أوثق الوسائل في شرح الرسائل

ميرزا موسى التبريزي

أوثق الوسائل في شرح الرسائل

المؤلف:

ميرزا موسى التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات كتبي نجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٦

تحصيل المعرفة حينئذ بأقوال العلماء حتّى يتحدس بها عن رضا المعصوم عليه‌السلام لا يقال ربّ مسألة غير معنونة في كلماتهم إلا أنّه تعرف أقوالهم فيها بملاحظة نظائرها كما ذكره المصنف رحمه‌الله في المقدّمة المتقدمة وسيشير هنا أيضا إلى دلالة كلمات كثير منهم على المدعى في المقام لأنا نقول سنشير إلى عدم دلالة كلماتهم على المدعى في المقام ومعه لا تمكن معرفة أقوالهم في المقام حتّى يتحدس بها عن رضا المعصوم عليه‌السلام اللهمّ إلاّ أن يقال إنّه نمكن معرفة أقوالهم هنا بعدم قولهم بما يوجب اختلال النظم أو العسر مع فرض كون الاحتياط الكلّي مستلزما لأحدهما فيستكشف بذلك عن عدم التزامهم بالاحتياط هنا ولعلّه إلى هذا يشير قول المصنف رحمه‌الله بعد ملاحظة قلة المعلومات لأنّ قلة المعلومات لا تكشف عن عدم التزامهم بالاحتياط إلاّ من حيث استلزام الاحتياط في غيرها للاختلال أو العسر كما عرفت لا يقال إنّ هذا من قبيل دعوى الإجماع على الفرد من جهة كون الكلّي إجماعيّا ولا اعتداد به كما تقدّم في مبحث الإجماع المنقول لأنا نقول هذا أنّما هو فيما كان دخول الفرد تحت عموم معقد الإجماع لأجل عموم اللفظ أو إطلاقه وما نحن فيه ليس كذلك لأن دخول الحرج البالغ حدّ الاختلال تحت عموم نفي العسر قطعي لاستقلال العقل بقبحه فالعام نص بالنسبة إليه لا ظاهر فهو داخل تحت معقد الإجماع يقينا لكن يرد عليه أنّ هذا الدّليل حينئذ يرجع إلى الدّليل الثّاني أعني قاعدة العسر المجمع على انتفاعه شرعا فلا يصحّ جعلهما دليلين مستقلين (قوله) فإنّها واضحة الدّلالة إلخ لأنّ مرجع ما ذكروه في منع جواز الرّجوع إلى أصالة البراءة في أغلب المسائل إلى وجهين أحدهما دعوى انفتاح باب العلم فيها كما تظهر من المرتضى حيث ادعى عدم الحاجة إلى العمل بأخبار الآحاد لأجل انفتاح باب العلم في مواردها غالبا وهذا الوجه كما يقتضي عدم جواز كون المرجع على تقدير الانسداد هي البراءة نظرا إلى أنّ العمل بها لو كان جائزا على تقدير الانسداد كان الأنسب أن يعلل عدم الحاجة بجواز العمل بأصالة البراءة كما أوضحه المصنف رحمه‌الله عند نقل كلامه في المقدّمة الثّانية كذلك يقتضي عدم كون المرجع على تقدير الانسداد هي قاعدة الاحتياط لعين ما ذكر من المناسبة وثانيهما كون العمل بأصالة البراءة في أغلب المسائل من حيث هو مفروغا عن بطلانه عندهم ولا ريب أنّ الوجه في ذلك إمّا كون المرجع عندهم هي الأخبار المأثورة عن العترة الطّاهرة عليهم‌السلام كما يرشد إليه قول صاحب الحدائق في ردّ الحلّي إنّ الواجب عليه مع ردّ هذه الأخبار ونحوها من أخبار الشّريعة هو الخروج من هذا الدّين إلى دين آخر انتهى وكذا قول الصّدوق وغيره ولا ريب أنّ هذا الوجه كما يدفع جواز العمل بأصالة البراءة كذلك يدفع وجوب العمل بأصالة الاحتياط لأن وجوبه أنّما هو مع عدم مرجع آخر من الأخبار ونحوها ولكن يرد عليه أنّ بطلان جواز العمل بأصالة البراءة أو وجوب الاحتياط لأجل وجود مرجع آخر في المسائل الفقهيّة لا يستلزم بطلانهما مع عدم المرجع أصلا كما هو الفرض في صورة الانسداد لفرض عدم ثبوت جواز العمل بأخبار الآحاد بعد وأمّا كون العمل بأصالة البراءة في أغلب المسائل مستلزما لمخالفة العمل لكثير من الأحكام الواقعية وهو محذور مفروغ عن بطلانه عندهم ولكن هذا الوجه غير جار في العمل بالاحتياط كما هو واضح نعم يمكن أن يقال إنّ ما ذكر أنّما يرد بالنّسبة إلى كلام الشيخ والمحقّق والخونساري والتّوني وصاحب الحدائق والحاجبي والعضدي لأنّ ظاهر هذه الجماعة أن عدم جواز العمل بأصالة البراءة في أغلب الأحكام الشّرعيّة أنّما هو لأحد الوجهين المذكورين من كون المرجع عندهم هي أخبار الآحاد أو استلزام العمل بأصالة البراءة للمخالفة الكثيرة وأمّا بالنّسبة إلى كلام العلاّمة وبعض الأصحاب والفاضل المقداد فيمكن أن يقال في وجه دلالة كلماتهم على بطلان الاحتياط عندهم أنّ عدم تعرضهم لقضية الاحتياط مع كونه حافظا للشّرع كالإمام عليه‌السلام يكشف عن كونه مفروغا عن بطلانه عندهم والإنصاف أنّ استفادة ذلك من عدم تعرضهم لها من باب الإشعار دون الدّلالة التامّة بل وكذلك كلام السّيّد أيضا مع ما عرفت من عدم إشعار كلمات أكثرهم أيضا ومن هنا قد منعنا في الحاشية السّابقة دلالة كثير من كلماتهم على المدّعى (قوله) الثّاني لزوم العسر إلخ لا يخفى أن مرجع هذا الوجه مع ملاحظة ما ذكره أخيرا إلى وجوه أحدها لزوم اختلال نظم العالم وتشويش عيش بني آدم واضطراب أمور معادهم وثانيها مع التّنزل عن الأوّل لزوم العسر والجرح الأكيدين وثالثها مع التسليم عدم إمكان الاحتياط في بعض الموارد لدوران الأمر في كثير من مسائل الأصول والفروع بين المحذورين كالقضاء والإفتاء مثلا لذهاب المجتهدين إلى وجوبهما والأخبار إلى حرمتهما وقد أشار المصنف رحمه‌الله إلى كلّ من هذه الوجوه في طيّ كلامه فلو كان قد أفرد كلا منها دليلا برأسه كان أتقن وأتمّ في إثبات المدعى (قوله) لكثرة ما يحتمل إلخ أنّما لم يفحم محتمل الحرمة هنا لعدم استلزام التّرك ولو كان متعلقا بالأف شيء للحرج وهو لا يخلو من تأمّل لأنّ الترك إذا تكثرت متعلقاته ربّما يؤدي إلى ذلك لا محالة ويمكن أن يقال بكون المراد بمحتمل الوجوب أعمّ من الفعل والترك فيشمل الواجب والحرام فتأمل (قوله) بعضها أقوى إلخ قوّة الاحتياط وضعفه أنّما هو بحسب قوة احتمال الوجوب أو الحرمة في طرف وضعفه في آخر وهذا الاختلاف ينشأ من اختلاف الأدلة قوة وضعفا بحسب الدّلالة أو السّند وكذا اعتضادا بعمل العلماء كثرة وقلة لأنّ هذا كلّه من أسباب الظنّ ومراتبه أيضا مختلفة على حسب اختلاف الأدلة(قوله) إن لم يزاحمه ضيق الوقت إلخ الأولى أن يقال إن لم يزاحمه حفظ نفس مشكوكة الاحترام مثلا إذ الكلام في الاحتياطات المتعارضة التي كان منشؤها هو الجهل بالحكم لا مطلقا(قوله) فالكلام إلخ مبتدأ وخبره قوله في أن إلخ وخبر أن قوله لا يمكن (قوله) ولو بتكرار العمل إلخ فيه إشارة إلى الإشكال في جواز العمل بالاحتياط في صورة استلزامه التكرار في العمل وجهه قد تقدّم في صدر الكتاب (قوله) منها النقض بما لو أدّى إلخ لأنّه إذا فرض أداء ظنّ المجتهد إلى فتوى توجب الحرج فإن التزمت مع ذلك بالعمل بها فلا بد من بيان الفارق بينه وبين الاحتياط المستلزم للعسر والحرج حيث نفيت وجوبه من جهة ذلك وإن لم تلتزم به فهو كرّ إلى ما فررت منه ومناف

٢٠١

للغرض المقصود من نفي وجوب الاحتياط فكما أنّه لا مناص على تقدير عدم وجوب العمل بالاحتياط من العمل بالظنّ ولو استلزم العسر نظرا إلى كون ذلك مقتضى قاعدة نفي وجوب الاحتياط في المقام كذلك لا مناص من الالتزام بوجوب الاحتياط في المقام وإن استلزم العسر نظرا إلى كونه مقتضى القاعدة عقلا ونقلا في موارد العلم الإجمالي (قوله) كما هو قول بعض إلخ ورد به بعض الأخبار أيضا(قوله) لأن مرجعه إن كان إلخ يعني أنّ ما ذكره المورد من الالتزام بالاحتياط العسير لأجل اقتضاء القاعدة له مطلقا في المقام إن كان مرجعه إلى منع حكومة نفي أدلّة العسير على مقتضيات سائر القواعد فلا بدّ حينئذ من نقل الكلام إلى منع ثبوت قاعدة نفي العسر وهو واضح الفساد الدلالة الأدلة الثّلاثة من الكتاب والسّنة والإجماع بل العقل أيضا في خصوص المقام عليها وعلى تقدير ثبوتها فهي حاكمة على سائر القواعد الّتي هي أعمّ منها من وجه وربّما يقال إنّ في العبارة خللا في البيان إذ مجرد منع حكومة أدلّة العسر على سائر القواعد لا يوجب الانتقال إلى منع ثبوت قاعدة العسر إذ عدم الحكومة كما يمكن أن يتحقق بانتفاء الموضوع أعني عدم ثبوت تلك القاعدة كذلك يمكن بإجراء حكم التّعارض بينهما من تخصيص العام منهما بالخاص والحكم بالإجمال في مادة التعارض والرّجوع إلى سائر القواعد أو ملاحظة المرجحات الخارجة على الخلاف في ذلك إن كانت النّسبة بينهما عموم من وجه فيقال في المقام إنّ عمومات الاحتياط والعسر متعارضته بالعموم من وجه فربّما يكون التّرجيح مع الأولى ولكنّ الوجه فيما ارتكبه المصنف رحمه‌الله واضح لأنّ مقصود المورد من منع حكومة عمومات العسر على عمومات الاحتياط هو إثبات وجوب الاحتياط في المقام ومقتضاه تقديم سائر عمومات التّكاليف أيضا على تلك العمومات لكونها في عرض عمومات الاحتياط وحينئذ تبقى عمومات العسر بلا مورد لكونها في قبال سائر العمومات المثبتة للتّكليف فمقصود المصنف رحمه‌الله أنّه إذا كان المقصود من منع حكومة أدلة العسر على عمومات الاحتياط تقديم تلك العمومات عليها فلا بدّ حينئذ من منع ثبوت قاعدة العسر لبقائها بلا مورد وهو خلاف الأدلة الثلاثة بل الأربعة(قوله) ظاهر الكتاب إلخ مثل قوله تعالى (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وقوله سبحانه (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وقوله عزوجل (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ). (فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (قوله) الثّلاثة إلخ هي الكتاب والسّنة والإجماع (قوله) في مثل المقام من صورة الانسداد الأغلبي (قوله) قاعدة ظنّية إلخ بحسب الدّلالة وإن كانت قطعيّة بحسب السّند(قوله) وإن لم تكن إلخ الضمير المستكن عائد إلى الأدلة الخاصّة(قوله) وأمّا القواعد إلخ حاصله أنّه إذا تعارض بعض الأدلة وقاعدة العسر فإن كان الأوّل خاصا تخصّص به تلك القاعدة وإن كان عاما من وجه يعكس فتقدم تلك القاعدة عليه لكن لا من باب التخصيص بل من باب الحكومة لأنّ عمومات العسر مفسرة بمدلولها اللّفظي لسائر العمومات المثبتة للتكاليف وكاشفة عن المراد بها ومبنيّة لمواردها وهي ما لم يلزم من الالتزام بالتّكليف فيه عسر ومشقة على المكلّف والكاشف عنه هو فهم العرف نظير ما دل على الأمر بالمسارعة إلى الإتيان بالمأمور به مثل قوله تعالى (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) مضافا إلى شهادة رواية عبد الأعلى به (قوله) فيرجع إلخ يعني في مادة الاجتماع والتّعارض (قوله) في وجه التقديم إلخ من الحكومة(قوله) وإن كان مرجع إلخ حاصله أنّ أدلة العسر وإن كانت حاكمة على سائر الأدلة المثبتة للتّكليف إلا أن تقديمها على سائر الأدلة أنّما هو فيما لم يقم دليل على إثبات تكليف عسير بالخصوص وما نحن فيه من قبيل ذلك لكون قاعدة الاحتياط مثبتة له بالخصوص نظير ما ذكره المورد من موارد النقض وحينئذ لا بدّ إما من بيان الفرق بينها وبين ما نحن فيه وإمّا من الالتزام بوجوب الاحتياط فيما نحن فيه وإن استلزم العسر والجواب عنه بوجهين أحدهما أنّه قد تقدّم في كلام المصنف ره أن ما كان أعمّ من أدلّة العسر ولو من وجه فهي حاكمة عليه فما يمكن تقديمه عليها لا بد أن يكون أخصّ منها مطلقا بل لا بد مع ذلك أن يكون معاضدا بما يوجب قوّته إذ ربّ عام مقدّم على الخاص وعمومات العسر من قبيل ذلك لتقويها بعمل الأصحاب طرّا وعمومات الاحتياط ليست كذلك لوهنها برفع اليد عنها لأجل أدلة العسر في موارد كثيرة كما ذكره المصنف رحمه‌الله فهي لا تصلح لتخصيصها وبالجملة أنّ النّسبة بين عمومات الاحتياط وعمومات العسر عموم من وجه فهي حاكمة عليها لما عرفت من أنّ المعيار في حكومة أدلّة العسر على أدلّة سائر التّكاليف هو كون أدلّة سائر التكاليف عمومات أو مطلقات تصلح أدلّة العسر بيانا لحالها بتخصيصها بموارد لا يلزم فيها العسر والمعيار في حكومة دليل على أدلّة العسر هو كون هذا الدّليل مثبتا لتكليف عسير بالخصوص بحيث يوجب استثناء هذا العسر الخاص من مطلق العسر المنفي في الشّرع كما ذكره من مثال تعمّد الجنابة لأنّ مرجع الخبر الوارد فيه إلى استثناء هذا العسر الخاص من مطلق العسر وأدلة الاحتياط ليست كذلك كما عرفت بل تقدّم أدلّة العسر عليها أوضح من تقدمها على العمومات الاجتهاديّة لكون تقدّمها على الأولى من باب الورود بناء على كون وجوب الاحتياط من باب المقدّمة لامتثال الأحكام المشتبهة وعلى الثانية من باب الحكومة وثانيهما وجود الفارق بين ما نحن فيه وبين ما ذكره من النقض كما أوضحه المصنف رحمه‌الله وإنّما لم يتعرض المصنف رحمه‌الله لما عدا صورة أداء الظنّ إلى وجوب أمور يلزم من مراعاتها العسر من النقوض إشارة إلى منع ما عداهما إذا استلزم العسر كما سيشير إليه عند الجواب عن الإيراد الثّالث (قوله) لأنا علمنا بأدلّة نفي الحرج إلخ لا يخفى أنّ دعوى هذا العلم مع الاعتراف بكون قاعدة نفي الحرج بالنّسبة إلى غير ما يؤدّي إلى الاختلال قاعدة ظنيّة قابلة للخروج منها بالأدلّة الخاصّة كما ترى (قوله) ومع هذا العلم الإجمالي لا يخفى أنّ أدلّة نفي الحرج لو تمّت دلالتها وكانت علميّة أفادت علما تفصليّا بعدم تكليف عسير في الواقع لا العلم الإجمالي بذلك اللهم إلا أن يريد أنّ أدلّة نفي العسر عمومات متواترة ولو في الجملة ودلالة العمومات بالنّسبة إلى إرادة بعض الأفراد منها نصّ وإن كانت بالنسبة إلى إرادة العموم ظنيّة ولكنّه لا يناسب قوله لأنا علمناه بأدلة نفي الحرج إلى آخره (قوله) إمّا لكون الظنون إلخ يرد عليه أنّ مقتضى دليل الانسداد اعتبار الظنّون الشخصيّة دون النوعيّة(قوله) أو بناء على إلخ

