آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

كل واحد من الطبيعة المأمور بها والمنهي عنها مشتملا على مناط الحكم مطلقا حتى في حال الاجتماع فلو كان هناك ما دل على ذلك من اجماع أو غيره فلا اشكال.

وأورد عليه سيدنا الاستاد بأنه قد مر ان النزاع في باب اجتماع الأمر والنهي ليس متوقفا على القول بكون الأحكام تابعة للملاكات بل النزاع يجري ولو على مسلك الاشعري الذي لا يقول بالتبعية وان الجواز متفرع على تعدد متعلقي الأمر والنهي وعدم سراية كل من الأمر والنهي الى متعلق الآخر والامتناع متوقف على احد الأمرين اما اتحاد المتعلقين واما السراية والظاهر ان الإيراد المذكور كما ذكرنا سابقا غير وارد على صاحب الكفاية فان الأمر والنهي باي ضابط كانا لا بد من شمولهما حال الاجتماع وإلّا فلا مجال للنزاع.

وقال في الكفاية في طي كلامه : ولو لم يكن الا اطلاق دليلي الحكمين ففيه تفصيل ، وهو ان الاطلاق لو كان في مقام بيان الحكم الاقتضائي لكان دليلا على ثبوت المقتضي والمناط في مورد الاجتماع فيكون من هذا الباب ولو كان بصدد بيان الحكم الفعلي فلا اشكال في استكشاف ثبوت المقتضي في الحكمين على القول بالجواز إلّا اذا علم اجمالا بكذب احد الدليلين فيعامل معهما معاملة المتعارضين ، واما على القول بالامتناع فالاطلاقان متنافيان من غير دلالة على ثبوت المقتضي للحكمين في مورد الاجتماع أصلا ، فان انتفاء احد المتنافيين كما يمكن أن يكون لأجل المانع مع ثبوت المقتضي يمكن أن يكون لاجل انتفائه.

وأورد عليه سيدنا الاستاد بأنه ان كان مراده بالحكم الفعلي مرتبة البعث فهو تابع لتحقق موضوعه ولا تعرض للحكم لفعلية نفسه ويمكن أن يتأخر فعلية الحكم عن انشائه بزمان طويل اذ ما لم يتحقق الموضوع لا يصير الحكم فعليا والسر فيه ان الأحكام الشرعية مجعولة على نحو القضايا الحقيقية وعلى هذا فعلية الحكم تابعة

٢٤١

لتحقق موضوعه ولا مجال لأن يقال ان نفس دليل الحكم متكفل لبيان فعليته ، وبعبارة اخرى : القضية الحقيقية غير متعرضة لوجود موضوعها فلا يصح ان يقال ان الدليل باطلاقه في مقام بيان فعلية الحكم وان اراد من الحكم انشائه وابرازه ، وبعبارة اخرى : الفعلية من قبل المولى لا الفعلية الخارجية فلا يعقل أن يكون المتعلق الواحد متعلقا للأمر والنهي حتى على القول بالجواز فان اجتماع الضدين محال على جميع المسالك هذا بالنسبة الى ما أفاده من الحكم الفعلي ، وأما أفاده من الحكم الاقتضائي ، فيرد عليه : انه لا نتصور من الحكم الاقتضائي الا كون الفعل ذا مصلحة وذا مفسدة وهذه المرحلة خارجة عن محل الكلام لأن الكلام في اجتماع الأمر والنهي ومرجع ما ذكره الى ان الشارع أخبر بوجود المصلحة والمفسدة والحال ان الشارع الأقدس وظيفته بيان الأحكام لا بيان الملاكات مضافا الى أن الحمل المذكور خارج عن المتفاهم العرفي اضف الى ذلك ان اجتماع المصلحة والمفسدة في شيء واحد وان كان ممكنا لكن لا يمكن أن يؤثر ان فى المحبوبية والمبغوضية بل اما يترجح جانب الأمر واما يترجح جانب النهي.

وصفوة القول : ان المتعلق ان كان متعددا ولا يسري الحكم من احد المتعلقين الى الآخر ويؤثر الملاك في فعلية الحكم فلا مانع من الاجتماع وان كان واحدا فلا يمكن أن يؤثر إلّا احدهما ولا يكون من هذا الباب.

ان قلت : اذا لم يترجح احد الجانبين لا يكون محبوبا ولا مبغوضا فلا يكون حكم في البين ، قلت : لا يعقل فانه لا بد من تأثير احدهما مضافا الى أنه لغو محض.

ويرد عليه : انه لا اشكال في أنه على القول بالجواز يستكشف المقتضي لكل واحد من الحكمين وصاحب الكفاية لم يفرض الكلام في مورد كون المتعلق واحدا ، كى يرد عليه هذا الايراد ، ويرد عليه ايضا : انه كيف لا يعقل أن لا يؤثر الملاك

٢٤٢

فانه لو فرض عدم ترجيح احد الملاكين على الآخر تكون النتيجة عدم تعلق التكليف ولم يعلم مراده من عدم المعقولية.

وقال صاحب الكفاية في ذيل كلامه : إلّا أن يقال ان قضية التوفيق بينهما هو حمل كل منهما على الحكم الاقتضائي لو لم يكن احدهما أظهر وإلّا فخصوص الظاهر منهما الخ.

وأورد عليه سيدنا الاستاد بأن الجمع المذكور ليس جمعا عرفيا.

العاشر : قال في الكفاية : انه لا اشكال في سقوط الأمر وحصول الامتثال باتيان المجمع بداعي الأمر على الجواز وان كان عاصيا للنهي وأما على الامتناع وترجيح جانب الأمر فالأمر كذلك ولا عصيان ، وأما على تقدير ترجيح جانب النهي فيسقط الأمر به مطلقا في غير العبادات لحصول الغرض الموجب لسقوط الأمر وأما فيها فلا ، مع الالتفات أو بدون الالتفات تقصيرا لعدم تحقق قصد القربة بالمحرم وبدون التقرب لا يسقط الغرض ، وأما مع القصور فلا مانع من قصد التقرب وتحققه بما يصلح أن يكون مقربا الى آخر كلامه.

