكم الظّاهري حقيقة على ما عرفت وأمّا مع العلم بما هو بمنزلته فيكون انتفاء الحكم الظّاهري حينئذ بحسب حكم الشّارع لا بحسب الحقيقة لكون انتفاء موضوعه حينئذ بحكم الشّارع لا بحسب الحقيقة لأنّ مؤديات ظواهر الكتاب والسّنة لما كانت بمنزلة الواقع بجعل الشّارع كان العلم بها بمنزلة العلم بالواقع فترتّب على العلم بها أحكام العلم بالواقع فكما أنه مع العلم بالواقع ينتفي موضوع الحكم الظّاهري كذلك مع العلم بالحكم المستفاد من ظواهر الكتاب مثلا غاية الأمر كون انتفائه هنا حكما وهناك حقيقة وحينئذ تكون الأدلة الاجتهاديّة الظنّية حاكمة على الأصول لا واردة عليها وعلى

تقدير كون المراد من الجهل أعمّ من الجهل بالواقع وما هو بمنزلته قد يعتبر وصف الواقعيّة والظّاهريّة بالنّسبة إلى مؤديات الأصول الّتي هي أحكام ظاهرية فيقال إنّ شرب التّتن مثلا له حكم واقعي مقرّر في نفس الأمر لا يختلف بالعلم والجهل وله مع الجهل بالواقع حكم ظاهريّ وهو ما يستفاد من البراءة وله حكم ظاهري آخر مع العجز عن ترجيح أدلّة البراءة على أدلة الاحتياط في الموارد المختلف فيها وهو الخطر أو الإباحة على الخلاف في الأشياء المشتملة على منفعة خالية عن أمارة مفسدة كشم الطّيب وأكل الفاكهة وعلى القول بالإباحة فيها يتحد الحكمان الظاهريان فالبراءة والاحتياط بالنّسبة إلى الواقع حكمان ظاهريان وبالنّسبة إلى الخطر والإباحة واقعيان وفي جميع هذه المراتب ينتفي موضوع الحكم الظّاهري حقيقة أو حكما على ما عرفت بالعلم بالحكم الواقعي أو ما هو بمنزلته وكيف كان فقد ظهر ممّا قدمناه وجه ما ادعاه المصنف رحمه‌الله من كون تقديم الأدلّة الاجتهادية الظّنية على الأصول من باب الحكومة دون التّخصيص وكذلك الوجه فيما فرق بينما لو قلنا باعتبار الأصول من باب الشّرع أو العقل حيث تنزّل مما ذكرناه أوّلا فسلّم كون تقديمها عليها من باب التّخصيص على الأوّل دون الثّاني لأن المأخوذ في موضوع البراءة والاشتغال إذا قلنا باعتبارهما من باب الشّرع هو عدم العلم بالواقع وهو لا يرتفع بالظن به وإن كان معتبرا

٢٥٠

شرعا وحينئذ يمكن أن يتوهم كون تقديمها عليها من باب التّخصيص على نحو ما قرّبه المصنف رحمه‌الله وإن كان الحقّ كون ذلك من باب التخصص كما حققه ثانيا وعرفت الوجه فيه بخلاف ما لو قلنا باعتبارهما من باب العقل إذ لا مجال للتّوهم المذكور حينئذ لأنّ المأخوذ في موضوعهما حينئذ إنّما هو التحير وعدم معرفة طريق امتثال الواقع لا عدم العلم به ولا ريب في ارتفاعه بمجرد قيام طريق شرعي على تعيين الواقع وإن تخلّف عنه في نفس الأمر فلا بد حينئذ أن يكون رفع اليد عن البراءة والاشتغال لأجل التّخصّص دون التّخصيص ومن هنا يظهر وجه الفرق بين القول باعتبارهما من باب الشّرع والعقل لكون تقديم الأدلّة الاجتهاديّة الظّنية عليهما على الأوّل من باب الحكومة وعلى الثّاني من باب الورود وكيف كان فما وقع في بعض الكتب سيّما كتاب الرّياض من أن الأصل مخصّص بالدّليل كما نقله المصنف رحمه‌الله يرد عليه أولا منع عموم أدلّة الأصول لموارد وجود الدّليل لانتفاء موضوعها به والتّخصيص فرع الشّمول ليكون خروج الواقعة من مقتضى الأصول بحسب الحكم دون الموضوع وثانيا مع التسليم أن النّسبة بينها وبين أدلّة الأمارات عموم من وجه لكون الأولى أعمّ من حيث وجود الأمارة في موردها وعدمه والثّانية من حيث شمولها لغير موارد الأصول وحينئذ لا بد من الحكم بالإجمال في مورد التعارض فتأمل فإن في كلام المصنف رحمه‌الله ما يدفع هذا وهو ما أشار إليه بقوله لا ينفع بعد قيام الإجماع وحاصله أنّ الحكم بالإجمال في مورد التّعارض في المتعارضين من وجه إنّما هو مع عدم انعقاد الإجماع على عدم الفرق بين موارد أحد العامين بالخصوص وإلاّ كانت مادة التّعارض مندرجة تحت هذا العام لا محالة إذ لا إشكال في جواز العمل به في محل الافتراق فلا بد أن يعمل به في محل التعارض أيضا للإجماع المذكور بل لو كان إطلاق التقديم والتّخصيص في المقام مبنيّا على المسامحة كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله اندفع الإيرادان معا كما هو واضح وأمّا الثّالثة أعني الأدلّة الاجتهادية فهي الأمارات الّتي تكشف عن الواقع ولو ظنّا مثل ظواهر الكتاب والسّنة وأمّا الرابعة فهي ما كان مثبتا للأحكام الظّاهريّة مثل الأصول العملية وقد حكيت تسميته هذا القسم بالدّليل الفقهائي عن الفاضل الصّالح المازندراني في شرح الزّبدة وهذا أولى ممّا نقله المصنف رحمه‌الله عن الوحيد البهبهاني من تسميته بالدّليل الفقاهتي حذف التاء مع لحوق ياء النّسبة وكيف كان وقد شاع هذا الاصطلاح في زمان الوحيد البهبهاني وبعده ولعل هذا هو وجه نسبة التسمية إليه دون الفاضل المازندراني ووجه تسميته بالفقاهتي وسابقه بالاجتهادي أنّ الاجتهاد على ما عرفوه هو استفراغ الوسع لتحصيل الظنّ بالأحكام الفرعيّة والفقه هو العلم بالأحكام الشّرعية الفرعيّة عن أدلتها التّفصيلية فالفقه بناء على كون المراد بالأحكام أعمّ من الواقعيّة والظّاهرية هو العلم والجزم بما ذكر في الحدّ فالفقيه من حيث بذل جهده لتحصيل الظنّ بالأحكام مجتهد ومن حيث علمه بها لأجل مقدّمة أثبتها بدليل خارج وهو الإجماع على أن ما ظنّه هو حكم الله في حقه وحقّ مقلّده فقيه فاختلافهما إنّما هو بالاعتبار وملاحظة الحيثيّة كاختلاف القاضي مع المفتي ومن هنا كان الأنسب تسمية ما يستعمله الفقيه لتحصيل الظن بالأحكام الواقعيّة بالدّليل الاجتهادي وتسمية ما يستعمله لتحصيل العلم بها بالدليل الفقاهتي ولا ريب أنّ مؤديات الأصول العمليّة هو العلم بالأحكام الظّاهريّة لا الظن بالأحكام الواقعيّة لأنّ ذلك مؤدّى الأمارات المسمّاة بالأدلة الاجتهاديّة على ما عرفت ثمّ إنّه قد يتسامح في إطلاق الدّليل الفقاهتي على كل أمارة لا تفد العلم بالواقع فيندرج فيه حينئذ ظواهر الكتاب والسّنّة أيضا ووجه التّسامح واضح لأنّ الدّليل الفقاهتي ما كان مثبتا لحكم ظاهري وهو ما جعله الشّارع للجاهل من حيث كونه جاهلا ولا ريب أنّ مؤديات ظواهر الكتاب والسّنة ليست كذلك وإن كانت مجعولة في حال جهل المكلّف بالواقع ولذا لا يعتد بها مع العلم بالواقع وبعبارة أخرى أنّ الجهل مأخوذ في الأحكام الظّاهريّة من حيث كونه جزءا من موضوعها وفي مؤديات ظواهر الكتاب والسّنة من حيث الظّرفية وكونها مجعولة في هذا الحال خاصة ولكن مع قطع النّظر عنه ولعلّ هذا هو السّبب في هذا التّسامح لكون مؤديات الظّواهر شبيهة بمؤديات الأصول فيما ذكرناه وإن فارقتها من جهة أخرى كما أوضحناه ويمكن أن يكون السّبب فيه هو كون اعتبار مؤديات الظّواهر من حيث كونها مظنونة كما أوضحه المصنف رحمه‌الله بقوله حكما ظاهريّا نظير مفاد الأصل إلى آخره والفرق بينه وبين ما ذكرناه واضح فإن قلت إنّ اعتبار الاستصحاب عند الأكثر إنّما هو من جهة إفادته الظنّ بالحكم السّابق وإليه أشار العضدي في تعريفه بأنّ الشيء الفلاني قد كان ولم يظنّ عدمه وكلّ ما هو كذلك فهو مظنون البقاء وحينئذ يجب إدخاله في الأدلّة الاجتهاديّة مثل ظواهر الكتاب والسّنّة فما وجه تقديم سائر الأدلّة عليه عند التعارض قلت إنّ الوجه في تقديمها عليه على القول باعتباره من باب الظنّ أنّه إنّما يفيد الظنّ في مورد الشكّ بمعنى أنّ الشّاك في بقاء الحكم السّابق يحصل له الظنّ ببقائه بملاحظة كونه متيقنا في السّابق وحينئذ تكون سائر الأدلّة الاجتهاديّة واردة عليه ولكن يشكل ذلك بأن مقتضاه عدم العمل به في مقابل سائر الأمارات المشكوكة الاعتبار وهو خلاف ما استقرت عليه طريقة الفقهاء لعملهم بالأصول في مقابلها والإنصاف أن هذا الإشكال وارد على القول باعتبار الاستصحاب من باب الظنّ الشّخصي لا على الجواب المذكور(قوله) توضيح ذلك أي كون دليل الأمارة مخصّصا لدليل أصل البراءة(قوله) مظنون مطلقا بأن كانت حجيّة الشهرة ثابتة بدليل الانسداد(قوله) أو بهذه الأمارة بأن كانت حجيّة الشّهرة ثابتة بدليل خاصّ (قوله) الاقتناع بها هذا بالنّسبة إلى البراءة(قوله) رافعا لاحتمال هذا بالنّسبة إلى قاعدة الاشتغال (قوله) إنّ المقصود بالكلام إلخ لأن علم الأصول هو العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشّرعيّة الفرعيّة فما تستنبط منها أحكام الموضوعات الخارجة الّتي لا يتعلق بها إلاّ أحكام جزئية فهي داخلة في الفقه دون الأصول مثل قاعدة البراءة والاشتغال والطّهارة بالنّسبة إلى إجرائها في الموضوعات الخارجة وكذا قاعدة الشّكّ بعد الفراغ وقاعدة حمل فعل المسلم على الصّحة ونحوها ولكنّك خبير بأن مقتضى هذا الوجه كون قاعدة الطّهارة من الأصول إذا أثبتت طهارة موضوع كلّي وهو خلاف ظاهرهم وقد أوضحنا الكلام في ذلك في محلّ آخر (قوله) في الأصول الأربعة عقلي إلخ لدوران الأمر فيها بين النّفي والإثبات وقد أسلفنا ما يتعلّق بذلك وبتقسيم الأصول إلى الأربعة عند