٢٠٢

هذا أنّما يتم لو انحصر دليل نفي العسر في عمومات الكتاب والسّنة وهو خلاف ما تقدم من المصنف رحمه‌الله من الاستدلال عليه بالأدلّة الثّلاثة مطلقا وبالأربعة في المقام (قوله) كما في الظنّ الحاصل إلخ الظاهر أنّ مراده أن كلّ فرد من الأفراد في مورد الغلبة إذا فرض كونه موردا للشّك فالظنّ يلحقه بالأعمّ الأغلب مع العلم الإجمالي بوجود الفرد النّادر وفيه نظر وتوضيحه أنا قد نعلم تفصيلا بانحصار أفراد الحبشي في مائة ونعلم بحكم الاستقراء بكون ثمان وتسعين منها أسود ونعلم بكون فرد معين منها أبيض ونجد فردا آخر نشك لمانع خارج من العمى أو الظّلمة أو نحوهما في كونه أسود حتّى تكون الأفراد الغالبة تسعا وتسعين أو هو أبيض ليكون النّادر فردين وحينئذ فحصول الظنّ بكونه أسود بحكم الغلبة لا يثبت جواز حصول الظنون التّفصيلية على خلاف العلم الإجمالي فيما نحن فيه لفرض عدم حصول العلم الإجمالي على خلاف الظنّ التفصيلي في المثال ولا مجال في هذا الفرض لفرض سائر الأفراد موردا للشّك وقد يحصل العلم إجمالا أو تفصيلا بكون تسع وتسعين من المائة أسود وواحد منها أبيض ونجد فردا منها نشك لمانع خارج كما عرفت في كونه هو الفرد النّادر أو هو من الأفراد الغالبة وحينئذ يحصل الظن بكونه من الأفراد الغالبة بحكم الغلبة وفي هذا الفرض يصحّ أن يقال إن كلّ فرد من الأفراد إذا فرض كونه موردا للشكّ يحصل الظنّ بكونه من الأفراد الغالبة بحكم الغلبة لكن يرد عليه وجود الفارق بينما نحن فيه وبين المثال لأن الفرض فيما نحن فيه حصول الظنّ تفصيلا بوجود واجبات واقعيّة مع العلم إجمالا بعدم تكليف عسير في الواقع والفرض في المثال حصول الظن بكون هذا الفرد أسود مع العلم إجمالا بأن واحدا من المائة أبيض ولا دخل لذلك فيما نحن فيه لأنّ الظنّ بأنّ هذا الفرد من الأفراد السود المعلومة إجمالا أو تفصيلا وهي تسع وتسعون لا ينافي العلم كذلك بأنّ واحدا من المائة أبيض وإن جاز حصول هذا الظنّ في أيّ فرد فرض كونه موردا للشّكّ لاختلاف متعلقهما بخلاف ما نحن فيه لأنّ الظنّ بأن هذا وهذا وذاك واجبات واقعيّة مع فرض استلزامها للعسر لا يجتمع مع العلم بأنّه لا تكليف عسير في الواقع (قوله) لكن العمل بتلك الظنون إلخ حاصله بيان الفرق بين ما نحن فيه وبين مورد النقض وذلك أنّ العمل بالاحتياط فيما نحن فيه مستلزم للعسر البالغ حدّ اختلال النظم والعقل مستقل بقبحه فتكون عمومات نفي العسر نصا فيه غير قابلة للتخصيص بخلاف الظنون الموافقة للاحتياط المستلزمة للعسر لعدم بلوغه حدّ الاختلال كما ستعرفه فالالتزام بالثاني لأجل الدّليل وإخراجه من تحت عموم نفي العسر لا يستلزم الالتزام بالأوّل واستثنائه من العموم لما عرفت من نصوصيّته بالنّسبة إليه وعدم قابليته لإخراجه منه فليس في الالتزام بالثّاني كرّ إلى ما فرّ منه كما توهمه المورد بتقريب أنّ العمل بالظنّ أنّما كان لأجل الفرار من لزوم العسر من الاحتياط الكلّي فإذا استلزم العمل بالظنّ للعسر لزم الوقوع في محذور ما فرّ منه ووجه عدم اللزوم واضح ممّا عرفت وأمّا عدم استلزام اجتماع الظنّون الموافقة للاحتياط للعسر البالغ حدّ الاختلال اللاّزم على تقدير طرح الظّنون والعمل بالاحتياط أنّما كان لأجل مراعاة الاحتمالات الموهومة والمشكوكة والظنّون المطابقة للوجوب وهذا يستلزم الاختلال لا محالة بخلاف الظّنون المطابقة للاحتياط إذ مع العمل بها خاصّة لا بد من إلغاء الاحتمال الموهوم أو المشكوك المطابق للاحتياط والعمل فيه بأصالة البراءة وهذا يدفع حدّ الاختلال إذ غاية ما يلزم من العمل بها حينئذ هو العسر غير البالغ حدّ الاختلال وأنت خبير بأنّ المورد لو أورد النقض بما لو كان جميع ظنونه موافقا للاحتياط لم يرد عليه هذا الإيراد لقلّة وجود الشّك في المسألة فإذا كان جميع أوهامه موافقا للبراءة يلزم الاختلال من العمل بظنونه لا محالة نعم يرد عليه ما أورده أوّلا وثانيا كما هو واضح (قوله) ومنها أنّه يقع التعارض إلخ توضيح الإيراد أنّ مقتضى حرمة العمل بالظنّ هو وجوب الاحتياط الكلي ومقتضى أدلة نفي العسر عدم وجوب الاحتياط الكلي وجواز العمل بالظن فالمعارضة بينهما حاصلة والترجيح للأولى للكثرة حتّى إنّ بعضهم على ما سمعت مذاكرة من بعض مشايخنا قد عمل رسالة وجمع فيها من الكتاب مائتي آية ومن السّنة خمسمائة رواية دالّة على حرمة العمل بالظنّ ومع تسليم التّساوي والتساقط يرجع إلى أصل عملي وهو في المقام قاعدة الاحتياط لوجود العلم الإجمالي بوجود الأحكام الوجوبيّة والتّحريميّة في سلسلة الموهومات والمشكوكات أيضا فيجب العمل بما يرتفع معه العلم الإجمالي والجواب عنه من وجوه أحدها أنّه قد تقدم عند تأسيس الأصل في العمل بالظنّ أن مقتضى أدلّة حرمة العمل به ليس إثبات حرمة ذاتيّة للعمل به كحرمة أكل الميتة وشرب الخمر بل مقتضاها إمّا إثبات حرمة تشريعية للتعبد والتّدين به وجعله حجّة شرعيّة أو إثبات الحرمة من جهة احتمال مخالفته للواقع وإذا فرض كون العمل به لا من باب التعبد والتّدين بل من باب الاحتياط الجزئي وإحراز الواقع في الجملة كما سيجيء فلا تشمله أدلة حرمة العمل به من الجهة الأولى حتّى يصح فرض المعارضة المذكورة من تلك الجهة لأن القائلين بمطلق الظنّ وإن زعموا كونه حجّة شرعيّة إلا أنّه سيجيء أنّ غاية ما تثبته مقدّمات دليل الانسداد هو اعتباره من باب الاحتياط الجزئي دون الحجيّة الشرعية ولذا قد جعل المصنف رحمه‌الله في مقام دفع المعارضة اعتبار الظنّ بدليل الانسداد لا من باب التعبّد والتّدين كالمسلم المفروغ عنه وحينئذ لا يبقى مانع من العمل به إلا ما تخيله الخصم من لزوم الاحتياط الكلّي بالإتيان بجميع المحتملات حتى الموهومات والمشكوكات أو ما عرفت من كون مقتضى الأدلة حرمة العمل به من حيث احتمال مخالفته للواقع والمصنف رحمه‌الله قد جمع بينهما بأنّ المانع من العمل بالظن إذا لم يكن على وجه التّشريع ليس إلاّ قاعدة الاحتياط واقتصر في دفعه بكون تلك القاعدة ساقطة بقاعدة نفي العسر وكيف كان فالأوّل تدفعه أدلّة نفي العسر والحرج والثّاني مردود بأن الظنّ إن كان نافيا للتكليف كان موافقا لأصالة البراءة فلا تدلّ الأدلة على حرمة العمل به لأنّ المراد بالواقع المحتمل مخالفة الظنّ له أعمّ من الواقع الأولي والثانوي الثابت بالأدلة المعتبرة ولذا كانت الظنون الموافقة للأصول خارجة من محل النّزاع وإن كان مثبتا للتكليف

٢٠٣

من الوجوب أو الحرمة فلا مانع من العمل به حينئذ لأنّه إن كان مطابقا للواقع فقد أحرزه وإن كان مخالفا له فلا بأس بهذا العمل لكونه أشبه بالاحتياط بعد عدم إمكانه أو تعسّره ولكنّك خبير بأنّ الإيراد مبني على ظاهر مذهب القائلين بالظنون المطلقة من كونها حجة شرعيّة فلا يناسبه الجواب بعدم ورود ذلك بحسب مقتضى دليلهم من كون العمل بالظنّ من باب الاحتياط الجزئي دون الحجة الشرعيّة فالأولى هو الاقتصار على الإيراد الثاني من حكومة أدلّة نفي العسر على أدلة حرمة العمل بالظنّ وثانيها مع تسليم الحرمة الذاتية أنّه قد تقدم حكومة أدلة نفي العسر على سائر العمومات والقواعد وثالثها مع تسليم المعارضة أن عمومات نفي العسر أقوى دلالة لأنّها أقلّ أفرادا بالنّسبة إلى عمومات حرمة العمل بالظنّ والعام إذا كانت أفراده أقلّ بالنّسبة إلى عام آخر كانت دلالته أقوى بالنّسبة إليه لأن العام بالنسبة إلى أفراده كالسّور بالنسبة إلى أهل البلد ودائرة السود كلّما كانت أقصر كانت أدخل في الحفظ مضافا إلى كون عمومات حرمة العمل بالظن موهونة بكثرة ورود التخصيص عليها لخروج اليد والسوق والبينة ونحوها من تحتها يقينا بخلاف عمومات نفي العسر إذ لم تصل إليها يد التّخصيص وإن فرض ففي غاية القلة فتكون عمومات نفي العسر بذلك أولى بالترجيح لأن عمومات حرمة العمل بالظنّ وإن كثرت إلاّ أنّ الترجيح بالدلالة مقدّم على الترجيح بالسّند مع أن ترجيح عمومات نفي العسر من وجهين كما عرفت وترجيح عمومات حرمة العمل بالظنّ من وجه واحد وهذا لا سترة عليه وإن لم يشر إليه المصنف ره (كقوله) إن الأدلة النافية إلخ قد يقرّر هذا الإيراد بوجهين الأوّل أن الاحتياط الكلّي عند انسداد باب العلم في معظم الأحكام وإن استلزم العسر والحرج إلا أنّ التكليف بالعسير إذا كان مسببا عن سوء اختيار المكلّف لا قبح فيه بل لا قبح في التكليف بالمحال إذا كان التكليف به مسبّبا من سوء اختياره كما صرّح به جماعة منهم المحقق القمي رحمه‌الله فضلا عن التكليف بالعسير ويؤيده فتوى جماعة بأن من نذر أن يصوم دهره انعقده نذره ولزمه امتثاله وفيما نحن فيه أيضا لما تسبّب المكلفون لانسداد باب العلم لأجل تسبّبهم لغيبة الإمام عليه‌السلام كما أشار إليه المحقق الطّوسي قدس‌سره بقوله وجوده لطف وتصرّفه لطف آخر وعدمه منّا فلا مانع من ثبوت التّكليف بالاحتياط وإن كان عسيرا لفرض كونه مسبّبا عن سوء اختيار المكلّفين الثّاني وهو ظاهر كلام المصنف رحمه‌الله أنّا لو سلمنا أنّ التكليف بالمحال وإن كان ناشئا من سوء اختيار المكلّف غير جائز إلاّ أنّ ذلك لا يستلزم عدم جواز التّكليف بالعسير لعدم كون قبحه عقليّا إلاّ إذا بلغ العسر إلى حيث استلزم التكليف به مخالفة كثير من المكلّفين لكون التّكليف به حينئذ قبيحا عقلا وأمّا ما كان دون ذلك فارتفاع التكليف فيه أنّما هو بالأدلّة النقلية مثل قوله تعالى (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وقوله سبحانه (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وقوله عزوجل (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ). (فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ونحوها الأخبار وفيها الصّحيح والموثق والحسن ولا ريب أنّ المنساق منها نفي العسر في التكاليف الابتدائيّة حيث نسب سبحانه تعالى إلى نفسه إرادة اليسر وعدم إرادة العسر فلا تشمل ما لو تسبب المكلّف بسوء اختياره لتوجّه تكليف عسير إليه وتشهد به فتوى جماعة بانعقاد نذر الحجّ ماشيا أو صوم الدّهر بل لا خلاف في الأخير ولا ريب في كونهما شاقين على أكثر المكلّفين وكذا غيرهما ممّا ذكره المصنف رحمه‌الله وليس الوجه فيه إلا ما ذكرنا وما نحن فيه من هذا القبيل لفرض كون التكليف بالاحتياط العسير مسبّبا عن تسبّب المكلّفين ولو في الجملة لغيبة الإمام عليه‌السلام وإلاّ لظهر وانتفعوا بوجوده الشّريف بتعلّم الأحكام على وجه اليقين والجواب عن الأوّل إذ لم يثبت كوننا سببا لغيبة الإمام عليه‌السلام بل نحن نقطع بعدم كوننا سببا لذلك كيف ونحن ننتظر فرجه وظهوره ونسأل الله أن يجعلنا من أعوانه وأنصاره فالسّبب في غيبته عليه‌السلام هو ظلم الأوّلين دوننا وقول المحقّق الطوسي وعدمه منا يراد به كون عدمه من نوع المكلّفين ويكفي فيه كون ذلك بسبب فعل بعضهم سلمنا ولكن نقول أوّلا إنّ قياس ما نحن فيه على التكليف بالمحال المسبّب عن سوء اختيار المكلّف غير صحيح لأنّ ذلك على القول بجوازه أنّما هو بعد صدور الخطاب بأن جعل المكلّف الفعل الممكن بعد صدور الخطاب عن الله تعالى فيه ممتنعا على نفسه وأمّا التكليف بالممتنع بمجرّد علمه تعالى بحال العبد وأنّه لو أمر به لم يمتثله فهو غير جائز عندهم ولم تجر عادة الله تعالى عليه وما نحن فيه من هذا القبيل لأنّا لم نكن متسبّبين لحدوث غيبته عليه‌السلام لعدم وجودنا في ذلك الزّمان فغاية الأمر أن يقال إنّ الله تعالى قد علم من حالنا أنّا لو كنّا في ذلك الزّمان أو ظهر الإمام عليه‌السلام في هذا الزّمان صرنا سببا لغيبته ومجرّد ذلك لا يوجب جواز التكليف بالعسير والمحال على ما عرفت وثانيا إن من جوّز التكليف بالمحال النّاشئ من سوء اختيار المكلّف أنّما جوّزه فيما لو جعل المكلّف الفعل الممكن ممتنعا على نفسه بعد صدور الخطاب فيه وتنجزه على المكلّف بأن يصدر الخطاب ويمضي من الزّمان ما يمكن إيجاد الفعل فيه مع شرائطه ثمّ بتسبب المكلّف لامتناعه كما لو قطع يده أو أراق الماء بعد دخول وقت الصّلاة ومضى مقدار منه يسع لها مع شرائطها بخلاف ما لو قطعها أو إراقة قبل دخول الوقت أو في أوله قبل مضي المقدار المذكور من الزّمان إذ لم يظهر ممّن جوّز التّكليف بالمحال المذكور وقال بعدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار تجويزه في هذه الصّورة أيضا وما نحن فيه ليس من قبيل ما ذكرناه لعدم تنجّز التّكليف بالأحكام الواقعيّة نعم لو كان الإمام عليه‌السلام ظاهرا بيننا وكلّفنا الله تعالى بأخذ الأحكام الواقعيّة منه ولكن صرنا سببا لغيبته واختفائه صحّ حينئذ التكليف بالاحتياط وتحصيل الواقع وإن كان متعذّرا أو متعسّرا وليس كذلك كما هو واضح وثالثا إنا نمنع جواز التكليف بالمحال وإن كانت استحالته ناشئة من سوء اختيار المكلّف لكون التّكليف بالممتنع في حال امتناعه سفها وعبثا والشّارع الحكيم منزّه عن ذلك ولذا ترى أنّ العبد لو رمى نفسه من شاهق فأمره المولى في حال سقوطه بكفّ نفسه يعدّ ذلك منه سفها وقولهم الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار لا دخل له في ذلك لأنّ هذا الكلام أنّما صدر عن المعتزلة في مقام الرّدّ على قول الأشاعرة

٢٠٤

بكون العباد مجبورين في أفعالهم حيث زعموا أن كل فعل لا بدّ أن يكون معلوما لعلة تامّة ولو كانت هي الإرادة فإذا وجدت ترتب عليها وجود معلولها قهرا وإذا فقدت ترتب على فقدها فقد معلولها كذلك فأجاب العدلية عن ذلك بأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار مريدين بذلك منع خروج الفعل أو التّرك بمجرّد إيجاد علّة وجوده أو عدمه من كونه اختياريّا لفرض كون المكلّف قبل إيجاد علّة الوجود أو التّرك مختارا في إيجاد علة أحدهما وبهذا الاعتبار يتصف الفعل بعد إيجاد علّة وجوده بالاختيار والمعنى المطابقي للقاعدة أنّ الفعل الاختياري لا يخرج من وصف كونه اختياريّا بعد إيجاد علّة الوجود أو الامتناع إذ لو لم يكن الفاعل مختارا في فعله لم يقدر على جعله واجبا أو ممتنعا فقدرته عليه تكشف عن كونه مختارا في فعله ولذا قد زاد فيها بعضهم قوله بل يؤكّده وبالجملة لا دخل للقاعدة في جواز التّكليف بالفعل بعد إيجاد علة امتناعه حتّى يقال بجوازه أيضا فيما نحن فيه والجواب عن الثّاني بالمنع من اختصاص ارتفاع التكليف بسبب العسر بالتكاليف الابتدائيّة الّتي لا يكون مدخل فيها للمكلفين أصلا نعم يمكن أن يقال أنّ أدلّة نفي العسر لا تشمل ما لو ألزم المكلّف التّكليف على نفسه وأمضاه الشّارع كما في مثال النّذر لكونه كالعقود من قبيل الإمضاء دون الإنشاء وأمّا عدم شمولها لمطلق ما كان ناشئا من اختيار المكلّف فلا وتشهد بما ذكرناه فتوى جماعة بجواز التّيمّم لمن أجنب عمدا وهو يعلم بتعسر الغسل عليه إما لتعسر تحصيل الماء أو لبرد أو لغيرهما وحكم الشّهيد الثّاني في محكي المسالك بأنّ الغاصب بأمور يرد المغصوب إلى مالكه ما لم يؤدّ إلى العسر الذي ينتقل من الوضوء والغسل إلى التّيمّم من كون استعمال الماء مستلزما لخشونة جلده مثلا مع كون المكلّف هو السّبب في توجّه التكليف في المثالين نعم كون مطلق العسر في باب الغصب سببا لسقوط الأمر بالرّدّ لا يخلو من تأمّل سيّما مع ما ورد من أنّ الغاصب يؤخذ بأشدّ الأحوال بل تعدّى بعضهم حتّى حكم بوجوب الرّد مطلقا ولو كان فيه تلف مال كثير وضرر بدنيّ وتوضيح المقام أنّ التكليف بالعسير يتصور على وجوه أحدها أن يصدر التكليف به من قبل الله سبحانه ابتداء بأن يكلف المريض الّذي يشق عليه القيام بالصّلاة قائما أو يأمر الصّحيح بصوم الدّهر وثانيها أن يتسبّب بعض من يندرج في النّوع من آحاد المكلّفين لتكليف جميعهم بتكليف عسير وما نحن فيه من هذا القبيل لكون تكليفنا بالاحتياط في زمان غيبة الإمام عليه‌السلام مسبّبا عن ظلم الأوّلين حيث تسبّبوا بظلمهم لاختفائه عليه‌السلام عنّا وثالثها أن يتسبّب المكلّف بنفسه لتوجّه تكليف عسير إليه كما عرفت في مثال تعمد الجنابة ورابعها أن يلزم المكلّف تكليفا عسيرا على نفسه ثم يمضيه الشّارع كما في مثال نذر الحجّ ماشيا وصوم الدّهر إذ لم يصدر عن الشّارع هنا إلاّ إمضاء ما ألزمه المكلّف على نفسه وعموم أدلّة نفي العسر محكم في هذه الصّور ما عدا الأخيرة منها كما يشهد به ما عرفت من فتوى جماعة من الفقهاء وتخصيصها بالصّورة الأولى لا شاهد له أصلا لعموم أدلّته كما لا يخفى بل منع شمولها للصّورة الأخيرة بدعوى انصرافها إلى غيرها لا يخلو من تأمّل إذ لا ريب أنّ قوله سبحانه (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ونحوه عام شامل للجميع ولا معنى لدعوى الانصراف في العمومات لاختصاصها بالمطلقات كما هو واضح ولعلّ هذا هو وجه تأمّل المصنف رحمه‌الله أيضا فيه (قوله) الوجوب الكفائي كما في مسألة الاجتهاد(قوله) والعيني كما في المقام (تنبيه) اعلم أنّ هنا وجوها أخر سوى ما نقله المصنف رحمه‌الله أوردوها على إبطال وجوب الاحتياط بقاعدة العسر تركها المصنف رحمه‌الله إمّا لخوف الإطالة أو لوضوح الجواب عنها وقد أشار المصنف رحمه‌الله أيضا فيما تقدّم من كلامه إلى أن ما أورده في المقام بعض ممّا أوردوه ونحن نوردها مع الجواب عنها على طريق السّؤال والجواب فنقول فإن قلت إنّ الاحتياط إذا كان مستلزما لاختلال النّظم كيف صنع الأخباريّون حيث أخذوه مسلكا في إتمام الفقه ولم يختل أمرهم وهو يكشف عن عدم استلزامه لذلك قلت فرق واضح بيننا وبين الأخباريين لأنّهم حيث زعموا انفتاح باب العلم فلم يعملوا بالاحتياط إلاّ في قليل من المسائل لقلّة المشتبهات عندهم ونحن حيث فرضنا الانسداد في أغلب المسائل فلا ريب في لزوم محذور الاختلال من العمل بالاحتياط فيها فإن قلت إنه لا ريب في حسن الاحتياط ولا خلاف لأحد فيه فلو فرض كونه موجبا لاختلال النّظم لزم على المجتهدين أن لا يقولوا باستحبابه لقبح الأمر ولو استحبابا بما يوجب الاختلال فلا بدّ إمّا من نفي حسنه ولا يقول به أحد وإمّا من نفي استلزام الاحتياط الكلّي للاختلال قلت إنّ حسن الاحتياط أنّما هو مع عدم استلزامه للاختلال أو العسر المنفي شرعا ومع استلزام أحدهما فهو حسن بالذات وقبيح بالعرض سواء كان قبحه من جهة العقل كما في الأوّل أو الشّرع كما في الثّاني فإن قلت إنّ الأمر بما يستلزم الاختلال لو كان قبيحا عقلا لم يرد به الأمر شرعا وقد ورد لورود الأمر بالمستحبّات المستغرق كثير منها للأوقات كاستحباب ركعتين في كلّ زمان يسعهما وتلاوة القرآن وقراءة الأدعيّة المأثورة وزيارة الأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين وتشييع الجنائز وعيادة المرضى ونحو ذلك ممّا لا يخفى إذ لا ريب أنّ الاشتغال بهذه المستحبّات بل ببعضها مستغرق للأوقات ومخلّ لأمر المعاش مع أنّ الأمر بهذه المستحبّات مستلزم للأمر بالضّدين في آن واحد وهو محال لاستحالة الإتيان بالصّلاة في حال الاشتغال بالتّلاوة أو السّعي في قضاء حوائج المؤمنين مع فرض مطلوبية كل منها في آن مطلوبية الآخر قلت إنّ الأمر بما يوجب اختلال النّظم قبيح عقلا فلا بدّ حينئذ من التّصرف في أدلّة المستحبّات سيّما مع ملاحظة ما عرفت من استلزامه الأمر بالمحال وحينئذ نقول إنّ أدلّة المستحبّات على أقسام منها ما يدلّ على حسن الفعل من حيث هو من دون أمر به أصلا مثل قوله عليه‌السلام الصّلاة خير موضوع وقوله عليه‌السلام الصّوم جنّة من النّار وحسن الفعل من حيث هو غير ملازم للأمر به فعلا كما ذكره بعضهم في الجواب عن استدلال المجوزين لاجتماع الأمر والنّهي بالعبادات المكروهة التي لا بدل لها

