إعراب القرآن - ج ١

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

إعراب القرآن - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


المحقق: عبدالمنعم خليل إبراهيم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 2-7451-3023-4
الصفحات: ٢٩٣

يعود على الذين. (عَهْدَ اللهِ) مفعول به. (مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) خفضت بعدا بمن وميثاقه بعد إليه وهو بمعنى : إيثاقه. قال ابن كيسان : هو اسم يؤدي عن المصدر كما قال القطاميّ: [الوافر]

١٢ ـ أكفرا بعد ردّ الموت عنّي

وبعد عطائك المائة الرّتاعا (١)

(وَيَقْطَعُونَ) عطف على ينقضون. (ما أَمَرَ اللهُ بِهِ) «ما» في موضع نصب بيقطعون. والمصدر قطيعة وقطعت الحبل قطعا وقطعت النهر قطوعا وقطعت الطّير قطاعا وقطاعا. إذا خرجت من بلد إلى بلد ، وأصاب الناس قطعة إذا قلّت مياههم ورجل به قطع أي انبهار. (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) عطف على يقطعون. (أُولئِكَ) مبتدأ. (هُمُ) ابتداء ثان. (الْخاسِرُونَ) خبر الثاني والثاني وخبره خبر الأول ، إن شئت كانت هم زائدة والخاسرون الخبر.

(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢٨)

(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) ... (كَيْفَ) اسم في موضع نصب وهي مبنية على الفتح ، وكان سبيلها أن تكون ساكنة لأن فيها موضع الاستفهام فأشبهت الحروف واختير لها الفتح من أجل الياء. (تَكْفُرُونَ) فعل مستقبل (بِاللهِ) خفض بالباء. (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) التقدير وقد كنتم أمواتا ثم حذفت قد. (أَمْواتاً) خبر كنتم (فَأَحْياكُمْ) الكاف والميم في موضع نصب بالفعل وكذا. (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فعل مستقبل.

(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٢٩)

(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ) ابتداء وخبر. (ما) في موضع نصب. (جَمِيعاً) عند سيبويه (٢) نصب على الحال. (ثُمَّ اسْتَوى) أهل الحجاز يفخّمون وأهل نجد يميلون ليدلّوا على أنه من ذوات الياء. (إِلَى السَّماءِ) خفض بإلى. (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) قال محمد بن الوليد : سبع منصوب على أنه بدل من الهاء والنون أي فسوّى سبع سموات ، قال أبو جعفر : يجوز عندي أن يكون فسوّى منهن كما قال جلّ وعزّ : (وَاخْتارَ مُوسى

__________________

(١) الشاهد للقطامي في ديوانه ٣٧ ، وتذكرة النحاة ٤٥٦ ، وخزانة الأدب ٨ / ١٣٦ ، وشرح التصريح ٢ / ٦٤ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٤٩ ، وشرح عمدة الحافظ ٦٩٥ ، ومعاهد التنصيص ١ / ١٧٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٥٠٥ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٤١١ ، وأوضح المسالك ٣ / ٢١١ ، والدرر ٥ / ٢٦٢ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٣٦ ، وشرح شذور الذهب ٥٢٨ وشرح ابن عقيل ٤١٤.

(٢) انظر الكتاب : ١ / ٤٤٥ ، والبحر المحيط ١ / ٢٨٢.

٤١

قَوْمَهُ) [الأعراف : ١٥٥] أي من قومه. (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) مبتدأ وخبر.

(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (٣٠)

(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) قال أبو عبيدة (١) : (إِذْ) اسم ، وهو ظرف زمان ليس مما يزاد. قال أبو إسحاق (٢) ذكر الله عزوجل خلق الناس وغيرهم فالتقدير : ابتدأ خلقهم «إذ قال ربّك». (لِلْمَلائِكَةِ) خفض باللّام والهاء لتأنيث الجماعة. (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ) الياء في موضع نصب جاعل خبر إنّ. والأصل إنني حذفت النون لاجتماع نونين (فِي الْأَرْضِ) خفض بفي. (خَلِيفَةً) نصب بجاعل ، ولا يجوز حذف التنوين للفصل ولو وليه المفعول لجاز حذف التنوين. «خليفة» يكون بمعنى فاعل أي يخلف من كان قبله من الملائكة في الأرض أو من كان قبله من غير الملائكة كما روي ويجوز أن يكون «خليفة» بمعنى مفعول أي يخلف كما يقال ذبيحة بمعنى مفعولة. (قالُوا أَتَجْعَلُ) فقل مستقبل. (فِيها مَنْ يُفْسِدُ) في موضع نصب بتجعل والمفعول الثاني يقوم مقامه «فيها» «يفسد» على اللفظ ، ويجوز في غير القرآن يفسدون على المعنى. (وَيَسْفِكُ) (٣) عطف عليه ، وروي عن الأعرج (وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) (٤) بالنصب يجعله جواب الاستفهام بالواو. وواحد الدماء دم ولا يكون اسم على حرفين إلا وقد حذف منه والمحذوف منه ياء وقد نطق به على الأصل قال الشاعر : [الوافر]

