أوثق الوسائل في شرح الرسائل

ميرزا موسى التبريزي

أوثق الوسائل في شرح الرسائل

المؤلف:

ميرزا موسى التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات كتبي نجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٦

في تقريب الاستدلال بعدم الحاجة إليها أولا وبمنع الأولوية ثالثا على تقدير تسليمها وأصل الاعتراض من صاحب الفصول قال إنّ الله تعالى علق وجوب تبيّن النّبإ على مجيء الفاسق به فيدلّ بمفهومه على عدم وجوب التبيّن عند مجيء العادل ومقتضاه جواز القبول لأنّ الأمر بطلب البيان إمّا كناية عن عدم جواز القبول أو مخصوص بما أريد العمل بمقتضى بنائه فيكون وجوبه شرطيّا ويرجع إلى الوجه السّابق أو بمواضع خاصّة لا بدّ من التبيّن فيها منها الواقعة الّتي نزلت الآية فيها حيث يجب فيها طلب البيان بمطالبتهم بالصدقات فإن انقادوا إلى الحقّ وأدوها تبيّن كذب النبإ قضاء بظاهر الحال وإن استنكفوا عنها وأظهروا التمانع والمعادات تبين صدقه ووجب التهجّم على جهادهم لكن هذا في الحقيقة راجع إلى طلب أمر مخصوص يحصل به البيان وليس بطلب نفس البيان حقيقة وبالجملة فلا بدّ من حمل الأمر بالتبيّن على أحد هذه الوجوه للإجماع على عدم وجوب التّبيّن عند خبر الفاسق مطلقا وعلى هذا فما تداول في كتب القوم من بيان وجه الاستدلال من أنّه علق وجوب تبيّن النبإ على مجيء الفاسق به فعلى تقدير مجيء العادل به إمّا أن يجب القبول وهو المدّعى أو يجب الرّد فيلزم أن يكون العادل أسوأ حالا من الفاسق غير مستقيم إذ مرجع الأمر بالتبيّن فيما عدا الوجه الأخير إلى ردّ بنائه وفي الوجه الأخير يجب التبيّن في بناء العادل أيضا وإنما يتمّ ما ذكروه إذا حمل الأمر بالتبيّن على وجوبه مطلقا وهذا ممّا لا ذاهب إليه انتهى وحاصله أنّ التبيّن عن نبإ الفاسق حيث لم يكن واجبا نفسيّا إجماعا فلا بدّ من التّصرف في ظاهر الآية بحملها إمّا على كون الأمر بالتبين كناية عن ردّ خبره وعدم قبوله فيدلّ بالمفهوم حينئذ على جواز قبول خبر العادل وإمّا على كون وجوب التبيّن شرطيّا بأن كان جواز العمل بخبر الفاسق عند الحاجة إليه مشروطا بالتبيّن فتدلّ الآية حينئذ على جواز قبول خبر العادل من دون تبيّن وإمّا على موارد مخصوصة وحيث قد عرفت أن مقتضاها على هذا الوجه وجوب التبيّن عن خبر العادل أيضا فيجب حملها على أحد الوجهين الأوّلين فتدل على حجيّة خبر العادل من دون الضّميمة المتقدّمة(قوله) مضافا إلى أنّه المتبادر إلخ لأنّ المتبادر من مادة التّبيّن كمادة التّجسّس والتّفحّص ونحوهما كون اعتبارها لأجل ملاحظة حال الغير لا ملاحظة نفسها من حيث هي فاعتباره في الآية أنّما هو للاستكشاف به عن خبر الفاسق من حيث صدقه وكذبه (قوله) ما لا يخفى إلخ لأنّه إذا كان التبيّن واجبا نفسيّا فمقتضى المفهوم حينئذ عدم وجوب التبيّن نفسا عند خبر العادل ولا ريب أنّه لا دلالة فيه على قبول خبره من دون تبيّن إذ لا منافاة بين عدم مطلوبيّة التبيّن عن خبر العادل بالوجوب النّفسي وبين كون التبيّن شرطا في جواز العمل بخبره والمفهوم أنّما ينفي الأوّل دون الثّاني وحينئذ يشترك العادل مع الفاسق في عدم جواز العمل بخبرهما قبل التبيّن ويختصّ الفاسق بكون التبيّن عند إخباره واجبا نفسيّا وهو لا يستلزم الأولويّة المذكورة بل مزيّة كاملة للعادل على الفاسق لأن الأمر بالتبيّن حينئذ عن خبر الفاسق دون العادل يحتمل أن يكون لمراعاة حال العادل إذ مع الفحص عن خبره ربّما يظهر كذبه فينهتك ستره بين النّاس وتزول منزلته عن القلوب بل نفس التبيّن عن خبر العادل ربّما يستلزم نوع استخفاف له ولعلّ الأمر بالتأمّل إشارة إلى أن مراعاة الشّارع لحال العادل وعدم رضاه باستخفافه وانحطاط رتبته عند النّاس أنّما تتم مع عدم جواز التبيّن عن خبره لا مع عدم وجوبه المستلزم لجوازه بل في التوقف في خبره قبل التبيّن نوع استخفاف له أيضا لأنا إذا تبينا عن خبر الفاسق وظهر صدقه فعملنا به وتوقفنا في خبر العادل لعدم التبيّن عنه ولو لأجل عدم وجوبه فهو يستلزم نوع استخفاف له لا محالة فإجلال العادل وإعظامه أنّما يتم مع قبول خبره من دون تبيّن لا مع التّوقف فيه (تنبيه) اعلم أنا إن قلنا بكون العدالة ملكة راسخة يتجه القول بالواسطة حينئذ بين العادل والفاسق وربّما يعدّ منها مجهول الحال وهو ضعيف لعدم خروجه عن أحد القبيلين في الواقع نعم منها من بلغ ولم يصدر عنه ذنب بالنّسبة إلى مقدار زمان لم تحصل له فيه الملكة القدسيّة وكذلك الكافر إذا أسلم ولم يصدر عنه ذنب بالنسبة إلى الزمان المذكور وإن لم نقل بها بأن قلنا بكونها عبارة عن مجرد ظهور الإسلام من دون ظهور فسق أو مجرّد حسن الظاهر فحينئذ تنتفي الواسطة بينهما لا محالة فعلى الأوّل فالآية تدلّ على حجيّة خبر غير الفاسق سواء كان عادلا أم واسطة بينه وبين العادل فهي حينئذ لا تنهض لإثبات اشتراط العدالة في حجيّة خبر الواحد لفرض حجيّة خبر الواسطة لكنهم قد استدلوا بها على اشتراط العدالة في باب الشّهادات وذلك إما لأجل قلّة وجود الواسطة فأطلقوا القول باشتراط العدالة وإمّا لأجل عدم تفسيرهم العدالة بالملكة كما عرفت وإمّا لأجل توهم كون المفهوم عبارة عن نفي الحكم المذكور عن ضدّ وجودي للموضوع المذكور لا عن نقيضه المنطقي بأن يقال إنّ مفهوم قولنا في الغنم السّائمة زكاة نفي وجوبها عن المعلوفة لا عن غير السّائمة لأنّ الآية حينئذ أنّما تدل بمفهومها على عدم وجوب التبيّن عن خبر العادل لا عن خبر غير الفاسق ليشمل الواسطة (قوله) إلى نيف وعشرين إلخ قال الطّريحي تكرر في الحديث ذكر النيف ككيس وقد يخفّف وهو الزّيادة وكلما زاد على العقد فنيف إلى أن يبلغ العقد الثّاني ويكون بغير تأنيث للمذكّر والمؤنّث ولا يستعمل إلاّ معطوفا على العقود فإن كان بعد العشرة فهو لما دونها وإن كان بعد المائة فهو للعشرة فما دونها وإن كان بعد الألف فهو للعشرة فأكثر كذا تقرّر بينهم وفي بعض كتب اللّغة وتخفيف الياء لحن عند الفصحاء وحكي عن أبي العبّاس أنّه قال الذي حصّلناه من أقاويل حذاق البصريين والكوفيّين أنّ النيف من واحد إلى ثلاثة والبضع من أربعة إلى تسعة ولا يقال نيّف إلاّ بعد عقد نحو عشرة ونيف ومائة ونيف وألف ونيّف ومنه يظهر بين القولين تدافعا انتهى (قوله) خصوصا في الوصف إلخ هذه

١٤١

الخصوصيّة أنّما هي لأجل ما يظهر من جماعة كالمحقق الكاظمي في شرح الوافية والعلامة في التهذيب من كون النّزاع في مبحث مفهوم الوصف في الوصف المعتمد على موصوف مذكور وكون غيره داخلا في مفهوم اللقب وحيث لم يثبت هذا عند المصنف رحمه‌الله كما يشهد به استدلالهم على اعتبار مفهوم الوصف بفهم أبي عبيدة للمفهوم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليّ الواجد يحلّ عرضه وعقوبته فأتى بالخصوصيّة وادعى كونه أشبه بمفهوم اللّقب نعم قد يقال إن عدم اعتبار مفهوم الوصف أنّما هو فيما لم يقع الوصف في حيّز أداة الشّرط وإلاّ فلا ريب في حجيّة مفهومه والاعتداد به فيتم التّمسّك بالآية وإن لم نقل بحجيّة مفهوم الوصف من حيث هو وأنت خبير بأنّه لم نقم منبّه على هذه الدّعوى من عرف ولا غيره وقال المحقّق القمي بعد ردّ الاستدلال بمفهوم الشّرط فالاعتماد على مفهوم الوصف فإنا وإن لم نقل بحجيّته في نفسه لكن قد يصير حجّة بانضمام قرينة المقام كما أشرنا إليه في مباحث المفاهيم وعلى فرض إمكان تصوير مفهوم الشّرط في هذا الكلام فلا يخفى أنّ حجيّة مثل هذا المفهوم الوصفي أوضح من حجيّة هذا الفرد من المفهوم الشّرطي انتهى وأورد عليه صاحب الفصول بأنّ مساعدة المقام على استفادة حكم المفهوم من التعليق على الوصف بناء على عدم دلالته عليه إمّا أن يكون لقرائن حالية وثبوتها في المقام ممنوع قطعا أو لقرائن لفظية راجعة إلى انحصار فائدة التّعليق في الاحتراز يعني أنّ القرائن اللّفظيّة أنّما هي تعليق الحكم على الوصف مع فرض عدم فائدة فيه غير الاحتراز عن خبر الموصوف وعدم الاحتراز عن خبر غيره أو ظهورها بحسب مقام التّعليق من بين الفوائد وهذا أنّما يتصوّر جريانه بحسب تحصيل الوثوق والاعتداد به فيما إذا تعقب الوصف الخاص لموصوف عام كما في قولك إن جاءك مخبر فاسق أو رجل فاسق بنبإ ونحو ذلك ممّا يشتمل على التقييد اللّفظي المقتضى اعتباره في الكلام لفائدة زائدة على فائدة بيان الحكم وظاهر أن المقام ليس من بابه بل من ترجيح التعبير عن موارد الحكم بعنوان خاص على التّعبير عنه بعنوان عام ومثل هذا لا يستدعي فائدة ظاهرة تزيد على فائدة بيان الحكم في المورد الخاصّ ومع الإغماض عن ذلك فلا نجد لتعليق الحكم على الوصف في المقام مزيد خصوصيّة لا توجد في غيره فإن ما ذكروه في منع دلالته على حكم المفهوم في غير المقام من عدم انحصار الفائدة فيه وإنّ من جملة الفوائد كون محلّ الوصف محلّ الحاجة متجه في المقام أيضا مضافا إلى أنّ له في المقام نكتة أخرى أيضا وهي التّنبيه على أنّ المخبر المتّصف بالفسق بعيد عن مقام الاعتماد والاستناد جدّا إذ يحتمل في حقّه ما يحتمل في حقّ المخبر العادل من السّهو والنّسيان مع زيادة هي احتمال تعمده الكذب أو تعويله في خبره على أمارات ضعيفة وأوهام سخيفة ناشئين من انتفاء صفة العدالة عنه الحاجرة على الاقتحام في مثل ذلك وهذا ظاهر لا سترة عليه انتهى ويمكن توجيه كلام المحقق المذكور بأنّ مراده من قرينة المقام ليس هو مجرّد تعليق الحكم على الوصف ليرد عليه ما أورده صاحب الفصول بل مقصوده أن تعليق الحكم على الوصف المشعر بالعلية إذا لوحظ مع الأمر بالتبيّن الذي ليس المقصود منه إلاّ مجرّد الوصول إلى الواقع وكذلك مع ملاحظة العلّة وكون العمل بخبر الفاسق مظنّة للوقوع في الندم يعطي كون المقصود من الآية بيان عدم كون خبر الفاسق صالحا للطّريقية إلى الواقع لأجل عدم الحاجز له عن تعمّد الكذب في مقابل خبر العادل وكون عدالته مانعة من تعمّد الكذب هذا والإنصاف أنّ هذا الوجه لم يبلغ مرتبة تعطي اللفظ ظهورا فيما ذكر وإن أشعر به لقوّة احتمال كون المقصود من التعليق والأمر بالتبيّن والتّعليل توجيه الذمّ إلى من قبل خبر وليد بن عتبة وركن إلى خبره مع فسقه فتكون الآية مسوقة للذمّ على ذلك لا لبيان الطّريق إلى الواقع (قوله) مبني على دليل الخطاب إلخ المراد بدليل الخطاب كما صرّح به المحقّق القمي رحمه‌الله مقابل لحسن الخطاب وفحواه والمراد بالأخيرين مفهوم الموافقة وبالأوّل مفهوم المخالفة على أقسامه من الشرط والغاية والصّفة والحصر واللقب وغيرها وعلى هذا فمراد الجماعة بقولهم إنّ هذا الاستدلال مبني على دليل الخطاب هو ابتناؤه على التّمسّك بمفهوم المخالفة لا خصوص مفهوم اللّقب كما توهمه عبارة المصنف رحمه‌الله ولا خصوص مفهوم الوصف كما تحمّله العبارة أيضا فكلما يحتملها كلامهم كذلك يحتمل مفهوم الشّرط بل الأعمّ من الجميع أيضا اللهم الآن يثبت قولهم باعتبار مفهوم الشّرط من الخارج ولما ذكرنا من عدم دلالة كلامهم على إرادة خصوص مفهوم اللقب أو الوصف إلى المصنف رحمه‌الله بكلمة لعلّ (قوله) ففيه أنّ مفهوم الشّرط إلخ أصل هذا الاعتراض كما قيل من المحقّق الكاظمي قدس سرّه وتوضيحه أنّ المقرّر عند أهل هذه الصّناعة في أخذ المفاهيم هو إبقاء الشّرط والجزاء على ما هما عليه من الموضوع والمحمول والقيود المأخوذة فيهما والضّمائر العائدة إليهما بحالهما إلاّ في مجرّد النّفي والإثبات بأن تجعل الموجبة سالبة وبالعكس ومقتضاه كون المفهوم في الآية هو قولنا إن لم يجئكم فاسق بخبر فلا يجب التبيّن عن خبر الفاسق لكون متعلق التبيّن في المنطوق محذوفا فلا بدّ أن يراعى ذلك في المفهوم أيضا ولا ربط لذلك بحجيّة خبر العادل بوجه من وجوه الدّلالات كما أنّ قولك إن جاءك زيد فأكرمه لا يدلّ بمفهومه على عدم وجوب إكرام عمرو مثلا عند مجيئه أصلا فإن قلت يلزم علمه أن يكون الاشتراط لغو الوضوح عدم وجوب التبيّن عن خبر الفاسق عند عدم مجيئه بالخبر بل هو غير ممكن حينئذ لانتفاء موضوعه فيلغو نفي الوجوب حينئذ لا محالة قلت ليس مقصودنا كون ما ذكرنا مفهوما للقضيّة الشّرطيّة ومرادا للشّارع حتّى يلزم عراءه عن الفائدة بل المقصود عدم وجود مفهوم لمثل هذا الكلام وفائدة الشّرط مجرّد بيان موضوع الحكم المذكور في الجزاء كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله وذلك بأن كان المقصود بيان كون موضوع وجوب التّبيّن هو خبر الفاسق وهذا غير عزيز في الاستعمالات العرفيّة والشّرعيّة مثل قولك إن آخيت

١٤٢

أحدا فراع حقّه وقوله تعالى (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) وهكذا غيرهما ممّا أشار إليه المصنف رحمه‌الله وهذا الاستعمال ليس مجازا إلاّ على القول يكون التقيد بالمفهوم مأخوذا في مفهوم اللّفظ بحسب الوضع بأن كان التقيّد داخلا والقيد خارجا كما قرّر في محلّه (قوله) وممّا ذكرنا يظهر فساد ما يقال إلخ توضيح المقام أنّ صاحب المعالم قال في تقريب الاستدلال أنّه سبحانه علق وجوب التثبت على مجيء الفاسق فينتفي عند انتفائه عملا بمفهوم الشّرط وإذا لم يجب التثبّت عند مجيء غير الفاسق فأمّا يجب القبول وهو المطلوب أو الردّ وهو باطل لأنّه يقتضي كونه أسوأ حالا من الفاسق وفساده بيّن انتهى وقال الفاضل الصّالح عند شرح قوله فينتفي عند انتفائه أي فينتفي وجوب التّثبت عند مجيء غير الفاسق عملا بمفهوم الشّرط سواء لم يكن هناك جاء أو كان وكان عادلا انتهى وحيث كان هذا الاستدلال ضعيفا لأن المفهوم عدم مجيء الفاسق بالخبر بأن كان هنا فاسق ولم يجئ بالخبر كما هو مقتضى أخذ السّالبة منتفية المحمول فلا يشمل صورة مجيء العادل بالخبر فوجّهه المحقّق القمي رحمه‌الله مع الاعتراض على أصل الاستدلال فقال والوجه عندي أنّه ليس من باب مفهوم الشّرط لأنّ غاية ما يمكن توجيهه على ذلك أن يكون المعنى إن جاءكم خبر الفاسق فتبينوا ومفهومه إن لم يجئكم خبر الفاسق فلا يجب التبيّن سواء لم يجئكم خبر أصلا أو جاءكم خبر عدل فالمطلوب داخل في المفهوم وإن لم يكن يكن هو هو ثم أورد عليه أولا بأنّ ظاهر الآية إن جاءكم الفاسق بالخبر ومفهومه إن لم يجئ الفاسق بالخبر لا إن لم يجئ خبر الفاسق وثانيا بأنّ المراد بالتبيّن والتّثبت طلب ظهور حال خبر الفاسق والثّبات والقرار حتّى يظهر حال خبر الفاسق فكأنّه قال تبينوا خبر الفاسق فالمفهوم يقتضي عدم وجوب تبيّن حال خبر الفاسق لا خبر العادل للزوم وحدة الموضوع والمحمول في المفهوم والمنطوق في الشّرط والجزاء نعم لمّا كان مقدم المفهوم إن لم يجئكم خبر الفاسق بحيث يشمل عدم خبر أصلا أو مجيء خبر عادل وتاليه لا يجب تبيّن خبر الفاسق بحيث يشمل ما لو لم يكن هناك خبر أصلا أو كان ولكن كان خبر العادل فيندرج فيه خبر العادل ولكن لا يدلّ على عدم وجوب تنبيه مع أنّ ذلك خروج عن حقائق الكلام وترك للعرف والعادة بمجرّد احتمال كون السّالبة منتفية الموضوع ولا ريب أنّه مجاز لا يصار إليه وقسمة المنطقيين السّالبة إلى الموجود الموضوع والمنتفى الموضوع لا توجب كونه معنى حقيقيّا لها أو عرفيّا والكتاب والسّنّة أنّما وردا على مصطلح أهل اللّغة والعرف لا مصطلح أهل الميزان انتهى (قوله) ولكن لا يدلّ على عدم وجوب تنبيه إلخ يعني أنّ المقدم أعني عدم مجيء خبر الفاسق وإن كان أعم من عدم مجيء خبر أصلا ومن مجيء خبر العادل وكذلك التّالي أعني عدم وجوب التبيّن عن خبر الفاسق شاملا لما لم يكن هنا خبر أصلا أو كان ولكن كان خبر العادل إلا أنّ ذلك لا يثبت عدم وجوب التبيّن عن خبر العادل كما هو مراد المستدلّ بمفهوم الشّرط إذ حكم التبيّن إيجابا وسلبا في المنطوق والمفهوم لم يقع إلا على خبر الفاسق إذ الآية على تقدير عموم المقدّم والتّالي كما عرفت في قوّة أن يقال إن جاءكم خبر الفاسق يجب التبيّن عن خبر الفاسق وإن لم يجئكم خبر الفاسق لا يجب التبيّن عن خبر الفاسق فالحكم بوجوب التّبين في المنطوق وبعدمه في المفهوم متعلّق بخبر الفاسق فخبر العادل مسكوت عنه من هذه الجهة وإن كان عدم مجيء خبر الفاسق وكذلك عدم وجوب التبيّن عن خبره شاملا لصورة عدم مجيء خبر أصلا ولصورة مجيء خبر العادل (قوله) مع أن ذلك إلخ هذا اعتراض آخر على المستدل بالمفهوم بكونه خروجا من حقائق الكلام وتركا للعرف والعادة بمجرّد احتمال كون السّالبة باعتبار انتفاء موضوعه وذلك لأن الاستدلال بمفهوم قوله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) أعني قولنا إن لم يجئكم فاسق بنبإ لا يجب التّبيّن عنه أنّما هو بتقريب أنّ عدم مجيء الفاسق كما يتحقّق باعتبار انتفاء المحمول وبقاء موضوعه بأن يتحقق هنا فاسق ولم يجئ بخبر كذلك يتحقق بانتفاء الموضوع بأن يتحقق هنا خبر من دون وجود فاسق بأن كان الجائي بالخبر عادلا إذ يصدق حينئذ أيضا أنّ الفاسق لم يجئ بالخبر وعلى هذا التقدير تدلّ الآية بحسب مفهومها على عدم وجوب التّبيّن عن خبر العادل فالاستدلال بمفهومها أنّما يتم على تقدير أخذ السّالبة في طرف المفهوم باعتبار سلب الموضوع دون المحمول ووجه الاعتراض حينئذ واضح وإذا عرفت هذا فاعلم أنّ المصنف رحمه‌الله قد أشار إلى أنّك بعد ما عرفت من عدم تحقّق المفهوم للقضية وكون الشّرط وارد البيان حال الموضوع كما أوضحناه في الحاشية السّابقة ظهر لك فساد كلّ من تقريب الاستدلال كما عرفته من محشى المعالم والاعتراض عليه بعد توجيهه بكون أخذ السّالبة باعتبار سلب موضوعها مجازا كما عرفته من المحقق القمي رحمه‌الله أمّا الأوّل فإنا قد أشرنا في الحاشية السّابقة أنّ المعتبر في أخذ المفهوم هو إبقاء القضيّة في طرف المفهوم على ما هي كانت عليه في طرف المنطوق إلاّ في الإيجاب والسّلب بأن اتحدا في الموضوع والمحمول وجميع القيود المذكورة وغيرها إلاّ في الإثبات والنّفي فالقضيّة إن كانت موجبة فمفهومها يفيد سلب الحكم عن الموضوع المذكور فيها مع بقائها على جميع القيود المذكورة فيها وبالعكس في صورة العكس فالمفهوم في الآية هو عدم وجوب التّبيّن عن خبر الفاسق عند عدم مجيء الفاسق به لا عن خبر العادل حتّى تقيّد حجيّته وأمّا الثّاني فلمّا عرفت من أنّ المفهوم في القضيّة الموجبة هو سلب الحكم عن الموضوع المذكور فيها مع بقاء جميع القيود المذكورة فيها على حالها في طرف المفهوم فنقول إنّ الحكم في الآية هو وجوب التّبين وموضوعه خبر الفاسق والشّرط مجيء الفاسق به فالتّعليق بالشّرط يفيد نفي وجوب التّبيّن عن خبر الفاسق عند عدم مجيء الفاسق به فالسّلب في طرف المفهوم ليس قابلا لغير السّالبة بانتفاء الموضوع إذ اعتبار وجود الموضوع باعتبار مجيء العادل بالخبر نظرا إلى صدق عدم

