آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

الخاص دلالة ضمنية.

ان قلت : ان استغراق العشرة باعتبار الواحد وعنوان واحد ينطبق على كل فرد ، فما الفرق بين قول المولى «اكرم عشرة رجال» وبين قوله «اكرم العلماء» فكما ان لفظ العشرة لا ينطبق على رجل واحد كذلك لفظ العلماء لا ينطبق على عالم واحد.

قلت : الامر ليس كذلك فان لفظ العشرة موضوع لمركب خاص ومجموع من العدد المخصوص وبعبارة اخرى : كل واحد من آحاد العشرة جزء لهذا الكل والكل لا يصدق على جزئه ولا يعقل ولذا نرى اختلال صدق هذا المفهوم بالزيادة والنقيصة اي لا يصدق عنوان العشرة على الزائد عليها ولا يصدق على الناقص عنها ، وأما مدخول لفظ العموم فيشمل كل واحد من أفراد مدخوله على نحو الاستقلال ولا يكون الفرد جزءا للمفهوم العام ولذا لا يؤثر فى صدقه الزيادة والنقيصة.

وببيان آخر ان نسبة الواحد الى العشرة ليست كنسبة العالم الى العلماء فان هيئة الجمع المحلى تعرض على العالم وتفيد شمول العالم لكل من يكون قابلا لأن يصدق عليه عنوان العالم ، وأما لفظ العشرة بما له من المعنى فيكون مركبا من الآحاد ويكون مباينا للواحد ولا ينطبق عنوان العشرة على واحد.

وصفوة القول : ان شمول الحكم للآحاد في قول المولى لعبده «اكرم عشرة رجال» من باب شمول كل مركب لأجزائه فكل واحد من آحاد العشرة جزء لهذا المركب وأما عنوان العالم فليس جزءا لكل عالم في قول المولى «اكرم كل عالم» فتحصل مما ذكرنا ان كل واحد من المقامين اجنبي عن المقام الآخر.

الفصل الثانى :

لا اشكال في أن للعموم صيغة تخصه كلفظ كل في لغة العرب وكلفظ (همه) في لغة الفرس ، وبعبارة اخرى : صيغ العموم في لغة العرب وبقية اللغات موضوعة

٣٤١

للعموم ، وربما يقال كون صيغة العموم موضوعة للخاص أولى لأن الخاص مراد قطعا.

ويرد عليه : ان كون الخاص مرادا قطعا لا يقتضي أن يكون اللفظ موضوعا بازائه بالخصوص ، وببيان واضح : كون الفاظ العموم موضوعة للعموم ليس مورد الشك والترديد فلا تصل النوبة الى البيان المذكور مضافا الى أنه ما المراد من الخاص الذي يكون موضوعا له بحسب الدعوى المذكورة فان الخاص المعلوم كونه مرادا هل هو الواحد أو غيره مثلا لو قال المولى «اكرم العلماء» لا اشكال في ارادة واحد منهم فيكون لفظ كل وما يرادفه موضوعا للواحد وهل يمكن الالتزام به وببيان واضح : ما المراد من هذا الكلام فانه لو اريد ان صيغة العموم موضوعة للمفهوم الخاص وبازاء هذا المفهوم فبطلانه أوضح من أن يخفى ، وان اريد انها موضوعة لمرتبة خاصة من الخاص فما هي اذ كل مرتبة من المراتب مرتبة خاصة ، نعم لا اشكال في ارادة بعض المراتب من لفظ العموم لكن تحقق بعض المراتب لا يقتضي رفع اليد عن ظهور الكلمة في العموم وصفوة القول : انه لا اشكال في تبادر العموم من صيغه.

ان قلت : قد اشتهر عند القوم انه ما من عام إلّا وقد خصص ، فالعام يستعمل في الخاص أكثر من استعماله في معناه وعليه يناسب أن يكون اللفظ موضوعا للخاص قلت اولا كثرة التخصيص لا تستلزم كون استعمال العام في الخاص بل يمكن أن يكون الاستعمال في معناه العام وبعبارة اخرى : فرق بين الارادة الاستعمالية والارادة الجدية ، وثانيا : انه يمكن الالتزام بكون الاستعمال المجازي كثيرا للدواعي المختلفة لكن كثرة الاستعمال مع قيام القرينة لا توجب رفع اليد عن المعنى الحقيقي ولذا نرى ان لفظ اسد يستعمل في الرجل الشجاع مجازا كثيرا ومع ذلك يكون ظاهرا في الحيوان المفترس.

٣٤٢

وثالثا : لا يكون استعمال العام في الخاص مشخصا ومعينا اذ يستعمل لفظ العام على تقدير تسليمه في مراتب مختلفة فعلى تقدير تمامية الاشكال يلزم اما القول يكون اللفظ موضوعا للجامع بين المراتب واما القول باشتراك اللفظ بين المراتب وبطلانه اظهر من أن يخفى.

ثم ان استفادة العموم من لفظ (كل) وبقية صيغ العموم كما اشرنا اليه سابقا لا تتوقف على اجراء مقدمات الحكمة في مدخولها بل يستفاد العموم من نفس الألفاظ مثلا لو قال المولى «اكرم كل عالم» يستفاد العموم من لفظ كل ، وبعبارة اخرى : وضع لفظ كل لشمول الحكم لكل فرد قابل لأن يكون مصداقا لعنوان المدخول فلا يتوقف استفادة العموم على جريان مقدمات الحكمة بأن نقول وضع لفظ كل لشمول الحكم لما يراد من المدخول كى يقال اذا لم تتم المقدمات لا يمكن أن يستفاد العموم. وقال سيدنا الاستاد في هذا المقام انه لو كان استفادة العموم متوقفا على المقدمات لم تكن حاجة الى الاتيان بلفظ كل بل ذكره لغو.

