آثار البلاد وأخبار العباد

زكريّا بن محمّد بن محمود القزويني

آثار البلاد وأخبار العباد

المؤلف:

زكريّا بن محمّد بن محمود القزويني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار صادر
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦٦٧

فقال أبو العنبس :

عن أيّ سلح تلتقم

وبأيّ كفّ تلتطم

فقال :

حسن يضنّ بحسنه

والحسن أشبه بالكرم

فقال أبو العنبس :

نهم يفوه بهجوه

والصّفع أليق بالنّهم

فقال البحتري : انتقلت إلى مدح الخليفة وتركت النسيب لعلّه يسكت فقلت :

قل للخليفة أيّها

المتوكّل بن المعتصم

فقال أبو العنبس :

قل للمماليك الضّخام

وذي النّشاط من الخدم!

قال البحتري : فالتفتّ يمينا وشمالا حتى أرى هل ينكر عليه أحد ، فما رأيت إلّا متبسما ، فعلمت إن أنشدت زيادة يأتي بزيادة شتم وهتك ، فسكتّ وخرجت ، فلمّا رآه أبو العنبس قال :

وليت عنّا مدبرا

فعلمت أنّك منهزم!

فضحك الخليفة والحاضرون وأمر لأبي العنبس بألف دينار ، فقال الفتح بن خاقان : يا أمير المؤمنين والبحتري أنشد وشوتم وصفع يرجع بخفّي حنين؟ فأمر له أيضا بألف دينار.

ومن شعر أبي العنبس :

كم مريض قد عاش من

بعد موت الطّبيب والعوّاد

قد يصاد القطا فينجو سليما ويحلّ القضاء بالصّيّاد!

٤٠١

طالقان

كورة ذات قرى بقهستان بين قزوين وجيلان في جبال الديلم. في جبالهم الزيتون والرمّان ، يجلب إلى قزوين منها الزيتون وحبّ الرمّان الكثير.

ينسب إليها أبو الخير أحمد بن إسماعيل الملقّب برضى الدين. كان عالما فاضلا ورعا صاحب كرامات. حكي انّه كان في بدء أمره يتفقّه ، فأستاذه يلقّنه الدرس ويكرّر عليه مرارا حتى يحفظه ، فما حفظ حتى ضجر الأستاذ وتركه لبلادته ، فانكسر هو من ذلك ونام الأستاذ ، فرأى رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، يقول له : لم آذيت أحمد؟ قال : فانتبهت ، وقلت : تعال يا رضى الدين حتى ألقّنك! فقال : بشفاعة النبيّ تلقّنني! ففتح الله تعالى عليه باب الذكاء حتى صار أوحد زمانه علما وورعا ، ودرس بالمدرسة النظاميّة ببغداد مدّة ، وأراد الرجوع إلى قزوين فما مكنّوه ، فاستأذن للحجّ وعاد إلى قزوين بطريق الشام. وكان له بقزوين قبول ما كان لأحد قبله ولا بعده. يوم وعظه يأتي الناس بالضوء حتى يحصّلوا المكان ، ويشتري الغني المكان من الفقير الذي جاء قبله ، وما سمعوا منه يروونه عنه كما كانت الصحابة تروي عن رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، وحكي أن الشيخ كثيرا ما كان يتعرّض للشيعة ، وكان على باب داره شجرة عظيمة ملتفّة الأغصان ، فإذا في بعض الأيّام رأوا رجلا على ذلك الشجر ، فإذا هو من محلّة الشيعة ، قالوا : ان هذا جاء لتعرّض الشيخ! فهرب الرجل وقال الشيخ : لست أقيم في قزوين بعد هذا!

وخرج من المدينة فخرج بخروجه كلّ أهل المدينة والملك أيضا. فقال : لست أعود إلّا بشرط أن تأخذ مكواة عليها اسم أبي بكر وعمر ، وتكوي بها جباه جمع من أعيان الشيعة الذين أعين عليهم. فقبل منه ذلك وفعل ، فكان أولئك يأتون والعمائم إلى أعينهم حتى لا يرى الناس الكيّ.

وحكى الشيخ عزّ الدين محمّد بن عبد الرحمن الوارني ، وكان من المشايخ

٤٠٢

الكبار بقزوين ، أن الشيخ عقد المجلس يوم الجمعة أوّل النهار الثاني عشر من المحرم سنة تسعين وخمسمائة وذكر تفسير قوله تعالى : واتّقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ؛ وان النبيّ ، صلّى الله عليه وسلّم ، ما عاش بعد ذلك إلّا سبعة أيّام ، وكان ذلك تعريضا ينعى نفسه ، فرجع إلى بيته محموما وبقي سبعة أيّام ورفع نعشه في اليوم الثامن. ولمّا بلغوا به الوادي قرب تربته أنار الله تعالى ، من فضله عليه ورحمته له ، آيات بيّنات وأمارات واضحات أنوارا متلألئة وأضواء متضاعفة وألوانا غريبة في السماء ، ولقد عددت النور الساطع والوميض المتلألىء في سبعة مواضع من الهواء. وعند ذلك صار الخلق حيارى مبهوتين ، ودمعت العيون ووجلت القلوب ، وضجت الأصوات والخلق بين ساجد وممرغ في التراب خده لا يستطيع المتحرّك سكونا ولا الساكن حراكا ، إلى أن وضع في لحده ، فعادت السماء إلى حالها وعاد الهواء لهيئته ، وما ذلك بعجيب من لطف الله تعالى بأرباب العلوم وأصحاب الديانات ، عليه رحمة الله ورضوانه.

الطاهريّة

قرية من قرى بغداد. بها مستنقع يجتمع فيه في كلّ سنة ماء كثير عند زيادة دجلة ، فيظهر فيه السمك المعروف بالبني ، فيضمنه السلطان بمال وافر.