ويرد عليه : اولا أنه على الامتناع وترجيح جانب النهي كيف يمكن الجزم بحصول الغرض في غير العبادات فان الحرام لا يعقل أن يكون مصداقا للواجب فان اجتماع الضدين محال.

وصفوة القول : أنه لا يمكن أن يكون وجود واحد محبوبا ومبغوضا فلا فرق من هذه الجهة بين العبادات وغيرها ، وثانيا : أنه لا فرق بين الجهل العذري وغيره في عدم تحقق الامتثال بالفرد المحرم الا من ناحية العقاب وعدمه ، نعم يمكن الالتزام بتحقق الامتثال في مورد عدم توجه النهي لأجل النسيان ونحوه ، بيان ذلك : ان الحكم الواقعي محفوظ في حالتي العلم والجهل ولا يختص بصورة العلم وإلّا يلزم الدور ، فلو كان المكلف جاهلا بالحكم أو الموضوع جهلا عذريا

٢٤٣

لكن يلتفت ويحتمل الحرمة يكون الارتكاب الخارجي حراما في حقه وان لم يكن مستوجبا للعقاب لكونه معذورا لكن لا يمكن أن يتحقق به الامتثال لعدم امكان كون شيء واحد محبوبا ومبغوضا فلو كان المكلف جاهلا بكون الدار الفلانية مغصوبة وصلى في تلك الدار لا تكون صلاته صحيحة الا في صورة الغفلة بحيث لا يكون توجيه الخطاب اليه قابلا وان شئت قلت : المصالح الواقعية والمفاسد كذلك وتزاحمها وكسرها وانكسارها لا ترتبط بالعلم والجهل ولا مجال لهذا التوهم فان الأحكام على رأي العدلية تابعة للملاكات الواقعية وتلك الملاكات تؤثر في فعلية الأحكام على واقعها فعلى تقدير غلبة جانب النهي يكون الفعل مبغوضا ليس إلّا وان كانت المصلحة غالبة يكون محبوبا لا محالة ولا أثر للعلم والجهل في الواقعيات نعم اذا لم يكن النهي متوجها الى المكلف كما لو كان ناسيا وكان نسيانه عن عذر لا يكون النهي مانعا عن الصحة اذ يختص المتعلق بالحصة الخاصة بمقتضى حكم العقل ومع عدم الحرمة لا يحكم العقل بكون الفعل مبغوضا كي لا يمكن أن يقع مصداقا للمأمور به.

وثالثا يرد عليه : بأنه على الجواز يدخل المقام في باب التزاحم في فرض عدم المندوحة فعلى فرض تقديم جانب الأمر تصح الصلاة وأما على تقدير تقديم جانب النهي فالصحة تتوقف على أحد امرين ، اما الالتزام بالترتب واما كفاية كون الفعل ذا ملاك في تحقق قصد القربة ، مع اشكال عدم طريق الى احراز الملاك فان من يكون مشغولا بضد الصلاة كيف يمكنه الاتيان بها كى يؤمر بها ، وبعبارة واضحة : كيف يمكن أن يتعلق الأمر بالضدين بغير الترتب ومن ناحية اخرى احراز الملاك من طريق تعلق الأمر.

ان قلت : سلمنا عدم امكان توجيه الأمر الا بالترتب لكن يمكن الالتزام بالصحة أيضا بالملاك فان الفعل ذو ملاك حسن فيمكن الاتيان به بقصد القربة ، قلت : تحقق

٢٤٤

العبادة مشروط بكونها محبوبة مضافا الى اشتراط كون صدورها حسنا من المكلف والمفروض عدم صدوره حسنا وبعبارة اخرى : يتوقف على الحسن الفاعلي بالاضافة الى الحسن الفعلي ، بتقريب ان الصلاة في الخارج لا تتميز عن الغصب بحيث يمكن الاشارة اليها وحدها فالذي يوجد الصلاة في الدار المغصوبة يوجد بايجاد واحد الصلاة والغصب لا الصلاة وحدها فيكون ايجاده قبيحا اذ أوجد الحرام فلا يكون ايجاده حسنا فلا يمكن أن يتحقق الامتثال بفعله فالنتيجة : انه يفصل بين القول بالجواز وتعدد المجمع وبين القول بالامتناع ووحدته بتحقق الامتثال في الاول حتى مع العلم ، والتفصيل في الصورة الثانية وصفوة القول : ان المشهور بين القوم صحة العبادة على القول بالجواز ولو مع العلم بالحرمة فضلا عن صورة الجهل.

وأفاد الميرزا النائيني قدس‌سره ـ على ما في التقرير ـ بأنه على القول بالجواز يفصل بين صورتي العلم والجهل ، بأن يقال تصح العبادة مع الجهل ولا تصح مع العلم بالحرمة فيقع الكلام على ما ادعاه في موردين : احدهما بالنسبة الى العالم ، ثانيهما بالنسبة الى الجاهل.

أما المورد الاول فاستدل على دعواه بأن التكليف بنفسه يقتضي اعتبار القدرة ويختص بالحصة المقدورة وليس اشتراط القدرة بحكم العقل ، والوجه فيه : ان التكليف جعل الداعي نحو الفعل فهو بنفسه يقتضي القدرة اذ لا يمكن جعل الداعي لأمر غير مقدور هذا من ناحية ومن ناحية اخرى الممنوع شرعا كالممتنع عقلا فلا بد أن يكون المتعلق مقدورا شرعا وعقلا وعليه لا تكون الصلاة في الغصب مأمورا بها لانها ملازمة للحرام فلا تكون مقدورة شرعا ، وعلى الجملة فان الصلاة في الغصب وان لم تكن متحدة مع الحرام على الجواز لكن ملازمة مع الحرام ولا تكون مقدورة شرعا.

