آثار البلاد وأخبار العباد

زكريّا بن محمّد بن محمود القزويني

آثار البلاد وأخبار العباد

المؤلف:

زكريّا بن محمّد بن محمود القزويني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار صادر
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦٦٧

ودنت من الماء ، فلمّا رأت الشبكة جعلت تنظر إليها وترفع رأسها نحو السماء حتى فعلت ذلك مرارا. فما كان إلّا قليل حتى ظهرت سحابة سترت الآفاق وأمطرت مطرا سالت منه المياه في الصحراء. فلمّا شاهدت تلك الحالة تركت الاصطياد.

سمبتة

بلدة مشهورة من قواعد بلاد المغرب على ساحل البحر في برّ البربر. وهي ضاربة في البحر داخلة فيه. قال أبو حامد الأندلسي : عندها الصخرة التي وصل إليها موسى وفتاه يوشع ، عليه السلام ، فنسيا الحوت المشوي وكانا قد أكلا نصفه فأحيا الله تعالى النصف الآخر فاتّخذ سبيله في البحر عجبا. وله نسل إلى الآن في ذلك الموضع ، وهي سمكة طولها أكثر من ذراع وعرضها شبر وأحد جانبيها صحيح ، والجانب الآخر شوك وعظام وغشاء رقيق على أحشائها. وعينها واحدة ورأسها نصف رأس ، فمن رآها من هذا الجانب استقذرها ويحسب أنّها مأكولة ميتة ، والناس يتبرّكون بها ويهدونها إلى المحتشمين ، واليهود يقدّدونها ويحملونها إلى البلاد البعيدة للهدايا.

سجستان

ناحية كبيرة واسعة تنسب إلى سجستان بن فارس. أرضها كلّها سبخة رملة ، والرياح فيها لا تسكن أبدا حتى بنوا عليها رحيّهم ، وكلّ طحنهم من تلك الرحيّ. وهي بلاد حارة بها رحيّ على الريح ونخل كثير ، وشدّة الريح تنقل الرمل من مكان إلى مكان ، ولو لا أنّهم يحتالون في ذلك لطمست على المدن والقرى.

وإذا أرادوا نقل الرمل من مكان إلى مكان من غير أن يقع على الأرض التي إلى جانب الرمل ، جمعوا حول الرمل مثل الحائط من حطب وشوك وغيرهما ، وفتحوا من أسفله بابا فتدخله الريح وتطيّر الرمل إلى أعلاه مثل الزوبعة ، فيرتفع

٢٠١

ويقع على مدّ البصر في بعد من ذلك الموضع. ولا يصاد في أرضهم قنفذ ولا سلحفاة لأن أرضهم كثيرة الأفاعي وانّها تقتل الأفعى. قال ابن الفقيه : لا يرى بسجستان بيت إلّا وتحته قنفذ.

وأهلها من خيار الناس ، قال محمّد بن بحر الذهبي : لم تزل سجستان مفردة بمحاسن لم تعرف لغيرها من البلدان ، وما في الدنيا سوقة أصحّ معاملة ولا أكثر مجاملة منهم ، ثمّ مسارعتهم إلى إغاثة اللهيف ومؤاساة الضعيف ، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ولو كان فيه جدع الأنوف ، وأجلّ من هذا كلّه أنّهم امتنعوا على بني أميّة أن يلعنوا عليّ بن أبي طالب على منبرهم.

ومن عادتهم أن لا تخرج المرأة من منزلها أبدا ، فإن أرادت زيارة أهلها فبالليل.

ينسب إليها رستم الشديد ، كان بالغا في الشجاعة والفروسيّة إلى حدّ قال الفردوسي في شاه نامه :

جهان آفرين تا جهان آفريد

سواري جو رستم نيامد بديد

ذكر عنه أنّه كان يجعل الرمح في قرنه ويرفعه من ظهر فرسه ، وإذا كان في ألف فارس يغلب ألفين : ألف في مقابلة ألف ، وألف في مقابلة رستم.

سخا

مدينة بأسفل مصر ، وهي قصبة الكورة الغربيّة. في جامعها حجر أسود عليه علامة : إذا أخرج من الجامع دخلت العصافير إليه ، وإن أعيد إلى الجامع خرجت عنه!

سدوم

قصبة قرى قوم لوط. وهي بين الحجاز والشام. كانت أحسن بلاد الله وأكثرها مياها وأشجارا وحبوبا وثمارا ، والآن عبرة للناظرين. وتسمّى الأرض

٢٠٢

المقلوبة لا زرع بها ولا ضرع ولا حشيش ، وبقيت بقعة سوداء فرشت فيها حجارة ، ذكر أنّها الحجارة التي أمطرت عليهم وعلى عامتها كالطابع ؛ قال أميّة بن أبي الصلت :

ثمّ لوط أخو سدوم أتاها

إذ أتاها برشدها وهداها

راودوه عن ضيفه ثمّ قالوا :

قد نهيناك أن تقيم قراها

عرض الشّيخ عند ذاك بنات

كظباء بأجرع ترعاها

غضب القوم عند ذاك وقالوا :

أيّها الشّيخ خطبة نأباها!

عزم القوم أمرهم وعجوز

خيّب الله سعيها ورجاها

أرسل الله عند ذاك عذابا

جعل الأرض سفلها أعلاها

ورماها بحاصب ثمّ طين

ذي حروف مسوّم إذ رماها

سمنّود

بلدة قديمة بنواحي مصر على ضفّة النيل. كان بها بربا من إحدى العجائب ؛ قال عمر الكندي : رأيت ذلك البربا وقد اتّخذه بعض العمّال مخزن القتّ ، فرأيت الجمل إذا دنا من بابه وأراد دخوله سقط عنه كلّ دبيب عليه ، ولم يدخل منه شيء إلى البربا. وكان على ذلك إلى أن خرب في شهور ، سنة خمسين وثلاثمائة.

