أضواء على عقائد الشيعة الإماميّة وتأريخهم

الشيخ جعفر السبحاني

أضواء على عقائد الشيعة الإماميّة وتأريخهم

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: نشر مشعر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6293-80-8
الصفحات: ٧٧٤

علومهم وتقدّمهم في مجال العلم والصنعة للفاطميين وهممهم العالية ؛ فإنّ الجامع الأزهر لا يزال مزدهراً من يوم بني إلى يومنا هذا باعتباره أعظم الجامعات العلمية (١) ، وهي كانت جامعة شيعية من بدء تأسيسها إلى قرنين.

وإن شئت أن تقف على صورة صغيرة من خدماتهم الجليلة فاقرأ ما كتبه السيّد مير علي حيث ذكر : «كان الفاطميون يشجّعون على العلم ، ويكرمون العلماء ، فشيّدوا الكلّيّات ، والمكاتب العامة ، ودار الحكمة ، وحملوا إليها مجموعات عظيمة من الكتب في سائر العلوم والفنون ، والآلات الرياضية ، لتكون رهن البحث والمراجعة ، وعيّنوا لها أشهر الأساتذة ، وكان التعليم فيها حرّاً على نفقة الدولة ، كما كان الطلّاب يمنحون جميع الأدوات الكتابية مجّاناً ، وكان الخلفاء يعقدون المناظرات في شتّى فروع العلم ، كالمنطق والرياضيات والفقه والطب ، وكان الأساتذة يرتدون لباساً خاصاً عرف بالخلعة ، أو العباءة الجامعية ـ كما هي الحال اليوم ـ وأُرصدت للإنفاق على تلك المؤسّسات ، وعلى أساتذتها ، وطلّابها ، وموظّفيها ، أملاك بلغ إيرادها السنوي (٤٣) مليون درهم ، ودعي الأساتذة من آسيا والأندلس لإلقاء المحاضرات في دار الحكمة ، فازدادت بهم روعة وبهاء (٢).

وقد ألّف غير واحد من المؤرّخين كتباً ورسائل حول الأزهر الشريف ومن أراد التفصيل فليرجع إليها.

٨ ـ مدارس الشيعة في الشامات :

كانت الشيعة تعيش تحت الضغط والإرهاب السياسي من قبل الأُمويين والعباسيين ، فلمّا دبّ الضعف في جهاز الخلافة العباسية ، وظهرت دول شيعية في العراق ـ خصوصاً دولة الحمدانيين في الموصل وحلب ـ استطاعت الشيعة أن

__________________

(١) بروكلمان ، تاريخ الشعوب الإسلامية ٢ : ١٠٨.

(٢) السيد مير علي ، مختصر تاريخ العرب : ٥١٠ ط ١٩٣٨ م.

٣٤١

تجاهر بنشاطها الثقافي ، وفي ظلّ هذه الحرّية أُسّست مدارس شيعية في جبل عامل ، وحلب ، تخرّج منها العديد من العلماء الأفذاذ والفضلاء.

فأمّا حلب فقد ازدانت بالعديد من الأسماء اللامعة كأبناء زهرة وغيرهم ، من رجال العلم والأدب.

وأمّا مدرسة جبل عامل فقد كانت تتراوح بين القوّة والضعف ، إلى أن رجع الشهيد الأوّل من العراق إلى مسقط رأسه «جزّين» ، فأخذت تلك المدرسة في نفسها نشاطاً واسعاً ، وقد تخرّج من تلك المدرسة منذ تلك العهود إلى يومنا هذا مئات من الفقهاء والعلماء لا يحصيها إلّا الله سبحانه ، ومن الشخصيات البارزة في هذه المدرسة : المحقّق الشيخ علي الكركي مؤلّف «جامع المقاصد» (المتوفّى عام ٩٤٠ ه‍) وبعده الشيخ زين الدين المعروف بالشهيد الثاني (٩١١ ـ ٩٦٦ ه‍).

هذا غيض من فيض وقليل من كثير ، ممّن أنجبتهم هذه التربة الخصبة بالعلم والأدب.

ولنكتف بهذا المقدار من الإشارة إلى الجامعات الشيعية ؛ فإنّ الإحصاء يحوجنا إلى بسط في المقال ، ويطيب لنا الإشارة إلى أسماء المعاهد الأُخرى مجرّدة.

جامعات أُخر للشيعة في أقطار العالم :

كانت للشيعة جامعات متعدّدة في أقطار العالم المختلفة لم تزل بعضها زاهرة إلى اليوم. فالشرق الإسلامي كأفغانستان والباكستان والهند تزخر بالشيعة ، ولهم هناك جامعات وكلّيّات في هراة ولكنهو وبومبي ، كما أنّ للشيعة نشاطات ثقافية في آسيا الجنوبية الشرقية كماليزيا وتايلند ، ومن أراد الوقوف على الخرّيجين من هذه المدارس فعليه أن يقرأ تاريخ هذه البلاد ، خصوصاً بلاد الهند.