٢٥١

شرح ما يتعلق بصدر الكتاب وبقول هنا إن قلت كيف تدعي دوران الأمر بين الأربعة المذكورة مع أنّ في الشرع أصولا أخر لم يبحثوا عنها في الأصول مثل أصالة الطهارة المستفادة من قوله عليه‌السلام كلّ شيء طاهر حتى تعلم أنّه قذر فما وجه الحصر المذكور وما السّر في عدم بحثهم عنها هنا قلنا إنّ ما ذكره المصنف رحمه‌الله من الحصر ناظر إلى ظاهر كلمات الفقهاء حيث إنّ ظاهرها كون الأصول الأربعة من الأدلّة الاجتهاديّة لأنّهم قد اعتبروا أصالتي البراءة والاستصحاب من أسباب الظنّ الّذي مستنده العقل ولذا لم يتمسّك أحد منهم في إثباتهما إلى زمان والد شيخنا البهائي رحمه‌الله بالأخبار وهو رحمه‌الله قد تمسّك في بعض كلماته في إثبات اعتبار الاستصحاب بالأخبار وتبعه من تأخّر عنه واعتبروا أصالتي الاشتغال والتخيير من باب حكم العقل نظير حكمه بوجوب ردّ الوديعة وقبح الظلم بخلاف أصالة الطّهارة فإنها قاعدة مستفادة من الشّرع خاصّة نعم قد تمسّك الفاضل في بعض كتبه في تأسيس أصالة الطّهارة بالأدلّة الأربعة نظرا في دلالة العقل إلى اقتضاء قاعدة اللطف من حيث رفع المشاق عن العباد لخلق الماء طهورا ولكنّه ضعيف كما قرّر في محلّه وبالجملة أن عدم بحثهم عن أصالة الطهارة في الأصول إنما هو من جهة عدم كونها من الأدلّة لكونها عندهم من القواعد الشّرعيّة بخلاف الأصول الأربعة ولذا جعلوها من الأدلّة العقليّة والفرق بين الدليل والقاعدة واضح ولذا جعلوا كل واحد منهما معنى مستقلا للأصل ثم إنّ هنا أمرين لم يتعرض لهما المصنف رحمه‌الله ينبغي التّنبيه عليهما للأمر الأوّل إنّ هنا إشكالين يجري أحدهما في جميع الأدلّة العقليّة ويختصّ الآخر بالأصول الأربعة أمّا الأوّل فهو أنّهم قد عرفوا علم الأصول بأنه ما يبحث فيه عن أحوال الأدلّة ولا ريب أنّ البحث في الأدلّة العقلية ليس عن أحوال الدّليل لأنّ بحثهم فيها كما قرّر في محلّ آخر إنما هو عن حكم العقل لا عن أحواله من حيث كونه حجّة وعدمها لأنّهم قد بحثوا في مسألة البراءة والاستصحاب وكذا في مسألة الحسن والقبح عن أنّ العقل هل يحكم بالبراءة عن التّكليف عند فقد الدليل على الحكم المشكوك فيه وأنه يحكم ببقاء الحالة السّابقة عند الشّكّ في بقائها وأنّه يحكم بحسن فعل أو قبحه أو لا لا عن اعتباره بعد فرض حكمه لكون اعتبار حكم العقل مسلما عندهم بعد فرض وجوده والبحث عن أحوال الدّليل العقلي إنما يصدق بعد فرض حكمه وبالجملة أن البحث في الأدلّة العقليّة صغروي والبحث عن حجّيتها بعد إحراز الصّغرى كبروي والأدلّة العقليّة إنما تدخل في موضوع علم الأصول بالاعتبار الثّاني الأوّل فيجب إخراجها عن موضوع هذا العلم ومع تسليم كون البحث فيها عن حجيّتها فلا ريب أن البحث من هذه الحيثيّة داخل في المبادئ لأنّ موضوع علم الأصول هي الأدلّة الأربعة والبحث عن الحجيّة بحث عن دليليّة الدّليل وهو بحث عن موضوع الدّليل لا عن أحواله ليدخل في المقاصد والجواب أنّ البحث عن إدراك العقل من حيث هو وإن كان داخلا في المبادئ إلاّ أنّ الملحوظ في ذلك هو إثبات حكم العقل وإدراكه لتخصّص وتقيّد به عمومات الكتاب والسّنة وإطلاقاتهما عند المعارضة مرجع البحث من هذه الجهة إلى البحث عن أحوال الكتاب والسّنة من حيث جواز تخصيصهما وتقييدهما بالعقل ومن هنا تظهر الحال فيما كان البحث عنه من حيث حجيّته بعد الفراغ عن حكم العقل مضافا إلى ما ذكره إلى بعض الأفاضل من كون موضوع علم الأصول هي ذات الأدلّة لا هي بوصف الدّليليّة وحينئذ يكون البحث عن حجيّتها بحثا عن أحوالها فيدخل في المقاصد وأمّا الثّاني فهو أنّهم قد عرفوا الدّليل العقلي بأنّه حكم عقليّ يتوصّل به إلى حكم شرعي وهذا غير صادق على الأصول لعدم التوصّل بها إلى حكم شرعيّ فلا وجه لعدّها من الأدلّة العقليّة أمّا أصالة البراءة فلأنّ غاية ما يدلّ عليه العقل عند عدم الدّليل على الحكم المحتمل هو الإتيان بالفعل المحتمل للحرمة وترك ما يحتمل الوجوب وأمّا دلالته على عدمها فلا سبيل للعقل إليها مع أنّ عدمهما ليس من الأحكام الخمسة فإن قلت ربما يدور الأمر بين الضّدين كالوجوب والاستحباب في غسل الجمعة حيث قال بكلّ منهما بعضهم ولا ريب أنّ نفي الوجوب بأصالة البراءة يثبت الاستحباب قلت إنّ الأقوال ربما تتكثر في المسألة فنفى أحدها بالأصل لا يعيّن خصوص أحدها مما بقي محتملا في المسألة مع أن إثبات الاستحباب بنفي الوجوب إنما يتم على القول بالأصول التي لا نقول بها وأمّا قاعدة الانتقال فلأنّ وجوب الاحتياط فيما علم التّكليف فيه وشكّ في المكلّف به إنّما هو من أجل كونه من شعب وجوب دفع الضّرر المظنون أو المحتمل فإن حكم العقل بوجوب الإتيان بجميع أطراف الشبهة إنما هو لخوف ترك الواقع عند الاقتصار ببعض أطرافها في مقام الامتثال فحكم العقل بوجوب الاحتياط إنما هو لأجل دفع الضّرر المحتمل أعني العقاب الأخروي ولا ريب أن حكم العقل بذلك ليس إلزاميّا حتى يقال إنه حكم عقلي يتوصّل به إلى حكم شرعي بل هو إرشاديّ من باب إراءة مصلحة المكلّف فهو نظير أوامر الأطبّاء لا يترتّب على موافقته ثواب ولا على مخالفته عقاب بل جميع الأحكام العقليّة حتّى ما استقلّ به العقل مثل قبح الظّلم وحسن الإحسان من قبيل ذلك لعدم إلزامه المكلّف بأمر مولويّ بترك الظلم لأجل قبحه لأنّ غايته الإرشاد ولو إلزاما إلى أن في فعله ارتكابا للقبيح لا إلزامه بأمر مولويّ بتركه وحينئذ إن كان ما حكم به العقل مما يصحّ تعلق خطاب شرعي به فهو وإلاّ كان هذا الحكم إرشاديا محضا ووجوب الاحتياط من قبيل ذلك لكونه طريق امتثال إجمالي للواقع المعلوم إجمالا وما هو من قبيل كيفيّة امتثال أوامر الشرع لا يصلح تعلق خطاب به لا بمعنى عدم إمكان تعلق خطاب شرعي به بل بمعنى أنّه لو فرض ورود خطاب شرعي عليه كان من قبيل تقرير حكم العقل لا من باب إنشاء حكم شرعي إذ لو كان طريق امتثال الواقع محتاجا إلى بيان الشارع لاحتاج امتثال هذا الخطاب أيضا إلى بيان آخر حتّى يتسلسل أو يدور وما كان قابلا لتعلق خطاب كل من العقل والشرع به كان متّصفا بكلّ من حكمهما مثل الظلم والإحسان وهذا أيضا هو المقصود من قولهم كلما حكم به العقل حكم به الشّرع وممّا ذكرناه من النّقص بالضّرر الدّنيوي لأنّ المشهور حرمة السّفر مع خوف الضّرر فيه فإذا سافر يعاقب عليه في الآخرة وإن لم يصبه الضرر المتوهّم أو المظنون ووجه الاندفاع كون ذلك قليلا لورود حكم كلّ من العقل والشّرع عليه وتظهر الثمرة بينه وبين ما نحن فيه في أنّ العقاب فيه على تقدير المخالفة على السّفر خاصّة وفيما نحن فيه على تقدير وجوب الاحتياط شرعا

