أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٤

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٤

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0327-1
الصفحات: ٣٩٨

قوله) (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) (١) ، وكقوله : «فكانت كالحجارة أو أشد قسوة» بدل قوله : (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ) (٢) ، وكقوله : «والسارقون والسارقات» بدل قوله : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) (٣).

وأما الاختلاف فى التركيب : فكقوله ـ تعالى : ـ «ضربت عليهم المسكنة والذلة» بدل قوله (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) (٤) وكقوله : «وجاءت سكرة الحق بالموت بدل قوله : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ) (٥)

وأما الزيادة : فكقوله ـ تعالى : ـ (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) (٦) وهو أب لهم» وكقوله ـ تعالى : ـ (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) (٧) انثى

وأما فى المعنى : فكقوله ـ تعالى : (رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) (٨) بكسر العين وقوله «باعد» بفتح العين. وكقوله ـ تعالى (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) (٩) بالياء المفتوحة ورفع الباء من ربك. فإنه مخالف فى المعنى إذا قرئت بالباء المفتوحة ، والياء المفتوحة من ربّك.

الوجه الثانى : وإن سلمنا سلامته عن التناقض ، والاختلاف غير أن ذلك / / ليس بمعجز.

فإنه معتاد من كثير من الخطباء ، والشعراء مع طول كلامه بحيث لو تتبعه أبلغ الناس لما وجد فيه سقطة ، ولا ذلة فضلا عن التناقض والاختلاف ، ويظهر ذلك ظهورا كليا فيما يكون على مقدار بعض السور القصار بتقدير التحدى بها.

__________________

(١) سورة الجمعة : ٦٢ / ٩.

(٢) سورة البقرة : ٢ / ٧٤.

(٣) سورة المائدة : ٥ / ٣٨.

(٤) سورة البقرة ٢ / ٦١.

(٥) سورة ق : ٥٠ / ١٩.

(٦) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٦.

(٧) سورة ص : ٣٨ / ٢٣.

(٨) سورة سبأ : ٣٤ / ١٩.

(٩) سورة المائدة : ٥ / ١١٢.

/ / أول ل ٨٤ / ب.

١٠١

وأما القول بأن وجه الإعجاز فيه موافقته لقضية العقل ودقيق المعانى ؛ فهو باطل أيضا :

فإن ذلك غير خارق للعادة ؛ بل هو معتاد فى أكثر كلام البلغاء ، ثم ينتقض بكلام الرسول الّذي ليس بمعجز ، فإنه يدل على دقيق المعانى ، وكذلك كلام التوراة ، والإنجيل ، وليس بمعجز عندكم.

وأما القول بأنّ وجه إعجازه قدمه ؛ فهو باطل أيضا :

لأنه إن أريد بالقرآن ما هو المسموع من الحروف / والأصوات المنتظمة ؛ فليس ذلك قديما على ما سبق فى مسألة الكلام (١).

وإن أريد به المقروء ؛ فقد سبق إبطاله قبل هذا.

ثم إنه لو جاز أن يجعل كلام الله القديم معجزة ؛ لجاز أن تكون كل صفة من صفاته : كعلمه ، وقدرته ، وغير ذلك معجزا ؛ وهو محال.

وأما القول بأن وجه الإعجاز فيه : دلالته على الكلام القديم فباطل :

فكتب الأنبياء المتقدمين من الزّبور ، والصّحف ، والتّوراة ، والإنجيل ؛ فإنها دالة على كلام الله القديم ، وليست معجزات.

__________________

(١) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ النوع الثانى ، المسألة الخامسة : فى إثبات صفة الكلام لله ـ تعالى ـ ل ٨٢ / ب وما بعدها ص ٣٣٨ وما بعدها.

١٠٢

وأما القول بأن وجه الأعجاز فيه الصرفة (١) فهو أيضا باطل من أربعة أوجه :

الأول : أن إجماع المسلمين قبل وجود القائلين بهذه المقالة على أن القرآن معجزة الرسول الدالة على صدقه ، فالقول بأنّه لا إعجاز فى القرآن ؛ بل الإعجاز فى الصرفة ، يكون خرقا لإجماع المسلمين قبل وجود المخالفين. وأنتم لا تقولون به.

فلئن قلتم : إجماع الأمة على كون القرآن معجزا : إنما كان باعتبار أنه يتعذر الإتيان بمثله ، وكون الصّرفة معجزة باعتبار أنّها على خلاف العادة ؛ فلا مناقضة بين كون القرآن معجزا ، وكون الصرفة معجزة بالتفسيرين المذكورين. ويكون الدّال على صدق الرسول الصرفة دون القرآن.

فنقول : الإتيان بكلام القرآن : إما أن يكون معتادا ، أو غير معتاد ، فإن كان غير معتاد : فهو المعجز لا نفس الصرفة.

وإن كان معتادا : فيمتنع تسميته معجزا ؛ بل المعجز ما هو خارق للعادة ؛ وهو الصرفة عن المعتاد.

__________________

(١) القول بالصرفة معناه أن الله صرف العرب عن معارضة القرآن مع قدرتهم عليها ، فكان هذا الصرف خارقا للعادة ، والصرف هو المعجز لا القرآن ، وأول من ابتدع هذا القول النظام قال الإمام الأشعرى فى مقالات الإسلاميين ١ / ٢٢٥. «قال النظام : الآية والأعجوبة فى القرآن ما فيه من الإخبار عن الغيوب ، فأما التأليف والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد لو لا أن الله منعهم بمنع وعجز أحدثهما فيهم».

وقال الإمام الشهرستانى : (عن النظام) التاسعة : قوله فى إعجاز القرآن إنه من حيث : الإخبار عن الأمور الماضية والآتية ، ومن جهة الدواعى عن المعارضة ومنع العرب عن الاهتمام به جبرا وتعجيزا ، حتى لو خلاهم لكانوا قادرين على أن يأتوا بسورة من مثله بلاغة وفصاحة ونظما». (الملل والنحل ١ / ٥٦ ، ٥٧) .. ويقول الأديب مصطفى صادق الرافعى : «النظام هو الّذي بالغ فى القول بالصرفة عرفت به وكان هذا الرجل من شياطين أهل الكلام ... والقول بالصرفة هو المذهب الفاشى من لدن قال به النظام يصوبه فيه قوم ، ويشايعه آخرون .. وعلى الجملة فإن القول بالصرفة لا يختلف عن قول العرب فيه (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) سورة المدثر ٧٤ / ٢٤ وهذا زعم رده الله على أهله وأكذبهم فيه وجعل القول به ضربا من العمى (أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) فاعتبر ذلك بعضه ببعضه فهو كالشيء الواحد» [إعجاز القرآن والبلاغة النبوية تأليف مصطفى صادق الرافعى الطبعة الثامنة سنة ١٩٦٥ المكتبة التجارية الكبرى بمصر ص ١٦٢ ـ ١٦٤ بتصرف].