ومنذ تسنّم الصفويّة منصّة الحكم أُسّست في إيران حوزات فقهية وكلامية

٣٤٢

وفلسفية زاهرة ، وقد تخرج منها آلاف من العلماء ، ومن هذه الجامعات : جامعة أصفهان ، وطهران ، وخراسان ، وتبريز ، وقزوين ، وزنجان ، وشيراز ، وأخيراً الجامعة الكبرى للشيعة في قم المحمية بجوار فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام. وقد أُسِّست هذه الجامعة سنة (١٣٤٠ ه‍) على يد رجل العلم والزهد الشيخ عبد الكريم اليزدي (١٢٧٤ ـ ١٣٥٥ ه‍) ، ولم تزل هذه الجامعة مشعَّة زاهرة ، وقد تقاطر إليها الأساتذة ووفود الطلاب من نقاط شتّى ، ومن جنسيّات مختلفة منذ أوّل يومها ، ويتجاوز عدد الطلاب فيها في هذه السنين (٢٥٠٠٠ طالب) ، وفيها مكتبات زاخرة ، ومؤسّسات علمية ، ومراكز تحقيقية ، ومطابع حديثة ، وعمالقة الفكر وأساتذة القلم ، ومنها تفجّرت الثورة الإسلامية على يد أحد خرّيجيها ألا وهو الإمام الخميني ـ قدس الله سره ـ فانبثقت أنوارها على ربوع العالم ، وأيقظت الأُمّة من سباتها العميق.

عدد الشيعة

إنّ مراكز الإحصاء في العالم تخضع لنفوذ أعداء الإسلام خصوصاً الصهاينة ، وقد صار ذلك سبباً لعدم وجود إحصاء دقيق بأيدينا عن عدد المسلمين وعامّة طوائفهم ومنهم الشيعة. ولكن القرائن تشهد على أنّ الشيعة بطوائفها الثلاث : الإمامية والزيدية والإسماعيلية يؤلّفون خمس أو ربع المسلمين ، فلو كان عدد المسلمين ـ على ما يقولون ـ مليار نسمة فالشيعة تبلغ (٢٠٠) مليون ، وأكثرهم عدداً هم الإمامية المعروفون بالاثني عشرية أو الجعفرية.

نسأله سبحانه أن يرفع كلمة التوحيد في ربوع العالم ، ويوفّق المسلمين لتوحيد الكلمة ورصّ الصفوف ، إنّه على ذلك لقدير.

٣٤٣
٣٤٤

الفصل الرابع :

مع الشيعة الإماميّة

في عقائدهم

٣٤٥
٣٤٦

رسائل موجزة حول عقائد الشيعة

إنّ المناهج الكلامية التي فرّقت المسلمين إلى مذاهب حدثت في أواخر القرن الأوّل الهجري ، واستمرّت في القرون التالية ، فنجمت عنها فرق إسلامية مختلفة كالمرجئة ، والجهمية ، والمعتزلة ، والحشوية ، والأشعرية ، والكرّامية بفرقهم المتشعّبة. وهذه الفرق بمجموعها تكون نتاجاً حقيقياً لمخاض البحث والمذاكرة ، وكنتيجة منطقية للتوسع الأُفقي في الرقعة الإسلامية التي شملت العديد من الأُمم والقوميات المختلفة ، وما يؤلّفه ذلك من احتكاك وجدل فكري وتأثّر وتأثير في تلك التيّارات الفكرية وتداخل غير محسوس في أحيان كثيرة أوجد ودون وعي من الكثيرين ، ركائز وجود هذه التصوّرات التي تبلورت فيما بعد فيما يسمّى بالفرق الإسلامية.

ومن هنا فإنّ المرء لا يجد لها تاريخاً متّصلاً بزمن النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويقف على صدق ما ذكرنا من سبر أجزاء كتابنا هذا.

فالخوارج مثلاً كانوا فرقة سياسية نشأت في عام (٣٧ ه‍) أثناء حرب صفّين ، ثمّ تبدّلت إلى فرقة دينيّة في أواخر القرن الأوّل وأوائل القرن الثاني.

٣٤٧

والمرجئة ظهرت في الأوساط الإسلاميّة عند اختلاف الناس في الخليفة عثمان والإمام عليّ ، ثمّ تطورت إلى معنى آخر ، وكان من حصيلة التطوّر هو تقديم الإيمان وتأخير العمل.

والجهمية نتيجة أفكار «جهم بن صفوان» المتوفّى سنة (١٢٨ ه‍).