٢٥٢

لو خالفه على كل من ترك الاحتياط والواقع لو فرضت مخالفة على عمله له فيعاقب عقابين أحدهما لترك الاحتياط والآخر لمخالفة الواقع ثمّ إنّا لو قلنا بوجوب مقدّمة الواجب شرعا بواسطة حكم العقل لا نقول به فيما نحن فيه لوضوح الفرق بين المقدّمات الوجوديّة كالطّهارة بالنّسبة إلى الصّلاة والمقدمات العلميّة كالإتيان بجميع أطراف الشّبهة لتحصيل العلم بالواقع لكون الأولى مقدّمة لنفس الواجب فلا يبعد إلزام العقل بملاحظة خطاب الشّارع بالإتيان بها بخلاف الثّانية لفرض كونها مقدمة للعلم بحصول الواجب في الخارج لا لنفسه لإمكان حصوله بدونه كما لا يخفى فحكم العقل بالإتيان بها إنّما هو لمجرّد الإرشاد إلى التّحرز عن احتمال ترك الواجب الواقعي الموعود بالعقاب عليه كما أسلفناه وأمّا الاستصحاب فمن وجهين أحدهما أنّ الظاهر المتبادر من حكم العقل حيث يطلق هو حكمه على سبيل القطع والجزم ولا ريب في عدم حكمه ببقاء الحالة السّابقة كذلك في الاستصحاب لكون حكمه فيه ظنيّا كما هو واضح فلا ينطبق عليه ما تقدّم من تعريف الدّليل العقلي وثانيهما مع تسليم كونه أعمّ من القطعي والظني أنّ المعتبر في حكم العقل حصوله من مقدّمتين إحداهما عقلية أو عادية وهي الصّغرى والأخرى عقليّة محضة وهي الكبرى فيقال هذا ظلم وكل ظلم قبيح بخلاف الاستصحاب فإنّ الصّغرى فيه أعني قولنا إنّ هذا الحكم كان محقّقا سابقا مستفادة من الشّرع وإن كانت كبراها أعني قولنا كلّ ما هو كذلك فهو مظنون البقاء مستندة إلى العقل والنتيجة تابعة لأخسّ مقدمتيها فإذا كانت إحداهما شرعيّة لا تكون النتيجة عقليّة كما أنّه لو كانت إحداهما ظنيّة لا تكون النتيجة قطعية وحينئذ لا ينطبق عليه تعريف الحكم العقلي ولأجل ذلك قد ذكر الأكثر المفاهيم في مباحث الألفاظ دون الأدلّة العقلية لكون الصّغرى فيها مستندة إلى اللّفظ لأنّه يقال فيها إنّ هذا الحكم لازم لمنطوق هذا اللفظ بالدلالة الالتزاميّة وكلّ ما هو كذلك فهو مقصود للمتكلّم وكذلك مقدّمة الواجب لكون الصّغرى فيها أيضا مستندة إلى الخطاب الشّرعي لأنّه يقال فيها إنّ هذا ممّا يتوقّف عليه وجود الواجب وكل ما هو كذلك فهو واجب والحاصل أن ذكرهم المفاهيم وكذا مقدّمة الواجب وكذلك اقتضاء الأمر بالشيء للنّهي عن ضده في مباحث الألفاظ إنّما هو من جهة عدم كون الصّغرى فيها مستندة إلى العقل فلا ينطبق عليها تعريف الدّليل العقلي بأنّه حكم عقلي يتوصل به إلى حكم شرعي وما نحن فيه أيضا كذلك فلا وجه لإدراجه في الأدلّة العقليّة وأمّا التخيير فلأنّه في حكم الاحتياط من حيث كونه من قبيل امتثال التّكليف المعلوم إجمالا فلا يتعلق به خطاب شرعي كما تقدم لرجوعه إلى الاقتناع ببعض محتملات الواقع المعلوم إجمالا فيما لا يمكن فيه الاحتياط أو هو راجع إلى البراءة لأنّ مرجعه إلى نفي احتمال تعيين أحد الطّرفين كما قدّمناه فيأتي فيه ما قدمناه في أصالة البراءة وقد ظهر ممّا ذكرناه حقية ما أسلفناه من فساد إدراج الأصول الأربعة في الأدلّة العقلية اللهمّ إلا أن يحمل ذلك منهم على التسامح بأن يقال في أصالة البراءة إنّ العقل في مشتبه الحكم الواقعي وإن لم يحكم بشيء من الأحكام الخمسة إلاّ أن إدراجها في الأدلة العقليّة لأجل المسامحة في إطلاق الحكم المأخوذ في تعريف الدليل العقلي بأنّه حكم عقلي يتوصّل به إلى حكم شرعي بأخذه في الموضعين أعمّ من إثبات حكم ونفيه ولا ريب في حكم العقل بنفي التّكليف في مقام الظاهر في موارد الشّبهة التّكليفيّة فبهذا الاعتبار يصحّ إدراجها في الأدلّة العقلية وأمّا الاحتياط فإدراجه فيها لوجهين أحدهما أخذ الحكم العقلي وكذا الشّرعي في تعريف الدّليل العقلي أعمّ من الإرشادي والمولوي ولا ريب أن العقل إذا حكم بوجوب الاحتياط إرشادا يحكم به الشّرع أيضا كذلك إذ قد عرفت أنّ الممنوع منه فيه حكم الشّارع بأمر مولوي لا إرشادي وثانيهما كون وجوب الاحتياط شرعيّا كما هو ظاهر المشهور حيث لا يفرقون في رسائلهم العملية بينما ثبت وجوبه بقاعدة الاشتغال وغيره وأمّا الاستصحاب فإدراجه فيها إمّا بملاحظة قلة الأحكام العقليّة لأنّ الأحكام الشّرعيّة لمّا كانت كثيرة بالنّسبة إليها فأدرجوا الاستصحاب في العقليات نظرا إلى كونه مستندا إلى العقل في الجملة وإمّا لأنّ العمدة في تحصيل النتيجة هي الكبرى وكانت الكبرى في الحكم الثّابت بالاستصحاب عقلية كما تقدم فأدرجوه فيها وأمّا التخيير فيظهر الوجه فيه مما قدمناه في الاحتياط الأمر الثّاني في بيان المراد بأصالة البراءة قال المحقق القمي رحمه‌الله الأصل يطلق في مصطلحهم على معان كثيرة مرجعها إلى أربعة الدّليل والقاعدة والاستصحاب والرّاجح وهو هنا يعني في أصالة البراءة قابل لثلاثة منها الأوّل استصحاب البراءة السّابقة في حال الصغر أو الجنون أو حال علم فيها عدم اشتغال الذّمة بشيء مثل البراءة عن المهر قبل النكاح والثاني القاعدة المستفادة من العقل والنّقل أن لا تكليف إلاّ بعد البيان الثّالث أنّ الرّاجح عند العقل براءة الذّمة إن جعلنا الرّاجح من معان الأصل أعم من المتيقن والمظنون انتهى ملخصا وقال في الفصول الأصل يطلق في عرفهم غالبا على معان أربعة القاعدة والدّليل والاستصحاب والرّاجح والمراد به هنا يعني أصالة البراءة هو المعنى الأوّل أعني القاعدة فالمعنى القاعدة المحررة في البراءة أو للبراءة دون الدليل لعدم ملائمته للمقام فإن البحث هنا عن مدلوله لا عن نفسه ودون الاستصحاب وإن كان من جملة أدلته لاختلاف مدارك المسألتين وأقوالهم فيهما ودون الرّاجح لأنّ المراد به المظنون إذ المقطوع به لا يسمّى أصلا في اصطلاحهم ولا خفاء في أنّ البراءة إن قيست إلى الواقع فقد لا يكون ظن بها وإن قيست إلى الظاهر فهي مقطوع بها ولئن سلّم أنّ معناه الأعمّ فإنّما يصح على الظّاهر اعتباره في التّركيب الحملي كما ذكره الشّهيد الثّاني دون الإضافي كما زعمه الفاضل المعاصر انتهى وقال في موضع آخر الثّاني يعني من أدلّة البراءة استصحاب البراءة الثابتة في حال الصغر وشبهه فإن قضية عموم أدلته كما سيأتي عدم اختصاص مورده بغير البراءة ولا يخفى أنّ هذا الدليل أخصّ من المدّعى إذ بين مورد الاستصحاب وبين مورد أصل البراءة عموم من وجه لجريان الاستصحاب في غير البراءة وجريان أصل البراءة حيث لا يتقدم براءة كمن علم بوقوع جنابة وغسل عما في الذّمة منه وشكّ في المتأخر فإن قضيته أصل البراءة هنا عدم تحريم جواز المسجدين واللّبث في المساجد وقراءة العزائم عليه مع أنّه لا مسرح للاستصحاب فيها انتهى وممّا ذكره يظهر ضعف ما تقدم من المحقّق القمي رحمه‌الله من صحة إرادة معنى الاستصحاب من الأصل في المقام

٢٥٣

مطلقا وقال في الضوابط في مقام بيان مادة الافتراق من جانب البراءة إنا نرى تمسّكهم بأصل البراءة فيما لا يصلح فيه الاستصحاب كما في مسألة تبعية القضاء للأمر الأوّل أو للفرض الجديد فالمعظم على الثّاني لأصالة البراءة مع أنّه لا معنى لاستصحاب البراءة هنا لو لم نقل إن الاستصحاب يقتضي الخلاف انتهى ويظهر هذا أيضا من المحقّق القمي رحمه‌الله في مسألة تبعية القضاء للأمر الأوّل وعدمها هذا ونرد على ما ذكره في الفصول أنّه إن أراد عدم صلاحية المثال المذكور للاستصحاب أصلا ففيه أنّه لا وجه لمنع جريان استصحاب الجنابة والطّهارة معا غاية الأمر أن يكون هنا أصلان متعارضان لا عدم كونه موردا للاستصحاب أصلا وإن أراد عدم تحقق استصحاب مثمر في مقام العمل ففيه أن الشّبهة في المثال موضوعيّة لأنّ مرجعها إلى الشّكّ في كون المكلّف على الجنابة أو الطهارة وحينئذ إن أراد عدم جريان الاستصحاب في الموضوعات المشتبهة مطلقا فهو متضح الفساد إذ لا ريب في جواز استصحاب حياة زيد عند الشكّ في موته وبقاء الخل على حالته الأولى عند الشّك في انقلابه خمرا وإن أراد عدم جريانه في خصوص المثال كما هو ظاهر كلامه ففيه أنّه لا شك في عدم تعلق الخطابات الشرعيّة التي منها عدم جواز الجواز من المسجدين واللّبث في المساجد للجنب بالمكلف في حال الصّغر والجنون والمتيقن من انقطاع هذه الحالة بعد البلوغ والإفاقة هي صورة العلم بالجنابة تفصيلا لا مع الشّكّ فيها وإن علم إجمالا بوقوع أحد الأمرين منها ومن الطّهارة وحينئذ يصح استصحاب العدم السّابق إلى زمان الشّكّ وإن لم يصح استصحاب خصوص إحداهما لأجل المعارضة وأمّا ما ذكره في الضوابط فيرد عليه منع عدم صحة استصحاب العدم فيما شكّ في كون القضاء بالأمر الأوّل أو بأمر جديد لأنا لو قلنا بكونه بالأمر الأوّل فالأداء والقضاء تكليفان متغايران ودلالة الأمر الأوّل عليهما من قبيل تعدد الدّالّ والمدلول لأن مطلوبية إيجاد الطّبيعية في خارج الوقت على تقدير الإخلال بها في الوقت مستفادة من الخارج ومع الشّكّ في التكليف الثّاني يستصحب العدم السّابق الثابت في حال الصّغر ولا وجه لاستصحاب التكليف الثّابت في الوقت كما زعمه لاحتمال كون الإتيان به في الوقت مأخوذا في موضوعه فلا يكون الموضوع حينئذ محرزا حتّى يصح التمسّك بالاستصحاب وممّا ذكرنا ظهر أنّ الحقّ اتحاد أصالة البراءة واستصحابها بحسب الموارد وإن اختلفا بحسب المفهوم إذ المناط في حكم العقل بالبراءة هو مجرد الشّكّ في التكليف مع قطع النّظر عن الحالة السّابقة وفي الاستصحاب هو اليقين بالحالة السّابقة والشك في بقائها فهما مختلفان مفهوما وإن اتحدا موردا وإن كان هذا خلاف المشهور إذ المعروف بين العلماء كون البراءة قسما من الاستصحاب فلاحظ المحقق حيث قسّم في الفصل الثّالث من مقدّمات المعتبر الاستصحاب إلى ثلاثة أقسام استصحاب حال العقل وفسره بالبراءة الأصلية واستصحاب حال الشّرع وهو أن يقال عدم الدّليل على كذا فيجب انتفاؤه وذكر الشّهيد في الذكرى أصل البراءة في الأدلّة النقليّة وقال ويسمّى استصحاب حال العقل وقال الشّهيد الثّاني في تمهيد القواعد استصحاب الحال هو أربعة أقسام أحدها استصحاب النفي في الحكم الشّرعي إلى أن يرد دليل وهو المعبر عنه بالبراءة الأصليّة وقريب منه في قواعد الشّهيد وفي المعارج أطبق العلماء على أنّ مع عدم الدّلالة الشّرعيّة يجب إبقاء الحكم على ما يقتضيه البراءة الأصليّة ولا معنى للاستصحاب إلاّ هذا فإن قال ليس هذا استصحابا بل هو إبقاء الحكم على ما كان لا حكما بالاستصحاب قلنا نحن نريد بالاستصحاب هذا القدر وقال في المعتبر وأمّا الاستصحاب فأقسامه ثلاثة استصحاب حال العقل وهو التمسّك بالبراءة الأصليّة وقد اقتنع في المعالم عن عنوان مسألة البراءة بمبحث الاستصحاب إلى غير ذلك من كلماتهم الصّريحة أو الظّاهرة في كون أصالة البراءة قسما من الاستصحاب وكيف كان فقد ظهر لك عدم صحّة أخذ أصالة البراءة بمعنى الاستصحاب كما توهمه المحقّق القمي رحمه‌الله وأمّا أخذها بمعنى الرّاجح أعني الظنّ فهو أيضا غير صحيح لأنّ أصالة البراءة المبنيّة على قبح العقاب بلا بيان إن قيست إلى الواقع فهي لا تفيد الظنّ وإن قيست إلى الظّاهر فهي تفيد القطع دون الظنّ ومن هنا جاز العمل بها مع الظن غير المعتبر على خلافها وأمّا أخذها بمعنى الدّليل فهو أيضا غير صحيح كما تقدم في كلام صاحب الفصول وحينئذ لا بدّ أن يؤخذ بمعنى القاعدة و