١٤٣

مجيء الفاسق به مع مجيء العادل به خروج من قانون أخذ المفهوم لأنّ متعلّق وجوب التبيّن في طرف المنطوق هو خبر الفاسق دون العادل حتّى يفيد المفهوم عدم وجوب التبيّن عن خبره فالمفهوم ليس قابلا إلاّ للسّلب باعتبار انتفاء الموضوع فليس مردّدا بينه وبين السّلب باعتبار انتفاء المحمول حتّى يحمل على الثّاني بدعوى كون الأوّل مجازا ثمّ إنّ في كلام المحقّق القمي مواقع للنّظر لا بأس بالإشارة إليها أحدها أنّ عدوله في التّوجيه عن كون المفهوم قولنا إن لم يجئ فاسق بخبر إلى قولنا إن لم يجئ خبر الفاسق عار عن الفائدة إذ كما أن عدم مجيء خبر الفاسق أعمّ من عدم تحقّق خبر أصلا ومن تحقّق خبر وكان خبر العادل كذلك عدم مجيء الفاسق بخبر أعمّ منهما إذ مع عدم تحقق خبر أصلا كما يصدق أنّ الفاسق لم يجئ بخبر كذلك مع مجيء العادل به وثانيها أنّ الظّاهر من قوله أنّ المطلوب داخل في المفهوم وإن لم يكن هو هو إنّ عدم مجيء خبر الفاسق كلي له فردان أحدهما عدم مجيء خبر أصلا والآخر مجيء خبر العادل وهو ضعيف في الغاية لوضوح عدم كون الثّاني فردا للكلي المذكور لعدم المناسبة والعلقة بينهما كما أنّ إعطاء زيد ليس فردا لعدم ضربه وإن صحّ سلبه عنه وثالثها أنّ ما ذكره من حمل السّالبة على كونها باعتبار انتفاء الموضوع يعطي تسليمه تأتي احتمال ذلك في المقام سيّما بملاحظة جوابه بكونها مجازا وهو بعيد من مثله إذ القضايا الإيجابيّة والسّلبيّة والحقيقة والمجاز أنّما تستعمل في الألفاظ والمفاهيم من قبيل اللبيّات لكونها من لوازم التعليق بالشّرط مثلا في المنطوق فالأولى ما ذكره المصنف رحمه‌الله من منع وجود المفهوم للشرط المذكور في الآية لا تسليمه ودعوى كونه من قبيل السّلب باعتبار انتفاء الموضوع فضلا دعوى عن كون ذلك مجازا وقد ظهر أنّ الآية باعتبار مفهومها الشّرطي لا تنهض لإثبات حجيّة خبر العادل نعم لو كانت الآية هكذا نزلت إن كان المنبئ فاسقا فتبيّنوا دلّت باعتبار مفهوم الشّرط على حجيّة خبر العادل ودعوى أنّ الآية مسوقة لبيان حال المنبئ وأنّ الأمر بالتبيّن أنّما هو لفسق المنبئ فهي في قوّة أن يقال إنّ المنبئ إن كان فاسقا يجب التبيّن عن خبره فهو يدل على حجيّة خبر العدل مندفعة بأنّ إمكان تحويل صورة قضيّة إلى أخرى لا يوجب كون مفاد الأولى مفاد الثّانية إذ المعتبر ما يستفاد من القضيّة على النّحو الّذي اشتملت عليه وقد عرفت أنّ الآية على كيفيّتها الخاصّة لا تفيد حجيّة خبر العادل والله العالم (قوله) بحسب الدّلالة العرفية أو العقليّة إلخ في الترديد إشارة إلى الخلاف في كون دلالة الكلام على المفهوم المخالف بحسب الوضع بأن كان الكلام المقيّد بالشّرط أو غيره موضوعا للدّلالة على الانتفاء بأن كان التقيّد داخلا في الموضوع له والقيد خارجا منه لئلاّ يكون الدّلالة على المفهوم بحسب المنطوق أو بحسب العقل ويرشد إلى الأوّل تمسّكهم في إثبات المفهوم بفهم العرف وإلى الثّاني تمسّكهم في إثباته بأنّه لو لا إرادة المفهوم كان التقييد لغوا(قوله) والتّرجيح مع ظهور إلخ لأن المنطوق أقوى من المفهوم (قوله) وإن كان عموما من وجه إلخ لأنّ العلّة تقتضي عدم حجيّة خبر الواحد الظني مطلقا سواء كان المخبر فاسقا أم عادلا والمفهوم يقتضي حجيّة خبر العادل مطلقا سواء أفاد العلم أم لا فيتعارضان في خبر العادل الظنّي (قوله) خارج عن المنطوق إلخ بقرينة الأمر بالتّبين في المنطوق والخبر العلمي مبيّن في نفسه فلا يحتاج إلى التبيّن عنه بل لا معنى له فيه (قوله) إلا أنا ندعي التّعارض إلخ لا يخفى أنّ دعوى أظهرية العلّة في العموم من ظهور الجملة الشّرطيّة في إرادة المفهوم في خصوص المقام بعيدة عن الإنصاف لأن الحكم إذا قيّد بقيد وهو الشّرط هنا ثمّ علّل بشيء فالمتبادر منه كون العلّة علّة لخصوص الحكم المقيّد فالمتبادر من الآية أنّ قوله تعالى (أَنْ تُصِيبُوا) علّة لوجوب التبيّن عن خبر الفاسق بشرط مجيء الفاسق به دون العادل لا عن مطلق خبر الفاسق فكأنّه تعالى قال يجب التبيّن عن خبر الفاسق بشرط مجيء الفاسق به لعلّة كذا وحينئذ فدعوى أظهريّة العلّة في الدّلالة على العموم من الجملة الشرطيّة على المفهوم غير معلومة سيّما مع تأيّد الجملة الشّرطيّة في إرادة المفهوم هنا بمقابلة الفسق للعدالة ومناسبة التبيّن للفسق حيث لا رادع للفاسق عن تعمّد الكذب بخلاف العادل نعم لو خلي الكلام عن الشّرط بأن قال يجب التبيّن عن خبر الفاسق مخافة الإصابة بناء على

عدم اعتبار مفهوم الوصف تعدّت العلّة إلى غير موردها أيضا وهو خبر العادل كما ذكره من مثال لا تأكل الرّمّان لأنّه حامض وكذا لو كان الشّرط والعلّة منفصلين مع تأمل فيه فإن قلت إن ما ذكرته من الأظهريّة خلاف المتفاهم عرفا كما ذكره المصنف رحمه‌الله من مثال وصف الدّواء الّذي صرّح بكون ما نحن فيه من قبيله قلت أولا إنّك مع ما عرفت من المؤيّدات الخارجة أنّ الغرض في الأمثلة العرفيّة معلوم غالبا إذ من الواضح أن قول القائل إذا وصفت امرأة لك دواء فلا تشربه إنّما هو لأجل عدم الائتمان بقول المرأة لا لأجل خصوصيّة للمرأة في هذا الحكم والتّعليل لزيادة التوضيح فإن قلت إنّ ما نحن فيه أيضا كذلك لأنّ المنساق من الآية مع قطع النّظر عن العلّة أنّ الغرض من الأمر بالتبيّن عن خبر الفاسق أيضا مجرّد احتمال تعمّده للكذب والتّعليل لمجرّد التّوضيح قلت إنا نمنع ذلك لاحتمال كون الغرض منه مع قطع النّظر عن العلّة هو عدم الائتمان بخبر الفاسق لعدم الرادع له عن تعمد الكذب وهذا الغرض منتف في خبر العادل وثانيا أنّ النّسبة بين عموم المفهوم والعلّة في المثال عموم من وجه ونحن لا نضايق عن كون عموم العلّة أظهر من عموم المفهوم فيخصّص به والمقصود في المقام كون دلالة العلّة على العموم أظهر من ظهور الجملة الشّرطيّة في أصل إرادة المفهوم ولا ريب أنّ التّخصيص للمفهوم أهون من رفع اليد عن أصل المفهوم ومن هنا يظهر وجه النّظر في قوله وما نحن فيه من هذا القبيل اللهمّ الآن يقال إنّ الدّواء الموصوف المأمون عن ضرره خارج من المثال منطوقا ومفهوما كما أنّ الخبر العلمي خارج من الآية كذلك ولا يخلو عن نظر لأنّ الأمر بالتبيّن

١٤٤

عن الخبر العلمي مع قطع النّظر عن العلّة أمر بتحصيل الحاصل بخلاف المثال فتدبّر ثمّ إنّه قد يمنع عموم العلّة في المقام لاحتمال كونها حكمة للحكم فلا يجب اطرادها وفيه ما لا يخفى أمّا أولا فإنّ قوله (أَنْ تُصِيبُوا) الآية قد حذف فيه المصدر المعلّل به الحكم مثل مخافة أو كراهة أو ما يؤدّي موداهما وهو كالصّريح في العلّية فلا يعدل عنه إلاّ بدليل وأمّا ثانيا فإنّ معنى عدم اطراد الحكمة هو جواز تحقّق الحكم بدونها في بعض الموارد لا تحقّقها بدونه كذلك وحيث وجدت الحكمة في خبر العادل فلا بد من ثبوت الحكم فيه أيضا(قوله) بالمخصّص المنفصل إلخ لأنّه مع اتصال الكلام لا يحصل له ظهور إلاّ بعد الانتهاء إلى آخره كما صرّح به صاحب المعالم في غير المقام وإن أورد عليه المحقّق القمي ره في محلّه بما لا يخفى فإذا اتّصلت العلّة بالجملة الشّرطيّة فلا ظهور للتّعليق بالشّرط في إرادة المفهوم ما دام المتكلّم متشاغلا بالكلام وإذا حصل الفراغ عنه فعموم العلّة يمنع ظهوره فيها بخلاف ما لو انفصلت العلّة لحصول الظّهور في إرادة المفهوم للتّعليق بالشّرط بالفراغ عن القضيّة المشروطة فإذا علل الحكم المشروط في كلام آخر بعلّة عامّة لحكم المنطوق والمفهوم يتعارض ظهور التّعليق بالشّرط في إرادة المفهوم وظهور العلّة في إرادة العموم فيخصّص به عمومها لفرض كون المفهوم أخصّ منها(قوله) متعناه في العلّة إلخ يعني أنّ جواز تخصيص العام بمفهوم المخالفة أنّما هو لرجحان الخاص بالنوع وإن كان مفهوما وأظهريته من العام كذلك وإن كان منطوقا وإلاّ فقد يقدّم العام على الخاص ويرتكب التّأويل فيه دونه لرجحان خارجي في خصوص المقامات ولذا قيل ربّ عام يقدم على الخاص وما نحن فيه من هذا القبيل لخصوصيّته في التّعليل أوجبت أظهريّة عمومه بالنّسبة إلى ما يخالفه من مفهوم الشّرط سيّما مع ملاحظة كونه مفهوما(قوله) لنكتة خاصّة إلخ كشدة ضعف عقولهنّ (قوله) فلعلّ النّكتة فيه التّنبيه إلخ قيل نزلت الآية في وليد بن عقبة (عتبة) ابن أبي معط حيث بعثه النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى بني المصطلق متوليا لأمر الصّدقات فلما أبصروه ركبوا إليه مستقبلين له فظنهم مقاتلين له فعاد إلى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبره بأنّهم قد ارتدوا وأرادوا قتله فأجمع النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على غزوهم وقتلهم فنزلت الآية(قوله) وهذا وإن كان يدفع الإيراد إلخ يعني تعارضا عموم المفهوم وعموم العلّة ووجه الدّفع أنّه إذا كان المراد بالتبيّن تحصيل الظّهور العرفي والاطمئنان كان المراد بالجهالة في العلّة مقابل ذلك وإذا فرض عدم إفادة خبر الفاسق له وإفادة خبر العادل له فلا تشمل العلّة خبر العادل لا محالة وفيه نظر لأنّه إن أراد بالفرق الّذي ذكره أنّ خبر الفاسق لما كان غير مفيد لاطمئنان غالبا وخبر العادل مفيدا له كذلك أمر الله تعالى بالتبيّن والتّثبت عن خبر الفاسق غير المفيد للاطمئنان دون خبر العادل المفيد له بأن كان المراد بخبر الفاسق في المنطوق خصوص ما لا يفيد الاطمئنان وبخبر العادل في طرف المفهوم هو خصوص ما يفيده حتّى يكون خبر العادل غير المفيد له مشاركا لخبر الفاسق في وجوب التبيّن عنه يرد عليه أنّه مخالف لظاهر الآية المفصّلة بين الفاسق والعادل لأنّ التّفصيل قاطع للشركة وإن أراد به أن خبر الفاسق لما كان غير مفيد للاطمئنان غالبا وخبر العادل مفيدا له كذلك حكم الله تعالى بعدم وجوب التبيّن عن خبر العادل مطلقا بأن كان ذلك حكمة في الحكم بعدم وجوب التبيّن عن خبر العادل لا علّة له يرد عليه منع اندفاع الإيراد المذكور حينئذ لبقاء التّعارض حينئذ بين عموم العلّة وعموم المفهوم بالنّسبة إلى الفرد النّادر نعم لو كان خبر العادل مفيدا للاطمئنان مطلقا وخبر الفاسق غير مفيد له أصلا كما هو ظاهر كلامه أخيرا اتجه ما ذكره وقد يقال في تقريب ذلك إنّ المراد بالفاسق في الآية من خرج من طاعة الله تعالى ولو بالصّغائر كما هو معناه لغة فيكون المراد بالعادل بقرينة المقابلة في طرف المفهوم من لم يخرج من طاعة الله سبحانه ولو بصغيرة أصلا ولا ريب في إفادة خبر مثله للوثوق بل وكذلك من تاب بعد الفسق بلا فصل إن قلنا بشمول العدالة في المقام له وأمّا خبر الفاسق فهو وإن فرض إفادته للاطمئنان والوثوق أحيانا إلا أنّه اطمئنان في بادئ النّظر ويزول بالالتفات إلى فسقه وعدم مبالاته المعصية وإن كان متحرزا عن الكذب كما صرّح به المصنف رحمه‌الله أخيرا ولكنّك خبير بأنّه على هذا الوجه يلغو قيد الغلبة في إفادة خبر العادل للاطمئنان مع أنّ دعوى إفادته للاطمئنان مطلقا لا تخلو عن تمحّل كيف وقد تعارضه أمارات ظنية غير معتبرة أو معلوم عدم اعتبارها كما في رواية أبان في قطع أصابع المرأة وكذا دعوى زوال الاطمئنان الحاصل من خبر الفاسق في بعض المقامات مطلقا بالالتفات إلى فسقه وإن كان متحرزا عن الكذب لا تخلو عن تحكّم سيّما مثل حسن بن علي بن فضال الفطحي الذي ذكروا فيه ما ذكروه (قوله) ثمّ إنّ المحكي عن بعض إلخ الظّاهر أنّه ذكره في دفع معارضة عموم المفهوم وعموم العلّة على تقدير كون المراد بالتبيّن هو التبيّن العلمي ووجه الدّفع على ما ذكره واضح لأنّ العمل بخبر الفاسق من دون تبيّن من أفعال السّفهاء عند العقلاء بخلاف العمل بخبر العادل وإن لم يفد العلم وحاصل ما أورد عليه المصنف رحمه‌الله إن أخذ الجهالة بمعنى السّفاهة مضافا إلى مخالفته لظاهرها ينافيه الأمر بالتبيّن عن خبر الفاسق مطلقا وإن أفاد الوثوق لعدم كون العمل بالخبر المفيد للوثوق سفها وإن كان المخبر فاسقا كما أن العمل بخبر الوليد في مورد الآية لم يكن كذلك لأن جماعة من العقلاء لا يقدمون على الأمور من دون وثوق بخبر المخبر بها ولكن الاستناد في ذلك إلى مورد الآية لا يخلو عن شيء لاحتمال كون عمل العاملين بخبر الوليد لأجل ظنّهم بعدالته قبل نزول الآية ولذا ولاّه النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمر الصّدقات بل عمل بخبره حين أخبر بارتداد بني المصطلق فلذا أجمع على غزوهم وقتلهم فنزلت الآية تنبيها على فسقه في الواقع وأنّه لا ينبغي الائتمان على خبره قبل التبيّن عنه (قوله) فالأولى لمن يريد التّفصي إلخ توضيح المقام أنّ المراد من التبيّن هو تحصيل الوثوق والاطمئنان الذي يسمّى بالعلم العرفي لاستناد أهل العرف