والمعتزلة تستمدّ أُصولها من واصل بن عطاء تلميذ الحسن البصري المتوفّى عام (١٣٠ ه‍) ، وهكذا القدريّة والكرّاميّة والظاهريّة والأشعريّة فجميعها فرق نتجت عن البحث الكلامي وصقلها الجدل عبر القرون ، فلا تجد لهذه الفرق سنداً متّصلاً بالنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وأمّا عقائد الشيعة الإمامية فعلى النقيض من ذلك ، ولا صلة في نشأتها بينها وبين تلك الفرق ، لأنّها أُخذت أساساً من مصادر التشريع الحقيقية للإسلام ، وهي : الذكر الحكيم أوّلاً ، والسنّة النبويّة ثانياً ، وخطب الإمام عليّ وكلمات العترة الطاهرة الصادرة من النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ثالثاً. فلأجل ذلك يحدّد تاريخ عقائدهم بتاريخ الإسلام وحياة أئمّتهم الطاهرين.

وهذا لا يعني أنّ الشيعة تتعبّد بالنصوص في أُصولها المذكورة من دون تحليل وتفكير ، بل إنّ أُصول العقائد الواردة في المصادر المذكورة أخذها علماؤهم منها وحرّروها بأوضح الوجوه ، ودعموها بالبراهين الواضحة ، كما أنّهم لا يعتدّون في بناء معتقداتهم ومتبنّياتهم برواية الآحاد بل يشترطون فيها أن تكون متواترة ، أو محفوفة بالقرائن المفيدة للعلم واليقين ؛ إذ ليس المطلوب في باب الاعتقاد مجرّد العمل ، بل المطلوب هو الإذعان والإيمان ، وهذا لا يحصل برواية الآحاد.

إلّا أنّ الأمر الجدير بالذكر هو أنّ المرتكز الأساسي لبناء العقيدة الخاصّة بالشيعة الإمامية هو الاعتقاد بأنّ الإمام عليّاً منصوص عليه بالوصاية على لسان النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه وعترته الطاهرة هم المرجع الأعلى بعد الذكر الحكيم. وهذا

٣٤٨

هو العنصر المقوّم للتشيّع ، وأمّا سائر الأُصول فإنّها عقائد إسلامية لا تختصّ بالشيعة الإمامية وحدها.

وسنحاول أن نستعرض في الصفحات اللاحقة بعضاً من جوانب عقائد الشيعة الإمامية ، الواردة في أحاديث أئمّتهم تارة ، وكلمات علمائهم الأقدمين ثانياً ، حتّى يقف القارئ على جذور تلك العقائد وتتوضّح له الصورة الحقيقية عن ركائز هذه المعتقدات ، والتي تستمدّ كيانها من الأخبار والروايات الواردة من أئمّتهم الطاهرين والتي تكوّن كلمات الإمام عليّ عليه‌السلام وخطبه البعد الأكبر فيها ، أو من الآراء الكلامية لعلمائهم ، والتي تتفق كثيراً مع جمهور المسلمين في أبعادها المختلفة.

١ ـ ما كتبه الإمام الرضا عليه‌السلام للمأمون عن محض الإسلام

روى الصدوق بسنده عن الفضل بن شاذان قال : سأل المأمون عليّ بن موسى الرضا أن يكتب له محض الإسلام على سبيل الإيجاز والاختصار ، فكتب عليه‌السلام له :

«إنّ محض الإسلام شهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، إلهاً واحداً ، أحداً ، فرداً ، صمداً ، قيّوماً ، سميعاً ، بصيراً ، قديراً ، قديماً ، قائماً ، باقياً ، عالماً لا يجهل ، قادراً لا يعجز ، غنيّاً لا يحتاج ، عدلاً لا يجور ، وأنّه خالق كلّ شيء ، ليس كمثله شيء ، لا شبه له ، ولا ضدّ له ، ولا ندّ له ، ولا كفو له ، وأنّه المقصود بالعبادة والدعاء والرغبة والرهبة.

وأنّ محمّداً عبده ورسوله وأمينه وصفيّه وصفوته من خلقه ، وسيّد المرسلين وخاتم النبيين وأفضل العالمين ، لا نبيّ بعده ولا تبديل لملّته ولا تغيير لشريعته ، وأنّ جميع ما جاء به محمّد بن عبد الله هو الحقّ المبين ، والتصديق به وبجميع من مضى قبله من رسل الله ، وأنبيائه ، وحججه ، والتصديق بكتابه

٣٤٩

الصادق العزيز الذي : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (١) وأنّه المهيمن على الكتب كلّها ، وأنّه حقّ من فاتحته إلى خاتمته ، نؤمن بمحكمه ومتشابهه ، وخاصّه وعامّه ، ووعده ووعيده ، وناسخه ومنسوخه ، وقصصه وأخباره ، لا يقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله.