ولسمكه فضل على سائر السمك لطيب لحمه ، وانّه غلّة من حاصل هذه القرية مع سائر غلّاتها ، والله الموفق.

طبرستان

بلاد معروفة ، والعجم يقولون مازندران ، وهي بين الري وقومس وبحر الخزر.

أرضها كثيرة الأشجار والمياه والأنهار إلّا أن هواءها وخم جدّا. حكي أن بعض الأكاسرة اجتمع في حبسه جناة كثيرون ، فقال وزيره : غرّبهم إلى بعض البلاد ليعمّروها ، فإن عمروها كان العمران لك ، وان تلفوا برئت من دمهم!

٤٠٣

واختار أرض طبرستان ، وهي يومئذ جبال وأشجار ، فأرادوا قطع الأشجار فطلبوا فؤوسا والفأس بالعجميّة تبر ، فكثرت بها الفؤوس فقالوا : طبرستان ، وطبر معرب تبر. وقالوا : كانت أيمانهم مغلولة فكانوا يعملون بشمالهم ، فلهذا ترى فيها أكثرهم عسرا. ونفوا الفواجر أيضا إليها فتزوّجوا بهنّ ، فلهذا قلّة الغيرة بينهم. وأكثرهم يتعانون تربية دود القزّ فيرتفع منها الابريسم الكثير ويحمل إلى سائر البلاد.

وبها الخشب الخلنج ، يتّخذ منه الظروف والآلات والأطباق والقصاع ثمّ يحمل إلى الري ، وصناع بلد الري يجعلونه في الخرط مرّة أخرى حتى يبقى لطيفا ويزوّقونه ، ومن الري يحمل إلى سائر البلاد ، ومن هذا الخشب تتّخذ النشاشيب الجيّدة. وبها المآزر والمناديل الرفيعة الطبرية تحمل منها إلى سائر البلاد ، وكذلك الثياب الابريسمية والأكسية والصوف.

وبها شجر إذا ألقيت شيئا من خشبها في الماء يموت ما فيه من السمك وتطفو.

وبها جبل طارق ؛ قال أبو الريحان الخوارزمي : بطبرستان جبل فيه مغارة فيها دكّة تعرف بدكّان سليمان بن داود ، عليه السلام ، إذا لطخت بشيء من الأقذار انفتحت السماء ومطرت حتى تزيل الأقذار منها ؛ وهذا في الآثار الباقية من تصانيف أبي الريحان الخوارزمي. وقال صاحب تحفة الغرائب : بها حشيش يسمّى جوز ماثل من قطعه ضاحكا وأكله غلب عليه الضحك ، ومن قطعه باكيا وأكله في تلك الحالة يغلب عليه البكاء ، ومن قطعه راقصا وأكله كذلك على كلّ حال قطعه وأكله تعلب عليه تلك الحالة.

حكى أبو الريحان الخوارزمي أن أهل طبرستان أجدبوا في أيّام الحسن ابن زيد العلوي ، فخرجوا للاستسقاء فما فرغوا من دعائهم حتى وقع الحريق في أطراف البلد ، وبيوتهم من الخشب اليابس ، فقال أبو عمر في ذلك :

خرجوا يسألون صوب غمام

فأجيبوا بصيّب من حريق!

جاءهم ضدّ ما تمنّوه إذ

جاءت قلوب محشوّة بالفسوق!

٤٠٤

وحكى الشيخ الصالح محمّد الهمداني قال : رأيت بطبرستان أمرا عجيبا من الأمور ، وهو : شاهدت بطبرستان دودة إذا وطئها من كان حامل ماء صار الماء مرّا ، وأعجب من هذا انّه لو كان خلف الواطىء حمال الماء صار كلّ المياه مرّا ، ولو كانوا مائة ، فترى نساءهم يحملن الماء من النهر في الجرار وقدّامهن واحدة معها مكنسة تكنس الطريق ، والنساء الحاملات للماء يمشين على خطّ واحد كالإبل المقطرة.

وحكى علي بن رزين الطبري ، وكان حكيما فاضلا ، قال : عندنا طائر يسمّونه ككو ، وهو على حجم الفاختة وذنبه ذنب الببغاء ، يظهر أيّام الربيع ، فإذا ظهر نبعه صنف من العصافير موشّاة الريش يخدمه طول نهاره ، يأتي له بالغداء فيزقّه ، فإذا كان آخر النهار وثب على ذلك العصفور وأكله ، وإذا أصبح صاح فجاء آخر فإذا أمسى أكله ، فلا يزال كذلك مدّة أيّام الربيع ، فإذا زال الربيع فقد ذلك النوع واتباعه إلى الربيع القابل.

وينسب إليها أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري ، صاحب التفسير والتاريخ الطبري والمصنّفات الكثيرة ، وكان كثيرا ما ينشد :

أأقتبس الضّياء من الضّراب

وألتمس الشّراب من الشراب؟

أريد من الزّمان النّذل بذلا

وأريا من جنى سلع وصاب!

أأرجو أن ألاقي لاشتياقي

خيار النّاس في زمن الكلاب؟

وينسب إليها أبو الحسن المعروف بالكيا الهراسي. كان عالما فاضلا تالي أبي حامد الغزّالي ، إلّا أن الغزالي أثقب منه ذهنا وأسرع بيانا وأصوب خاطرا.