ان قلت : هب انه لا يشمله الدليل بالتقريب المذكور لكن يمكن الالتزام بالصحة بالترتب. قلت : تحقق الترتب بتحقق العصيان للنهي والعاصي للنهي لا يخلو من

٢٤٥

احد الأمرين اذ العاصي اما يكون مشتغلا بالصلاة واما مشتغلا بغير الصلاة. وعلى كلا التقديرين لا يعقل أن يؤمر بالصلاة أما على الاول فللزوم تحصيل الحاصل ، وأما على الثاني فلعدم امكان الجمع بين الضدين.

وأورد عليه سيدنا الاستاد بوجوه من الايراد الوجه الاول : انا ذكرنا في بحث الضدان اعتبار القدرة في المكلف به ليس باقتضاء نفس التكليف فان التكليف ليس جعل الداعي نحو الفعل كى يقال لا يعقل جعل الداعي إلّا بالنسبة الى الحصة المقدورة بل التكليف عبارة عن الاعتبار فان الايجاب اعتبار الفعل في ذمة المكلف والتحريم اعتبار حرمان المكلف عن الفعل وابراز هذا الاعتبار بمبرز من قول أو فعل ، وهذا الاعتبار لا يقتضي اعتبار القدرة في المتعلق بل يجوز اعتبار الجامع بين المقدور وغير المقدور كما انه لا دليل على حكم العقل باعتبار القدرة بل العقل يدرك اشتراط القدرة في ظرف الامتثال فالنتيجة انه لا دليل على اقتضاء نفس التكليف اعتبار القدرة في المكلف به.

الوجه الثاني : انه سلمنا اقتضاء التكليف القدرة في المتعلق لكن يكفي القدرة في الجملة وبعبارة اخرى : يكفى القدرة ولو على نحو الموجبة الجزئية فلا يلزم تعلق التكليف بخصوص الحصة المقدورة فيكفى القدرة في الجملة والمفروض ان المكلف يقدر على الاتيان بالصلاة في المكان المباح.

الوجه الثالث : انه لو تنزلنا وقلنا ان المأمور به خصوص الحصة المقدورة لكن مع ذلك لا يتم ما ذكره لأن مصداق الصلاة غير مصداق الغصب ويكون التركيب بينهما انضماميا ، وبعبارة اخرى : لا يكون متعلق الأمر الصلاتي حراما كى يقال ان الحرام شرعا كالممتنع عقلا.

الوجه الرابع : انه لو تنزلنا عن ذلك ايضا لكن لا مانع عن تعلق الأمر بالصلاة على نحو الترتب وذلك لأن الغصب عبارة عن الكون في الدار الغصبية والكون فيها لا يضاد مع الصلاة فيها ولا مصداق للصلاة بل ملازم معها فلو علق وجوب

٢٤٦

الصلاة على الغصب لا يلزم شيء من المحذورين ، لا محذور طلب الحاصل ولا محذور طلب الضدين بل الكون في الدار الغصبية يجامع مع الصلاة كما انه يجامع مع بقية الأفعال ففي ظرف العصيان والكون في الدار المغصوبة لا مانع عن تعلق الامر بالصلاة.

الوجه الخامس : انه لو تنزلنا عن ذلك ايضا نقول : لا مانع عن الاتيان بالصلاة مع قصد التقرب بها لكونها واجدة للملاك على وجهة نظر الميرزا حيث انه يرى كون الفعل ذا مصلحة قابلة للتقرب.

ولا يرد عليه ما أورده اذ لو فرض تعدد الوجود كما هو المفروض كان الايجاد متعددا ولا يعقل تعدد الوجود ووحدة الايجاد لأن الفرق بين الوجود والايجاد بالاعتبار فانه لو لوحظ الى الموجود يكون وجودا ولو لوحظ الى الموجد يكون ايجادا فلا مجال لأن يقال الوجود متعدد والايجاد واحد.

اذا عرفت ما تقدم نقول : الحق ان اعتبار القدرة في المتعلق بحكم العقل حيث ان التكليف لا معنى له مع عدم القدرة على المتعلق ويلزم اللغو وأما اعتبارها بنفس التكليف لا بحكم العقل فلا نفهم معناه اذ مع عدم حكم العقل لا طريق الى احراز الاستحالة والامكان ، وبعبارة اخرى : الطريق الوحيد حكم العقل ومع قطع النظر عنه لا مجال للحكم فالحق ان الاشتراط بحكم العقل وأما كفاية القدرة حين الامتثال الذي رامه سيدنا الاستاد وجعله مسلكا ثالثا في قبال المسلكين الآخرين ، فالظاهر انه لا محصل له فان زمان الامتثال زمان فعلية الحكم وببيان واضح : لا يعقل أن يتحقق الحكم ويصير فعليا بحيث يكون قابلا لأن يمتثل ومع ذلك لا يكون المكلف قادرا ، فالحق ان اعتبار القدرة بحكم العقل ، غاية الأمر لا بد من التفصيل بأن يقال ان لم يكن الواجب متوقفا على القصد ولم يكن الفعل من الامور القصدية فلا يلزم أن يكون الواجب خصوص الحصة المقدورة بل ما في الذمة الجامع بين

٢٤٧

تلك الحصة وغيرها ، وأما ان كان الواجب من الامور القصدية كالواجبات التعبدية وكالواجبات التي تتوقف على القصد كالتعظيم والاكرام والاهانة فيختص الحكم بالحصة المقدورة اذ الامور القصدية لا يعقل أن تتحقق بلا قصد واختيار وإلّا يلزم الخلف المحال ، وصفوة القول : ان ما أفاده سيدنا الاستاد صحيح في الجملة لا بالجملة ، نعم ما أفاده تام بالنسبة الى المقام اذ المفروض ان المأتى به الملازم للحرام مصداق للمأمور به فلا وجه لعدم تحقق الامتثال.