وأنّ الدليل بعده والحجّة على المؤمنين والقائم بأمر المسلمين ، والناطق عن القرآن ، والعالم بأحكامه : أخوه وخليفته ووصيّه ووليّه ، والذي كان منه بمنزلة هارون من موسى : عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أمير المؤمنين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، وأفضل الوصيّين ، ووارث علم النبيّين ، والمرسلين ، وبعده الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، ثمّ عليّ بن الحسين زين العابدين ، ثمّ محمّد بن عليّ باقر علم النبيّين ، ثمّ جعفر بن محمّد الصادق وارث علم الوصيّين ، ثمّ موسى بن جعفر الكاظم ، ثمّ عليّ بن موسى الرضا ، ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ عليّ بن محمّد ، ثمّ الحسن بن عليّ ، ثمّ الحجّة القائم المنتظر ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ.

أشهد لهم بالوصية والإمامة ، وأنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله تعالى على خلقه في كلّ عصر وأوان ، وأنّهم العروة الوثقى ، وأئمّة الهدى ، والحجّة على أهل الدنيا ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وأنّ كل من خالفهم ضالّ مضلّ باطل ، تارك للحقّ والهدى ، وأنّهم المعبّرون عن القرآن ، والناطقون عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بالبيان ، ومن مات ولم يعرفهم مات ميتة جاهلية ، وأنّ من دينهم الورع والفقه والصدق والصلاة والاستقامة والاجتهاد ، وأداء الأمانة إلى البرّ

__________________

(١) فصّلت : ٤٢.

٣٥٠

والفاجر ، وطول السجود ، وصيام النهار وقيام الليل ، واجتناب المحارم ، وانتظار الفرج بالصبر ، وحسن العزاء وكرم الصحبة (١).

ثمّ ذكر الإمام فروعاً شتّى من مختلف أبواب الفقه وأشار إلى بعض الفوارق بين مذهب أهل البيت وغيرهم لا يهمّنا في المقام ذكرها ومن أراد الوقوف عليها فليرجع إلى المصدر.

٢ ـ عرض السيّد عبد العظيم الحسنى عقائده على

الإمام الهادى عليه‌السلام

روى الصدوق عن عبد العظيم الحسني (٢) قال : دخلت على سيّدي عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام فلمّا بَصُرَ بي ، قال لي : «مرحباً بك يا أبا القاسم أنت وليّنا حقّا» قال :

فقلت له : يا ابن رسول الله إنّي أُريد أن أعرض عليك ديني ، فإن كان مرضيّاً أثبت عليه حتّى ألقى الله عزوجل. فقال : «هاتها أبا القاسم».

فقلت : إنّي أقول : إنّ الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء ، خارج من

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ : ١٢١ ـ ١٢٢.

(٢) عبد العظيم بن عبد الله بن عليّ بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام من أصحاب الإمام الهادي ، قال النجاشي : له كتاب خطب أمير المؤمنين ، ورد الري هارباً من السلطان وسكن سُرَباً (حفيراً تحت الأرض) في دار رجل من الشيعة في سكّة الموالي فكان يعبد الله في ذلك السرب ويصوم نهاره ويقوم ليله ، وكان يخرج مستتراً ، فيزور القبر المقابل قبره وبينهما الطريق ويقول : هو قبر رجل من ولد موسى بن جعفر عليه‌السلام. فلم يزل يأوي إلى ذلك السرب ويقع خبره إلى الواحد بعد الواحد من شيعة آل محمّد عليهم‌السلام حتّى عرفه أكثرهم. رجال النجاشي (٢ : ٦٥ ـ ٦٦) ، ومات عبد العظيم بالري وقبره مزار يزوره الناس. وذكره الشيخ الطوسي في رجاله في أصحاب الإمام الهادي والعسكري تحت رقم (١ و ٢٠) ، وذكره أيضاً صاحب عمدة الطالب : ٩٤.

٣٥١

الحدّين ؛ حدّ الإبطال ، وحدّ التشبيه ، وأنّه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر ، بل هو مجسِّم الأجسام ومصوِّر الصور ، وخالق الأعراض والجواهر ، وربُّ كلّ شيء ومالكه وجاعله ومحدثه ، وإنّ محمّداً عبده ورسوله ، خاتم النبيّين فلا نبيّ بعده إلى يوم القيامة ، وأقول : إنّ الإمام والخليفة ووليّ الأمر بعده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ عليّ بن الحسين ، ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ عليّ بن موسى ، ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ أنت يا مولاي.

فقال عليه‌السلام : «ومن بعدي الحسن ابني ، فكيف للناس بالخلف من بعده؟» قال :

فقلت : وكيف ذاك يا مولاي؟ قال : «لأنّه لا يرى شخصه ولا يحل ذكره باسمه حتّى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً».