١٤٥

واعتمادهم عليه في أمورهم وبالجهالة هي الجهالة العرفيّة الّتي هي مقابل الوثوق الشّامل للشّك والظنّ وفي الآية إرشاد إلى طريقة العقلاء لعدم أقدامهم في أمورهم إلاّ على ما يحصل معه الوثوق وسكون النّفس فالمقصود من الآية هو الأمر بالفحص عن خبر الفاسق إذا جاء به وتحصيل الوثوق بصدوره تحرزا عن الوقوع في النّدم بسبب العمل بخبره من دون وثوق بصدقه والآية حينئذ تدل بمنطوقها من حيث الأمر بالتّبين والتّعليل بمخافة الإصابة بالجهالة على كون المناط في العمل بالأخبار حصول الوثوق بصدق المخبر سواء كان عادلا أم فاسقا والتّفصيل بين العادل والفاسق حينئذ إنّما هو من جهة كون خبر العادل الواقعي مفيدا للوثوق غالبا دون الفاسق وإلاّ فالمفهوم ليس بمقصود على ما ذكرنا من كون مناط العمل حصول الوثوق بصدق المخبر مطلقا ولا ريب أن استعمال التبيّن في معنى الوثوق والجهالة فيما يقابله أمر شائع في العرف ولا تأبى عن الحمل عليه ألفاظ الكتاب ويؤيّده أنّه قد وقع الإجماع كما سيجيء على حجيّة خبر الفاسق الموثوق بالصّدور الّذي يسمّى صحيحا عند القدماء فإن قلنا بكون المراد بالتبيّن هو العلم والجزم وبالجهالة ما يقابله يلزم تخصيص منطوق الآية بالإجماع المذكور وإن قلنا بكون المراد به ما يشمل الوثوق وبالجهالة ما يقابله كان خبر الفاسق الموثوق بالصّدور خارجا من منطوقها موضوعا لكون عدم وجوب التبيّن عنه لأجل كونه متبيّنا لأجل الوثوق بصدوره فمع الشّك ودوران الأمر بين الأمرين كان الثّاني راجحا لما تقرّر في محلّه من كون احتمال التّخصّص مقدّما على احتمال التّخصيص عند دوران الأمر بينهما نعم يمكن أن يقال إنّ الأمر في المقام دائر بين التّخصيص والمجاز لا بين التّخصيص والتّخصص لأنّ إن بقي لفظا التبيّن والجهالة على ظاهرهما من إرادة طلب تحصيل العلم وما يقابله كما هما معناهما لغة يلزم التّخصيص كما عرفت وإن أريد بهما الوثوق وما يقابله فهو مجاز وإن استعقب كون خروج الخبر الموثوق بالصّدور من منطوق الآية بحسب الموضوع كما عرفت فالأمر دائر بين التّخصيص والمجاز المستعقب للتّخصص والتّخصيص أولى من المجاز اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ قولهم بذلك أنّما هو بحسب النّوع والأقرب مجاز يقدم على التّخصيص لأجل خصوصيّة المقام كما أنّهم أطلقوا تقديم الخاص على العام مع اشتهار أنه رب عام يقدم على الخاص وحينئذ يقال بأولوية هذا المجاز نظرا إلى شيوع استعمال التبيّن فيما يشمل الوثوق وعدم تسميتهم له بالجهالة في العرف ثم إن لازم هذه الطّريقة هو التفصيل في أقسام الخبر بينما يفيد الوثوق وما لا يفيده لا القول باعتبار خصوص الصّحيح والموثق فيعتبر من أقسام الصّحاح الصّحيح الأعلى لإفادته الوثوق إلا فيما منع منها بعض الموانع الخارجة وكذا من الصّحيح المشهوري ما أفاد الوثوق ولو بمعونة القرائن الخارجة ومن قسم الحسن ما كان مدح رواته في أعلى مراتبه مثل كون الرّاوي من مشايخ الإجازة ومثل ما قيل في علي بن إبراهيم بن هاشم من أنه أوّل من نشر أخبار الكوفيين بقم مع ما هو المعروف من أهل قم من إخراجهم منها من يروي عن الضعفاء ومن قسم الموثّق ما كان رواة سنده مع وثاقتهم ممدوحين بما يفيد الوثوق بصدقهم مثل ما حكي من أنّ علي بن الحسن بن علي بن فضال مع كونه فطحيا لم يرو عن أبيه شيئا قال وكنت أقابله بكتبه وسنّي ثماني عشرة سنة ولا أفهم إذ ذلك ولا أستحل أن أرويها عنه وعن النجاشي أنه لم يعثر له على زلة في الحديث ولا ما يشينه وقلما يروي عن ضعيف وقد شهد له بالثقة الشيخ والنجاشي ومن قسم الضعيف ما كان منجبرا بالشّهرة وقد نقل بعض مشايخنا عن المصنف رحمه‌الله أنّه قال إلى ما ذكرنا ينظر ما صنعه العلاّمة في الخلاصة من تقسيمه كتابه إلى قسمين وذكر من نقبل روايته في القسم الأوّل ومن ترد روايته في القسم الثّاني وأنّه ذكر علي بن الحسن بن علي بن فضال في القسم الأوّل والحسن بن علي بن فضال في القسم الثّاني مع كونه أيضا ثقة في مذهبه وأنت خبير بأنّ العلاّمة إنّما ذكرهما في القسم الأوّل فلاحظ فإن قلت إنّ العاملين بخبر الوليد كانوا جماعة من العقلاء فلو صح ما ذكرت من تنزيل الآية على طريقة العقلاء من عدم عملهم إلاّ بما يفيد الوثوق والاطمئنان كانت الآية حينئذ صريحة في خلاف ما ادعيت من انسياقها لبيان حجيّة الخبر الموثوق بالصّدور وذلك لأنّك قد عرفت أنّ جماعة من العقلاء قد عملوا بخبر الوليد واعترفت أيضا بعدم عملهم إلاّ بما يفيد الوثوق والفرض أنّ الآية قد نزلت في ردعهم عمّا ارتكبوه فتكون صريحة في نفي جواز العمل بما يفيد الوثوق قلت إنّ الوليد لعلّه كان عدلا عندهم في الظّاهر كما يقتضيه تولّيه لأمر الصّدقات من قبل النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد حصل لهم الوثوق من خبره إلاّ أنّ الله تعالى قد كشف الحجاب عن سرّه المحجوب عنهم ونبّه على فسقه بالأمر بالتبيّن عن خبره أو يقال إنه قد حصل لهم الوثوق الابتدائي من خبره لأجل عدالته الظّاهرة فزعموه وثوقا تامّا فجروا على مقتضاه إلاّ أنّ الله سبحانه نبههم على تحصيل الوثوق المستقر بالأمر بالتبيّن عن خبره وكونه فاسقا في الواقع وهذا غاية توجيه المقام وتحريره وهو بعد لا يخلو عن نظر بل منع إذ يرد عليه مضافا إلى ما أسلفناه في الحاشية السّابقة أوّلا أنه خلاف ظاهر التبيّن لأنّه حقيقة في طلب البيان العلمي فلا يعدل عنه إلاّ بقرينة ومجرّد شيوع إطلاقه على ما يشمل الوثوق لا يصلح قرينة عليه مضافا إلى مخالفة ما تقدّم لظاهر لفظ الجهالة أيضا لأنّها مخالفة خلاف العلم وثانيا أنّ الوثوق غير معتبر في مورد الآية لعدم الاعتداد به في الموضوعات خصوصا في الارتداد إذ لا أقلّ فيه من عدلين ثمّ لا يذهب عليك أن منعنا من دلالة الآية على اعتبار الخبر الموثوق بالصّدور لا ينافي قولنا به من جهة الإجماع أو غيره (قوله) وأمّا ما أورد على الآية بما هو قابل للذب إلخ لا يخفى أنّ المصنف رحمه‌الله قد أشار إلى جملة منها ولنشر إلى أخرى منها ما أورده المحقّق الكاظمي رحمه‌الله في شرح الوافية قال والتحقيق

١٤٦

أن دلالة الشّرط على العموم وإرادته منه توهن أمر الدّلالة على المفهوم وذلك أنّ الدّليل على إرادة المفهوم أنّما هو لزوم إلغاء الشّرطيّة أولا ومع إرادة العموم يكون الغرض إفادته فلا تلغو فإن شئت فانظر إلى نحو متى تأته تجده مشغولا ومتى تأته تعشوا إلى ضوء ناره وأينما جلس أحاط به النّاس ومتى تذهب أذهب معك فإنّك تجد أن المفهوم في مثله غير ملحوظ كما لا يلاحظ في مثل إذا أخبرك زيد بخبر فلا تصدقه والتّبادر أعدل شاهد والسّر أنّه أنّما يصار إلى المفهوم إذا توقف تمام الفائدة على إرادته كما في أعطه إن كان عادلا والآية الشّريفة ليس من هذا القبيل إذ الغرض التبيّن عند كلّ نبإ فاسق نعم لو قيل تبيّنوا عند مجيء النبإ إن كان المنبئ فاسقا لدل وإلا لغى الاشتراط ثمّ لا يحتاج بعد ذلك إلى عموم الاشتراط انتهى وقد عزى إليه في الفقه أيضا إنكار المفهوم في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن كان الماء قدر كرّ لا ينجسه شيء لما ذكره هنا والجواب أن أداة الشّرط منها ما يفيد العموم مثل متى ومهما ونحوهما ومنها ما يقيد مجرّد التّعليق على وجه الإهمال مثل أن وإذا وما ذكره من عدم ملاحظة المفهوم أنّما يتمّ في القسم الأوّل كما تشهد به أكثر الأمثلة الّتي ذكرها والآية من قبيل الثّاني ومال الجواب إلى منع الصغرى أعني كون الآية منساقة لبيان العموم ومنها أن المفهوم رفع للمنطوق فيكون نقيضا منطقيا له وإذا كان المنطوق وجوب التبيّن عن خبر الفاسق على الوجه الكلّي فيكفي في رفعه السّلب الجزئي فلا يدلّ المفهوم إلا على عدم وجوب التبيّن عن خبر العادل في الجملة فيكفي في صدق المفهوم حجيّة قول العدل في الجملة مثل إخباره عن استبراء الأمة المبيعة فلا تثبت به حجيّة خبره مطلقا والجواب مع منع كون المفهوم نقيضا منطقيا للمنطوق لما تقرّر في محلّه من اشتراط اتحادهما فيما عدا الإيجاب والسّلب وعلى ما ذكر يلزم اختلافهما في الكم أيضا أنّ ما ذكر أنّما يتم لو اشتمل المقدّم أو التالي أو كلاهما على أداة العموم إذ لا بد من اختلافهما في الكيف فإذا كان المنطوق موجبة تكفي في رفعها السّالبة الجزئية وإذا كان سالبة تكفي في رفعها الموجبة الجزئيّة وما نحن فيه ليس كذلك لأنّ التّعليق فيه بلفظ أن وهو لا يفيد التّعليق إلاّ على وجه الإهمال كما أشرنا إليه والمفهوم في مثله لا بدّ أن يكون برفع الحكم عن غير محلّ الشّرط على وجه الإهمال وهو عدم وجوب التبيّن عن خبر العادل غاية الأمر أن يفيد كلّ من العادل والفاسق في طرفي المنطوق والمفهوم العموم بدليل الحكمة ولا ربط له بما نحن فيه ومنها أنّ مفهوم الشّرط أنما يعتبر حيث لم يرد الشرط مورد الغالب مثل قوله تعالى (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) وقوله سبحانه (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ) ولا ريب في كون أكثر المخبرين فساقا سيّما عند نزول الآية لكون أكثر النّاس يومئذ منافقين أو فسّاقا فتعليق وجوب التبيّن على كون المخبر فاسقا لا يفيد عدم وجوب التبيّن إذا كان الجائي به عادلا قضية لورود الشّرط مورد الغالب والجواب أنّ الفارق بينما نحن فيه والآيتين هو العرف ولا ريب أنّ أهل العرف يفهمون المفهوم منه دونهما ولعلّ السّر فيه أنّ ورود الشّرط مورد الغالب أنّما يصدم في انفهمام المفهوم من الشرط إذا كان المخاطبون ملتفتين إلى هذه الغلبة ولا ريب في عدم التفاتهم إليها في مثل قولنا إن جاء فاسق بخبر فتفحصّ عن صدقه وكذبه وهو واضح ومنها أنّ الاستدلال بالآية أنّما يتم إنّ أفادت العلم وإلاّ فلا يمكن إلزام الأخباريين المنكرين لظواهر الكتاب بها ولا أقل من العلم باعتبارها ليمكن الإلزام بها لمن قال باعتبار الظواهر من باب الظنّ المطلق دون الخاص كالمحقق القمي لا يقال إنّ الآية مفيدة للظن وظنّ المجتهد حجّة إجماعا فتثبت حجّيتها بالخصوص لأنا نقول إنّ الإجماع على حجيّة ظنّ المجتهد أنّما هو بعد الفراغ عن قيام دليل علمي على حجيّة ظواهر الكتاب وكذا السّنّة مطلقا من باب الظنّ الخاصّ أو المطلق والفرض أنّ الخصم ينكر حجّيتها بالخصوص مع أنّ الاستدلال بها أنّما هو في مقابل السّيّد وهو ينكر حجيّة المفاهيم رأسا حتّى مفهوم الغاية الّذي هو أقواها ولعل غيره أيضا من المنكرين لاعتبار أخبار الآحاد ينكرونها والجواب عنه بعد ما قدمناه سابقا من الأدلّة القاطعة على حجيّة ظواهر الكتاب وكذا مفهوم الشّرط في محلّه وبها يمكن إلزام الخصم أنّ المقصود في المقام ليس إلزام الخصم بل بيان الواقع فالآية حينئذ تنهض لإثبات المطلوب عند كلّ من يرى حجيّة ظواهر الكتاب ومفهوم الشّرط مضافا إلى أنّ من يدعي حجيّة المفاهيم يدعي ظهور القضيّة المقيّدة بالشّرط أو الغاية مثلا فيها فيشملها الإجماع المدعى على حجيّة الظواهر فتدبّر ومنها أنّ الخطاب في الآية للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام فلا تكون حجّة في موردها لعدم جواز عملهم بخبر الواحد في الأحكام فلا تثبت حجيّة أخبار الآحاد في حقّنا لأنّه فرع ثبوته لهم ليتعدى إلينا بدليل الاشتراك في التكليف فلتحمل الآية على بيان حجيّة خبر العدل في الموضوعات والجواب أولا منع اختصاص الخطاب بهم لعمومه لجميع من في مجلس الخطاب غاية الأمر أنّه قد خرج منه النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام فإذا ثبت الحكم لغيرهم ثبت لنا أيضا بدليل الاشتراك في التّكليف وثانيا مع التّسليم أنّه إذا ثبت الحكم في الموضوعات في حقّهم ثبت في حقّنا كذلك بدليل الاشتراك في التكليف وإذا ثبت فيها لنا ثبت لنا في الأحكام أيضا أوّلا بالإجماع المركب وثانيا بالأولويّة لأنّ قول العدل إذا كان حجّة في الموضوعات مع ثبوت طريق العلم إليها للمكلّف في الجملة وعدم كونها مجعولة للشّارع وموقوفة على بيان الشّارع فكونه طريقا مجعولا إلى ما هو مجعول له وليس للمكلّف إليه طريق أصلا إلاّ ببيانه أولى ومنها ما نقله المحقّق القمي عن بعضهم من أنّ التعليل بقوله أن تصيبوا قوما بجهالة أنّما يجري فيه وفي مثله لا مطلق الخبر والمقصود إثبات حجيّة مطلق الخبر انتهى وحاصله أنّ المراد بالمفهوم بملاحظة العلّة بيان حجيّة خبر العادل

١٤٧

فيما يترتب على العمل به أمر مكروه من إهلاك نفس ونحوه على تقدير ظهور كذب المخبر كما هو ظاهر الإصابة بجهالة فيختص بالموضوعات الّتي من شأنها ذلك مثل الأخبار عن القتل والزّنا والسّرقة ونحوها ومنها مورد الآية حيث أخبر الوليد بارتداد بني المصطلق فلا يعم الأحكام الّتي هي محلّ الكلام في المقام ألا ترى أنّه لو أخبر عدل بأنّك إذا شككت فابن علي الأكثر لا يترتّب على العمل به ندامة على تقدير ظهور كذب المخبر وأجيب عنه أوّلا بالنّقض بوجود مثل ذلك في الأحكام أيضا كما لو أخبر عن وجوب قتل الزّاني أو رجمه بشهادة عدلين وعمل بمقتضاه ثم ظهر كذبه وإنّه تعتبر شهادة أربعة أو أخبر عن حدّ شارب الخمر وهكذا ويتم المطلوب في الباقي بعدم القول بالفصل أو يقال إذا ثبت ذلك فيما يستعقب النّدامة ففيما لا يستعقبها بطريق أولى وثانيا بمنع كون قوله (أَنْ تُصِيبُوا) علّة للحكم لاحتمال كونه حكمة له فلا يجب اطرادها في جميع الموارد لكنّه ضعيف كما تقدّمت إليه الإشارة وثالثا مع تسليم كونه علّة بأنّه يتم المطلوب بملاحظة العلّة لدوران الحكم مدارها وجودا وعدما فحيثما تنتف العلّة إمّا لعدم قابليّة المورد لها كما في أكثر الأحكام على ما عرفت وإمّا لكون عدالة المخبر عاصمة عن تعمّد الكذب الّذي تترتّب عليه الإصابة والنّدم ينتف الحكم أعني وجوب التبيّن لا محالة وفيه نظر من وجهين أحدهما أنّه خروج من التّمسك بمفهوم التّعليق بالشرط إلى التمسّك بمفهوم العلّة وثانيهما أنّ غاية ما في الباب أن تكون الآية من قبيل منصوص العلّة مثل حرمت الخمر لإسكارها وغاية ما يستفاد من منصوص العلّة وجود الحكم حيث وجدت العلّة ولو في غير موضوع الحكم كما لوجد الإسكار في النبيذ والفقاع وكذلك انتفاؤه عن أفراد موضوعه إذا زالت العلّة عنها كما لو زال الإسكار عن بعض أفراد الخمر وأمّا انتفاع الحكم عن غير أفراد موضوعه إذا لم توجد العلّة فيه كالماء فلا يستند انتفاء الحكم عنه إلى انتفاء العلّة المذكورة فيه ولذا لا يتوهّم أحد التّنافي بين قوله حرمت الخمر لإسكارها وبين قوله حرمت أكل التّراب مثلا وبالجملة أنّ المستفاد من العلّة المنصوصة كونها علّة تامّة للحكم بالنّسبة إلى أفراد موضوعه بحيث يلزم من وجودها الوجود ومن عدمها العدم وعلّة لوجود الحكم في غير أفراد موضوعه مع وجودها فيه وأمّا كون انتفائها علّة لانتفاء الحكم عن غير موردها فلا يستفاد منها أصلا ومنها أنّ الآية لا تشمل الأخبار المتعارضة سيّما مع ملاحظة عدم معهوديتها في زمان نزولها ولا ريب أن الأخبار الموجودة بأيدينا اليوم أغلبها متعارضة فلم يبق إلاّ النّادر منها وهو غير مجد في الخروج من ورطة الحيرة في امتثال الأحكام والجواب عنه أولا أنّ المقصود في المقام كما صرّح به المصنف رحمه‌الله في عنوان البحث إثبات حجيّة أخبار الآحاد على سبيل الإيجاب الجزئي في قبال السّيّد المدعي لعدم حجيّتها على سبيل السّلب الكلّي مع أنّ الآية تدلّ باعتراف المعترض على حجيّة الأخبار المتداولة حين نزولها والسّيّد يدعي كون خطر العمل بأخبار الآحاد في الشّرع كالقياس نعم لو كان المراد في المقام إثبات حجيّة صنف من الأخبار وأن بالفقه في قبال القائلين بدليل الانسداد اتجه ما ذكر وليس كذلك وثانيا أنّه إن أراد بعدم الشمول انصرافها إلى غير الأخبار المتعارضة فهو ممنوع وإن أراد أنّها شاملة للأخبار غير المتعارضة بلا إشكال فتفيد وجوب العمل بها تعيينا وإن شملت مع ذلك الأخبار المتعارضة فلا بدّ أن يراد بها حينئذ وجوب العمل بكلّ من المتعارضين تخيير العدم إمكان العمل بكلّ منهما تعيينا فيلزم استعمال اللّفظ في معنيين وهو غير جائز كما حكي ذلك عن السّيد السّند صاحب المفاتيح ففيه أنّ الآية تدلّ على حجيّة خبر العدل مطلقا تعيينا غاية الأمر أنّ التخيير في الأخبار المتعارضة إمّا لعدم إمكان العمل بكلّ منها تعيينا فيثبت التخيير فيها عقلا لا أنّ التخيير مراد من الآية وإمّا من باب التّعبّد بأخبار التخيير فالآية تدلّ على اعتبار كل من المتعارضين في نفسه وعلى وجوب العمل بكلّ منهما تعيينا مع قطع النّظر عن وقوع التعارض بينهما إلا أنّ ثبوت التخيير بينهما عقلا أو شرعا أوجب التقييد في إطلاق الآية من حيث الدّلالة على كيفية العمل بهما لا أنّها لا تشملهما أصلا ومنها أنّ المفهوم على تقدير ثبوته يشمل الموضوعات والأحكام بل مورد الآية من قبيل الأولى ولا ريب أنّ خبر العدل في الموضوعات أنّما يعتبر غالبا من باب الشهادة ويعتبر فيها العدد إجماعا وحينئذ إن بني على إخراج موارد الشهادة من عموم المفهوم يلزم تخصيص الأكثر وهو إمّا غلط أو مرجوح بحيث لا يصار إليه إلاّ بقرينة وحينئذ يدور الأمر بين إلغاء المفهوم وتقييده بقبول خبر العدل ولو بانضمامه إلى عدل آخر والأوّل مستلزم لعدم دلالة الآية على حجيّة خبر العدل رأسا والثّاني غير مفيد لعدم دلالتها على موارد الانضمام والجواب أولا بمنع كونه من قبيل تخصيص الأكثر المستهجن عرفا بل هو من باب تخصيص الكثير ولا ضير فيه وثانيا أنا نلتزم بتقييد المفهوم بمعنى أنا نقول إنّ أخبار العادل علّة تامّة لقبول خبره قضيّة لإطلاقها إلاّ فيما ثبت العدد والانضمام ومنها أنّ مقتضى المفهوم هو عدم وجوب التّبيّن عن خبر العدل وغايته التّرخيص في العمل بخبره من دون تبيّن ومقتضاه الجواز وأين هو من الوجوب الّذي هو مراد المستدلّ وأجيب عنه بأنّه إذا ثبت الجواز ثبت الوجوب لعدم القول بالفصل والأولى أن يقال إن ما ذكر مبني على كون وجوب التبيّن نفسيّا كي يتصوّر في مقابلة الجواز وليس كذلك لما تقدّم في كلام المصنف رحمه‌الله من كون وجوبه شرطيّا فتدلّ الآية بمفهومها على عدم اشتراط العمل بخبر العادل به فيكون حجّة من دون تبيّن عنه ومنها أنّ الخطاب بحسب وضعه مختصّ للمشافهين فلا يجوز تعدية ما يستفاد منها إلى الغائبين إلا بعد تحصيل ما فهموه من ظاهرها وهو غير متيسر بالنّسبة إلينا لاحتمال اكتناف الخطاب حين صدورها بما يصرفها عن ظاهرها وأصالة عدم القرينة أنّما تجدي فيما كان الشّكّ في وجود القرينة لا فيما يشك في كونه قرينة بعد العلم بوجوده إذ مناط