١٣ ـ فلو أنّا على حجر ذبحنا

جرى الدّميان بالخبر اليقين (٥)

(وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) لا يجوز إدغام النون في النون لئلّا يلتقي ساكنان. (قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) من حرّك الياء فقال «إنّي اعلم ما» كره أن يكون اسم على حرف واحد ساكنا ، ومن أسكنها قال : قد اتّصلت بما قبلها (أعلم) فعل مستقبل ، ويجوز أن يكون

__________________

(١) انظر مجاز القرآن ١ / ٣٦ ، والبحر المحيط ١ / ٢٨٤.

(٢) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج ٣٠.

(٣) هذه قراءة الجمهور ، انظر البحر المحيط ١ / ٢٩٠.

(٤) هذه قراءة ابن هرمز ، انظر البحر المحيط ١ / ٢٩٠.

(٥) الشاهد للمثقّب العبدي في ملحق ديوانه ص ٢٨٣ ، والأزهية ١٤١ ، والمقاصد النحوية ١ / ١٩٢ ، ولعلي بن بدال في أمالي الزجاجي ص ٢٠ وخزانة الأدب ١ / ٢٦٧ ، وشرح شواهد الشافية ص ١١٢ ، وللمثقب أو لعلي بن بدال في خزانة الأدب ٧ / ٤٨٢ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٣٥٧ ، وجمهرة اللغة ص ٢٨٦ ، ورصف المباني ص ٢٤٢ ، وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٣٩٥ ، وشرح الأشموني ٣ / ٦٦٩ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٦٤ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٨١ ، وشرح المفصل ٤ / ١٥١ ، والمقتضب ١ / ٢٣١ ، والمقرّب ٢ / ٤٤.

٤٢

اسما بمعنى فاعل كما يقال : الله أكبر بمعنى كبير ، وكما قال : [الطويل]

١٤ ـ لعمرك ما أدري وإنّي لأوجل

على أيّنا تغدو المنيّة أوّل (١)

ويجوز إدغام الميم في الميم ، و «ما» في موضع نصب بأعلم إذا جعلته فعلا وإن جعلته اسما جاز أن يكون «ما» في موضع خفض بالإضافة وفي موضع نصب وتحذف التنوين لأنه لا ينصرف.

(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣١)

(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها آدَمَ) و (الْأَسْماءَ) مفعولان لعلّم. وآدم لا ينصرف في المعرفة بإجماع النحويين لأنه على أفعل وهو معرفة ، ولا يمتنع شيء من الصرف عند البصريين إلّا بعلّتين فإن نكّرت آدم وليس بنعت لم يصرفه الخليل وسيبويه (٢) وصرفه الأخفش سعيد لأنه إنّما منعه من الصرف لأنه كان نعتا وهو على وزن الفعل فإذا لم يكن نعتا صرفه. قال أبو إسحاق (٣) : القول قول سيبويه لا يفرق بين النعت وغيره لأنه هو ذاك بعينه ، وجمع آدم إذا كان صفة أدم فإن لم يكن نعتا فجمعه آدمون وأوادم وهكذا الباب كله. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا «عرضهم» في الكتاب الذي قبل هذا. (فَقالَ أَنْبِئُونِي) ألف قطع لأنها من أنبأ ينبئ فإن خفّفت الهمزة قلت أنبئوني بين بين فإن جعلتها مبدلة قلت أنبوني مثل أعطوني. (بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) «بأسماء» : مخفوض بالباء و «هؤلاء» في موضع مخفوض بالإضافة إلّا أنه مبني على الكسر لالتقاء الساكنين وهو مبني مثل هذا وفيه وجوه إذا مددته وإن شئت خفّفت الهمزة الثانية وحققت الأولى. وهو أجود الوجوه عند الخليل وسيبويه. وهي قراءة نافع فقلت (هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ولا يجوز غير هذا في قول من خفّف الثانية ، والدليل على هذا أنّهم أجمعوا على القراءة في قوله جلّ وعزّ (مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) [النساء : ٢٢] على وجه واحد عن نافع ولا فرق بينهما ، وإن شئت خفّفت الأولى وحقّقت الثانية فقلت : (هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ) ، وإن شئت حقّقتهما جميعا فقلت «هؤلاء ان» ، وإن شئت خفّفتهما ، وإن شئت

__________________

(١) الشاهد لمعن بن أوس في ديوانه ص ٣٩ ، وخزانة الأدب ٨ / ٢٤٤ ، وشرح التصريح ٢ / ٥١ ، ولسان العرب (كبر) و (وجل) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٩٣ ، وتاج العروس (وجل) ، بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٨ / ١٤٠ ، وأوضح المسالك : ١٦١ ، وجمهرة اللغة ص ٤٩٣ ، وخزانة الأدب ٦ / ٥٠٥ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٢ ، وشرح شذور الذهب ١٣٣ ، وشرح قطر الندى ص ٢٣ ، وشرح المفصل ٤ / ٨٧ ، والمقتضب ٣ / ٢٤٦ ، والمنصف ٣ / ١٣٥.