قال : فقلت : أقررت وأقول : إنّ وليّهم وليّ الله ، وعدوّهم عدوّ الله ، وطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله ، وأقول : إنّ المعراج حقّ والمساءلة في القبر حقّ ، وإنّ الجنّة حقّ ، والنار حقّ ، والميزان حقّ ، وإنّ الساعة آتية لا ريب فيها وإنّ الله يبعث من في القبور ، وأقول : إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية : الصلاة والزكاة ، والصوم ، والحجّ ، والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فقال عليّ بن محمّد عليه‌السلام : «يا أبا القاسم ، هذا واللهِ دين الله الذي ارتضاه لعباده ، فاثبت عليه ثبّتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة» (١).

وقد اكتفينا بهذين النصّين من الإمامين الطاهرين ، أحدهما قولي ، والآخر إمضائي ، وقد أخذوا عقائدهم عن آبائهم الطاهرين.

__________________

(١) التوحيد : باب التوحيد والتشبيه : ٨١ / ٣٧.

٣٥٢

٣ ـ رسالة الصدوق في عقائد الإمامية

إنّ لمشايخنا الإمامية مؤلّفات شهيرة في بيان عقائد الشيعة ومعارفهم ، نختار في المقام رسائل موجزة من المتقدّمين منهم :

صنّف الشيخ الصدوق (٣٠٦ ـ ٣٨١ ه‍) رسالة موجزة في عقائد الإمامية ، قال : اعلم أنّ اعتقادنا في التوحيد : أنّ الله تعالى واحد أحد ، ليس كمثله شيء ، قديم ، لم يزل ، ولا يزال سميعاً بصيراً ، عليماً ، حكيماً ، حيّاً ، قيّوماً ، عزيزاً ، قدّوساً ، عالماً ، قادراً ، غنيّاً ، لا يوصف بجوهر ولا جسم ولا صورة ولا عرض ـ إلى أن قال : ـ وأنّه تعالى متعال عن جميع صفات خلقه ، خارج عن الحدّين : حدّ الإبطال ، وحدّ التشبيه ، وأنّه تعالى شيء لا كالأشياء ، أحد صمد لم يلد فيورث ، ولم يولد فيشارك ، ولم يكن له كفواً أحد ، ولا ندّ ولا ضدّ ، ولا شبه ولا صاحبة ، ولا مثل ولا نظير ، ولا شريك له ، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ولا الأوهام ، وهو يدركها ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، وهو اللطيف الخبير ، خالق كلّ شيء لا إله إلّا هو ، له الخلق والأمر تبارك الله ربّ العالمين.

ومن قال بالتشبيه فهو مشرك ، ومن نسب إلى الإمامية غير ما وصف في التوحيد فهو كاذب ، وكلّ خبر يخالف ما ذكرت في التوحيد فهو موضوع مخترع ، وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو باطل ، وإن وجد في كتب علمائنا فهو مدلّس ... ثمّ إنّه قدّس الله سرّه ذكر الصفات الخبرية في الكتاب العزيز وفسّرها ، وبيّن حدّاً خاصّاً لصفات الذات وصفات الأفعال ، وما هو معتقد الإماميّة في أفعال العباد ، وأنّه بين الجبر والتفويض ، كما ذكر عقائدهم في القضاء والقدر ، والفطرة ، والاستطاعة ، إلى غير ذلك من المباحث المهمّة التي تشكّل العمود الفقري للمعارف

٣٥٣

الإلهية ، إلى أن قال :

اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمّد هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ، ومبلغ سوره عند الناس (١١٤) سورة ، وعندنا أنّ الضحى والانشراح سورة واحدة ، كما أنّ الإيلاف والفيل سورة واحدة. ومن نسب إلينا أنّا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب ... إلى آخر الرسالة (١).

ثمّ إنّ الشيخ المفيد (٣٣٦ ـ ٤١٣ ه‍) قد شرح تلك الرسالة بكتاب أسماه شرح عقائد الصدوق ، أو تصحيح الاعتقاد ، ناقش فيها أُستاذه الصدوق في بعض المواضع التي استند فيها الصدوق على روايات غير جامعة للشرائط في باب العقائد (٢).

٤ ـ أمالى الصدوق رحمه‌الله

وهو ما أملاه الصدوق أيضاً على جماعة في المجلس الثالث والتسعين ، وجاء فيه : واجتمع في هذا اليوم إلى الشيخ الفقيه أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه أهل مجلسه والمشايخ ، فسألوه أن يملي عليهم وصف دين الإماميّة على الإيجاز والاختصار ، فقال : دين الإماميّة هو الإقرار بتوحيد الله تعالى ذكره ، ونفي التشبيه عنه ، وتنزيهه عمّا لا يليق ، والإقرار بأنبياء الله ورسله وحججه

__________________

(١) لاحظ رسالة الصدوق في الاعتقادات ، وقد طبعت غير مرّة ، وعليها شروح وتعاليق العلماء منهم العلّامة المجلسي.