٢٠٥

كالنافلة المبتدئة عند طلوع الشّمس من أن النهي وإن كان مانعا من تعلق الأمر بها إلاّ أنّ ذلك لأجل قصور في الطّلب عن الشّمول المثل ذلك وهو لا ينافي حسن الفعل من حيث هو وهذا كاف في صيرورة العبادة عبادة وفي صحّة التقرب بها وحينئذ نقول فيما نحن فيه أيضا أنّ القبيح عقلا هو الأمر بما يوجب اختلال النّظم لا كون ما يوجب الاختلال حسنا في نفسه وكلّ حسن لا يجب تعلق أمر الشّارع به لأنّ ذلك أنّما هو مع عدم المانع ولزوم الاختلال أو اجتماع الضّدين مانع منه هنا ومنها ما يدلّ على مطلوبية الفعل وكونه مأمورا به إلاّ أنّ دلالته على مطلوبيته بحسب الأزمان أنما هي بحسب الإطلاق الأحوالي الرّاجع إلى العموم الاستغراقي من باب السّراية أو دليل الحكمة مثل قوله عليه‌السلام تنقل ولا ريب أن دلالته على مطلوبية الطبيعة في ضمن جميع الأفراد من باب السّراية أو الحكمة أنّما هي مع عدم المانع من مطلوبية بعض الأفراد وقد عرفت أنّ لزوم الاختلال أو اجتماع الضّدّين مانع منه فيما تحقق فيه أحد الأمرين وحينئذ نقول إنّ مطلوبية المستحبّات أنّما هي مع عدم لزوم أحد الأمرين لا معه ومنها ما يدلّ على مطلوبيّة الفعل في كلّ زمان على سبيل العموم الأفرادي مثل ما دل على استحباب ركعتين في كلّ زمان يسعهما واستحباب الصّوم في كلّ يوم وحينئذ يشكل الأمر فيما يستلزم الاختلال أو الأمر بالضّدّين إلا أنا نقول لا بد حينئذ من التّصرّف في هذه الأوامر بحملها على ما لا يوجب أحد الأمرين إمّا بحملها على الإرشاد إلى كون الأفعال الّتي تعلّقت بها هذه الأوامر حسنة في نفسها فيدخل هذا القسم حينئذ في القسم الأوّل الّذي عرفت عدم استلزامه الأمر بما يوجب الاختلال أو الأمر بالضّدين وإمّا بحمله على الاستحباب التخييري بالنّسبة إلى ما يستلزم الاختلال وتقييدها بما لا يستلزم ذلك فإن قلت سلمنا عدم الأمر في المندوبات لأحد المحذورين إلاّ أنّ استلزام هذه الأوامر للعسر ممّا لا مناص عنه كما يشهد به ملاحظة كثرة الأدعية المأثورة وسائر المندوبات قلت نمنع ارتفاع العسر في المندوبات وتوضيح ذلك أنه لا ريب أنّ العقل لا يقبح التكليف بالعسير إلاّ إذا بلغ حدّا يستلزم خلاف اللّطف كقطع الأعضاء عند إصابة النّجاسة أو ما دون ذلك في الجملة لأنّ ذلك ربّما يؤدّي إلى المخالفة والعصيان من كثير من النّاس وهو خلاف اللّطف وما ثبت من عموم رافعة وأمّا الإجماع فلم يثبت في المقام وأمّا الأخبار فليس مساقها إلاّ كمساق الآيات فنقول إنّ قوله تعالى (لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) يحتمل وجوها أحدها أن يكون عدم إرادته سبحانه كناية عن إرادته عدم التّكليف العسير فالآية حينئذ تدل على مبغوضيّة التكليف العسير لله تعالى وثانيها أن يكون عدم إرادته عبارة عن عدم محبوبيّة الفعل العسير لله تعالى وهذا لا ينافي إباحة الفعل في نفسه وثالثها أن يكون عدم إرادته عبارة عن عدم مطلوبية الفعل العسير مطلقا سواء كانت على وجه الإلزام أو الاستحباب وهو لا ينافي محبوبية الفعل أو إباحته ورابعها أن يكون عدم إرادته عبارة عن عدم مطلوبية الفعل إلزاما وهو لا ينافي استحبابه وعلى ما عدا الوجه الأخير تنفي الآية العسر في المندوبات أيضا ولكنّ الظّاهر أنّ المراد هو الوجه الأخير إذ لو كانت الآية شاملة للمندوبات ونافية للعسر عنها أيضا لزم تخصيص الأكثر في أدلة المندوبات لأن أكثر أفراد المندوبات مستلزم للعسر وهو بعيد كما ينبئ عمّا ذكرناه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لو لا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسواك ويؤيّده أيضا أنّ المنساق من أدلة نفي العسر هو المنة على العباد بعدم إلزامه تعالى لهم بالتكاليف الشّاقة العسيرة ولا إلزام في المندوبات والله الهادي إلى الصّواب (قوله) إلغاء الحقوق الواجبة كما إذا علم بكونه مديونا لأحد شخصين من دون تعيين فإلغاء الاحتياط والاستناد إلى أصالة البراءة بالنسبة إلى كلّ منهما يوجب إلغاء حقّ واجب (قوله) مع قطع النّظر إلخ يعني إذا لوحظ كلّ واقعة في نفسها مع قطع النّظر عن العلم الإجمالي بوجود واجبات ومحرّمات واقعيّة النّاشئ من انسداد باب العلم في غالب الأحكام (قوله) في نفس الواقعة مع قطع النّظر عن انضمامها إلى غيرها من الوقائع المشتبهة(قوله) نعم من لا يوجب هذا مقابل لقوله إن أريد إلخ وهو في المعنى مغن عن ذكر أحد شقي الترديد وكأنّه قال إن أريد أنّه لا دليل على وجوب الاحتياط في الوقائع المشتبهة مع قطع النظر عن العلم الإجمالي بوجود واجبات ومحرّمات واقعية فيها فهو خلاف الفرض وإن أريد عدم وجوبه مع ملاحظته فهو ضعيف كما قرّره المصنف رحمه‌الله في أوّل المقدّمة وإن كان القائل بذلك على تقدير تسليمه مستريحا عن كلفة الجواب عن وجوب الاحتياط في المقام ومن القائلين بذلك هو المحقّق القمي رحمه‌الله حيث زعم أنّ العلم الإجمالي بوجودها فيها أنّما يوجب الخروج من المخالفة القطعيّة لا تحصيل الموافقة القطعيّة ولذا ذهب في الشبهة المحصورة إلى جواز الارتكاب إلى أن يبقى عن أطرافها مقدار يقطع بارتكابه بارتكاب الحرام والخروج من المخالفة القطعيّة يحصل بالعمل بالظنون المطابقة للاحتياط فيرجع في الموهومات والمشكوكات إلى أصالة البراءة ولا يرد عليه ما أورده المصنف رحمه‌الله في المقدّمة الثّانية على القول بالرّجوع في الوقائع المشتبهة إلى أصالة البراءة من لزوم الخروج من الدّين لأنّ ذلك مع الرّجوع إليها في جميع الوقائع المشتبهة لا مع التبعيض فيها كما هو لازم هذا القول وعلى كل تقدير فعلى القول بكون العلم الإجمالي موجبا للخروج من المخالفة القطعيّة لا تحصيل الموافقة القطعيّة يكون نفي الاحتياط الكلّي وجواز العمل بالظنّ بعد الانسداد وبقاء التكليف على طبق القاعدة بل مقتضاه جواز العمل بالظنّ في كلّ مسألة انسد فيها باب العلم وإن كان مفتوحا في غيرها وأمّا القول بأنّ الخروج من المخالفة القطعيّة لا يوجب العمل بجميع الظنّون فهو كلام آخر لا دخل له فيما نحن بصدده لأنّ الكلام في المقام أنّما هو في نفي وجوب الاحتياط الكلّي وهو متجه على هذا القول وأمّا كون المتجه بعده هو العمل بجميع الظنّون أو بعضها فهو أمر آخر سيجيء الكلام فيه (قوله) تارك طريقي إلخ ولو كان الترك بالعمل بالاحتياط (قوله) إنّ معرفة الوجه ممّا يمكن إلخ ربّما يتمسك في نفي وجوب معرفة الوجه وقصده عند العمل بأصالة البراءة لا يقال إنّ أصالة البراءة عند الشكّ في الأجزاء والشرائط أنّما تجري فيما كان الشك في جزئيّة شيء أو شرطيّته للمأمور به لا لامتثال الأمر وكيفية إطاعته وإلاّ فالمحكم فيه أصالة الاشتغال وإذا ترى أنّ المشهور مع ذهابهم إلى أصالة البراءة

٢٠٦

عند الشّكّ في الأجزاء والشّرائط ذهبوا إلى وجوب تقليد الأعلم وعدم جواز تقليد الموتى وليس الوجه فيه إلاّ ما ذكرناه وقصد الوجه أيضا من شرائط امتثال الأمر دون المأمور به إذ لو كان من شرائطه لزم الدّور إذ قصد الوجه متأخر عن نفس الأمر وشرائط المأمور به مأخوذة فيه قبل تعلق الأمر به فلو كان من شرائط المأمور به لزم تقدّمه على الأمر ولعلّ هذا هو السّرّ في ترك المصنف رحمه‌الله للتمسّك بها في المقام بل قد صرّح في غير المقام بما ذكرناه من اختصاصها بشرائط المأمور به وعدم جريانها عند الشّكّ في شرائط الأمر بل تقدّم من المصنف رحمه‌الله في مقصد حجيّة القطع أنّه إذا شك بعد القطع بكون داعي الأمر هو التعبّد بالمأمور به لا حصوله بأي وجه اتفق في أنّ الدّاعي هو التعبّد بإيجاده ولو في ضمن أمرين أو أزيد أو التعبّد بخصوصه متميزا عن غيره فالأصل عدم سقوط الغرض الدّاعي إلا بالثّاني لأنا نقول إن كل فعل يتوقف الحكم به على بيان الشّارع بمعنى قبح الحكم به من دون بيان هو مجرى أصالة البراءة ولا فرق فيه بين شرائط الأمر والمأمور به وقصد الوجه من قبيل ذلك إذ لا سبيل للعقل إليه نفيا وإثباتا كسائر شرائط المأمور به وأجزائه وقياسه على تقليد الأعلم قياس مع الفارق لبناء العقلاء وحكم العقل بوجوب الأخذ بقول من كانت خبرته أكثر من غيره ويبقى الإشكال في مسألة تقليد الأموات وقد تقدّم توضيح المقام فيما علقناه على حجيّة القطع وتقدّمت الإشارة هناك أيضا إلى كون أصالة بقاء الغرض من الأصول المثبتة فراجع ولاحظ(قوله) في إطلاق العبادة مثل قوله أقم الصّلاة ونحوه ويرد عليه أنّ هذه الإطلاقات مع ورودها في مقام التّشريع لا يمكن التمسّك بها في المقام لأنّها أنّما تنفع في نفي ما شكّ في اعتباره في المأمور به شرطا أو شطرا على القول بالأعمّ وأمّا القيود المتأخرة عن الأمر كما فيما نحن فيه على ما أشرنا إليه في الحاشية السّابقة فلا لفرض تأخرها عن الأمر فكيف يمكن نفي ما شكّ في اعتباره فيه بإطلاقه نعم يصحّ التمسّك هنا بإطلاق الأوامر الواردة بوجوب الإطاعة كتابا وسنّة مثل قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) ونحوه إذ لا شك في حصول إطاعة الأمر عرفا مع عدم قصد الوجه من الوجوب والاستحباب فإطلاق الأمر بالإطاعة ينفي اعتباره شرعا أيضا ويمكن أن يستدلّ على عدم وجوبه أيضا ببناء العقلاء على عدم اعتباره في امتثال أوامر الموالي ولذا ترى أن المولى إذا أمر عبده بفعل فأتى به العبد من دون قصد وجوبه لا يشكون في حصول إطاعته لمولاه ويمدحونه لامتثاله لأمره وهذا ممّا لا سترة عليه (قوله) الجزم فاعل يمكن (قوله) بوجهه أو وجه وجوبه إلخ المراد بالإتيان بالفعل بوجهه الإتيان به بقصد كونه واجبا أو ندبا وبوجه وجوبه وندبه الإتيان بالفعل الواجب أو المندوب بقصد كون وجوبه أو استحبابه لطفا أو الإتيان به بقصد الشّكر أو لأجل أمر الأمر أو المركب من الجميع أو من بعضها على اختلاف الأداء كما ذكره الشّهيد الثّاني (قوله) ممّا لا يفي بوجوبه مما ذكروه إلخ قال في كشف اللّثام الوجوب والنّدب والأداء والقضاء أنّما يجبان يعني يجب قصدهما في الصّلاة لأنّها أنّما تتعين بهما وحاصله أنّ اعتبار قصد الوجه أنّما هو لتمييز المأتي به عن غيره حيث يكون مشتركا(قوله) وإن كان اعتبارها إلخ معطوف على قوله إن كان لتوقف إلخ (قوله) بالخصوص فتأمّل لعلّ الأمر بالتأمّل إشارة إلى منع ترجيح الاحتياط على العمل بالظنّ الخاصّ فيما توقف الاحتياط في العبادة على تكرار العبادة وقد أشار إليه في مقصد حجيّة القطع وأوضحنا الكلام فيه وفيما يتعلق بالمقام فيما علقناه بكلامه هناك (قوله) وترك الاحتياط عنده أي عند الأخذ بالظنّ (قوله) لكن الجمع يمكن بين إلخ حاصله دعوى إمكان الجمع بين الاحتياط في العمل والعمل بالظنّ (قوله) فنقول إنّ الظنّ إلخ حاصله دعوى إمكان قصد الوجه مع الاحتياط وإن كان هو الوجه الظّاهري كما يمكن مع العمل بالظنّ إذ مع وجوب الاحتياط يجب الفعل أو الترك فيأتي بالفعل أو يتركه بهذا الوجه الظاهري ولكنّك خبير بأنّ اعتبار قصد الوجه أنّما هو لتوقف قصد تحقق الامتثال المعتبر في العبادة عليه ووجوب الاحتياط كما صرّح به المصنف رحمه‌الله في غير موضع من مبحث البراءة إرشادي لا يترتب عليه سوى ما يترتّب على نفس الواقع من الثواب والعقاب ولا يتحقّق بموافقته الامتثال ولا يصحّ معه قصد الوجوب ولو ظاهرا ولا يصير به الفعل عبارة كما أشار إليه في مسألة الشّبهة المحصورة وفي مسألة دوران الأمر بين الوجوب وغير الحرام وهو مناف لما ذكره هنا وهو واضح ثمّ اعلم أنّ سيّدنا الأستاذ أدام الله بقاءه دوام السّبع الشداد قد أجاب عن وجوب الاحتياط الكلّي بوجه آخر وقال في مجلس الدّرس قد أوردت هذا الجواب على المصنف رحمه‌الله فسكت عنه وهو منع حصول العلم الإجمالي في سلسلة الموهومات والمشكوكات وكونها من أطراف العلم الإجمالي وذلك لأنّ ما يمكن أن يكون منشأ للعلم الإجمالي بوجود أحكام وجوبته وتحريمته الّتي كلّف الله تعالى عباده بها أمور أحدها أن يحصل العلم الإجمالي بعد تبليغ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما أمر بتبليغه بوجود واجبات ومحرّمات في الشّرع قد أريد من المكلفين امتثالها من دون مدخليّة للعلم والجهل فيها ويحصل له العلم بذلك من انبساط الشّرع وانتشار الأحكام لا من أخبار النّبي أو أحد الأئمّة صلوات الله عليهم ولا من ملاحظة كثرة الأمارات الشّرعيّة من الأخبار ونحوها ولا ريب في وجوب الاحتياط حينئذ بل لا خلاف فيه من الأصوليين والأخباريين لأنّ موارد البراءة أنّما هي ما احتمل فيه تقيد تنجز الحكم الواقعي بعلم المكلّف لا ما كان الحكم فيه منجزا في الواقع مطلقا وثانيها أن يخبر النّبي أو أحد الأئمّة صلوات الله عليهم بأنّه يأتي زمان ينسد فيه باب العلم بالأحكام الواقعية ويكون بين المشتبهات في ذلك الزّمان واجبات ومحرّمات قد أريد من المكلفين الذين انسد لهم باب العلم امتثالها سواء كانت المشتبهات موهومات أم مشكوكات أم مظنونات أم مختلفة في ذلك ولا ريب في وجوب الاحتياط حينئذ لو فرض العلم بأخبار النّبي أو أحد الأئمّة صلوات الله عليهم وثالثها أن يحصل العلم الإجمالي بوجود الواجبات والمحرّمات المذكورة من ملاحظة كثرة الأمارات الشّرعيّة كالأخبار المتكاثرة والإجماعات المنقولة والشّهرات المدّعاة في الكتب الاستدلاليّة ونحوها إذ لا ريب في عدم

٢٠٧

صلوح الموهومات لذلك لأنّها وإن بلغت في الكثرة ما بلغت لا تصلح أن تكون منشأ للعلم الإجمالي المذكور لأنّه مع فرض حصول الظن بخلافها لا يعقل صلوحها لذلك وكذلك الشّكّ لأن كثرة المشكوكات لا تزيد عليها سوى الشّكّ وحينئذ تكون الموهومات والمشكوكات خارجة من أطراف العلم الإجمالي فتنحصر أطرافها في المظنونات ولا ريب في صلوحها لذلك إذ لو أخبر مائة نفر عن وقائع مختلفة سيّما مع كونهم عدولا ثقات يحصل العلم بصدق بعضها بل أكثرها ونقول فيما نحن فيه أيضا إذا لوحظت كثرة الأمارات الظنّية المتضمّنة للوجوب والحرمة ممّا عرفت يحصل العلم إجمالا بصدق بعضها ومطابقة جملة منها للواقع فتنحصر أطراف العلم الإجمالي في موارد هذه الأمارات ويجب الاحتياط فيها دون غيرها لفرض خروج الموهومات والمشكوكات من أطرافه ولا يكفي في حصول العلم الإجمالي المذكور مجرّد العلم إجمالا بوجود أحكام في الشّرع مع قطع النظر عن ملاحظة الأمارات المذكورة لاحتمال كون ذلك غير الوجوب والحرمة من الأحكام الثّلاثة الباقية والوجهان الأولان لا يصلحان منشأ للعلم الإجمالي المذكور أمّا الأوّل فإن مجرّد بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ونشر الأحكام لا يوجب العلم الإجمالي بوجود حكم من الأحكام الخمسة في كل واقعة فضلا عن أحد الحكمين الإلزاميين ولذا ترى ذهاب العامة العمياء إلى خلوّ أكثر الوقائع أو جملة منها من حكم واقعي وكون أحكامها تابعة لآراء المجتهدين وذلك أنّما هو لأجل عدم حجيّة أخبار أئمتنا عليهم‌السلام عندهم وأمّا الثّاني فإنّه لم يرد خبر بذلك فضلا عن ثبوت ذلك على سبيل القطع فتعين حينئذ أن يكون العلم الإجمالي المذكور ناشئا من ملاحظة كثرة الأمارات الظنيّة وقد عرفت أن مقتضاها عدم وجوب الاحتياط في الموهومات والمشكوكات وهذا محصّل كلامه وملخّص مرامه (قوله) إلا أنّ هنا شيئا ينبغي أن ينبه عليه إلخ توضيح ما ذكره أنّ مقصود القائلين بالظنّون المطلقة بدليل الانسداد هو كون الظن المطلق حجّة شرعيّة بمنزلة العلم الّذي يجب الرّجوع في الموارد الخالية منه إلى ما تقتضيه لوقائع الشّخصية من حيث هي من الأصول وبعبارة أخرى أنّ العلم الإجمالي الّذي أوجب الاحتياط الكلّي أنّما هو متعلق بمجموع الوقائع المشتبهة سواء كانت موهومة أو مشكوكة أو مظنونة بحيث يرتفع هذا العلم الإجمالي لو فرض تبدّل الظنّ في سلسلة المظنونات بالعلم ويصحّ الرّجوع في المشكوكات إلى الأصول الجارية فيها بملاحظة خصوص الوقائع لكون الوقائع حينئذ ما بين معلومة بالتّفصيل ومشكوكة بالشكوك البدويّة ومقصود القائلين بالظّنون المطلقة كونها حجّة شرعيّة كالعلم بحيث يصحّ جعلها معيارا في تشخيص الأحكام الواقعيّة ويصحّ الرّجوع في الموارد الخالية منها أعني موارد الشكوك إلى الأصول وتخصيص الأصول اللّفظيّة من العمومات والإطلاقات الّتي ثبت اعتبارها بالخصوص من باب الظن النوعي ويصحّ قصد الوجوب الظّاهري فيما تعلّق الظن بوجوب فعل وهذا المعنى لا يثبت بإبطال وجوب الاحتياط الكلي بالإجماع على عدم وجوبه في جميع الوقائع المشتبهة أو بقاعدة العسر وذلك لأنّ مقتضى القاعدة العقلية والنّقلية بعد ثبوت العلم الإجمالي بوجود واجبات ومحرّمات واقعيّة بين الوقائع المشتبهة أو بقاعدة العسر وذلك لأنّ مقتضى القاعدة العقليّة والنقليّة بعد ثبوت العلم الإجمالي بوجود واجبات ومحرّمات واقعيّة بين الوقائع المشتبهة هو الاحتياط بالإتيان بجميع ما يحتمل الوجوب وترك جميع ما يحتمل الحرمة فإذا لزم العسر من ذلك فلا بدّ في ترك الاحتياط لأجل الفرار من محذور العسر من الاقتصار على مقدار يندفع به العسر لأنّ الضّرورات تقدر بقدرها وحينئذ يجب الالتزام بعدم وجوب الاحتياط في جملة من الوقائع المشتبهة بالوهم أو الشّكّ أو الظنّ فإذا بني على ذلك فلا ريب أنّ سلسلة الموهومات أولى بذلك من سلسلة المشكوكات والمظنونات أو التبعيض على نحو آخر وحينئذ لا مقتضى لترك الاحتياط في سلسلة المشكوكات لعدم لزوم العسر مع إضافة الاحتياط فيها بل وفي شطر من الموهومات أيضا إلى الاحتياط في مظنون الوجوب والحرمة لقلّة الموارد المشكوكة والمحصّل من ذلك أنّ مقتضى القاعدة بملاحظة العلم الإجمالي المذكور هو وجوب الاحتياط في جميع الوقائع المشتبهة إلاّ أنّه قد رفعت اليد عن هذه القاعدة في سلسلة الموهومات في الجملة أو مطلقا وبقيت سلسلة المشكوكات والمظنونات مندرجة تحت القاعدة واللازم حينئذ فيما يحتمل الوجوب موهوما بمعنى حصول الظنّ بعدم وجوبه هو العمل بالأصول الجارية في خصوص الواقعة وفيما يحتمله شكّا أو ظنّا هو الإتيان به برجاء وجوبه في الواقع وهذا مما لا يقول به القائلون بالظنون المطلقة لأنّهم في موارد كون الوجوب موهوما وعدمه مظنونا يبنون على عدم الوجوب تنزيلا للظنّ بمنزلة العلم وفي موارد الشّك فيه يلتزمون بمؤديك الأصول الجارية في الموارد الشّخصيّة وفي موارد الظنّ به يأتون بالفعل المحتمل للوجوب على أنّه واجب شرعا في مقام الظّاهر لا برجاء احتمال وجوبه وبعبارة أخرى أنّهم يجعلون الظنّ حجّة شرعيّة ومعيارا في تمييز الأحكام الواقعيّة كالعلم فيلتزمون بمؤداه نفيا وإثباتا ويرجعون في الموارد الخالية منه إلى الأصول وممّا ذكرناه قد ظهر أن إبطال وجوب الاحتياط بالإجماع أو نفي العسر المتقدّمين لا يثبت مذهب القائلين بالظنّون المطلقة من وجوه قد أشار المصنف رحمه‌الله إلى جميعها تصريحا وتلويحا أحدها أنّ اللاّزم منه العمل بالاحتياط في سلسلة المشكوكات على نحو ما أوضحناه وثانيها أنّ مقتضى ما ذكر كما تقدّم عدم جواز تخصيص عموم الكتاب والسّنة المتواترة ولا تقييد مطلقاتها ولا ارتكاب خلاف الظّاهر في ظواهرها بمطلق الظنّ لأنّ اعتبار ظواهر الكتاب والسّنة من باب الظنّون الخاصّة الّتي هي بمنزلة العلم شرعا وإذا فرض كون العمل بمطلق الظنّ من باب الاحتياط الجزئي فلا ريب أن الاحتياط أنما يجب إذا لم يحصل العلم الوجداني أو الشّرعي بالواقع في مورده فإذا اقتضى عموم الكتاب أو السّنة المتواترة عدم وجوب فعل وحصل ظنّ شخصيّ بوجوبه من أمارة لم يثبت اعتبارها بالخصوص فلا وجه لوجوب الإتيان به لفرض انفتاح باب العلم شرعا في مواردها إذ لا ملزم لإحراز الواقع وإصابته بعد العلم باقتناع الشّارع منا في مقام الامتثال بالعمل على طبق الظنون الخاصّة نعم إصابة الواقع حينئذ راجح عقلا استحبابا لا وجوبا وثالثها