هي حكم العقل على سبيل القطع بعدم التكليف ظاهرا عند الشّكّ فيه بحسب الواقع لاستقلاله بقبح التّكليف بلا بيان وهذه القاعدة مطردة في جميع موارد استصحاب النفي وإن تغايرا مفهوما فتأمّل لأنّ كلمات القوم غير محررة في المقام ثمّ اعلم أن هاهنا أصولا أخر سوى الأصول الأربعة العمليّة قد تداولت بينهم واستعملوها في كتبهم مثل كون عدم الدّليل دليل العدم والبناء على الأقل عند دوران الأمر بينه وبين الأكثر وعلى الأخف عند دوران الأمر بينه وبين الأثقل وغيرها وهي إن رجعت إلى أحد الأربعة المذكورة فهو وإلاّ فلا دليل عليها نعم أصالة الإباحة معتبرة في نفسها ومغايرة للأربعة المذكورة وقد ذكروا في التفصي عن الإشكال الوارد على البحث عنها بعنوان مستقل في الكتب الأصوليّة بكون البحث عن أصالة البراءة مغنيا عنها من حيث كونها أعمّ منها وجوها كثيرة وأرى ترك التعرّض لها وتمييز صحيحها عن سقيمها أولى لأن الاشتغال بالأهم فالأهمّ هو الأهمّ وإن كان التعرّض لها بل بسط الكلام في تحقيق ما هو الأحق بالقبول منها في مسألة أصالة الإباحة مناسبا للمقام وفقنا الله لما هو الأوفق بالمرام (قوله) أحدها حكم الشّكّ إلخ الوجه في إدراج مسألتي أصالة التخيير والاشتغال في مسألة البراءة وإفراد مقام آخر للاستصحاب إنّ أصالة التخيير راجعة إلى أصالة البراءة لكون مرجعها إلى أصالة البراءة عن التعيين وإن حكم أصالة الاشتغال معلوم من حكم أصالة البراءة بالمقابلة نظرا إلى أنّ كلّ مورد لم يكن موردا للبراءة فهو مورد للاشتغال (قوله) أمّا المقام الأوّل إلخ اعلم أنّ المصنف رحمه‌الله قد ذكر أقسام موارد الشّكّ البدوي هنا مع إدراج بعضها في بعض تقليلا للأقسام وأقسام الشك المشوب بالعلم الإجمالي في الموضع الثّاني ونحن نذكر جميعها هنا مع إضافة بعض آخر إليها ليكون الشّروع في المقصد على زيادة بصيرة وإن احتجنا إلى حذف بعض

٢٥٤

الأقسام أيضا خوفا من الإطالة المخلّة فنقول مستمدا من الله تعالى أنّ الشّكّ المأخوذ في موضوع الأصول إمّا أن يكون متعلّقا بالموضوع أو الحكم وبعبارة أخرى إمّا بالمصداق أو المراد والمراد بالأوّل ما كان منشأ الشّبهة فيه اختلاط أمور خارجة بحيث لو تبدّل الشّكّ فيه بالعلم لا يحتاج في معرفة حكمه إلى بيان الشّارع مثل المائع المردّد بين الخمر والخلّ لأنا لو علمنا بكونه أحدهما علمنا حكمه من الحلّ أو الحرمة وبالجملة أنّ المراد به الشّكّ المتعلق بالموضوعات الصّرفة والمراد بالثّاني ما كان الشّكّ فيه في مراد الشّارع إمّا من جهة الموضوع مثل حرمة الغناء المردد مفهومه بين الصّوت المطرب والصّوت مع الترجيع وإمّا من جهة المحمول كالشّكّ في حرمة شرب التتن وإمّا من الجهتين كالمثال الأوّل إذا فرض الشك فيه في الحكم أيضا وعلى كل من القسمين إمّا أن يكون الشّك مشوبا بالعلم الإجمالي وإمّا أن يكون بدويّا والمراد بالأوّل ما علم فيه سنخ التكليف وحصل الشّكّ في متعلقه كالظهر والجمعة اللتين علم وجوب إحداهما إجمالا والإناءين اللذين علمت حرمة شرب أحدهما كذلك لا ما علم جنس التّكليف الإلزامي فيه وتردد بين نوعيه من الوجوب والحرمة والمراد بالثاني ما حصل الشك فيه في سنخ التكليف الإلزامي وإن علم جنسه كما يظهر بالمقايسة وبضرب هذين القسمين في السّابقين ترتقي الأقسام إلى أربعة أعني الشّبهة الموضوعية المشوبة بالعلم الإجمالي كما في الشبهة المحصورة وكذا البدوية مثل المائع المردد بين الخمر والخلّ والشّبهة الحكميّة المشوبة بالعلم الإجمالي كالواجب المردّد بين الظهر والجمعة وكذا البدويّة مثل شرب التتن المردّد حكمه بين الحرمة والإباحة ثم إنّه مع العلم الإجمالي بالتكليف إمّا أن يدور الأمر بين المتباينين أو بين الأقل والأكثر والمراد بالتّباين أعم من الحقيقي والحكمي والأوّل مع كون الشّبهة في الموضوع مثل الشبهة المحصورة ومع كونها في الحكم مثل الظهر والجمعة على ما عرفت والمراد بالتّباين الحكمي ما دار الأمر فيه بين التعيين والتخيير والمراد بالتخيير أعمّ من الشرعي والعقلي والأوّل مثل ما لو ثبت من الشّرع وجوب عتق رقبة ودار الأمر فيه بين تخيير الشّارع بين أفرادها وإرادة فرد خاصّ منها كالمؤمنة والثّاني مثل ما لو ثبت شرعا وجوب عتق رقبة ودار الأمر بين إرادة الطّبيعة الّتي لازمها تخير المكلّف عقلا بين أفرادها وبين إرادة فرد خاص منها وهذان المثالان من قبيل الشّكّ في الحكم من جهة الشّكّ في موضوعه مع العلم الإجمالي بالتكليف مع دوران الأمر بين المتباينين حكما وكون التخيير شرعيّا على الأوّل وعقليّا على الثّاني وأمّا ما دار الأمر فيه بين الأقلّ والأكثر فاعلم أنّهما إمّا ارتباطيان أو غيره والثّاني خارج من هذا التقسيم المختصّ بما كان الشّكّ فيه مشوبا بالعلم الإجمالي الذي مرجعه إلى الشكّ في المكلّف به لانحلال العلم الإجمالي فيه إلى علم تفصيلي وشك بدوي فيدخل في قسم الشّكّ في التّكليف دون المكلّف به والمراد بالارتباطي عدم إجزاء الأقل ولو بقدره على تقدير كون المطلوب في الواقع هو الأكثر وبغير الارتباطي ما كان على عكسه والأوّل مثل الشّكّ في بعض أجزاء الصّلاة وشرائطها والشك في حرمة تصوير أعضاء الحيوان مع العلم بحرمة تمام الصّورة والثّاني مثل دوران الأمر في الفائتة بين الأربع والخمس وفي الدّين بين درهم ودرهمين وفي ولوغ الكلب بين ثلاث غسلات وسبع وفي بعض صور منزوحات البئر بين ثلاثين وأربعين والأوّلان من قبيل الشّبهة الموضوعيّة والأخيران من قبيل الحكمية والجميع من قبيل الشّكّ في التّكليف دون المكلّف به لكون وجوب الأقلّ معلوما تفصيلا ووجوب الأكثر مشكوكا من رأس ولذا أخرجنا هذا القسم من أقسام الشك في المكلّف به ومثله الأقل والأكثر الارتباطيان مع كون الشّبهة تحريمية مثل ما عرفت من مثال حرمة تصوير الصّورة لكون حرمة الأكثر فيه معلومة وحرمة الأقل مشكوكة من رأس ولا فرق فيه بين الأقسام الثلاثة الآتية للشّبهة الحكميّة أعني ما كانت الشبهة فيه ناشئة من فقدان النصّ أو إجماله أو تعارضه وبين الشّبهة الموضوعيّة بخلاف ما لو كانت الشّبهة فيه وجوبية لعدم وجود قدر متيقن حينئذ كما لا يخفى وقد ظهر ممّا ذكرنا أن الباقي من أقسام الشّكّ في المكلّف به أربعة وهي الشّبهة الحكميّة والموضوعيّة مع دوران الأمر فيهما بين المتباينين أو الأقل والأكثر الارتباطيين مع كون الشّبهة فيهما وجوبية وبضمّها إلى قسمي الشك في التّكليف ترتقي الأقسام إلى ستّة ثمّ إنّ صور الشك كثيرة لأنّه تارة يكون ثنائيّا وأخرى ثلاثيّا وثالثة رباعيّا ورابعا خماسيّا لأنّه مع الشّكّ في التكليف أو المكلّف به ربّما يدور الأمر بين حكمين من الأحكام الخمسة وتارة بين ثلاثة منها وهكذا ولكنا اقتصرنا منها على بيان بعض الصّور الثّنائيّة كما ستعرفه تقليلا للأقسام مع كون الأحكام الباقية معلومة ممّا ذكره المصنف رحمه‌الله من أحكامها ثم إنّه على جميع التقادير إمّا أن يكون الأمر دائرا بين الوجوب وغير الحرمة أو الحرمة وغير الوجوب أو يدور الأمر بينهما وبضرب الثلاثة في الستّة ترتقي الأقسام إلى ثمانية عشر قسما ستّة منها للشّكّ في التكليف والباقي للشكّ في المكلّف به ثمّ إنّ هنا تقسيما آخر مختصّا بأقسام الشبهة الحكمية وهي تسعة من الثمانيّة عشر وهو أنّ الشّبهة في الحكم إمّا أن تكون لأجل فقدان النّص في المسألة كشرب التّتن أو لأجل تعارض النّصين مثل الظهر والجمعة أو لأجل إجماله كقوله تعالى أقم الصّلاة بناء على كون ألفاظ العبارات أسامي للصحيح وبضرب هذه في التّسعة المذكورة تحصل سبعة وعشرون قسما وبضمّ أقسام الشّبهة الموضوعيّة وهي التّسعة الباقية ترتقي الأقسام إلى ستّة وثلاثين قسما والمراد بفقدان النصّ أعمّ من عدم وجود دليل في المسألة أصلا ومن وجود أمارة غير معتبرة كالشّهرة وقول الفقيه ونحوهما (قوله) هذا مبني على اختصاص إلخ يعني حصر موارد الاشتباه في الثلاثة قال المحقق القمي رحمه‌الله وهذا الإطلاق يعني إطلاق أصالة البراءة بمعنى استصحابها إنّما يناسب بالنّسبة إلى ما شك في تحريمه أو وجوبه لأنّ اشتغال الذّمة لا يكون إلا بالتكليف والتكليف منحصر فيهما انتهى وقال بعض الأفاضل بعد نقله عنه ولعلّه ناظر إلى ما قيل من أن التّكليف مأخوذ من الكلفة ومعناه الإلقاء في المشقّة ولا يصدق على غيرهما وضعفه ظاهر لأنّ ذلك معنى التّكليف لغة وأمّا في الاصطلاح فهو أعمّ من ذلك قطعا لأنّه يتناول الوجوب والحرمة بأنواعهما قولا واحدا و