(٢) طبع الكتاب مع كتاب أوائل المقالات للشيخ المفيد في تبريز عام (١٣٧١ ه‍). وطبع أخيراً في الجزء الخامس من كتب المؤتمر العالمي للشيخ المفيد ـ ١٤١٣ ه‍.

٣٥٤

وملائكته وكتبه ، والإقرار بأنّ محمّداً هو سيّد الأنبياء والمرسلين ، وأنّه أفضل منهم ومن جميع الملائكة المقرّبين ، وأنّه خاتم النبيّين ؛ فلا نبيّ بعده ... إلى آخر ما ذكر (١).

٥ ـ جمل العلم والعمل للسيّد الشريف المرتضى

ألّف السيّد الشريف المرتضى رسالة موجزة في العقائد أسماها جمل العلم والعمل. أورد فيها ـ رحمه‌الله ـ عقائد الشيعة على وجه الإيجاز ، نذكر منها ما يرتبط بالتوحيد ، وندعو القارئ الكريم إلى مطالعة الرسالة لما فيها من العرض الدقيق لهذه الجوانب :

بيان ما يجب اعتقاده في أبواب التوحيد :

الأجسام محدثَة لأنّها لم تسبق الحوادث ، فلها حكمها في الحدوث ، ولا بدّ لها من محدِث ؛ لحاجة كلّ محدَث في حدوثه إلى محدِث كالصناعة والكتابة.

ولا بدّ من كونه (تعالى) قادراً لتعذّر الفعل على من لم يكن قادراً ، وتيسّره على من كان كذلك.

ولا بدّ من كون محدِثها عالماً ؛ لأنّ الإحكام ظاهر في كثير من العالم ، والمحكَم لا يقع إلّا من عالم.

ولا بدّ من كونه موجوداً ؛ لأنّ له تعلّقاً من حيث كان قادراً عالماً ، وهذا الضرب من التعلّق لا يصحّ إلّا مع الوجود.

ويجب كونه قديماً ؛ لانتهاء الحوادث إليه.

__________________

(١) الأمالي للشيخ الصدوق ، وانظر الحديث المتقدم في آخر كتاب المقنع والهداية وممّا أملاه في يوم الجمعة الثاني عشر من شعبان سنة ٣٦٨ ه‍ لاحظ ص ٥٠٩ طبع بيروت ، في آخر كتاب المقنع والهداية.

٣٥٥

ويجب كونه حيّاً ، وإلّا لم يصحّ كونه قادراً ، عالماً ، فضلاً عن وجوبه.

ويجب أن يكون مدركاً إذا وجدت المدركات ، لاقتضاء كونه حيّاً.

ووجب كونه سميعاً بصيراً ؛ لأنّه ممّن يجب أن يدرك المدركات إذا وجدت ، وهذه فائدة قولنا : سميع بصير.

ومن صفاته ـ وإن كانتا عن علّة ـ كونه تعالى مريداً وكارهاً ؛ لأنّه تعالى قد أمر وأخبر ونهى ، ولا يكون الأمر والخبر أمراً ولا خبراً إلّا بالإرادة. والنهي لا يكون نهياً إلّا بالكراهة.

ولا يجوز أن يستحقّ هاتين الصفتين لنفسه ؛ لوجوب كونه مريداً كارهاً للشيء الواحد ، على الوجه الواحد.

ولا لعلّة قديمة ، لما سنبطل به الصفات القديمة.

لا لعلّة محدثة في غير حيّ لافتقار الإرادة إلى تنبيه. ولا لعلّة موجودة في حيّ ؛ لوجوب رجوع حكمها إلى ذلك الحيّ. فلم يبق إلّا أن توجد لا في محلّ.

ولا يجوز أن يكون له في نفسه صفة زائدة على ما ذكرناه ؛ لأنّه لا حكم لها معقول.

وإثبات ما لا حكم له معقول من الصفات ، يفضي إلى الجهالات.

ويجب أن يكون قادراً فيما لم يزل ؛ لأنّه لو تجدّد له ذلك لم يكن إلّا لقدرة محدثة ، ولا يمكن إسناد إحداثها إلّا إليه ، فيؤدّي إلى تعلّق كونه قادراً بكونه محدثاً ، وكونه محدثاً بكونه قادراً. وثبوت كونه قادراً فيما لم يزل يقتضي أن يكون فيما لم يزل حيّاً موجوداً.

ويجب أن يكون عالماً فيما لم يزل ؛ لأنّ تجدّد كونه عالماً يقتضي أن يكون بحدوث علم ، والعلم لا يقع إلّا ممّن هو عالم.