(٢) انظر الكتاب ٣ / ٢١٧ ، والبحر المحيط ١ / ٢٩٥.

(٣) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج ٧٧.

٤٣

خفّفت (١) الأولى فقلت «هؤلاء إن كنتم صادقين» وهو مذهب أبي عمرو بن العلاء في الهمزتين إذا اتفقتا. وتميم وبعض أسد وقيس يقصرون «هؤلا» فعلى لغتهم «هاؤلا إن كنتم» وقال الأعشى : [الخفيف]

١٥ ـ هؤلا ثمّ هؤلا كلّا أعطيت

نعالا محذوّة بمثال (٢)

ومن العرب من يقول : «هؤلا» فيحذف الألف والهمزة ، (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) : «كنتم» في موضع جزم بالشرط وما قبله في موضع جوابه عند سيبويه (٣) ، وعند أبي العباس الجواب محذوف ، والمعنى إن كنتم صادقين فأنبئوني. قال أبو عبيد : وزعم بعض المفسرين أنّ «إن» بمعنى «إذ» ، وهذا خطأ إنما هي «أن» المفتوحة التي تكون بمعنى «إذ» فأمّا هذه فهي بمعنى الشرط.

(قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (٣٢)

(قالُوا سُبْحانَكَ) منصوب على المصدر عند الخليل. وسيبويه (٤) ، يؤدي عن معنى نسبّحك سبحانك تسبيحا ، وقال الكسائي : هو منصوب لأنه لم يوصف قال : ويكون منصوبا على أنه نداء مضاف. (لا عِلْمَ لَنا) مثل «لا ريب فيه» ويجوز (لا عِلْمَ لَنا) يجعل «لا» بمعنى ليس المعنى ليس. (إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) «ما» في موضع رفع كما تقول «لا إلاه إلّا الله» وخبر التبرية كخبر الابتداء ، ويجوز النصب إذا تمّ الكلام على أصل الاستثناء. (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) «أنت» في موضع نصب توكيدا للكاف. وإن شئت كانت رفعا بالابتداء ، والعليم : خبره ، والجملة خبر إنّ ، وإن شئت كانت فاصلة لا موضع لها ، والكوفيون يقولون عماد الألف واللام في موضع رفع. (الْحَكِيمُ) من نعت العليم.

(قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (٣٣)

(قالَ يا آدَمُ) نداء مفرد. (أَنْبِئْهُمْ) (٥) : حذفت الضمة من الهمزة لأنه أمر وإن خفّفت الهمزة قلت : أنبيهم كما قلت : ذيب وبير وإن أبدلت منها قلت : أنبهم كما قال زهير : [الطويل]

__________________

(١) انظر تيسير القراءات للداني ص ٦٢.

(٢) البيت للأعشى في ديوانه ص ٦١ ، وشرح المفصّل ٣ / ١٣٧ ، والمقتضب ٤ / ٢٧٨.

(٣) انظر الكتاب ٣ / ٧٨ ، والبحر المحيط ١ / ٢٩٦.

(٤) انظر الكتاب ١ / ٤١٣.

(٥) انظر البحر المحيط ١ / ٢٩٨.

٤٤

١٦ ـ جريء متى يظلم يعاقب بظلمه

سريعا وإن لا يبد بالظّلم يظلم (١)

(بِأَسْمائِهِمْ) خفض بالباء. (فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ) وإن خففت جعلتها بين الهمزة والألف ، وإن أبدلت قلت «أنباهم» بألف خالصة. (قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ) الأصل : أقول ألقيت حركة الواو على القاف فانضمّت القاف وحذفت الواو لسكونها وسكون اللام وأسكنت اللام للجزم. (إِنِّي) كسرت الألف لأن ما بعد القول مبتدأ ، وزعم سيبويه (٢) أن من العرب من يجري القول مجرى الظن وهي حكاية أبي الخطاب فعلى هذا «أني أعلم». قال الكسائي : رأيت العرب إذا لقيت الياء همزة ، استحبوا الفتح فيقولون : «إنّي أعلم» ويجوز اعلم لأنه من علم. (غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) نصب بأعلم وكذا (ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) عطف عليه.