٢٥٥

من الواضح أنّه لا يكون كلفة فيهما وكان المتداول في كلامهم استعمال أصل البراءة في نفي الوجوب وأصل الإباحة في نفي التّحريم والكراهة والتعميم أولى بالمقام لصلوح اللفظ له بالمعنى الّذي ذكرناه مع اشتراك الجميع في الأدلّة انتهى وأنت خبير بأن ما ذكره وإن كان متجها بحسب استعمال أصالة البراءة في مواردها في كلمات العلماء إلاّ أنّه لم يقم دليل على اعتبارها بهذا الإطلاق لأنّ غاية ما دل عليه الدّليل العقلي المستدل به عليها والمنساق من الأدلّة اللفظية كما سيجيء في محلّه هو مجرّد نفي العقاب على مخالفة التّكليف المحتمل مع عدم وصول البيان من الشّارع لا نفي التكليف المحتمل في الواقع حتّى يقال أنّه أعمّ من الوجوب والحرمة وغيرهما(قوله) إمّا عدم النّصّ إلخ لعل المراد بالنّص هو مطلق الدليل الشّامل للإجماع وغيره أيضا وإلاّ فلا اختصاص لموارد البراءة بموارد فقدان النصّ فقط ولعلّ تخصيصه بالذّكر لأجل كون بيان الأحكام به غالبا(قوله) بناء على تواتر القراءات إلخ كذلك بناء على عدم تواترها مع ثبوت جواز الاستدلال بكل قراءة من السّبعة كما أشار إليه في مبحث حجيّة الظنّ فراجع (قوله) على ما يرجع إلى قولين إلخ لعل التّعبير بهذه العبارة إشارة إلى ضعف ما توهمه المحقق القمي رحمه‌الله حيث نسب القول بالتفصيل بينما يعمّ به البلوى وغيره بالقول بالبراءة في الأوّل دون الثّاني إلى المحقق في المعتبر ووجه الضّعف أنّ المحقّق إنّما فصّل بذلك بالنّسبة إلى كون عدم الدّليل دليل العدم وقد تقدّم في الحواشي السّابقة عند بيان الفرق بين أصالة البراءة وسائر الأصول مغايرة هذا الأصل عندهم لأصالة البراءة مع أنّ المقصود في المقام بيان حكم ما اشتبه حكمه الواقعي أعني الحرمة في مقام الظاهر وأنّه هي البراءة أو الاحتياط والأصل المذكور وإن سلمنا اندراجه في أصالة البراءة إلا أنّه يفيد نفي الحكم فيما يعمّ به البلوى بحسب الواقع دون الظّاهر فلا دخل له فيما نحن فيه فالأولى حصر القول في المقام في البراءة والاحتياط (قوله) منها قوله تعالى لا يكلّف الله إلخ هذه الآية في سورة الطّلاق وتقريب الدلالة أنّ المراد بالإيتاء إمّا هو الإعلام كما يشعر به قوله عليه‌السلام إنّ الله يحتج على النّاس بما آتاهم وعرّفهم وإمّا الإقرار كما هو صريح الطّبرسي فهي تدل على الأوّل على نفي التّكليف قبل وصول الإعلام والبيان من الله سبحانه وعلى الثّاني على نفي التّكليف عن غير المقدور لأنّ المعنى حينئذ لا يكلّف الله نفسا إلا ما أقدرها عليه والتكليف بالمجهول تكليف بغير المقدور فيكون منفيا بحكم الآية وأمّا ما أورد عليه المصنف رحمه‌الله بأن ترك ما يحتمل التّحريم ليس غير مقدور فيرد عليه أنّه إن أراد ذلك عقلا فمسلم إلاّ أنّه غير مجد لأن الخطابات الشرعيّة واردة على متفاهم العرف فيكفي في الاستدلال بها كون الفعل غير مقدور في نظر عامة النّاس وما نحن فيه كذلك كما ستعرفه وإن أراد ذلك في نظر العامة فهو ممنوع وتوضيح المقام أنّ خروج الفعل من قدرة المكلف تارة يكون عقليّا وأخرى عرفيّا بمعنى كونه كذلك في نظر أهل العرف وإن لم يكن كذلك عقلا ومن هذا القبيل أمر الموالي عبيدهم بما لم يكن لهم طريق إلى امتثاله إذ لا ريب في عدّ مثل ذلك عندهم من قبيل التّكليف بغير المقدور وما نحن فيه من هذا القبيل إذ لو تنجّز التكليف بالواقع فيما يحتمل التحريم عدّ ذلك أيضا تكليفا بغير مقدور إذ الفرض عدم ثبوت وجوب الاحتياط حتّى يقال إنّه طريق ظاهري في الشبهات ومجرد حسن الاحتياط عقلا وشرعا لا يصلح أن يكون طريقا لامتثال التكليف المفروض تنجزه في الواقع إذ غايته جواز الاحتياط وهو لا يصلح طريقا لذلك وبالجملة أنّ وجه الاستدلال أنّ المراد بالموصولة إمّا هو الحكم والمراد بإيتائه إعلامه كما ترشد إليه الرّواية المتقدّمة إلاّ أنّه يشكل بعدم شمول الآية حينئذ لموردها كما أفاده المصنف رحمه‌الله وإمّا نفس الفعل والترك والإيتاء وإن كان حقيقة في الإعطاء إلا أن إيتاءهما كناية عن الإقدام عليهما والمعنى لا يكلّف الله نفسا إلاّ بفعل أقدرها عليه فما هو غير مقدور للمكلّف لا يكلف به وهو أعمّ ممّا كان غير مقدور بالذّات كالطيران إلى السّماء أو بالعرض كما فيما نحن فيه على ما عرفت وعليه تكون الآية عامة لمواردها أيضا وهو خصوص المال كما يرشد إليه قوله سبحانه قبلها (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) لأنّ المعنى حينئذ بالنّسبة إلى موردها لا يكلف الله نفسا إلاّ بدفع مال أقدرها عليه وبالنّسبة إلى الأحكام المعلومة لا يكلف الله نفسا إلاّ بفعل واجب أو ترك حرام أقدرها عليه ولا يرد عليه ما أورده المصنف رحمه‌الله على إرادة المعنى الأعم من استلزامه لاستعمال اللّفظ في أكثر من معنى لكون الموصولة على ما ذكرناه عبارة عن نفس الفعل أو الترك وهو إن اعتبر بالنّسبة إلى مورد الآية وهو المال فهو عبارة عن دفعه وإن اعتبر بالنسبة إلى الأحكام فهو عبارة عن الإتيان بها وامتثالها وممّا ذكرناه يظهر تقريب الاستدلال بقوله تعالى في آخر سورة البقرة (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) نظرا إلى كون الفعل المجهول الحكم خارجا عن وسع المكلّف في نظر العامة كما تقدم وكذا يندفع ما أورد عليه بأنّه إنّما يتم على تقدير انسداد باب العلم في أغلب الأحكام نظرا إلى كون التكليف بالأفعال المجهولة الحكم في الواقع مع تعذر الاحتياط لكثرة الشبهات تكليفا بما هو خارج من الوسع بخلاف ما لو كان باب العلم مفتوحا عقلا أو شرعا كما هو الفرض لأن الكلام مع الأخباريين القائلين بالانفتاح بل على مذهب القائلين بالظنون الخاصّة من الأصوليين إذ لا ريب في تيسّر الاحتياط حينئذ لقلة موارد الشبهة فالتكليف بالأفعال المجهولة الحكم لا يستلزم المحذور ووجه الاندفاع واضح لأنّ ما ذكرناه مبني على كون الفعل المجهول الحكم خارجا من الوسع مطلقا من دون فرق بين قلّة الشبهات وكثرتها(قوله) لأن نفس المعرفة بالله غير مقدور لعل الوجه فيه هو كون المراد بالمعرفة هي المعرفة الكاملة الّتي لا يهتدي إليها العباد بعقولهم القاصرة أو المراد بها مطلقها إلاّ أنّ المراد بالبيان أعم من البيان الشّرعي والعقلي والقرينة على التأويل بهذين الوجهين هو تعرّض السّائل لهذا السّؤال إذ من البعيد حصول الشّبهة في وجوب أصل المعرفة مضافا إلى نفي الإمام عليه‌السلام للتكليف من دون بيان من الله تعالى للقطع بثبوت التكليف بأصل المعرفة ولو مع عدم بيان من الله سبحانه وحاصل ما ذكره انطباق الرّواية على الآية على تقدير كون المراد بالموصولة هو الفعل والتّرك وبالإيتاء الإقدار