ووجوب هذه الصفات لم تدلّ على أنّها نفسيّة ، وادّعاء وجوبها لمعان قديمة

٣٥٦

تبطل صفات النفس ، ولأنّ الاشتراك في القدم يوجب التماثل والمشاركة في سائر الصفات ولا يجوز خروجه تعالى عن هذه الصفات لإسنادها إلى النفس.

ويجب كونه تعالى غنيّاً غير محتاج ؛ لأنّ الحاجة تقتضي أن يكون ممّن ينتفع ويستضرّ ، وتؤدّي إلى كونه جسماً.

لا يجوز كونه تعالى متّصفاً بصفة الجواهر والأجسام والأعراض لقدمه وحدوث هذه أجمع ، ولأنّه فاعل الأجسام ، والجسم يتعذّر عليه فعل الجسم.

ولا يجوز عليه تعالى الرؤية ؛ لأنّه كان يجب مع ارتفاع الموانع وصحّة أبصارنا أن نراه.

ولمثل ذلك يعلم أنّه لا يُدرك بسائر الحواس.

ويجب أن يكون تعالى واحداً لا ثاني له في القدم ؛ لأنّ إثبات ثان يؤدّي إلى إثبات ذاتين لا حكم لهما يزيد على حكم الذات الواحدة ، ويؤدّي أيضاً إلى تعذّر الفعل على القادر من غير جهة منع معقول ، وإذا بطل قديم ثان بطل قول الثنوية والنصارى والمجوس ... إلى آخرها (١).

٦ ـ البيان عن جمل اعتقاد أهل الإيمان للكراجكى

كتب الإمام الشيخ أبو الفتح محمّد بن عليّ الكراجكي الطرابلسي رسالة موجزة في عقائد الإمامية وسمّاها : «البيان عن جمل اعتقاد أهل الإيمان» وممّا جاء فيها :

قال : سألت يا أخي ـ أسعدك الله بألطافه ، وأيّدك بإحسانه وإسعافه ـ أن

__________________

(١) جمل العلم والعمل قسم العقائد ، الطبعة الثانية تحقيق رشيد الصفّار ، طبعة النجف طالع الرسالة بأجمعها. نعم ؛ رأيه في إعجاز القرآن من القول بالصرف رأي شخصي له ولا يمثل رأي جمهور الإمامية.

٣٥٧

أُثبت لك جملاً من اعتقادات الشيعة المؤمنين ، وفصولاً في المذهب يكون عليها بناء المسترشدين ، لتذاكر نفسك بها ، وتجعلها عدّة لطالبها ، وأنا أختصر لك القول وأُجمله ، وأُقرّب الذكر وأُسهّله وأورده على سنن الفتيا في المقالة ، من غير حجّة ولا دلالة ، وما توفيقي إلّا بالله :

في توحيده سبحانه :

اعلم أنّ الواجب على المكلّف : أن يعتقد حدوث العالم بأسره ، وأنّه لم يكن شيئاً قبل وجوده ، ويعتقد أنّ الله تعالى هو محدِث جميعه ، من أجسامه ، وأعراضه ، إلّا أفعال العباد الواقعة منهم ؛ فإنّهم محدثوها دونه سبحانه.

ويعتقد أنّ الله قديم وحده ، لا قديم سواه ، وأنّه موجود لم يزل ، وباق لا يزال ، وأنّه شيء لا كالأشياء. لا شبيه الموجودات ، ولا يجوز عليه ما يجوز على المحدثات ، وأنّ له صفات يستحقّها لنفسه لا لمعان غيره ، وهي كونه حيّاً ، عالماً ، قديماً ، باقياً ، لا يجوز خروجه عن هذه الصفات إلى ضدّها ، يعلم الكائنات قبل كونها ، ولا يخفى عليه شيء منها.

في عدله سبحانه :

وأنّ له صفات أفعال ، لا يصحّ إضافتها إليه في الحقيقة إلّا بعد فعله ، وهي ما وصف به نفسه من أنّه خالق ، ورازق ، ومعط ، وراحم ، ومالك ، ومتكلّم ، ونحو ذلك.

وأنّ له صفات مجازات وهي ما وصف به نفسه ، من أنّه يريد ويكره ، ويرضى ويغضب.

فإرادته لفعل هي الفعل المراد بعينه ، وإرادته لفعل غيره هي الأمر بذلك الفعل ، وليس تسميتها بالإرادة حقيقة ، وإنّما هو على مجاز اللغة ، وغضبه هو وجود عقابه ، ورضاه هو وجود ثوابه ، وأنّه لا يفتقر إلى مكان ، ولا يدرك بشيء

٣٥٨

من الحواسّ.