ويرد على كلام الميرزا مضافا الى ما أورده عليه سيدنا الاستاد ، انه سلمنا ان الايجاد واحد ولكن المفروض ان المكلف بايجاده الواحد يوجد فعلين في الخارج احدهما ذو مصلحة والفعل محبوب للمولى ، ثانيهما ذو مفسدة ويكون الفعل مبغوضا للمولى ، وبعبارة اخرى يوجد فعلا حسنا وفعلا قبيحا لكن باي وجه يكون الايجاد قبيحا ولما ذا لا يكون حسنا ، وبعبارة اخرى : باي مستند يؤثر قبح الوجود في الايجاد ولما ذا لا يؤثر حسن الوجود في الايجاد ، وان شئت قلت : اي وجه في ترجيح القبح على الحسن وعلى تقدير عدم ترجيح احدهما على الآخر يكون الايجاد لا حسنا ولا قبيحا فيحصل الامتثال مضافا الى أنه ما الوجه في اشتراط تحقق الامتثال بكون الايجاد حسنا فان المكلف اذا كان في مقام الاطاعة وقصد القربة وأتى بعمل محبوب ذي مصلحة يتحقق الامتثال ويصح أن يقال ان العمل الفلاني صدر عنه بقصد القربة وان كان اصداره قبيحا وبعبارة اخرى : لا دليل على اعتبار أزيد من هذا المقدار في مقام الامتثال والاطاعة فعلى القول بالجواز لا بد من الالتزام بصحة الصلاة الواقعة في الدار المغصوبة. نعم على القول بسراية النهي الى متعلق الصلاة لا يتحقق الامتثال اذ كيف يمكن أن يتعلق الأمر والنهي بشيء واحد وكيف يمكن أن يكون شيء واحد مبغوضا ومحبوبا وكيف يمكن قصد القربة بالمنهي عنه من قبل المولى هذا تمام الكلام في المورد الأول.

٢٤٨

وأما المورد الثاني وهو صورة الجهل بالغصب فتصح الصلاة اذ المفروض ان التركيب انضمامي ومن ناحية اخرى مع الجهل بالحرمة لا يكون النهي منجزا على المكلف ، فلو صلى في الدار المغصوبة مع الجهل بالحرمة تكون صلاته صحيحة هذا في صورة الجهل.

وأما في صورة النسيان فالأمر اوضح اذ مع النسيان لا يكون الحكم محفوظا حتى في الواقع لعدم ترتب أثر عليه فوجوده يكون لغوا.

وبعد بيان المقدمات المذكورة ، نقول : قد ذكر صاحب الكفاية لاثبات الامتناع امورا ، لا بد من ملاحظة كل واحد منها.

الأمر الأول : ان الاحكام الخمسة متضادة ضرورة المعاندة التامة بين البعث نحو شيء والزجر عنه في ذلك الزمان هذا بعد وصول كلا الحكمين الى مرتبة البعث الفعلى والزجر الفعلي وان لم يكن معاندة بينهما ما لم يبلغا الى المرتبة الفعلية وببيان واضح : التضاد بين الاحكام الفعلية ولا تضاد بين الاحكام الانشائية.

ويرد عليه اولا : انه لا تضاد ولا تعاند بين الأحكام بوجه ، فان باب الأحكام الشرعية باب الاعتبارات والاعتبار خفيف المئونة ، والتضاد من خصائص الامور الواقعية والاعراض الخارجية ، كالتضاد بين البياض والسواد.

وثانيا : ان ما افاده من التفكيك بين الحكم الانشائي والحكم الفعلي لا محصل له فان للحكم مرتبتين ، الاولى الفعلية ، الثانية التنجز ، والحكم بعد ما وصل الى المرحلة الفعلية ينشأ بمبرز من قول أو فعل فلا تضاد بين الأحكام في مرحلة من المراحل ، نعم المعاندة بين الأحكام موجودة في موردين :

احدهما : في المبدأ ، ثانيهما : في المنتهى ، أما في المبدأ فلأنه لا يمكن أن يكون شيء واحد محبوبا ومبغوضا كما انه لا يمكن أن يكون محبوبا ولا يكون محبوبا وهكذا ، فان اجتماع الحب والبغض من شخص واحد بالنسبة الى شيء

٢٤٩

واحد غير معقول ، وأما من ناحية المنتهى فلا يمكن للعبد أن يوجد شيئا بلحاظ تعلق الأمر به وترك ذلك الشيء بلحاظ النهي عنه.

وأما نفس الاحكام فلا مضادة بينها ومما ذكرنا ظهر ما في كلام سيدنا الاستاد حيث قال : المضادة بين الوجوب والحرمة في مرتبة جعلهما فلا يمكن جعل الوجوب والحرمة على شيء واحد ومن الواضح ان المضادة في هذه المرتبة لا تتوقف على فعلية الحكمين.

فانه يرد عليه : اولا أنه لا مضادة بين الأحكام في مرحلة من المراحل ، وثانيا ان مرحلة الجعل عين المرحلة الفعلية ولا انفكاك بينهما ، فان المولى بعد تمامية المقدمات عنده يعتبر الوجوب مثلا وينشئ ذلك الوجوب بمبرز والحكم بعد الاعتبار والانشاء فعلي غايته ما دام يكون العبد معذورا لا يكون منجزا عليه كما لو شك في وجوب صلاة الجمعة مثلا ولم تتم الادلة على وجوبها والحال تكون واجبة في الواقع فان المكلف يجري حديث الرفع ويستريح عن كلفة الحكم الواقعي فلاحظ.

الامر الثاني : أنه لا اشكال في أن متعلق الاحكام فعل المكلف وما هو صادر عنه في الخارج وما هو جاعله وفاعله لا ما هو اسمه ولا ما هو عنوانه مما قد انتزع عنه بحيث لو لا الانتزاع لا يكون شيء بحذائه في الخارج وما أفاده تام فان متعلق الأحكام ليس هو العناوين الانتزاعية ولا الأسماء بل العناوين والأسماء قنطرة الى ما يكون في الخارج وعلى الجملة لا اشكال في أن المأمور به والمنهي عنه الوجود الخارجي.