١٤٨

اعتبار هذا الأصل بناء العقلاء وهو غير ثابت في الثّاني ولا ريب أنّ الحال الجارية بين النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا يصلح لأن يكون قرينة صارفة عن ظاهر الخطاب فمع الشّك في كونها كذلك لا يمكن دفعها بالأصل مع أنّ القدر الثّابت من الإجماع وغيره من الأدلة على الاشتراك في التّكليف أنّما هو الاشتراك في الأحكام الواقعيّة دون الظّاهريّة والحكم المستفاد من ظاهر الآية أعني حجيّة قول العدل ظاهري معتبر في مقام الجهل بالواقع ولا دليل على الاشتراك في مثله مضافا إلى أنّ اشتراكنا مع المشافهين فيما ثبت لهم من الأحكام أنّما هو بعد إحراز اتّحادنا معهم في الصّنف وهو غير ثابت في المقام لانسداد باب العلم غالبا للموجودين في زمان نزول الآيات لأنّ الأحكام أنّما صدرت عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تدريجا وغالب المكلّفين الموجودين في ذلك الزّمان كانوا غير متمكنين في أغلب أوقاتهم من الوصول إلى خدمة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخذ الأحكام منه بخلاف زمان السّد وأمثاله لأنّ الأصول المدوّنة في عصر الأئمة عليهم‌السلام كانت مجتمعة في زمانه وكان تحصيل القرائن القطعيّة متيسّرا له لقرب عهده من عهدهم كيف وقد ادعى كون أكثر الأحكام معلوما له بالضّرورة والإجماع والأخبار المتواترة والمحفوفة بالقرائن القطعية مع أنّ مجرّد احتمال الانسداد للموجودين عند نزول الآيات والانفتاح له وأمثاله كاف في منع الاشتراك لاشتراطه كما عرفت باتحاد الصّنف فما لم يثبت الاتحاد لا يمكن الحكم بالاشتراك من جهة الإجماع ونحوه والجواب إمّا عن احتمال وجود القرينة فيما تقدّم في كلام المصنف رحمه‌الله من الاستدلال على حجيّة الظّواهر بما لا مزيد عليه من دون فرق بين احتمال وجود القرينة وكون الموجود قرينة كيف ولو لم تكن أصالة عدم القرينة جارية في الثّاني لانسد باب الاستدلال لأنّ الحال الجارية بين الأئمّة عليهم‌السلام والمخاطبين تصلح لأن تكون قرينة صارفة للظواهر وإمّا عن اختصاص دليل المشاركة بالأحكام الواقعيّة فبأن ذلك وإن كان مسلما إلا أن الاشتراك في جواز العمل بأخبار الآحاد على تقدير ثبوته في حق المشافهين إجماعي وإمّا عن اختلاف الصنف فبأنا لو سلمنا انفتاح باب العلم في زمان السّيد فلا ريب في انسداده في أمثال زماننا فلا بدّ من القول باعتبار أخبار الآحاد في أمثال هذا الزمان لقرض مشاركتنا مع المشافهين ومنها أنّ الاستدلال بمفهوم الآية لإثبات حجيّة أخبار الآحاد من باب الظّن الخاصّ كما هو ظاهر المستدلّين به ومنهم المحقّق القمي رحمه‌الله لا يجتمع مع القول باعتبار الظّواهر في حقّ المعدومين من باب الظن المطلق كما يراه المحقق المذكور وهذا نظير ما أورده هذا المحقّق على صاحب المعالم من عدم صحة جمعه في الاستدلال على حجيّة أخبار الآحاد بين الأدلّة الخاصّة ودليل الانسداد لأنّ مقتضى القول باعتبارها من باب الظنّ الخاصّ هو الاقتصار على الظنّ الحاصل منها ومقتضى الاستدلال بدليل الانسداد هو جواز العمل بكل ظنّ وبمثله نقول عليه أيضا لأنّ مقتضى القول باعتبار الظواهر من باب الظنّ المطلق هو جواز العمل بكلّ ظنّ فلا وجه معه للاستدلال على حجيية أخبار الآحاد من باب الظنّ الخاصّ والجواب أنّ الظّاهر أن مقصود المحقّق المذكور من الاستدلال بمفهوم الآية وأمثاله هو إيراد حجج القوم والكلام على مقتضاها وإن لم تكن تامّة على مذهبه لا إثبات حجيّة قول العدل من باب الظنّ الخاصّ (قوله) والنّسبة عموم من وجه إلخ لأنّ العمومات عامة لخبر العادل والفاسق والشّهرة ونحوها وخاصّة بالخبر الظنّي والمفهوم عام لخبر العادل مطلقا سواء أفاد الظنّ أم العلم وخاص بخبر العادل فلا يشمل خبر الفاسق وغيره فيتعارضان في مادة الاجتماع وهو خبر العادل المفيد للظنّ (قوله) والمرجع إلى أصالة عدم الحجيّة إلخ يعني في مادة التّعارض وربّما ترجّح العمومات بالكثرة وكون دلالتها بالمنطوق بخلاف الآية لأنّ دلالتها بالمفهوم (قوله) ما لا يعلم صدقه ولا كذبه إلخ لأنّ ما يفيد العلم من خبر الفاسق متبيّن بنفسه والأمر بالتّبيّن عنه أمر بتحصيل الحاصل فإذا لم يشمل المنطوق ما يفيده لا يشمله المفهوم أيضا لكونه تابعا له فإذا كان المراد بخبر الفاسق في طرف المنطوق ما لا يفيد العلم خاصّة يكون المراد بخبر العادل في طرف المفهوم أيضا كذلك ومع تسليم كون النّسبة عموما من وجه يمكن ترجيح المفهوم بإدخال مادة التّعارض وهو خبر العادل غير المفيد للعلم تحته إذ لو أدخلت تحت العمومات ما لغى المفهوم حينئذ إذ لا يبقى تحته إلاّ خبر العادل المفيد للعلم وجواز العمل به من الواضحات الّتي لا تحتاج إلى بيان فيجب إدخالها تحت المفهوم محافظة على كلام الحكيم عن اللّغوية مضافا إلى أنّ من مرجحات الدّلالة كما سيأتي في خاتمة الكتاب كون أحد العامين أقل أفرادا من الآخر لكونه أشبه بالخاص فيكون أظهر في الشّمول من الآخر وما نحن فيه من هذا القبيل لعدم شمول المفهوم لما عدا خبر العادل بخلاف العمومات لشمولها جميع الأمارات الظّنيّة(قوله) أمّا من جهة اختصاصها إلخ للإجماع حتّى من السّيّد على ما نقله عنه في المعالم على جواز العمل بالظنّ في صورة الانسداد فتعم العمومات غير خبر العدل أيضا وتخص بزمان الانفتاح ويعم المفهوم صورتي الانفتاح والانسداد ويخص بخبر العدل وكذا على الجهة الثّانية تعم العمومات خبر عدل واحد والفاسق والشّهرة والقياس ونحوها سوى البيّنة العادلة ويتخصص من حيث عدم شمولها لها ويعم المفهوم خبر العدل الواحد والبيّنة العادلة في الموضوعات لأنّها ليست إلاّ عبارة عن العدل المنضم إلى مثله ويتخصّص من حيث عدم شموله غير خبر العدل وربّما يجاب على تقريري النّسبة وكذا على التّقرير الثّالث الّذي أشرنا إليه عند شرح قوله والنّسبة عموم من وجه بأن العمومات أنّما تدل على حرمة العمل بالظنّ إذا لم يقم على اعتباره دليل إذ لا معنى للذم والمنع من العمل بما هو قطعي الاعتبار وخبر العدل قد دلت الآية بمفهومها على اعتباره فلمادة الاجتماع خروج موضوعي من تحت العمومات لأنّ العمل بها عمل بالقطعيّ دون

١٤٩

الظنّي لفرض قطعيّة اعتبارها وفيه أوّلا أنّ ظاهر العمومات حرمة العمل بما عدا العلم الوجداني ولا ريب أنّ القطع باعتبار خبر العدل على تقدير تسليمه لا يوجب خروجه من تحت العمومات بحسب الموضوع لأنّ القطع باعتباره لا يوجب كونه علميّا وغايته أن يخرج من تحت العمومات حكما لا موضوعا وثانيا أنّ دعوى القطع باعتبار خبر العدل فاسدة لأنّ ذلك بعد الفراغ عن تمامية دلالة الآية في مقابل العمومات بمنع تعارضهما أو علاجه ولم يتحقق لنا الفراغ عن ذلك بعد(قوله) ويندفع بأنّ خروج ما خرج إلخ من صورة عدم التّمكن والبينة والفتوى ونحوها وتوضيح المقام أنّ التّعارض بين دليلين أنّما يلاحظ بعد ملاحظة لواحق الكلام وبعد لحوق اللّواحق من تخصيص أو تقييد فما كان اللّفظ ظاهرا فيه تلاحظ النّسبة بينه وبين غيره وهذا بالنّسبة إلى المخصّصات المتّصلة وأمّا المنفصلة في كلام الشّارع فإنّما تلاحظ النّسبة بين كلّ واحد منها وبين العام حين ملاحظتها بينه وبين الخاص الآخر من دون ملاحظة تأخّر وتقدّم لأحدها فإذا ورد عام وخاصّان مثل أكرم العلماء ولا تكرم النّحويين ولا تكرم الأصوليّين فلا يخصّص العلماء أولا بالنحوي لترجع النّسبة بين الباقي تحت العام وبين الأصوليين إلى العموم من وجه بل يخصّص العام بكلّ منهما في أن واحد إن كانت النّسبة بينه وبينهما عموما وخصوصا مطلقا كما في المثال لأنّ الخاصين وإن صدرا عن إمامين أو عن إمام في زمانين إلاّ أنّ الأئمّة عليهم‌السلام كلّهم بمنزلة متكلّم واحد وتكلمهم في الأزمنة المختلفة بمنزلة تكلمهم في زمان واحد لكونهم مخبرين عن الواقع فيجري عليهم حكم متكلم واحد في زمان واحد نعم لو كانت النّسبة بين العام واحد الخاصين عموما مطلقا والخاص الآخر عموما من وجه يخصّص العام بالأوّل أوّلا ثمّ تلاحظ النّسبة بينه بعد التّخصيص والخاص الآخر وسيأتي تحقيقه في خاتمة الكتاب بما لا مزيد عليه وإذا تحقق هذا ظهر لك أنّ اللاّزم فيما نحن فيه هو تخصيص عمومات حرمة العمل بالظنّ بكلّ من مفهوم الآية ودليل اعتبار البينة في أن واحد لكون النّسبة بينها وبينهما عموما وخصوصا مطلقا لا تخصيصها أولا بدليل اعتبار البينة ثمّ ملاحظة النّسبة بينها وبين المفهوم وبمثله يقال بالنّسبة إلى تخصيص عمومات حرمة العمل بالظنّ بزمان عدم التّمكن من العلم (قوله) ومنها أنّ مفهوم الآية لو دلّ إلخ هذا نظير ما يقال علي القائل بحجيّة ظواهر الكتاب إنّها لو كانت حجّة لزم منها عدم حجيّتها للآيات النّاهية عن العمل بالظنّ كما نبه عليه المصنف رحمه‌الله سابقا وعلى القائل بحجيّة الاستصحاب أنّه على تقدير حجيّته يلزم عدمها الاستصحاب عدم جعل الشّارع له حجّة والكلام في الكلّ على سياق واحد(قوله) إنّه لا يعم نفسه إلخ لقصور اللّفظ عن الشّمول لنفسه كما يظهر بملاحظة النّظائر في العرف كما لو قال المولى لعبده صدق زيدا في كل ما يخبرك فأخبره بألف خبر ثمّ أخبره عن المولى بتكذيبه في كلّ ما يخبره به عنه فلا ريب أنّ العبد يأخذ بهذا الخبر من دون التفات إلى أن لازمه عدم الأخذ به أيضا اللهمّ إلاّ أن يفهم المناط في أمر المولى بتكذيبه زيدا في سائر أخباره إلاّ أنّه لا دخل له في دلالة اللّفظ كما لا يخفى (قوله) لكن نقول إنّه وقع الإجماع إلخ إما من النافين فلفرض نفيهم حجيّة أخبار الآحاد مطلقا وإمّا من المثبتين فلفرض استلزام القول بحجيّة خبر السّيّد لعدم حجيّة أخبار الآحاد والأمر بالتّأمل يحتمل وجهين أحدهما الإشارة إلى كون دعوى هذا الإجماع من النّافين من قبيل دعوى الإجماع على الفرد لأجل كون الكلّي إجماعيّا ومن المثبتين من قبيل دعوى الإجماع على اللاّزم لأجل كون الملزوم إجماعيّا وقد تقدّم في مبحث الإجماع المنقول عدم حجيّة مثل هذا الإجماع ويمكن دفعه بإمكان دعوى القطع بدخول هذا الفرد في الكلّي وكذا كون اللازم مقصودا من الإجماع على الملزوم بخلافه في سائر الموارد الّتي من هذا القبيل وثانيهما الإشارة إلى كون دعوى هذا الإجماع من قبيل دعوى الإجماع في موضوع شخصي وهو ليس بإجماع مصطلح إذ الإجماع عندهم هو اتفاق الأمّة على حكم من الأحكام وحجيّة خصوص خبر السّيّد وعدمها ليست من الأحكام الكليّة ويمكن دفعه أيضا بأنّه وإن كان كذلك إلاّ أنّ هذا الفرد يستلزم حكما كليّا وهو عدم حجيّة أخبار الآحاد والحكم الجزئي المستلزم للحكم الكلّي في حكم الحكم الكلّي ولذا يجب التّقليد في مسألة تعيين الحائر وإن كان من الموضوعات الخارجة المشتبهة وليست هي محلا للتّقليد(قوله) لانصراف النبإ إلخ يمكن أن يقال بكون هذا الانصراف بدويا لا مضرا إجماليّا أو مبيّن العدم (قوله) وضعف هذا الإيراد بظاهره إلخ توضيحه أن المورد كأنّه توهم أنّ المقصود من الاستدلال بالآية إثبات خبر الصّفار عن الإمام عليه‌السلام بواسطة إخبار الشّيخ مثلا لنا بخبره مع ما بينهما من الوسائط وليس كذلك إذ المقصود إثبات خبر المخبر في كلّ طبقة من طبقات سند الرّواية بالنّسبة إلى من يحكي له المخبر الخبر بلا واسطة مبتدئا من الطبقة المتّصلة بنا متدرجة إلى ما فوقها إلى أن تنتهي إلى الإمام عليه‌السلام مثلا إذا قال الشّيخ حدّثني المفيد قال حدّثني الصّدوق قال حدّثني أبي قال حدّثني الصّفار قال كتبت إلى العسكري عليه‌السلام فهنا أخبار متعدّدة بتعدد الوسائط فخبر الشيخ حدثني المفيد وهذا خبر عدل بلا واسطة يجب تصديقه إلى آخر ما ذكره المصنف رحمه‌الله وفيه نظر ووجهه لا يخلو عن دقة وذلك لأنّ الشيخ إذا قال حدثني المفيد قال حدّثني الصّدوق فهنا أمور أحدها المخبر له وثانيها المخبر وهو الشيخ وثالثها المخبر عنه وهو المفيد ورابعها خبر الشيخ وهو قوله حدّثني المفيد وخامسها خبر المفيد الثّابت بتصديق خبر الشيخ وهو قوله حدّثني الصّدوق ومقتضى مفهوم الآية أن يكون خبر المفيد حجّة بالنّسبة إلى الشيخ وخبر الشيخ بالنّسبة إلينا لأن خبر المفيد خبر بلا واسطة بالنّسبة إلى الشيخ وكذا خبر الشّيخ بالنّسبة إلينا وأمّا خبر المفيد الثابت بحكم وجوب تصديق الشيخ فيما أخبر به فلا دليل على حجيّته بالنّسبة إلينا ليثبت بها خبر الصّدوق أيضا إذ الفرض انصراف النبإ في الآية إلى الإخبار بلا واسطة ومقتضى وجوب تصديق خبر الشيخ هو البناء على صدقه وإنّ المفيد أخبره بما أخبر عنه الشّيخ وأمّا