٢٥٦

عليهما(قوله) ومنها قوله تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ) إلخ الآية في أوائل سورة بني إسرائيل ولا يذهب عليك أنّ جريان أصالة البراءة لما كان موقوفا على عدم الدّليل العقلي والشّرعي في موردها لأنّ المستدلّين بالآية هم الأصوليّون القائلون بالملازمة بين حكم العقل والشّرع وكان ظاهر الآية نفي التّكليف مع عدم البيان النقلي مطلقا سواء كان هنا دليل عقلي أم لا احتاج المصنف رحمه‌الله في الاستدلال بها إلى إثبات إحدى مقدّمات الأولى أن يكون بعث الرّسول كناية عن بيان التّكليف مطلقا سواء كان بالنّقل أم العقل الثّانية أن تبقى الآية على ظاهرها ويقال بكونها من قبيل المخصّص بالمخصّص المنفصل وهو ما دلّ على اعتبار العقل الثّالثة أن تبقى الآية على ظاهرها من إرادة البيان النّقلي من دون التزام استثناء أصلا ويدّعى عدم منافاتها لملازمة حكم العقل لحكم الشّرع بأن يقال إنّ الملازمة بينهما إنّما هي في الحكم بحسن فعل أو قبحه بمعنى أنّ العقل إذا حكم بحسنه أو قبحه فالشّرع أيضا يحكم بذلك وبكون فاعله مستحقّا للعقاب إلاّ أنّه لا ينافى عدم ترتب العقاب الفعلي على ارتكاب فعل حكم العقل بقبحه ولم يرد النّهي عنه شرعا كما هو مقتضى الآية وبالجملة أنّ الملازمة في الحكم بالقبح والاستحقاق لا تلازمها فعليّة ترتب العقاب على ارتكاب هذا القبيح نظير حرمة الظّهار المتعقّبة بالعفو بقوله تعالى (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) على ما يراه الشّهيد الثّاني وحرمة نيّة السّوء الّتي ورد في الأخبار أنّها لا تكتب والوجه في عدم ترتّب العقاب على مخالفة ما حكم بقبحه العقل مع عدم ورود النّهي عنه شرعا ما أشار إليه المصنف رحمه‌الله من كون تأكّد العقل بالشّرع لطفا واجبا على الله تعالى وعلى كلّ تقدير فالآية لا تنافي الملازمة المذكورة وما أورد عليه المصنف رحمه‌الله من كون ظاهرها إخبارا عن وقوع التعذيب سابقا في الأمم الماضية والقرون الخالية البعث والبيان فلا تشمل نفي العقاب الأخروي من دون بيان ضعيف جدّا لأنّ ظاهرها أنّها إخبار عن عدم جريان عادته وسجيّته سبحانه ولو في الأمم السّابقة على التّعذيب من دون بيان لأنّ معناها ما كان من شأننا وسجيّتنا التّعذيب حتّى نبعث ونبيّن الأحكام للعباد فهي بإطلاقها تشمل العقاب الدّنيوي والأخروي كما هو صريح الطّبرسي في تفسيره ولا ريب أنّ مقتضى الحكمة أن لا تتغيّر عادته ولا تتبدّل سجيّته في القرون اللاّحقة إن لم تكن هذه الأمة المرحومة أولى بذلك مع أن لفظة كان قد تستعمل للدلالة على استمرار خبرها لاسمهما نحو وكان الله عليما حكيما أي لم يزل عليما حكيما في الماضي والحال والاستقبال نعم يرد على المقدّمة الأخيرة أنّ تسليم كون فاعل ما يستقلّ بحسنه مستحقّا للعقاب ومبغوضا عند الشّارع وإن لم يكن معاقبا بالفعل مناف لما وجب على الله تعالى من اللّطف بتأكيد الأحكام العقليّة بالسمعيّة لأنّ كون العبد مبغوضا للشارع ومستحقّا لسخطه أشدّ من التّعذيب بالنّار عند ذوي العقول والأبصار فكما أنّ العقاب بلا بيان ينافي اللّطف كذلك الاستحقاق بلا بيان إن لم يكن أولى فإن قلت إنّ غاية ما تدلّ عليه الآية مع تسليم المقدّمات المتقدّمة هو نفي فعليّة العقاب بلا بيان لا نفي الاستحقاق أيضا ولا يستلزم كون محتمل الحرمة غير حرام ولو في الظّاهر لأنّ الحرام ما يستحق فاعله العقاب لا ما يعاقب عليه فعلا ونفي الفعليّة لا ينفي الاستحقاق أيضا قلت مع أنّ مقتضى البراءة كما سيجيء في محلّه هو مجرّد نفي العقاب لا نفي الحكم الواقعي إنّ الخصم يسلّم عدم الاستحقاق على تقدير ثبوت عدم الفعلية كما صرّح به المصنف رحمه‌الله وستعرفه عنه شرح كلامه (قوله) ثم إنّه ربّما يورد التّناقض إلخ المورد هو المحقق القمي رحمه‌الله أورده على الفاضل التّوني حيث استدلّ في مسألة البراءة بالآية عليها وفي مسألة الحسن والقبح ردّ على من منع الملازمة بين حكم العقل والشّرع مستدلاّ بها عليه بأنّ نفي فعليّة التّعذيب أعمّ من نفي الاستحقاق ومنع الملازمة إنّما يتمّ على الثّاني دون الأوّل قال والعجب عن بعض الأعاظم حيث جمع في كلامه بين الاستدلال بالآية لأصل البراءة ودفع الإشكال الوارد على الآية بالأحكام العقليّة الإلزاميّة بجواز العفو عن الله تعالى انتهى وحاصل ما أورده من التّناقض أنّ مقتضى الاستدلال بالآية على أصالة البراءة هو نفي الحكم المستتبع لنفي الاستحقاق ومقتضى الردّ على المانع بما ذكره نفي فعليّة التّعذيب بالعفو عنه مع تسليم أصل الاستحقاق والتنافي بينهما واضح (قوله) والإنصاف أنّ الآية لا دلالة لها إلخ أمّا عدم دلالتها على أصالة البراءة فلما أورده على المستدلّ بها عليها وأمّا عدم دلالتها على عدم الملازمة فلما صرّح به من كون محلّ النّزاع هناك هو إثبات الملازمة بين حكم العقل والشّرع في الاستحقاق خاصّة ومجرّد نفي فعليّة التّعذيب كما هو مقتضى الآية لا ينفيها(قوله) ومنها قوله تعالى (ما كانَ اللهُ لِيُضِلَ) إلخ هذه الآية في سورة التّوبة وتقريب الاستدلال أنّ المراد بقوله ليضلّ إما هو الحكم بالضّلالة أو التّعذيب في الدّنيا والآخرة والوجهان يظهران من بعض المفسّرين أو الخذلان في مقابل الهداية والتّوفيق كما يظهر من المصنف رحمه‌الله وهذه الأمور كلّها مرتبة على معصيته سبحانه فإذا نفتها الآية قبل بيان ما يجب اجتنابه من الأفعال والتّروك ثبت عدم تحقق المعصية والمخالفة قبل وصول البيان من الشّارع وإن كان الفعل المأتي به محتملا للحرمة في الواقع والمتروك للوجوب كذلك والمصنّف رحمه‌الله قد حمل الآية على الوجه الثّالث وأجاب عنها تارة بما تقدّم في سابقتها من كونها إخبارا عن عادته تعالى في الأمم الماضية وأخرى بمنع استلزام توقف الخذلان على البيان لتوقف تنجّز التّكليف عليه كما هو المدّعى وذلك لأنّ معنى الآية ما كان الله ليخذل قوما بسلب أسباب التّوفيق والتوكيل إلى النّفس فيما يتعلق بالمعاش والمعاد إلا بعد بيان الواجبات والمحرّمات وعليه تكون مرتبة الخذلان بعد بيان الأحكام إلاّ أنّ الآية لا تدل على عدم التّكليف قبل البيان لوضوح عدم استلزام توقّف الخذلان عليه كما هو ظاهر الآية لتوقف التّكليف عليه اللهمّ إلا أن يتمسّك بالفحوى بأن يقال إن الخذلان إذا توقف التعذيب الذي هو أشدّ منه عليه بطريق أولى وأنت خبير بأن خذلانه سبحانه للعبد إنّما هو بعد بيان ما يرضيه ويسخطه من الواجبات والمحرّمات ومخالفة العبد له وبعد إيعاده عليه مرّة بعد أخرى بإنزال البلايا والشّدائد بل بعد بيان المكمّلات من الأعمال الموجبة للمراتب العلية والدّرجات الرّفيعة من المستحبّات وغيرها فإذا استمرّ العبد على ما أصرّ عليه استحق الخذلان الّذي هو أشدّ من الدّخول في النّيران إذ من البعيد خذلانه سبحانه للعبد بعد بيان الواجبات والمحرّمات بمجرّد مخالفته له تعالى فيهما من دون إصرار أو استمرار على ما أصرّ عليه كيف لا وبيان ما يرضيه ويسخطه من الواجبات والمحرّمات واجب عليه سبحانه من باب اللّطف وبالجملة أنّ استحقاق