الامر الثالث : ان تعدد الوجه والعنوان لا يوجب تعدد المعنون فان العناوين المتعددة ربما تنطبق على الفارد الذي لا كثرة فيه كالواجب تعالى فانه جل وعلا على بساطته ووحدته تنطبق عليه العناوين الكثيرة.

٢٥٠

ويمكن أن يرد على ما أفاده بأن تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون كما أفاده ولكن تعدد العنوان لا يقتضي وحدة المعنون أيضا ، وببيان واضح : لا بد من التفصيل ، بأن يقال ان العناوين المتعددة المنطبقة على ما في الخارج تارة تعليلية واخرى تقييدية ، والمراد من العنوان التعليلي العنوان الذي يعرض على المعنون بلحاظ قيام شيء بالمعنون مثلا عنوان الأبيض يعرض على الجسم بلحاظ قيام البياض على ذلك الجسم وعنوان الأسود يعرض للجسم باعتبار قيام السواد به فيكون الجسم الواحد أبيض وأسود وأيضا يمكن أن يكون فرد واحد من أفراد الانسان مصداقا لألف عنوان فيكون عالما ، عارفا ، عادلا ، محسنا ، قويا ، شريفا غنيا الى غيرها من العناوين والوجه فيه ، ان هذه العناوين عناوين تعليلية ، أي كون زيد عادلا معلول وجود العدالة فيه وكونه عالما معلول وجود العلم فيه وكونه قويا معلول وجود القوة فيه وهكذا.

وأما العناوين التقييدية ، وهي العناوين المتأصلة في الخارج فلا يعقل أن يتحد واحد منها مع الآخر ولا يعقل اجتماع اثنين منها في مورد بحيث يكون أحدهما محمولا على الآخر فلا يعقل أن يتحد السواد مع البياض ولا الحموضة مع السواد وهكذا والوجه فيه ، أنه لا يعقل تعدد الفعلية وان شئت قلت : كل فعلية تأبى عن فعلية أخرى.

فالنتيجة : ان العناوين الانتزاعية التي لا يكون لها تأصل في الخارج والتأصل لمنشا انتزاعها يمكن اجتماعها في مصداق واحد وتعدد هذه العناوين لا يقتضى تعدد المعنون.

وأما العناوين المتأصلة فلا يعقل اتحادها ولا يعقل صدقها على مصداق واحد في الخارج وهنا قسم ثالث وهي العناوين التي لا تأصل لها بل ينتزع من العناوين المتأصلة كعنوان الاكرام والاهانة ونحوهما ، ومن هذا القبيل عنوان الصلاة

٢٥١

والغصب وعلى هذا الاساس اذا تعدد العنوان فاما كلاهما من العناوين المتأصلة كالبياض والحموضة واما كلاهما من العناوين غير المتأصلة واما أحدهما متأصل والآخر غير متأصل ، أما اذا كان كلاهما متأصلين فلا يعقل الاتحاد بينهما كما تقدم وأما اذا كان أحدهما متأصلا والآخر غير متأصل يمكن أن يتحد أحدهما مع الآخر كعنوان الغصب والاكل فان اكل مال الغير بدون رضاه غصب ومن ناحية اخرى الاكل من العناوين المتأصلة فاذا اكل أحد مال الغير بلا اذن منه يكون غاصبا اذ مصداق الغصب في المثال اكل مال الغير ، وأما اذا كان كلا العنوانين انتزاعيين كالصلاة والغصب فلا بد من ملاحظة المنطبق عليه العنوان فان كان المنطبق عليه لاحدهما غير المنطبق عليه الآخر يكون التركيب انضماميا ، واذا كان واحدا يكون اتحاديا.

وصفوة القول : الذي يكون قول الفصل وبه يتحقق المصالحة بين الطرفين ان العنوان المأمور به ان كان متحدا مع العنوان المنهي عنه ويكون فرد واحد مصداقا لهما يكون ممتنعا ولا بد من العلاج اذ لا يعقل أن يكون شيء واحد مبغوضا ومحبوبا أو فقل : لا يمكن أن يكون شيء واحد مصداقا للمأمور به ومصداقا للمنهي عنه وان كان مصداق احد العنوانين غير ما صدق عليه الآخر ، أو فقل : ان كان التركيب بينهما انضماميا يكون الاجتماع جائزا ، فتمام الكلام في هذا المقام في هذه النقطة فان القائل بالجواز يرى انفكاك احدهما عن الآخر وجودا والقائل بالامتناع يرى اتحادهما في الوجود.

اذا عرفت ما تقدم فاعلم أنه لو صلى المكلف في الدار المغصوبة فلا بد من ملاحظة ان الأجزاء الصلاتية هل تتحد مع الغصب أم لا ، فنقول : الصلاة مركبة من امور منها القصد والنية ومن الظاهر ان القصد لا يكون مصداقا للغصب ومنها الكيف المسموع وهي القراءة والأذكار وهي أيضا لا تكون مصداقا للغصب ومنها

٢٥٢

الركوع والسجود والقعود والقيام وشيء من هذه الامور لا يكون مصداقا للغصب اذ الامور المذكورة من مقولة الوضع والغصب لا ينطبق على الوضع.

نعم يشكل الأمر في السجود على القول بوجوب الاتكاء على الأرض فعليه يكون الاتكاء على الارض الذي هو نحو من التصرف مصداقا للغصب ولا يعقل الاجتماع

ان قلت : يشكل الامر في القيام والجلوس والتشهد والجلسة للاستراحة ، اذ يشترط في القيام أن يكون على الارض كما أنه يشترط في الجلوس أن يكون على الأرض ومن الظاهر ان الجلوس أو القيام على الأرض نحو تصرف فيها فيكون حراما.

قلت : المطلوب في الجلوس والقيام الوضع الخاص غاية ما في الباب لزوم الالصاق بالارض فلو كان بدن المصلي ملتصقا بالفرش المفروش في الدار يحصل المأمور به ، وهذا لا يكون مصداقا للغصب ، نعم كونه في الدار واعتماده على الارض جالسا وقائما يكون مصداقا للغصب لكن لا يكون مصداقا للصلاة.