١٥٠

وجوب تصديق المفيد فيما أخبر عنه الشيخ فلا دليل عليه إلاّ أن يثبت شمول النبإ في الآية للإخبار بواسطة والفرض خلافه فليس في تضعيف الإيراد إلاّ إعادة للدّعوى (قوله) ولكن يشكل الأمر بأن ما يحكيه الشيخ إلخ توضيح الإشكال أنّ الخطابات الشّرعيّة أنّما تثبت الحكم للأفراد الواقعيّة لا للفرد المتولد من ثبوت الحكم لبعض الأفراد الواقعيّة وذلك لأنّه إذا ثبت حكم على عام فإن كانت أفراد هذا العام أفرادا واقعيّة فلا إشكال في شمول حكم العام لجميع هذه الأفراد وإن كانت مترتبة في الوجود بأن يتولد من تعلق الحكم ببعض الأفراد الواقعيّة فرد آخر لهذا العام فلا يمكن تعلّق الحكم بهذا الفرد المتولّد أيضا إذ الحكم مسبوق بوجود موضوعه والفرض تأخر وجود هذا الفرد عن تعلق الحكم ببعض الأفراد الواقعيّة فلا يعقل تعلقه بالفرد المذكور أيضا وإلا لزم تقدّم الحكم على موضوعه وهو بديهي الفساد والفرض عدم إنشاء آخر ليثبت تعلق الحكم بهذا الفرد أيضا بهذا الإنشاء وما نحن فيه من هذا القبيل لأنّه إذا كان مفهوم الآية إن جاءكم عادل بنبإ فصدقوه فالفرد الواقعي المحقق لهذا الحكم هو قول الشّيخ حدّثني المفيد وإذا شمل الحكم لهذا الفرد ووجب تصديقه في خبره يتولد منه فرد آخر لهذا الحكم العام وهو أنّ الصّدوق قد أخبر المفيد بقوله حدّثني أبي ولا يشمله الحكم المذكور بالتقريب الّذي عرفته وإن شئت زيادة توضيح لذلك قلت إنّ الأحكام الظّاهريّة تنزيلات للموضوعات المحتملة بمنزلة الواقعيّة المتحققة والغرض من هذا التّنزيل ترتيب الآثار الشّرعيّة المرتّبة على الموضوعات الواقعيّة عليها فإذا قال صدق العادل فيما أخبر به كما هو مقتضى مفهوم الآية فمعناه وجوب فرض المخبر به واقعا في ترتيب آثار الواقع عليه فإذا أخبر عادل بموت زيد يجب تصديقه بفرض موت زيد معلوما بالوجدان وترتيب آثار الموت عليه من جواز تزويج زوجته وعدم وجوب نفقتها عليه ونحو ذلك ولا ريب أنّ وجوب تنزيل ما أخبر به العادل بمنزلة الواقع فرع وجود خبر هنا سابق على هذا التّنزيل فإذا فرض وجود خبر عدل بحيث يلزم من تنزيل ما أخبر به بمنزلة الواقع تولد خبر آخر فقوله صدق العادل لا يشمل هذا الخبر المتولّد من التّنزيل المذكور لفرض تأخر وجوده عن شموله للخبر الأوّل الّذي تولّد منه هذا الخبر فلو شمله لزم تأخّر الموضوع عن الحكم وقد عرفت بطلانه فقد ظهر ممّا ذكر عدم تعقل شمول الآية للوسائط بين الإمام عليه‌السلام والخبر المتّصل بنا كخبر الشّيخ فيما نحن فيه نعم تشمل الخبر المتّصل خاصّة ولا يرد عليه الإشكال المذكور لكون خبر الشيخ المتّصل بنا معلوما بالوجدان سابقا على الحكم بوجوب تصديقه ومقتضى شمول الآية له تنزيل ما أخبر به الشيخ بمنزلة الواقع في ترتيب آثار الواقع عليه فكما يجب تصديقه ويحرم تكذيبه فيما علمنا بصدقه بأن علمنا بأخبار المفيد له بقوله حدّثني الصّدوق كذلك فيما لم نعلم بذلك لكن أخبرنا الشيخ به وبهذا التّقرير يندفع ما يقال من عدم شمول الآية لخبر الشيخ أيضا بتوهم أنّ الشّارع إذا قال صدق العادل فيما أخبر به كما هو مقتضى المفهوم فمقتضاه كما قدّمناه تنزيل ما أخبر به منزلة الواقع في ترتيب آثار الواقع عليه ولا ريب أنّ هذا التّنزيل أنما يتأتى فيما كان للخبر به أثر شرعيّ ولا أثر لخبر الشيخ فبلغو وجوب تصديقه بمعنى وجوب تنزيله منزلة الواقع فلا تشمله الآية ووجه الاندفاع أنّ أثر تنزيل خبر الشيخ بمنزلة الواقع وفرضه معلوما هو وجوب تصديقه وحرمة تكذيبه كما لو علمنا بصدقه وهذا كاف في شمول الآية له غاية الأمر أن مقتضى وجوب تصديقه وحرمة تكذيبه وجوب ترتيب الآثار الواقعيّة للمخبر به إن كان له أثر واقعي آخر لا أنّه لو لا ذلك لم تشمل الآية له أصلا وبالجملة أنّ الإشكال المذكور مختصّ بالأخبار المتوسّطة بين الإمام عليه‌السلام وخبر الشّيخ وهذا سار إلى مواضع أخر أيضا مثل مسألتي الإقرار بالإقرار والشّهادة بالشّهادة من المسائل الفرعيّة وتقرب منهما مسألتا المزيل والمزال والظن المانع والممنوع منه من المسائل الأصوليّة أمّا الأوّل فلكون وجود الإقرار الأوّل مرتبا على شمول قوله عليه‌السلام إقرار العقلاء على أنفسهم جائز للإقرار الثّاني وكذا في الثّاني وأمّا الثّالث فإنّه إذا لاقى ثوب مستصحب النجاسة ثوبا مستصحب الطّهارة مع الرّطوبة فكل منهما يندرج تحت قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشّكّ إلاّ أن تعلّق الحكم بعدم جواز نقض اليقين بالشّكّ بالثّوب المتيقّن النّجاسة سابقا يجعل الشّكّ في الثّوب المعلوم الطّهارة كذلك بمنزلة العلم بنجاسته ويخرجه من تحت عموم عدم جواز نقض اليقين بالشّك لارتفاع اليقين بالطّهارة السّابقة بصيرورة الشّكّ فيها بمنزلة العلم بالنجاسة ولا فرق بينه وبين ما نحن فيه إلاّ من حيث أنّ المقصود فيما نحن فيه إثبات وجوب التّصديق للخبر المجعول المتولّد وهنا نفي اليقين السّابق بالشّكّ المنزل منزلة اليقين وهذا ممّا لا تتفاوت الحال به ولا ترتفع به حيرة الإشكال ونحوه الكلام في الرّابع (قوله) يحكم وجوب التّصديق إلخ يعني تصديق خبر الشّيخ (قوله) ولكن يضعف هذا الإشكال أوّلا إلخ يضعفه أيضا أنّ الإشكال بلزوم تقدم الحكم على وجود موضوعه كما تقدّم عند تقرير الإشكال أنّما يتم لو كان المقصود من دعوى شمول وجوب التّصديق لخبر المفيد بواسطة وجوب تصديق الشيخ إسراء الحكم الجزئي أعني وجوب التّصديق المتعلق بخبر الشّيخ إلى خبر المفيد بأن يقال إنّه بعد ما ثبت خبر المفيد بوجوب تصديق الشّيخ لو سرى هذا الوجوب إلى خبر المفيد لزم المحذور المذكور وأمّا لو قيل إنّ المستفاد من الآية حكم كلّي وهو وجوب التّصديق وقد تعلّق بموضوع كلّي وهو خبر العادل ولهذا الموضوع وجودات واقعيّة وهي الأخبار الّتي ثبتت بلا واسطة ووجودات تنزيلية وهي الأخبار الّتي تولدت من وجوب تصديق الإخبار بلا واسطة وحيثما وجد الفرد الواقعي أو التّنزيلي تعلق الحكم الكلّي به غاية الأمر تعلق الحكم الكلّي بالفرد الواقعي أولا وبالفرد التّنزيلي ثانيا لأجل كون الثّاني متولّدا من التّعلق بالأوّل ومجرد الترتّب في التّعلق لأجل ما عرفت لا يستلزم المحال نظير الأفراد الواقعيّة المتدرجة في الوجود الواقعي غاية الأمر أن يكون الشّارع

١٥١

قد جعل حكم كلّ واحد من الفرد الواقعي والجعلي بإنشاء واحد فإذا قال الشيخ حدثني المفيد قال حدثني الصّدوق فمقتضى قول الشّارع صدق العادل حينئذ أمران أحدهما إنشاء وجوب تصديق خبر الشيخ وتنزيل خبره بمنزلة المعلوم بأن يجب الالتزام بأنّ المفيد قد أخبره كما لو سمعنا أنّه أخبره بقوله حدثني الصّدوق بكذا والآخر إنشاء وجوب تصديق الخبر الثّابت بإخبار الشيخ وربّما يضعف الإشكال أيضا بأن الممتنع هو توقف فرديّة بعض أفراد العالم على ثبوت الحكم لبعض آخر كما لو قال كل خبري صادق لتوقف كون سائر أخباره المتقدم على هذا الكلام أو المتأخر عنه أفرادا للخبر المحكوم عليه بالصّدق في هذا الكلام على شموله لنفسه وأمّا لو توقف الاستكشاف عن وجود فرد على ثبوت الحكم لفرد آخر فلا امتناع فيه أصلا وما نحن فيه من هذا القبيل لأنّ الاستكشاف عن خبر المفيد موقوف على شمول قول الشّارع صدق العادل لخبر الشّيخ لأنه بشموله له يكشف عن وجود خبر المفيد وهذا محصّل ما أجاب به المصنف رحمه‌الله عن الإشكال أوّلا ثم ضرب عليه مع بعض العبارات الأخر في بيان الإشكال وغيره في الدّورة الأخيرة من مباحثته ووجه الضرب عليه أنّه أنّما يتمّ لو كان خبر المفيد متحقّقا في الواقع ولم نعلّمه وكان تعلق الحكم بخبر الشيخ كاشفا عنه حقيقة وليس كذلك إذ لم يتحقّق لنا ذلك لاحتمال خطاء الشيخ في إخباره أو كذبه العياذ بالله فالمترتّب على وجوب تصديق خبر الشيخ هو وجود خبر المفيد في مرحلة الظاهر لا الاستكشاف الحقيقي عن خبره فلو شمل الحكم خبر المفيد أيضا لزم تقدّم الحكم على موضوعه كما هو مناط الإشكال (قوله) الثّابت بالإجماع إلخ يرد عليه أنه إن أراد أنّ الإجماع قد وقع على أنّه لو أقرّ بالإقرار الأوّل كان قوله عليه‌السلام إقرار العقلاء على أنفسهم جائز شاملا للإقرار الأوّل ففيه أنّه لا معنى لدعوى الإجماع على دلالة الألفاظ والظّهورات العرفيّة الجواز مخالفة هذا الإجماع بلا إشكال لمن ثبت عنده خلافه وإن أراد أن الإجماع وقع إجمالا على ثبوت الإقرار الأوّل بالثاني بمعنى وجوب أجزاء حكم الإقرار على الإقرار الأوّل فيما أقرّ به ثانيا ففيه أنّه أعمّ من المدّعى إذ يحتمل أن يكون ثبوت حكم الإقرار للإقرار الأوّل حينئذ بإنشاء آخر لا بالإنشاء الثابت بقوله عليه‌السلام إقرار العقلاء على أنفسهم جائز وهو خلاف الفرض فيما نحن فيه وإن أراد أن الإجماع وقع على أنّ حكم الإقرار الأول مراد بقوله عليه‌السلام إقرار العقلاء على أنفسهم جائز كما هو المفيد فيما نحن فيه فأنّى له بإثبات هذا الإجماع (قوله) إذا علم المناط إلخ لا يذهب عليك أنّ المناط وإلقاء الخصوصيات تارة يحصل بالإجماع وأخرى بالعقل القاطع وثالثة بالظهور اللفظي فإن كان المراد هنا الأوّل فمع كونه خلاف ظاهر العبارة يرد عليه أنّه لا يدفع الإشكال إذ المقصود عدم تماميّة الاستدلال بمفهوم الآية على حجيّة الأخبار الّتي ثبتت بواسطة أو وسائط مع قطع النظر عن الخارج وإلاّ فلا حاجة إلى دعوى المناط إذ لم يفصل أحد بينما كان بلا واسطة أو معها فإذا ثبت الأوّل بمفهوم الآية ثبت الثاني بعدم القول بالفصل من دون حاجة إلى إحراز المناط وإن كان الثّاني يرد عليه منع كون العقل قاطعا بعدم مدخلية الواسطة مع قطع النظر عن الخارج وإن كان الثالث يرد عليه أنّ دعوى ظهور المناط أنما تتم على تقدير الاستدلال بمفهوم الوصف إذ ظاهر الآية حينئذ أن علّة قبول خبر العدل الواحد بلا واسطة هو كون المخبر عدلا ولا ريب أنّ هذا المناط موجود في الأخبار مع الواسطة أيضا بخلاف ما لو كان الاستدلال بمفهوم الشّرط كما حكي عن الأكثر إذ علة القبول حينئذ كون الخبر بلا واسطة مع عدالة المخبر لا مجرّد عدالته إذ ظاهر الجملة الشرطيّة كون تمام الشّرط علّة للجزاء فمع تسليم انصراف النبإ إلى الخبر بلا واسطة تكون العلّة ما ذكرناه فلا يتم دفع الإشكال على طريقة الأكثر(قوله) إنّ هذا المحمول أي وجوب التّصديق الذي هو محمول على خبر العادل في مفهوم الآية(قوله) وفيه أنّ وجوب التفحّص إلخ توضيحه أنّ حاصل ما ذكره المورد أنّ الآية لو دلّت بمفهومها على حجيّة الخبر العدل على وجوب قبوله من دون فحص عن معارضة لأنّه معنى حجيّته ووجوب قبوله من دون تبيّن وهو خلاف الإجماع في الأحكام الشرعيّة فلا بد من تنزيلها على الموضوعات وحاصل ما اعترض به المصنف رحمه‌الله أن وجوب التفحّص عن المعارض أمر وجوب التّبين عن الخبر من حيث الصّدق والكذب أمر آخر والآية بمفهومها ينفي الثّاني دون الأوّل لأن وجوب الفحص يؤكد الحجيّة بالتقريب الّذي ذكره المصنف رحمه‌الله ولا ينافيها كما همّه المورد وتوضيح المقام أنّ التّبيّن والفحص عن الخبر تارة من حيث دلالته وأخرى من حيث سنده وعلى التقديرين إمّا أن يكون ذلك لأجل إثبات المقتضي وإمّا لأجل دفع احتمال المانع والأوّل كالبحث عن ظهوره بمعنى كونه ظاهرا في هذا المعنى أو ذلك المعنى والثّاني كالفحص عن قرائنه الصّارفة والثّالث كالتّبين عن صدق المخبر وكذبه والرّابع كالبحث عن معارضه ولا دلالة للآية بمفهومها على نفي أحد الأوّلين عن خبر العدل لكون الفحص عنهما مشتركا بينه وبين خبر الفاسق بالضّرورة فلا وجه للتفصيل بينهما في ذلك وكذلك الرّابع لأن الظاهر الآية هو وجوب التّبين عن خبر الفاسق لعلّة التحرّز عن الوقوع في خلاف الواقع ولا دخل لذلك في وجوب الفحص عن المعارض لأنّه فرع اعتبار الخبر بإلغاء احتمال الخلاف فيه في نظر الشّارع إذ لا معنى لوجوب الفحص عن معارض ما لم تثبت حجيته بعد لعدم إمكان تحقّق المعارضة بين الحجّة وغيرها فتعيّن الثّالث وهو وجوب التبيّن عن المخبر من حيث صدقه وكذبه ثمّ إنّ ثمرة الفرق بين وجوب الفحص عن المعارض ووجوب التبيّن عن الصّدق والكذب تظهر ممّا ذكره المصنف ره (قوله) ومنها أنّ مفهوم الآية إلخ لا يخفى أنّ هذا الإيراد قد يقرّر تارة بالنّسبة إلى مطلق الموضوعات وأخرى بالنسبة إلى خصوص موردها فعلى الأوّل بمفهومها تشمل الموضوعات أيضا وخبر العدل فيها غالبا من باب الشهادة والشّهادة يعتبر فيها العدد إجماعا وحينئذ إن بني على إخراج تلك الموارد لزم تخصيص الأكثر وهو إمّا غلط أو مرجوح لا يصار إليه بلا قرينة وحينئذ يدور الأمر بين رفع اليد عن المفهوم

١٥٢

رأسا أو تقييدا يكون قبول خبر العدل في الجملة ولو منضما إلى عدم آخر والأول يستلزم عدم الدّلالة على حجيّة خبر العدل مطلقا والثّاني يستلزم عدم الدّلالة على حجيّة خبر العدل الواحد لعدم دلالة الآية حينئذ على موارد اعتبار الانضمام والجواب أوّلا يمنع لزوم تخصيص الأكثر بل هو من قبيل تخصيص الكثير ولا ضير فيه وثانيا بالتزام تقييد المفهوم بمعنى أنا نقول إن مقتضاه اعتبار قول العدل الواحد مطلقا إلاّ فيما ثبت اعتبار الانضمام فيه وعلى الثّاني يظهر التّقريب فيه ممّا ذكره المصنف رحمه‌الله وهو رحمه‌الله قد جمع بين الوجهين وذكرهما بعنوان واحد ويمكن تقريب الأبرار على وجه لا يرد عليه ما أورده عليه المصنف رحمه‌الله بأن يقال إن مورد الآية هو الأخبار عن الارتداد ولا يعتبر فيه قول العدل الواحد إجماعا فلا بدّ من ارتكاب التّأمّل فيها إمّا برفع اليد عن المفهوم رأسا وهو مجاز وإمّا بإخراج المورد فإنّ تخصيص المورد وإن كان قبيحا إلا أنّ أسلم قبحه في المنطوق دون المفهوم وإمّا بتقييد مفهومها مطلقا بأن يقال إنّ المراد به اعتبار قول العدل في الجملة ولو منضمّا إلى غيره وإمّا تقييده بالنّسبة إلى المورد ونحوه مما ثبت فيه اعتبار العدد خاصة بأن يقال إنّ مقتضاه اعتبار قول العدل الواحد مطلقا إلاّ في قضيّة الارتداد ونحوها مما ثبت فيه اعتبار العدد وهذه وجوه أربعة مرجعها إلى دون الأمر بين المجاز والتخصيص والتقييد وإن الأخيرين في أنفسهما وإن ترجحا على الأوّل إلاّ أن هذا للمجاز أرجح من تخصيص المورد وكذا من تقييد المفهوم الّذي من شأنه الإطلاق عند إطلاق المنطوق فتخلو الآية عن المفهوم فتسقط عن الدّلالة على اعتبار خبر العدل ومع تسليم تساوي احتماله لاحتمال التّخصيص والتقييد يرجع إلى أصالة حرمة العمل بالظنّ الذي منه الظنّ الخبري وإن كان المخبر عدلا ووجه عدم ورود ما أورده المصنف رحمه‌الله أنّ التقييد أنّما يقدم على طرح المفهوم أو تخصيصه في غير المقام على ما عرفت (قوله) وفيه أنّ الظّهور اللّفظي إلخ توضيحه أنّ ما لا يتمسّك فيه بالظنّ مطلقا هو أصول العقائد لا أصول الفقه وما لا يتمسّك فيه بالظنّ بالصّدور هو أصول الفقه لأنّ من قال بعدم جواز التمسّك فيها بالظن أراد به عدم جواز إثبات المسائل الأصوليّة مثل أخبار الآحاد لا بمثل الآيات وإن كانت ظنيّة الدلالة نعم الظنّ الذي لا يجوز التمسّك به في الأصول سندا ودلالة وخاصّة ومطلقة بين الأصول والفروع (قوله) إن المراد بالفاسق إلخ فيدخل أكثر أفراد العادل على اصطلاح المتشرعة تحت عموم الفاسق فيجب التّبين عن خبر هذه الأفراد أيضا وبالجملة أنّ ما يفيد الظنّ من خبر العادل على مصطلح المتشرّعة داخل في المنطوق وما يفيد منه العلم فعدم وجوب التبيّن عنه لكونه متبيّنا في نفسه فالآية لا تدل على نفي التّبين عن شيء من خبر العادل (قوله) فهذا وجه آخر إلخ لا يخفى أنّ الآية على ما ذكره أنّما تدل على حرمة العمل بمطلق الخبر غير العلمي لا على حرمة العمل بمطلق الظنّ سواء حصل من الخبر أم غيره من الأمارات كما هو المدّعى (قوله) خلاف الظّاهر عرفا إلخ لا يخفى أن القدر الثابت من تصرف الشّارع أنّما هو في معنى العدالة دون الفسق فهو باق على معناه اللّغوي في عرف الشّارع حين نزول الآية ودعوى ظهوره في معنى الكفر أو في المعنى المقابل للعدالة المصطلحة في ذلك الزّمان ممنوعة فلا بدّ من جملة في الآية على معناه اللّغوي وحينئذ يكون المراد بالعدالة في طرف المفهوم ما يقابل الفسق لغة بل الآية بحسب مفهومها أنّما تدلّ على اعتبار خبر غير الفاسق لا خبر خصوص العادل نعم يطلق الفاسق كثيرا في عرف المتشرّعة على المعنى المقابل للعدالة المصطلحة لكن هذا الاصطلاح لم يثبت حين نزول الآية لتحمل عليه (قوله) مضافا إلى قوله تعالى فيه منع الدّلالة على تعيين المراد بالفاسق في الآية كما هو واضح (قوله) مع أنّه يمكن فرض الخلو إلخ يعني أنه مع تسليم كون المراد بالفاسق مطلقا من خرج من طاعة الله ولو بالصّغائر ومقتضاه كون المراد بالعادل من لم يخرج من طاعته كذلك نقول إن الآية بمفهومها تدل على اعتبار خبر التّائب من الذنب السّابق ويثبت المطلوب في غيره بعدم القول بالفصل وقد يقال إن المخبر المعلوم التوبة نادر فلا ينصرف إليه الإطلاق (قوله) كما إذا علم منه التّوبة إلخ مثله الكافر إذا أسلم ولم يصدر عنه ذنب بعد ولعل العبارة تشمله أيضا ومثله أيضا الصّبيّ إذا بلغ ولم يصدر عنه ذنب (تنبيه) اعلم أن الآية على تقدير تماميّة دلالتها بالمفهوم شرطا أو وصفا على اعتبار خبر العدل أنّما تدل على اعتبار خبر العدل الواقعي لأنّ العدالة من الألفاظ الموضوعة للمعاني الواقعيّة فلا بدّ حينئذ في إحراز عدالة الرّاوي إمّا من العلم أو البيّنة أو الاختبار الحاصل بالصّحبة المؤكّدة أو الشياع الّذي قام الإجماع على اعتباره في باب العدالة ولا يكفي مطلق الظنّ بها ولا ريب في تعذر إثبات عدالة رجال سند واحد بأحد الوجوه المذكورة إذ غاية ما يمكن من دعوى ذلك أنّما هو في مثل الشيخ والمفيد والصّدوق والكليني وأضرابهم ولا ريب في اشتمال أسناد الأخبار على غيرهم أيضا ممن استترت حالهم عنّا ولو سلم ذلك في بعض الأخبار فلا ريب في عدم تأتيه في أكثرها وما يظهر من صاحب المعالم من اشتراط تذكية السّند بعدلين مع دعوى وفاء ذلك بأغلب أبواب الفقه ممّا لا يصغي إليه فإن قلت إذا ثبت اشتراط العدالة الواقعيّة وانسدّ طريق العلم إليها وجدانا وشرعا فلا بدّ من اعتبار الظنّ بها فالآية مع دليل الانسداد تثبت المطلوب قلت هذا أنّما يتم لو ثبت بقاء التّكليف بإحراز العدالة الواقعيّة عند انسداد باب العلم بها ولم يثبت إذ كما يحتمل ذلك عند الانسداد كذلك يحتمل كون التّكليف حينئذ بالعمل بمطلق الظنّ بالأحكام الواقعيّة سواء حصل من خبر مظنون العدالة أم من خبر الفاسق أم الشهرة أم غيرها ويحتمل أيضا تعلّق التكليف بالعمل بالأخبار الموثوقة بالصّدور(قوله) والعمدة الإيراد الأوّل إلخ لأنّ الإيراد الثّاني يمكن دفعه بما تقدم من المصنف رحمه‌الله عند بيانه (قوله) الموثق وشبهه إلخ لعلّ المراد يشبهه ما كان بعض رجال سنده غير إماميّ موثق وبعض آخر إماميّ