٢٥٧

الخذلان فضلا عن فعليته ليس مرتبا على مجرّد المخالفة فمن هنا يظهر أنّ جعل الإضلال في الآية الشّريفة مغيّا ببيان ما يتقون مما يرضيه ويسخطه من الواجبات والمحرمات قرينة لعدم إرادة الخذلان من الإضلال لأنّ الخذلان وإن توقف على بيان ما يتقون إلاّ أنّه متوقف على أشياء أخر أيضا فجعل الإضلال مغيّا بما يجب بيانه على الله تعالى دليل على عدم إرادته من الإضلال بل المناسب له كون المراد به التّعذيب والمعنى حينئذ ما كان الله ليعذب قوما بعد أن هداهم إلى الإسلام حتّى يبيّن لهم ما يرضيه ويسخطه ودلالتها على المدعى حينئذ واضحة كما تقدّم ومن التّأمّل فيما ذكرناه يظهر ضعف التمسّك بالفحوى أيضا لما عرفت من كون الخذلان أشد من التّعذيب في الدّنيا والآخرة(قوله) ومنها قوله تعالى (لِيَهْلِكَ) إلخ الآية في سورة الأنفال والمعنى ليهلك من ضل بعد قيام الحجّة عليه فتكون حياة الكافر وبقاؤه هلاكا له ويحيا من اهتدى بعد قيام الحجّة عليه فيكون بقاء من بقي على الإيمان حياة له وقوله عن بينة أي بعد بيان وإعلام وقضية تخصيص الضلال والاهتداء بما بعد البيان هو عدم الوجوب والحرمة قبله ولعلّ وجه تأمل المصنف رحمه‌الله في دلالتها هو كون المراد بالبيّنة هي المعجزات الباهرة للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والمقصود من الآية بيان علة ما وقع منه تعالى من نضرة المسلمين لأنّ الآية قد نزلت في بيان قصّة غزوة بدر ونصرة المسلمين فيها كما يشهد به ما قبلها قال سبحانه (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ) الآية قد أخبر الله عزوجل نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنكم مع قلّة عددكم قد كنتم بشفير الوادي الأقرب إلى المدينة والمشركون بالشفير الأقصى منها في حال كون الرّكب يعني أبا سفيان وأصحابه في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر يعني مع قلة عددكم وبعدكم عن الماء والمشركون مع تقارب الفئتين منهم ومع كثرتهم ونزولهم على الماء قد نصر المسلمين عليهم ثمّ أخبر عن قلّة عدد المسلمين بأنّهم كانوا بحيث لو تواعدوا على الاجتماع في الموضع الّذي اجتمعوا فيه ثمّ بلغهم كثرة المشركين مع قلة عددهم لتأخروا ونقضوا الميعاد ثمّ أخبر بأنّه تعالى قادر على الجمع بينهم وبين المشركين ليقضي ما لا بد من كونه من إعزاز الدّين وأهله وإذلال الشرّ وأهله ليموت من مات عن بينة يعني بعد إلزام الحجّة عليه بما رآه في هذه الغزوة ممّا يدلّ على صدق النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو نصرة المسلمين مع قلّة عددهم وكثرة المشركين ونزولهم على الماء دونهم ويعيش من عاش منهم بعد قيام الحجّة عليه وبالجملة أنّ المراد بقوله تعالى (لِيَهْلِكَ) الآية بيان للغرض من نصرة المسلمين في هذه الغزوة من إلزام الحجّة على من مات أو بقي من المشركين ولا دلالة فيها على عدم التكليف بلا بيان لكونه بيانا لإلزام الحجّة على الكفّار في واقعة خاصّة اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ المستفاد من الآية لزوم إذاعة الحجّة في كلّ ما أراده الله تعالى من العباد سواء كان هو الإسلام أو الأحكام الفرعيّة فتأمّل (قوله) ومنها قوله تعالى مخاطبا لنبيّه إلخ الآية في سورة الأنعام وتقريب الدّلالة أنّ الله تعالى قد خاطب نبيّه ملقنا إيّاه كيفية الردّ على اليهود حيث حرّموا ما أحل الله لهم افتراء عليه تعالى بأن يقول إنّي لا أجد في جملة ما أوحى الله تعالى إليّ محرّما سوى هذه المحرّمات فلقّنه طريق الردّ على اليهود بعدم وجدانه ما حرّموه في جملة ما أوحى إليه فدلّت على كون عدم الوجدان دليلا على عدم الوجود إذ لو لم يكن كذلك لم يكن وجه لتلقينه تعالى له ذلك في مقام الرّدّ على اليهود وحينئذ يتم القول بالبراءة في الشبهات التحريميّة بل مطلقا بعد عدم وجدان الدّليل في الواقعة على التّكليف (قوله) إشارة إلى المطلب إلخ يمكن منع الإشارة والإشعار أيضا لاحتمال كون النّكتة في التّعبير بعدم الوجدان هي الإشارة إلى قلّة المحرمات لأنّه مع اختلاط القليل بالكثير واشتباهه فيه بنسب الوجدان وعدمه إلى القليل فيقال إذا تتبعت الأشياء الفلانية فوجدت الشيء الفلاني من بينها أو لم تجد من بينها ففي التعبير به إشارة إلى قلّة المحرّمات وكثرة المباحات بحيث توجد هي من بينها(قوله) فغاية مدلولها إلخ بل يمكن أن يقال إنّ غاية مدلولها كون عدم وجدان النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دليلا على عدم الوجود في الواقع إذ لا ريب في كون عدم وجدانه حرمة شيء كاشفا عن إباحته في الواقع والمقصود في المقام إثبات الإباحة الظاهرية بعدم وجدان الدّليل على الحرمة كيف والمأخوذ في موضوع الأصول هو الجهل بالحكم الواقعي فكيف تجعل الآية دليلا على إثبات الإباحة الظّاهريّة والفرق بينه وبين ما ذكره المصنف رحمه‌الله واضح فلا تغفل (قوله) ومنها قوله تعالى (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا) إلخ الآية في سورة الأنعام وتقريب الدّلالة أنّ الله تعالى قد ذم على الالتزام بترك ما لم يوجد فيما فصّل من المحرّمات فتدل على إباحة كذلك ما لم يوجد تحريمه في الكتاب والسّنّة(قوله) على أنّه لا يجوز إلخ عدم الحكم بالحرمة لا ينافي وجوب الاحتياط لأنّه عبارة عن الالتزام بالتّرك في الشّبهة التّحريميّة لا الحكم بالحرمة(قوله) الاحتياط أيضا إلخ أي كما تدل على عدم جواز الحكم بالحرمة(قوله) مع تفصيل جميع إلخ ظاهره أنّ ما نحن فيه يفارق مورد الآية من وجهين أحدهما أن موردها عدم كون المتروك في جميع المحرّمات الواقعيّة والمقصود فيما نحن فيه عدم كونه فيما بأيدينا من الأدلّة بعد العلم باختفاء كثير منها عنّا وثانيهما أنّ عدم وجدان المتروك في المحرّمات الواقعيّة دليل على إباحته في الواقع والمقصود فيما نحن فيه إثبات الإباحة الظّاهرية لمجهول الحكم بحسب الواقع وربّما يتمسّك في المقام أيضا بقوله تعالى (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) وقوله سبحانه (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) وقوله جلّ ذكره (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) وتقريب الدّلالة في الأوليين منها أنّه تعالى رتّب الشّكر والكفران فيها على الهداية فلا شكر ولا كفران إلاّ بعد الهداية وفيه أنّ المعنى في الأولى أنّا فعلنا ذلك يعني الهداية سواء كانوا بعد ذلك شاكرين أم كافرين وفي الثانية أنّا هدينا ثمود وهم اختاروا العمى يعني الغواية والضلال على الهدى ولا دلالة فيها على وجوب الهداية قبل الضّلال لكونهما إخبارا عن وقوع ذلك فيما سلف لا بيانا لوجوب الهداية قبل الضّلال وأمّا الثالثة فوجه الدّلالة فيها أنّ اللاّم يقتضي الاختصاص بجهة الانتفاع فهي تدلّ على إباحة جميع ما يمكن الانتفاع به بنحو من أنحاء الانتفاع وفيه أنّها أخصّ من المدّعى لأن ما في الأرض على أقسام منها ما لا منفعة فيه ظاهرا ومنها ما له جهة منفعة واحدة ومنها ما له منافع متعدّدة مثل الأكل واللّبس ونحوهما وهذا أيضا

٢٥٨

على قسمين قسم منافعه مختلفة في الظهور والخفاء فبعضها ظاهر من بينها كاللّبس في الملبوس والشّرب في المشروب والأكل في المأكول وقسم منافعه متساوية في الظّهور والخفاء ولا ريب أن المطلقات إذا كانت لها أفراد ظاهرة وخفية إنما تنصرف إلى الظاهرة منها وحينئذ نقول إنّ المقصود بقوله تعالى (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) هو خلق الأشياء لغاية الانتفاع بها وهو مطلق لا ينصرف إلاّ إلى الأشياء الّتي لا يمكن الانتفاع بها إلاّ بجهة واحدة وإلى ما له منافع من جهات متساوية وإلى أظهر جهات ما له جهات مختلفة فيكون أخصّ من المدّعى وربّما يقال إن الآية مفسرة في الخبر بالانتفاع بجهة الاستدلال بما في الأرض على وجود الصّانع واعترض عليه أنّ الخبر أنما تضمن إحدى جهات الانتفاع ولا دلالة فيه على الحصر فيها وربّما يقال أيضا أنها واردة في مقام بيان عدم كون خلق ما في الأرض عبثا لا لبيان إباحة جميع ما في الأرض فتأمّل (قوله) منها المروي عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بسند صحيح إلخ لفظ الحديث على ما نقله في تفسير نور الثقلين عن التوحيد مسندا إلى حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام هكذا قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع عن أمّتي تسعة أشياء الخطأ والنّسيان وما أكرهوا عليه وما لا يطيقون وما لا يعلمون وما اضطروا إليه والحسد والطّيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة والخبر قد صحّ عن أئمّتنا عليهم‌السلام وأسندوه إلى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فما ربّما يتوهم من كونه نبويّا ضعيفا ضعيف جدّا(قوله) فإن حرمة شرب التتن إلخ قد أورد على التّمسك بالخبر بوجوه أحدها بما تقدّم في الحاشية السّابقة مع تضعيفه من كونه نبويّا ضعيفا وثانيها أنّه خبر الواحد فلا يجوز التّمسّك به في إثبات المسائل الأصوليّة عند المشهور وفيه أولا أنّ هذه المسألة كمسألة الاستصحاب كما سيأتي في مسألة الاستصحاب من المسائل الفرعيّة دون الأصوليّة وثانيا أن الاستدلال ليس بهذا الخبر بل به بضميمة سائر الأخبار الّتي تمسّك بها المصنف رحمه‌الله في المقام ولا تبعد دعوى تواترها معنى وثالثا منع عدم جواز الاستدلال بأخبار الآحاد في المسائل الأصوليّة لعموم أدلّتها كما لا يخفى وثالثها ما أورده المصنف رحمه‌الله من كون المراد بالموصولة بقرينة أخواتها هو الموضوع فلا يشمل الحكم المجهول ويؤيّده أنّه لو كان المراد بها أعمّ من الموضوع والحكم لزم استعمالها في معنيين مختلفين لأنّ نسبة الرّفع إليها عند إرادة الموضوع باعتبار معنى وعند إرادة الحكم باعتبار معنى آخر إذ المراد على الأوّل رفع مؤاخذة الفعل المشتبه الحكم وعلى الثّاني رفع نفس الحكم المشتبه اللهمّ أن يقال إن المراد بها الموضوع خاصة إلاّ أنّ المراد به أعمّ من الموضوع المشتبه في نفسه كالمائع المردّد بين كونه خمرا وخلاّ ومن الموضوع المشتبه الحكم كشرب التّتن إلاّ أنّه بعيد ومنافر لسائر الفقرات والحاصل أنّه إمّا أن يراد بالموصولة للموضوع خاصّة أو الحكم خاصّة أو الأعمّ منهما والأوّل هو المطلوب ولا ينفع المستدلّ والثّاني بعيد عن السّياق والثّالث مستلزم لاستعمال اللّفظ في معنيين متغايرين بإرادة واحدة ويرد عليه أوّلا أن دعوى ظهور الموصولة في إرادة الموضوع خاصّة بقرينة السّياق نظرا إلى اختصاص الخطإ والنّسيان والإكراه وعدم الطّاقة والاضطرار بالموضوع ممنوعة لصحّة إرادة الأعمّ منه ومن الحكم في هذه الفقرات أيضا أمّا الخطأ فإنّه كما يتحقق في الأفعال كذلك في الأحكام كما إذا اعتقد الفقيه عبارة الصّدوق عبارة للصّادق عليه‌السلام فأفتى بمضمونها ثمّ تبيّن خطاؤه فيكون الخطأ في الفتوى حينئذ ناشئا من الخطإ في الموضوع الخارج وأمّا النّسيان كما إذا كان عالما بحرمة الخمر مثلا فنسيها فشربها وأمّا الإكراه فكإكراه فقيه على الإفتاء بخلاف الحقّ الذي اعتقده ومنه يظهر الحال في الاضطرار أيضا وأمّا عدم الطّاقة فكتكليف المكلّف بما لا يطيق لامتثاله وثانيا منع لزوم استعمال الموصولة في معنيين على تقدير إرادة المعنى الأعمّ منها إذ المراد برفع الأمور التّسعة كما سيجيء في الحواشي الآتية ليس رفع مؤاخذتها حتّى يلزم المحذور بل المراد هو عدم توجيه الخطاب على وجه يشمل صورة الخطاء والنّسيان مثلا أيضا وحينئذ يقال إن المراد برفع ما لا يعلمون أيضا هو عدم توجيه التكليف بحيث يشمل المجهولات حتّى يجب فيه الاحتياط وحينئذ يصحّ أن يقال إنّ المراد بما لا يعلمون أعمّ من الموضوع والحكم المشتبهين والمراد برفعهما رفع حكمهما الظاهري بمعنى أنّه إذا اشتبه الخمر بالخلّ أو اشتبه حكم شرب التّتن فالخبر يدلّ على عدم توجّه الخطاب الواقعي بحيث يشمل صورة الجهل حتّى يجب الاحتياط في الصّورتين وسيأتي توضيح لذلك إن شاء الله تعالى فإن قلت إنّ اللاّزم على المجتهد هو استفراغ تمام وسعه في استنباط الأحكام الشرعيّة بحيث لا يقع منه تقصير في مقدمات استنباطه إلاّ على وجه يكون معذورا فيه كما إذا أخذ حكما من خبر صحيح على اعتقاده وكان من الأخبار المدسوسة في الواقع وقد حكى بعض مشايخنا عن بعض مشايخه عن الشيخ أسد الله التستري أنّه قد ذكر أنّ الإمام عليه‌السلام لو كان حاضرا لاحتججت معه إلى سنة ولا يلزمني بتقصير في مقدّمات اجتهادي وفي كيفية استنباطي فاللاّزم على المجتهد أوّلا هو بذل الوسع في تحصيل الأحكام الواقعيّة والوصول إليها وإن لم يصل إليها فهو إما من جهة تقصيره في الفحص عن الأدلّة أو معارضاتها أو من جهة قصوره عن الفحص أزيد ممّا بذل جهده فيه فهو على الأوّل معاقب وعلى الثاني معذور لا محالة وإلاّ لزم التكليف بما لا يطاق وهو منفي عقلا وشرعا وإذا تحقق ذلك نقول إنّك قد عرفت أنّ المراد في الخبر برفع الأمور التّسعة هو عدم توجيه الخطاب على وجه يشمل صورة الخطاء والنّسيان والجهل مثلا ولا ريب أن عدم توجيهه كذلك إمّا مع تقصير من المكلف في حصول الأمور المذكورة بأن لم يتحفظ محفوظه بتكرير التذكر مثلا حتّى لا ينسى أو لم يتفحص عن الأدلّة حتى يصير عالما بالحكم أو لم يحتط في أفعاله كي لا يقع في الخطاء فيها أو مع عدم تقصير منه في ذلك وتعميم الخبر للصّورة الأولى بعيد في الغاية وفضيح إلى النّهاية وكذلك للصّورة الثّانية لأنّ قبح المؤاخذة في صورة عدم التقصير عقلي ويبعد بل لا يصحّ حمل الخبر الوارد في مقام المنّة على صورة يستقل بحكمها العقل وعلى كلّ تقدير فحمل الخبر على بيان رفع مؤاخذة الأحكام غير صحيح فلا بد من حمله على بيان رفع المؤاخذة على الموضوعات المشتبهة فإذا أكل مال الغير مثلا خطاء أو نسيانا أو إكراها أو اضطرارا أو جهالة أو لأجل عدم الطّاقة للاستنكاف عنه لبعض الأسباب الخارجة فالخبر يدلّ على رفع المؤاخذة عنه على ذلك ولا محذور فيه لعدم وجوب