الأمر الرابع : انه ليس للوجود الواحد الا ماهية واحدة ، وعليه لو تصادق عنوانان على وجود واحد لا يعقل أن يكون العنوانان ماهية لذلك الوجود ، ولا فرق فيما نقول بين القول باصالة الوجود واصالة الماهية فانه على كلا القولين يكون ما في الخارج مصداقا واحدا فان كان ما في الخارج الوجود تنزع عنه الماهية الواحدة وان كان هي الماهية ، تكون ماهية واحدة ينتزع عنها الوجود فلا فرق بين القولين فيما هو محل الكلام في المقام كما أنه لا فرق فيما هو المهم بين القول بوحدة الجنس والفصل في الخارج وبين القول بتعددهما فيه اذ العناوين الصادقة على ما في الخارج لا تكون جنسا ولا فصلا وما أفاده فى هذا الأمر في كمال الصحة والمتانة ، ولا اشكال فيه.

ثم انه رتب على المقدمات المذكورة امتناع الاجتماع اذ مع وحدة الوجود

٢٥٣

الخارجي لا يعقل أن يتعلق به الأمر والنهي وما أفاده من الاستحالة تام اذ بعد فرض كون الوجود واحدا وعدم تعدده بتعدد العنوان لا يمكن تعلق الأمر والنهي به بل يشكل من ناحيتين الاولى : من ناحية المبدأ والثانية من ناحية المنتهى أما من ناحية المبدأ فلاستحالة اجتماع الضدين.

وأما من ناحية المنتهى فلعدم قدرة العبد أن يجمع بين امتثال الأمر والانزجار عن النهي ، وبعبارة اخرى : تعلق الأمر بفرد وشمول الاطلاق اياه يقتضي الاتيان بالواجب في ضمنه وتعلق النهي به يقتضي الانزجار عنه فكيف يمكن الجمع بين الأمرين ومن الظاهر ان اجتماع النقيضين بطلانه من أبده البديهيات لكن هذا التقريب انما يتم على تقدير كون التركيب بين الصلاة في الدار المغصوبة مع الغصب اتحاديا وأما على تقدير كون التركيب انضماميا فلا يتوجه هذا الاشكال كما تقدم.

وربما يقال في مقام توجيه الجواز : أنه لا اتحاد بين الامر والنهي في مرحلة من المراحل لا في مرحلة الجعل ولا في مرحلة الامتثال أما في مرحلة الجعل فلأن الأمر يتعلق بطبيعة والنهي يتعلق بطبيعة اخرى ومتعلق النهي الطبيعة المقيدة بالوجود على أن القيد خارج والتقيد داخل ومتعلق الأمر أيضا كذلك فالوجود وان كان واحدا لكن لا يكون متعلق الأمر ولا متعلق النهى وأما فى مرحلة الامتثال فلسقوط الأمر بالاطاعة وسقوط النهي بالعصيان فلا تلاقي بين متعلق الأمر ومتعلق النهي.

ويرد عليه : أنه قد مر آنفا ان لكل وجود ماهية وان العنوانين لا يعقل أن يكون كل واحد منهما ماهية للوجود الواحد فالأمر والنهي يتلاقيان في المتعلق ، مضافا الى أنه لا محصل للتقريب المذكور فان الماهية تنزع عن الوجود الخارجي وتنطبق الماهية على الوجود الذي يكون منشأ انتزاعها فلا مجال لأن يقال أن كل واحد من المأمور به والمنهي عنه مقيد بالوجود بحيث كان القيد خارجا ، ومما ذكرنا

٢٥٤

يظهر فساد ما قيل في هذا المقام دفعا للاشكال : ان الفرد أي الوجود مقدمة للطبيعي ولا يضر بالامتثال كون المقدمة حراما اذا لم تكن منحصرة وكان الاتيان بالمقدمة المحرمة بسوء الاختيار ، فان التقريب المذكور أفسد من سابقه ، وذلك لأن الفرد عين الطبيعة لا مقدمة لها ، مضافا الى أنه قد مر ان تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون ولكل وجود ماهية والعنوانان لا يكون كل واحد منهما ماهية في قبال الاخرى.

ثم انه قد استدل على الجواز بوجوه :

الوجه الاول ، ان أدل دليل على امكان شيء وقوعه فى الخارج هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ان الأحكام الخمسة باسرها متضادة لا يجتمع اثنان منها في موضوع واحد وحيث انا نرى وقوع اجتماعهما كالعبادات المكروهة مثل صوم يوم عاشوراء والصلاة في مواضع الشبهة وكالصلاة في المسجد فان الصلاة في المسجد اجتمع فيها الوجوب والاستحباب وفي الصلاة في الحمام اجتمع الوجوب مع الكراهة فيجوز اجتماع الأمر والنهي لوحدة الملاك.

وأجاب صاحب الكفاية عن الاستدلال ، اولا : بأن الظهور لا يصادم البرهان فلا بد من حمل الدليل الدال على الجواز على محمل يكون قابلا في نظر العقل وما أفاده تام والأمر كما أفاده.

وأجاب ثانيا بأن القائل بالجواز انما يقول به فيما يكون متعلق الامر عنوانا مغايرا للعنوان الذي تعلق به النهى كالصلاة والغصب ومورد الاستدلال على الجواز يكون المنهي عنه عين العنوان المأمور به ، والفرق بينهما بالاطلاق والتقييد ، والقائل بالجواز لا يقول به فيما يكون العنوان واحدا ، وبعبارة اخرى : القائل بالجواز يقول الأمر يتعلق بعنوان والنهي يتعلق بعنوان آخر.