وقد رد الآمدي على القول بالصرفة وأبطله بأربعة أوجه كما تصدى أهل السنة للرد على القائلين بالصرفة ، ولمزيد من البحث والدراسة بالإضافة إلى ما أورده الآمدي هاهنا. انظر : إعجاز القرآن للباقلانى ت : السيد أحمد صقر ـ دار المعارف بمصر سنة ١٩٦٣ م خاصة ص ٢٩ ـ ٣١ ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤٥٢ وما بعدها. وأصول الدين للبغدادى ص ١٨٣ ، ١٨٤ ، وشرح المواقف للجرجانى ـ الموقف السادس ص ٩٨ ـ ١٠٨. تحقيق ونشر الدكتور أحمد المهدى. وشرح المقاصد للتفتازانى ٣ / ٢٨٩ وما بعدها.

ومن الكتب الحديثة : مناهل العرفان فى علوم القرآن للشيخ محمد عبد العظيم الزرقانى ج ٢ ص ٣١٠ وما بعدها ط : دار إحياء الكتب العربية ـ عيسى الحلبى وشركاه.

١٠٣

ولهذا فإنّه لو قال : آيتى أنّنى أقوم ولا يقدر أحد منكم على القيام فى وقت عيّنه ؛ فإنّ قيامه لا يكون معجزا ؛ بل ما هو خلاف المعتاد ؛ وهو صرفهم عن القيام.

الثانى : أنه تحدى بالقرآن على كل العرب. فلو كان الإعجاز فى نفس الصرفة. لكانت الصرفة على خلاف المعتاد بالنسبة إلى كل واحد ضرورة تحقق الصرفة بالنسبة إليه. ولو كانت الصرفة على خلاف المعتاد بالنسبة إلى كل أحد لكان الإتيان بمثل كلام القرآن معتادا بالنسبة إلى كل أحد. [ولو كان معتادا بالنسبة إلى كل أحد] (١) فالمعتاد كذلك ليس هو الكلام الفصيح ؛ إذ هو غير معتاد لكل أحد ؛ بل المعتاد لكل أحد : إنّما هو الكلام الرّكيك المثلج المستغث ، ويلزم أن يكون كلام القرآن كذلك ركيكا مستغثا ، وليس كذلك باتفاق أهل الأدب.

الثالث : أنه لو كان الإعجاز فى الصرفة ، فكلام القرآن قبل الصرفة يجب أن يكون معتادا. وإلا لما كانت الصرفة معجزة ؛ لأنها لا تكون على خلاف العادة. ولو كان مثل كلام القرآن / معتادا قبل الصرفة لما ثبت صدقه ؛ لإمكان معارضة القرآن بما وجد من كلامهم مثل القرآن قبل الصرفة ؛ لأنّ التحدى. لم يكن بشيء من الكلام مثل القرآن بعد التحدى ؛ بل الإتيان بمثله. وسواء كان موجودا قبل التحدى ، أو بعده.

الرابع : وهو خاص بمذهب المرتضى ، أنه لو كان الإعجاز بفقدهم العلوم التى تتوقف عليها معارضة القرآن مع أنهم كانوا عالمين بها قبل ذلك ؛ لعلموا ذلك من أنفسهم عند الصرفة ، ولو علموا من أنفسهم ذلك لتناطقوا به فيما بينهم. ولو تناطقوا به فيما بينهم لشاع وذاع ، وكثرت طرق الاسماع نظرا إلى أن العادة جارية بالتحدث بخوارق العادات. وحيث لم يكن كذلك دل على فساد الصرفة بهذا الاعتبار.

فإن قيل : إنما لم يشع ذلك عنهم لأنهم كانوا / / حريصين على إبطال حجته وفى إشاعة ذلك تقرير حجته ، والحريص على إبطال أمر لا يسعى فى تصحيحه وتقريره.

قلنا : فاعترافهم بذلك العجز : إما أن يكون تقريرا لحجته ، وملزما لهم بتصديقه. أو لا يكون كذلك ؛ لاعتقادهم استناد ذلك إلى سحره كما قال ـ تعالى ـ حكاية عنهم (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) (٢)

__________________

(١) ساقط (أ)

/ / أول ل ٨٥ / أ.

(٢) سورة المدثر ٧٤ / ٢٤.

١٠٤

فإن كان الأول : استحال تواطؤ الخلق العظيم ـ مع اعتقادهم صدق الرسول ـ على تكذيبه ؛ إذ هو خلاف العادة.

وإن كان الثانى : فلا يكون ذلك مانعا من إشاعته ، والتّذاكر به.

وأما القول بأن جهة الإعجاز فيه النظم ، والبلاغة : فباطل أيضا : لأنه قد بان امتناع كون كل واحد منهما معجزا ، وضم ما ليس بمعجز إلى ما ليس بمعجز ؛ لا يوجب الإعجاز فيه.

سلمنا دلالة ما ذكرتموه على كون القرآن معجزا ؛ غير أنه معارض بما يدل على عدم إعجازه ؛ لأنه لو لكان معجزا ؛ لكان معجزا لكونه خارقا للعادة ، ولو كان معجزا لكونه خارقا للعادة ، لكان ما ظهر من العلوم الرياضية : كالهندسية ، والحسابية ، وغيرها من العلوم التى لم تكن معتادة قبل ظهورها ، معجزات. وأن تكون دالة على صدق من أتى بها عند دعواه الرسالة ، ولم يقولوا به.

سلمنا أنه معجز ، وأنه لم يظهر إلا على يده ؛ ولكن لا نسلم دلالته على صدقه ؛ لأنه من الجائز أن يكون قد حصل ذلك له قبل الرسالة ، ودعوى النبوة ولم يظهره. فإنه لا مانع على أصلكم من إجراء الخوارق على يد من ليس بنبي. وعلى تقدير جواز تقدمه على التحدى يخرج عن أن تكون دالة على صدقه من حيث إن المعجزة إنّما تدل من جهة كونها نازلة منزلة التصديق من الله ـ تعالى ـ له بالقول ، وما يكون / موجودا قبل التحدى لا ينزل هذه المنزلة.

وأما ما ذكرتموه من باقى المعجزات : فكلها منقولة على لسان الآحاد ؛ فلا تكون الحجة قائمة بها فى القطعيات (١).

كيف وأنها لو كانت واقعة مع كونها من خوارق العادات ؛ لاشتهرت ، وشاعت وذاعت على لسان أهل التواتر ، على ما جرت به العادة فى نقل كل ما يخالف العادة. فحيث لم يكن كذلك ؛ دل على أنها لم تقع.