(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٣٤)

(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ) خفض باللّام الزائدة. (اسْجُدُوا) أمر فلذلك حذفت منه النون وضممت الهمزة إذا ابتدأتها لأنه من يسجد. وروي عن أبي جعفر أنه قرأ للملائكة اسجدوا (٣) وهذا لحن لا يجوز ، وأحسن ما قيل فيه ما روي عن محمد بن يزيد قال : أحسب أنّ أبا جعفر كان يخفض ثمّ يشمّ الضّمّة ليدلّ على أنّ الابتداء بالضم كما يقرأ (وَغِيضَ الْماءُ) [هود : ٤٤] فيشير إلى الضّمة ليدلّ على أنه لما لم يسمّ فاعله (لِآدَمَ) في موضع خفض باللام إلّا أنه لا ينصرف ، (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) نصب على الاستثناء لا يجوز غيره عند البصريين لأنه موجب ، وأجاز الكوفيون (٤) الرفع. و «إبليس» اسم أعجمي فلذلك لم ينوّن ، وزعم أبو عبيدة (٥) أنّه عربي مشتقّ من أبلس إلّا أنه لم ينصرف لأنه لا نظير له. (أَبى وَاسْتَكْبَرَ) أبى يأبى إباء ، وهذا حرف نادر جاء على فعل يفعل ليس فيه حرف من حروف الحلق. قال أبو إسحاق : سمعت إسماعيل بن إسحاق (٦) يقول : القول فيه عندي أن الألف مضارعة لحروف الحلق. قال أبو جعفر :

__________________

(١) الشاهد في ديوانه ص ٢٤ ، وخزانة الأدب ٣ / ١٧ ، و ٧ / ١٣ ، والدرر ١ / ١٦٥ ، وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٧٣٩ ، وشرح شواهد الشافية ص ١٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٨٥ ، والممتع في التصريف ١ / ٣٨١ ، وبلا نسبة في شرح شافية ابن الحاجب ١ / ٢٦ ، والمقرب ١ / ٥٠ ، وهمع الهوامع ١ / ٥٢.

(٢) انظر الكتاب ١ / ١٧٨.

(٣) انظر مختصر ابن خالويه ٣ ، والمحتسب ١ / ٧١.

(٤) انظر الإنصاف مسألة ٣٥ ، والبحر المحيط ١ / ٣٠٣.

(٥) انظر اللسان (بلس) ، وتفسير الطبري ١ / ٢٢٧.

(٦) إسماعيل بن إسحاق القاضي البصري الفقيه المالكي ، صاحب قالون ، صنّف في القراءات والحديث ، وكان عالما في العربية (ت ٢٨٢ ه‍). انظر : النشر لابن الجزري ١ / ٣٤ ، وشذرات الذهب لابن العماد ٢ / ١٧٧.

٤٥

ولا أعلم أنّ أبا إسحاق روى عن إسماعيل نحوا غير هذا الحرف. (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) خفض بمن وفتحت النون لالتقاء الساكنين.

(وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (٣٥)

(وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) «أنت» : توكيد المضمر ، ويجوز في غير القرآن على بعد : قم وزيد. (وَكُلا مِنْها) حذفت النون لأنه أمر وحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال فحذفها شاذ. قال سيبويه (١) : ومن العرب من يقول : أوكل فيتمّ. (رَغَداً) نعت لمصدر محذوف أي أكلا رغدا. قال ابن كيسان : ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال. (حَيْثُ شِئْتُما) «حيث» مبنية على الضم لأنها خالفت أخواتها من الظروف في أنها لا تضاف فأشبهت قبل وبعد إذا أفردتا فضمّت. وحكى سيبويه (٢) : أنّ من العرب من يفتحها على كل حال. قال الكسائي (٣) : الضّمّ لغة قيس وكنانة والفتح لغة بني تميم. قال الكسائي : وبنو أسد يخفضونها في موضع الخفض وينصبونها في موضع النصب. قال (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) [الأعراف : ١٨٢] ويضمّ ويفتح ويقال : حوث. (وَلا تَقْرَبا) نهي فلذلك حذفت النون. (هذِهِ الشَّجَرَةَ) في موضع نصب بتقربا والهاء في هذه بدل من ياء ، الأصل هذي ، ولا أعلم في العربية هاء تأنيث مكسورا ما قبلها إلّا هاء هذه ، ومن العرب من يقول : هاتا هند ومنهم من يقول : هاتي هند. وحكى سيبويه ، هذه هند بإسكان الهاء. (الشَّجَرَةَ) نعت لهذه. (فَتَكُونا) جواب النهي منصوب على إضمار «أن» عند الخليل وسيبويه (٤) ، وزعم الجرميّ : أنّ الفاء هي الناصبة ، ويجوز أن يكون «فتكونا» جزما عطفا على تقربا.