سنجل

قرية من نواحي فلسطين بين نابلس وطبرية ، على أربعة فراسخ من طبرية ممّا يلي دمشق. قال الاصطخري : كان منزل يعقوب ، عليه السلام ، بنابلس من أرض فلسطين ، والجبّ الذي ألقي فيه يوسف الصديق ، عليه السلام ، بين نابلس وبين قرية يقال لها سنجل ، ولم تزل تلك البئر مزارا للناس يتبرّكون بزيارتها ويشربون من مائها.

٢٠٣

سنون

قرية بأرض كرمان ؛ قال صاحب تحفة الغرائب : بها حصار في وسطها لا ترى الفأر فيه أبدا ، ولو حملت إليها ماتت إذا أصابت أرضها!

سوبلّا

بلدة بأرض البربر قرب مراكش. أهلها من شرار البربر ، وبربر من شرار الناس. ذكر أن أبا يعقوب بن يوسف ملك المغرب اجتاز بها ، فخرج مشايخها إليه للتلقّي والخدمة ، فلمّا رآهم قال : من أنتم؟ قالوا : مشايخ سوبلّا! فقال :لا حاجة إلى اليمين ، إنّا نعرفكم! فتعجّب الناس من سرعة جوابه كأنّهم قالوا :نحن مشايخ سوء بالله ، واللفظان واحد في كلام المغاربة.

سيراف

مدينة شريفة طيّبة البقعة كثيرة البساتين ، والعيون تأتيها من الجبال ، واسعة البقعة والدور. ينسب إليها أبو الحسن السيرافي شارح كتاب سيبويه عشرين مجلّدا ، كان فريد عصره.

سيرجان

قصبة بلاد كرمان ، بلدة طيّبة كثيرة العلم حسنة الرسم ، ذات بساتين ومياه كثيرة ، أبهى من شيراز وأوسع وبينهما ثلاث مراحل يقال لهما القصران.

ماؤها عذب وهواؤها صحيح وأديمها فسيح. بها دور عضد الدولة لم يوجد مثلها في شيء من البلاد.

وقد شقّ بها عمرو وطاهر ابنا الليث بن طاهر الصفّار السجستاني قناتين.

٢٠٤

ماؤها يدور في البلد ويدخل دورهم. بها الفانيد وقصب السكر ، وبها نخل كثير ، ولهم سنّة حسنة وهي أنّهم لا يرفعون من تمورهم شيئا أسقطته الريح ويتركونها للضعفاء ، فربّما كثرت الرياح في بعض الأوقات فيحصل للفقراء أكثر ممّا يحصل للملّاك. والكمّون يحمل منها إلى الآفاق.

سيلون

من قرى نابلس. بها مسجد السكينة وحجر المائدة. ويقال : ان سيلون كانت منزل يعقوب ، عليه السلام ، وان إخوة يوسف ، عليه السلام ، أخرجوه منها لمّا أرادوا إلقاءه في الجبّ ، والجبّ بقرية سنجل اتّخذه الناس مزارا.

الشام

هي من الفرات إلى العريش طولا ، ومن جبلي طيّء إلى بحر الروم عرضا ؛ عن رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم : الشام صفوة الله من بلاده وإليها يجتبي صفوته من عباده.

عن عبد الله بن عمرو بن العاص انّه قال : قسم الخير عشرة أقسام ، جعلت تسعة في الشام وقسم في سائر الأرض ، وقسم الشرّ عشرة أعشار ، جزء منها بالشام والباقي في جميع الأرض.

والشام هي الأرض المقدسة التي جعلها الله منزل الأنبياء ومهبط الوحي ومحلّ الأنبياء والأولياء. هواؤها طيّب وماؤها عذب وأهلها أحسن الناس خلقا وخلقا وزيّا وريّا ؛ قال البحتري :

عنيت بشرق الأرض قدما وغربها

أجوّب في آفاقها وأسيرها

فلم أر مثل الشّام دار إقامة

لراح أغاديها وكأس أديرها

مصحّة أبدان ونزهة أعين

ولهو نفوس دائم وسرورها

٢٠٥

مقدّسة جاد الرّبيع بلادها

ففي كلّ أرض روضة وغديرها

ومن خواص الشام أن لا تخلو عن الأولياء الأبدال الذين يرحم الله ويعفو بدعائهم ، لا يزيدون على السبعين ولا ينقصون عنها ، كلّما مات واحد منهم قام من الناس بدله ، ولا يسكنون إلّا جبل اللّكّام!

ومن خواصها الطاءات الثلاث : الطعن والطاعون والطاعة. أمّا طاعونها فنعوذ بالله منه ، وأمّا طعنها فمشهور أن أجنادها شجعان ، وأمّا طاعتها للسلطان فممّا يضرب به المثل حتى قيل : إنّما تمشّى الأمر لمعاوية لأنّه كان في أطوع جند ، وعليّ كان في أعصى جند وهم أهل العراق!

وبالشام من أنواع الفواكه في غاية الحسن والطيب ، وتفاحها كان يحمل إلى العراق لأجل الخلفاء. وكذلك الزيت الركابي فإنّه في عاية الصفاء ، وأهل الشام ينسبون إلى الجلافة وقلّة الفطنة!