٢٥٩

التحفظ والاحتياط وتحصيل العلم في الموضوعات الخارجة المشتبهة حتّى يقال إنّه مع التقصير فالتكليف باق ومع عدمه فارتفاعه عقلي لا يناسب مقام المنّة قلت إنّ اعتبار بذل الجهد في مقدّمات الاجتهاد وبحيث لا يقع منه تقصير فيها أصلا عقلا يسدّ باب الاجتهاد لأن من زاول علم النحو مثلا بالتّعليم والتعلّم واستمر عليه في أغلب أيّامه وغار في مسائله وأتقنها وأحكمها بما وصل إليه جهده ووسعه وبعد ذلك إذا أراد العود إلى ذلك ثانيا بتكرير النّظر والبحث مع المتبحرّين في هذا العلم ينكشف عنه حجب العلم ويزداد علمه في كلّ آن ونظر إذ فوق كل ذي علم عليم والحاصل أنّ العلوم ليست ممّا يقف على حدّ يمكن تحصيله فلو قلنا بوجوب تحصيل علم النحو والمنطق والأصول وغيرها من مقدّمات الفقه بحيث لا يعدّ مقصّرا فيها عقلا فلا بدّ أن نطوي ورقة الاجتهاد لكون تحصيلها على هذا النحو خارجا من الوسع والطّاقة فلا بدّ له من حدّ مضبوط لئلا يلزم تعطيل الحدود والأحكام فالأولى حينئذ أن يقال إن الواجب هو تحصيل المقدّمات على حسب الوسع والطّاقة بل دون الوسع لاستلزامه العسر أيضا كما لا يخفى فالواجب هو تحصيل المقدّمات على وجه لا يعد مقصّرا في العرف والعادة فإذا صحّح كتاب الحديث من نسخة مصحّحة مرتين أو مرات ثلاثة كفي في الرّجوع إليه وأخذ الأحاديث منه لاستنباط الأحكام منها وإن كان مقصّرا عقلا لو تبيّن الخطأ بعد ذلك وكذا في غيره من المقدّمات وحينئذ إذا كان المراد بالموصولة في قوله وما لا يعلمون أعمّ من الحكم والموضوع فمن الجائز أن يكون الخبر واردا في مقام بيان رفع المؤاخذة على الأحكام المجهولة إذا لم يتفحص عنها فوق متعارف النّاس وهو لا ينافي المنة وكذا الكلام في باقي الفقرات بأن يقال بكونه واردا في مقام بيان رفع المؤاخذة على الأحكام المنسيّة إذا كان النّسيان ناشئا من عدم التّحفظ فوق المتعارف وكذلك الأحكام الّتي وقع فيها الخطأ إذا كان ناشئا من عدم الاحتياط فوق المتعارف فإذا زعم فقيه عبارة الفقيه متن حديث وفتش عن ذلك بحسب المتعارف وأفتى بمضمونها ثمّ ظهر خطاؤه فيها فالخبر ينفى المؤاخذة على ذلك وهكذا الكلام في باقي الفقرات فلا وجه لتخصيصها بالموضوعات وثالثا مع تسليم اختصاص الموصولة بالموضوعات المشتبهة فلا ريب في شمولها للأفراد الخفية فيما لو علق حكم على عام له أفراد ظاهرة وخفية كما إذا علمت حرمة الخمر وشكّ في شمول لفظ الخمر للفقاع أيضا فإذا ثبت حكم الفقاع بحكم الخبر وقلنا بإباحته ثبت جواز الحكم بالإباحة في سائر موارد أصالة البراءة أيضا بعدم القول بالفصل لمخالفة الأخباريين في أصالة البراءة حتّى في الشّبهات المفهوميّة وسموها بالأفراد الخفيّة لإيجابهم الاحتياط فيما تعلّق الحكم على عامّ مجمل بالنّسبة إلى بعض أفراده مع كون الشّبهة فيه في الحكم لا في موضوعه قال المحدّث البحراني في مقدمات حدائقه التّحقيق في المقام على ما أدى إليه النّظر القاصر من أخبار أهل الذّكر عليهم‌السلام هو أن يقال لا ريب في رجحان الاحتياط شرعا واستفاضة الأمر به كما سيمرّ بك شطر من أخباره وهو عبارة عمّا يخرج به المكلّف عن عهدة التّكليف على جميع الاحتمالات ومنه ما يكون واجبا ومنه ما يكون مستحبّا والأوّل كما إذا تردّد المكلّف في الحكم إمّا لتعارض أدلته أو لتشابهها وعدم وضوح دلالتها أو لعدم الدّليل بالكليّة بناء على نفي البراءة الأصليّة أو لكون ذلك مشكوكا في اندراجه تحت الكليّات المعلومة الحكم أو نحو ذلك ثم ساق الكلام في ذكر الأمثلة إلى أن انتهى إلى قوله ومن الاحتياط الواجب في جزئيّات الحكم الشّرعي الإتيان بالفعل إذا علم أصل الحكم وكان هو الوجوب ولكن حصل الشّكّ في اندراج بعض الأفراد تحته وسيأتي صحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج الواردة في جزاء الصّيد الدّالة على ذلك ومن هذا القسم ولكن مع كون الاحتياط بالترك ما إذا كان الحكم الشّرعي التّحريم وحصل الشّكّ في اندراج بعض الجزئيّات تحته فإنّ الاحتياط هنا بالتّرك كحكم السّجود على الخزف والحكم بطهارته بالطّبخ فإنّ أصل الحكم في كلّ من المسألتين معلوم ولكن هذا الفرد بسبب الشكّ في استحالته بالطّبخ وعدمها قد أوجب الشّكّ في اندراجه تحت أصل الحكم فالاحتياط عند من يحصل له الشّكّ المذكور واجب بترك السّجود وترك استعماله فيما يشترط فيه الطّهارة ومنه الشكّ في اندراج بعض الأصوات تحت الغناء المعلوم تحريمه فإنّ الاحتياط واجب بتركه وأمّا من يعمل بالبراءة الأصليّة فيرجح بها هنا جانب العدم فلا يتّجه ذلك عنده انتهى وقد يناقش في دلالة النّبوي أيضا بأنّ الحمل على ظاهره غير ممكن فلا بد من حمله على خلاف ظاهره وهو كما يمكن بحمله على إرادة نفى الآثار كذلك يمكن بتصرف في نسبة الرّفع إلى الأمّة بأن تكون نسبة الرّفع إليها باعتبار ارتفاع الأمور التّسعة عن بعضها كما يقال فلان يركب الخيل إذا ركب بعضها وبنو فلان قتلوا فلانا وقد قتله بعضهم فالخبر حينئذ يدل على وجود معصوم عن هذه الأمور في جملة الأمّة ولا مرجّح لأحد المجازين فيعود الخبر مجملا أقول هذه المناقشة قد ذكرها الشّهيد رحمه‌الله ويرد عليها أولا منع ارتفاع كلّ واحد من الأمور التّسعة عن بعض الأمّة إذ لا ريب في عدم ارتفاع الإكراه عن أئمّتنا عليهم‌السلام وتشريع باب التقية أوضح شاهد له وثانيا أنّه على ما ذكر يكون تقييد قوله والوسوسة في الخلق بقوله ما لم ينطق بشفة لغوا لكون الإمام عليه‌السلام معصوما عن الوسوسة مطلقا(قوله) ولا معنى للمؤاخذة إلخ لأنّ المؤاخذة على ارتكاب الحرام لا على الحرمة وإن كانت المؤاخذة من آثارها وهي سبب لها(قوله) ما هو المناسب إلخ كالمضرّة في الطيرة والكفر في الوسوسة والمؤاخذة في البواقي (قوله) لكنّ الظّاهر إلخ حاصله أنّه إن قدرت المؤاخذة باعتبار كونها مترتّبة على المذكورات فهو صحيح ولا يلزم منه خلاف الظاهر إلاّ أنّه قد تقدم في كلام المصنف رحمه‌الله تعين أخذ الموصولة حينئذ عبارة عن الموضوع فلا يصحّ الاستدلال وإن قدرت المؤاخذة باعتبار كونها من آثار المذكورات وإن لم تنسب إلى أنفسها صحّ أخذ الموصولة حينئذ أعمّ من الحكم والموضوع وصحّ الاستدلال أيضا إلاّ أنّه خلاف الظاهر(قوله) والحاصل إلخ حاصله أنّ الخبر يحتمل وجوها أحدها كون المرفوع جميع الآثار وثانيها كون المرفوع في كلّ واحد من المذكورات هو الأثر المناسب لكل منها وثالثها كون المرفوع في الجميع هي المؤاخذة خاصّة والأوّل وإن كان أقرب اعتبارا إذ لا ريب في كون الشيء المسلوب الآثار أقرب إلى عدم هذا الشيء ممّا سلب عنه بعض آثاره دون بعض إلاّ أنّه لا اعتبار بالأقربية الاعتبارية في مباحث الألفاظ لأنّ مدارها على الظّهور

٢٦٠