كان مدرسا بالمدرسة النظاميّة ببغداد ، دخل ديوان الخليفة والقاضي أبو الحسن اللّمغاني كان حاضرا ما قام له ، فشكا إلى الخليفة الناصر لدين الله ، فقال الخليفة : إذا دخل القاضي أنت أيضا لا تقم له! ففعل ذلك ونظم هذين البيتين :

٤٠٥

حجاب وحجّاب وفرط حماقة

ومدّ يد نحو العلى بالتّكلّف

فلو كان هذا من وراء تكلّف

لهان ولكن من وراء التّخلّف

فشكا القاضي إلى الخليفة ، فأمر الكيا أن يمشي إليه ويعتذر ، فقال الكيا : والله لأمشينّ على وجه يودّ لو كنت لم أمش! فلمّا وصل إلى باب دار القاضي أخبر القاضي بأن الكيا جاء إليه ، فقام واستقبله وواجهه بالكلية. قال الكيا : حفظ الله الخليفة فإنّه تارة يشرّفنا وتارة يشرف بنا! فانكسر ابن اللمغاني انكسارا شديدا. فلمّا مات الكيا وقف ابن اللمغاني عند دفنه وقال :

فما تغني النّوادب والبواكي

وقد أصبحت مثل حديث أمس!

ومن عجائب ما حكي أن بعض السلاطين غضب على صاحب طبرستان ، فبذل الطبري جهده في إزالة ذلك ، فما أمكنه. فبعث السلطان إليه جيشا كثيفا ، فعلم الطبري أن الجيش لا ينزلون إلّا بغيضة معيّنة تحت جبل ، فأمر بقطع أشجار تلك الغيضة وتركها كما كانت قائمة ، وستر موضع القطع بالتراب. فلمّا وصل الجيش ونزلوا بها كمن الطبري هو وأصحابه خلف ذلك الجبل ، وشدّ الجيش دوابهم في أشجار تلك الغيضة وكانت كلّها مقطوعة ، فخرج عليهم الطبري بأصحابه وصاح بهم ، فنفرت الدواب وتساقطت الأشجار لأن الدواب جرّتها فولّى الجند هاربين فزعين لا يلوي أحد إلى أحد ، وتبعهم الطبري بالقتل والأسر ، فنجا أقلّهم وتلف أكثرهم. فلمّا رجعوا إلى السلطان سألهم عن شأنهم فقالوا : نزلنا بالموضع الفلاني ، أتانا في جنح الليل جند من الشياطين تضربنا بالأشجار الطويلة! فلم يجسر أحد من المتقوّمين بعد ذلك على المشي إلى طبرستان!

طبس

مدينة بين أصفهان ونيسابور مشهورة. ينسب إليها فخر الأئمّة أبو الفضل محمّد بن أحمد الطّبسي ، صاحب كتاب الشامل في تسخير الجنّ. وهو كتاب

٤٠٦

كبير يذكر فيه كيفيّة تسخير الجنّ ، ولكلّ واحد من رؤسائهم طريق من الطرق يذكر في ذلك الكتاب ، وحاصله أنّه يذكر عزائم وشرائطها ويقول :من أتى بها على هذا الوجه سلّط الله تعالى عليهم نارا تحرقهم ، ولا يندفع عنهم إلّا بالإجابة. وذكروا أن الجنّ كانوا مسخرين لفخر الأئمّة ، وكان هو معاصرا للإمام الغزالي ، قال له : أريد أن تعرض الجنّ عليّ! فأجابه إلى ذلك ؛ قال الغزالي : رأيتهم مثل الظلّ على الحائط. فقلت له : إني أريد أن أحادثهم وأسمع كلامهم. فقال : أنت لا تقدر ترى منهم أكثر من ذلك.

وينسب إليها شمس الطبسي الشاعر. كان شابّا حسن الصورة حلو الكلام جيّد الشعر ، من تلامذة الشيخ رضى الدين النيسابوري ، وكان معاصر الخاقاني فرأى شعر الخاقاني وسلك ذلك المسلك ، إلّا أن شعر الشمس كان ألطف وأعذب فقال له رضى الدين : داوم على هذا الفنّ فإنّه يجيء منك وترى منه الخير.

وله أشعار في غاية الحسن وأسلوب هو منفرد به. وكان قاضي مدينة بخارى صدر الشريعة شاعرا مفلقا عديم النظير ، نظم قصيدة حسنة قافيتها ضيّقة بالعجمية وهذا مطلعها :

بر خير كه شمعست وشرابست ومن تو

او از خروسان سحر خاست ز هر سو

بر خير كه برخاست بياله بيكي باي

بنشين كه نشستست صراحي بدو زانو

بر خير اران بيس كه معشوقه شب را

باروز بكيرند وببرند دو كيسو

واين قصيده در بخارى مشهور كست همه معترف شدند بخوى آن شمس طبس مثل اين قصيده بكفت وهذا مطلعها :

از روى تو جون كرد صبا طره بيكسو

فرياد براورد شب غاليه كيسو

از زلف سياه تو مكر شد كرهي باز

كر مشك براورد صبا تعبيه هر سو

اخر دل رنجور مرا جند براري

زنجير كشان تا بسر طاق دو ابرو

٤٠٧

كفتى كه بزركار تو روزي سره كردد

ارى همه اوميد من ابنست ولي كو

فلمّا عرف صدر الشريعة بهذه القصيدة نادى : من قائلها؟ وما كان يقدر أن يقول شيئا لأنّها كانت في مدح وزير بخارى. وسمعت انّه كان شابّا مثل القمر. مات فجأة وديوانه صغير لأنّه ما وجد العمر.

طرابلس

مدينة على شاطىء بحر الروم ، عامرة كثيرة الخيرات والثمرات ، لها سور منحوت من الصخر ، وبساتين جليلة ورباطات كثيرة يأوي إليها الصالحون.

بها مسجد الشعاب ، وهو مسجد مشهور مقصود ، يأتيه الناس لبركته واحترامه.