٢٠٨

أنّك قد عرفت أن مقتضى إبطال الاحتياط الكلي بالإجماع أو قاعدة نفي العسر هو العمل بمظنون الوجوب برجاء وجوبه في الواقع وهذا أيضا لا يقول به القائلون بالظنّون المطلقة لأنّهم إنما يعملون بمظنون الوجوب على أنّه واجب شرعا لا أنّه محتمل الوجوب واقعا وهذا الوجه وإن لم يصرح به المصنف رحمه‌الله إلاّ أنّه لازم لتصريحه بكون العمل بالظنّ في المقام من باب الاحتياط الجزئي دون الحجيّة الشّرعيّة ورابعها أن لازم ما ذكر هو العمل في موارد الظنّ بعدم الوجوب بالأصول الجارية في الوقائع الشّخصيّة لأنه اللاّزم لعدم وجوب الاحتياط في موهومات الوجوب لدفع العسر اللاّزم من الاحتياط الكلي لا الالتزام بعدم الوجوب فيها شرعا كما يقوله القائلون بالظنّون المطلقة وهذا أيضا وإن لم يصرح به المصنف رحمه‌الله إلا أنّه لازم لكون عدم وجوب الاحتياط في موهومات الوجوب لدفع العسر اللازم من الاحتياط الكلّي وسنشير إلى بعض ما يتعلق بالمقام عند بيان ما يتعلّق بباقي عبارة المصنف قدس‌سره (قوله) كلاّ أو بعضها إلخ حاصله أنّ العسر كما يندفع بترك الاحتياط في الظنّون المخالفة للاحتياط مطلقا بمعنى عدم وجوب الاحتياطات الموهومة كذلك يندفع بالتّبعيض في مراتب الظنّون المخالفة للاحتياط ويلتزم به في غيرها لعدم استلزام إضافة ذلك إلى الاحتياط في المشكوكات والظنون الموافقة للاحتياط للعسر لقلّة وجوده فتدبّر(قوله) ومع تعذّره يتعيّن إلخ هذا مبني على المشهور من إبطال عمل تارك طريقي الاجتهاد والتّقليد مطلقا وإلا بتفصيل الكلام في جوار الاحتياط مع التمكّن من العلم التّفصيلي قد تقدّم في مقصد حجيّة القطع فراجع (قوله) في المشكوكات والمظنونات يعني مظنونات الوجوب أو الحرمة(قوله) وإلغائه في الموهومات يعني موهومات الوجوب والحرمة بأن حصل الظنّ بعدمها في الواقع (قوله) قلت مرجع الإجماع إلخ حاصله أنّ جواز العمل بالأصول في المسائل المشكوكة فرع ارتفاع العلم الإجمالي في مواردها لعدم جواز العمل بها مع وجوده كما سيجيء وهو أنّما يرتفع في المقام بوجود الحجّة الكافية من العلم أو ما هو بمنزلته في المسائل التي انسدّ فيها باب العلم بحيث لا يبقى في الموارد الخالية منها مانع من العمل بالأصول بأن كانت الوقائع مع وجودها بين معلومة بالتّفصيل وجدانا أو شرعا وبين مشكوكة بالشّكّ البدوي وحينئذ فمرجع دعوى الإجماع قطعا أو ظنّا على جواز العمل بالأصول في المسائل المشكوكة إلى دعوى الإجماع كذلك على وجود حجّة كافية في المسائل المشتبهة وهو الظّنون الحاصلة من الأمارات الّتي لم يثبت اعتبارها بالخصوص لعدم ما سواها فحاصلها دعوى الإجماع على حجيّة الظنّ بعد الانسداد ودعوى الإجماع في المسائل المستحدثة غير المعتورة في كلمات القدماء بعيدة عن السّداد مضافا إلى كون حجيّة الظنّ المطلق عندهم عقليّة لا شرعيّة مع أنّ مرجع دعوى الإجماع الظنّي على حجيّة الأصول في موارد الشّكّ بتقريب ما عرفت إلى دعوى الظنّ بحجيّة الظنّ المطلق بعد الانسداد وهو كما ترى وحاصل ما أجاب به عمّا أورده على نفسه ثانيا بقوله فإن قلت إن لم يقم في موارد الشّك إلخ هو إثبات عدم وجوب الاحتياط في موارد الشّكّ مع وجود ما يظنّ طريقيته على وجه الأولويّة القطعيّة لأجل الإجماع على عدم وجوبه مع عدم وجود ما يظنّ طريقيته فإذا كانت الأصول في موارد الشّك مظنونة الاعتبار جاز الآن العمل بها في الأمارات وأنت خبير بأن مرجع دعوى الإجماع على عدم وجوب الاحتياط في موارد الشّكّ وإذا لم يقم فيها ما يظن طريقيّته ودعوى الأولويّة العقليّة القطعية على عدم وجوب به مع قيامه فيها التي مرجعها إلى دعوى الإجماع على ذلك أيضا لأنّ الأوّل إذا كان إجماعيّا يكون الثاني أيضا كذلك لا محالة إلى دعوى الإجماع على وجود الحجّة الكافية في المسائل التي انسدّ بها باب العلم لما عرفت أن النتيجة على تقدير عدم وجودها هو وجوب الاحتياط في موارد الشّكّ فدعوى الإجماع على عدم وجوبه في نفيها والأولويّة القطعيّة في بعض آخر فرع ما ذكرناه من الالتزام بوجود الحجّة الكافية فإذا استضعف المصنف رحمه‌الله ذلك في الجواب عما أورده على نفسه أولا فكيف إعادة بالسّؤال ثانيا وظنّي أنّ هذا أنما وقع من المصنف رحمه‌الله من أجل أنّه قد كتب الجواب عما أورده على نفسه أولا عند التضيف بوجه آخر سوى ما قدّمنا توضيحه ثم ضرب عليه في الدّورة الأخيرة من مباحثه الّتي لم تتم له وأدركه في أثنائها هادم اللّذات جعل الله الجنّة مثواه وكتب في هامش الكتاب وجها آخر في الجواب وهو الّذي كتبه أولا وكان السّؤال الثّاني مرتبطا بما كتبه أولا وبعد ضربه عليه لم يرتبط السّؤال الثّاني بما كتبه ثانيا تمام الربط وكان حاصل ما نبه أوّلا أن إثبات حجيّة الظنّ الذي لا يفرق فيه بين الظنّ بالواقع والظنّ بالطريق موقوف على تمهيد مقدّمات دليل الانسداد التي منها إبطال وجوب الاحتياط في الوقائع المشتبهة فإذا توقف إثبات هذه المقدّمة ولو في الجملة بمعنى توقف إبطال وجوب الاحتياط في موارد الشّكّ على إثبات حجيّة الظنّ مطلقا لزم الدّور هذا محصّل ما ذكره ولا ريب في ارتباط السّؤال الثّاني به إذ يمكن حينئذ أن يقال إنّا سلمنا عدم إمكان إثبات هذه المقدمة بحجيّة الظنّ إلاّ أنّه يمكن إثباتها بالأولوية بالتّقريب المتقدّم ولعل الوجه في ضرب المصنف ره على ما كتبه أوّلا هو ظهور فساده لأنّه بعد الاعتراف باعتبار الظنّ بعدم الوجوب أو التحريم كما في الواقع والظنّ باعتبار ما دلّ على عدم الحكم في الواقع أو الظّاهر ولا يتوقّف ذلك على إثبات اعتبار مطلق الظنّ حتى يلزم الدّور والعسر كما يندفع بترك العمل بالاحتياط فيما يظنّ بعدم الوجوب أو التّحريم في الواقع كذلك يندفع بترك العمل به في شطر من هذه الموارد وفي جملة من الموارد المشكوكة الّتي فرض حصول الظنّ باعتبار ما قام فيها على عدم الوجوب أو التّحريم بل ربّما كان الظنّ بالطّريق أقوى من الظنّ الحاصل بعدم الحكم في الواقع فيكون أولى بترك الاحتياط فيه (قوله) لعدم العلم الإجمالي لهم إلخ لزعمهم انفتاح باب العلم إمّا وجدانا كالمرتضى والحلّي أو شرعا كالمشهور القائلين بالظنّون الخاصّة(قوله) وتحصل ممّا ذكرنا إلخ فقد تقدم توضيح الإشكال عند شرح قوله إلاّ أنّ هنا شيئا ينبغي أن ينبه عليه فراجع (قوله) الخطابات التي علم إلخ لعلمنا بورود تخصيصات وتقييدات كثيرة عليها في الواقع ويمكن

٢٠٩

أن يقال في مثل هذه الخطابات أيضا بارتفاع العلم الإجمالي بالتّخصيص والتقييد بعد الفحص عن مظانّهما ووجدان بعض المخصّصات والمقيّدات الثّابت اعتباره بالظنون الخاصّة كالخبر الصّحيح الأعلى ونحوه إذ بعد وجدان عدّة من المخصّصات والمقيّدات يمكن منع بقاء العلم الإجمالي بوجود مخصّص آخر بعدها ومجرّد احتماله غير مانع من العمل بأصالة الحقيقة من العموم أو الإطلاق وحينئذ لا وجه لترك العمل بالخطابات المذكورة لأجل الظنّ الحاصل من مثل الشّهرة ونحوها فتأمل (قوله) وشبههما من خطابات العبادات والمعاملات من العقود والإيقاعات مثل قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) وقوله المؤمنون عند شروطهم ونحوها(قوله) وأمّا كثير من العمومات إلخ مثل عمومات الأطعمة والأشربة والصّيد والذباحة والحدود والدّيات ونحوها ممّا لم يحصل لنا العلم بورود مخصّص لها سوى ما ثبت لنا بدليل معتبر وأنت خبير بأن التّفصيل بين عمومات الكتاب والسّنة المتواترة أو المتيقن من آحادها وإطلاقاتهما وظواهرهما بتسليم العلم الإجمالي في بعضهما ومنعه في بعض آخر أنما يتم إن لوحظ كل خطاب بحياله وإلاّ فمنع العلم الإجمالي بارتكاب خلاف الظّاهر في جملتها بحسب العموم أو الظهور ولو بالنّسبة إلى ما سوى ما علم إجمالا بارتكاب خلاف الظّاهر فيه بالخصوص مجازفة محضة كما يظهر بعد ملاحظة كثرة ما سواه (قوله) وأمّا الرّجوع إلخ هذا هو الطّريق الثّاني من الطرق المقرّرة للجاهل الّتي تقدّمت في أوّل المقدّمة(قوله) إنّ العلم الإجمالي بوجود إلخ فإنّه مع وجود العلم الإجمالي المذكور فإن أريد إجراء البراءة والاستصحاب في جميع أطرافه لزمت مخالفة العلم الإجمالي بثبوت التّكليف في الجملة وارتفاع الحالة السّابقة كذلك وإن أريد إجزاؤهما في بعضها غير المعين فلا معنى له وفي بعضها المعين دون آخر لزم التّرجيح بلا مرجّح (قوله) يمنع من العمل بالاستصحابات إلخ لأنا إذا فرضنا إناءين نجسين ثمّ علم إجمالا بعروض الطّهارة لأحدهما فالعلم بانتقاص الحالة السّابقة في الجملة فيهما وإن كان يمنع استصحاب نجاستهما كما عرفته في الحاشية السّابقة إلا أنّ ذلك لا يمنع من الاجتناب من كلّ منهما من باب المقدّمة للاجتناب عن الحرام الواقعي وما نحن فيه أيضا نظير الإناءين المشتبهين فيما ذكرناه فلا تغفل (قوله) لكنّ الاحتياط في جميع ذلك لعلّ المشار إليه هو جميع موارد الاستصحابات المثبتة والنّافية وأصالة البراءة لأنّه مع عدم جريان هذه الأصول يكون المورد مجرى لقاعدة الاشتغال لأنّ مجرّد احتمال التّكليف في الواقع علّة تامّة لحكم العقل بالخروج من عهدة التّكليف المحتمل إلاّ أن يكون هنا أصل وارد أو حاكم على هذه القاعدة من الأصول اللّفظيّة أو العمليّة والعمل بأصالة البراءة في الشبهة البدوية أنّما هو لحكومتها على قاعدة الاشتغال فيها كما صرّح به المصنف رحمه‌الله في محلّه فعلي ما ذكرناه يئول الأمر إلى الاحتياط الكلّي وهو مستلزم للعسر بل اختلال النّظم (قوله) وبالجملة إلخ ربّما يتوهم أنّ هذا ليس جملة وحاصلا لما سبقه لأنّ المصنف رحمه‌الله في السّابق قد جعل المانع من جريان البراءة والاستصحاب النّافي والمثبت هو العلم الإجمالي بالخلاف وهنا قد جعل المانع من جريان الأصول النّافية لزوم المخالفة الكثيرة الّتي هي مانعة أخرى سوى مطلق مخالفة العلم الإجمالي لإمكان الالتزام بجواز الثّاني كما يظهر من جماعة بخلاف الأوّل لكونه أقبح منه كما لا يخفى وفي الأصول المثبتة من الاحتياط والاستصحاب المثبت لزوم الجرح ولكن الوجه فيه واضح لأنّ المخالفة الكثيرة حيث كانت أقوى من مطلق مخالفة العلم الإجمالي عدل إليها هنا أخذا بالأقوى وكذلك الاستصحاب المثبت حيث كان مشاركا للاحتياط في استلزامها الحرج ولو كان لزوم ذلك من اجتماعهما فأغمض عن مانعة الخاصّ وهو العلم الإجمالي فعلل عدم جريانهما بعلّة مشتركة ثمّ إنّه لم يشر إلى وجه عدم جريان أصالة التخيير في مواردها لأنّها لاختصاصها بموارد دوران الأمر بين المحذورين لا ينهض شيء من التعليلات المذكورة من مخالفة العلم الإجمالي أو لزوم المخالفة الكثيرة أو الحرج لمنع جريانه فيها(قوله) لكثرة المشتبهات في المقامين لا أرى وجها لذلك لأنّه لا فرق في المقام بين أن نعمل بالأصول المختلفة بحسب المقامات أو بالأدلّة لأنّها أيضا كالأصول ما بين ناف ومثبت والعلم الإجمالي كما أنّه مانع من جريان الأصول النّافية كذلك مانع من العمل بالأصول اللفظيّة وكذلك لزوم الحرج كما أنّه مانع من العمل بالأولى كذلك الثّانية(قوله) الإجماع القطعي لاتفاقهم على عدم جواز تقليد المقتدر لاستنباط الأحكام الشّرعيّة الظنيّة وإن فرض انسداد باب العلم الوجداني والشّرعي في حقّه وهذه المسألة وإن لم تكن معنونة في كلماتهم إلا أن حكمها معلوم من مذهبهم وطريقتهم وهو واضح لا يقبل الإنكار(قوله) فلا دليل على حجيّة فتواه إلخ إذ عمدة الدّليل على حجيّة فتوى العالم في حقّ الجاهل هو الإجماع والعقل والمتيقّن من الأوّل غير ما نحن فيه ولا ريب في عدم استقلال العقل أيضا بذلك إن لم يستقل بعدمه وأمّا الإطلاقات مثل قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) فعلى تقدير دلالتها منصرفة إلى غير محل الفرض (قوله) المقدّمة الرّابعة لا يذهب عليك أنّ حاصل هذه المقدمة هو كون المقدّمات الثلاث المتقدّمة في كلام المصنف رحمه‌الله منتجة لتعيّن الامتثال الظنّي وهذا ليس من جملة مقدمات دليل الانسداد بل هي النتيجة المطلوبة إثباتها في المقام فالأولى بل المتعيّن أن يذكر في هذه المقدّمة أنّه بعد انسداد باب العلم وعدم جواز العمل بالأصول وعدم وجوب العمل بالاحتياط وعدم جواز التّقليد للعالم بالحكم أنّه لا يجوز الاقتصار على الامتثال الاحتمالي مطلقا أو مع قيام ما يحتمل أن يكون طريقا شرعيّا للامتثال بعد الانسداد كالقرعة ونحوها لقبح الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي مع التمكن من الظنّ ويجعل تعيّن العمل بالظنّ الحاصل من الأمارات الّتي لم يثبت اعتبارها بالخصوص نتيجة للمقدمات الأربع المذكورة والمصنف رحمه‌الله قد عكس فجعل النتيجة هي المقدّمة الرّابعة وما ينبغي أن يذكر في المقدّمة الرّابعة نتيجة لتلك المقدّمات (قوله) ولعلّه لذلك يجب إلخ إذ لا ريب في انسداد باب العلم بالضرر والعدالة غالبا مع تعلق أحكام مختلفة بهما وكون العمل بأصالة