وما افاده ثانيا ايضا تام والامر كما أفاده ، وأجاب ثالثا ، بأنه لا مجال للجواز

٢٥٥

فيما لا مندوحة ، والمفروض ان صوم يوم العاشوراء الذي يكون مورد الاستدلال لا تكون له مندوحة. وفيه : انه قد مر ان وجود المندوحة وعدمها لا دخل لهما في الجواز وعدمه ، فان الميزان في الجواز والعدم تعدد المتعلق وكون التركيب انضماميا واتحاديا فان كان التركيب انضماميا يكون الاجتماع جائزا وان كان التركيب اتحاديا لا يكون جائزا لاجتماع الضدين ولا فرق فيه بين وجود المندوحة وعدمها.

وأجاب عن الاستدلال على نحو التفصيل وقال ان العبادات المكروهة على اقسام ثلاثة : القسم الاول : ما تعلق به النهي ولا بدل له كصوم يوم عاشوراء مثلا ، القسم الثاني ، ما يكون النهي متعلقا بعنوانه كالقسم الاول وكان له البدل كالنهي عن الصلاة في الحمام ، القسم الثالث ، ما تعلق به النهي لا بذاته بل بما هو مجامع معه وجودا أو ملازم معه خارجا كالصلاة في مواضع التهمة بناء على كون النهي لأجل اتحاد الصلاة مع الكون في تلك المواضع.

أما القسم الاول ، فحيث ان العبادة صحيحة بالاجماع يكون النهي عن الفعل اما لاجل ان الترك أرجح من الفعل من جهة كون الترك بنفسه ذا مصلحة فكما ان الفعل يكون ذا مصلحة يكون الترك كذلك ، وبعبارة اخرى الترك كالفعل يكون فيه المصلحة فيقع التزاحم بين الفعل والترك فان كان احد الطرفين أرجح يتعين وإلّا يتخير بين الفعل والترك ، واما لأجل ملازمة الترك لعنوان ارجح.

وأورد عليه الميرزا النائيني على ما في التقرير بأنه لو وقع التزاحم بين الفعل والترك يكون الأمر تابعا لما هو الاقوى ، وأما مع عدم اقوائية احد الأمرين على الآخر يسقط الامر ولا يعقل الأمر بهما لا على نحو التعيين ولا على نحو التخيير أما الأول ، فلاجل استحالة الجمع بين النقيضين وأما الثاني ، فلاجل استحالة تحصيل الحاصل وقس عليه الضدين اللذين لا ثالث لهما والمتلازمين في الوجود فانه لا يعقل أن

٢٥٦

يؤمر باحدهما وينهى عن الآخر لا على نحو التعيين ولا على نحو التخيير ، أما الاول فلعدم امكان الجمع بين وجود احدهما وترك الآخر ، وأما الثاني فلتحصيل الحاصل ويرد عليه : ان المقام لا يكون داخلا تحت الأقسام المذكورة في كلامه وذلك لأن الملاك ليس قائما بطبيعي صوم يوم عاشوراء بل الملاك قائم بخصوص الحصة الخاصة وهو الصوم مع قصد القربة فلا مجال لأن يقال انه لا يمكن أن يجعل الحكم لهما اذ لا مانع من أن يكون كل منهما مستحبا كبقية المستحبات المتزاحمة فان المكلف يمكنه أن يصوم بقصد القربة ويمكنه أن يترك الصوم ويمكنه أن يختار الشق الثالث بأن يصوم لا عن قصد القربة.

فانقدح : ان ما أفاده صاحب الكفاية في هذا القسم لا يرد عليه ما أورده الميرزا وأما القسم الثاني ، فافاد في الكفاية بأنه يمكن أن يجاب عنه بعين ما اجيب به عن القسم الاول كما انه يمكن أن يجاب عنه بجواب آخر ، وهو ان النهي عن العبادة في هذا القسم للارشاد الى ما هو أفضل وهو الفرد الآخر من الطبيعة فالنهي عن الصلاة في الحمام للارشاد الى ما هو أفضل واكثر ثوابا توضيح المقام ان النهي المتعلق بالطبيعة المأمور بها تارة يكون للارشاد الى المانعية وان الفرد الفلاني غير قابل لأن يقع مصداقا للمأمور به كالنهي عن الصلاة في غير ما يؤكل لحمه واخرى يكون لأجل كون متعلقه مبغوضا شرعا كالنهي عن الصلاة في المغصوب وفي هذا القسم يكون النهي مولويا وثالثة يكون النهي للارشاد الى الأفضل واكثر ثوابا وتكون العبادة في الصورة الاولى والثانية باطلة.

أما في الصورة الاولى ، فلأجل المانعية وأما في الصورة الثانية فلأجل حكم العقل بأن المبغوض لا يمكن أن يتحقق به الامتثال وأما في الصورة الثالثة فتكون العبادة تامة صحيحة لوجود المقتضي وعدم المانع غاية الامر تكون العبادة اقل ثوابا لمنقصة في الفرد ولتوضيح المدعى نقول : اذا امر المولى عبده بأن يسقيه ،

٢٥٧

فتارة يأتي العبد الماء في ظرف من البلور واخرى يأتي به في ظرف من النحاس وثالثة يأتي به في ظرف سفالي فانه يتحقق الامتثال في جميع الصور ، غاية الأمر يكون الإتيان في الصورة الاولى أفضل الأفراد وفي الصورة الثالثة يكون اقل ثوابا وقال سيدنا الاستاد في هذا المقام على ما في التقرير : انه لا وجه للقول بأن النهي في هذا القسم للارشاد لأنه ان كان في الفرد نقصان وبعبارة اخرى مرجوح في نظر الشارع يكون النهي مولويا وان لم يكن في الفرد نقصان فلا وجه للارشاد الى غيره هذا ملخص ما أفاده.