وبها بئر الكنود ، وهي بئر زعموا أن من شرب من مائها يتحمّق ، فإذا أتى رجل من أهل طرابلس بما يلام عليه يقولون له : لا نعيبك ، فإنّك شربت من بئر الكنود!

طرق

مدينة بقرب أصفهان. لأهلها يد باسطة في الآلات المستظرفة من العاج والآبنوس ، يحمل منها إلى سائر البلاد كلّ آلة ظريفة يعجز عن مثلها صناع غيرها من البلاد.

ينسب إليها تاج الطرقي. كان أديبا شاعرا ظريفا. له حكايات عجيبة وأشعار فصيحة مثل شعر عرب العرباء ، وقد عرض على الخليفة الناصر لدين الله هذان البيتان من كلامه :

إذا ما رآني العاذلون وغرّدت

حمائم دوح أيقظتها النّسائم

يقولون : مجنون جفته سلاسل

وممسوس حيّ فارقته التّمائم

٤٠٨

فتعجّب من ذلك وقال : ما ظننت أن أحدا من العجم يوصل كلامه إلى هذا الحد! فبعث إليه خلعة سوداء فوصل إليه خلعة الخليفة بغتة فجأة ، فلبسها وعمل قصيدة طويلة في مدح الخليفة ، وبعثها إلى بغداد ، مطلعها :

ترتاح أندية النّدى والباس

في مدح مولانا أبي العبّاس

وحكي انّه سافر إلى همذان ، وكان ابن قاضي قزوين ورئيسها بهمذان ، فسمع أن تاجا الطرقي وصل ، فأحبّ أن يراه لأنّه كان مشهورا بالفضل ، فقيل انّه ذهب إلى دار الكتب ، فمشى إليه فوجده يطالع كتابا ، فسلّم عليه فقال :عليك السلام! وما تحرّك له ولا نظر إليه. وإنّه كان رجلا ذا هيئة وجثّة وغلمان ومماليك ، واشتغل بمطالعة الكتاب ، فتأذى الرجل من ذلك وقال من أذيته : تاج الدين ما تعرفني؟ قال : لا! قال : أنا رجل من أعيان قزوين ذو أمر ونهي وقطع ووصل ، فقال : مدينتكم لا يكون لها شحنة؟ قال : نعم.

قال : فلم لا يصلبنّك؟ فقام الرجل وقال : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه!

وحكي انّه كان في دار وحده ، فقام في جنح الليل ينادي : اللّص! اللّص! فاجتمع الجيران ، فإذا الأبواب والاغلاق بحالها والدار فقالوا له : أين اللص؟فقال : إني سمعت أن اللصوص إذا دخلوا بيوت الناس شدّوا قطاع اللباد على أقدامهم لئلّا يسمع دبيبهم ، وإني لما انتبهت ما سمعت شيئا من الدبيب ، قلت :لعلّ اللصّ دخل ، وشدّ على رجله اللّباد! وله حكايات مثل هذه ، رحمه الله.

طرزك

قرية من قرى قزوين مشهورة. حكي أن بعض الصلحاء رأى في نومه أو في واقعة أن هناك صحابيّا ، وما كان بها قبر ولا عرف أحد ذلك ، فلمّا كشفوا إذا رجل طويل القامة عليه درع والدم ينزف من جراحته ، فبنوا عليه مشهدا واشتهر بين الناس أن الدعاء فيه مستجاب ، فصار مقصودا يقصده الناس من

٤٠٩

الأطراف كلّها.

وحدّثني أبي ، رحمة الله عليه ، انّه ذهب إليه زائرا ، وقدام المشهد مسجد ، قال : فتركت الدابّة مع الغلام ودخلت المسجد أصلّي ، وفرشت مصلّاي في المحراب ، قال : فرفعت رأسي من السجود فرأيت على مصلّاي رمانة كبيرة طرية كأنّها قطعت من شجرها في الحال ، وشجرها لا ينبت بأرض قزوين ونواحيها ، وإنّما يجلب إليها من الري ، وكان الوقت صيفا لا يوجد الرمان في شيء من البلاد أصلا ، قال : فلمّا فرغت من الزيارة خرجت وقلت للغلام : هل دخل المسجد أحد؟ قال : لا. قلت : هل خرج منه أحد؟ قال : لا.

فتعجّبت والرمانة معي حتى وصلت إلى ضيعتنا ، وطروز كان على طريقي والرمانة بعد معي ، فعرضتها على أخي وجمع كانوا هناك ، فتعجّبوا منه فتركتها مع رحلي ومضيت لحاجة وعدت فما رأيتها ، فسألت غلامي عنها فقال : لا علم لي بها! ومرّ على ذلك مدّة حتى كنت في بعض أسفاري وحدي ، فإذا أنا برجل شيخ طويل القامة كثّ اللحية يناديني : يا محمّد! ما صنعت بتلك الرمانة؟فقصدت نحوه لأتبرك به ، فغاب عن عيني ولم أدر أين ذهب ، عليه رحمة الله.

طروز

قرية كبيرة من قرى قزوين ، غنّاء كثيرة المياه والأشجار والبساتين والثمار.

ولطيبها ونزاهتها اتّخذها أتراك العجم مماليك السلاطين مسكنا ، وبنوا بها قصورا وتوالدوا وتناسلوا هناك ، فمن دخلها تحيّر فيها من كثرة خيراتها وفواكهها وثمارها وحسن عمارتها وطيب هوائها وحسن صور أهلها فكأنّ فيها من أولاد الأتراك صورا مليحة ووجوها صبيحة ، فمن دخلها ما أراد الخروج عنها ، وكان الأمر على ذلك إلى ورود التتر.