٢١٠

البراءة مستلزما لمخالفة العلم الإجمالي بل المخالفة الكثيرة وعدم إمكان الاحتياط في موردهما فتعيّن العمل في تعيينهما بالظنّ لا محالة(قوله) قد تقدّم في أوّل الكتاب إلخ إذ تقدم تفصيل الكلام في مقصد حجيّة القطع في جواز الاحتياط مع التمكن من العلم التفصيلي أو الظنّ الخاصّ أو الظنّ المطلق فراجع ولاحظ(قوله) واندفع بما ذكرنا إلخ من كون المراد ببقاء التكليف بالأحكام الواقعيّة هو وجوب التّعرض لامتثالها بنحو من أنحاء الامتثال ولو كان على سبيل الظنّ في مقابل كونها مهملين كالبهائم لا ثبوت التّكليف بالواقع على ما هو عليه المقتضي للاحتياط في الوقائع المشتبهة حتى يثبت التّنافي بينه وبين الاكتفاء بالظنّ في مقام الامتثال والحاصل أن الأحكام الواقعيّة إمّا أن يحصل العلم بها تفصيلا على ما هي عليها في الواقع وإمّا أن يحصل العلم بها إجمالا وعلى الثّاني إمّا أن تيسر الاحتياط أو لا تيسر فعلى الأوّل يجب الامتثال التفصيلي وعلى الثاني يجب الامتثال الإجمالي بالعمل بالاحتياط وعلى الثّالث يجوز الاقتصار على الامتثال الظّني وبقاء التّكليف بالواقع على الأوّلين واضح وأمّا على الثالث فالمراد ببقاء التّكليف بالواقع فيه هو عدم إعراض الشّارع عن الواقع بالمرة بحيث تجوز المخالفة القطعيّة له واقتناعه في امتثاله بالعمل بما أدى إليه ظنّه أنّه هو الحكم الواقعي (قوله) فيقال إنّ الأخذ إلخ تفريع للمنافاة(قوله) لأن المراد إلخ تعليل لعدم المنافاة(قوله) فإنّ إيجاب العمل بكلّ من الثّلاثة بأن يجب العمل إمّا بالتخيير أو الظنّ أو الوهم (قوله) بالظن في الجملة يعني إمّا على وجه الإطلاق أو الإهمال على الخلاف الآتي فيه (قوله) واعلم أنّه لا فرق إلخ هذا إشارة إلى أنّ دليل الانسداد بعد تشييد مقدّماته هل يفيد حجيّة الظنّ مطلقا سواء تعلّق بتعيين الطّريق أعني تعيين المسائل الأصوليّة أم بالحكم الواقعي أو يختصّ بالأوّل أو الثّاني وقد اختار الأوّل أوّلا كما هو الأقوى على ما ستعرفه ثمّ نقل الخلاف في الأخيرين وأقول قد اختار الثّاني صاحب الهداية والفصول وسبقها الشّيخ أسد الله التستري وهو لا يقدح فيما ذكره في الفصول من أنّه لم يسبقه إلى ما اختاره أحد لأنّه مع أخيه الفاضل البارع صاحب الهداية من تلامذة الشّيخ المذكور ولا عرف في نسبة التّلميذ مطالب شيخه إلى نفسه كما جرى ديدنهم عليه في أمثال هذا الزّمان واختار الثّالث المحقق البهائي والمحقق القمي وصاحب الرّياض قدس الله أسرارهم وحاصل ما استدل به المصنف رحمه‌الله على مختاره أنّ المناط في حكم العقل بعد تعذر الامتثال القطعي التفصيلي وعدم وجوب الإجمالي وعدم جواز الاعتماد على سائر الطّرق المقررة للجاهل هو تحصيل الظنّ بفراغ الذّمّة سواء حصل من الظن بالواقع أو الظن بالطّريق لعدم كون الواقع على ما هو عليه وكذا تطبيق العمل للطّرق المقرّرة المعتبرة شرعا مطلوبا عند العقل إلا من هذه الجهة لأنّ العقل الحاكم بوجوب الإطاعة وحرمة المعصية في الأوامر الشّرعيّة والعرفيّة أنّما يحكم بذلك لأجل خوف الضّرر في المخالفة لا لأجل كون المولى أهلا ومستحقا لذلك ولا من جهة المصالح الكامنة في المأمور به ولا تحصيل الثواب لأن هذه الغايات وإن وجدت كثيرا ما في الأشخاص على حسب اختلاف استعداداتهم ومراتبهم وإذا قد قسم أعمال العباد في الأخبار على طاعة الأحرار وطاعة العبيد وطاعة الأجراء إلاّ أنّ الظّاهر أن قصد هذه الغايات أنّما هو لأجل تحصيل كمال الإطاعة وإلاّ فالمحرك للعبد من قبل العقل إلى الامتثال هو خوف العقاب على تقدير المخالفة وبالجملة أنّ قصد التخلّص من النّار من جملة الغايات المصحّحة للعمل بل هو المحرّك عند العقل على ما عرفت وحينئذ إن أمكن تحصيل العلم بالبراءة كان هو المتعين عند العقل وإلاّ كان المتعين هو تحصيل الظن بها سواء كان حاصلا من الظنّ بالواقع أو بالطّريق بعد فرض استلزامها للظنّ بها (قوله) اقتصر عليه بعضهم إلخ هو صاحب الفصول وهو رحمه‌الله تعالى قد استدلّ بعد ما نقله عنه المصنف رحمه‌الله على إثبات نصيب الطّرق وكون الواقع مطلوبا من طرق خاصّة ببعض الوجوه الّذي أشار المصنف رحمه‌الله في طيّ كلماته إلى فساده (قوله) ولو عند تعذره يعني عند تعذر القطع بالواقع بأن كان جواز العمل بالطريق المنصوب مرتبا على تعذّر القطع بالواقع لا واقعا في عرضه (قوله) ومرجع هذين القطعين إلخ يعني أن مرجع القطع بثبوت التّكليف بالأحكام الواقعيّة وبالطّرق المنصوبة إلى القطع بكون الواقع مطلوبا من هذه الطّرق بمعنى اقتناع الشّارع في امتثال الأحكام الواقعيّة بالعمل بمؤديات هذه الطّرق وإلاّ فلا يعقل أن يكون الواقع على ما هو عليه مطلوب الوصول إليه بهذه الطّرق إذ مطلوبيّة الواقع على ما هو عليه لا يعقل إلاّ بالأمر بالعلم أو بالاحتياط إذ ربّما تتخلف هذه الطّرق من الواقع فإيصالها إليه غالبيّ لا دائميّ ولعلّ الوجه فيما ذكره تخيل أن الطرق ليست مجعولة في عرض الواقع بحيث يكون التّكليف بها تكليفا مستقلا مباينا للتكليف بالواقع وقيامها محدثا لمصلحة فيما قامت عليه وإلاّ لزم التّصويب الباطل عند أهل الصّواب وليست أيضا بحيث يكون التّكليف الفعلي الّذي هو مناط الثواب والعقاب مع قيامها متعلّقا بالواقع وإلاّ لزم كون جعل الطّرق لغوا محضا فالفرار من لزوم التّصويب واللغويّة أنّما يحصل بالتزام كون الواقع مطلوبا بهذه الطّرق على نحو ما عرفت وستعرف ضعف هذا الوجه من المصنّف وممّا علقنا على كلامه (قوله) وفيه أولا منع نصب إلخ لا يذهب عليك أن إثبات أن المتعين بعد انسداد باب العلم هو العمل بالظّنون التي ظنّ اعتبارها على الوجه الّذي ذكره المستدل يتوقف بعد إثبات بقاء التكليف بالأحكام الواقعيّة على إثبات مقدمات إحداها إثبات جعل الشارع طرقا مخصوصة لامتثال هذه الأحكام الثّانية إثبات كون جعل هذه الطرق على وجه الموضوعيّة لا للكشف الغالبي عن الواقع الثالثة إثبات وجود هذه الطرق بين الطرق الموجودة التي يمكن الوصول إليها وإنّها ليست طرقا وراء هذه الطرق الرّابعة إثبات عدم المتيقّن من هذه الطرق يكفي في الفقه الخامسة إثبات عدم وجوب الامتثال الإجمالي بالعمل بجميع الطّرق المحتملة لكونها مجعولة عند الشّارع السّادسة إثبات كون نتيجة المقدّمات المذكورة هو تعين العمل بالظنون الّتي ظنّ اعتبارها دون الأعمّ منها وممّا لم يظنّ اعتباره والمصنف رحمه‌الله قد زيّف كلّ واحدة من هذه المقدّمات وأفسدها في ضمن إيرادات خمسة

٢١١

بما لا مزيد عليه وأشار إلى ضعف المقدّمة الثّانية في ذيل الإيراد الخامس وسنشير إلى بعض ما يتعلق بها عند شرح ما يحتاج من كلامه إليه ونقول هنا في توضيح ما أورده أوّلا أنّ المصنف رحمه‌الله وإن استند في إمكان منع نصب الطّرق إلى أنّه لو كان كذلك كان وضوح نصبها كالشّمس في رابعة السّماء إلا أنا نقول في توضيحه إنّه إن أريد من نصبها وجوب ذلك على الشّارع بحيث لو لم ينصبها فقد ارتكب خلاف اللّطف فهو ممنوع إذ اللاّزم عليه في باب إزاحة العلّة هو إرسال الرّسل وإنزال الكتب ونصب الأوصياء وأمّا ما زاد على ذلك من نصب طرق خاصّة لامتثال أحكامه الّتي أمر رسله وأوصياءهم بتبليغها إلى المكلّفين فلم يدلّ عليه دليل إذ من المحتمل حينئذ أن يكتفي الشّارع في امتثال تلك الأحكام بالطّرق المقرّرة عند العقلاء في امتثال التكاليف الصّادرة عنهم إلى عبيدهم من الأخذ بالعلم مع إمكانه أو بالأعم منه ومن الظنّ الاطمئناني ثم بالظن المطلق ثمّ مع الشّكّ بأحد الاحتمالين أو المحتملات إذ الواجب على الشارع بمقتضى اللّطف هو بيان ما لولاه لا يمكن امتثال أحكامه والطّرق ليست كذلك على ما عرفت وبالجملة أنّ احتمال ذلك كاف في نفي الوجوب مع أنّه لو فرض الشّكّ في وجوب نصب الطّرق عليه فأصالة براءة ذمّة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن وجوبه كافية في المقام وإن أريد أنّه وإن لم يجب عليه نصبها إلاّ أنّه قد نصبها من باب الاتفاق لتسهيل الأمر على الأمّة تفضلا منه عليهم فهو يحتاج إلى إقامة البرهان عليه ولا دليل عليه إلا ما تخيله المستدلّ من الوجدان ونهي الشّارع عن العمل بالقياس وإجماع العلماء على اعتبار طريق مخصوص وإن اختلفوا في تعيينه والمصنف رحمه‌الله وإن لم ينقل هذه الوجوه عند نقل كلام المستدلّ إلا أنّه أشار إلى ضعف الأوّل بدعوى إمكان منع نصب الطّرق وإلى ضعف الأخيرين أيضا في طي كلامه فلا تغفل (قوله) مدفوع بالفرق إلخ إذ لا ريب في كون دواعي اختفاء أصل المرجع أقوى بالنّسبة إلى دواعي اختفاء الطرق المنصوبة وهو واضح (قوله) قوله مع العلم إلخ متعلّق بقوله جرى عليه (قوله) نصب الطّرق إلخ من قبل الموالي إلى العبيد في امتثال أحكامهم (قوله) من الرّجوع إلى العلم إلخ بيان لما يحكم (قوله) فظهر مما ذكرناه إلخ من الإحالة إلى المتعارف (قوله) في تعيين الطّرق متعلق بقوله لم ينصب (قوله) وربّما يستشهد المستشهد هو المستدلّ (قوله) واختلاف الفتاوى إلخ لأنّ العلماء وإن اختار كلّ منهم طريقا خاصّا في امتثال الأحكام الشّرعيّة إلا أن اختلافهم في تعيين هذا الطّريق يتصور على وجهين أحدهما أن يكون مرجع نزاعهم في تعيين الطّريق إلى أنّ الشّارع هل جعل لنا طرقا مخصوصة أو أوكلنا إلى ما هو المقرّر عند العقلاء ممّا تقدّم في كلام المصنف رحمه‌الله وثانيهما أن يكون مرجع خلافهم إلى تعيين ما اتفقوا عليه من جعل الشّارع طرقا مخصوصة لامتثال الأحكام بأن اتفقوا على ذلك إلا أنّهم اختلفوا في أن ما جعله الشّارع هو هذا الطّريق أو ذلك الطّريق ونزاعهم في المقام يحتمل أن يكون من قبيل الأوّل لأنّ مجرّد اختيار كلّ منهم بعد البحث والنّظر صنفا خاصا من الأمارات ونسبته إلى جعل الشّارع لا يستلزم إجماعهم على جعل الشّارع صنفا خاصّا منها لأنّ ذلك إنّما يلزم لو كان كلّ منهم في مقام الاستدلال على مختاره في مقام بيان أنّ ما جعله الشّارع في الواقع هو هذا دون غيره حتّى يلزم إجماعهم على القدر المشترك وإلاّ فلا يتحقق الإجماع عليه إذ ما لا يتعلق القصد ببيانه لا ينعقد الإجماع عليه وهذا نظير ما اشترط في المتواتر المعنوي من اعتبار كون المخبرين بصدد الإخبار عن القدر الجامع لأنّه إذا أخبر ألف نفر كلّ واحد منهم عن قضيّة خاصّة بأن قال أحدهم إن عليّا عليه‌السلام فعل في الوقعة الفلانة كذا وأخبر آخر بأنّه فعل في الوقعة الفلانة كذا وهكذا فتواتر شجاعته إنّما يلزم لو كانوا في إخبارهم عن هذه الوقائع بصدد الإخبار عن شجاعته أيضا بخلاف ما لو كانوا بصدد الإخبار عن خصوص القضيّة من دون قصد إلى الإخبار عن لازمها الّذي هي الشّجاعة(قوله) مستلزم لكون المرجع إلخ ولم يعترف الخصم بذلك بل اعترف بخلافه ووجه الاستلزام واضح لأنّ المنع من العمل بالقياس في تعيين الأحكام الواقعيّة إذا استلزم أن تكون هنا طرق مخصوصة في تعيينها فكذلك النّهي عن العمل به في تعيين هذه الطرق يكشف أن يكون هنا طريق مخصوص في تعيينها أيضا بل وكذا إذا اشتبه هذا الطّريق لا بدّ في تعيينه من طريق آخر وهكذا(قوله) بأنّ مرجع هذا إلى الإشكال إلخ لأنّ مرجعه إلى أنّه لو لم تكن هنا طرق مجعولة لامتثال الأحكام الواقعيّة وجاز العمل بمطلق الظنّ بها في امتثالها لم يبق وجه لنهي الشّارع عن العمل بالقياس إذ الدّليل العقلي لا يقبل التّخصيص ويدفعه أنّ الوجه في نهيه عنه لعلّه عدم إفادته للظنّ أو وجود مفسدة في العمل به أقوى من مفسدة تفويت الواقع على تقدير ترك العمل به أو غير ذلك ممّا سيجيء عند بيان كيفيّة استثناء القياس من نتيجة دليل الانسداد فمجرّد نهيه عنه لا يكشف عن وجود طرق مخصوصة في امتثال الأحكام الشّرعيّة(قوله) ليس طريقا في عرض إلخ حاصله أنّ مطلق الظنّ ليس في عرض الظّنون الخاصّة المجعولة حتّى يفرض التّرديد والدّوران بينهما لأنّ اعتبار الأوّل بحكم العقل إنما هو عند عدم العلم بوجود الثّاني وبعبارة أخرى أنّ الظنون الخاصة طرق شرعيّة مجعولة من قبل الشّارع والعمل بها موجب للقطع ببراءة الذّمّة ومطلق الظنّ طريق عقلي معلق اعتباره على عدم الأوّل كالأصل بالنّسبة إلى الدّليل لأنّ العقل لا يلتفت إلى الظنّ بالواقع في قبال القطع بالبراءة فما دام الطّريق الشّرعي موجودا لا يحكم العقل باعتبار مطلق الظنّ وما لم يثبت وجوده بالعلم أو الظن الذي قام القطع على اعتباره فالعقل يستقل باعتبار مطلق الظنّ لأنّ العقل لا يلتفت إلى احتمال البراءة بالعمل بما يحتمل أن يكون طريقا شرعيّا مجعولا في مقابل الظنّ بالواقع المستلزم للظن بالبراءة فلا دوران بينهما حتّى يستعمل الظنّ في تعيين ما هو الحقّ منهما فلا معنى لدعوى الإجماع على اعتبار الأمر المردد بينهما(قوله) وعلى كلّ حال يعني سواء كان الطّريق الجعلي موجودا أم لا(قوله) إلاّ قليل إلخ إذ لا جدوى لوجود القليل وإن علم تفصيلا إذ لا بدّ في إثبات جواز العمل بمطلق الظنّ المتعلّق بالواقع أو الطّريق كما تقدّم في غير موضع من عدم

٢١٢

العلم بوجود الحجّة الكافية في تعيين الواقع أو الطّرق بحيث لا يبقى مانع من العمل بالأصول في الموارد الخالية منها وهذا على المختار من كون نتيجة دليل الانسداد هو اعتبار مطلق الظنّ سواء تعلق بالواقع أو الطّريق وأمّا على مذهب المستدل من انحصار مقتضاها في تعيين الطرق فلا بدّ مع ما ذكر من إثبات وجود مقدار من الأمارات المجعولة واف بأغلب أبواب الفقه موجودة في جملة الأمارات الّتي بأيدينا اليوم ولم نعرفها بأعيانها إذ البعض غير الوافي وجوده كالعدم (قوله) بالإجماع ممنوع إلخ معقد الإجماع الممنوع هو حجيّة التّعديل المحكي ولو بوسائط ومعقد الإجماع المسلم هو حجيّة الخبر المعدّل رواته كذلك وإجماعهم على حجيّة هذا القسم من الأخبار لإجمال العمل وعدم تبين الجهة الّتي وقع عليها ويرد على الإجماع المذكور مضافا إلى ما أورده عليه المصنف رحمه‌الله من المنع أنّه على تقدير تسليمه تكون الحجّة المجعولة من قبل الشّارع معلومة بالتفصيل لا بالإجمال كما هو مبنى الاستدلال (قوله) بمثل هذا يعني بالتّعديل المحكي بوسائط(قوله) إلا أنّ اللاّزم من ذلك إلخ لا يقال أنّ القدر المتيقن الحقيقي كالخبر الصّحيح المزكى رجال سنده بتزكية عدلين المفيد للوثوق والمقبول عند الأصحاب وغير ذلك من القيود الّتي اختلفت كلمة الأصحاب بانتفاء أحدها ممّا تقدّم عند الاستدلال على حجيّة الأخبار معدوم الوجود أو في نهاية القلّة بل هو معلوم الاعتبار وخارج من مسألة إعمال الظنّ المطلق في تعيين الطّريق وأمّا المتيقن الإضافي بحسب الأقوال والأدلّة فهو لا ينفك عن الظنّ بالاعتبار فالأخذ به أخذ بمطلق الظنّ في تعيين الطّريق فهو عين مدعى الخصم ولو فرض انفكاكه بأن كانت أمارة متيقنة الاعتبار بالإضافة إلى غيرها ولم تكن مظنونة الاعتبار غير متيقنة كذلك فلا دليل على تقديم التيقن الإضافي على الظن بالاعتبار لأنا نقول إنا نمنع أن يكون كلّ متيقن الاعتبار بالإضافة مظنون الاعتبار أيضا كما إذا فرض حصول الشكّ في اعتبار كل من الشهرة والأولوية الظنّية إلا أنّه علم أنّه لو كانت الأولوية معتبرة شرعا كانت الشّهرة أيضا معتبرة بناء على عدم قول أحد باعتبار الأولويّة دون الشّهرة نعم نمكن دعوى أنّ كل مظنون الاعتبار متيقن بالإضافة إلى ما لم يكن كذلك وتظهر ثمرة الأخذ بالمتيقّن دون مظنون الاعتبار في موردين أحدهما في طرح بعض أفراد مظنون الاعتبار والآخر في الأخذ ببعض ما لم يكن مظنون الاعتبار وذلك لأنّه إذا فرض كون الخبر الصّحيح الأعلى متيقنا بالنّسبة إلى الصّحيح المشهوري وهو بالنّسبة إلى الموثق وهو بالنّسبة إلى الحسن وهو بالنّسبة إلى الإجماع المنقول وهو بالنّسبة إلى الأولويّة الظنيّة ولم يكن الخبر الحسن ولا الإجماع المنقول مظنوني الاعتبار فحينئذ إذا فرض كون الخبر الصّحيح بقسميه وافيا بأغلب أبواب الفقه فلا بدّ من وجوب الاقتصار عليه وعدم العمل بالخبر الموثق وما بعده وإن كان الخبر الموثق مظنون الاعتبار وكذلك إذا فرضت الحاجة إلى العمل بالخبر الصّحيح بقسميه والموثق والحسن لزم العمل بها دون غيرها وإن لم يكن الخبر الحسن مظنون الاعتبار وممّا ذكرنا يظهر الوجه في الأخذ بالمتيقّن الإضافي على تقدير عدم وفاء المتيقن الحقيقي دون مظنون الاعتبار لأنّك بعد ما عرفت من أن كلّ مظنون الاعتبار متيقّن بالإضافة إلى ما لم يكن كذلك لا توجد حينئذ أمارتان كانت إحداهما متيقّنة الاعتبار بالإضافة إلى الأخرى مع عدم الظن باعتبارها وكانت الأخرى مظنونة الاعتبار ونقول فيما فرضناه من المثال أنّه على تقدير وفاء المتيقن الّذي هو مظنون الاعتبار بالفقه إذا بني على الأخذ بالمتيقّن كالصّحيح بقسميه والموثق فالمأخوذ مع كونه متيقنا مظنون الاعتبار أيضا كما يظهر ممّا فرضناه وعلى تقدير عدم وفائه به فلا مناص من الأخذ بالمتيقن من المباني وإن لم يكن مظنون الاعتبار إذ لا بد حينئذ من التعدي إلى غير مظنون الاعتبار ممّا هو متيقّن بالنّسبة إلى غيره (قوله) صحّ تعيينه بالظن لعدم المتيقّن حينئذ في البين (قوله) عمّا سيجيء من الجواب هو الجواب الرّابع الآتي (قوله) وجوب الاحتياط بالعمل بمدلول جميع الأمارات سواء ظنّ اعتبارها أم شك فيه أم كان اعتبارها موهوما فيؤخذ بمدلول كل ما يحتمل أن يكون طريقا مجعولا من قبل الشّارع وسيجيء الكلام في جملة من الإيرادات المتعلّقة بالمقام عند الكلام في تعميم نتيجة دليل الانسداد بقاعدة الاشتغال على القول بإهمالها(قوله) من جهة أنّ فيه طرحا للأصول المعتبرة فإن قلت إنّ حرمة العمل بالظنّ من غير جهة التّشريع إنّما هي من جهة مخالفة الواقع إلاّ أنّ المراد بالواقع أعمّ من