__________________

(١) وقد رد الآمدي على هذه الشبهة : بأن كل واحد منها وإن كان أصل خبره آحادا غير أن جملتها تنزلت منزلة التواتر وتكون موجبا لحصول العلم بصدور المعجزات عنه ، وظهورها على يده ، وإن كان نقل كل حالة منها على لسان الآحاد (انظر ل ١٦٤ / أ).

١٠٥

سلمنا ظهور المعجزات على يده : ولكن لا نسلم التحدي (١) ، وما ذكرتموه من الآيات ، فلا نسلم أنه قصد بها التّحدى ؛ فإنّه يحتمل أنه قصد بذلك ما جرت العادة من البلغاء من الخطباء والشعراء ، من تعظيم أقوالهم ، وتفخيمها ، والتعلى ، والترفع بما يقولونه ، وينتحلونه ، ومع قيام هذا الاحتمال ؛ فقد انتفى القطع بالتّحدى.

سلمنا أنّه تحدّى. ولكنّه تحدّى بكل القرآن ، أو بعضه.

إن قلتم إنه تحدى بكل القرآن لقوله ـ تعالى ـ (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (٢) [فلا حاجة فيه ؛ لأنه خصّص التحدى باجتماع الإنس ، والجنّ. واتخاذ بعضهم لبعض ظهيرا] (٣). ويلزم من ذلك أن لا يتحقق وجه التّحدّى والتعجيز ، إلا بتقدير اجتماع الثّقلين ، وتماليهما على محاولة المعارضة ؛ ولم يتحقق ذلك.

وإن قلتم : إنه تحدّى ببعض القرآن ؛ فقد وقع الاتفاق على أنّ الإعجاز لا يقع بما دون الآية منه. وما زاد على ذلك فالآيات فيه مختلفة.

فمنها ما يدل على التّحدّى بعشر سور.

ومنها ما يدل على التّحدّى بسورة واحدة.

فإن قلتم : إن التّحدّى بسورة واحدة : فإمّا أن تكون معيّنة أو غير معيّنة. القول بالتّعيين غير معلوم من القرآن ، ولا من غيره ؛ بل هو ترك لظاهر لفظ السّورة.

كيف وأنه يلزم أن لا يكون باقى القرآن معجزا ولم تقولوا به.

وإن كانت غير معينة ؛ بل التحدي بأىّ سورة كانت منه حتى أنه يدخل فيها سورة الكوثر. فكل عاقل يعلم علما ضروريا أن سورة الكوثر لم تبلغ مبلغا يتيقن فيه عجز بلغاء العرب عن الإتيان بمثلها ، وعلى هذا التفصيل يكون الكلام فى العشر سور (٤).

__________________

(١) وقد رد الآمدي على هذه الشبهة فقال : «شهرة تحديه معلوم بالضرورية فى الآيات المذكورة مع دعوى الرسالة ، ودعاء الناس إلى الإجابة والتصديق له فيما يدعيه حتى أن منهم من سارع إلى تصديقه والدخول فى ملته ... ولا كذلك ما ذكروه من أحوال المدعين ، ومن قصده التعظيم ، والترفع بما أنشأه وأبدعه» (ل ١٦٤ / ب.

(٢) سورة الإسراء : ١٧ / ٨٨.

(٣) ساقط من (أ).

(٤) وقد رد الآمدي على هذه الشبهة ل ١٦٤ / ب.

«نحن ننزل الكلام على كل واحد من القسمين ، فتارة نقول : إن التحدى بكل القرآن لا بمعنى أن بعضه ليس متحدى به كما ذهب إليه المعتزلة ؛ إذ هو من أعم الآيات الدالة على التحدى بعشر سور ، وبسورة واحدة ؛ بل بمعنى أن التحدى وقع تارة بكل القرآن ، وتارة ببعضه ... إلخ».

١٠٦

سلمنا أنّه تحدى بكل القرآن على الإنس خاصّة ، غير أنا لا نسلم بلوغ خبر التّحدى فى زمانه وقد تحديه إلى كل النّاس ، فإنّا نعلم أن من كان فى أطراف الأرض ، لم يسمع به فى زمانه ، فضلا عن تحديه بالقرآن.

وعلى هذا التقدير لا يدلّ ذلك على صدقه بتقدير عجز المستمعين له عن المعارضة ؛ لأنّهم بعض النّاس ، وعجز بعض الناس لا يدلّ على صدقه (١) وإلا كان / كل من تفرّد بصنعه يعجز / / عنها بعض النّاس ، وادّعى مع ذلك النّبوّة ؛ أن يكون صادقا فى دعواه ؛ وهو محال.

سلمنا بلوغ التحدّى إلى كل النّاس. ولكن لا نسلم أن المعارضة لم تقع (٢).

فلئن قلتم : لو وجدت المعارضة ؛ لظهرت ، واشتهرت ؛ لأنّها من الأمور العظيمة.

والعادة تحيل أن لا تنتقل.

قلنا : لا نسلم أنها ما ظهرت.

وبيانه : ما اشتهر ، وشاع ، وذاع مما عارض به مسيلمة (٣) ، والأسود العنسى (٤) وما عارضت به العرب من القصائد السبع ، وما عارض به ابن المقفع (٥) ، والمعرّى (٦) وغيرهم.

__________________

(١) وقد رد الآمدي على هذه الشبهة : «لا شك فى بلوغه إلى فصحاء العرب ، فإذا كان القرآن معجزا بالنسبة إليهم ؛ فلأن يكون معجزا بالنسبة إلى غيرهم أولى».

/ / ل ٨٥ / ب.

(٢) وقد رد الآمدي على هذه الشبهة (ل ١٦٥ / أ) بأن المعارضة وقعت بدليل ما قاله مسيلمة وغيره ... إلخ».

(٣) مسليمة الكذاب ، سبقت ترجمته في هامش ل ١٥٤ / أ.

(٤) الأسود العنس : عيهلة بن كعب بن عوف العنسى المذحجى متنبئ مشعوذ كذاب ـ من أهل اليمن ، أسلم لما أسلم قومه ثم ارتد عن الإسلام فى أيام النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، فكان أول مرتد عن الإسلام ، وادعى النبوة فتبعه خلق كثير ، ثم قتله أحد مسلمى اليمن ، وكان قتله قبل وفاة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بشهر واحد (دائرة المعارف الإسلامية ٢ / ١٩٨ والأعلام للزركلى ٥ / ١١١).

(٥) ابن المقفع : عبد الله بن المقفع ، ولد فى العراق سنة ١٠٦ ه‍ (مجوسيا ـ مزدكيا) وأسلم على يد عيسى بن على ، وولى كتابة الديوان للمنصور العباسى وترجم له الكثير من الكتب من أشهرها (كليلة ودمنة) وهو من أئمة الكتاب ، كما أنشأ رسائل غاية فى الإبداع ، ولكنه اتهم بالزندقة فقتله أمير البصرة سفيان بن معاوية المهلبى سنة ١٤٢ ه‍ (البداية والنهاية ١٠ / ٩٦ ولسان الميزان ٣ / ٣٦٦).