١٥٣

ممدوح لأن هذا واسطة بين الموثّق والحسن فتدبّر(قوله) ولفظ الجهالة إلخ لأنّها مقابلة للعلم (قوله) فرقة منهم إلخ قال أبو البقاء النّحوي في تفسير التبيان يجوز أن يكون منهم صفة لفرقة وأن يكون حالا من طائفة انتهى (قوله) دلت على وجوب الحذر إلخ توضيحه أنّ المراد بالنّفر هو النّفر إلى طلب العلم وتعلّم الأحكام الشّرعيّة كما نصّ عليه بعض المفسّرين لا إلى الجهاد كما سيشير إليه وعن ابن عبّاس الطائفة من الواحد فما فوقه وفي الغريبين طائفة منهم جماعة ويجوز أن يقال للواحد الطّائفة والطّائفة من الشيء القطعة منه انتهى وتقريب الاستدلال أنّ الآية تدلّ على وجوب الحذر عند إنذار طائفة من المنذرين من دون اعتبار إفادة خبرهم العلم بالمنذر به بتواتر أو بوجود قرينة والغرض من وجوب الحذر وجوب العمل بالمنذر به أعني ما أخبر به المنذر فيثبت وجوب العمل بخبر الواحد وأمّا وجوب الحذر فللوجهين اللذين أشار إليهما المصنف ره (قوله) أحدهما أن لفظ لعلّ إلخ لا يخفى أنّ استفادة الوجوب من لفظ لعل تقرّر بوجوه أحدها ما نقله المصنف رحمه‌الله عن صاحب المعالم قال فيها فإن قلت من أين علم وجوب الحذر وليس في الآية ما يدلّ عليه فإنّ امتناع حمل كلمة لعلّ على معناها الحقيقي باعتبار استحالته على الله تعالى يوجب المصير إلى أقرب المجازات إليه وهو مطلق الطّلب لا الإيجاب قلت قد بيّنا فيما سبق أنّه لا معنى لجواز الحذر أو ندبه لأنّه إن حصل المقتضي له وجب وإلاّ لم يحسن فطلبه دليل على حسنه ولا حسن إلاّ عند وجود المقتضي وحيث يوجد يجب فالطلب له لا يقع إلاّ على وجه الإيجاب انتهى واعترضه سلطان العلماء بأن هذا ممنوع إن أراد بحصول المقتضي حصوله جزما أو ظنّا إذ ربّما كان الاحتراز حسنا بمجرّد احتمال المقتضي فيمكن طلبه ندبا كترك الوضوء بالماء المشمّس ندبا باحتمال حصول البرص وإن أراد حصول المقتضي ولو احتمالا فلا نسلم أنّه لو حصل لوجب انتهى وفيه نظر لأنّ دفع الضّرر الدّنيوي المحتمل وإن سلمنا عدم وجوبه إلاّ أنّه لا إشكال في وجوب دفع الضّرر الأخروي المحتمل فلا وجه للحكم بالندب مع احتماله كما اعترف به في مبحث الأوامر عند الاستدلال بقوله تعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) على دلالة صيغة الأمر على الوجوب ولا ريب أنّ المقصود من الحذر هنا هو الاحتراز عن احتمال العقاب المرتب على مخالفة الخبر المنذر به وأمّا ما ورد في الخبر من أن من اتخذ شعرا فلم يفرقه فرّقه الله تعالى بمنشار من النّار فهو محمول على التّأكيد والمبالغة واستحباب التّفريق لا أنّه تعالى يفعل ذلك مع أنّه لا معنى لاستحباب الحذر عن مخالفة خبر دال على الوجوب أو التّحريم لأن الكلام في المقام في إثبات حجيّة خبر دال على أحدهما لا في حجيّة خبر دال على استحباب فعل أو كراهته أو إباحته لكفاية الخبر الضّعيف في إثبات الأولين للتّسامح وأصالة البراءة في الثالثة فالمقصود من الاستدلال بالآية إثبات حجيّة خبر دالّ على الوجوب أو التّحريم ولا معنى لاستحباب الحذر عن مخالفة مثل هذا الخبر مع بقاء الوجوب أو التّحريم على حقيقتهما وثانيها ما ذكره المصنف رحمه‌الله أيضا تبعا لصاحب الفصول من دعوى الإجماع المركب وحاصله أنّ القول هنا منحصر في الحرمة والوجوب فإذا ثبت الجواز فلا بد أن يكون في ضمن الوجوب لأن تحقّقه في ضمن الاستحباب خرق للإجماع المركّب وثالثها ما ذكره بعض مشايخنا من أنّه لا ريب أن كلمة لعلّ ليست على حقيقتها لامتناع نسبة التّرجي إليه سبحانه مثل امتناع نسبة المكر والحيلة والخدعة إليه تعالى حقيقة لأنّ نسبة هذه المذكورات إليه تعالى من قبيل نسبة المبادي وإرادة غاياتها على سبيل الاستعارة التمثيليّة إذ الظّاهر من حال المترجي إرادة وقوع الفعل المترجّي بحيث لا يرضى بتركه وينتظر وقوعه وحينئذ نقول إنّ الله تعالى شبه الهيئة الحاصلة من جانبه تعالى من طلب الحذر وإرادته بالهيئة الحاصلة للمترجي من توقع وقوع الفعل المترجى وعدم الرّضا بتركه بجامع الطّلب وعدم الرّضا بالتّرك فاستعمل الجملة المشتملة على كلمة الترجي في إنشاء طلب الحذر على وجه الإيجاب مثل قولهم يقدم رجلا ويؤخّر أخرى وهذا ألطف الوجوه وأدقها ويحتمل أن يكون التعبير بلفظ التّرجي حكاية لحال المنذرين لكونهم مترجين للحذر بإنذارهم ورابعها ما يظهر من المحقّق القمي رحمه‌الله ومحصّله أنّ كلمة لعلّ للترجي وهو ممتنع على الله تعالى فلا بدّ من إخراجها من ظاهرها وأقرب مجازاتها الطلب ولا معنى لاستحباب الحذر هنا بأن يستحب الحذر عمّا أنذر بخبر الواحد بمعنى العمل بمدلوله مطلقا سواء كان مدلوله ندبا أم واجبا إذ القول باستحباب العمل بخبر الواحد المفيد للوجوب مع بقاء الوجوب على معناه الحقيقي ممّا لا يتصور له معنى محصّل فإنّ استحباب الواجب لا يتصوّر إلا في أفضل فردي الواجب التخييري والمفروض أنّه لا يتصوّر له فرد آخر سوى العمل بمقتضى الأصل فإنّ الكلام في العمل بخبر الواحد من حيث هو لا إذا كان معارضا بظاهر الآية والإجماع وغيرهما والتخيير بين العمل بالأصل والعمل بخبر الواحد لا معنى له لأنّه إمّا أن يعتبر مفهوم الأصل وخبر الواحد المقابل له كليّين بأن تجعل المسألة أصوليّة ويقال إنّ المكلف مختار بين أن يعمل على مقتضى الأصل بأن يقول لا حكم في المسألة بالخصوص من الشارع لأنّ الأصل عدم الحكم الشّرعي وبين أن يعمل بمقتضى خبر الواحد بأن يقول ورد في المسألة حكم من الشّارع فيرجع هذا إلى التّخيير في الإذعان بثبوت الحكم وعدم ثبوته ولكن يستحب الإذعان بثبوت الحكم وإمّا أن يعتبر الأصل الخاص في مقابل الخبر الخاصّ بأن تجعل المسألة فقهيّة ويقال إنّ الأصل براءة الذمّة عن مقتضى الوجوب الّذي هو مدلول الخبر الخاص مثلا وإنّ المكلف مخيّر بين أن يعلم ذمّته بريئة من هذا التّكليف وبين أن يعلم ذمّته مشغولة بمقتضى مدلول الخبر وعلى الفرضين لا يصحّ فرض جواز اعتقاد الوجوب الّذي هو مدلول الخبر فيتعيّن أن يكون المراد هو وجوب الحذر الّذي بمعنى وجوب العمل بالمنذر به الّذي هو مدلول الخبر وخامسها ما حكاه المحقّق المذكور عن المشهور من أن كلمة لعلّ للتّرجي وهو ممتنع على الله تعالى فلا بد من إخراجها من ظاهرها وأقرب مجازاتها الطّلب الّذي هو في معنى الأمر الظاهر في الوجوب ثمّ قال وهو

١٥٤

فاسد كما بيّناه في مبحث الأمر ولا يخفى أنّ المحقق المذكور لم يذكر في مباحث الأوامر ولا في غيرها ما يبيّن فساد ذلك فتدبّر(قوله) أحدهما وقوعه غاية للواجب إلخ هو الإنذار توضيحه أنّ كلمة لو لا في الآية إمّا للتّنديم أو التّخصيص وكلاهما يفيدان الوجوب والأوّل ظاهر وأمّا الثّاني فإنّه الطّلب على وجه الإلزام والتفقه في الدّين غاية للنفر والإنذار إمّا غاية له أيضا أو لغايته كما يقال ادخل السّوق فاشتر الخبر لتأكل ولتشبع لأنّ الأكل غاية للشّراء والشّبع إما غاية له أيضا وعليه يكون عطف الإنذار على التفقه لأجل ترتّبه على النفر بواسطته أو للأكل ووجوب النفر يستلزم وجوب التفقه والإنذار لكونه مقدّمة لهما وإذا وجب الإنذار يجب الحذر لكونه مقدّمة له ومعنى وجوب الحذر على ما تقدّم سابقا هو وجوب العمل بمقتضى ما تضمنه الخبر المنذر به وهو المطلوب (قوله) ما كان المؤمنون إلخ أي ليس لهم النفر كافّة(قوله) من أنّ المراد يعني بالتفقه (قوله) من قبيل الفائدة لا الغاية إلخ الفائدة ما ترتب على الشّيء من دون أن يكون داعيا وباعثا للفاعل إليه ولذا تستعمل في غير الأفعال أيضا والغاية هو الغرض الدّاعي إليه فتختصّ بالأفعال (قوله) أولا إنّه ليس في صدر الآية إلخ لاحتمال كون المراد به بيان كون التفقه وتحصيل الأحكام الشرعيّة واجبا كفائيّا لا عينيّا ويمكن أن يجاب أيضا بأنّ اللاّم في قوله تعالى (لِيَتَفَقَّهُوا) و (لِيُنْذِرُوا) على ما ذكر في السّؤال تكون للعاقبة والصّيرورة دون الغرض على ما نصّ عليه أبو البقاء في قوله تعالى (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) وهو معنى مجازي لا يصار إليه بلا قرينة(قوله) وثانيا لو سلم إلخ فإن قلت أيّ فرق بين هذا الجواب والجواب الثّالث قلت توضيحه يحتاج إلى بيان المعاني المحتملة في الآية على ما يستفاد من كلام المصنف رحمه‌الله وهي وجوه أحدها ما أشار إليه في السّؤال من أن تكون الآية واردة في الحث والترغيب إلى النّفر إلى الجهاد خاصّة وكان التفقه والإنذار من الفوائد المرتبة عليه لا من غاياته وكان المراد بالتفقه فهم النّافرين لحقيّة الإسلام لأجل مشاهدة آيات الله تعالى في الحروب من نضرة المسلمين وغلبتهم على عدوّهم مع قلّة عددهم وكونهم بلا زاد وسلاح وكثرة عدوّهم وقوتهم وسائر ما يشاهدونه في أثناء الطّريق من المعجزات الظاهرة والدّلائل الواضحة فالمقصود هو الأمر بالنّفر إلى الجهاد ليفهم النّافرون حقية الإسلام بمشاهدة هذه الآيات لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم بالأخبار عمّا شاهدوه من الآيات والمعجزات لعل المتخلّفون يحذرون باستماع هذه الآيات وتذكرها وعليه فالضّمائر في قوله (لِيَتَفَقَّهُوا) و (لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ) ورجعوا عائدة إلى النافرين وفي قوله إليهم ولعلّهم إلى القوم المتخلفين في المدينة وثانيها ما أشار إليه في الجواب الأوّل من كون المراد هو النّفر لتعلم المسائل الشّرعيّة وعليه فالضّمائر كسابقه وثالثها ما أشار إليه في الجواب الثّاني من كون المراد هو النّفر إلى الجهاد وكان التفقه والإنذار غاية لإيجاب نفر طائفة من كل قوم وعليه فالضّمائر كسابقيه ورابعها ما أشار إليه في الجواب الثّالث من كون المراد هو النفر إلى الجهاد أيضا وكان التّفقه والإنذار غاية كسابقه إلاّ أنّ المراد هنا تفقّه المتخلفين وإنذارهم النّافرين بعد رجوعهم إليهم بخلاف سابقه فإنّ المراد فيه تفقه النافرين كما لا يخفى وعلى هذا المعنى فالضّمائر في قوله ليتفقّهوا ولينذروا قومهم وإليهم عائدة إلى المتخلفين وفي رجعوا ولعلّهم إلى النّافرين ويؤيّده ما عن بعض المفسّرين حيث ذكر أنّه لما نزل في المتخلفين عن الجهاد فكاهلا ما نزل كانوا إذا بعث النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سرية إلى الكفّار ينفرون جميعا ويتركونه منفردا فنزلت الآية دلالة على الأمر بأن تبقى جماعة عند النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليتفقهوا في الدّين ويتعلّموا مسائل الحلال والحرام فينذروا الطّائفة الذين برزوا إلى الجهاد عند رجوعهم إلى الفرقة المتخلفة عنده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويعلّموهم ما تعلموا من نبيّهم من مسائل الدّين والآية على ما عاد الأول من المعاني المذكورة تدل على حجّية خبر الواحد وهو واضح هذا بناء على الاستدلال على وجوب الحذر بالوجه الثّاني من الوجهين الذين أشار إليهما المصنف رحمه‌الله كما هو محلّ الكلام وإلا فعلى الوجه الأوّل منهما فهي تدل على حجيّة خبر الواحد على جميع المعاني المذكورة(قوله) أن يكون النفر إلخ النفر بالسّكون جمع نافر قاله في القاموس (قوله) وإن لزم مخالفة الظاهر إلخ بناء على ظهور صدر الآية في النّفر إلى الجهاد فعلى الجواب الأوّل يلزم مخالفة الظّاهر في السّياق وعلى الثّالث مخالفة ظاهر بعض الألفاظ وهي لزوم التفكيك في الضّمائر بخلاف المعنى المذكور في السّؤال لعدم لزوم شيء منهما عليه (قوله) فهو أعرابي إلخ قال الطّريحي في بيان الحديث بفتح الهمزة نسبة إلى الأعراب وهم سكان البادية خاصة ويقال لسكان الأمصار عرب وليس الأعراب جمعا للعرب بل هو ممّا لا واحد له نصّ عليه الجوهري (قوله) قال لا يسعه إلخ يحتمل أن يكون المعنى قال ليس كذلك بل يسعه ذلك إلى أداء حقّ النفر ويحتمل أن يكون المعنى لا يسعه إهمال معرفة الإمام عليه‌السلام بل يجب النفر وتحصيل المعرفة بذلك (قوله) إذا بلغهم إلخ أي موت الإمام وقوله إنّ الله عزوجل إلى آخره في موضع التّعليل (قوله) الحديث منقول بالمعنى إلخ عن العلل عن الصّادق عليه‌السلام أنّه قيل له عليه‌السلام إنّ قوما يروون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال اختلاف أمّتي رحمة فقال صدقوا فقيل إن كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب قال ليس حيث تذهب وذهبوا إنّما أراد قول الله عزوجل (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ) الآية فأمروا أن يتفرّقوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويختلفوا إليه فيتعلموا ثم يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم إنّما أراد اختلافهم من البلدان لا الاختلاف في دين الله إنّما الدّين واحد(قوله) الأوّل أنّه لا يستفاد (١٣) حاصله منع انسياق الآية لبيان وجوب الحذر مطلقا لأنّ المنساق منها مطلوبية وجوبه عقيب الإنذار في الجملة ساكتة عن بيان كون وجوبه مطلقا أو مقيّدا بحصول العلم فلا تدّل على مطلوبيّته مطلقا كما هو المدعي ولكنّك خبير بأن هذه الدّعوى بعيدة عن الإنصاف إذ لا أعلم وجه فرق بين هذه الآية وسائر المطلقات التي تداول التّمسّك