لكن يرد عليه : انه لو لم يذكر لفظ كل أو ما يقوم مقامه في افادة العموم لا يستفاد العموم الاستغراقي من الطبيعة ولو مع جريان مقدمات الحكمة مثلا لو قال المولى «اكرم العالم» لا يستفاد من كلامه وجوب اكرام جميع العلماء بل يستفاد وجوب اكرام طبيعي العالم ، وصفوة القول : ان صيغ العموم وضعت لافادة العموم بلا حاجة الى جريان مقدمات الحكمة والدليل عليه التبادر الذي يكون آية الحقيقة وببيان أوضح : ان لفظ العموم موضوع لتفهيم استغراق الحكم لكل فرد يكون معنونا بعنوان المدخول ولا يتوقف على جريان مقدمات الحكمة ولذا لو تكلم المولى وأمر باكرام العلماء بقوله «اكرم كل عالم» وقال اني في مقام الاهمال والاجمال لعل كلامه يعد من التناقض إلّا ان يقال : انه يمكن ان يكون المراد من الاهمال عدم الاتيان بالمخصص ومثل لفظ (كل) الجمع المحلي باللام واما المفرد المعرف باللام

٣٤٣

كالعالم وأمثاله فلامه لام الجنس ولذا يتوقف استفادة العموم منه على مقدمات الحكمة فلو قال المولى «اكرم العالم» لا يستفاد من كلامه الاطلاق والشمول الا مع جريان مقدمات الحكمة وبعد جريانها لا بد من ملاحظة الحكم المترتب على الطبيعة فان كان الحكم المترتب على الطبيعة المطلقة الوجوب كما لو قال «اكرم العالم» تكون النتيجة وجوب اكرام طبيعي العالم فلو اكرم عالما من العلماء يتحقق الامتثال ويسقط الامر وان كان الحكم المترتب على الطبيعة الحرمة كما لو قال «لا تشرب الخمر» يلزم الاجتناب عن شرب كل فرد من أفراد الخمر اذ المستفاد من نهي المولى الكف عن شرب الخمر ولا يصدق الكف عن الطبيعة الا بالكف عن جميع أفرادها وأما ان كان الحكم المترتب على الطبيعة حكما وضعيا كما لو قال (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) يكون المستفاد من كلامه صحة جميع البيوع اذ المفروض تمامية مقدمات الحكمة فيدور الأمر بين أن يكون مفاد الكلام امضاء بعض البيوع كالبيع العربي مثلا وأن يكون مفاد الكلام كل بيع بلا خصوصية من الخصوصيات والمتعين الشق الثاني اذ المفروض تمامية المقدمات ومع تماميتها لا مجال لترجيح بعض الأقسام على الآخر فالنتيجة شمول الحكم لجميع مصاديق الطبيعة وقس على المفرد المعرف النكرة الواقعة في سياق النفي أو النهي فان دلالتها على العموم والشمول تتوقف على جريان مقدمات الحكمة فيها.

ان قلت : ان مقتضى حكم العقل انتفاء الطبيعة الواقعة في حيز النفي أو النهي بانتفاء جميع أفرادها فكيف يحتاج الشمول الى اجراء المقدمات.

قلت : العقل يحكم بأن الواقع في حيز النفي أو النهي بما له من المفهوم انتفائه بانتفاء جميع أفراده لكن النفي أو النهي لا يتعرض لبيان الواقع تلوه سعة وضيقا بل يلزم أن يفهم اطلاقه وسريانه أو تقيده وتضيقه من دليل خارج.

٣٤٤

الفصل الثالث :

الظاهر انه لا اشكال عندهم في جواز التمسك بالعام اذا شك في تخصيصه ، انما الكلام فيما يشك في التخصيص بعد ورود التخصيص على العام ويقع تفصيل هذا البحث في ضمن مباحث :

المبحث الاول : لو ورد العام مورد التخصيص كما لو قال المولى «اكرم العلماء» ثم قال لا تكرم الفلاسفة من العلماء ، فشك في أنه هل خصص العام بمخصص آخر ام لا؟ فهل يؤخذ بالعموم لا ثبات عدم تخصيص الزائد؟ الظاهر انه لا مانع من اجراء اصالة العموم ونفي التخصيص بالنسبة الى غير ما علم تخصيصه بلا فرق بين كون المخصص الذي خصص العام به متصلا بالعام أو منفصلا عنه أما في صورة الاتصال فالأمر واضح لأن العام من أول الأمر لا ينعقد له ظهور بالنسبة الى ما خرج عنه بالتخصيص بل يمكن أن يقال ان اطلاق التخصيص في صورة الاتصال بالمسامحة حيث انه لا عموم كى يصدق عنوان التخصيص بل حكمه حكم العموم الذي لا يرد عليه التخصيص.

وأما في صورة الانفصال فربما يشكل التمسك بالعام بتقريب انه بالتخصيص يعلم ان اللفظ لم يستعمل في معناه وحيث ان كل واحد من المراتب محتمل ولم يكن مرجح لم يكن وجه للتعيين فيصير اللفظ مجملا وبعبارة اخرى : بعد التخصيص يعلم ان العموم لم يكن مرادا من اللفظ وإلّا يلزم الكذب فاحتمال كل مرتبة من المراتب صالح ومع الترديد واحتمال مراتب متعددة يصبح اللفظ مجملا وان شئت قلت : بعد فرض عدم استعمال اللفظ فيما وضع له نحتاج الى قرينتين الاولى القرينة الصارفة والثانية القرينة المعينة والتخصيص المنفصل عن العام قرينة صارفة عن الاستعمال في المعنى الحقيقي ولكن لا قرينة معنية للمعنى المجازي فطبعا يكون

٣٤٥

اللفظ مجملا لعدم العلم بالمراد وعدم امارة عليه.

وقد اجيب عن الاشكال المذكور بأجوبة :

الاول : ان الباقي أقرب المجازات فيحمل اللفظ عليه.