(٦) المعرى : أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخى المعرى (أبو العلاء) ، ولد ومات فى معرة النعمان ـ ولد سنة ٣٦٣ ه‍ وتوفى سنة ٤٤٩ ه‍ أصيب بالعمى فى الرابعة من عمره ـ رحل إلى بغداد سنة ٣٩٨ ه‍ وبقى بها مدة قليلة ، له مؤلفات كثيرة من أشهرها (رسالة الغفران). (وفيات الأعيان لابن خلكان ١ / ٣٣ ، ومعجم الأدباء ١ / ١٨١).

١٠٧

فلئن قلتم إن ذلك لا يقع معارضا للقرآن لركاكته بالنسبة إلى بلاغة القرآن ؛ فهى دعوى معارضة بنقيضها من الخصوم.

سلمنا أن المعارضة ما ظهرت ؛ ولكن لا نسلم أن كل ما كان من الأمور العظيمة لا بدّ وأن يشتهر ، ودليله سائر معجزات النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكذلك كون التسمية آية من القرآن فى أول كل سورة وكذلك التّثنية فى إقامة الصّلاة عندكم من الأمور العظيمة ، ولم تشتهر بحيث نقلت تواترا ؛ بل أبلغ من ذلك أمر النّبوّة. وكم من نبىّ لم يعرف ولم يشتهر (١).

سلمنا أن كل ما كان من الأمور العظيمة لا بد وأن يشتهر ؛ ولكن إذا وجد له مانع ، أو إذا لم يوجد.

الأول : ممنوع ، والثانى : مسلم. وبيان احتمال وجود المانع : أنه من الجائز أن يكون المعارض قد أخفى ما عارض به : إما لمال ارتشى به لا يقدر على تحصيله بغير هذا الطريق. أو لخوفه من اتباع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأصحابه الذين اتبعوه ؛ لطلب الرئاسة ، والملك ، والأغراض الدنيوية ، أو أن أصحابه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ توافقوا على كتم المعارضة ، وسترها ، واعدامها لاستيلائهم على البلاد ، وعموم حكمهم على العباد بحيث استأصلوها. ولم يبق منها شيء ، ولا من ناقليها.

سلمنا أن المعارضة لم توجد. ولكن لا نسلم أن ذلك يدل على عجزهم عنها (٢).

قولكم : لو كانوا قادرين عليها لأتوا بها ؛ إذ هى أبلغ الطرق ، وأسهلها فى افحامه ، ودفع الضرر عنهم.

قلنا : ما المانع أن يكون القادر على المعارضة عدد يسير. وقد اتبعوه ، وأظهروا العجز عن المعارضة محافظة على ما كانوا يبتغونه فى معاضدته من الملك ، والاحتواء على أمور الدنيا.

وعلى هذا فلا ضرر عليهم فى الموافقة حتى يقال بدفعها بالمعارضة.

سلمنا عدم الموافقة له من الكل ؛ ولكن لا نسلم مع ذلك أنّ عدم المعارضة يدل على عجزهم عنها.

__________________

(١) وقد رد الآمدي على هذه الشبهة بأن المعارضة لو وجدت لظهرت ... إلخ. (انظر ل ١٦٥ / ب).

(٢) وقد رد على هذه الشبهة بقوله : «لو لم يعجزوا ؛ لأتوا بالمعارضة ؛ لما سبق».

١٠٨

وبيانه من اثنى عشر وجها :

الأول : أنه من المحتمل أنهم تركوا معارضته ؛ لعدم / اكتراثهم به ، وظنهم أن ذلك أنجع الطرق فى اخماد ما أتى به ، وخمول دعوته.

الثانى : أنه من المحتمل أنهم ظنوا أن دفعه بالقتال ، والحرب أقضى إلى مقصودهم من المعارضة.

الثالث : أنه لا يخفى على ذى أدب ما القرآن عليه من البلاغة والفصاحة ، والنظم الغريب. وأن المقتدر على ذلك بتقدير فرضه ليس إلا الأقلون ، وعند ذلك فمن المحتمل أن تكون محاذرتهم للمعارضة خوفا من استرابة بعض الناس فى التفضيل ، واستقرار إعجاز القرآن فى نفوسهم.

الرابع : هو أن العرب كما أنهم دعوا إلى النظر فى آيات نبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقد دعوا إلى النّظر فى آيات الوحدانية والمعاد وغير ذلك.

ومع ذلك فإنّهم لم ينظروا فيها مع قدرتهم عليها ، فعدم نظرهم فى معجزاته ؛ لا يدل على عجزهم عنها.

الخامس : هو أنّ القرآن مشتمل على النّظم الغريب ، والبلاغة والإخبار عن الغيب ، وغير ذلك من العجائب. ولعلهم لم يعلموا وجه التحدى هل هو بالنّظم ، أو البلاغة ، أو الإخبار بالغيب ، أو بالمجموع ، فلذلك عدلوا عن المعارضة إلى غيرها.

السادس : أنه من المحتمل أنّهم ظنوا لضعفه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وخموله فى ابتداء أمره ، وقلّة المعين له. أنّ أمره لا ينتهى إلى ما انتهى إليه من الاستيلاء على البلاد ، وعموم حكمه ، وتكليفه للعباد. فلذلك لم يعارضوه ؛ لعدم اعتقادهم توجّه المحذور نحوهم. وبعد أن قويت شوكته وعلت كلمته ، امتنعوا من المعارضة خوفا كما جرت عادة الرّعايا مع الملوك.

السابع : أنه من المحتمل أنّهم كانوا يعتقدون أن ما كان لهم من النّظم ، والنّثر أفصح ، وأبلغ من القرآن. وأنّ ذلك مما لا يتشكّك فيه أحد من البلغاء ، فلذلك لم يتعرّضوا للمعارضة.

١٠٩

الثامن : أنّه من المحتمل أنّه وجد لهم مانع من تعاطى / / المعارضة إما من رشوة ، أو خوف فتنة ، وتوقى ما يفضى إلى فساد المعيشة من أهله ، وأصحابه. وانتشار القتال بسبب ذلك بين قبائل العرب كما هو المعتاد منهم. أو لاشتغالهم بمعايشهم ، وما هو أهمّ فى نظرهم من المعارضة.

التاسع : أنّه من الجائز أن يكون النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد يأتى له القرآن فى مدّة مديدة لا يتأتّى لأبلغ بليغ مثل القرآن فى دونها ، وحيث لم يأت بلغاء العرب بالمعارضة ، لم يكن ذلك لعجزهم عن الإتيان بمثله ؛ بل إنّما لعدم بلوغهم مثل تلك المدة أو لعدم اصطبارهم على مكابدة الإتيان بمثل القرآن فى تلك / المدة.