ويرد عليه : ان وجود الفرد في الخارج عين وجود الطبيعي وبعبارة اخرى : التركيب بين الطبيعي والفرد تركيب اتحادي لا انضمامي فلا يعقل أن يكون الطبيعي محبوبا والفرد مكروها وإلّا يلزم اجتماع الضدين فلا مجال لأن يقال ان وجود الفرد مرجوح في نظر الشارع ومع ذلك يحصل به الامتثال بل لا بد من القول بان الطبيعي في كل واحدة من الصور الثلاث يفي بالغرض ويحصل به الامتثال غاية الأمر ، ان الصورة الاولى افضل من الصورة الثانية والثالثة والصورة الثانية افضل من الصورة الثالثة ، وما أفاده سيدنا الاستاد ان كان صحيحا يلزم ان تكون العبادة صحيحة ولو في ضمن الفرد المحرم وهو كما ترى.

وصفوة القول : ان الفرد والطبيعي ان كانا موجودين في الخارج بوجود واحد فلا يعقل أن يتعلق بذلك الوجود حكمان مختلفان للزوم اجتماع الضدين وان كانا موجودين بوجودين فلا فرق بين الحرمة والكراهة اذ كما يجوز أن يتعلق الوجوب بالطبيعي والكراهة بالفرد كذلك يجوز أن يتعلق الوجوب بالطبيعي والحرمة بالفرد فلاحظ.

ان قلت : الفرق بين النهي الكراهي والنهي التحريمي ان الاول فيه ترخيص في الفعل فلا مانع من حصول الامتثال به وأما النهى التحريمي فليس فيه ترخيص

٢٥٨

فلا يمكن الامتثال به قلت : الاشكال ليس من ناحية الامتثال كي يجاب بما ذكر بل الاشكال في المبدأ فان المولى كيف يحب الفرد الكراهي وكيف يمكن أن يجتمع الحب والكراهة والحال ان اجتماع الضدين محال.

وأما القسم الثالث ، فأفاد في الكفاية بأنه ان قلنا بالجواز وكان متعلق الأمر غير متعلق النهي يكون النهي الكراهي متعلقا بما لا يكون متعلقا للأمر ولا مجال للايراد والاشكال وأما على القول بالامتناع فان كان النهي متعلقا باللازم للمأمور به فأيضا لا يتوجه الاشكال اذ المفروض تعدد متعلقي الأمر والنهي ، وأما على القول بالاتحاد وترجيح جانب الأمر كما هو المفروض يكون النهي المتعلق به ارشادا الى الإتيان في ضمن الفرد الآخر ، وبعبارة اخرى يكون حال النهي فى هذا القسم بعين القسم الثاني بلا فرق.

الوجه الثاني من وجوه الاستدلال على الجواز : ان المولى لو أمر عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكان كذا فخاط العبد الثوب في ذلك المكان يعد في نظر العرف مطيعا وعاصيا فالاجتماع جائز.

ويرد عليه : ان المثال المذكور خارج عن المقام فان الكلام في جواز اجتماع الأمر والنهي وفي المثال المذكور يكون متعلق النهي الكون في المكان الكذائي ومتعلق الأمر الخياطة فكل واحد من المتعلقين متمايز عن الآخر وغير متحد معه ومع عدم الاتحاد لا مجال لتوهم الاشكال ولذا لو صلى زيد وفي اثناء الصلاة ينظر الى الاجنبية تكون صلاته صحيحة بلا كلام ، مضافا الى أن البرهان قائم على الامتناع ولا مجال لرفع اليد عن البرهان بالصدق العرفي وأفاد سيدنا الاستاد في المقام بأن الغرض يحصل بالخياطة باي وجه تحققت في الخارج فلا يرتبط بمسألة جواز الاجتماع وعدمه.

ويرد عليه : ان الكلام في تحقق الامتثال لا في تحقق الغرض ، وبعبارة اخرى

٢٥٩

المدعي يدعي جواز الاجتماع بحكم العرف وحصول الغرض لا يرتبط بالامتثال وعلى الجملة الكلام في أنه هل يمكن أن يكون الوجود الواحد مصداقا للامر والنهي فما أفاد غير سديد.

الوجه الثالث من وجوه الاستدلال : ما نسب الى القمي قدس‌سره وهو ان الفرد مقدمة للطبيعي ومن ناحية اخرى لا تكون واجبة فلا مجمع للأمر والنهي كى يمتنع وبعبارة واضحة ان الأمر متعلق بالطبيعي والفرد الخارجي مقدمة لذلك الطبيعي فما يكون حراما وهو الفرد لا يكون واجبا وما يكون واجبا غير متعلق النهى فاين التلاقي بين الامر والنهي وعلى فرض التنزل نقول الامر المقدمي يجتمع مع النهي النفسي فعلى تقدير القول بكون المقدمة واجبة لا يتوجه اشكال لجواز اجتماع النهي النفسي مع الامر المقدمي.

وأورد عليه سيدنا الاستاد اولا بأن الفرد عين الطبيعي ولا مجال لأن يقال ان الفرد مقدمة له وبيان اوضح : ان المقدمية تستلزم الاثنينية في الوجود والحال ان الفرد عين الطبيعي في الخارج.

وثانيا : ان الوجوب المقدمي ينافي الحرمة النفسية اقول أما ما أفاده اولا ففي غاية الصحة بالتقريب الذي تقدم ، وأما ما أفاده ثانيا ، فليس تاما اذ الاشكال اما من ناحية المبدأ واما من ناحية المنتهى ، وبعبارة اخرى : الاحكام في حد نفسها لا تضاد بينها كما سبق وقلنا التضاد من الأمور العارضة للاشياء الخارجية وأما الأمور الاعتبارية فلا مجال لتحقق التضاد بينها فان الاعتبار خفيف المئونة فالاشكال اما من ناحية المولى حيث لا يمكن أن يتعلق حبه وبغضه معا بالنسبة الى شيء واحد لاستحالة اجتماع الضدين واما من ناحية العبد حيث لا يمكن له أن يجمع بين المتنافيين وشيء من الأمرين لا يلزم في المقام أما من ناحية المبدأ فلا يتوجه الأشكال لأن المقدمة وان كانت مأمورا بها لكن لا تكون محبوبة فلا يلزم اجتماع الضدين وأما من ناحية المنتهى

٢٦٠