وأورد عليه في الكفاية : بأن الأقربية بحسب المقدار لا اعتبار به وانما المدار على انس الذهن الحاصل من كثرة الاستعمال.

الثاني : ما عن الشيخ قدس‌سره ، وهو ان العام شامل لكل من الأفراد الواقع تحته ودلالته على كل واحد من الأفراد لا تتوقف على دلالته على الفرد الآخر وبعبارة اخرى : الاقتضاء للدلالة على كل فرد منها موجود وانما المانع بالنسبة الى المقدار الذي قد خصص ، وان شئت قلت : المقتضي للأخذ بالعام بالنسبة الى كل فرد موجود والمانع عن الأخذ به يختص بجملة خاصة من الأفراد فلا وجه لرفع اليد عنه بالنسبة الى غير مورد وجود المانع.

وببيان واضح العام شامل لجميع الأفراد ويدل على كل واحد من الأفراد الواقعة تحته بالاستقلال غاية الأمر التخصيص المنفصل مانع عن الأخذ بالعام بالنسبة الى هذا المقدار ولا يقاس المقام بباب بقية المجازات كقول القائل «رأيت اسدا يرمي» فانه يلزم في مثله قرينتان احداهما قرينة صارفة لتصرف اللفظ عن ظهوره في معناه الحقيقي ، ثانيتهما قرينة معينة اي تعيين المعنى المجازي وفي المقام تكفي القرينة الصارفة ، وأما المعينة فلا احتياج اليها اذ المفروض ان العام دال على جميع الأفراد وانما خرج عن تحت العموم بعض الأفراد.

ويرد عليه أنه مع فرض استعمال اللفظ في غير ما وضع له كما هو المفروض فلا وجه لحمله على الباقي اذ المفروض ان كل مرتبة من المراتب تحتمل كونها مستعملا فيها ومع تعدد الاحتمال لا مجال للأخذ بالدليل وان شئت قلت المجمل غير قابل لأن يكون مستندا للحكم.

٣٤٦

الثالث : ان لفظ العموم وضع لارادة جميع الأفراد الداخلة تحت العموم وبعبارة اخرى : ان اللفظ الموضوع اذا تلفظ به اللافظ له دلالات ثلاثة ، الاولى : الانتقال من ذلك اللفظ الى الموضوع له وهذا الانتقال يحصل من الانس الذهني الحاصل من كثرة الاستعمال ، الثانية : الارادة الاستعمالية أي يفهم من اللفظ بحسب التعهد الوضعي ان المتكلم أراد من اللفظ الكذائي المعنى الفلاني.

الثالثة : الارادة الجدية أي ان الارادة الاستعمالية مطابقة مع الارادة الجدية والدلالة الثانية كما قلنا حاصلة من التعهد الوضعي ، والدلالة الثالثة حاصلة من حكم العقلاء حيث انهم ما دام لم يقم دليل على الخلاف يحكمون بأن الارادة الاستعمالية في كلام المتكلم موافقة مع ارادته الجدية فيحمل لفظ العالم في قول المولى «اكرم كل عالم» مثلا على أن المولى أراد من هذا اللفظ جميع العلماء بلا فرق بين عدو لهم وفساقهم فلو قام دليل منفصل عن العام وخصصه كقول المولى منفصلا «لا تكرم الفساق من العلماء» يعلم ان المولى لم يرد بارادته الجدية الا العدول من العلماء وبهذا المقدار ترفع اليد عن الدليل الاول لكن ظهور العلماء في جميع الافراد باق على حاله فان الشيء لا ينقلب عما هو عليه وإلّا يلزم الخلف

وببيان واضح : مقتضى اصالة الحقيقة ان اللفظ يستعمل فيما وضع له ومقتضى الأصل العقلائي كما ذكرنا تطابق الارادة الاستعمالية مع الارادة الجدية فلو قال المولى «اكرم العلماء الا الفساق منهم» لا يتحقق ظهور للفظ العموم الا في العدول من العلماء وأما في المخصص المنفصل فيتحقق ظهور لفظ العموم في جميع الافراد الداخلة تحت مدخول الكل مثلا فبمقدار قيام الدليل على الخلاف ترفع اليد وبالنسبة الى الباقي يحكم بكونه مرادا جديا للمولى وعليه لو شك في التخصيص الزائد يدفع باصالة العموم اذ المفروض ان المولى أراد العموم ولم يقم دليلا على خلافه إلّا بالمقدار الخاص.

٣٤٧

ان قلت : ان لم يرد العموم جدا فما الوجه في اظهاره ، قلت : يمكن أن يكون في عدم البيان مصلحة أو يكون في البيان مفسدة.

ان قلت : عليه يلزم الكذب ولا يمكن اسناده الى المولى ، قلت : اولا لا يتصور الكذب في الانشاء وثانيا : لا يلزم الكذب حتى في الاخبار فان الارادة الجدية لو كانت مطابقة للارادة الاستعمالية ولم يكن الخبر مطابقا للواقع يلزم الكذب وأما اذا كانت الارادة الجدية مخالفة مع الارادة الاستعمالية كموارد التورية لا يتصور الكذب ، وثالثا : قد حقق في محله ان الكذب اذا كان فيه مصلحة لا يكون حراما وبهذا النحو يجاب عن الاشكال الوارد في المقام.