العاشر : هو أنّ القرآن مشتمل على تواريخ المتقدّمين ، وسير الأولين ، والعلم بالله ـ تعالى ، وصفاته ، والعلم بهذه الأمور غير معجوز عنه بالنّسبة إلى المتعاطى له.

ولا يخفى أنّ العرب لم يكونوا من أهل النظر ، وعلوم السير. والمعارضة إنّما تكون بأن يأتوا بكلام مشتمل على كل ما اشتمل عليه القرآن. ولم يكونوا عالمين بكل ما اشتمل عليه القرآن ، وإن كان ذلك مقدورا لهم بتقدير تعاطيه ، فلذلك تركوا المعارضة ؛ لما فيها من عسر الاشتغال بالعلوم النّظرية ، والعقلية. وترك ما هو المهم لهم من معيشتهم. أما أن يكون ذلك معجوزا عنه فلا.

الحادى عشر : أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم يطلب منهم أن يأتوا بمثل القرآن فقط وإلا لما عجزوا عنه ؛ بل إنما كان يطلب منهم أن يأتوا به من عند الله على ما قال ـ تعالى : ـ (قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ) (١).

ولا يخفى أن الإتيان بمثله من عند الله ـ تعالى ـ غير مقدور. ولا يلزم أن يكون نفس القرآن غير مقدور.

الثانى عشر : أنه يحتمل أنهم تركوا المعارضة مع القدرة عليها غفلة ، وذهولا ـ لا لعلة ، ولا يمتنع مثل ذلك فى حق من هو أهل للمعارضة ، فإنهم لا يزيدون على اثنين ، أو ثلاثة. وتطرق ذلك إليهم غير مستبعد عادة.

__________________

/ / أول ل ٨٦ / أ. من النسخة ب.

(١) سورة القصص : ٢٨ / ٤٩.

١١٠

سلمنا عجزهم عن المعارضة للقرآن بمثله ؛ ولكن لا نسلم دلالته على صدقه ؛ لأنا إذا فرضنا شخصا حفظه ، ومضى به إلى بلد لم تبلغهم الدعوة ، ولم يسمعوا بمثله ، ولا بمن ورد على يده. فادّعى النّبوّة ، وتحدّى به عليهم.

فإما أن يوجب بذلك التّصديق ، أو لا يوجبه.

فإن أوجبنا التّصديق فهو معلوم كذبه.

وإن لم نوجب التصديق مع ما ظهر لهم على يده من الخارق أفضى ذلك إلي إفحام الرسول الّذي لم يظهر ذلك إلا على يده لإمكان أن يقال له : من الممكن أنّك حفظته من مكان آخر ، ونقلته إلينا. فإذن لا سبيل إلى القول بأنّ ما ينقل ويحفظ ، أن يكون دليلا وآية على صدق المدعى وإن كان خارقا للعادة ؛ بل المعجز الّذي يستدل به على صدق الرسول يجب أن يكون من قبيل ما لا ينقل : كفلق البحر وقلب العصا حية ، وإحياء الميت ، وإبراء الأكمة ، والأبرص ، إلى غير ذلك مما لا سبيل إلى دعوى إمكان ظهوره على يد غير من ظهر على يده.

سلمنا دلالته على صدقه. ولكنّه معارض بما يدلّ على أنه غير صادق فى دعواه.

وبيانه : أنّ موسى كان نبيّا صادقا بما ظهر على يده من المعجزات : كشقّ البحر ، وقلب العصا حيّة ، وبياض يده إلى غير ذلك من الآيات وقد / نقل عنه نقلا متواترا الخلف عن السلف من اليهود أنّه قال لقومه هذه الشريعة مؤبدة عليكم لازمة لكم ما دامت السماوات والأرض. فقد كذّب كل من ادّعى نسخ شريعته ، وتبديل ملّته. فلو قلنا إن محمدا كان نبيّا صادقا ، وأن شرعه ناسخ لشرع موسى ؛ للزم أن يكون موسى الكليم فيما قاله كاذبا ؛ وهو محال.

وهذه هى شبهة العنانية (١) من اليهود.

وزادت الشمعنية (٢) منهم على ذلك بإنكار النسخ عقلا ، وقالوا : لو كان محمد نبيا لجاز القول بنسخ الشرائع. والنسخ فى نفسه محال. فإنه إذا أمر بشيء فذلك يدل على حسنه وكونه مرادا وأن فيه مصلحة. فلو نهى عنه فالنهى عن الشيء يدل على قبحه ،

__________________

(١) العنانية : انظر عنهم ما مر فى هامش ل ١٤٦ / ب.

(٢) الشمعنية : انظر عنهم ما مر فى هامش ل ١٤٦ / ب.

١١١

وكونه غير مراد ، وأنه لا مصلحة فيه ، ويلزم من ذلك قلب الحسن قبيحا ، والمراد غير مراد ، والمصلحة مفسدة ، ويلزم منه أيضا البداء (١) على الله ـ تعالى ـ وأنه ظهر له ما لم يكن ظاهرا قبله. والندم بعد الأمر ، والطلب ، وكل ذلك ممتنع فى حق الله تعالى.

وأيضا فإنّ النّسخ فى اللغة عبارة عن الرفع والإزالة ومنه يقال نسخت الريح / / آثار القوم : أى أزالتها وذلك مما يمتنع تحقيقه فيما أمر به ، أو نهى عنه ؛ لأنه إما أن يكون الرفع لما وقع ، أو لما لم يقع.

فإن كان الأول : فهو محال.

وإن كان الثانى : فلا يخفى أن رفع ما لم يقع أيضا محال.

سلمنا جواز نسخ الشرائع وأنه رسول ؛ لكن لا نسلم أنه ادعى الرسالة إلى الأمم كافة ؛ بل إلى العرب خاصة وقد نطق كتابكم بذلك حيث قال (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) (٢) وهو دليل اختصاص رسالته بأهل لسانه ، ولغته ، وهذه هى شبهة العيسوية من اليهود (٣).

والجواب :

قولهم : لا نسلم أنّ محمدا كان موجودا ، وأنه ادّعى الرسالة.

قلنا : ذلك معلوم ضرورة بخبر التواتر. ومن أنكر ذلك فقد ظهرت مجاحدته : وسقطت مكالمته : كمنكر وجود مكة ، وبغداد.

وليس يصح فى الأذهان شيء

إذا احتاج النهار الى دليل (٤)

__________________

(١) البداء : ظهور الرأى بعد أن لم بعد أن لم يكن [التعريفات للشريف الجرجانى ص ٥٢].

/ / أول ل ٨٦ / ب.

(٢) سورة إبراهيم : ١٤ / ٤.

(٣) العيسوية : انظر عنهم ما مر فى هامش ١٤٦ / ب.