١٥٥

بها بين العلماء رضوان الله عليهم ولذا استدلّ العلماء بها على وجوب الاجتهاد كفاية ووجوب التقليد على العوام فالأولى في توضيح الإيراد أن يقال إن الاستدلال بالآية مبني على دلالتها على وجوب الحذر ووجه الدّلالة أن كان لزوم لغوية الإنذار لولاه يرد عليه منع لزومها إذ يكفى في إخراجه من اللغوية وجوب الحذر على تقدير حصول شرط مثل حصول العلم أو الوثوق من الخبر المنذر به وإلاّ فمجرّد وجوب الإنذار لا يقتضي وجوب الحذر مطلقا نظير وجوب الشهادة على كلّ واحد من الشّاهدين مع عدم وجوب قبول شهادة الواحد منهما ما لم تنضم إليها شهادة الآخر بل ومع عدم وجوب قبول شهادتهما على الحاكم والعمل بمقتضاها قبل التماس المدعي الحكم ومن هنا يظهر ضعف استشهاد تمسّك الشّهيد الثّاني بآية حرمة كتمان النّساء ما خلق الله في أرحامهنّ لمنع استلزام حرمة الكتمان لقبول قولهنّ لاحتمال كونه مشروطا بشرط واعتماد أكثر الفقهاء في فتواهم بوجوب قبول قولهنّ في الحيض واليأس والعدّة أنّما هو على الأخبار الدّالة على كونهن مؤتمنات ومصدقات في أرحامهنّ لا على الآية ولذا لم يتمسّكوا بها والحاصل أن ما ذكر من اللغويّة أنّما يلزم لو لم يجب الحذر من رأس عند وجوب الإنذار لكن لا يلزم منه كون وجوب الإنذار علّة تامّة لوجوب الحذر مطلقا لما عرفت من كفاية كون وجوبه مقتضيا لوجوب الحذر ولو على تقدير حصول شرط في الإخراج من اللغويّة ومن هنا يظهر ضعف الاستدلال أيضا لو كان مناط استفادة وجوب الحذر هو استلزام وجوب الإنذار له من حيث استلزام وجوب المقدّمة وجوب ذيها لأنّ ذلك أنّما يتم على تقدير كون الإنذار في نظر الشّارع علّة تامّة للحذر يعني للعمل بالمنذر به وليس كذلك لاحتمال كونه من قبيل المقتضي وإن كان ظاهر كلمة لعلّ بعد تعذر إرادة معنى التّرجي منها في خصوص المقام على أحد الوجوه المقدّمة سابقا يرد عليه أنّ غايته أن تكون مطلوبيّة الحذر لله سبحانه على نحو مطلوبيّة الفعل المترجى للمترجي كما هو مقتضى تشبيه حالة الطّالب بحالة المترجي ولا ريب أنّ التّرجي أنّما هو فيما لا يمكن وصول المترجي إلى الفعل المترجى إلا بعد حصول مقدّمات غير مقدورة له فكما أنّ المترجي إنّما يترجى الفعل على تقدير حصول هذه المقدّمات كذلك يمكن أن يكون طلب الحذر من الله تعالى على تقدير حصول العلم أو الوثوق من الخبر المنذر به وحيث كان حصول العلم أو الوثوق مرتبا غالبا على الإنذار اكتفي عن ترتيبه عليه بترتيب الحذر المرتب على العلم أو الوثوق وما يؤيّد ما ذكرناه أنّ الشّارع لو كان مصرحا باعتبار حصول العلم من الخبر المنذر به لم يكن منافيا لظاهر الآية ويؤيّده أيضا أنّ النافرين المنذرين في عهد الأئمّة عليهم‌السلام سيّما عند نزول الآية لم يكن إلا المعروفين بالصّدق والمشهورين بالصّلاح إذ من الواضح أنّ الخارج من بلد لأخذ الأحكام وتعلم الحلال والحرام الّذي يتوقع منه إنذار قومه بعد رجوعه إليهم لا يكون غالبا إلاّ المعروف بالصّدق والصّلاح والزّهد والتّقوى سيّما المدركين لخدمة الأئمّة عليهم‌السلام والآخذين للأحكام منهم ولا ريب في إفادة خبر مثل هذا الشّخص غالبا للعلم أو الوثوق وحينئذ يمكن أن يكون عدم اشتراط حصول أحدهما في حصول الحذر لأجل حصوله غالبا من إنذار المنذرين مضافا إلى شمول الآية للموارد الّتي لا يطلب فيها إلا العلم بتواتر أو وجود قرائن كالنّفر لمعرفة الإمام عليه‌السلام بعد مضي إمام سابق عليه‌السلام كما يظهر من جملة من الأخبار الّتي أوردها المصنف رحمه‌الله وهذا غاية توضيح المقام وهو بعد لا يخلو من نظر لأنّ وجوب الحذر لو كان مشروطا بحصول العلم بإنذار المنذر كان وجوبه مقيدا به وكذلك إطلاق الطّائفة المنذرة والأصل عدم التقييد فإن قلت إنّ مخالفة التقييد للأصل أنّما هو فيما كان المطلق وارد البيان الإطلاق والمقام ليس كذلك لو ورد المطلق فيه مورد الغالب كما سيصرح به في آخر كلامه ومن هنا يحصل الفرق بينه وبين آية حرمة كتمان النّساء لما في أرحامهنّ إذ الغالب عدم إفادة قولهن للعلم بخلاف ما نحن فيه ولذا صحّح في ذيل ما أورده على الآية الآتية الاستدلال باستلزام حرمة الكتمان لوجوب قبول قولهن وإلا لغا التّحريم ومنعه في المقام قلت نمنع الغلبة في مورد الآية لأن نفر عدد التّواتر من كلّ قوم أو احتفاف الإنذار بقرائن القطع نادر جدّا ويتضح ذلك لو قيس ذلك بنفر المقلّدين لتحصيل الأحكام الشرعية وأخذها من المجتهد إذا كان في بلد آخر سيّما إذا كان بعيد المسافة ومع تسليم نفر عدد التواتر فلا ريب أنّه قلما يتفق أخبار جميعهم عن قضيّة واحدة لندرة تواطئهم على السّؤال عن حكم خاصّ ومع تسليم حصول غلبة نفر عدد التّواتر من كل فرقة في الجملة نمنع حصول الغلبة بالنسبة إلى آحاد المتخلّفين إذ لا بد في المقام من دعوى غلبة نفر عدد التواتر وإنذار هذا العدد لأغلب المتخلّفين وشيء من الغلبتين غير معلوم التّحقق في المقام فإن قلت إن لم يكن وجوب الحذر مشروطا بحصول العلم بإنذار المنذرين كيف استشهد الإمام عليه‌السلام الآية الشّريفة في مسألة معرفة الإمام عليه‌السلام قلت مع تسليم تواتر هذه الأخبار كي تصلح لتقييد الآية إنّ الآية وإن كانت مطلقة إلا أن استشهاد الإمام عليه‌السلام في مسألة الإمامة لعلّه بضميمة ما ذكر في الأذهان من مطلوبية العلم فيها فاستشهادها فيها أنّما هو لبيان وجوب النّفر لمعرفة الإمام عليه‌السلام وأخبار النّافرين للمتخلفين بذلك ووجوب عملهم به في الجملة بمعنى وجوبه على تقدير حصول العلم لهم بأخبارهم لما ركز في أذهانهم من اعتبار العلم في مسألة الإمامة وهو لا ينافي إطلاق الآية بالنّسبة إلى غيرها لأن تقييدها بالنّسبة إلى مسألة الإمامة أو غيرها لا ينافي إطلاقها بالنّسبة إلى غيرها ولذا استدل أصحابنا بها على وجوب تحصيل الاجتهاد وكونه كفائيا مع أنّ كلمة لعل بعد تعذر معناه الحقيقي ظاهرة في الطّلب الإلزامي المولوي فلو كان وجوب الحذر مشروطا بحصول العلم كان الأمر به إرشاديّا وهو خلاف الظّاهر(قوله) إنّ التّفقه الواجب

١٥٦

ليس إلاّ معرفة الأمور الواقعيّة إلخ لأنّ الدّين عبارة عن أمور واقعية وهذا الإيراد في غاية من الضّعف إذ بعد كون المراد بالحذر وجوب العمل والقبول وبالإنذار إبلاغ الحكم مطلقا كما عليه مبنى هذا الإيراد لا إبلاغه على وجه التخفيف كما عليه مبنى الإيراد الثالث فلا ريب في ظهور الآية في إنشاء حكم ظاهري لوجوب التعبد بخبر المنذرين لأنها حينئذ نظير قولك لزيد إذا أخبرك عمرو بأمري يجب عليك امتثاله وأمّا تنظيره على قول القائل أخبر فلانا بأوامري لعلّه يمتثلها فهو قياس مع الفارق لأنّ القياس أن يخاطب نفس فلان كما مثّلنا به لعدم اختصاص الخطاب في الآية بالمنذرين وأمّا قياسه على جميع ما ورد من بيان الحق للنّاس ففيه أنّ الأمر ببيان الحق للنّاس غير أمر النّاس بالعمل بما يخبر به المخبر وما نحن فيه من قبيل الثّاني دون الأوّل لسكوته عن كيفيّة العمل رأسا(قوله) قوله ومن المعلوم أنّ التخويف لا يجب إلخ وجوب التخويف على المجتهد الواعظ أو المفتي والتخوّف على المتّعظ والمستفتي لا يخلو من نظر بل منع نعم ربّما يجب في مقام الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لكن لا دخل لذلك في الاجتهاد والتقليد والوعظ والاتعاظ لأنّ ذلك كلّه عناوين مختلفة وإن كان يجتمع بعضها مع بعض بحسب المورد وبالجملة فحمل الآية على مسألة الوعظ والتقليد لا يخلو من نظر أو منع فتدبّر (تنبيه) اعلم أنّه قد ظهر ممّا ذكره المصنف رحمه‌الله وما علقناه على كلامه أنّ الآية الشّريفة تحتمل وجوها كل منها لا يخلو من إشكال أحدها أن يكون المراد وجوب النّفر لتعلّم الأحكام الشرعيّة لأجل إنذار الجهاد بإرشادهم إليها وتعليمها إيّاهم وحاصله وجوب التفقه والاجتهاد كفاية والإفتاء للعامي بما تعلموا منها وثانيها وجوب تعلّمها وإنذار العباد بالوعظ وبيان ما وعد الله عباده في الإطاعة والعصيان من الثواب والعقاب وثالثها وجوب تعلّمها لأجل أمر العصاة بالمعروف ونهيهم عن المنكر ورابعها وجوب النّفر إلى الجهاد وخامسها وجوب النّفر لمعرفة الإمام وسادسها وجوب النّفر لأجل تعلّم الأخبار ونقلها إلى المتخلفين والتّقريب في الكلّ يظهر ممّا ذكره المصنف رحمه‌الله وما قدمناه في الحواشي السّابقة ويرد على الأوّل أوّلا أن الفقه لغة وعرفا بمعنى الفهم والعلم لا بالمعنى المصطلح عليه المبنى على استعمال ظنون اجتهادية لتأخّر حدوثه عن زمان صدور الآية فلا يمكن حمله عليه وبعبارة أخرى أنّ التّفقه في الدّين أعني معرفة الأحكام الشّرعيّة أنّما يصدق على الاجتهاد المصطلح عليه على تقدير اعتبار ظنون المجتهد شرعا وكونها كالعلم بدليل آخر فلا يمكن إثباته بالآية وثانيا أن الإمام عليه‌السلام قد استشهد الآية لوجوب معرفة الإمام عليه‌السلام بعد مضي إمام سابق عليه كما تضمّنته جملة من الأخبار الّتي نقلها المصنف رحمه‌الله فوجوب معرفة الإمام مراد منها لا محالة فلو شملت مع ذلك وجوب تحصيل الاجتهاد أيضا لزم منه استعمال اللّفظ في معنيين لأن معرفة الإمام واجب عقلا فيكون الأمر بها إرشاديّا نظير الأمر بإطاعة الله تعالى ورسوله والأمر بتحصيل الاجتهاد وتقليد العامي للمجتهد مولويّ وهما معنيان متغايران فلا يجوز إرادتهما من لفظ واحد في استعمال واحد فتأمل وثالثا أنّ كلمة لو لا إذا دخلت على الماضي فهي للتنديم والتوبيخ وإذا دخلت على المستقبل فهي للتّخصيص والتّوبيخ على الماضي أنّما يصحّ مع سبق علم المخاطب بوجوب هذا الفعل عليه لقبح توبيخ الجاهل رأسا فلو كان المراد بالتفقه هو الاجتهاد لزم معرفة المخاطب بوجوبه بغير الآية والفرض في المقام إثبات وجوبه لها مع قطع النّظر عن دلالة دليل آخر عليه ورابعا أنّ الإنذار هو التبليغ مع التخويف والحذر هو التخوّف وقد أشرنا في الحواشي السّابقة إلى عدم وجوب التّخويف والتخوّف في بيان المجتهد للفتاوى وأخذ المقلّد لها منه ويرد على الثّاني والثالث أوّلا أنهما مخالفا الأخبار التي نقلها المصنف فإنها ما بين دال على كون المراد وجوب النفر لتعلم الأخبار ومسائل الحلال والحرام وتعليمها للمتخلفين ودال على كون المراد وجوب النفر لمعرفة الإمام بعد الإمام وثانيا أن مطلوبية الوعظ والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر أنّما هي لملاحظة حال الغير لا حال الواعظ والآمر والنّاهي ولا ريب أنّ مطلوبية النفر والتفقه في الدّين ليست لمجرّد مطلوبيّة الإنذار والحذر إذ مطلوبيّة عمل المتفقه بما تعلم من مسائل الحلال والحرام ملحوظة فيه لا محالة إذ المنساق من الآية هو مطلوبيّة التفقه لأجل عمل المتفقه وغيره بما تفقه فيه وعلى الرّابع أولا أن حملها على بيان وجوب النفر للجهاد خاصة تقييد في إطلاقها والأصل عدمه وثانيا أنّه مخالف للأخبار الّتي نقلها المصنف رحمه‌الله لأجل دلالتها على كون وجوب النّفر لأجل تعلّم مسائل الحلال والحرام أو معرفة الإمام عليه‌السلام وعلى الخامس أنّه مخالف لرواية الفضل وعلي بن حمزة وغيرهما مضافا إلى كونه تقييدا في إطلاق الآية والأصل عدمه وعلى السّادس ما أورده المصنف رحمه‌الله من وجوه الإشكال وإن كان بعضها ضعيفا نعم يمكن أن يقال إنّ العمدة ممّا أورده المصنف رحمه‌الله عليه هو الإيراد الثّالث لما تقدم من ضعف الأولين منها ويمكن دفعه أيضا بأنّ المستفاد من الأخبار التي نقلها هو عدم اعتبار التّخويف في الإنذار وعدم اعتبار التخوّف في الحذر بمعنى كون المراد بهما في الآية تعلّم الأحكام وتعليمها للمتخلفين من دون اعتبار تخويف وتخوف في ذلك وذلك لأنّ هذه الأخبار على أصناف منها ما دل على كون المراد وجوب النّفر لتعلم أخبار الأئمة عليهم‌السلام ونقلها إلى المتخلفين كرواية الفضل ومنها ما دل على كون المراد وجوب النّفر لتعلم الأحكام الشّرعية وتعليمها للغير كرواية أبي حمزة وعبد المؤمن ومنها ما دلّ على كون المراد وجوب النفر لمعرفة الإمام ولا يجب التخويف والتخوّف في شيء ممّا ذكرناه نعم قد يجب أن في الأخيرين من باب الأمر بالمعروف للعصاة ولا يمكن حمل الآية على ذلك خاصّة لمنافاته للأخبار المذكورة فلو حمل الإنذار والحذر في الآية على الأعمّ ممّا يعتبر فيه التخويف والتخوّف وممّا لا يعتبران فيه لزم استعمال اللّفظ في معنيين إذ التبليغ مع التخويف كما هو ظاهر لفظ الإنذار غير التبليغ المطلق مع أنّ حمله على المعنى الأعم كاف في المقام اللهمّ إلاّ أن يقال إن الأخبار المذكورة من قبيل الآحاد الّتي لا تصلح لصرف الآية عن ظاهرها في مثل المقام وهو مشكل مع أنا قد أسلفنا سابقا عدم اعتبار التخويف والتخوّف إلا في باب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وقد عرفت عدم صحّة حمل الآية على