٤١٠

طمغاج

مدينة مشهورة كبيرة من بلاد الترك ، ذات قرى كثيرة ، وقراها بين جبلين في مضيق لا سبيل إليها إلّا من ذلك المضيق ، ولا يمكن دخولها لو منع مانع فلا يتعرّض لها أحد من ملوك الترك ، لعلمهم بأن قصدها غير مفيد ، وسلطانها ذو قدر ومكانة عند ملوك الترك.

بها معادن الذهب فلذلك كثر الذهب عندهم حتى اتّخذوا منه الظروف والأواني. وأهلها زعر لا شعر على جسدهم ورجالهم ونساؤهم على السواء في ذلك. وفي نسائها خاصّيّة عجيبة ، وهي أنّهن يوجدن كلّ مرّة عند غشيانهن أبكارا. وحكى بعض التجّار أنّه اشترى جارية تركيّة وجدها كذلك.

وحكى الأمير أبو المؤيد بن النعمان أنّه بها عينان : إحداهما عذب والأخرى ملح ، وهما تنصبان إلى حوض وتمتزجان فيه ، ويمتدّ من الحوض ساقيتان : إحداهما عذب لا ملوحة فيه ، والأخرى ملح. وذكر انّه من كرامات رجل صالح اسمه مليح الملاح ، وصل إلى تلك الديار ودعا أهلها إلى الإسلام ، وظهر من كراماته أمر هذا الحوض والسواقي ، فأسلم بعض أهلها وهم على الإسلام إلى الآن.

طوس

مدينة بخراسان بقرب نيسابور مشهورة ، ذات قرى ومياه وأشجار ، والمدينة تشتمل على محلّتين ، يقال لإحداهما طابران ، والأخرى نوقان. وفي جبالها معادن الفيروزج ، وينحت منها القدور البرام وغيرها من الآلات والظروف حتى قال بعضهم : قد ألان الله لأهل طوس الحجر كما ألان لداود ، عليه السلام ، الحديد.

منها جمع عقم الزمان بمثلهم ممّن ينسب إليها الوزير نظام الملك الحسن

٤١١

ابن عليّ بن إسحق ، لم ير وزير أرفع منه قدرا ولا أكثر منه خيرا ولا أثقب منه رأيا. وكان مؤيّدا من عند الله. حكي أن قيصر الروم جاء لقتال السلطان الب أرسلان فقال السلطان لنظام الملك : ماذا ترى؟ يقولون عسكره أكثر من عسكرنا! فقال نظام الملك : ليس النصر من الكثرة إنّما النصر من عند الله ، نحن نتوكّل على الله ونلتقيه يوم الجمعة وقت تقول الخطباء على المنابر : اللهمّ انصر جيوش المسلمين! ففعلوا ذلك فنصرهم الله.

وحكي أن السلطان الب أرسلان دخل مدينة نيسابور ، فاجتاز على باب مسجد فرأى جمعا من الفقهاء على باب ذلك المسجد في ثياب رثّة ، لا خدموا للسلطان ولا دعوا له ، فسأل السلطان نظام الملك عنهم فقال : هؤلاء طلبة العلم وهم أشرف الناس نفسا ، لا حظّ لهم من الدنيا ، ويشهد زيّهم على فقرهم.

فأحسّ بأن قلب السلطان لان لهم ، فعند ذلك قال : لو أذن السلطان بنيت لهم موضعا وأجريت لهم رزقا ليشتغلوا بطلب العلم ودعاء دولة السلطان! فأذن له ، فأمر نظام الملك ببناء المدارس في جميع مملكة السلطان ، وأن يصرف عشر مال السلطان الذي هو مختصّ بالوزير في بناء المدارس ، وهو أوّل من سنّ هذه السنّة الحسنة.

وحكى نظام الملك في كتابه سير الملوك أن بعض المفسدين قال للسلطان ملكشاه : ان في معيشك أربعمائة ألف فارس ، وأمر المملكة يتمشّى بسبعين ألفا ، فإن سبعين ألفا لم يغلبوا من القلّة ، فلو أسقطتهم امتلأت الخزانة من المال! ومال السلطان إلى قوله ، فلمّا عرفت ذلك قلت للسلطان : هذا قول من أراد اثارة الفتنة وفساد المملكة! إن ملكك خراسان وما وراء النهر إلى كاشغر وبلاد غور وخوارزم واللان وارّان وآذربيجان ، والجبال والعراق وفارس وكرمان والشام وارمن وأنطاكية ، وانّها إنّما تبقى محفوظة بهذه العساكر ، ولم يذكر أن دولة الخلفاء العظام والملوك الكبار قد خلت من خروج خارجي وظهور مخالف ، وهذه الدولة المباركة بسعادة السلطان سلمت عن الكدورات ،

٤١٢

فلو كانت العساكر ثمانمائة ألف لكانت السند والهند والصين ومصر والبربر والحبشة والروم أيضا في طاعتنا. ثمّ ان السلطان ان أثبت سبعين ألفا وأسقط ثلاثمائة وثلاثين ألفا ، فالساقطون ليسوا أصحاب حرف يشتغلون بصنعتهم ، يجتمعون على يد واحد ، ويدخلون تحت طاعته ، فنشأ من ذلك فساد عظيم ويكون الخصم في ثلاثمائة وثلاثين ألفا ونحن في سبعين ألفا ، فتمشي الأموال وتهلك ، ويكون ذلك نتيجة نصيحة هذا الناصح الذي ينصح بجمع الأموال وتفريق الرجال.

وحكي انّه كان شديد التعصّب على الباطنيّة ، وقد خرج من أصفهان وبه عقابيل المرض في العمارية. فلمّا وصل إلى قرية من قرى نهاوند يقال لها قيدسجان ، تعرّض له رجل ونادى : مظلوم! مظلوم! فقال الوزير : ابصروا ما ظلامته.