وللرد على شبهة العيسوية من اليهود نقول : بأنه يمتنع عليهم بعد التسليم بصحة رسالته ، وصدقه ، وقيام المعجزة القاطعة ؛ تكذيبه فيما ورد به التواتر القاطع بعموم رسالته إلى الناس كافة ، وأن العموم يشمل الزمان ، والمكان ، فكما أنه مرسل للعالمين ، فرسالته خاتمة الرسالات الإلهية فلا نبى بعده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

انظر رد الآمدي على العيسوية ل ١٦٨ / أ ، ب).

(٤) هذا البيت للمتنبى ، وهو فى ديوانه بشرح العكبرى ٣ / ٩٢ ونصه :

وليس يصح فى الأفهام شيء

إذا احتاج النهار إلى دليل

١١٢

قولهم : معنى التواتر غير مفهوم ؛ ليس كذلك ؛ إذ هو عبارة عن خبر جماعة مفيد لليقين بمخبره.

قولهم : ذلك يفضى إلى الدّوم. إنّما يصح أن لو وقفنا العلم الحاصل عن التواتر على معرفة التواتر ، وليس كذلك ، وعلى ما ذكرناه فى الحد من القيد ، وهو خبر جماعة ؛ فلا يخفى خروج خبر الواحد إذا احتفت به القرائن ، وأفاد العلم عن أن يكون داخلا فى الحد.

قولهم : لا نسلم لزوم حصول العلم بخبر الواحد.

قلنا : هذا جحد لما هو معلوم ضرورة ، فإن عاقلا لا ينكر حصول العلم بوجود / مكة وبغداد ، مع أنه لم يشاهدهما ، وليس العلم بذلك مستندا إلى مدرك من المدارك المفيدة للعلم عن الخبر ؛ فكان هو التواتر.

قولهم : لو حصل العلم بخبر التواتر : إما أن يحصل بخبر كل واحد أو خبر بعضهم. أو بالمجموع.

قلنا : هذا تشكيك على ما هو معلوم ضرورة فلا يقبل. كيف وأنا نقول المختار من الأقسام المذكورة : إنما هو القسم الثالث ، وهو حصول العلم بالمجموع.

قولهم : إما أن يكون قد حصل للجمع حالة زائدة ، أو لم يحصل.

قلنا : بل حصل ، فإن الهيئة الاجتماعية (١) لا تكون مانعا من الكذب ، فهو مكابرة للضرورة (١) من الآحاد مما لا ينكرها عاقل إلا عن عناد.

قولهم : إذا كان خبر كل واحد على الانفراد يحتمل الكذب فضمّ ما يحتمل الكذب إلى ما يحتمل الكذب لا يكون مانعا من الكذب ؛ فهو مكابرة للضرورة وما يجده كل عاقل من نفسه عند ما إذا أخبره الواحد بخبر من حصول أصل الظن ، وتزايده بالثانى ، والثالث ، والرابع إلى أن ينتهى إلى اليقين الّذي لا مشكّك معه : كما يجده من العلم بوجود مكة ، وبغداد ، فإنه لا مستند له غير الخبر ، ولو قدّرنا انفراد الواحد والاثنين من جملة الجماعة المخبرين لنا بذلك ؛ لما حصل لنا العلم به.

__________________

(١) ساقط من ب.

١١٣

وعلى هذا فنقول : الكذب وإن تطرق احتماله إلى كل واحد من الآحاد بتقرير الانفراد عادة ؛ فهو غير متطرق إليه عادة بتقدير فرض الاجتماع. وإن كان محتملا عقلا ، وليس الحكم على الجملة بما حكم به على الآحاد لازما.

قولهم : الخبر المفيد للعلم : إما جملة الحروف ، أو آحادها.

قلنا : هذا تشكيك على ما هو معلوم بالضرورة ؛ فلا يقبل ، ثم نجيب عنه من ثلاثة أوجه :

الأول : ما المانع أن يكون العلم بالمخبر عنه حاصلا عن العلم بوجود جملة الحروف المتعاقبة ما فقد منها ، وما هو موجود لا عن نفس الحروف المتعاقبة.

وعلى هذا : فلا نسلم أن العلم بجملة الحروف غير موجود ، وإن كان بعض الحروف غير موجود.

الثانى : ما المانع أن يكون العلم حاصلا بالحرف الأخير مشروطا بسبق ما وجد من الحروف الأخر.

قولهم : الشرط لا بد وأن يكون مقارنا للمشروط. لا نسلم ذلك مطلقا. وما المانع من انقسام الشرط الى ما يكون متقدما ، وإلى ما يكون مقارنا ، وذلك لأن الحادث من حيث هو حادث مشروط بسبق عدم نفسه على وجوده ، وعدم الحادث غير مقارن لوجود نفسه.

الثالث : أنه يلزم على ما ذكروه الظّن الحاصل بخبر الواحد وما زاد ، إنه حاصل بالضرورة من غير / نكير ، وكل ما أوردوه على العلم الحاصل بخبر التواتر ؛ فهو لازم فى الظّن الحاصل بخبر الواحد ، وما هو جواب له فى الظّن ؛ فهو جواب له فى العلم.

قولهم : الخبر إنما يفيد بالوضع / / والوضع لا يفيد الصفات الحقيقية ـ عنه أجوبة ثلاثة :

الأول : أنه قدح فى الضروريات ؛ فلا يقبل.

الثانى : ما المانع أن يكون حصول العلم عند خبر التواتر بالعلم بالخبر الوضعى لا من نفس الخبر الوضعى.

__________________

/ / أول ل ٨٧ / أ.

١١٤

الثالث : ما المانع أن يكون المفيد هو نفس الخبر مشروطا بالوضع لا أن الوضع هو المفيد للعلم.

وعلى هذا فلا يكون ما ذكروه متجها.

قولهم : شرط التواتر أن يكون الخبر غير محسوس ، والغلط غير ممتنع فى المحسوسات.

قلنا : عقلا ، أو عادة. الأول : مسلم. والثانى : ممنوع.

ولا يلزم من الاحتمال العقلى امتناع القطع العادى كما سبق تحقيقه مرارا. ونحن فى هذا المقام إنّما ندّعى العلم العادى دون غيره.

كيف وأن ما ذكروه أيضا تشكيك فى العلوم الضرورية ؛ فلا يقبل.

قولهم : إنما يكون مفيدا للعلم أن لو لم يحملوا عليه بالسيف.

قلنا : هذا (١) الاحتمال (١) وإن كان ممكنا عقلا ؛ فهو غير قادح مع وجود ما نعلمه من العلم الضرورى باخبار التواتر.

قولهم : إنّما يكون التّواتر مفيدا للعلم أن لو كان المخبرون لا يحصرهم عدد ، ولا يحويهم بلد ، وليس كذلك. فإن أهل بلد من البلاد لو أخبروا عن واقعة وقعت بهم ، ونائبة حلت فيهم ؛ فإن العلم الضرورى يحصل لنا بذلك. وإن حواهم بلد ، وكان عددهم محصورا.