١٥٧

ذلك أو ما يشمله فإن قلت سلمنا تواترها إلا أنّ جملة منها تدلّ على اعتبار إفادة الخبر للعلم بالمخبر به لورودها في معرفة الإمام عليه‌السلام فلا يمكن الاستناد إليها في المقام قلت مقتضى الآية اعتبار خبر الواحد مطلقا واشتراط العلم في مسألة الإمامة ثابت من الخارج فلا يصحّ تخصيص الآية بما يفيد العلم مطلقا بذلك (قوله) تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ) إلخ الآية في سورة البقرة والمعروف هو الاستدلال بهذه الآية واستدل هو شارح المختصر فيما حكي عنه بآية أخرى بعدها وهي قوله سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) والظاهر اشتباه الأمر عليه وحسبان أنّ هذه هي المستدل بها في المقام وكيف كان فتقريب الاستدلال كما أشار إليه المصنف ره أنّ المروي عن الأئمّة عليهم‌السلام من الهدى والبيّنات فيحرم كتمانه فإذا حرم كتمانه يجب إظهاره فإذا وجب إظهاره وجب قبوله وإلاّ لغا تحريم الكتمان (قوله) يرد عليها ما ذكرنا إلخ مضافا إلى أنّ الآية أنّما نزلت في اليهود حيث كانوا يكتمون ما عرفوه في التّوراة من آيات نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله فلعنهم الله تعالى بفعلهم هذا ولا ريب أن قول اليهود ليس بحجّة إلاّ إذا أفاد العلم سيّما في مسائل الاعتقاد وإلى أنّ الآية أنّما تدلّ على حرمة كتمان ما بينه سبحانه في الكتاب خاصّة والمراد بالكتاب إمّا خصوص القرآن وإمّا مطلق الكتب السّماويّة كما يشهد به نزولها في اليهود فحرمة الكتمان أنّما تستلزم وجوب إظهار ما بيّنه تعالى في الكتاب للنّاس ووجوب إظهاره أيضا أنّما يستلزم قبول ما بينه الله تعالى في الكتاب فوجوب القبول فرع العلم بكون ما يجب قبوله ممّا بيّنه سبحانه في كتابه وحينئذ نقول إنّ شمول الآية لما أخبر به العادل فرع العلم بكون ما أخبر به مما بينه تعالى في كتابه فلا تشمل ما لم يوجد حكمه فيه وإلى أنّ الكتمان يطلق ويراد به تارة مجرّد عدم إظهار الشّيء وأخرى إخفاؤه عن قصد وظاهر الآية هو الثّاني دون الأوّل كما يشهد به موردها حيث كان اليهود يخفون ما عرفوه في التّوراة من آيات نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصفاته هذا ويمكن دفع الأوّل بأنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص المورد والثّاني بالعلم بتحقّق المناط في غير ما بيّنه الله تعالى في الكتاب أيضا ممّا هو من قبيل الهدى والبيّنات والثالث بأنّ ظاهر لفظ الكتمان لغة هو المعنى الأوّل نعم يطلق على الثّاني أيضا شائعا في العرف إلاّ أنّ الظّاهر كونه حقيقة في الأوّل (قوله) بالأمر الّذي يحرم أي الأمر الواقعي الثّابت من الدين (قوله) بناء على أن وجوب السّؤال إلخ التّقريب الأتم والأوضح أن يقال إنّ المراد بالذّكر إمّا القرآن أو العلم فإذا وجب سؤال أهل القرآن والعلم بحكم الآية وجب قبول قولهم وإلاّ لغا وجوب السّؤال فإذا وجب القبول على تقدير سبق السّؤال وجب بدونه أيضا بالتقريب الذي ذكره وحاصله أنّ وجوب السّؤال من باب المقدّمة للعمل بقبول المسئول فلا خصوصيّة لسبق السّؤال في وجوب العمل بقوله مضافا إلى عدم الفاصل بين المسبوق به وغيره وإلى أنّ السّؤال عبارة عن طلب الإنسان ما يفقده عنده عن مظانّه عند الحاجة إليه وهو كما يصدق على سؤال الرّاوي شفاها كذلك يصدق على رجوع المجتهد إلى كتب الأخبار المأخوذة من الرّواة عند الحاجة إلى استنباط الأحكام لكونه رجوعا إليهم في الحقيقة فتأمل (قوله) فظاهرها بمقتضى السّياق إلخ لأنّ ظاهرها أنّ المأمور بالسّؤال هو اليهود والمسئول عنه هو الأنبياء السّالفون من حيث كونهم بشرا أو ملائكة لأنّ الكفار لمّا استبعدوا كون المبعوث من قبل الله تعالى بشرا قالوا لو شاء الله لأنزل ملائكة فأمرهم الله تعالى بسؤال علمائهم عن ذلك وأخبرهم أيضا بأنّ السّنة الجارية من الله تعالى في السّلف والخلف ليست إلاّ أن يكون الرّسل من سنخ البشر بوحي إليهم فقوله تعالى إلاّ رجالا أي لا ملائكة وقوله سبحانه (أَهْلَ الذِّكْرِ) أي العالمين بالتّوراة والإنجيل من علمائهم وقوله عزوجل (بِالْبَيِّناتِ) متعلق بمحذوف أي أرسلناهم بالحجج الواضحة والزّبر أي الكتب (قوله) ففيه أولا أنّه ورد إلخ قد يتوهّم أنّ سؤال الإمام يصدق على سؤال الرّاوي عنه وغاية الأمر أن يكون ذلك سؤالا بواسطة مضافا إلى احتمال كون تفسير أهل الذّكر بالأئمة عليهم‌السلام من باب التّفسير بالفرد الأكمل وهو ضعيف أمّا الأوّل فلمنع الصّدق وأمّا الثّاني فلاندفاعه بالحصر المستفاد من قول الباقر عليه‌السلام فيما رواه في الكافي عن العيّاشي حيث قيل له إنّ من عندنا يزعمون أنّ قول الله (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) أنّهم اليهود والنّصارى قال إذا يدعونكم إلى دينهم ثمّ قال مشيرا بيده إلى صدره نحن أهل الذّكر ونحن المسئولون وكذا من قول الصّادق عليه‌السلام إيّانا عنى ونحن أهل الذّكر ونحن المسئولون ونحوهما صحيحة الوشاء(قوله) وثانيا أنّ الظّاهر إلخ يرد عليه أنّ الظّاهر أن قولنا إن لم تعلم كذا فاسأل فلانا إنّما يقال حيث ثبتت حجيّة قول فلان من الخارج لا في مقام يطلب فيه حصول العلم للسّائل من قول فلان والفرق بينهما واضح فالآية على ما ذكرناه تدل على حجيّة قول أهل العلم (قوله) ولو بسماع رواية عن الإمام عليه‌السلام إلخ لأنّ الرّاوي إنّما يسمّى راويا من حيث نقل ألفاظ الإمام عليه‌السلام مع قطع النّظر عن فهم معناها ولذا لا يجب اتباع ما فهمه منها وإن كان ما نقله حجّة فهو من هذه الحيثيّة لا يسمّى أهل العلم (قوله) ليس سؤالا عن أهل العلم الأولى أن يقال سؤال أهل العلم لأنّ أهل العلم مسئولون لا مسئول عنهم (قوله) من جملة الآيات في سورة البراءة إلخ عن القمي أنّ عبد الله بن نفيل كان منافقا وكان يقعد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيسمع كلامه وينقله إلى المنافقين ينمّ عليه فنزل جبرئيل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال يا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّ رجلا من المنافقين ينم عليك وينقل حديثك إلى المنافقين فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هو فقال الرّجل الأسود كثير شعر الرأس ينظر بعينين كأنّهما قدران وينطبق بلسانه شيطان فدعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره

١٥٨

فحلف أنّه لم يفعل فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قبلت منك فلا تقع فرجع إلى أصحابه فقال إنّ محمّدا أذن أخبره الله أني أنمّ وأنقل أخباره فقبل فأخبرته أنّي لم أفعل فقبل فأنزل الله على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ومنهم الذين يؤذون النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الآية وفي سبب نزولها أقوال أخر نقلها الطّبرسي وقوله تعالى أذن خير قرء بالضمّ والتّنوين فيهما وقرء بالإضافة والمعنى أنّ جماعة من المنافقين يؤذون النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقول ويقولون هو أذن أي يستمع إلى ما يقال له ويصغي إليه ويقبله فأطلق عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله اسم العضو المخصوص مبالغة في كثرة استماعه لما يقال له فكأنه لذلك صار آلة الاستماع فردّ عليهم الله تعالى بقوله قل يا محمّد هو أذن خير يستمع إلى ما هو خير لكم قيل وهو الوحي وقيل معناه يسمع الخبر ويعمل به هذا على قراءة الإضافة وإمّا على قراءة الضمّ والتّنوين فالمعنى أنّ كونه أذنا أصلح لكم لأنّه يقبل عذركم ويستمع إليكم ولو لم يقبل عذركم كان شرّا لكم فكيف تعيبونه بما هو خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين يعني لا يضرّه كونه أذنا فإنّه أذن خير فلا يقبل إلاّ الخبر الصّادق من الله تعالى ويصدق المؤمنين فيما يخبرونه ويقبل منهم دون المنافقين واللاّم مزيدة للتفرقة بين الإيمانين (قوله) بل قرنه بالتّصديق إلخ لأنّه يشهد بكون المراد بتصديق المؤمنين تصديقا حقيقيا كتصديقه تعالى وقد يمنع ذلك لأنّ المراد بتصديقه تعالى هو التّصديق الجزمي لعدم احتمال الخلاف فيما أخبر به تعالى بخلاف تصديق المؤمنين إذ لا بد أن يراد به إمّا التصديق الظّاهري أعني ترتيب آثار الواقع على ما أخبروا به بإلغاء احتمال خلافه وأمّا التّصديق الصّوري كما سيشير إليه فيختلف المعنيان في الموضعين نعم يمكن أن يقال إن الاقتران ظاهر في كون المراد بالتّصديق الثّاني إمّا هو المعنى المراد بالأول أو ما يقرب منه ويشابهه وهو التّصديق الظاهري لا الصوري الذي لا يترتب عليه أثر الواقع أصلا(قوله) يكون واجبا إلخ لعدم الفاصل (قوله) ويزيد تقريب الاستدلال وضوحا إلخ في الحسن أنّه كانت لإسماعيل بن أبي عبد الله عليه‌السلام دنانير وأراد رجل من قريش أن يخرج إلى اليمن فقال إسماعيل يا أبة إنّ فلانا يريد الخروج إلى اليمن وعندي كذا وكذا دينار أفترى أن أدفعها يبتاع لي بضاعة من اليمن فقال أبو عبد الله عليه‌السلام يا بني أما بلغك أنّه يشرب الخمر فقال إسماعيل هكذا يقول النّاس فقال يا بني لا تفعل فعصى أباه ودفع إليه دنانيره فاستهلكها ولم يأت بشيء منها فخرج إسماعيل وقضى أنّ أبا عبد الله حجّ وحجّ إسماعيل تلك السّنة فجعل يطوف البيت وهو يقول اللهمّ أجرني واخلف عليّ فلحقه أبو عبد الله عليه‌السلام فهمزه بيده من خلفه وقال له مه يا بني فلا والله ما لك على الله هذا ولا لك أن يؤجرك ولا يخلف عليك وقد بلغك أنّه يشرب الخمر فائتمنته فقال إسماعيل يا أبة إنّي لم أره يشرب الخمر إنما سمعت النّاس يقولون فقال أبو عبد الله عليه‌السلام يا بني إنّ الله عزوجل يقول في كتابه (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) يقول يصدق الله ويصدق للمؤمنين فإذا شهد عندك المسلمون فصدقهم الخبر(قوله) سريع التّصديق والاعتقاد إلخ قد يورد عليه بأنّ هذا المعنى لا يناسب مرتبة النّبوّة سيّما نبوّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّ سرعة الاعتقاد بكل ما يسمع تنشأ من عدم اعتدال المزاج وهو فيه لا بدّ أن يكون معتدلا وربّما يدفع ذلك بأنّه أنّما يلزم لو كانت سرعة الاعتقاد ناشئة من عدم الفطانة وإلاّ فلو نشأت من حسن الظنّ بالنّاس وعدم اتّهامهم فهي لا تنافي اعتدال المزاج كيف لا وحسن الظنّ بهم وعدم اتهامهم في أقوالهم وأفعالهم من الصّفات الحسنة ويضعفه بأنّه أنّما يتمّ مع غلبة الصّلاح على الزمان وأهله وإلاّ فمع غلبة الفساد عليهم فلا حسن في حسن الظنّ بهم كما قال الأمير عليه‌السلام فيما رواه السيّد الرضي في نهج البلاغة إذا استولى الصّلاح على الزّمان وأهله ثمّ أساء رجل الظنّ برجل لم يظهر منه خزية فقد ظلم وإذا استولى الفساد على الزّمان وأهله ثمّ أحسن رجل الظنّ برجل فقد غرر وفي معناه أخبار أخر ثمّ إنّه قد يجاب عن الآية أيضا بأنّها قد نزلت في النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي ليست بمعتبرة في موردها للإجماع على عدم اعتبار أخبار الآحاد بالنّسبة إلى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فكيف تمكن تعدية الحكم منه إلينا وفيه أنّ الآية مطلقة بالنّسبة إلى الأخبار عن الأحكام والموضوعات فهي تدلّ على اعتبار أخبار الآحاد في الموضوعات بالنّسبة إلى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فإذا ثبت ذلك في حقّه ثبت في حقّنا أيضا بدليل الإجماع على مشاركتنا معه فيما عدا ما اختصّ به من الأحكام بالدّليل فإذا ثبت اعتبار أخبار الآحاد في الموضوعات في حقّنا ثبت اعتبارها في الأحكام في حقنا إمّا بعدم القول بالفصل أو بالفحوى لأنّ جماعة من العلماء مع عدم قولهم بها في الموضوعات قالوا بها في الأحكام واحتمال كون اعتبار أخبار الآحاد في الموضوعات من خواصه مندفع بأنّ خواصه محصورة وليس هذا منها فتدبر(قوله) وثانيا أنّ المراد بالتّصديق إلخ حاصله أنه مع تسليم ظهور الآية في تصديق المخبر بمعنى تنزيل المخبر به منزلة الواقع لا التّصديق النّاشئ من حسن الظنّ نقول إنّ هنا صوارف عن هذا الظّهور وهي معنية لكون المراد به هو التّصديق الصّوري منها كونه أذن خير لجميع النّاس كما هو مقتضى عموم الخطاب بالتقريب الّذي ذكره لكن يرد عليه أوّلا النقض بثبوت حجيّة البيّنة إجماعا إذ لا ريب أنّ اعتبار الشّارع لها أنّما هو بملاحظة مصلحة عموم النّاس وهو انتظام أمر معاشهم مع تأتي المفسدة الّتي ذكرها في المقام فيها أيضا وتوضيحه على سبيل الحلّ أنّ مصلحة النّوع ربّما تقتضي تأسيس قاعدة وتمهيد قانون وإن استلزم إجراء هذه القاعدة بعض المفاسد الشّخصيّة في بعض الموارد إلاّ أنّه لا يعارض المصلحة العامّة بل هو ليس بمفسدة بعد مزاحمته بما هو أقوى منه ومن هذا القبيل اعتبار البيّنة شرعا ومن هنا يظهر عدم تماميّة الاستشهاد المذكور إذ الظّاهر من قوله تعالى (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) إرادة كونه خيرا بالنّسبة إلى عموم المكلّفين لا بالنّسبة إلى خصوص أشخاصهم وقد عرفت أنّ المفسدة الشّخصيّة لا تعارض المصلحة النوعيّة ومن هنا يظهر سقوط التأييد بما نقله من تفسير العياشي وثانيا أنّ المفسدة الّتي ذكرها على تقدير كون المراد بالتّصديق هو التّصديق الحقيقي واردة على تقدير إرادة التّصديق الصّوري أيضا لأنّه إذا أخبر

١٥٩

النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زيد بأنّ عمرا نهب أمواله وهتك عرضه فإذا لم يصدقه إلاّ بحسب الصّورة وكان زيد صادقا في دعواه في الواقع لم يكن خيرا له إلاّ أن يقال إنّ المفسدة هنا مترتبة على عدم تصديقه حقيقة لا على تصديقه صورة ومنها ما نقله عن تفسير العياشي وقد عرفت الحال فيه ومنها ما نقله عن القمي وقوله وهذا التّفسير صريح إلى آخره لا يخلو عن منع نعم هو صريح في عدم إرادة الإيمان الحقيقي خاصّة ومنها العدول من الباء إلى اللاّم في قوله سبحانه (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) لأنّه ظاهر في كون تصديقه للمؤمنين بملاحظة نفعهم لا على وجه الحقيقة كما في تصديقه سبحانه وفيه أنّ تغيير الأسلوب كما يمكن أن يكون لأجل ما ذكره من مغايرة معنى التّصديق بالله تعالى وللمؤمنين بإرادة الحقيقي بالأوّل والصّوري بالثّاني كذلك يمكن أن يكون لأجل مغايرتهما بإرادة التّصديق الجزمي بالأوّل والظّاهري بالثّاني كما أسلفناه سابقا وممّا ذكرناه قد ظهر أنّ المؤيدات المذكورة كلّها لا تخلو عن نظر نعم ربّما يؤيّد ما ذكره أوّلا أنّ ظاهر الآية وجوب تصديق آحاد جميع المؤمنين كما هو قضيّة الجمع المعرف المفيد للعموم الأصولي فيلزم أن يكون النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مصدّقا للموافق منهم والمنافق والعادل منهم والفاسق والمتجاهر منهم بالفسق والمستتر به وهو واضح البطلان ومناف لصريح آية النّبإ والبناء على خروج ما أخرجه الدّليل بناء على كون العام المخصّص حجّة فيما بقي منه مندفع بأنّ الآية من حيث ورودها في مقام الامتنان على العباد ببيان كون النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رءوفا ورحيما بالمؤمنين ومصدّقا لهم وكون ذلك خيرا لهم آبية عن التخصيص فلا بد أن يراد معنى يشمل الجميع مضافا إلى أنّه مستلزم لتخصيص الأكثر وهو مستهجن عرفا إذ لا بدّ حينئذ من إخراج المنافقين والفسّاق من العموم وهم أكثر المؤمنين بل لا بدّ من إخراج العدول أيضا بالنّسبة إلى موارد الشّهادة كما هو الغالب في الإخبار عن الموضوعات لعدم اعتبار قول العدل الواحد في مواردها إجماعا واعتباره في الجملة ولو بضمّ مثله إليه ليس تصديقا له على الحقيقة إذ ظاهر الآية تصديق كل واحد من المؤمنين وترتيب آثار الصّدق عليه بانفراده لا بضمّه إلى غيره بل لا بد من إخراج العدول في إخبارهم عن الأحكام بالنّسبة إلى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ضرورة عدم حجيّة أخبار الآحاد بالنّسبة إليه فلا يبقى تحت العموم إلاّ أقلّ قليل من الموارد من إخبار ذي اليد عن طهارة ما في يده أو نجاسته ونحو ذلك وثانيا أنّ ضمير الخطاب في قوله تعالى خير لكم يشمل مؤذي النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا وجه لتصديقه للمؤذين له على وجه الحقيقة بترتيب آثار الصّدق على إخبارهم إذا أخبروا عن مثل القتل والارتداد مثلا فلا بد من حمل التّصديق في الآية إما على التّصديق النّاشئ من حسن الظنّ كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله في الجواب الأوّل وإمّا على التّصديق الصّوري كما أشار إليه في الجواب الثّاني (قوله) وأمّا توجيه الرّواية إلخ أي رواية الكافي الّتي قرّب بها الاستدلال بالآية(قوله) فيحتاج إلى بيان إلخ يمكن أن يقال أيضا إنّه إذا ثبت بما ذكره تعين حمل التّصديق في الآية على التّصديق الصّوري تعيّن حمله عليه في الرّواية أيضا بقرينة استشهاد الإمام عليه‌السلام الآية فيها مضافا إلى أنّه لو كان المراد بالتّصديق في الرّواية ترتيب آثار الواقع على المخبر به لزم إجراء حدّ شرب الخمر الثابت بأخبار الآحاد على الرّجل القرشي وهو خلاف الإجماع فلا تكون حجّة في موردها مع قيام الإجماع على عدم جواز تخصيص المورد ومن هنا يظهر ضعف ما تخيله بعض فضلاء السّادة في محكي مفتاح الكرامة من استنهاض الرّواية لحجيّة خبر العدل مطلقا حتّى في الموضوعات ردّا على من ادعى عدم وجود دليل عليه (قوله) خمسون قسامة إلخ حكى الطّريحي عن المصباح أنّه قد تكرّر ذكر القسامة بالفتح وهي الأيمان تقسم على أولياء القتيل إذا ادعوا الدّم يقال قتل فلان بالقسامة إذا اجتمعت جماعة من أولياء القتيل وادعوا على رجل أنّه قتل صاحبهم ومعهم دليل دون البيّنة فحلفوا خمسين يمينا أنّ المدّعى عليه قتل صاحبهم فهؤلاء الّذين يقسمون على دعواهم يسمّون قسامة انتهى والمراد بها هنا كما يظهر من المصنف رحمه‌الله في مبحث الاستصحاب هي البينة (قوله) فإن تكذيب القسامة إلخ حاصله أنّ المراد بتكذيب القسامة ليس المعنى المقابل للمراد بتصديق الأخ المشهود عليه لأنّه ترجيح بلا مرجّح بل ترجيح المرجوح لأنّه تصديق الواحد وتكذيب المتعدد وحيث كان المراد بتكذيبهم عدم ترتيب آثار الواقع على خبرهم الّذي هو للمعنى الثّاني للتّصديق فلا بدّ أن يكون المراد بتصديقه هو المعنى الأوّل وأنت خبير بأنّه يمكن أن يؤخذ لكلّ من التّكذيب والتّصديق معنى يقابل الآخر بأنّ يحمل المقابل التّصديق على معنى مطابقة الواقع المستلزم لتكذيب القسامة بمعنى المخالفة له مع حمل خبر القسامة على الصّدق بمعنى المطابقة لاعتقادهم إذ لا منافاة بين تكذيبهم وتصديقهم بهذا المعنى فيتقابل التّكذيب والتّصديق حينئذ في الرّواية ولا يلزم منه ترجيح المرجوح وهذا المعنى يظهر من المصنف ره في مبحث الاستصحاب عند التّعرض لقاعدة حمل فعل المسلم على الصّحة ثمّ إنّهم قد استدلّوا في المقام بآيات أخر منها قوله سبحانه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) واستدل به العلاّمة في النّهاية وقال أمر بالقيام بالقسط والشّهادة لله والأمر للوجوب والمخبر عن الرّسول قائم بالقسط شاهد لله فكان ذلك واجبا عليه وإنّما يكون واجبا إن كان القبول واجبا وإلاّ فوجوب الشّهادة كعدمها انتهى وتوضيحه أنّ الله تعالى قد أمر المؤمنين بالقيام بالقسط أي الحقّ حال كونهم شاهدين لله ولو كان ضررا على نفس الشّاهد فتدل على اعتبار خبر الواحد بوجهين أحدهما أنّ الله تعالى قد أوجب القيام بالقسط والمخبر عن الرّسول قائم بالقسط فيجب الإخبار عنه وهو أنّما يجب إذا كان القبول واجبا وإلاّ لغا إيجاب الإخبار وثانيهما أنّ الله تعالى أوجب الشّهادة لله والشهادة هنا أعمّ من الأخبار عن الأحكام وعن الموضوعات الخارجة فإذا وجبت الشّهادة مطلقا وجب القبول كذلك وإلاّ لغا إيجاب الشّهادة فيثبت اعتبار خبر الواحد في الأحكام وهو المطلوب ويرد على الأوّل أنّ الأمر بالقيام بالحقّ للإرشاد إلى بيان ما ينبغي أن يكون المكلّف عليه

١٦٠