حكى ابن أبي ليلى أنّه كان يساير رجلا من وجوه أهل الشام ، فمرّ بحمّال معه سلّة رمّان فأخذ منها رمّانة جعلها في كمّه ، فتعجبت من ذلك ثمّ رجعت إلى نفسي وكذبت بصري حتى مرّ بسائل فقير ، فأخرجها من كمّه وأعطاه ، فعلمت أني رأيتها وسألته عن ذلك ، فقال : أما علمت أن الأخذ سيئة واحدة والإعطاء عشر حسنات فكسبت تسعة؟

قال صاحب تحفة الغرائب : في بادية الشام شجرة إذا نظر الناظر إليها رأى أوراقها كالسرج المشعولة ، وكلّما كان الليل أظلم كان الضوء أشدّ. وإذا هشّ الورق لا يرى شيء من الضوء.

وحكى عبد الرحمن القشيري أن امرأة شريك بن خباسة قالت : خرجنا مع عمر بن الخطّاب إلى الشام ، فنزلنا موضعا يقال له القليب ، فذهب شريك ليستقي فوقعت دلوه في البئر ، فلم يقدر على أخذها لزحمة الناس ، فأخّر إلى الليل وأبطأ ، فأخبر عمر فأقام ثلاثا ، فإذا شريك أقبل ومعه ورقة خضراء فقال :

٢٠٦

يا أمير المؤمنين ، إني وجدت في القليب سربا ، فأتاني آت فأخرجني إلى أرض لا تشبه أرضكم وبساتين لا تشبه بساتينكم ، فتناولت منه شيئا فقال لي : ليس هذا أوان ذلك! فأخذت هذه الورقة فإذا هي يواريها الكفّ ويشتمل بها الرجل من شجرة التين. فدعا عمر كعب الأحبار وقال : هل وجدت في شيء من الكتب أن رجلا من أمّتنا يدخل الجنّة ثمّ يخرج؟ قال : نعم وإن كان أنبأتك به! فقال : هو في القوم! فتأمّلهم ثمّ أشار إليه ، فجعل شعار بني نمير أخضر من ذلك اليوم.

بها جبل السّمّاق ، وهو جبل عظيم من أعمال حلب ، يشتمل على مدن وقرى أكثرها للاسماعيليّة. وانّه منبت السمّاق وهو مكان طيّب نزه. من عجائبه أنّه ذو بساتين ومزارع كلّها عذي ، فينبت جميع الفواكه والحبوب في الحسن والطراوة كالمسقويّ حتى المشمش والقطن والسمسم.

وحكي أن نور الدين صاحب الشام أنكر ملك الإسماعيليّة في وسط بلاده ، فجاءه قاصدا أخذه ، فلمّا نزل عليه في ليلته الأولى أصبح فرأى عند رأسه رقعة وسكّينا ، وكان في الرقعة : إن لم ترحل الليلة الآتية تكون هذه السكين في بطنك! فارتحل عنه.

وبها طور سينا بين الشام ووادي القريتين بقرب مدين ، وقال بعضهم :بقرب أيلة. كان عليه الخطاب الثاني لموسى ، عليه السلام ، عند خروجه من مصر ببني إسرائيل. وكان موسى إذا جاءه ينزل عليه غمام فيدخل في ذلك الغمام ويكلّمه ربّه ، وهو الجبل الذي ذكره الله تعالى حيث قال : فلمّا تجلّى ربّه للجبل جعله دكّا وخرّ موسى صعقا.

وانّه لا يخلو من الصلحاء ، وحجارته كيف كسرت خرج منها صورة شجر العلّيق.

طور هارون في قبليّ بيت المقدس ، وإنّما سمّي طور هارون لأن موسى ، عليه السلام ، بعد قتل عبدة العجل أراد المضي إلى مناجاة ربّه ، فقال له هارون ،

٢٠٧

عليه السلام : احملني معك فإني لست آمن أن يحدث ببني إسرائيل بعدك حدث ، فتغضب عليّ مرّة أخرى! فحمله معه ، فلمّا كانا ببعض الطريق إذا هما برجلين يحفران قبرا ، فوقفا عليهما وقالا : لمن تحفران هذا القبر؟ فقالا : لأشبه الناس بهذا الرجل! وأشارا إلى هارون ثمّ قالا له : بحقّ إلهك الا نزلت وأبصرت هل هو واسع؟ فنزع هارون ثيابه ودفعها إلى موسى ونزل ونام فيه ، فقبض روحه من ساعته وانضمّ القبر! فانصرف موسى باكيا حزينا ، فاتّهمه بنو إسرائيل بقتله ، فدعا الله تعالى موسى حتى أراهم هارون في فضاء على رأس ذلك الجبل ، ثمّ غاب عنهم فسمّي طور هارون.

وبها جبل لبنان وهو مطلّ على حمص ، به أنواع الفواكه والزروع من غير أن يزرعها أحد ، يأوي إليه الابدال لا يخلو عنهم أبدا لما فيه من القوت الحلال ، وفي تفاحه أعجوبة وهي انّه يحمل إلى الشام وليست له رائحة حتى يتوسّط نهر الثلج ، فإذا توسّط النهر فاحت رائحته.

وبها نهر الذهب ، يزعم أهل حلب انّه وادي بطنان ، ومن عجائبه ان أوّله يباع بالميزان وآخره بالكيل. ومعنى هذا الكلام أن أوّله يزرع عليه القطن وسائر الحبوب ، وآخره وهو ما فضل من الزروع ينصبّ إلى بطيحة طولها فرسخان في عرض مثله ، فيجمد هناك ويصير ملحا يمتار منه أكثر نواحي الشام فيباع كيلا.