فقال : معي رقعة أريد أسلمها إلى الوزير! فلمّا دنا منه وثب عليه وضربه بالسكّين ، وكانت ليلة الجمعة الحادي والعشرين من رمضان سنة خمس وثمانين وأربعمائة ، فحمل إلى أصفهان ودفن في مدرسته.

وينسب إليها الإمام حجّة الإسلام أبو حامد محمّد بن محمّد بن محمّد الغزّالي.

لم تر العيون مثله لسانا وبيانا وخاطرا وذكاء وعلما وعملا. فاق أقرانه من تلامذة إمام الحرمين ، وصار في أيّام إمام الحرمين مفيدا مصنّفا ، وإمام الحرمين يظهر التبجّج به. وكان مجلس نظام الملك مجمع الفضلاء ، فوقع لأبي حامد في مجلسه ملاقاة الفحول ومناظرة الخصوم في فنون العلوم ، فأقبل نظام الملك عليه وانتشر ذكره في الآفاق ، فرسم له تدريس المدرسة النظامية ببغداد ، وصنّف كتبا لم يصنّف مثلها ، ثمّ حجّ وترك الدنيا واختار الزهد والعبادة ، وبالغ في تهذيب الأخلاق ودخل بلاد الشام ، وصنّف كتبا لم يسبق إلى مثلها كإحياء علوم الدين ، ثمّ عاد إلى خراسان مواظبا على العبادات إلى أن انتقل إلى جوار الحقّ بطوس سنة خمس وخمسمائة عن أربع وخمسين سنة. قيل : ان تصانيفه وزّعت على أيّام عمره فأصاب كلّ يوم كراس.

٤١٣

حكى الشيخ أبو الفتح عامر الساوي قال : كنت بمكّة سنة خمس وأربعين وخمسمائة ، فبينا أنا بين النوم واليقظة إذ رأيت عرضة عريضة فيها ناس كثيرون ، وفي يد كلّ واحد مجلّد يحلقون على شخص فقالوا : هذا رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم! وهؤلاء أصحاب المذاهب يعرضون مذاهبهم عليه. فبينا أنا كذلك إذ جاء واحد بيده كتاب قيل إنّه هو الشافعي ، فدخل وسط الحلقة وسلّم على رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، فردّ الجواب عليه وهو ، عليه السلام ، في ثياب بيض ، على زيّ أهل التصوّف ، فقعد الشافعي بين يديه وقرأ من كتاب مذهبه واعتقاده عليه ، ثمّ جاء بعده رجل آخر قالوا انّه أبو حنيفة ، وبيده كتاب ، فسلّم وقعد بجنب الشافعي وقرأ مذهبه واعتقاده ، ثمّ يأتي صاحب كلّ مذهب حتى لم يبق إلّا القليل ، وكلّ يقرأ ويقعد بجنب الآخر. ثمّ جاء واحد من الروافض وبيده كراريس غير مجلدة ، فيها مذهبهم واعتقادهم ، وهمّ أن يدخل الحلقة ، فخرج واحد ممّن كان عند رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، وأخذ الكراريس ورماها خارج الحلقة وطرده وأهانه. فلمّا رأيت أن القوم قد فرغوا قلت : يا رسول الله ، هذا الكتاب معتقدي ومعتقد أهل السنّة ، لو أذنت لي قرأت عليك. فقال ، صلّى الله عليه وسلّم : أي شيء ذلك؟

قلت : قواعد العقائد للغزالي. فأذن لي بالقراءة ، فقعدت وابتدأت : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله المبدىء المعيد ، الفعّال لما يريد ، ذي العرش المجيد ، والبطش الشديد ، الهادي صفوة العبيد إلى النهج الرشيد ، والملك الشديد ، المنعم عليهم بعد شهادة التوحيد ، بحراسة عقائدهم من ظلمات التشكيك والترديد ، إلى أن وصلت إلى قوله : وانّه تعالى بعث الأمي القرشي محمّدا ، صلّى الله عليه وسلّم ، إلى العرب والعجم كافة من الجنّ والانس ، فرأيت البشاشة في وجه رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، فالتفت إليّ وقال : أين الغزالي؟ كأنّه كان واقفا في الحلقة! فقال : ها أنا ذا يا رسول الله! فقدم وسلّم على رسول الله ، عليه السلام ، فردّ عليه الجواب وناوله يده المباركة. فصار الغزالي يقبّل

٤١٤

يده المباركة ويضع خدّيه عليها تبرّكا بها ، فما رأيت رسول الله ، عليه السلام ، أكثر استبشارا بقراءة أحد مثل استبشاره بقراءتي ، فسأل الله تعالى أن يميتنا على عقيدة أهل الحقّ ، وأن يحشرنا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين ، قال الأبيوردي :

بكى على حجّة الإسلام حين ثوى

من كلّ حيّ عظيم القدر أشرفه

مضى وأعظم مفقود فجعت به

من لا نظير له في النّاس يخلفه

وينسب إليها ملك الابدال أحمد بن محمّد بن محمّد الغزالي. كان صاحب كرامات ظاهرة. كان أخوه حجّة الإسلام يقول : ما حصل لنا بطريق الاشتغال ما حصل لأحمد بطريق الرياضة. حكي أن الشيخ محمّدا كان يصلّي والشيخ أحمد حاضر ، فلمّا فرغ من صلاته قال له : أيّها الأخ قم أعد صلاتك ، لأنّك كنت في الصلاة تحاسب حساب البقال!