وأنّه منزّه من القبائح ، لا يظلم الناس وإن كان قادراً على الظلم ؛ لأنّه عالم بقبحه ، غنيّ عن فعله ، قوله صدق ، ووعده حقّ ، لا يكلّف خلقه على ما لا يستطاع ، ولا يحرمهم صلاحاً لهم فيه الانتفاع ، ولا يأمر بما لا يريد ، ولا ينهى عمّا يريد. وأنّه خلق الخلق لمصلحتهم ، وكلّفهم لأجل منازل منفعتهم ، وأزاح في التكليف عللهم ، وفعل أصلح الأشياء بهم. وأنّه أقدرهم قبل التكليف ، وأوجد لهم العقل والتمييز.

وأنّ القدرة تصلح أن يفعل بها وضدّه بدلاً منه. وأنّ الحق الذي تجب معرفته ، يدرك بشيئين ، وهما العقل والسمع ، وأنّ التكليف العقلي لا ينفكّ عن التكليف السمعي. وأنّ الله تعالى قد أوجد (للناس) في كلّ زمان مسمعاً (لهم) من أنبيائه وحججه بينه وبين الخلق ، ينبّههم على طريق الاستدلال في العقليات ، ويفقّههم على ما لا يعلمونه إلّا به من السمعيات. وأنّ جميع حجج الله تعالى محيطون علماً بجميع ما يفتقر إليهم فيه العباد. وإنّهم معصومون من الخطأ والزلل عصمة اختيار. وأنّ الله فضّلهم على خلقه ، وجعلهم خلفاءه القائمين بحقّه. وأنّه أظهر على أيديهم المعجزات ، تصديقاً لهم فيما ادّعوه من الأنباء والأخبار. وأنّهم ـ مع ذلك ـ بأجمعهم عباد مخلوقون ، بشر مكلّفون يأكلون ويشربون ، ويتناسلون ، ويحيون بإحيائه ، ويموتون بإماتته ، تجوز عليهم الآلام المعترضات ، فمنهم من قتل ، ومنهم من مات ، لا يقدرون على خلق ، ولا رزق ، ولا يعلمون الغيب إلّا ما أعلمهم إله الخلق. وأنّ أقوالهم صدق ، وجميع ما أتوا به حق.

في النبوّة العامّة والخاصّة :

وأنّ أفضل الأنبياء أُولو العزم ، وهم خمسة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ،

٣٥٩

وعيسى ، ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليهم ، وأنّ محمّد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل الأنبياء أجمعين ، وخير الأوّلين والآخرين. وأنّه خاتم النبيين ، وأنّ آباءه من آدم عليه‌السلام إلى عبد الله بن عبد المطّلب ـ رضوان الله عليهم ـ كانوا جميعاً مؤمنين ، وموحّدين لله تعالى عارفين ، وكذلك أبو طالب ـ رضوان الله عليه ـ.

ويعتقد أنّ الله سبحانه شرّف نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله بباهر الآيات ، وقاهر المعجزات ، فسبّح في كفّه الحصى ، ونبع من بين أصابعه الماء ، وغير ذلك ممّا قد تضمّنته الأنباء ، وأجمع على صحّته العلماء ، وأتي بالقرآن المبين ، الذي بهر به السامعين! وعجز من الإتيان بمثله سائر الملحدين.

وأنّ القرآن كلام ربّ العالمين ، وأنّه محدَث ليس بقديم. ويجب أن يعتقد أنّ جميع ما فيه من الآيات الذي يتضمّن ظاهرها تشبيه الله تعالى بخلقه ، وأنّه يجبرهم على طاعته أو معصيته ، أو يضلّ بعضهم عن طريق هدايته ، فإنّ ذلك كلّه لا يجوز حمله على ظاهرها ، وأنّ له تأويلاً يلائم ما تشهد به العقول ممّا قدّمنا ذكره في صفات الله تعالى ، وصفات أنبيائه.

فإن عرف المكلّف تأويل هذه الآيات فحسن ، وإلّا أجزأ أن يعتقد في الجملة أنّها متشابهات ، وأنّ لها تأويلاً ملائماً ، يشهد بما تشهد به العقول والآيات المحكمات ، وفي القرآن المحكم والمتشابه ، والحقيقة والمجاز ، والناسخ والمنسوخ ، والخاص والعامّ.

ويجب عليه أن يقرّ بملائكة الله أجمعين ، وأنّ منهم جبرئيل وميكائيل ، وأنّهما من الملائكة الكرام ، كالأنبياء بين الأنام ، وأنّ جبرئيل هو الروح الأمين الذي نزل بالقرآن على قلب محمّد خاتم النبيّين ، وهو الذي كان يأتيه بالوحي من ربّ العالمين.

ويجب الإقرار بأنّ شريعة الإسلام التي أتى بها محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ناسخة لما خالفها من

٣٦٠