شرشال

مدينة بالمغرب من أعمال بجاية على ساحل البحر. حدّثني الفقيه أبو الربيع سليمان الملتاني أنّه رأى بها أربع أسطوانات مفرطة الطول : ثلاث منها قوائم ، والرابعة ساقطة ، طول كلّ واحدة نحو خمسين ذراعا ، وعرضها لا يحوطها باع رجلين. وانّها في غاية الملاسة والحسن والهندام كأنّها جعلت في الخرط ، وعلى كلّ أسطوانتين جائزة حجريّة أحد رأسيها على هذه ، والأخرى على

٢٠٨

هذه ، وقد هندمت الجائزة أيضا مربعة مفرطة الطول والأسطوانات زرق ، والجوائز بيض وقد سقط بسقوط إحدى القوائم جائزتان وبقي على القوائم الثلاث جائزتان ، فلو اجتمع أهل زماننا على إقامة الأسطوانة الساقطة ووضع الجائزتين الساقطتين عليهما ، لا يمكنهم إلّا ان يشاء الله.

وقد اشتهر بين أهل تلك الديار أنّها أثر قصر بناه بعض الملوك لابن له ، وقد حكم المنجّمون انّه تصيبه لذعة من عقرب يخاف منها عليه التلف ، فبنى هذا القصر من الحجر لئلّا يتولّد العقرب فيه لحجريته ، ولا يصعد إليه لملاسة أسطواناته ، فاتّفق انّه حمل إلى القصر سلّة عنب كان فيها عقرب ، فهمّ ابن الملك أن يتناول العنب من السلّة فلذعته ومات منها.

شطا

من بلاد مصر تنسب إليها الثياب الشّطوية. قال الحسن بن محمّد المهلّبي :هي على صفة البحر بقرب دمياط ، يعمل بها الشرب الرفيع الذي تبلغ قيمة الثوب منه ثلاثمائة درهم ولا ذهب فيه.

شعب بوّان

أرض بفارس بين ارجان والنوبندجان. وهي أحد متنزهات الدنيا المعروفة بالحسن والطيب والنزاهة وكثرة الأشجار وتدفّق المياه وأنواع الأطيار.

قالوا : جنان الدنيا أربع : صغد سمرقند وغوطة دمشق وشعب بوّان ونهر الأبلّة. وقال أحمد بن محمّد الهمذاني : من النوبندجان إلى ارجان ستّة وعشرون فرسخا ، بينهما شعب بوّان.

ومن حسنها أن جميع أشجار الفواكه نابتة على الصخر ، وقد أجاد المتنبي في وصفه حين ذهب إلى عضد الدولة فقال :

مغاني الشّعب طيبا في المغاني

بمنزلة الرّبيع من الزّمان!

٢٠٩

ولكنّ الفتى العربيّ فيها

غريب الوجه واليد واللّسان

ملاعب جنّة لو سار فيها

سليمان لسار بترجمان

طبت فرساننا والخيل حتى

خشيت وإن كرمن من الحران

غدونا تنفض الأغصان فيه

على أعرافها مثل الجمان

فسرت وقد حجبن الحرّ عني

وجئن من الضّياء بما كفاني

وألقى الشّرق منها في ثيابي

دنانيرا تفرّ من البنان

لها ثمر يسير إليك منه

بأشربة وقفن بلا أوان

وأمواه يصلّ بها حصاها

صليل الحلي في أيدي الغواني

منازل لم يزل منها خيال

يشيّعني إلى النّوبندجان

إذا غنّى الحمام الورق فيها

أجابته أغانيّ القيان

وما بالشّعب أحوج من حمام

إذا غنّى وناح إلى البيان

وقد يتقارب الوصفان جدّا

وموصوفاهما متباعدان

يقول بشعب بوّان حصاني

أعن هذا يسار إلى الطّعان؟

أبوكم آدم سنّ المعاصي

وعلّمكم مفارقة الجنان

شيراز

مدينة صحيحة الهواء عذبة الماء كثيرة الخيرات ، وافرة الغلّات ، قصبة بلاد فارس. سمّيت بشيراز بن طهمورث ، وأحكم بناءها سلطان الدولة كاليجار بن بويه. زعموا أن من أقام بشيراز سنة يطيب عيشه من غير سبب يعرفه.

من عجائبها شجرة تفّاح ، نصف تفاحها في غاية الحلاوة ونصفها حامض في غاية الحموضة.

وبها القشمش منها يحمل إلى سائر البلاد ، وبها أنواع الادهان الريحانيّة :كدهن الورد والبنفسج والنيلوفر والياسمين ، وأنواع الأشربة الريحانيّة ، كان في قديم الزمان يتّخذ بها الأكاسرة. ولأهلها يد باسطة في صنعة ثياب الحرير

٢١٠

والوقايات الرقاع ، وكذلك في عمل السكاكين والنصول والأقفال الجيّدة تحمل منها إلى سائر البلاد ، وبقربها دشت الأرزن الذي يقول فيه المتنبي :

سقيا لدشت الأرزن الطّوال!

به من الصيد ما لا يعدّ ولا يحصى. كان متصيّد عضد الدولة. ومن خواصّه انّه ينبت عصيّا صلبة الخشب ارزنية لا توجد تلك الخشبة إلّا بها ، وهي مشهورة تسمّى خشبة الأرزن.