الواقع الأولي والثّانوي أعني مؤدّيات الأصول وحينئذ نقول إنّ موافقة مدلول الأمارة لأصالة البراءة أو الاستصحاب النّافي غير مجدية في رفع حرمة العمل بالأمارة لعدم حجيّة البراءة والاستصحاب بعد العلم الإجمالي بوجود الأحكام الواقعيّة وبقاء التّكليف بها إذ العلم الإجمالي باعتبار بعض الأمارات الموجودة على خلاف الأصول كما أنّه يسقطها عن الاعتبار على ما اعترف به المصنف رحمه‌الله كذلك العلم الإجمالي بوجود الأحكام الواقعيّة وبقاء التكليف بها يسقط الأصول النّافية بل المثبتة أيضا عن الاعتبار على ما تقدّم في مقدمات دليل الانسداد إذ اعتبارها فرع اعتبار الظنّ في تعيين الواقع أو الطرق ولم يثبت بعد ومع عدم ثبوت اعتبار الأصول النّافية في مورد الأمارات النّافية يكون المورد مجرى لقاعدة الاحتياط إذ كلّ مورد لم تجر فيه البراءة والاستصحاب والتخيير فهو مورد لقاعدة الاحتياط وحينئذ تكون الأمارة النافية للتّكليف مخالفة لقاعدة الاحتياط قلت إن ظاهر قول الخصم ومرجع القطعين إلى قطع واحد إنّ المانع من جريان الأصول هو العلم الإجمالي باعتبار بعض الأمارات الموجودة على خلافها لا العلم الإجمالي بوجود الأحكام الواقعيّة أيضا والفرض في المقام موافقة البراءة والاستصحاب النافي للأمارة النافية فتدبّر(قوله) فلا إشكال لعدم حجيّة الاستصحاب إلخ لا يخفى أنا لو قلنا بحجيّة الاستصحاب النّافي في المقام أيضا لم تقدح مخالفة الأمارة له في جواز العمل بها لما عرفت في الحاشية السّابقة من أنّ حرمة العمل بالظن من غير جهة التّشريع إنّما هي من جهة مخالفة الواقع إلاّ أنّ المراد بالواقع أعمّ من الواقع الأولي والثّانوي أعني مؤدّيات الأصول فإذا كان مدلول الأمارة موافقا للواقع الأولي فلا ينظر إلى مخالفته للواقع الثانوي

٢١٣

لأنّ الأوّل أولى بالمراعاة في مقام الاحتياط ولذا يجوز الاحتياط في مورد الاستصحاب النّافي بلا إشكال فيما لم تكن هناك أمارة أيضا مع أنّ فيه أيضا طرحا للأصل المعتبر(قوله) وكذا لو كان مخالفا إلخ يعني يعمل بالاحتياط دون الاستصحاب المثبت لأجل عدم جريانه للعلم الإجمالي الّذي ذكره (قوله) فالعمل مطلقا على الاحتياط يعني في جميع الموارد لأنّه في صورة موافقة الأمارة للأصول أعني البراءة والاستصحاب النّافي أو المثبت أو الاحتياط في خصوص المسألة وكذا في صورة مخالفتها للاستصحاب النّافي أو البراءة فالعمل بالاحتياط في المسألة الأصوليّة وفي صورة مخالفتها للاستصحاب المثبت أو الاحتياط فالعمل بالاحتياط في مورد الأمارة أعني المسألة الفرعيّة فإن قلت لا مقتضى للاحتياط في المسألة الفرعيّة لفرض عدم مطلوبية الواقع إلاّ من حيث تأدية الطرق إليه لا من حيث هو كما يرشد إليه قول المستدلّ ومرجع القطعين إلى أمر واحد قلت إنّ مبنى كلام المصنّف هنا على فرض عدم تقيد الواقع بالطّرق بمعنى كون الواقع مجعولا من حيث هو والطّرق أيضا من حيث الاكتفاء بها عن الواقع لأجل مصلحة من المصالح كتسهيل الأمر على المكلف وغلبة إيصالها إلى الواقع أو غير ذلك وسيشير إلى فساد التوهّم المذكور في ذيل الإيراد الخامس (قوله) في نفس المسألة يعني في المسألة الفرعيّة (قوله) كالشكّ في الجزئيّة بناء على القول بوجوب الاحتياط فيه وإن لم يكن هذا مختار المصنف رحمه‌الله (قوله) إذ تصير حينئذ أي تصير الموارد المذكورة حين العلم الإجمالي المذكور كالشّبهة المحصورة وإن لم تكن عينها لاختصاص الشّبهة المحصورة بالشبهات التّحريميّة الموضوعيّة المشوبة بالعلم الإجمالي ولعلّ الأمر بالتّأمل إشارة إلى منع لزوم العسر لأنّ العمل بالاحتياط على الوجه المذكور لا يزيد على العمل بالأمارات مطلقا إلا من جهة لزوم الاحتياط في مورد الأمارة المخالفة للاستصحاب المثبت أو الاحتياط اللاّزم في خصوص المسألة لعدم اختلاف العمل في غيرهما من حيث الموافقة للاحتياط وعدمها على الوجهين ولزوم العسر من جهة ذلك ممنوع لقلّة موارد الاستصحاب المثبت في الأحكام الكليّة وكذا الاحتياط اللاّزم في خصوص المسألة لأنّ العمدة من موارد العلم الإجمالي بالتّكليف هي موارد الشّبهة المحصورة ومضاهيها من الشبهات الموضوعيّة وموارد الشّكّ في الأجزاء والشّرائط والأولى خارجة من محلّ النّزاع لاختصاصها بإثبات الظنّ في الأحكام الكليّة ومرجع الشّكّ في الثّانية عند المصنف رحمه‌الله بل الأكثر إلى الشّكّ في التكليف كما سيأتي في محلّه فتخرج من موارد العلم الإجمالي بالتكليف فلم يبق إلاّ موارد دوران الأمر بين القصر والإتمام أو الظّهر والجمعة وأمثالهما وهي مع موارد الاستصحاب المثبت ليست في الكثرة بحيث يلزم من إضافتها إلى سائر موارد الاحتياط اللاّزم في المقام عسر وحرج ويحتمل أن يكون إشارة إلى أنّ العسر إنّما يوجب بطلان وجوب الاحتياط بقدر ما يندفع به العسر فإذا لزم رفع اليد عن وجوبه في جملة من موارد الأمارات كموارد الأمارة المخالفة للاستصحاب المثبت أو الاحتياط اللاّزم في خصوص المسألة لكون موارد الظنّ بعدم التكليف أولى بإلغاء الاحتياط فيها من غيرها فيبقى غيرها تحت قاعدة وجوب الاحتياط مندرجا وهذا نظير ما تقدّم في المقدّمة الثّالثة في إبطال وجوب الاحتياط الكلّي بلزوم العسر به لكنّه غير مجد للمستدلّ لأنه وإن اندفع به لزوم العمل بالاحتياط مطلقا إلاّ أنّه لا يثبت تعيّن العمل بالظنّ بالطريق مطلقا(قوله) إن كان منصوبا حتى حال الانفتاح توضيح المقام أنّ الطريق المجعول لا يخلو إمّا أن يكون مجعولا على وجه يشمل حال الانفتاح وإمّا أن يكون مجعولا حال الانسداد بأن كان نصبه مرتبا على تعذر العلم بالواقع فعلى الأوّل يكون مؤدّى الطّريق مجعولا في عرض الواقع بل هو هو بعد تنزيل الشّارع لأنّ الشّارع إذا جعل طريقا وخيّرنا بين العمل بمؤدّاه وبين العمل بالعلم بالواقع يكون مؤدّى الطّريق بمنزلة الواقع والعلم به بمنزلة العلم بالواقع ومقتضى التخيير المذكور هو تخير المكلّف بين العمل بنفس الواقع الحقيقي والواقع التّنزيلي مع إمكان معرفتهما على وجه اليقين ومع تعذّر معرفة أحدهما كذلك يتعين الآخر كما هو حكم الوجوب التخييري ومع تعذّر معرفتهما على وجه اليقين كما يقوم الظنّ بالواقع الحقيقي مقام العلم به كذلك الظنّ بالواقع التّنزيلي مقام العلم به لما عرفت من كون الواقع التّنزيلي في عرض الواقع الحقيقي ومقتضاه ما ذكرناه وكان المستدلّ قد زعم كون الطريق المجعول منصوبا في عرض العلم بالواقع دون نفس الواقع فتخيل أنّ الطريقين إذا تعذّرا فحيث لا يمكن تعلق الظنّ بالعلم ينحصر العمل بالظنّ بالطريق الشّرعي كما يومي إليه ما نقله المصنف رحمه‌الله في آخر كلامه من المستدلّ من قوله وحصول البراءة في حصول العلم بأداء الواقع إنما هو لحصول الأمرين إلى آخر ما نقله عنه وهو ضعيف لما عرفت من أنّ مؤدّى الطّريق هو عين الواقع بعد التنزيل فالعلم بالواقع في عرض العلم به لا في عرض نفسه فتدبّر وعلى الثّاني إذا انسد باب العلم التفصيلي بالواقع وأمكنت معرفة الطريق المجعول على وجه اليقين فالعقل وإن كان يحكم بتعين العمل بهذا الطّريق وعدم جواز العمل بالظنّ بالواقع نظرا إلى أنّ فيه عدولا عن القطع بالبراءة إلى الظنّ بها إلا أنه إذا فرض انسداد باب العلم بهذا الطّريق أيضا فالعقل لا يحكم بتقديم الظن بهذا الطّريق على الظنّ بالواقع لأنّ الفرض أنّ الواقع لم ترفع اليد عنه بالمرّة بأن كانت مطلوبيّة الواقع مقيّدة بالوصول إليه بالطّريق المجعول خاصّة إذ الفرض كون العلم به منجزا للتّكليف به بل كونه مقدّما على الطّريق المجعول ومجرّد كون الطّريق المجعول في صورة انسداد باب العلم بالواقع مقدّما على الظنّ بالواقع لا يوجب كون الظنّ به أيضا مقدّما على الظنّ بالواقع في حكم العقل بل العقل كما يحكم في صورة انسداد باب العلم بكلّ منهما بجواز العمل بالظنّ في تعيين الطّريق كذلك يحكم بجواز العمل به في تعيين الواقع نعم لو كانت مطلوبيّة الواقع مقيّدة بالوصول إليه بالطّريق المجعول كما يومي إليه قوله وحاصل القطعين إلى أمر واحد وهو التكليف الفعلي بمؤدّيات الطرق كان الظنّ بالطّريق مقدّما على الظنّ بالواقع لفرض عدم مطلوبيّة الواقع من حيث هو حتّى يكون الظنّ به قائما مقام العلم به لكن هذا

٢١٤

الوجه فاسد لأنّ مقتضاه عدم تنجز التكليف بالواقع مع العلم به أيضا وهو مع فساده في نفسه لا يقول به المستدل فإن قلت إنّ الطّريق المجعول وإن لم يكن مقيّدا للواقع إلاّ أنّه مع انسداد باب العلم بالواقع والطّريق إذا حصل الظنّ حصل الظنّ بالطّريق حصل الظن بالبراءة عن التكليف المتوجّه إليه لأنّ المفروض أنّ مؤدّاه إمّا عين الواقع أو بدله بخلاف الظنّ بالواقع إذ لا ملازمة بينه وبين الظنّ بفراغ الذّمة لأنّه ربّما يحصل الظنّ بالواقع ولا يحصل معه الظنّ بالبراءة بل ربّما يقطع بعدمها كما إذا حصل الظنّ بالواقع من القياس ونحوه ولا ريب أنّ العقل إنّما يستقل بوجوب الأخذ بما يحصل معه الظنّ بالبراءة قلت نعم لكن لو بني على هذا لم يحتج في إثبات تعين الأخذ بالظن بالطّرق إلى تمهيد مقدمات دليل الانسداد إذ اللاّزم حينئذ أن يقال إنّه مع العلم ببقاء التكليف وعدم كون المكلفين مهملين كالبهائم يجب بحكم العقل تحصيل اليقين بالبراءة مع انفتاح باب العلم وبالظن بها مع انسداده وإذا فرض حصول الظنّ بها مع العمل بالأمارات المظنونة الاعتبار يتعين العمل بها دون غيرها وهذا هو الوجه الثّاني الآتي الّذي نقله المصنف رحمه‌الله عن بعض المحققين وهو لا يتوقف على تمهيد مقدّمات دليل الانسداد مع وضوح فساده كما ستعرفه (قوله) يحصل العلم به إلخ الأولى ترك هذه العبارة لكونها مستدركة (قوله) قلت فرق بين ما نحن فيه إلخ حاصل الجواب أن قياس ما نحن فيه على ظن القاضي والمقلد قياس مع الفارق من وجوه أحدها قيام الإجماع على عدم الاعتداد بظن القاضي في تعيين الواقع بين المتخاصمين وكذا ظن المقلّد في تعيين الأحكام الواقعيّة بخلاف ظن المجتهد فيما نحن فيه وثانيها أنّ ظن القاضي والمقلد بالنّسبة إلى تعيين الواقع وتعيين الطرق مختلف لأنّ ظنّهما بتعيين الواقع بين المتخاصمين وتعيين الأحكام الواقعية حاصل من أمارات غير مضبوطة كثيرة المخالفة أو غالبة المخالفة للواقع بخلاف ظنّهما في تعيين الطّرق المقرّرة لقطع الخصومة وتعيين المجتهد فإنه حاصل من أمارات مضبوطة غالبة المطابقة للواقع وأمّا ظن المجتهد في تعيين الواقع فهو مساو لظنّه في تعيين الطّرق في غلبة مطابقته للواقع فعدم اعتبار ظنّ القاضي والمقلّد في تعيين الواقع لا يستلزم عدم اعتبار ظنّ المجتهد أيضا في تعيين الواقع والقياس إنّما يتم مع مساواة الظنون فلو كان ظن القاضي والمقلد أيضا في تعيين الواقع مساويا لظنّهما في تعيين الطّرق في غلبة المطابقة للواقع كان المتجه جواز عملهما بالظنّ في تعيين الواقع أيضا كما أنّه لو فرض العكس بأن كان ظنهما في تعيين الواقع غالب المطابقة للواقع وظنهما في تعيين الطّرق غالب المخالفة له كان المتجه لهما العمل بالأوّل دون الثّاني ولعل الأمر بالتّأمل إشارة إلى أنّه بعد انسداد باب العلم للمقلّد في تعيين المجتهد وفي تعيين الطّريق المجعول في تعيينه مثل البينة من أهل الخبرة وكذا للقاضي في تعيين الواقع بين المتخاصمين وفي تعيين الطّريق المجعول لقطع الخصومة بينهما فلا ريب أن تعيين المقلد حينئذ للمجتهد بمطلق الظنّ مساو لتعيين القاضي للواقع بين المتخاصمين به في كون كلّ منهما تعيينا للموضوع الخارجي المشتبه بمطلق الظن الحاصل من الأمارات غير المعلومة الاعتبار فلا وجه لدعوى كون أحدهما مضبوطا دون الآخر مع أنّ دعوى كون ظنون القاضي في تعيين الواقع بين المتخاصمين كثيرة المخالفة للواقع غير واضحة إذ ليست هذه الظنون إلا كسائر الظّنون المتعلقة بالموضوعات الخارجة عند عامة النّاس ودعوى كثرة المخالفة فيها مجازفة نعم تمكن دعوى ذلك في ظنون المقلّد في تعيين الأحكام الواقعية لكونه أجنبيّا عن استعلام الأحكام الشرعيّة مضافا إلى أنّ مقتضى دليل الانسداد هو رجحان الاعتقاد عند من انسد في حقّه باب العلم ودعوى علمنا إجمالا بكثرة مخالفة ظنّه للواقع غير قادحة في عمله بظنّه ودعوى حصول العلم الإجمالي للظانّ منافية لما تقدّم من المصنف رحمه‌الله عند بيان الإيرادات الّتي أوردوها على إبطال وجوب الاحتياط الكلّي بقاعدة العسر من امتناع حصول العلم الإجمالي بمخالفة بعض الظنون التفصيلية للواقع وثالثها أنّ الشّارع في نصب الطّرق للقاضي في القضاء والحكومة لم يلاحظ الواقع بل أعرض عنه وجعل المناط هو مؤدّيات الطّرق المخصوصة ومقتضاه عند انسداد باب العلم بالطرق هو إعمال الظنّ بالطرق دون الواقع بخلاف ما نحن فيه على ما أوضحه المصنف رحمه‌الله وأنت خبير بأن ذلك يوجب عدم جواز قضاء الحاكم بعلمه وهو خلاف التحقيق ويوجب وجوب إنفاذ الحكم ولو بعد القطع للحاكم أو غيره بتخلف الطّريق عن الواقع بأن ظهر خلافه على سبيل القطع بعد القضاء وبالجملة أنّ الظّاهر أن طرق قطع الخصومات أيضا معتبرة من جهة غلبة المطابقة للواقع (قوله) بل غالب المخالفة إلخ لا يخفى أنّه لو تم ذلك لا يستقل العقل بجواز العمل بالظنّ الحاصل من الأمارات التي لم يثبت اعتبارها لفرض حصول العلم إجمالا بكون بعض الأمارات أعني ما لم ينصبه الشّارع في الواقع غالب المخالفة للواقع وهو مناف لما ذكره من كون الأمارات التي يستعملها المجتهد أمارات مضبوطة غالبة المطابقة للواقع ولما أسلفه سابقا كما تقدّم في الحاشية السّابقة من امتناع حصول العلم الإجمالي بمخالفة بعض الظنون التّفصيلية للواقع فالأولى أن يقال إنّ الظّاهر أن نصب الطرق المخصوصة إنّما هو لأجل غلبة إيصالها إلى الواقع أو وجود مصلحة في سلوكها يتدارك بها مفسدة مخالفة الواقع على تقدير مخالفتها له والنّهي عن القياس إمّا لأجل غلبة مخالفته للواقع أو لأجل وجود مفسدة في سلوكه أقوى من مصلحة إدراك الواقع أو لأجل أخذه مرجعا في الأحكام الشّرعيّة في قبال الأئمّة عليهم‌السلام والاستغناء به عنهم كما كانت عادة العامة جارية بذلك أو غير ذلك لا جعل نصب طرق مخصوصة والنّهي عن القياس دليلا على كون سائر الأمارات غالب المخالفة للواقع (قوله) لوجوب الأوفق إلخ تعليل لعدم اعتبار الشّارع (قوله) وليس ظنّا بتحقّق إلخ فيكون الظنّ بالطّريق أولى لأنّه إذا استلزم الظنّ بالواقع فإذا تخلف أحدهما عن الواقع فالغالب إصابة الآخر له بخلاف الظنّ بالواقع خاصّة(قوله)