(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) (٣٦)

(فَأَزَلَّهُمَا) من أزللته فزلّ ، وفأزالها من أزلته فزال. (الشَّيْطانُ) رفع بفعله. (وَقُلْنَا اهْبِطُوا) حذفت الألف من اهبطوا لأنها ألف وصل وحذفت الألف من قلنا في اللفظ لسكونها وسكون الهاء بعدها. (بَعْضُكُمْ) مبتدأ. (عَدُوٌّ) خبره والجملة في موضع نصب على الحال ، والتقدير وهذه حالكم وحذفت الواو لأن في الكلام عائدا كما يقال :

__________________

(١) انظر الكتاب ٤ / ٣٤١.

(٢) انظر الكتاب ١ / ٤٢.

(٣) انظر البحر المحيط ١ / ٣٠٦.

(٤) انظر الكتاب ٣ / ٢٧ ، ومعاني الفراء ١ / ٢٦ ، والبحر المحيط ١ / ٣١٠.

٤٦

رأيتك السّماء تمطر عليك ، ويقال : كيف قال «عدوّ» ولم يقل : أعداء؟ ففي هذا جوابان : أحدهما أنّ بعضا وكلّا يخبر عنهما بالواحد وذلك في القرآن قال الله جلّ وعزّ : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ) [مريم : ٩٥] وقال : (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) [النمل : ٨٧] والجواب الآخر أنّ عدوّا يفرد في موضع الجمع. قال الله جلّ وعزّ : (وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ) [الكهف : ٥٠] بمعنى أعداء (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) مرفوع بالابتداء.

(وَمَتاعٌ) عطف عليه.

(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (٣٧)

(فَتَلَقَّى آدَمُ) رفع بفعله. (كَلِماتٍ) نصب بالفعل ، وقرأ الأعمش : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ) مدغما. (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) «هو» : رفع بالابتداء و «التواب» خبره والجملة خبر إنّ ، ويجوز أن يكون هو توكيدا للهاء ، ويجوز أن يكون فاصلة ، وحكى أبو حاتم : أنّ أبا عمرو وعيسى وطلحة قرءوا (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ) مدغما وإنّ ذلك لا يجوز لأن بين الهاءين واوا في اللفظ لا في الخط. قال أبو جعفر : أجاز سيبويه أن تحذف هذه الواو وأنشد : [الوافر]

١٧ ـ له زجل كأنّه صوت حاد

إذا طلب الوسيقة أو زمير (١)

فعلى هذا يجوز الإدغام.

(قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٣٨)

(قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً) نصب على الحال ، وزعم الفراء (٢) أنه يقال : إنّما خوطب بهذا آدم صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإبليس بعينه ويعني ذرّيته فكأنه خاطبهم كما قال : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت : ١١] أي أتينا بما فينا ، وقال غير الفراء : يكون مخاطبة لآدم عليه‌السلام وحواء والحية ، ويجوز أن يكون لآدم وحواء لأن الاثنين جماعة ، ويجوز أن يكون إبليس ضمّ إليهما في المخاطبة. (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ) «ما» زائدة ، والكوفيون يقولون صلة ، والبصريون يقولون : فيها معنى التوكيد (يَأْتِيَنَّكُمْ) في موضع جزم بالشرط والنون مؤكدة وإذا دخلت «ما» شبهت بلام القسم فحسن المجيء بالنون وجواب الشرط الفاء

__________________

(١) الشاهد للشمّاخ في ديوانه ص ١٥٥ ، والخصائص ١ / ٣٧١ ، والدرر ١ / ١٨١ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٣٧ والكتاب ١ / ٥٩ ، ولسان العرب (ها) ، وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٥٦١ ، والأشباه والنظائر ٢ / ٣٧٩ ، وخزانة الأدب ٢ / ٣٨٨ ، ٥ / ٢٧٠ ، ٢٧١ ، ولسان العرب (زجل) ، والمقتضب ١ / ٢٦٧ ، وهمع الهوامع ١ / ٥٩.

(٢) انظر معاني الفراء ١ / ٣١.

٤٧

في قوله : (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ) و «من» في موضع رفع و «تبع» في موضع جزم بالشرط (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) جوابه ، وقال الكسائي في «فلا خوف عليهم» جواب الشرطين جميعا ، وقرأ عاصم الجحدري وعيسى وابن أبي إسحاق فمن تبع هديّ (١) قال أبو زيد : هذه لغة هذيل يقولون : هديّ وعصيّ وأنشد النحويون : [الكامل]

١٨ ـ سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم

فتخرّموا ولكلّ جنب مصرع (٢)