ينسب إليها قاضيها أبو العبّاس أحمد بن سريج ، أحد المجتهدين على مذهب الإمام الشافعي ، يقال له البازي الأشهب ، مصنّفاته تزيد على أربعمائة ، ينصر مذهب الشافعي ، وكان يناظر أبا بكر محمّد بن داود فقال له أبو بكر : بلّعني ريقي! فقال له : ابلعتك دجلة! وقال له يوما آخر : امهلني ساعة! فقال :أمهلتك إلى قيام الساعة! وقال له يوما : أكلّمك من الرّجل وتجيبني من الرأس! فقال : هكذا البقر إذا حفيت أظلافها دهن قرنها! وذكر الوليد بن حسّان قال :كنّا في مجلس القاضي أبي العبّاس أحمد بن سريج ، فقام إليه رجل من أهل العلم وقال : ابشر أيّها القاضي! فإن الله تعالى يبعث على رأس كلّ مائة من يجدّد دينه ، وان الله قد بعث على رأس المائة عمر بن عبد العزيز ، وعلى رأس المائتين محمّد بن إدريس الشافعي ، وبعثت على رأس الثلاثمائة ، وأنشأ يقول :

اثنان قد مضيا فبورك فيهما :

عمر الخليفة ثمّ نجل السؤدد

والشّافعيّ الألمعيّ محمّد

إرث النّبوّة وابن عمّ محمّد

ابشر أبا العبّاس! إنّك ثالث

من بعدهم ، سقيا لتربة أحمد

وحكي أن أبا العبّاس أحمد بن سريج رأى في مرض موته كأنّ القيامة قد قامت ، وإذا الجبّار سبحانه يقول : أين العلماء؟ فجاؤوا بهم. فقال : ماذا عملتم بما علمتم؟ فقالوا : يا ربّ قصّرنا وأسأنا! فأعاد السؤال مرّة أخرى كأنّه

٢١١

أراد جوابا آخر فقلت : يا ربّ أمّا أنا فليس صحيفتي الشرك ، وقد وعدت أن تغفر ما دونها! فقال : اذهبوا فقد غفرت لكم! وفارق الدنيا بعد ذلك بثلاثة أيّام.

وينسب إليها أبو نصر بن أبي عبد الله الخيّاط ، كان فقيها أصوليّا أديبا مناظرا ، أخذ العلم من أبيه وله مصنّفات كثيرة ، وأخذ الفقه منه أهل شيراز ، وهو الذي يقول في كتاب المزني :

هذا الذي كنت أطويه وأنشره

حتى بلغت به ما كنت آمله

فدم عليه وجانب من يجانبه

فالعلم أنفس شيء أنت حامله

وحكي أنّه أو أباه استدلّ يوما في مسألة ، فأعجب الحاضرين كلامه فقالوا للقاضي أبي سعيد بشر بن الحسين الداودي قاضي القضاة بفارس والعراق وجميع أعمال عضد الدولة : هذا الكلام لا يجاب عنه حتى يلج الجمل في سمّ الخياط ، فقال القاضي :

وحتّى يؤوب القارظان كلاهما

وينشر في القتلى كليب لوائل

وينسب إليها أبو عبد الله محمّد بن خفيف ، شيخ وقته وأوحد زمانه ، قال :دخلت بغداد وفي رأسي نخوة الصوفية ، ما أكلت أربعين يوما ولا دخلت على الجنيد! وكنت على عزم الحجّ ، فلمّا وصلت إلى زبالة رأيت ظبية تشرب من بئر ، وكنت عطشان ، فمشيت إليها فولّت الظبية ورأيت الماء في أسفل البئر فقلت : يا ربّ ما لي محلّ هذه الظبية؟ فنوديت من خلفي : جرّبناك ما تصبر ، ارجع خذ الماء! فلمّا رجعت رأيت البئر ملآنة ، فأخذت منه وشربت وتوضّأت فسمعت هاتفا يقول : إن الظبية جاءت بلا دلو ولا حبل وأنت جئت بالدّلو والحبل! فلمّا رجعت إلى بغداد قال لي الجنيد : لو صبرت لنبع الماء من تحت رجليك.

٢١٢

الصّعيد

ناحية بمصر في جنوبي الفسطاط. يكتنفها جبلان والنيل يجري بينهما.

والمدن والقرى شارعة على النيل من جانبيه ، والجنان عليه مشرفة ، والرياض بجوانبه محدقة ، أشبه شيء بما بين واسط والبصرة من أرض العراق.

وبالصعيد آثار قديمة : منها أن في جبالها مغاور مملوءة من الموتى ، الناس والطيور والسنانير والكلاب جميعهم مكفّنون بأكفان غليظة من الكتّان ، شبيهة بالاعدال التي يجلب منها القماش من مصر ، والكفن على هيئة قماط المولود ملفوف على الميت ، وعليه أدوية لا تبلى ، فإذا حللت الكفن عن الحيوان تجده لم يتغيّر منه شيء ؛ قال الهروي : رأيت جويرية أخذوا كفنها وفي يدها ورجلها أثر خضاب الحنّاء.

وبلغني أن أهل الصعيد إذا حفروا الآبار فربّما وجدوا قبورا منقورة في الحجارة كالحوض مغطاة بحجر آخر ، فإذا كشف عنه يضربه الهواء فيتبدّد بعد ان كان قطعة واحدة ، ويزعمون ان المومياء المصري يوجد من رؤوس هؤلاء الموتى وهو أجود من المعدني الفارسي ، وبها حجارة كأنّها الدنانير المضروبة كأنّها رباعياتّ عليها كالسكة ، وهي كبيرة جدّا ، يزعمون أنّها دنانير فرعون وقومه التي مسخها الله تعالى بدعاء موسى ، عليه السلام : ربّنا اطمس على أموالهم.