٢١٥

مشكوك إلخ إذا كانت الأمارة مشكوكة الاعتبار(قوله) أو موهوم إذا كانت الأمارة موهومة الاعتبار(قوله) نعم اتفق في الخارج إلخ هذا إنّما يتم إذا أريد من الظنّ الظنّ النوعي المجامع للظنّ الفعلي بالخلاف ولكن دليل الانسداد لا يقتضي اعتبار الظّنون النوعيّة وإن أريد منه الظنّ الشّخصي فالملازمة ممنوعة إذ الأمارة المظنونة الاعتبار كالخبر الصّحيح قد لا تفيد الظنّ الشّخصي لمخالفة الشّهرة مثلا فالأولى أن يجاب أولا بمنع الملازمة بين الظنّ بالاعتبار والظنّ بالواقع وثانيا مع التّسليم بكونه خروجا عن الفرض (قوله) وثانيا أنّ هذا يرجع إلخ لأنّ حاصل السّؤال ترجيح الظنّ بالاعتبار على الظنّ بالواقع لأجل استلزامه الظن بالواقع وهو اعتراف بكون مقتضى دليل الانسداد هو اعتبار الظنّ بالواقع دون الظنّ بالطّريق وترجيح بعض الظّنون المتعلّقة بالواقع لأجل كون طريقه مظنونا إذ لو كان الظنّ بالواقع ملغى في نتيجة الانسداد فلا وجه لترجيح الظنّ بالطّريق باستلزامه الامتثال الظّاهري والواقعي بخلاف الظنّ بالواقع خاصة بل لا معنى للترجيح حينئذ إذ بعد تقيد مطلوبيّة الأحكام الواقعيّة بالتوصّل إليها بالطّرق المجعولة كما هو مقتضى القول بكون مقتضى دليل الانسداد هو اعتبار الظنّ بالطّريق خاصّة لا وجه لملاحظة الظنّ بالواقع أصلا بعد الانسداد لكون وجوده حينئذ كعدمه (قوله) والاستدلال المذكور أعني الوجه الأوّل الّذي استدلّ به صاحب الفصول (قوله) على إنكار ذلك كلّه من حجيّة الظنّ بالواقع وكون النتيجة مهملة أو كليّة وحاصل ما ذكره في وجه الابتناء المذكور أنّ مقتضى تخصيص نتيجة دليل الانسداد باعتبار الظنّ بالطرق خاصّة هو دعوى كون مطلوبيّة الواقع مقيّدة بالوصول إليه بالطّرق المجعولة وإلاّ لم يكن وجه للتّخصيص المذكور كما أوضحه المصنف رحمه‌الله قبل السّؤالين اللّذين أوردهما في المقام ومقتضى تقيّد مطلوبيّة الأحكام الواقعيّة بالتوصّل إليها بالطّرق المجعولة إلغاء الظنّ بالواقع بالمرّة وكون اعتباره على وجه الإطلاق أو الإهمال لأنّ هذا فرع اعتبار الظنّ بالواقع الّذي عرفت تعين إلغائه على هذا المسلك (قوله) بل لأجل مصلحة يتدارك إلخ غير خفي أنّ ما ادعاه المستدلّ من انحصار مقتضى دليل الانسداد في إثبات اعتبار الظنّ بالطّرق خاصّة مبني كما ذكره المصنف رحمه‌الله على كون مطلوبيّة الأحكام الواقعيّة مقيدة بمساعدة الطّرق المجعولة عليها والتوصل لامتثالها بها وأشار المصنف رحمه‌الله في منع ذلك أوّلا إلى كون اعتبار الطرق المجعولة لأجل كشفها الغالبي عن الواقع وثانيا مع تسليم كون جعلها من باب الموضوعيّة إلى منع كون ذلك مقتضيا لتقيّد الأحكام الواقعية بالتوصّل بها إليها وأقول وعلى تقدير تسليم التقيد المذكور يلزم التّصويب في الأحكام وذلك لأنّ الشّارع إمّا أن يلاحظ مصلحة في سلوك طريق مخصوص فائقة على مصلحة الواقع بحيث يغمض الشّارع عن مصلحة الواقع ويجعل مناط التكليف ما أدّى النّظر في الأمارة إليه وإمّا أن يلاحظ فيه مصلحة متداركة لمصلحة الواقع على تقدير تخلف الطّريق عنه مع بقاء مصلحة الواقع على حالها وإمّا أن لا يلاحظ فيه سوى مصلحة الطّريقيّة والوصول إلى الواقع غالبا والأوّل مستلزم للتصويب والظّاهر إجماعهم على بطلان هذا النحو من التّصويب والأخيران غير مستلزمين للمطلوب من عدم إجزاء التوصل إلى الواقع بغير الطّرق المجعولة وإن فرضت مطابقة العمل للواقع أيضا كما هو واضح مضافا إلى أنّ مقتضى القول باعتبار الطّرق على وجه الموضوعيّة على الوجه المذكور هو القول بالإجزاء على تقدير انكشاف تخلف الطّريق عن الطريق الواقع والمستدل لا يقول بالإجزاء في الأوامر الظّاهريّة والتّنافي بينهما واضح وما أبعد ما بينه وبين ما ذهب إليه المحقّق القمي رحمه‌الله لأنّه مع قوله باعتبار الطّرق من باب الظّنون المطلقة قال بالإجزاء فيها فقولهما في طرفي الإفراط والتفريط(قوله) على إغماض الشارع عن الواقع بأن كانت مطلوبية الأحكام الواقعيّة مقيّدة بالوصول إليها بالطرق المجعولة كما عرفته في الحاشية السّابقة(قوله) وبذلك ظهر إلخ يعني بما ذكره من أن مفاد نصب الطّرق ليس تقييد الواقع بها بل جعلها عين الواقع بالتّنزيل فتكون مؤدّياتها واقعا جعليا ووجه ظهور فساد قول المستدل هو ابتناؤه على كون الأحكام الواقعية مقيّدة بامتثالها بالطرق المجعولة رغما منه كون العلم أيضا من الطّرق المجعولة دون المنجعلة فتخيل كون مطلوبية الأحكام الواقعيّة مقيدة بأدائها بالطرق المجعولة الّتي منها العلم فالواقع من حيث هو ملغى في نظر الشّارع فإذا تعذر العلم بالواقع وتعذر أيضا معرفة سائر الطّرق المجعولة يقوم الظنّ بهذه الطّرق مقام العلم بها وحيث إنّه لا معنى لتعلق الظنّ بالعلم فيعتبر الظنّ بسائر الطّرق وعلى هذا يكون الطرق المجعولة في عرض العلم دون الواقع و

قد أشرنا عند شرح قوله إن كان منصوبا حتّى حال الانسداد إلى آخره إلى توضيحه وتوضيح فساده (قوله) من أن التسوية إلخ مقول للقول من الفعل أي الفعلي الواقعي (قوله) لحصول الأمرين من الطّريق والواقع (قوله) في حكم المكلّف إلخ على صيغة الفاعل (قوله) بأن يقطع معه أي مع الإتيان بالمكلّف به (قوله) العلم منه أي من القطع بالفراغ (قوله) فإذا تعين تحصيل ذلك إلخ يعني إذا تعيّن تحصيل الظنّ بالفراغ بعد تعذر العلم به بمقتضى العقل يلزم أن يلاحظ ويعتبر ما يظن معه رضى الشّارع بالعمل بما يفيد الظنّ بالواقع من الطّرق ليحصل بذلك الظنّ بالفراغ وبعبارة أخرى أن حكم العقل بتحصيل الظنّ بالفراغ حكم كلّي لا بدّ في مقام العمل من تطبيقه على ما يوجد فيه ذلك وليس هو في الخارج إلاّ الدّليل الدّال على حجيّة ما يفيد الظنّ بالواقع فتحصّل من ذلك أنّ كلّ طريق قام ظنّ على حجيّته عند الشّارع فهو حجّة دون ما لم يقم عليه ذلك (قوله) بين الوجهين من أداء العمل على طبق الواقع أو على طبق الطريق المقرّر من الشّارع (قوله) ولا ترتيب بينهما بأن يجب أداء العمل على طبق الواقع ومع تعذّر العلم به يجب أداؤه على طبق الطريق (قوله) ما ذكره في مقدّمات إلخ هو ما أشار إليه في آخر ما نقله عنه بقوله من غير فرق بين الوجهين (قوله) نعم ما جزم به من أنّ المناط إلخ حاصل ما

٢١٦

ذكره يرجع إلى وجهين أحدهما أنّ كون المناط عند العقل في العلم بحصول الامتثال هو العلم بتفريغ الذمة عما اشتغلت به لا يقضي بكون المدار عند انسداد باب العلم بالواقع وبالطّرق المجعولة على الظنون المظنونة الاعتبار خاصّة لأنّ تفريغ الذمّة عمّا اشتغلت به مع التمكن من العلم إمّا بفعل نفس ما أراده الشّارع في ضمن الأوامر الواقعية وإمّا بفعل ما جعله الشّارع عين الواقع بالتنزيل وهو مؤدّيات الطرق المجعولة فالحكم بفراغ الذّمة بالعمل بمؤدّيات الطّرق المجعولة إنّما هو من جهة أنها عين الواقع بحكم الشّارع وتنزيلها منزلته لا أنها شيء آخر في قبال الواقع وموافقتها موجبة للفراغ فإذا انسد باب العلم بالواقع وبالطريق المجعول فالاكتفاء بالظنّ بالواقع أولى من الظن بالطّريق المجعول لما عرفت من كون العمل بمؤدّيات الطّرق المجعولة لأجل كونها بمنزلة الواقع ويؤيّده بل يدلّ عليه أنّه لا ريب أنّ المرتبة العليا في نظر العقلاء في امتثال أوامر الموالي هو امتثال التّكليف النّفس الأمري وهو الإتيان بالمأمور به الواقعي من حيث إن المولى أمره به لا الإتيان بالفعل لخوف العقاب وتحصيل فراغ الذّمة فالواجب على المكلّف أوّلا وبالذات مع التمكن من تحصيل نفس الأمر هو الإتيان بما أمر الشّارع به من حيث أنّه أمره به ولذا قد حكم المشهور كما قيل ببطلان العبادة الواقعة لخوف النّار ومع تسليم صحّتها فهي من أدنى مراتب الامتثال فجعل الواجب أولا وبالذات هو تفريغ الذّمة عن التكليف النفس الأمري مع إمكان تحصيل الواقع كما ترى وحينئذ فمع فرض الانسداد يكون الواجب على المكلف ثانيا وبالعرض هو تحصيل الواقع ظنّا لا تفريغ الذّمة ظنا مطلقا سواء حصل الظن بالواقع أم لا على ما حقّق المستدل به المقام ومع تسليم صحة الامتثال بالإتيان بالفعل بداعي تحصيل فراغ الذّمة وخوف النار يكون ذلك من أدنى مراتب الامتثال على ما عرفت ثم إنّ المصنف رحمه‌الله قد أوضح كون مؤدّى الطّريق عين الواقع بتنزيل الشّارع وكون العلم به بمنزلة العلم بالواقع سواء كان الطريق مجعولا على وجه يشمل حال الانفتاح أو كان مجعولا في حال الانسداد خاصّة بأن كان نصب الطّريق مرتبا على تعذّر تحصيل الواقع على وجه اليقين ورتب على ذلك الإيراد الثّاني كما ستعرفه وثانيهما أنّ ما ذكره من الفرق بين الظنّ بالواقع والظن بالطّريق بعدم استلزام الأوّل للظنّ بالفراغ بخلاف الثّاني ضعيف جدّا لأنّك بعد ما عرفت من كون مؤدّى الطّريق بمنزلة الواقع والعلم به بمنزلة العلم به فلو كان الظنّ بالطّريق مستلزما للظنّ بالفراغ فالظنّ بالواقع أولى بذلك وبالجملة أنّه لا فرق بينهما من هذه الجهة لأنّه إن أراد من حصول الظنّ بالفراغ بالعمل بما ظنّ اعتباره من الأمارات الفراغ الثّاني الواقعي بأن كانت هذه الأمارة بحيث لو علمنا باعتبارها لحصل العلم بالفراغ الواقعي بالعمل بها ففيه أنّ الظنّ بالواقع أيضا كذلك لأنّه لو انكشف الواقع وعلم إصابة ظننا له لحصل اليقين بالفراغ أيضا وإن أراد الفراغ الفعلي بأن حصل الظنّ بالفراغ فعلا بالعمل بمؤدّى الأمارة الّتي ظن اعتبارها ففيه أنّ الظنّ باعتبار الأمارة لا يخلو إمّا أن يكون حاصلا من أمارة معلومة الاعتبار أو معلومة عدم الاعتبار كالقياس أو مظنونة الاعتبار أو مشكوكة الاعتبار ولا ريب في حصول العلم بالفراغ على الأوّل والعلم بعدمه على الثّاني والظنّ بالفراغ على الثّالث والشّكّ فيه على الرّابع ونقول حينئذ إنّ الظنّ بالواقع أيضا كذلك لأنّه مع حصول الظنّ به من أمارة معلومة الاعتبار يحصل اليقين بالفراغ ومن أمارة معلوم عدم اعتبارها يحصل اليقين بعدمه ومن أمارة مظنونة الاعتبار يحصل الظن بالفراغ ومن أمارة مشكوكة الاعتبار يحصل الشّكّ فيه وبالجملة أنّه لا فرق في حصول الظنّ بالفراغ بين تعلق الظنّ بالواقع وتعلقه باعتبار أمارة خاصّة لما عرفت من كون العمل بكل من الواقع المظنون ومؤدّى الأمارة المظنونة الاعتبار موجبا للظنّ بالفراغ وكأنّ المستدلّ قد زعم أن نفس سلوك الطّريق المجعول في عرض سلوك الطّريق العقلي غير المجعول وهو العلم بالواقع الّذي هو سبب تامّ للعلم بالفراغ فيكون نفس سلوك الطّريق الطريق الشّرعي أيضا كذلك وبعد انسداد باب العلم بالواقع والطّريق لا معنى لتعلّق الظنّ بالعلم وأمّا تعلقه بالواقع فهو لا يستلزم الظن بالفراغ لفرض عدم كون محض سلوك الواقع علّة تامّة للفراغ حتى يستلزم الظنّ به للظن به بخلاف الظن بالطّريق المجعول لفرض كونه ظنّا بالعلّة التّامّة للفراغ ولكنّه فاسد جدّا إذ لا ريب أنّ نفس سلوك الطّريق المجعول من دون علم به لا يترتب عليه تحقّق الامتثال أصلا حتّى يكون في عرض العلم بالواقع نعم يترتب عليه سقوط الأمر في التوصّليات كما يترتّب ذلك على سلوك نفس الواقع من دون علم به حين سلوكه فمؤدّى الطّريق في عرض الواقع والعلم به في عرض العلم بالواقع والامتثال إنّما يترتب على العلمين والظنّ أيضا إنّما يقوم مقامهما عند تعذرهما دون المعلومين هذا حاصل ما أورده المصنف رحمه‌الله في المقام وأمّا توضيح بعض ما يتعلّق بعباراته فستقف عليه إن شاء الله تعالى (قوله) بالطّرق المقرّرة إلخ الجار ليس متعلقا بالعمل بل هو طرف مستقرّ صفة للأوامر الظّاهريّة أي الثّابتة بالطّرق المقرّرة(قوله) فهو أيضا كذلك إلخ أي مثل الواقع الجعلي الواقع في عرض الواقع فكما أنّ امتثال الواقع الحقيقي والجعلي هناك لا يحصل إلاّ بالعلم بأدائهما كذلك الأمر في الواقع الجعلي الواقع في طول الواقع الحقيقي فيترتب عليه أيضا ما كان مرتبا على الأوّل من قيام الظنّ بالواقع مقام العلم به (قوله) في مقابل سلوك الطريق العقلي فيكون سلوك كلّ منهما سببا تامّا للعلم بالفراغ (قوله) فيكون الظنّ بالسّلوك إلخ لكون الظنّ بسلوك الطّريق ظنّا بحصول السّبب التّام للبراءة(قوله) لأن نفس أداء الواقع إلخ من دون علم بأدائه (قوله) ليس سببا تامّا لأنّ السّبب التام هو العلم بأداء الواقع (قوله) مع ما علمت إلخ لا يقال إن الوجه الثّاني ليس مبنيّا على جعل الطّريق من قبل الشّارع إذ يكفيه ثبوت المعنى الأعمّ من الجعل والإمضاء إذ بعد كون مبنى الاستدلال على كون مناط حكم العقل في الامتثال حصول الظنّ بالبراءة فللمستدلّ أن يقول إنّ الظنّ بها إنّما يحصل بالعمل بالطّريق الّذي ظنّ كونه مجعولا أو ممضى عند الشّارع لا بمجرّد الظن بالواقع لأنا نقول قد أوضحنا عند شرح ما أورده على الوجه الأوّل أنّ مقتضى كون امتثال الأحكام الشّرعيّة

٢١٧

موكولا إلى طريقة العقلاء هو إعمال الظنّ في تعيين الواقع عند تعذر العلم أو الوثوق به فراجع (قوله) ثم إنّك حيث عرفت إلخ لا يخفى أنّ حق العبارة أن يقال وأمّا الطائفة الثّانية فسيأتي الكلام فيما ذهبوا إليه عند التّكلم إلى آخر ما ذكره (قوله) الّتي لا يدخلها الإجماع المركّب قد أوضحنا الكلام في ذلك في أوّل مقصد حجيّة القطع فراجع (قوله) أو فيها في ضمن إلخ أي في مسألة تعيين الطّريق في ضمن مطلق المسائل الأصوليّة والفرعيّة كما فعله غير واحد من مشايخنا من القائلين بانفتاح باب العلم والظنّ الخاصّ (قوله) هل هي قضيّة مهملة إلخ حاصله أنّ نتيجة مقدّمات دليل الانسداد هل هي قضيّة مهملة في قوّة موجبة جزئية محتاجة في التّعدي عن القدر المتيقّن إلى غيره في الجملة أو مطلقا إلى مرجح أو معمّم أو قضيّة كليّة عامة حاصرة لجميع أفراد الظّنون حتّى يحتاج إخراج بعضها إلى دليل خاصّ وبعبارة أخرى هل هي حجيّة الظنّ في الجملة الدّائر بين الكلّ والبعض أو حجيّة الظنّ مطلقا وبعبارة ثالثة أنّ حكم العقل بحجيّة الظنّ بعد ملاحظة مقدمات دليل الانسداد من باب الكشف عن جعل الشّارع للظنّ حجّة شرعيّة في الجملة حتّى يؤخذ بالمتيقن منه ويحتاج التّعدي عنه إلى دليل لكون العمل به حينئذ من باب أكل الميتة الذي يقتصر فيه على ما تندفع به الضّرورة أو من باب الحكومة والإنشاء حتّى لا يفرق بين أفراده فنقول إنّ اعتبار عموم الظنّ أو إهماله تارة يلاحظ بالنّسبة إلى الموارد وأخرى إلى أسبابه وثالثة إلى مراتبه وتخصيص المصنف رحمه‌الله للثّاني بالذّكر في عنوان المسألة إنما من باب المثال وكيف كان إنّما هو فأمّا اعتباره بالنّسبة إلى موارده فلا خلاف بينهم كما سيشير إليه المصنف رحمه‌الله في اعتباره بالنّسبة إلى جميعها والمراد بها هي المسائل الفقهيّة لأنّ كلّ من عمل بالظن بدليل الانسداد في مسألة من المسائل الفقهيّة لم يفرق بينها وبين غيرها من المسائل الفقهيّة الّتي انسد فيها باب العلم وأمّا العمل به في الأصولين والموضوعات المستنبطة والصرفة والمسائل المشتبهة ففيه كلام آخر تقدّم الكلام في بعضها وسيجيء في الباقي وأمّا اعتباره بحسب الأسباب والمراتب فنقول إنّ الظّنّ الحاصل من الأمارات الظنّية لا يخلو إمّا أن يكون معلوم الاعتبار كالحاصل من ظواهر ألفاظ الكتاب والسّنة القطعيّة والبينة ونحوها وإمّا معلوم عدم اعتباره كالحاصل من القياس والاستحسان والرّمل والجفر ونحوها وإما مظنون الاعتبار كالحاصل من الخبر الصّحيح والإجماع المنقول بناء على ذهاب المشهور إلى اعتباره كما قرّر في محلّه وإمّا مشكوك الاعتبار كالشهرة وظاهر الإجماع وعدم الخلاف وإمّا موهوم الاعتبار كالغلبة وقياس الأولويّة فهذه أقسام خمسة أمّا الأوّلان فأمرهما واضح إذ لا إشكال في حجيّة الأوّل وفي عدم حجيّة الثّاني وإن اختلفوا في كيفيّة إخراجه من تحت دليل الانسداد على القول بكون نتيجتها مطلقة لا مهملة إلاّ أنّه إشكال في حكمه وأمّا الثلاثة الأخيرة فهي محلّ الكلام في المقام وفيها أقوال أحدها كون النتيجة مطلقة شاملة للأقسام الثلاثة المذكورة بحسب الأسباب والمراتب وثانيها كونها مهملة في قوة الموجبة الجزئيّة وثالثها كونها مطلقة شاملة للأقسام الثّلاثة بحسب أسبابها ومهملة بالنّسبة إلى مراتبها واختاره المصنف رحمه‌الله ولعلّ هذا من المصنف رحمه‌الله ليس قولا بالتّفصيل في المسألة لأنّ قوله بذلك إنّما هو لأجل منعه تماميّة بعض مقدّمات دليل الانسداد كما ستعرفه في محلّه وإلاّ فمع تسليم تماميّتها فالقول منحصر في القولين الأوّلين فتدبّر واختلف القائلون بالأوّل فمنهم من قال باعتبار الظنّ حتّى في مسألة واحدة انسد فيها باب العلم وإن انفتح فيما عداها وهذا لازم لكل من قال باعتبار الأصول مقيّدا بعدم حصول الظن بخلافها كصاحب المعالم والزّبدة والقوانين إذ بعد فرض منع وجوب الاحتياط لا مناص من العمل بالظنّ في تلك المسألة وإن كان ضعيفا إذ لولاه تعين العمل فيها بالبراءة أو الاستصحاب إن كانت المسألة من مواردهما والفرض انتفاء مقتضى العمل بهما بعد فرض حصول الظن بخلافهما ومنهم من لا يقول بما قدّمناه ويعتبر في جواز العمل بالظن انسداد باب العلم في أغلب المسائل الفقهيّة وهذا لازم لكلّ من قال باعتبار الأصول من باب التعبّد أو الظنّ النّوعي مطلقا لأنّ عدم تجويز هذه الفرقة للعمل بالأصول بعد إبطال وجوب الاحتياط إنما هو لأجل حصول العلم الإجمالي بوجود أحكام وجوبيّة وتحريميّة لله سبحانه في الواقع وحصول هذا العلم الإجمالي إنّما هو بعد الانسداد الأغلبي وإلاّ فمع انفتاح باب العلم وجدانا أو شرعا في أغلب المسائل ترتفع الشّبهة عن هذه المسائل التي انفتح فيها باب العلم ويتشخص الواقع فيها ولو بالشّرع وحينئذ تبقى الشّبهة في باقي الموارد الّتي انسدّ فيها باب العلم مجرّدة عن العلم الإجمالي فيجب العمل فيها بالأصول دون الظنّ والعجب من صاحب المعالم وغيره حيث ذهبوا إلى اعتبار الأصول من باب الظنّ ومع ذلك قد ذهبوا إلى إهمال نتيجة دليل الانسداد واعتبروا الظنّ القوي كالحاصل من خبر الواحد لأنّ مقتضى الأوّل كما عرفت هو العمل بكل ظنّ في أيّ مورد ومن أيّ سبب حصل لا الاقتصار على بعض الظّنون ومن هنا يظهر السّرّ في نسبة المصنف رحمه‌الله إطلاق نتيجة دليل الانسداد إلى الدّليل الّذي تمسّك به صاحبا المعالم والزّبدة لإثبات حجيّة خبر الواحد وهو دليل الانسداد لا إلى اختيارهم ومذهبهم حيث قال ويظهر أيضا من صاحبي المعالم والزّبدة بناء على اقتضاء ما ذكره إلى آخر ما ذكره وذلك لما عرفت أنّ مذهبهم هو إهمال النتيجة إلاّ أنّ دليلهم يقتضي إطلاقها فتدبّر واختلف القائلون بالثّاني أيضا فقيل إنّ الحجّة من الظنون المطلقة هي الظنون القويّة كالخبر الصّحيح الأعلى لأنّ العقل بعد ملاحظة مقدّمات دليل الانسداد إنّما يحكم بحجيّة الظنّ في الجملة والمتيقّن منه على وجه يكتفي به في إتمام الفقه هي الظنون القويّة لدوران الأمر بين الأقل والأكثر والمتيقن هو الأوّل وهي الظّنون القويّة وهذا المسلك ممّا سلكه صاحب المعالم لأنّه بعد تقرير دليل الانسداد حصر مقتضاه في العمل بالأخبار ثمّ شرط في جواز العمل بها كون رواتها مزكاة بتزكية عدلين قال في المعالم إنّ العقل قاض بأنّ الظنّ إذا كان له جهات متعددة متفاوتة بالقوّة والضّعف فالعدول عن القوي منها إلى الضعيف قبيح ولا ريب إنّ كثيرا من الأخبار الآحاد يحصل بها من الظن ما لا يحصل من سائر الأدلّة فيجب تقديم العمل بها انتهى وقيل