المبحث الثانى :

ما اذا خصص العام بالمخصص المجمل مفهوما وفي هذا الفرض قد يكون المخصص متصلا بالعام واخرى يكون منفصلا وعلى كلا التقديرين تارة يكون مجملا من حيث تردده بين الأقل والاكثر واخرى يكون من حيث تردده بين المتباينين ففي هذا المبحث صور :

الصورة الاولى : ما يكون المخصص متصلا بالعام ويكون اجماله من حيث الأقل والاكثر كما لو قال المولى «اكرم العلماء الا الفساق منهم» ودار أمر الفاسق بين كونه مرتكبا لخصوص الكبيرة ولا يكون المرتكب للصغيرة فاسقا وبين كونه أعم ويتحقق الفسق بارتكاب مطلق المعصية وفي مثله لا ينعقد الظهور للعام في مورد الشك بل اجمال الخاص يسري الى العام فالنتيجة ان التارك لمطلق المعصية واجب الاكرام وأما المرتكب للكبيرة فلا يجب اكرامه وأما المرتكب للصغيرة التارك للكبيرة فهو مورد الشك ولا بد في مورده الرجوع الى الأصل العملى.

وصفوة الكلام ان المخصص المجمل من حيث المفهوم اذا كان متصلا بالعام

٣٤٨

يوجب اجمال العام أيضا.

الصورة الثانية : ان يكون المخصص متصلا بالعام ويكون مرددا بين المتباينين كما لو قال المولى «اكرم العلماء الا زيدا» ودار أمر زيد بين شخصين ففي هذه الصورة يسري اجمال المخصص الى العام ولا مجال للأخذ بالعموم بالنسبة الى مورد الشك بل يلزم اعمال قواعد الأصول العملية ، والوجه فيه ان المخصص المتصل يوجب تعنون العام بعنوان لا ينطبق على ما خرج بالتخصيص ومع عدم صدق العام على مورد أو الشك في صدقه لا مجال للأخذ به فان المقرر عندهم عدم الأخذ بالعموم في مورد الشك في الصدق وبعبارة اخرى تارة يصدق عنوان العام ويشك في خروجه عن تحت الحكم واخرى يشك في صدق عنوان العام ، أما في مورد الشك في الخروج بالتخصيص فاصالة العموم محكمة وأما في مورد الشك في صدق الموضوع فلا مجال للأخذ بالعموم وان شئت قلت الأخذ بالعموم في مورد الشك في التخصيص لا في مورد الشك في صدق عنوان العام على المورد.

الصورة الثالثة : أن يكون المخصص منفصلا ويكون مجملا ودائرا أمره بين الأقل والأكثر كما لو قال المولى «اكرم العلماء» وفي دليل منفصل قال «لا تكرم الفساق من العلماء» وتردد مفهوم الفاسق بين خصوص مرتكب الكبيرة وبين مرتكب الأعم من الكبيرة والصغيرة وفي مثله ترفع اليد عن العام بالنسبة الى مرتكب الكبيرة وأما بالنسبة الى مرتكب الصغيرة فيؤخذ بالعام اذ المفروض انعقاد الظهور للعام في جميع الأفراد وبعد ورود التخصيص لا ينقلب ظهوره لا حقيقة ولا حكما أما حقيقة فواضح حيث ان المخصص منفصل عن العام ، وأما حكما فلأن المفروض ان المخصص دائر أمره بين الأقل والاكثر فبالنسبة الى الأقل يؤخذ بالمخصص وأما بالنسبة الى مورد الشك فيؤخذ بالعام.

الصورة الرابعة : أن يكون المخصص منفصلا ومجملا ودائرا أمره بين

٣٤٩

المتباينين كما لو قال المولى اولا «اكرم العلماء» وقال ثانيا منفصلا «لا تكرم زيدا العالم» ودار أمر الخارج بين فردين وفي مثله لا يسري اجمال الخاص الى العام حقيقة ولكن يوجب اجمال العام حكما فان ظهور العام بعد ورود التخصيص باق بحاله لكن بعد ورود الخاص المجمل يصير العام مجملا حكما فلا مجال للاخذ بالعام في مورد الشك بل لا بد من الأخذ بمقتضى الأصل العملي.

المبحث الثالث :

أن يكون الشك في التخصيص ناشيا من الشك في المصداق ويسمى بالشبهة المصداقية وتتصور فيه صورتان :

الصورة الاولى : ما يكون المخصص متصلا كما لو قال المولى «اكرم العلماء العدول» فلو شك في عدالة زيد العالم لا يجوز التمسك بعموم العام بلا فرق بين كون القضية حقيقية أو خارجية أما على الاول فلأن كل قضية حقيقية مرجعها الى القضية الشرطية فلو قال المولى «اكرم كل عالم عادل» مرجعه الى قوله «اذا كان العالم عادلا اكرمه» ومن الظاهر ان الشرطية غير متعرضة لوجود الشرط وعدمه فلو شك في عدالة زيد العالم لا مجال للأخذ بعموم العام.

وأما على الثاني : فلأنه مع الشك في صدق عنوان موضوع الحكم على ما شك فيه لا دليل على كون المشكوك فيه محكوما بذلك الحكم ومع الشك لا مجال للأخذ بالعموم فان الأخذ بالعام عند الشك في التخصيص لا عند الشك في تحقق العنوان وإلّا كان اللازم الحكم بصحة كل عقد يحتمل كونه بيعا بمقتضى قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) وأيضا يلزم الحكم بحرمة كل مائع يحتمل كونه خمرا لقوله لا تشرب الخمر وهو كما ترى ، فالمتحصل ان الأخذ بالعام في الشبهة المصداقية لا يجوز اذا كان المخصص متصلا.

٣٥٠

الصورة الثانية : ان يكون المخصص منفصلا كما لو قال المولى «اكرم العلماء» وقال بعد ذلك «لا تكرم الفساق من العلماء» فلو شك في فسق زيد العالم هل يجوز التمسك بالعام لاثبات وجوب اكرامه؟ ربما يقال يجوز اذ المفروض ان ظهور العام في كل واحد من أفراده انعقد ، فكل فرد علم خروجه للعلم بفسقه يخرج ولا يكرم وأما لو شك في فسق فرد فلا بد من اكرامه لاتمام الحجة بقوله اكرم العلماء والمفروض أنه مصداقه.