صفت

قرية من حوف مصر قرب بلبيس ؛ قال الهروي : بها بيعت بقرة بني إسرائيل التي أمر الله تعالى بذبحها لظهور القاتل. وفيها قبّة موجودة إلى الآن تعرف بقبّة البقرة يزورها الناس.

٢١٣

صفّين

قرية قديمة البوار من بناء الروم ، بقرب الرقّة على شاطىء الفرات من الجانب الغربي ، وما يليها غيضة ملتفّة ذات بزور طولها نحو فرسخين ، وليس في ذينك الفرسخين طريق إلى الماء إلّا طريق واحد مفروش بالحجارة ، وسائر ذلك عزب وخلاف ملتفّة.

ولمّا سمع معاوية أن عليّا عبر الفرات بعث إلى ذلك الطريق أبا الأعور في عشرة آلاف ليمنع أصحاب عليّ من الماء ، فبعث عليّ صعصعة بن صوحان فقال : إنّا سرنا إليكم لنعذر إليكم قبل القتال ، فإن أتيتم كانت العاقبة أحبّ إلينا! وأراك قد حلت بيننا وبين الماء ، فإن كان أعجب إليك أن ندع ما جئنا له تقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا. فقال معاوية لصعصعة : ستأتيكم رايتي. فرجع إلى عليّ وأخبره بذلك ، فغمّ عليّ غمّا شديدا لما أصاب الناس في يومهم وليلتهم من العطش.

فلمّا أصبحوا ذهب الأشعث بن قيس والأشتر بن الأشجع ، ونحّيا أبا الأعور عن الشريعة حتى صارت في أيديهم ، فأمر عليّ أن لا يمنع أحد من أهل الشام عن الماء ، فكانوا يسقون منه ويختلط بعضهم ببعض ، وكان ذلك سنة سبع وثلاثين غرّة صفر.

وكان عليّ في مائة وعشرين ألفا ، ومعاوية في تسعين ألفا. وقتل من الجانبين سبعون ألفا : من أصحاب عليّ خمسة وعشرون ألفا ، ومن أصحاب معاوية خمسة وأربعون ألفا. وفي قوم عليّ قتل خمسة وعشرون صحابيّا بدريّا منهم عمّار بن ياسر. وكانت مدّة المقام بصفّين مائة يوم وعشرة أيّام ، وكانت الوقائع تسعين وقعة ، وكانت الصحابة متوقّفين في هذا الأمر لأنّهم كانوا يرون عليّا وعلوّ شأنه ، ويرون قميص عثمان على الرمح ومعاوية يقول : أريد دم ابن عمّي! إلى أن قتل عمّار بن ياسر والصحابة سمعوا أن النبيّ قال له : تقتلك

٢١٤

الفئة الباغية! فعند ذلك ظهر للناس بغي معاوية ، فبذل قوم عليّ جهدهم في القتال حتى ضيّقوا على قوم معاوية ، فعند ذلك رفعوا المصاحف وقالوا : رضينا بكتاب الله! فامتنع قوم عليّ عن القتال. فقال عليّ : كلمة حقّ أريد به باطل! فما وافقوا ، فقال عليّ عند ذلك : لا رأي لغير مطاع! فآل الأمر إلى الحكمين ، والقصّة مشهورة.

صقلّيّة

جزيرة عظيمة من جزائر أهل المغرب مقابلة لا فريقية. وهي مثلثة الشكل بين كلّ زاوية والأخرى مسيرة سبعة أيّام. وهي حصينة كثيرة البلدان والقرى ، كثيرة المواشي جدّا من الخيل والبغال والحمير والبقر والغنم والحيوانات الوحشيّة.

ومن فضلها أن ليس بها عاد بناب أو برثن أو إبرة ، وبها معدن الذهب والفضّة والنحاس والرصاص والحديد ، وكذلك معدن الشبّ والكحل والزاج ومعدن النوشاذر ، ومعدن الزئبق. وبها المياه والأشجار والمزارع وأنواع الفواكه على اختلاف أنواعها ، لا تنقطع شتاء ولا صيفا.

وأرضها تنبت الزعفران. وكانت قليلة العمارة خاملة الذكر إلى أن فتح المسلمون بلاد افريقية ، فهرب أهل افريقية إليها وعمروها حتى فتحت في أيّام بني الأغلب في ولاية المأمون ، فبقيت في يد المسلمين مدّة ، ثمّ ظهر عليها الكفّار وهي الآن في أيديهم.

وبهذه الجزيرة جبال شامخة وعيون غزيرة وأنهار جارية ونزهة عجيبة ، وقال ابن حمديس وهو يشتاق إليها :

ذكرت صقلّيّة والهوى

يهيّج للنّفس تذكارها

فإن كنت أخرجت من جنّة

فإني أحدّث أخبارها

ذكر أن دورها مسيرة ستّة عشر يوما ، وقطرها مسيرة خمسة أيّام ،

٢١٥

وهي مملوءة من الخيرات والمياه والأشجار والمزارع والفواكه. بها جبل يقال له قصر يانه وهو من عجائب الدنيا. على هذا الجبل مدينة عظيمة شامخة ، وحولها مزارع وبساتين كثيرة ، وهي شاهقة في الهواء ، وكلّ ذلك يحويه باب المدينة.

لا طريق إليها إلّا بذلك الباب ، والأنهار تنفجر من أعلاها.