٢١٨

إنّ الحجّة كلّ ما ظنّ اعتباره كأقسام الخبر ما عدا القسم الضّعيف منها بل هو أيضا إذا انجبر بالعمل والإجماع المنقول وهذه الفرقة هم القائلون باعتبار الظنّ بالطّريق وقيل إنّ الحجّة هي جميع أفراد الظنون نظرا إلى أنّ النتيجة وإن فرضناها مهملة إلاّ أنّها تضم إليها مقدمات تسمّى معمّمات تفيد حجيّة كلّ ظنّ كما ستجيء إن شاء الله تعالى هذا كلّه في أقوال المسألة وستقف على ما هو التحقيق وبعض أدلّة الأقوال والله الهادي إلى الصّواب (قوله) إذا جرت في مسألة إلخ حاصله دعوى الملازمة بين جريان مقدّمات دليل الانسداد وهي انسداد باب العلم وبقاء التكليف وعدم وجوب الاحتياط وعدم جواز العمل بسائر الأصول وباقي الطّرق التّعبديّة من التّقليد والقرعة ونحوهما وعدم جواز الاقتصار على الامتثال الاحتمالي في مسألة من المسائل وبين جواز العمل بالظنّ في تلك المسألة من دون فرق بين مراتبه وأسبابه وأشخاصه ويلزمها أن يكون القول بإهمال النتيجة مبنيّا على عدم تمامية بعض المقدمات المذكورة وإلاّ فلا يعقل مع تماميّة المقدّمات المذكورة القول بعدم جواز العمل بالظن في مسألة وهذا كاف في بطلان القول بإهمال النتيجة بعد تسليم تماميّة المقدّمات المذكورة(قوله) وهذا ثابت بالإجماع إلخ لا يخفى أنّ دعوى الإجماع في المسائل العقليّة سيّما غير المعنونة منها في كلمات القدماء ممّا لا وجه له اللهمّ إلاّ أن يريد منه مجرّد الاتفاق بدعوى الاستكشاف بحكم عقولنا عن حكم جميع ذوي الألباب ولكن تدفعه أيضا مخالفة صاحب المعالم لأنّه مع تسليمه لمقدّمات دليل الانسداد كما صرّح به المصنّف قد ذهب إلى إهمال النتيجة بحسب الأسباب أو المراتب على الوجهين في كلامه ولذا خص الحجّة بالخبر الصّحيح الأعلى مع تمسّكه فيه بدليل الانسداد وقد تقدم كلامه عند شرح قول المصنف رحمه‌الله هل هي قضيّة مهملة إلخ فراجع (قوله) حيث إنّه أبطل البراءة إلخ لأنّه قد زعم كون اعتبار أصالة البراءة لأجل إفادتها الظنّ فمنع الدّليل على اعتبارها مع حصول الظن بخلافها وكذلك قد زعم عدم الدّليل على وجوب الاحتياط في موارد العلم الإجمالي تخيلا منه أنّ العلم الإجمالي إنّما يوجب حرمة المخالفة القطعيّة لا وجوب الموافقة القطعيّة وقد تقدّم توضيح الكلام في قول المحقق القمي رحمه‌الله وصاحبي الزّبدة والمعالم عند شرح قوله هل هي قضيّة مهملة إلى أخره (قوله) إنّه لا دليل على منع إلخ يعني لا دليل على المنع مطلقا بحيث لا تجري الأصول في شيء من مواردها وإنّما الممنوع جريانها في جميع مواردها للزوم المخالفة القطعية الكثيرة في موارد أصالة البراءة والاستصحاب الموافق لها والحرج في موارد الاحتياط والاستصحاب الموافق له فلا بدّ في رفع اليد عن الأصول من العمل بالظنّ بمقدار يرتفع به العلم الإجمالي والحرج المذكورين وهما يرتفعان بالعمل بالظنون القويّة لعدم لزوم مخالفة العلم الإجمالي ولا الحرج بالعمل بالأصول في الموارد الخالية منها وكذا يرتفعان بالعمل بالظنّ في جملة من المسائل دون أخرى أو بجملة من الأمارات دون أخرى وعلى كل تقدير لا يثبت بما ذكره عموم العمل بالظنّ بحسب الأسباب ولا الموارد ولا المراتب والأولى للمصنف رحمه‌الله أن يضيف إلى الاحتياط الاستصحاب الموافق له بأن يقول ولزوم الحرج من الاحتياط والاستصحاب الموافق له كما صنعه في المقدّمة الثالثة عند إبطال جواز الرّجوع إلى الأصول الجارية في الموارد الشخصيّة(قوله) فنقول إنّه إمّا أن يقرر إلخ هذا إشارة إلى الخلاف في أنّ حكم العقل بجواز العمل بالظنّ بملاحظة مقدّمات دليل الانسداد هل هو من باب الكشف عن جعل الشّارع للظنّ حجّة شرعيّة عند الانسداد أو من باب حكم العقل وإنشائه لحجيّته كالعلم في صورة الانفتاح وذكر هذا الخلاف مقدّمة لبيان كون النتيجة مهملة أو مطلقة لأنّ الأوّل لازم للأول والثّاني للثّاني في الجملة وكيف كان فالوجه في الكشف والحكومة واضح لأنّه إذا دار الأمر بعد الانسداد بين أمور من عدم تكليفنا بشيء كالبهائم أو كون تكليفنا العمل بأصالة البراءة في كل واقعة أو الاحتياط كذلك أو بالأصول الجارية في مواردها أو بالتّقليد للقائل بالانفتاح أو بالقرعة أو نحوهما أو الاقتصار بالامتثال الاحتمالي أو العمل بالظنّ فبعد إبطال ما عدا الأخير فالعقل إمّا أن يكشف عن جعل الشّارع للظنّ حجة شرعيّة يجب اتباعه وإن احتمل مخالفته للواقع وإمّا أن يستقلّ بنفسه للحكم بجواز الاقتصار عليه في مقام امتثال الأحكام الشّرعيّة فيكون المنشئ لحجيّته حينئذ هو العقل دون الشّرع وهذا هو الأقرب لكون الظنّ عند العقل بعد ملاحظة المقدّمات المذكورة كالعلم طريقا لامتثال الأحكام المظنونة فكما أنّ العلم طريق بنفسه لامتثال الأحكام المعلومة غير محتاج إلى جعل الشّارع بل غير قابل له كذلك الظنّ في مفروض المقام هذا مضافا إلى ما أورده المصنف رحمه‌الله على القول بالكشف من الوجه (قوله) وتوهم أنّه يلزم على هذا إلخ لما عرفت في الحاشية السّابقة من كون حجيّة الظنّ على القول بالحكومة عقليّة لا شرعيّة وهو مناف للملازمة المعلومة عندهم من أن كلما حكم به العقل حكم به الشّرع أيضا والجواب عنه من وجهين أحدهما ما ذكره المصنف رحمه‌الله من أنّ مورد الملازمة المذكورة إنّما هو حيث كان المحلّ قابلا لورود كل من حكم العقل والشّرع عليه ليس ما نحن فيه كذلك إذ الإطاعة والمعصية ليستا قابلتين لورود حكم الشّرع عليهما إذ لو توقف وجوب الإطاعة على ورود أمر من الشّارع به توقف وجوب إطاعة هذا الأمر أيضا على أمر آخر وهكذا فإن عاد لزم الدّور وإلاّ لزم التّسلسل فوجوب امتثال الأوامر المظنونة في محلّ الفرض كالمعلومة منها ليس بقابل لجعل الشّارع وما ترى من أمر الشارع بالإطاعة ونهيه عن المعصية فهما ليسا على سبيل الإلزام بل على سبيل الإرشاد الّذي لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب سوى ما يترتّب على نفس الإطاعة والمعصية وثانيهما مع تسليم الملازمة مطلقا أنّه لا ريب أنّ حكم الشّرع على طبق حكم العقل إنّما هو على نحو ما حكم به العقل فإن كان على وجه الإلزام المولوي فكذلك حكم الشّرع وإن كان على وجه الإرشاد فكذلك حكمه أيضا ولا ريب أنّ حكم العقل بوجوب العمل بالظنّ إنّما هو من باب الإرشاد إلى مصلحة المكلّف بل حكمه في جميع الموارد من باب الإرشاد على ما ادعاه سلطان العلماء غاية الأمر أنّ المورد إن كان قابلا للأمر الإلزامي المولوي كما في الظّلم والإحسان كان حكم الشّرع أيضا إلزاميّا مولويّا وإن لم يكن قابلا لذلك كما فيما نحن فيه على ما عرفت كان حكم الشرع كحكم العقل إرشاديّا وعلى كل تقدير لا يكون حكم الشّرع في المقام إلزاميّا مولويا كما هو

٢١٩

المقصود ومن هنا يظهر وجه عدم كون العمل بالظنون المطلقة مفيدا للإجزاء وإن قلنا بكون الأمر الظاهري الشّرعي مفيدا له لما عرفت من كون حكم العقل بتعين العمل بها من باب الإرشاد إلى مصلحة المكلّف في العمل بها حين الانسداد من حيث كونه معذورا في العمل بها لو كانت مخالفة للواقع من دون كشف عن أمر الشّارع في الواقع ليكون امتثاله مفيدا للإجزاء على تقدير ظهور خلافه للواقع وقد أوضحنا الكلام في ذلك في مبحث الإجزاء من كتابنا المسمّى بغاية المأمول في كشف معضلات الأصول وأشرنا هناك إلى أقسام الأمر من الاختياري الواقعي والاضطراري الواقعي والظاهري الشّرعي والظاهري العقلي وإلى عدم إفادة الأخير للإجزاء على تقدير ظهور مخالفته للواقع وإن قلنا بإفادة الثالث له وإن ظهر خلافه من جماعة وكذلك يظهر فساد ما أورده المحقق القمي رحمه‌الله على الفاضل التّوني في نفيه لظهور الثمرة بين القول بالملازمة بين حكم الشّرع والعقل والقول بعدم هذه الملازمة قال في الوافية في مسألة الحسن والقبح فعلى ما ذكرنا يشكل التّعلق بهذه الطريقة يعني إدراك العقل حسن الأشياء وقبحها في إثبات الأحكام الشّرعيّة غير المنصوصة لكنّ الظّاهر أنّه لا يكاد يوجد شيء على هذه الطريقة إلا وهو منصوص من الشّرع وفائدة هذا الخلاف نادرة انتهى وفي القوانين بعد أن نفي حصول القطع للعقل بعدم المضرّة في الأشياء المشتملة على المنفعة الخالية من أمارة المضرة قال وكيف كان فالحكم بالإباحة في مثل ذلك في أمثال زماننا من الظّنيّات والدّليل عليه ظنّي فكيف يقال إنّها ممّا يستقل بحكمها العقل بعنوان القطع لانسداد باب العلم وانحصار المناص في الظن وذلك من جزئيّاته فمن هذه الجهة يصير من جملة ما يستقل به العقل ومن ذلك ظهر أن ما يقال إنّ التكلم في هذا القسم من الأدلّة العقليّة قليل الجدوى لعدم انفكاك ما استقل به العقل عن الدليل الشّرعي عليه كما يلاحظ في قبح الظّلم وحسن العدل ووجوب ردّ الوديعة وغير ذلك لا وجه له لأنّ العمل بظنّ المجتهد من أعظم ثمرات هذا الأصل وأيّ فائدة أعظم من ذلك انتهى وتوضيح الفساد أنّك قد عرفت أنّ النّزاع في ثبوت الملازمة بين حكم العقل والشّرع كما هو المتنازع فيه بين الأصوليين والأخباريين بعد تسليم إدراك العقل لحسن الأشياء وقبحها كما هو محلّ الخلاف بين العدليّة من العامة والخاصّة وبين الأشاعرة إنّما هو في الأفعال القابلة لورود كل من حكم العقل والشّرع عليه وقد عرفت أنّ ما نحن فيه ليس كذلك وأن حكم كلّ منهما مع تسليم قابلية المحلّ في المقام إنّما هو إرشاديّ لا يترتب على موافقته ومخالفته سوى ما يترتب على نفس الواقع والمقصود من إثبات الملازمة بين الحكمين إثبات أنّه بعد حكم العقل لشيء بحسن أو قبح يثبت بذلك حكم شرعيّ إلزاميّ مولوي على طبقه يترتب على موافقته ومخالفته ثواب وعقاب فكيف يمكن جعل ما نحن فيه ثمرة لمثل ذلك الخلاف (قوله) مشتركان في الدّلالة إلخ فيه نوع من المسامحة إذ لا دلالة للتقرير الأوّل على العموم بحسب الموارد إلاّ بواسطة الإجماع الّذي ادعاه فالأولى أن يقال إنّ العموم بحسب الموارد ثابت بالنّسبة إلى التقريرين أمّا الأوّل فبالإجماع وأمّا الثّاني فباستقلال العقل به (قوله) وأمّا من حيث مرتبة الانكشاف إلخ لا يخفى أنّ عدم العموم في النّتيجة بحسب المرتبة قوة وضعفا على القول بالحكومة إنّما هو لأجل عدم تماميّة بعض مقدّمات دليل الانسداد كما يشير إليه قول المصنف رحمه‌الله إذ لا يلزم من بطلان كليّة العمل بالأصول إلى آخر ما ذكره لأنّ ظاهره أنّ المانع من كون النتيجة عامة بحسب المرتبة إنّما هو عدم ثبوت بطلان العمل بالأصول في جميع مواردها فلو ثبت بطلانها كليّة فلا بدّ من العمل بالظنّ مطلقا سواء كان قويا أو ضعيفا والوجه فيه واضح إذ بعد فرض بقاء التكليف عند الانسداد وعدم جواز العمل بالبراءة في كل مورد وعدم وجوب العمل بالاحتياط كذلك وعدم جواز العمل بالأصول أصلا ولا التّقليد ولا غيره من الطرق المحتملة لأن تكون مجعولة حين الانسداد وعدم جواز الاقتصار على الامتثال الاحتمالي لا مناص من العمل بالظنّ مطلقا ولو كان ضعيفا فاحتمال جواز العمل بالأصول في موارد الظنون الضعيفة إنّما هو لأجل عدم بطلان العمل بالأصول رأسا لا يقال إنّ تسليم عموم النّتيجة بحسب الأسباب ومنعه بحسب المرتبة لأجل عدم ثبوت بطلان العمل بالأصول رأسا ينافي ما تقدّم من المصنف رحمه‌الله من منع العموم مطلقا سواء كان بحسب الأسباب أم المراتب أم الأشخاص لأجل منع بطلان العمل بالأصول رأسا كما أشار إليه بقوله وهذا المقدار لا يثبت إلاّ وجوب العمل بالظنّ في الجملة لأنّا نقول إنّ ما ذكره هنا مبني على كون حكم العقل بجواز العمل بالظنّ من باب الحكومة وما تقدّمه لعلّه مبني على كونه من باب الكشف مع قطع النّظر عن إجماعهم على عدم الفرق بين الموارد على الوجهين نعم ما ذكره هنا من كون القول بإهمال النتيجة بحسب المرتبة على القول بالحكومة مبنيا على عدم بطلان العمل بالأصول رأسا ينافي ما تقدّم من المصنف رحمه‌الله في المقدّمة الثالثة من بطلان العمل بها لأجل مخالفتها للعلم الإجمالي إذ مقتضاه عدم جريانها في شيء من الموارد المشتبهة لأنّ العلم الإجمالي إذا حصل في مورد فهو يمنع من جريان الأصول في جميع أطرافه لا في الجملة بأن يجوز العمل بها في مقدار من أطرافه لا يلزم منه المخالفة للعلم الإجمالي ولذا إذا أشبه إناء بين عشرة إناء فلا مجال لأن يقال بجواز العمل باستصحاب الطّهارة في مقدار منها لا يلزم منه مخالفة العلم الإجمالي وقد تقدم من المصنف رحمه‌الله في المقدّمة الثّانية منع شمول أدلّة الأصول لموارد العلم الإجمالي نعم ما منع المصنف رحمه‌الله كلي العمل به هو وجوب العمل بالاحتياط دون الأصول ولا ريب أن منع وجوب كلي العمل به بأن لا يجب الاحتياط في الموهومات مطلقا أو بالوهم البعيد بأن كان الظنّ على خلافها قويّا لا يقضي بجواز العمل بالأصول في مواردها بعد فرض عدم جريانها لأجل العلم الإجمالي المذكور لتعين العمل فيها بالظنّ في الجملة أو مطلقا ولو كان ضعيفا إذ لا مناص منه بعد عدم وجوب الاحتياط وعدم جريان الأصول (قوله) وأمّا التقرير الأوّل إلخ لأنّه بعد إثبات الانسداد الأغلبي وبقاء التّكليف وإبطال وجوب الاحتياط كليّا وجواز العمل بالأصول كذلك وكذلك سائر الطّرق التعبّدية المحتملة فليس للعقل أن يستكشف بملاحظة هذه المقدّمات عن كون الظنّ حجّة عند الشّارع مطلقا من دون

٢٢٠