ويرد على هذا التقريب : ان الاهمال في الواقع غير معقول فالموضوع الواجب اكرامه بالنسبة الى الفسق اما لا بشرط واما بشرط لا واما بشرط شيء ولا رابع والمفروض أنه علم من التخصيص ان الموضوع مقيد بعدم الفسق فالعالم وان كان بحسب مقام الاثبات مطلقا لكن بحسب مقام الثبوت مقيد فلا مجال للأخذ بالعام في مورد الشك في المصداق هذا تمام الكلام بالنسبة الى المخصص اللفظي.

وأما اذا كان المخصص لبيا فقد فصل صاحب الكفاية وهو ان المخصص اللبي ان كان في الوضوح الى حد يكون كالقرينة المتصلة بالكلام فهو كالمخصص اللفظي المتصل بالعام ، وأما اذا لم يكن كذلك فالظاهر بقاء حجية ظهور العام في الفرد المشتبه والوجه فيه ان المخصص اذا كان لفظيا يوجب تضيق دائرة حجية ظهور العام فلا مجال للأخذ به في مورد الشك وأما اذا كان لبيا فهو حجة بالنسبة الى جميع الأفراد الا ما خرج قطعا مثلا لو قال المولى «اكرم جيراني» وقد علم من الخارج انه لا يريد اكرام عدوه فكل واحد من الجيران علم كونه عدوا للمولى لا يجب اكرامه وأما من شك في عداوته للمولى فيجب اكرامه لكون العموم حجة بالنسبة الى جميع الأفراد الواقعة تحته وهذه طريقة العقلاء في أمورهم ولذا نرى انه لو لم يكرم العبد واحدا من الجيران باحتمال كونه عدوا لا يكون معذورا بل يكون مستحقا للعقاب.

٣٥١

وأورد عليه الميرزا النائيني على ما في التقرير بانه لا فرق بين المخصص اللفظي واللبي من هذه الجهة فان الميزان بالمنكشف لا بالكاشف اي لا فرق بين كون المخصص لفظيا أو لبيا.

اذا عرفت ما تقدم نقول تارة تكون القضية على نحو القضية الحقيقية واخرى على نحو القضية الخارجية ، أما على الأول فلا مجال للأخذ بالعموم في الشبهة المصداقية بلا فرق بين أنحاء التخصيص لفظيا أو لبيا متصلا كان أو منفصلا اذ مقتضى كون القضية حقيقية كون التشخيص والتطبيق بيد المكلف وحيث ان المفروض ان المخصص يوجب تضيق دائرة العام ظهورا اذا كان المخصص متصلا وحجية اذ كان المخصص منفصلا فلا مجال للأخذ بالعام في الشبهة المصداقية وأما اذا كانت القضية على نحو القضية الخارجية فتارة يكون المخصص لفظيا واخرى يكون لبيا ، أما على الأول فكما لو قال المولى «اكرم جيراني» فلا اشكال ايضا فى عدم جواز الأخذ بالعموم في الشبهة المصداقية اذ مقتضى الظاهر اللفظي احالة أمر التشخيص بيد المكلف وأما اذا كان المخصص لبيا فتارة يفهم من الدليل ان أمر التطبيق بيد المكلف واخرى لا يكون أما على الأول فالكلام هو الكلام اي لا يجوز الأخذ بالعموم في الشبهة المصداقية اذ المفروض ان الحكم مخصوص بعنوان خاص وقد فرض عدم احراز الموضوع فلا مجال للأخذ بالعموم وان شئت قلت : الشك في الاقتضاء لا في المانع بعد فرض تحقق الاقتضاء وأما ان كانت القضية خارجية وقد علم أن أمر التطبيق ليس بيد المكلف كما لو قال «لعن الله بني امية قاطبة» وقد علم ان المؤمن لا يشمله اللعن فلو شك في ايمان واحد منهم يحكم بكونه ملعونا اذ المولى بنفسه لعن جميع أفرادهم ولم يكل الأمر الى المكلف فالحجة تامة حتى بالنسبة الى مشكوك الايمان ، نعم من علم كونه مؤمنا لا يشمله اللعن اذ قد علم من الخارج ان المؤمن لا يكون ملعونا فلاحظ.

٣٥٢

وصفوة القول : ان المخصص اذا كان متصلا وكان مجملا يسري اجماله الى العام ولا يمكن الأخذ بالعام في مورد الشك وأما اذا كان منفصلا وكان مرددا بين الأقل والاكثر فلا يسري اجماله الى العام وفي مورد الشك يؤخذ بالعام وان كان مرددا بين المتباينين يسري اجماله الى العام اجمالا حكميا وأما ان كان المخصص لبيا فان كان الحكم على نحو القضية الحقيقية لا يجوز الأخذ بالعام في الشبهة المصداقية بعين ملاك عدم الجواز في المخصص اللفظي وأما ان كان على نحو القضية الخارجية فتارة يكون أمر التطبيق بيد العبد واخرى يكون بيد المولى أما على الاول فائضا لا يجوز الأخذ بالعام لعدم احراز الموضوع ، ودعوى حسن مؤاخذة المولى العبد في عدم الامتثال بالنسبة الى مورد الشك عهدتها على مدعيها ، وأما على الثاني فلا اشكال في الأخذ بالعموم لأن المفروض ان المتكفل للتطبيق نفس المولى وأيضا فرض ان القضية خارجية ففي كل مورد علم خروجه عن تحت العام نلتزم به وأما في مورد الشك فنلتزم بكونه محكوما بحكم العام بل نقول ان الفرد المشكوك فيه واجد للشرط الملحوظ في ترتب الحكم ، فتحصل مما تقدم انه لا مجال للأخذ بالعام في الشبهة المصداقية لكن لا اشكال في أنه اذا كان احراز عنوان العام ممكنا بالأصل يشمل الدليل مورد الشك مثلا لو قال المولى «اكرم العلماء العدول» وشك في عدالة زيد العالم وكان زيد عادلا سابقا يجري فيه استصحاب العدالة ويحكم بوجوب اكرامه كما انه لو لم يكن سابقا عادلا وكان مرتكبا للمعاصي يستصحب فيه عدم كونه عادلا ويحكم بعدم وجوب اكرامه هذا بالنسبة الى استصحاب الوجود النعتي والعدم النعتي.