قولهم : شرط ذلك أن تختلف أنساب المخبرين ، وأوطانهم ، وأديانهم ليس كذلك أيضا ، فإنه إما أن يبلغ عدد المخبرين إلى حد يمتنع معه تواطؤهم علي الكذب عادة ، أو لا يكون كذلك.

فإن كان الأول : فلا أثر لهذه الشروط.

وان كان الثانى : فالعلم غير حاصل بخبرهم. سواء وجدت هذه الشروط ، أو لم توجد.

__________________

(١) ساقط من ب.

١١٥

قولهم : شرط ذلك أن يكونوا صلحاء مؤمنين ؛ ليس كذلك أيضا. فإن أهل قسطنطينية لو أخبروا بموت ملكهم حصل العلم الضرورى بذلك وإن كانوا كفره ؛ بل ولو أخبر بذلك العدد الكثير الّذي يمتنع معه التواطؤ على الكذب عادة ؛ لحصل العلم بذلك ، وإن لم يكونوا معترفين بوجود الإله ـ تعالى ـ وبهذا يبطل قولهم : شرطه أن يكون فيهم الإمام المعصوم.

قولهم : إنما يكون مفيدا للعلم إذا استوى طرفاه ، ووسطه.

قلنا : إذا / ضبطنا الخبر المتواتر بما يحصل منه العلم فمهما حصل العلم بالخبر علمنا ضرورة تحقق التواتر ، وجميع شروطه. وإنما يلزم الإشكال أن لو استدللنا على حصول العلم من التواتر ، بصحة التواتر وبيان شروطه وليس كذلك ؛ بل إنما يستدل على صحة التواتر ، بحصول العلم به ، وعلى هذا فالعلم بوجود رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وادعائه للرسالة ؛ حاصل بالضرورة على ما حققناه من أخبار الجمع الكثير ؛ فكان متواترا ، ولزم القول بوجود جميع شروطه.

وعلى هذا يخرج الجواب أيضا عما أوردوه من أخبار اليهود (١) ، والنصارى (٢) ، والشيعة (٣) حيث أنا لم نستدل [بكثرة العدد] (٤) على حصول العلم منه ؛ بل بالعكس.

قولكم : التواتر إما أن يفيد العلم ضرورة ، أو نظرا.

قلنا : بل ضرورة ومن قال بكونه نظريا ؛ فهو مخصوم بما سبق فى إبطاله.

قولهم : لو كان ضروريا لما خالفناكم فيه :

قلنا : المخالفة إما فى أصل العلم ، أو فى كونه ضروريا. لا سبيل إلى الأول ؛ إذ هو خلاف ما يجده كل عاقل من نفسه من العلم بوجود مكة ، وبغداد.

وإن كان الثانى : وهو تسليم العلم والمنازعة فى كونه ضروريا ؛ فقد سلموا ما هو المقصود ، وهو كون التواتر مفيدا للعلم ؛ إذ المقصود ليس إلا إثبات نفس العلم ، لا أنه بجهة الضرورة.

__________________

(١) اليهود : راجع ما سبق فى الجزء الأول فى هامش ل ١٥٠ / أ.

(٢) النصارى : راجع ما سبق فى الجزء الأول فى هامش ل ١٥٥ / أ.

(٣) الشيعة : راجع عنهم ما سبق فى الجزء الأول فى هامش ل ٥٤ / أ.

(٤) ساقط من (أ).

١١٦

كيف وأن العلم إذا سلم وجوده ؛ فلا يخرج عن أن يكون ضروريا ، أو نظريا.

وقد بطل كون العلم الحاصل بالتواتر نظريا ؛ لما سبق ؛ فتعين أن يكون ضروريا.

قولهم : سلمنا إفادة التواتر للعلم ؛ ولكن لا كل تواتر ؛ بل التواتر المحتفّ بالقرائن.

قلنا : إذا عرف أن ضبط التواتر إنّما هو بما حصل به من العلم ؛ فلا التفات إلى ما قيل. وبه يندفع ما ذكروه من اختلاف قرائح الناس فى الاطلاع على القرائن.

قولهم : التّواتر إنّما يفيد العلم بالنّسبة إلى من سمعه ؛ مسلم. غير أن ما ندعى / / التواتر فيه من وجود رسول الله ، وادعائه للرسالة لا يتقاصر عن التّواتر المفيد لوجود العلم بمكة ، وبغداد. ولو أنكر منكر فى وقتنا هذا ممن نشأ فى خطتنا ، أو فى خطة مجاورة لخطتنا وجود مكة ، وبغداد ، كان منسوبا إلى المكابرة ، والعناد ؛ فكذلك وجود رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وادعائه للرسالة. كيف وأن المنكر لذلك إن كان يهوديا ، أو نصرانيا.

وبالجملة ممن تديّن بشريعة بعض الأنبياء فكل ما وجهه من انكار وجود محمد ، وادعائه الرسالة ، وإنكار التواتر بذلك ؛ فهو لازم عليه فى إثبات وجود نبيه ، / وادعائه للرسالة. والجواب إذ ذاك يكون متحدا.

قولهم : لا نسلم ظهور المعجزات على يده.

قلنا : دليله ظهور القرآن على يده ، والقرآن معجزة.

قولهم : لا نسلم أنه ظهر على يده.

قلنا : ذلك معلوم بالتواتر : كالعلم بوجوده ، وادعائه للرسالة.

قولهم : لا نسلم وجود التواتر فى آحاد آياته.

قلنا : دليلة أنه ما من آية من آحاد آياته ، إلا وهى منقولة إلينا على لسان جماعة يفيدنا خبرهم العلم القطعى بصحة نقلهم عمن نقلوها عنه حتى أنه لو أراد مريد تغيير آية

__________________

/ / أول ل ٨٧ / ب من النسخة ب.

١١٧

أو كلمة منه بزيادة ، أو نقصان فى عصرنا هذا لم يجد إليه سبيلا. وكان ذلك مردودا عليه من جماعة لا يتصور عليهم التواطؤ على الكذب ؛ فكان نقلها عمن نقلت عنه إلينا متواترا.

ونعلم أيضا علما ضروريا أن حكم الناقلين إلينا فى ذلك بالنسبة إلى الناقلين إليهم كحكمنا بالنسبة إليهم. وكذلك فى كل عصر إلى أن ينتهى ذلك إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

كيف وأن القرآن لا يتقاصر فى العلم بنقل آحاد آياته عن آحاد أبيات ديوان بعض الشعراء المشهورين : كامرئ القيس (١) وغيره. وما من واحد منها إلا وهو معلوم من نقله عن شاعره حتى أنا نعلم أنّه لو منع مانع من نسبة آحاد أبياته إلى ذلك الشاعر ولو فى أىّ عصر كان من عصرنا ، أو فيما تقدّم عليه ، لردّ عليه جمع لا يتصور عليهم التواطؤ على الكذب.