وحكي أن السلطان ملكشاه كان مريدا للشيخ أحمد ، فذهب ابنه سنجر إلى زيارة الشيخ ، وكان حسن الصورة جدّا ، فالشيخ قبّله في خدّه ، فكره الحاضرون ذلك وذكروه للسلطان فقال السلطان لابنه سنجر : الشيخ قبّل خدّك؟قال : نعم. قال : ملكت نصف الأرض ، ولو قبّل الجانب الآخر ملكت كلّها! وكان الأمر كذلك.

وحكي أن رجلا أراد أن يأخذ امرأة خاطئة ليلة بأجرة معلومة ، فالشيخ زاد في أجرتها وأخذها إلى بيته وأقعدها في زاوية من البيت ، واشتغل هو بالصلاة إلى الصباح. فلمّا كان النهار وقد أعطاها أجرتها قال لها : قومي واذهبي إلى حيث شئت! وغرضه دفع الزنا عنهما ، رحمة الله عليه ورضوانه.

وينسب إليها الحكيم الفردوسي. كان من دهاقين طوس له ملك في ضيعة يظلمه عامل الضيعة ، فذهب إلى باب السلطان محمود بن سبكتكين لدفع ظلم العامل ، وكان يطلب وسيلة. قيل له : الشعراء مقربون الآن لأن السلطان يريد

٤١٥

أن يجعلوا له تاريخ ملوك العجم منظوما ، وأقربهم إلى السلطان العنصري ، فطلبه الفردوسي فوجده في بستان ومعه الفرخي والعسجدي ، فذهب إليهم وسلّم وجلس عندهم فقالوا : نحن شعراء لا نجالس إلّا من كان مثلنا! فقال : أنا أيضا شاعر! فقالوا : أجز معنا هذا البيت :

قال العنصري :

جون روي تو خورشيذ نباشذ روشن

قال الفرخي :

مانند رخت كل نبود در كلشن

قال العسجدي :

مر كانت همي كذر كند بر جوشن

قال الفردوسي :

مانند سنان كيو در جنك بشن

فقالوا : ما أدراك بحال كيو وجنك بشن؟ قال : أنا عارف بوقائع ملوك العجم. فاستحسنوا ما أتى به الفردوسي ، وذكروه عند السلطان ، فأعطى السلطان لكلّ شاعر جزاء وأعطى للفردوسي أيضا جزاء. فرأوا شعر الفردوسي خيرا من شعرهم ، وكان شعر كلّ واحد لا يشابه شعر الآخر ، لأن شأنها كان فصيحا وشأنها كان ركيكا ، فقال : إني أتولّى نظم الكتاب كلّه ولا حاجة إلى غيري! فنظم الكتاب من أوّل زمان كيومرث ، وهو أوّل ملك ملك إلى زمان يزدجرد بن شهريار ، آخر ملوك العجم ، في سبعين ألف بيت مشتملا على الحكم والمواعظ والزواجر والترغيب والترهيب ، بعبارة فصيحة ، وحمل الكتاب إلى السلطان فأعجبه وأمر له بحمل فيل ذهبا. فقال الوزير : جائزة شاعر حمل فيل ذهبا كثير ، ألا حمل فيل فضة؟ وكان الفردوسي يطمع بمنصب رفيع

٤١٦

من المناصب مثل الوزارة ، فلمّا رأى حمل فيل فضّة اشترى به فقاعا وشربه ، وألحق بالكتاب هذه الأبيات الثلاثة :

برين سال بكذشت از سي وبنج

بدرويشي وناتواني ورنج

بذان تا بيري مرا بر دهذ

مرا شاه مر تخت واسفر دهذ

جو اندر نهاذش بزركي نبوذ

نيارست نام بزركان شنوذ

وحكي أن الشيخ قطب الدين أستاذ الغزالي اجتاز على قبر الفردوسي مع أصحابه ، فقال بعضهم : نزور الفردوسي! فقال الشيخ : دعه فإنّه صرف عمره في مدح المجوس! فرأى ذلك القائل الفردوسي في نومه يقول له : قل للشيخ لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربّي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق ، وكان الانسان قتورا.

طيب

بليدة بين واسط وخوزستان ، قال داود بن أحمد الطيبي : مدينة طيب من عمارة شيث بن آدم ، عليه السلام ، وما زال أهلها على ملّة شيث إلى أن جاء الإسلام. والمدينة قديمة ، أحدث القدماء بها أشياء وطلسمات ، منها ما زال ومنها ما بقي. وممّا زال قالوا : كان بها طلسم لدفع العقارب والحيّات ، وكان باقيا إلى قريب من زماننا.

ومن عجائبها الباقية أن لا يدخلها زنبور البتّة ، فإن دخلها مات ، ولا يدخلها غراب أبقع ولا عقعق.

طيزناباد

معناه عمارة الضراط. قرية بين الكوفة والقادسيّة على جادة الحاج من أنزه المواضع. وهي محفوفة بالكروم والأشجار والخانات والمعاصر. كانت أحد

٤١٧

المواضع المقصودة بالبطالة والآن خراب ، لم يبق بها إلّا قباب يسمّونها قباب أبي نواس ؛ قال أبو نواس :

قالوا : تنسّك بعد الحجّ؟ قلت لهم :

أرجو الإله وأخشى طيزنابادا

أخشى قضيّب كرم أن ينازعني

رأس الحطام إذا أسرعت إعدادا

فإن سلمت ، وما نفسي على ثقة

من السّلامة ، لم أسلم ببغدادا!

وقال محمّد بن عبد الله : قدمت من مكّة فلمّا صرت إلى طيزناباد ذكرت قول أبي نواس :

بطيزناباد كرم ما مررت به

إلّا تعجّبت ممّن يشرب الماء

فهتف هاتف أسمع صوته ولا أراه :

وفي الجحيم حميم ما تجرعه

خلق فأبقى له في البطن أمعاء!