وأما لو توقف احراز كون الفرد فردا للعام على استصحاب عدم الازلي فهل يصح جريانه أم لا فيه قولان : ذهب صاحب الكفاية الى أنه يجري وذهب المحقق النائيني الى عدم الجريان ، ومحل النزاع في الجريان وعدمه ما اذا كان المخصص

٣٥٣

عنوانا وجوديا يقتضي تعنون العام بعدم ذلك العنوان الوجودي كما لو قال المولى «اكرم العلماء» وفي دليل آخر قال «لا تكرم الفساق من العلماء» أما اذا كان المخصص موجبا لتعنون العام بالعنوان الوجودي كما لو قال المولى «اكرم العلماء» ثم قال فليكونوا عدولا فلا مجال لتوهم امكان اثبات دخول الفرد المشكوك فيه تحت العام ببركة العدم الازلي كما هو ظاهر اذ مقتضى اصالة العدم الازلي بقاء العدم لا اثبات العنوان الوجودي.

نعم كما تقدم منا ان زيدا العالم لو كان عادلا في زمان ثم شك في بقاء عدالته وزوالها ، يحكم باستصحاب بقاء العدالة انه باق على عدالته ، اذا عرفت محل النزاع بين العلمين نقول : قد رتب المحقق النائيني مدعاه من عدم الجريان على مقدمات ثلاث : المقدمة الاولى : ان المخصص أعم من أن يكون متصلا أو منفصلا يوجب تعنون العام بخلاف عنوان المخصص فان كان المخصص عنوانا وجوديا كما لو قال المولى «المرأة تحيض إلى خمسين سنة إلّا أن تكون قرشية فانها تحيض الى ستين سنة» يتعنون العام بعنوان عدمي فيصير العنوان المأخوذ في موضوع العام المرأة التي لا تكون قرشية ، وان كان المخصص عنوانا عدميا يتعنون العام بعنوان وجودي فلو قال المولى «اكرم العلماء» ثم قال «لا تكرم العلماء الذين لا يكونون عدولا» يتعنون العام بالعنوان الوجودي فيصير العنوان في العام العلماء العدول ولا فرق فيما ذكر بين المخصص المتصل والمنفصل غاية الأمر في المخصص المتصل لا ينعقد للعام ظهور في العموم واطلاق التخصيص في مورده يكون بالمسامحة ، وأما في المخصص المنفصل فينعقد الظهور للعام في العموم والسر فيما ذكر ان كل قيد يفرض بالنسبة الى العام يكون انقسام العام قابلا بالنسبة اليه قبل تعلق الحكم به فلا بد فى مقام الحكم من الحاكم الملتفت اما تقييد الحكم بوجود ذلك القيد في الموضوع واما تقييد الموضوع بعدم ذلك القيد واما اخذ الموضوع

٣٥٤

بالنسبة الى ذلك القيد لا بشرط وبعبارة واضحة : يلزم أخذ الموضوع بالنسبة الى ذلك القيد اما على نحو اللابشرط أو بشرط لا أو بشرط شيء ولا رابع لأن الاهمال غير معقول في الواقع ولا يفرق فيما ذكر بين كون التخصيص نوعيا او صنفيا أو شخصيا ، فتارة يقول «يحل اكل الطير الا ما كان صفيفه اكثر من دفيفه» واخرى يقول «اكرم العلماء الا الفلاسفة» وثالثة يقول «اكرم جيراني الا زيدا» فعلى جميع التقادير يتعنون العام بخلاف العنوان المأخوذ في المخصص.

ان قلت : التخصيص كالموت فكما ان الموت لا يوجب تعنون العام بعنوان الخاص كذلك التخصيص لا يوجب تعنونا في موضوع العام.

قلت : القياس مع الفارق ولا ارتباط بين المقامين فانه لو اوجب المولى اكرام كل عالم في كل يوم وفرض ان زيدا العالم مات لا يؤثر موته في حكم المولى ولا في موضوعه بل ينتفي الحكم المترتب على زيد اذ كل حكم ينتفي بانتفاء موضوعه وأما التخصيص فيوجب تعنون العام بعنوان مغاير للعنوان الأول.

المقدمة الثانية : ان الوجود والعدم تارة يلاحظان بالنسبة الى الماهية فيقال مثلا «الانسان موجود او الانسان معدوم» ويعبر عنهما بمفاد كان التامة ومفاد ليس كذلك ويعبر عنهما ايضا بالوجود المحمولي والعدم المحمولي وبهذا اللحاظ اما يحمل الوجود على الماهية أو يحمل العدم عليها وإلّا يلزم ارتفاع النقيضين ، واخرى يلاحظ العرض بالنسبة الى موضوعه اي يلاحظ وجوده أو عدمه ويعبر عنهما بالوجود النعتي أو العدم النعتي وايضا يعبر عنهما بمفاد كان الناقصة او ليس كذلك وفي هذا المقام لا بد من فرض وجود الموضوع اذ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له وبعبارة اخرى : يتصف في هذا المقام الموضوع بوجود العرض أو بعدمه والاتصاف يتوقف على وجود المتصف ولذا يصح أن يقال «زيد ليس أبيض وليس لا أبيض» لعدم تحققه في الخارج كى يتصف باحد الطرفين.