ولا يخفى أنّ محافظة المسلمين على نقل القرآن ، وحفظه عن التبديل ، والتغيير فى كل عصر أشدّ من محافظة النقلة عن ديوان امرئ القيس ، وغيره ؛ فكانت آحاد آيات القرآن أولى أن تكون متواترة.

قولهم : إنّ الحفّاظ للقرآن فى زمن النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لم يبلغوا عدد التواتر ؛ مسلّم. ولكن ليس فى ذلك ما يدل على أن آحاد الآيات غير متواترة ؛ لجواز أن يكون الحفظة لكل آية السامعون لها وإن لم يكونوا حافظين لغيرها ، قد بلغوا عدد التواتر.

قولهم : إنّ عثمان (٢) عند جمع القرآن كان يتلقى آحاد الآيات من آحاد الناس وما كان يتوقف فيها على عدد التواتر (٣).

قلنا : ما كان يتوقف فى كل آية على عدد التواتر فى أصل نقلها عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أو فى أصل وضعها ، وترتيبها ، وطولها ، وقصرها وتقديمها ، وتأخيرها.

__________________

(١) امرؤ القيس : هو امرئ القيس بن حجر الكندى من أصحاب المعلقات من بنى آكل المرار ، أشهر شعراء العرب ، يمانى الأصل ولد بنجد سنة ١٣٠ قبل الهجرة سنة ٤٩٧ م وكان أبوه ملك أسد وغطفان ، وقتل أبوه فانصرف عن لهوه ، وثأر من قتله أبيه ، وهو من أصحاب المعلقات المشهورين وله ديوان شعر كما كتبت عنه كتب كثيرة ، مات فى أنقره سنة ٥٤٥ م سنة ٨٠ ق الهجرة (الأغانى ٩ / ٧٧ والأعلام للزركلى ٢ / ١٢).

(٢) عثمان بن عفان رضي الله عنه : راجع ما سبق فى هامش ل ١٥٣ / أ.

(٣) التواتر : هو الخبر الثابت على ألسنة قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب (التعريفات للجرجانى ص ٧٦).

١١٨

الأول : ممنوع ، فإنه ما من آية من القرآن إلا وكان نقلها عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ متواترا.

والثانى : مسلّم ولا يمتنع أن يكون أصل الآية متواترا ، وترتيبها فى القرآن وتقديمها ، / وتأخيرها ؛ ثابتا بالظن.

قولهم : إنّ مصاحف الصّحابة مختلفة وكلّ واحد أنكر مصحف الآخر.

قلنا : المصاحف المشهورة فى زمن الصحابة [كلها كانت متواترة عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على اختلاف حروفها وكلها] (١) كانت مقروءة على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ومعروضة عليه ، وحيث اتّفقت الصحابة على مصحف عثمان دون غيره ، لم يكن لأنّ ما عداه ليس قرآنا متواترا عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بل لأنه آخر ما عرض على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وكان يصلى به إلى أن قبض. واتّفاقهم على إعدام ما سواه وحرقه : إنّما كان لخوفهم من وقوع الاختلافات فى روايات القرآن ، وخروج القرآن بسبب ذلك فيما بعدهم عن التّواتر فى كل حرف منه.

قولهم : إنّ الاختلاف فى التّسمية ، يدل على أنها ليست متواترة.

قلنا : لم يقع الاختلاف فى كونها من القرآن ، وإنّما وقع الخلاف فى وضعها آية فى أول كل سورة ، ولا يمتنع أن تكون متواترة ، ووضعها مجتهدا فيه.

قولهم : إنّ ابن مسعود (٢) أنكر أن تكون الفاتحة / / والمعوذتان من القرآن من غير تبديع ، ولا تكفير.

قلنا : أنكر كون الفاتحة ، والمعوذتين أن تكون منزلة على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أو أن حكمها ليس حكم القرآن.

الأول : ممنوع. والثانى مسلّم ، ولا يلزم من ذلك خروجها عن كونها متواترة وأنها داخلة فى المعجزة وإن لم يكن حكمها حكم القرآن.

__________________

(١) ساقط من (أ).

(٢) ابن مسعود رضي الله عنه. راجع عنه ما سبق فى هامش ل ١٥٣ / أ.

/ / أول ل ٨٨ / أ.

١١٩

[قولهم (١) : القرآن] لا يدل على صدق الرسول لجواز أن يكون قد نقله عن غيره بعد تحفظه ، ولم يظهر إلا عنه.

قلنا : هذا ممتنع لأن القرآن من أوله إلى آخره مشتمل على ذكر وقائع وأحوال جرت له ، ولصحابته معه ، ووقعت على وفق ما أخبر به : إما قبل خبره ، أو بعده ، وذلك كما روى أن بعض الصّحابة قال فى يوم حنين : لن نغلب اليوم عن قلة ، وأن الناس توقفوا عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى ذلك اليوم ، وبقى معه نفر يسير فانزل قوله تعالى : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ٢٥ ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٢) على وفق الواقع.

ومن ذلك ما روى أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أسرّ إلى بعض زوجاته حديثا فأظهرت عليه صاحبة لها فنزل قوله تعالى : ـ (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً) (٣) الآية.

ومن ذلك ما نزل من القرآن فى قصة براءة عائشة (٤) ، وقصة زوجة زيد (٥) وذم أبى لهب (٦) ، وقصته عليه ـ الصلاة والسلام ـ مع أبى بكر فى الغار (٧) ، والآيات الواردة فى يوم بدر (٨) ، وأحد (٩) إلى غير ذلك من / الوقائع الكثيرة.

__________________

(١) ساقط من (أ).

(٢) سورة التوبة : ٩ / ٢٥ ، ٢٦.

(٣) سورة التحريم : ٦٦ / ٣.

(٤) المقصود به ما نزل فى سورة النور من أول قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) من الآية رقم ١١ من سورة النور إلى الآية رقم ٢٣ (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ).

(٥) المقصود به ما نزل فى قصة زيد بن حارثة رضي الله عنه وزواجه من السيدة زينب بنت جحش ـ رضى الله عنها ـ ، وطلاقها منه ، وتزوجها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أول قوله تعالى : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) من الآية رقم ٣٧ من سورة الأحزاب إلى الآية رقم ٤٠ (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً).

(٦) المقصود به ما نزل فى سورة المسد (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) ... إلخ السورة.

(٧) المقصود به قوله تعالى فى سورة التوبة الآية رقم ٤٠ : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا ...) إلخ الآية.

(٨) منها قوله تعالى فى سورة الأنفال من الآية رقم ٥ (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ* يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ...) ... إلخ.

(٩) منها قوله تعالى فى سورة آل عمران من الآية ١٣٩ (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).

١٢٠