وبها جبل النار ، ذكر أبو عليّ الحسن بن يحيى أنّه جبل مطلّ على البحر ، دورته ثلاثة أيّام بقرب طبرمين ، فيه أشجار كثيرة وأكثرها البندق والصنوبر والارزن ، وفيه أصناف الثمار ، وفي أعلاه منافس النار يخرج منه النار والدخان ، وربّما سالت النار منه إلى جهة تحرق كلّ ما مرّت به ، وتجعل الأرض مثل خبث الحديد لا تنبت شيئا ولا تمرّ الدابّة بها ، ويسميّه الناس الاخباث. وفي أعلى هذا الجبل السحاب والثلوج والأمطار دائمة ، لا تكاد تقلع عنه في صيف ولا شتاء ، والثلج لا يفارق أعلاه في الصيف. وأمّا في الشتاء فيعمّ الثلج أوّله وآخره.

وزعمت الروم أن كثيرا من الحكماء يرحلون إلى جزيرة صقلية للنظر إلى عجائب هذا الجبل واجتماع النار والثلج فيه ، فترى بالليل نار عظيمة تشعل على قلّته ، وبالنهار دخان عظيم لا يستطيع أحد الدنو إليها ، فإن اقتبس منها طفئت إذا فارقت موضعها.

وبها البركان العظيم ؛ قال أحمد بن عمر العذري : ليس في الدنيا بركان أشنع منه منظرا ولا أعجب مخبرا! فإذا هبّت الريح سمع له دويّ عظيم كالرعد القاصف ، ويقطع من هذا البركان الكبريت الذي لا يوجد مثله.

وقال أيضا : بها آبار ثلاث يخرج منها من أوّل الربيع إلى آخره زيت النفط ، فينزل في هذه الآبار على درج ويتقنّع النازل ويسدّ منخره ، فإن تنفّس في أسفلها هلك من ساعته ، يغترف ماءها ويجعله في اجّانات ، فما كان نفطا علا فيجمع ويجعل في القوارير.

٢١٦

صور

مدينة مشهورة على طرف بحر الشام ، استدار حائطها على مبناها استدارة عجيبة ، بها قنطرة من عجائب الدنيا وهي من أحد الطرفين إلى الآخر على قوس واحد. ليس في جميع البلاد قنطرة أعظم منها. ومثلها قنطرة طليطلة بالأندلس إلّا أنّها دون قنطرة صور في العظم ، ينسب إليها الدنانير الصورية التي يتعامل عليها أهل الشام والعراق.

طبرستان

ناحية بين العراق وخراسان بقرب بحر الخزر ذات مدن وقرى كثيرة.

من مفاخرها القاضي أبو الطيّب طاهر بن عبد الله الطبري ، أستاذ الشيخ أبي إسحق الشيرازي. والقاضي أبو الطيب عاش مائة سنة ولم يختل منه عقله ولا فهمه ، وكان يفتي إلى آخر عمره ويقضي بين الناس ويناظر الفقهاء. وله مصنّفات كثيرة في الفقه والأصول ، منها تعليقة الطبري مائة مجلّد ثمّ كتاب في مذهب الشافعي ؛ قال الشيخ أبو إسحق الشيرازي صاحب المهذب : لازمت حلقة درسه بضع عشرة سنة ، رتبني في حلقته وسألني أن أجلس في مجلس التدريس ففعلت ذلك. وانّه ولّي القضاء بكرخ ، وكان رأى النبيّ ، عليه السلام ، في المنام فقال له : يا فقيه! ففرح بذلك فرحا شديدا. يقول : سمّاني رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، فقيها. مات سنة خمس وأربعمائة ببغداد عن مائة سنة وسنتين ، وصلّى عليه الخليفة أبو الحسن المهتدي.

طبريّة

مدينة بقرب دمشق بينهما ثلاثة أيّام ، مطلّة على بحيرة معروفة ببحيرة طبرية ، وجبل الطور مطلّ عليها. وهي مستطيلة على البحر نحو فرسخ. بناها

٢١٧

ملك من ملوك الروم اسمه طبارى.

بها عيون جارية حارّة بنيت عليها حمّامات لا تحتاج إلى الوقود ، وهي ثمانية حمّامات ؛ قال أبو بكر بن عليّ الهروي : أمّا حمّامات طبرية التي قالوا إنها من عجائب الدنيا فليست التي على باب طبرية إلى جانب بحيرتها ، فإن مثل هذه كثيرة ، والتي هي من عجائب الدنيا في موضع من أعمال طبرية يقال له الحسنية ، وهي عمارة قديمة يقال انّها من بناء سليمان بن داود ، عليه السلام. وهو هيكل يخرج الماء من صدره ، وقد كان يخرج من اثنتي عشرة عينا ، كلّ عين مخصوصة بمرض إذا اغتسل فيها صاحب هذا المرض عوفي بإذن الله تعالى ، والماء شديد الحرارة جدّا ، عذب صاف طيّب الرائحة يقصده المرضى يستشفون به. وبينها وبين بيسان حمّة سليمان ، عليه السلام ، يزعمون أنّها نافعة لكلّ داء.

وبها بحيرة عشرة أميال في ستّة أميال غؤوها علامة خروج الدجّال. وهي كبركة أحاطت بها الجبال ينصبّ إليها فضلات أنهار تأتي من حمّة بانياس.