٣٥٥

المقدمة الثالثة : ان الموضوع المركب من شيئين على أقسام : اذ ربما يكون مركبا من جوهرين ، وقد يكون مركبا من عرضين ، وثالثة مركبا من جوهر وعرض ، ولا رابع ، فان كان مركبا من جوهرين كما لو كان مركبا من وجودي زيد وبكر ، فتارة يكون كلاهما محرزا بالوجدان واخرى يكون كلاهما محرزا بالأصل وثالثة يكون احدهما محرزا بالوجدان وثانيهما محرزا بالأصل ومثله ما يكون الموضوع مركبا من عرضين فانه ربما يحرزان بالوجدان واخرى يحرزان بالأصل وثالثة يحرز احدهما بالوجدان ويحرز الآخر بالأصل وفي هذا القسم تارة يكون العرضان عرضين لموضوع واحد كما لو كان مجموع علم زيد وعدالته موضوعا للحكم كجواز التقليد مثلا واخرى يكون كل واحد من العرضين عرضا لموضوع كما في موت زيد واسلام وارثه ولا فرق فيما ذكرنا بين القسمين المذكورين وأما اذا كان الموضوع مركبا من جوهر وعرض فتارة يكون مركبا من جوهر وعرض لجوهر آخر كما لو كان الموضوع مركبا من وجود زيد وعدالة بكر ففي هذه الصورة الكلام هو الكلام الجاري في سابقها ، وأما ان كان الموضوع مركبا من وجود جوهر وعرض ذلك الجوهر كوجود زيد وعدالته مثلا ففي هذه الصورة ان كان الوجود النعتي له حالة سابقة يمكن ابقاء تلك الحالة بالاستصحاب وأما ان لم تكن له حالة سابقة فلا مجال لجريان الاستصحاب ، وبعبارة واضحة ان كان المأخوذ في الموضوع وجود الجوهر وعرضه فيكون المأخوذ في الموضوع الوجود النعتي ان كان المأخوذ وجود النعت ويكون المأخوذ فيه العدم النعتي ان كان المأخوذ فيه العدم النعتي فان كانت لمجرى الأصل حالة سابقة يجرى الاستصحاب وأما اذا لم تكن له حالة سابقة فلا مجال لجريان الأصل واستصحاب العدم المحمولي لا يثبت العدم النعتي الا على القول بالمثبت الذي لا نقول به.

اذا عرفت ما تقدم نقول : اذا قال المولى «كل مرأة تحيض الى خمسين

٣٥٦

سنة الا ما كانت من قريش فانها تحيض الى ستين سنة» فبمقتضى المقدمة الاولى يتعنون العام بكونها غير قرشية وبمقتضى المقدمة الثانية تلاحظ القرشية وعدمها بالنسبة الى المرأة فلا بد من التحفظ عليها فيكون حمل عنوان القرشية عليها أو سلبها عنها بأن نقول المرأة الفلانية قرشية أو بأن نقول المرأة الفلانية لا تكون قرشية ، مفاد كان الناقصة ومفاد ليس كذلك ولا يكون وجودا محموليا أو عدما كذلك ، وبمقتضى المقدمة الثالثة حيث ان الموضوع مركب من جوهر وعرض ذلك الجوهر يكون وجود العرض ملحوظا على نحو النعت وعدمه يكون ملحوظا كذلك فالنتيجة ان المرأة على قسمين قسم منها منعوتة بالقرشية وقسم آخر منها منعوتة بعدمها فلو شككنا في مرأة انها قرشية أم لا لا يمكننا الحكم بعدم كونها قرشية بالاستصحاب اذ استصحاب عدم كونها قرشية بالعدم المحمولي لا يثبت العدم النعتي والعدم النعتي لا تكون له حالة سابقة كى تستصحب.

والجواب عن هذا التقريب : ان المستفاد من الدليل ان كان بنحو يكون الموضوع المأخوذ لترتب الحكم عليه العدم النعتي يتم المدعى مثلا لو كان المستفاد من الدليل ان المرأة المتصفة بغير القرشية تحيض الى خمسين يتم التقريب المذكور لأن اتصاف المرأة بغير القريش لا يكون له حالة سابقة وبعبارة اخرى : استصحاب العدم المحمولي لا يثبت العدم النعتي الا على القول بالمثبت واستصحاب العدم النعتي لا يجري لعدم تحقق الحالة السابقة ولكن الذي يدفع الاشكال أن تعنون العام بالعدم النعتي يحتاج الى مئونة وعناية ولا دليل عليها فان مقتضى تخصيص حكم حيض المرأة الى خمسين بالقرشية أن يكون الموضوع المرأة التي لا تكون منسوبة الى القريش لا المتصفة بكونها غير منسوبة على نحو المعدولة وعليه لا مانع من جريان الاستصحاب فان المرأة الفلانية قبل وجودها لم تكن منسوبة الى القريش والآن كما كان وببيان واضح : قبل الوجود المرأة الفلانية لم يكن انتسابها الى

٣٥٧

القريش موجودا والأصل بقاء هذا العدم وان شئت فقل : فرق بين كون الموضوع عدم الانتساب وكونه عبارة عن الانتساب الى العدم فان الأول لا يحتاج الى الموضوع والثانى يحتاج.

ان قلت : بعد عدم امكان الاهمال في الواقع ، نسأل ان الموضوع المأخوذ في العام كالمرأة مثلا هل يكون بالنسبة الى العدم النعتي لا بشرط أو بشرط شيء فعلى الأول يلزم التهافت حيث ان المأخوذ في الموضوع عدم كونها منسوبة الى القريش اي اخذ في موضوع العام المرأة وعدم نسبتها الى القريش فكيف يمكن لحاظ لا بشرط وعلى الثاني يعود المحذور فما الحيلة؟

قلت نجيب عن الاشكال المذكور نقضا وحلا ، أما الأول : فبجميع موارد كون الموضوع مركبا مثلا اذا كان الموضوع مركبا من عرضين أو جوهرين فهل يكون احد الجزءين بالنسبة الى الجزء الآخر ملحوظا لا بشرط أو بشرط شيء وبعبارة اخرى : هل يكون الموضوع بالنسبة الى الوجود النعتي لا بشرط أو بشرط شيء فعلى الاول يلزم التهافت وعلى الثاني يعود المحذور ، وأما الثاني : فنختار انه مأخوذ على نحو لا بشرط وعلى نحو الاطلاق فان الاطلاق عبارة عن رفض القيود وبعبارة واضحة العدم النعتي لا يكون دخيلا في الموضوع بل الدخيل في الموضوع العدم المحمولي.