عانة

بليدة بين هيت والرقّة ، يطوف بها خليج من الفرات. وهي كثيرة الأشجار والثمار والكروم ، ولها قلعة حصينة ، ولكثرة كرومها تنسب العرب إليها الخمر.

وأهل بغداد إذا شاهدوا ظلما قالوا : الخليفة إذا في عانة! لأن البساسيري استولى على بغداد وحمل التائم بأمر الله إلى عانة ، وخطب باسم خلفاء مصر سنة ، فجاء السلطان طغرلبك السلجوقي في سنة أربعين وأربعمائة وحارب البساسيري وقتله ، وجاء بالخليفة من عانة وردّه إلى مقرّه ومشى قدام مهده راجلا حتى خاطبه الخليفة بنفسه وقال : اركب يا ركن الدين! وهو أوّل سلاطين السلجوقية وأرفعهم قدرا ، وهو الذي انتزع الملك من سلاطين بني سبكتكين.

٤١٨

عبّادان

جزيرة تحت البصرة قرب البحر الملح ، فإن دجلة إذا قاربت البحر تفرّقت فرقتين عند قرية تسمّى المحرزي : فرقة تذهب إلى ناحية البحرين وهي اليمنى ، واليسرى تذهب إلى عبّادان وسيراف والجنّابة ، وعبادان في هذه الجزيرة وهي مثلثة الشكل ، وإنّما قالوا : «ليس وراء عبادان قرية» لأن وراءها بحرا.

ومن عجائبها أن لا زرع بها ولا ضرع ، وأهلها متوكّلون على الله يأتيهم الرزق من أطراف الأرض. وفيها مشاهد ورباطات وقوم مقيمون للعبادة منقطعون عن أمور الدنيا ، وأكثر موادهم من النذور.

عبد الله اباذ

قرية بين قزوين وهمذان. بها حمّة عجيبة ليس في شيء من البلاد مثلها ، وذلك ان الماء يفور منها فورانا شديدا قدر قامة وأكثر ، وإذا تركت البيضة على عمود الماء النابع تبقى عليها وتسلقها حرارة الماء. ويجتمع هذا الماء في حوض يأتيه أصحاب العاهات ويستحمّون به ، ينفعهم نفعا عظيما بيّنا.

العراق

ناحية مشهورة ، وهي من الموصل إلى عبّادان طولا ، ومن القادسية إلى حلوان عرضا. أرضها أعدل أرض الله هواء وأصحّها تربة وأعذبها ماء. وهي كواسطة القلادة من الاقليم ، وأهلها أصحاب الأبدان الصحيحة والأعضاء السليمة ، والعقول الوافرة والآراء الراجحة وأرباب البراعة في كلّ صناعة.

والغالب عليهم الغدر لكثرة الأشرار ومكر الليل والنهار. أقام بها عبد الله بن المبارك سبعة عشر يوما تصدّق بسبعة عشر درهما كفّارة لذلك. وأهلها مخصوصون ببغض الغرباء خصوصا العجم.

٤١٩

ويقال لأهل العراق نبط ؛ قالوا : نبط كان اسم رجل شرير كثرت جناياته في زمن سليمان بن داود ، عليه السلام ، فأمر بحبسه ، فاستغاث منه أهل الحبس إلى سليمان من كثرة سعايته ونميمته ، والقائه الشرّ بين أهل الحبس ، فأمر سليمان ، عليه السلام ، بتقييده وحمله إلى حبس الشياطين ، فاستغاث الشياطين وقالوا : يا نبيّ الله لا تجمع بين الحبس ومقاساة نبط! فرأى سليمان أن يأمره بشغل حتى يقلّ شرّه. وكان في الحبس امرأة مومسة ، قيل لنبط : نريد منك أن تغسل هذا الصوف الأسود وتبيّضه بالغسل ، وأن تروّح هذه المرأة حتى يلتحم فرجها بالترويح. فأمر بذلك ووكل به ، ففعل ذلك مدّة طويلة حتى ضجر ، ثمّ أراد أن يجرّب هل التحمت أم لا ، فباشرها ، فحملت منه وأتت بولد وصار له نسل بأرض العراق ، فلهذا ترى السعاية والنميمة والفجور في النبط كثيرا لأنّها شيمة أبيهم نبط!

وحكي أن عبد الله بن المبارك قيل له : كيف رأيت أهل العراق؟ قال : ما رأيت بها إلّا شرطيّا غضبان!

بها نهر دجلة ، مخرجه من جبل بقرب آمد عند حصن يعرف بحصن ذي القرنين ، وهي هناك ساقية كلّما امتدّ ينضمّ إليها مياه جبال ديار بكر ، ثمّ يمتدّ إلى ميافارقين وإلى حصن كيفا ، ثمّ إلى جزيرة ابن عمر ويحيط بها ثمّ إلى الموصل ثمّ إلى تكريت ، وقبل ذلك ينصبّ إليه الزابان ويعظم بهما ، ثمّ إلى بغداد ثمّ إلى واسط ثمّ البصرة ثمّ إلى عبّادان وينصبّ إلى البحر. وماء دجلة من أعذب المياه وأخفّها وأكثرها نفعا لأن مجراه من مخرجه إلى مصبّه في العمارات ، وفي آخر الصيف يستعملونه كلّه بواسط والبصرة.

وروي عن ابن عبّاس أن الله تعالى أوحى إلى دانيال ، عليه السلام ، أن فجّر لعبادي نهرين ، واجعل مصبّهما البحر ، فقد أمرت الأرض أن تطيعك.

فأخذ خشبة يجرّها في الأرض والماء يتبعه ، فكلّما مرّ بأرض يتيم أو أرملة أو شيخ ناشده الله فيحيد عنها ، فعواقيل دجلة والفرات من ذلك.

٤٢٠