وبها معدن المرجان. وحولها قرى كثيرة كبيرة ، وتخيّل في وسط هذه البحيرة صخرة منقورة طبقت بصخرة أخرى ، تظهر للناظرين من بعيد ، يزعم أهل النواحي انّها قبر سليمان ، عليه السلام. وبطبرية قبر لقمان الحكيم ، عليه السلام ، من زاره أربعين يوما يظهر منه الحكمة.

وبها عقارب قتّالة كعقارب الاهواز. وقال صاحب تحفة الغرائب : بطبرية نهر عظيم ، والماء الذي يجري فيه نصفه حارّ ونصفه بارد ، ولا يمتزج أحدهما بالآخر. فإذا أخذ من النهر في إناء يبقى خارج النهر باردا.

وبأرض طبرية موضع به سبع عيون ، ينبع الماء منه سبع سنين متواليات وييبس سبع سنين متواليات.

ينسب إليها سليمان بن أحمد بن يوسف الطبراني ، أحد الأئمة المعروفين والحفّاظ المكثرين والمشايخ المعمّرين ، من تصانيفه المعجم الكبير في أسماء الصحابة ، لم يصنّف مثله. ذكر أبو الحسن أحمد بن فارس صاحب المجمل

٢١٨

قال : سمعت الأستاذ ابن العميد وزير آل بويه يقول : كنت أظنّ لا حلاوة في الدنيا فوق الرئاسة حتى شاهدت مذاكرة سليمان الطبراني وأبي بكر الجعابي ، فكان الطبراني يغلب الجعابي بكثرة حفظه ، والجعابي يغلب الطبراني بزيادة فطنته ، حتى ارتفعت أصواتهما ولا يكاد يغلب أحدهما الآخر ، إلى أن قال الجعابي : عندي حديث ليس عند أحد! فقال الطبراني : هاته! فقال : حدّثني أبو خليفة قال : حدّثنا سليمان بن أيّوب. وذكر الحديث فقال الطبراني : أنا سليمان بن أيّوب ومني سمع أبو خليفة فاسمعه مني حتى يعلو اسنادك! فخجل الجعابي ؛ قال ابن العميد : فوددت أن الوزارة للطبراني وانا الطبراني وفرحت له كما فرح هو.

قيل : ان الطبراني ورد أصفهان وأقام بها سبعين سنة ، وتوفي سنة ستّين ومائتين عن مائة سنة.

طرسوس

مدينة بين انطاكية وحلب. مدينة جليلة سمّيت بطرسوس بن الروم بن اليقن بن سام بن نوح ، عليه السلام ؛ قالوا : لمّا وصل الرشيد إليها جدّد عماراتها وشقّ نهرها. ولها سور وخندق.

قال محمّد بن أحمد الهمذاني : لم تزل طرسوس موطن الزّهّاد والصالحين لأنّها كانت بين ثغور المسلمين ، إلى أن قصدها فغفور ملك الروم سنة أربع وخمسين وثلاثمائة في عسكر عظيم ، وكان فيها رجل من قبل سيف الدولة يقال له ابن الزيات عجز عن مقاومة الروم ، سلّم إليهم على الأمان على شرط أن من خرج منها متاعه لم يتعرّض ، ومن أراد المقام مع اداء الجزية فعل. فلمّا دخل الكفّار المدينة خرّبوا مساجدها ، وأخذوا من السلاح والأموال ما كان جمع فيها من أيّام بني أميّة ، وأخذ كلّ واحد من النصارى دار رجل من المسلمين ، ولم يطلق لصاحبها إلّا حمل الخفّ ، واحتوى على جميع ما فيها ، وتقاعد

٢١٩

بالمسلمين أمهات أولادهم. فمنهن من منعت الرجل ولده واتّصلت بأهلها فيأتي الرجل إلى معسكر الروم ويودع ولده باكيا ، ولم تزل طرسوس في أيديهم إلى هذه الغاية.

بها موضع زعموا أنّه من حمى الجنّ ، نزل به المأمون لمّا غزا الروم.

وكان هناك عين ماؤها في غاية الصفاء ، وكان المأمون جالسا على طرفها فرأى في الماء سمكة مقدار ذراع فأمر بإخراجها ، فأخرجوها فإذا هي سمكة في غاية الحسن بيضاء مثل الفضّة ، فوثبت وعادت إلى الماء فوقعت رشاشات الماء على ثياب المأمون ، فغضب وأمر بإخراجها مرّة أخرى فأخرجوها والمأمون ينظر إليها ويقول : الساعة نشويك! ثمّ أمر بشيّها فأتى المأمون على المكان قشعريرة ، فأتى صاحب طبخه بالسمكة مشوية وهو لم يقدر على تناول شيء منها ، واشتدّ الأمر به حتى مات. قال الشاعر :

هل رأيت النّجوم أغنت عن المأ

مون في عزّ ملكه المأسوس

غادروه بعرصتي طرسوس

مثل ما غادروا أباه بطوس

العبّاسة

بليدة بأرض مصر في غاية الحسن والطيب ، سمّيت بعبّاسة بنت أحمد بن طولون ، كان خمارويه زوّج ابنته

من المعتضد بالله ، وانّه خرج بها من مصر إلى العراق فعملت عباسة في هذا الموضع قصرا ، وبرزت إليه لوداع بنت أخيها قطر الندى ، ثمّ زيدت في عمارته حتى صارت بليدة طيّبة كثيرة المياه والأشجار من متنزّهات مصر.

وبها مستنقع يأوي إليه من الطير ما لم ير في شيء من المواضع غيرها ، والصيد بها كثير جدّا. وكان الملك الكامل يكثر الخروج إليها للتنزّه والصيد.

٢٢٠