وصفوة القول : ان الموضوع اذا كان مركبا من الجوهر وعرضه كما لو كان الموضوع مركبا من وجود زيد وعلمه يكون وجود العرض ملحوظا على نحو النعت وعلى نحو مفاد كان الناقصة إلّا أن يقوم الدليل على الخلاف بأن يدل الدليل على كونه ملحوظا على نحو الاستقلال وعلى نحو مفاد كان التامة وأما لو كان الموضوع مركبا من وجود الجوهر وعدم الانتساب وقد اخذ فيه عدم العرض الفلاني لا يفهم من الدليل الا عدم الانتساب وأما لحاظ الانتساب الى العدم بحيث يكون

٣٥٨

العدم نعتا فيحتاج الى الدليل وأن أبيت عما ذكرنا نقول لا يفهم من التخصيص الا هذا المقدار وببيان واضح : اذا قال المولى «المرأة تحيض الى خمسين سنة الا المرأة القرشية فانها تحيض الى ستين» يفهم من كلامه ان كل مرأة تحيض الى خمسين والخارج قسم خاص فقط فيكفي لدخول الفرد المشكوك فيه تحت العام عدم كونها قرشية فيكفي استصحاب عدم كونها منسوبة الى القريش ، فتحصل مما تقدم انه لا مانع من جريان أصل العدم الازلي لاثبات كون الفرد من أفراد العام.

وقال السيد الحكيم قدس‌سره في هذا المقام في جملة كلام له «نعم لا مجال لجريانه في لوازم الماهية لأنها لا تنفك عنها ولو قبل وجودها فليس للعدم حالة سابقة لها كما لا مجال لجريانه في الذاتيات فان ثبوت الشيء لنفسه ضروري ولا معنى لسلبه عنه» (١).

والذي يختلج ببالي القاصر الفاتر أن يقال انه لا اشكال في ان كل حكم شرعي مترتب على الوجود الخارجي ، فما دام لم يوجد الموضوع في الخارج لا يترتب عليه الحكم فعليه يمكن أن يقال هذا العدد الخارجي المشكوك فيه قبل وجوده الخارجي لم يكن اربعة خارجا والآن كما كان ، أو ان الحيوان المشكوك في أنه مأكول اللحم أم لا ، يمكن جريان الأصل فيه بأن نقول هذا الحيوان قبل أن يوجد لم يكن موجودا كذائيا والآن كما كان وإلّا يجري الاشكال في موارد تسلم جريان الأصل فيها مثلا المرأة التي يشك في كونها قرشية أم لا متى لم تكن قرشية أما بعد وجودها فيمكن كونها قرشية وأما قبل وجودها فهي على فرض كونها قرشية بعد وجودها تكون قرشية أيضا في مقام هويتها لأن هويتها منتزعة من هويتها الخارجية وايضا اذا شك في كرية ماء وعدمها لا يمكن جريان اصالة عدم الكرية فيه فلاحظ.

__________________

(١) حقائق الاصول ، ج ١ ص ٥٠٦

٣٥٩

ولا يبعد أن يكون ما ذكرنا تاما ووافيا لبيان فساد ما أفاده السيد الحكيم قدس‌سره من التفصيل في المقام.

فائدة : ربما يقال انه يجوز التمسك بالعام اذا شك في فرد من غير ناحية التخصيص كما لو شك في جواز الوضوء بالمائع المضاف من جهة الاجمال في الدليل فيجوز التمسك بعموم وفاء النذر ، لو نذر أن يتوضأ بالمضاف ، فيقال يجب الوفاء بالنذر فيجب الوضوء بالمضاف فيصح الوضوء به ، ويؤيد ما ذكر بما ورد من صحة النذر فيما اذا نذر أن يحرم قبل الميقات وفيما اذا نذر أن يصوم في السفر ، والكلام يقع في مقامين المقام الاول في صحة مثل هذا النذر المقام الثاني فى نذر الاحرام والصوم.

أما المقام الأول فنقول : قد استفيد من الدليل اشتراط متعلق النذر بكونه راجحا ومع عدم احراز رجحانه كيف يصح النذر وكيف ينعقد وبعبارة اخرى مع الشك في تحقق الموضوع لا مجال للأخذ بعموم الدليل مضافا الى أنه اذ اجاز التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية فاي مانع من الأخذ بدليل استحباب الوضوء فان المفروض جواز الأخذ بالدليل في الشبهة المصداقية ، اضف الى ذلك كله ان المستفاد من الدليل الوارد في النذر ان متعلقه يلزم أن يكون راجحا واذا شك في رجحان المتعلق يكون مقتضى الأصل الاولي عدم رجحانه فببركة الأصل يحرز عدم الرجحان فلا يبقى مجال للأخذ بدليل وجوب الوفاء بالنذر.

وأما المقام الثاني فنقول : ان الالتزام بصحة الاحرام قبل الميقات وصحة الصوم في السفر بالنذر في الموردين ليس من باب الأخذ بالعموم في الشبهة المصداقية بل من باب النصوص الخاصة الدالة على المطلوب ، فنقول بعد ورود النص نلتزم اما بعدم اشتراط متعلق النذر راجحا بالتخصيص الشرعي واما بتحقق الرجحان في المتعلق مقارنا مع النذر فان تقدم رجحان متعلق النذر على النذر

٣٦٠