قال أبو جعفر : العلّة في هذا عند الخليل وسيبويه (٣) وهذا معنى قولهما ـ أنّ سبيل ياء الإضافة أن يكسر ما قبلها فلما لم يجز أن تتحرك الألف جعل قبلها ياء عوضا من التغيير. وقرأ الحسن وعيسى وابن أبي إسحاق (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) والاختيار عند النحويين الرفع والتنوين لأن الثاني معرفة لا يكون فيه إلّا الرفع فاختاروا في الأول الرفع أيضا ليكون الكلام من وجه واحد.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٣٩)

(وَالَّذِينَ) رفع بالابتداء. (كَفَرُوا) من صلته. (وَكَذَّبُوا) عطف على كفروا. (بِآياتِنا) خفض بالباء. (أُولئِكَ) مبتدأ. (أَصْحابُ النَّارِ) خبره والجملة خبر الذين. (وَهُمْ فِيها خالِدُونَ) ابتداء وخبر في موضع نصب على الحال.

(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (٤٠)

(يا بَنِي) نداء مضاف علامة النصب فيه الياء وحذفت منه النون للإضافة ، الواحد ابن والأصل فيه بني وقيل فيه بنو ولو لم يحذف منه لقيل بنا كما يقال : عصا فمن قال : المحذوف منه واو احتجّ بقولهم : البنوّة وهذا لا حجّة فيه لأنهم قد قالوا الفتوّة. قال أبو جعفر : سمعت أبا إسحاق يقول : المحذوف منه عندي ياء كأنه من بنيت. (إِسْرائِيلَ) (٤) في موضع خفض إلّا أنه لا ينصرف لعجومته ويقال : إسرائل بغير ياء وبهمزة مكسورة ويقال اسراأل بهمزة مفتوحة ، وتميم يقولون : اسرائين بالنون. (اذْكُرُوا) حذف النون منه لأنه أمر وحذفت الألف لأنها ألف وصل وضممتها في

__________________

(١) انظر مختصر ابن خالويه ٥ ، والبحر المحيط ١ / ٣٢٢.

(٢) الشاهد لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين ١ / ٧ ، وإنباه الرواة ١ / ٥٢ ، والدرر ٥ / ٥١ ، وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٧٠٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٦٢ ، وشرح قطر الندى ص ١٩١ ، وشرح المفصّل ٣ / ٣٣ ، وكتاب اللامات ص ٩٨ ، ولسان العرب (هوا) ، والمحتسب ١ / ٧٦ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٩٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ٥٣ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١٩٩ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٣١ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٠٨ ، والمقرب ١ / ٢١٧ وكتاب العين ١ / ٢٩٩.

(٣) انظر الكتاب ٣ / ٤٥٨.

(٤) انظر البحر المحيط ١ / ٣١٥.

٤٨

الابتداء لأنه من يذكر (نِعْمَتِيَ الَّتِي) بتحريك الياء أكثر في كلام العرب إذا لقيها ألف ولام فإن أسكنتها حذفتها لالتقاء الساكنين .. «التي» في موضع نصب نعت لنعمتي. (أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) من صلتها. (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) أمر (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) جواب الأمر مجزوم لأن فيه معنى المجازاة ، وقرأ الزّهري (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) (١) على التكثير ، ويقال : وفي بالعهد أيضا ، (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) وقع الفعل على النون والياء وحذفت الياء لأنه رأس آية ، وقرأ ابن أبي إسحاق «فارهبوني» بالياء وكذا فاتّقوني ، «وإيّاي» منصوب بإضمار فعل وكذا الاختيار في الأمر والنهي والنفي والاستفهام.

(وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) (٤١)

(وَآمِنُوا) عطف. (بِما) خفض بالباء. (أَنْزَلْتُ) صلته والعائد محذوف لطول الاسم أي بما أنزلته. (مُصَدِّقاً) على الحال. (لِما) خفض باللام. (مَعَكُمْ) صلة لما. (وَلا تَكُونُوا) جزم بلا فلذلك حذفت منه النون. (أَوَّلَ) خبر تكونوا ، ولم ينوّنه لأنه مضاف ولو لم يكن مضافا جاز فيه التنوين على أنه اسم ليس بنعت ، وجاز الضمّ بغير تنوين على أنه غاية ، وجاز ترك التنوين على أنه نعت قال (كافِرٍ) ولم يقل : كافرين ، فيه قولان : زعم الأخفش والفراء (٢) أنه محمول على المعنى لأن المعنى أول من كفر به ، وحكى سيبويه : هو أظرف الفتيان وأجمله لأنه قد كان يقول كأنه يقول : هو أظرف فتى وأجمله ، والقول الآخر أنّ التقدير : ولا تكونوا أول فريق كافر به ، والإمالة في كافر لغة تميم ، وهي حسنة لأنه مخفوض والراء بمنزلة حرفين وليس فيه حرف مانع والحروف الموانع (٣) الخاء والغين والقاف والصاد والضاد والطاء والظاء. قال أبو جعفر : وفي «أول» من العربية ما يلطف ونحن نشرحه إن شاء الله. «أول» عند سيبويه (٤) مما لم ينطق منه بفعل وهو على أفعل عينه وفاؤه واو. وإنما لم ينطق منه بفعل عنده لئلا يعتل من جهتين وهذا مذهب البصريين ، وقال الكوفيون : هو من وأل ، ويجوز أن يكون من أال فإذا كان من وأل فالأصل فيه أوأل ثم خفّفت الهمزة فقلت : أول كما تخفّف همزة خطيئة فتقول : خطيّة وإن كان من أال فالأصل فيه : أاول ثم أبدلت من الألف واوا لأنه لا ينصرف.

(وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٤٢)

(وَلا تَلْبِسُوا) نهي فلذلك حذفت منه النون. (الْحَقَ) مفعول. (بِالْباطِلِ) خفض

__________________

(١) انظر المحتسب ١ / ٨١ ، والبحر المحيط ١ / ٣٣٠.

(٢) انظر معاني الفراء ١ / ٣٢ ، والبحر المحيط ١ / ٣٣٢.

(٣) الحروف الموانع : هي الحروف التي تمنع الإمالة.

(٤) انظر الكتاب ٣ / ٢١٩.

٤٩

بالباء. (وَتَكْتُمُوا) عطف على (تَشْتَرُوا) وإن شئت كان جوابا للنهي في موضع نصب على إضمار أن عند البصريين (١) ، والتقدير لا يكن منكم أن تشتروا وتكتموا ، والكوفيون (٢) يقولون : هو منصوب على الصّرف ، وشرحه أنه صرف عن الأداة التي عملت فيما قبله ولم يستأنف فيرفع فلم يبق إلّا النّصب فشبّهت الواو والفاء بكي فنصبت بها كما قال : [الكامل]

١٩ ـ لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم (٣)

(وَأَنْتُمْ) مبتدأ. (تَعْلَمُونَ) فعل مستقبل في موضع الخبر والجملة في موضع الحال.

(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (٤٣)

(وَأَقِيمُوا) أمر ، وكذا (وَآتُوا وَارْكَعُوا).

(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٤٤)

(أَتَأْمُرُونَ) فعل مستقبل. (وَتَنْسَوْنَ) عطف عليه. (أَفَلا تَعْقِلُونَ) مثله.

(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ) (٤٥)

(وَاسْتَعِينُوا) أمر. (بِالصَّبْرِ) خفض بالباء قال أبو جعفر : وقد ذكرنا فيه أقوالا في الكتاب الذي قبل هذا ، وأصحّها أن يكون الصبر عن المعاصي ويكون (وَالصَّلاةِ) مثل قوله (وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨] ، يقال فلان صابر ؛ أي عن المعاصي فإذا صبّر عن المعاصي فقد صبّر على الطاعة وقال جلّ وعزّ : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) [الزمر : ١٠] ولا يقال لمن صبر على المصيبة : صابر إنّما يقال : صابر على كذا فإذا قلت : صابر مطلقا فهو على ما ذكرنا ، (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) اسم «إنّ» وخبرها ، ويجوز في غير القرآن وإنه ، ويجوز وإنهما.

__________________

(١) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج ٩٠ ، والبحر المحيط ١ / ٣٣٥.

(٢) انظر معاني الفراء ١ / ٣٣.

(٣) الشاهد لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه ، ص ٤٤ ، والأزهية ص ٢٣٤ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٣٨ ، وشرح شذور الذهب ص ٣١٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣ ، وللمتوكل الليثي في الأغاني ١٢ / ١٥٦ ، وحماسة البحتري ص ١١٧ ، والعقد الفريد ٢ / ٣١١ ، والمؤتلف والمختلف ص ١٧٩ ، ولأبي الأسود أو للمتوكل في اللسان (عظظ) ، ولأحدهما أو للأخطل في شرح شواهد الإيضاح ص ٢٥٢ ، ولأبي الأسود أو للأخطل أو للمتوكل الكناني في الدرر ٤ / ٨٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٩٣ ، وللأخطل في الردّ على النحاة ص ١٢٧ ، وشرح المفصل ٢٤٤٧ ، ولحسان بن ثابت في شرح أبيات سيبويه ٢ / ١٨٨ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٦ / ٢٩٤ ، وأمالي ابن الحاجب ٢ / ٨٦٤ ، وأوضح المسالك ٤ / ١٨١ ، ورصف المباني ٤٢٤.

٥٠

(الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) (٤٦)

(الَّذِينَ) في موضع خفض على النعت للخاشعين. (يَظُنُّونَ) فعل مستقبل ، وفتحت «أنّ» بالظن واسمها الهاء والميم والخبر. (مُلاقُوا) والأصل ملاقون لأنه بمعنى تلاقون حذفت النون تخفيفا ، (وَأَنَّهُمْ) عطف على الأول ، ويجوز «وأنّهم» بقطعه مما قبله.

(وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (٤٨)

(يَوْماً) منصوب باتّقوا ، ويجوز في غير القرآن «يوم لا تجزي» على الإضافة. وفي الكلام حذف بين النحويين فيه اختلاف قال البصريون (١) : التقدير يوما لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئا ، ثم حذف «فيه» قال الكسائي (٢) : هذا خطأ لا يجوز «فيه» ولو جاز هذا لجاز : الذي تكلمت زيد ، بمعنى تكلمت فيه ، قال : ولكن التقدير واتقوا يوما لا تجزيه نفس ، ثم حذف الهاء ، وقال الفراء (٣) : يجوز أن تحذف «فيه» وأن تحذف الهاء ، قال أبو جعفر : الذي قاله الكسائي لا يلزم لأن الظروف يحذف منها ولا يحذف من غيرها. تقول : تكلّمت في اليوم وكلمت وتكلّمت اليوم. هذا احتجاج البصريين. فأما الفراء فردّ على الكسائي بأن قال : فإذا قلت : كلّمت زيدا وتكلّمت في زيد ، فالمعنيان مختلفان فلهذا لم يجز الحذف فينقلب المعنى والفائدة في الظروف واحدة ، وهذه الجملة في موضع نصب عند البصريين على نعت لليوم ، ولهذا وجب أن يعود عليه ضمير ، وعند الكوفيين صلة ، (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) ويجوز «تقبل» (٤) بالتاء لأنّ الشفاعة مؤنّثة وإنّما حسن تذكيرها لأنها بمعنى التّشفّع كما قال : [الكامل]

٢٠ ـ إنّ السّماحة والمروءة ضمّنا

قبرا بمرو على الطريق الواضح (٥)

وقال الأخفش : حسن التذكير لأنك قد فرقت. قال سيبويه (٦) : وكلّما طال الكلام فهو أحسن وهو في الموات أكثر فرقوا بين الحيوان والموات كما فرّقوا بين الآدميّين

__________________

(١) انظر البحر المحيط ١ / ٣٤٧ ، وإعراب القرآن ومعانيه للزجاج ٩٤.

(٢) انظر معاني الفراء ١ / ٣٢ ، والبحر المحيط ١ / ٣٤٧.

(٣) انظر معاني الفراء ١ / ٣٢.

(٤) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج ٩٥ ، والبحر المحيط ١ / ٣٤٨ ، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو.

(٥) الشاهد لزياد الأعجم في ديوانه ص ٥٤ ، والأغاني ١٥ / ٣٠٨ ، وأمالي المرتضى ١ / ٧٢ ، وسمط اللآلي ص ٩٢١ ، والشعر والشعراء ١ / ٤٣٨ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٠٢ ، وللصلتان العبدي في أمالي المرتضى ٢ / ١٩٩ ، وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٧٦٣ ، وشرح شذور الذهب ص ٢٢٠.

(٦) انظر الكتاب ٢ / ٣٤.

٥١

وغيرهم في الجمع. (شَفاعَةٌ) اسم ما لم يسمّ فاعله وكذا (عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) ابتداء وخبر.

(وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) (٤٩)

(وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ) «إذ» في موضع نصب عطفا على «اذكروا نعمتي». (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) قال الكسائي : إنّما يقال : آل فلان وآل فلانة ، ولا يقال في البلدان لا يقال: هو من آل حمص ولا من آل المدينة ، قال : إنّما يقال في الرئيس الأعظم نحو محمد عليه‌السلام أهل دينه وأتباعه ، وآل فرعون لأنه رئيسهم في الضلالة ، قال : وقد سمعناه في البلدان قالوا : أهل المدينة وآل المدينة ، قال أبو الحسن بن كيسان : إذا جمعت آلا قلت : آلون فإن جمعت آلا الذي هو بمنزلة السراب قلت : أوآل مثل مال وأموال. قال أبو جعفر : الأصل في آل أهل ثم أبدل من الهاء ألف فإن صغّرت رددته إلى أصله فقلت أهيل. (فِرْعَوْنَ) في موضع خفض إلّا أنه لا ينصرف لعجمته. قال الأخفش : (يَسُومُونَكُمْ) في موضع رفع على الابتداء ، وإن شئت كان في موضع نصب على الحال أي سائمين لكم. قرأ ابن محيصن (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ) (١) والتشديد أبلغ لأن فيه معنى التكثير. (وَيَسْتَحْيُونَ) عطف. (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ) رفع بالابتداء. (عَظِيمٌ) من نعته.

(وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (٥٠)

(وَإِذْ فَرَقْنا) في موضع نصب ، وحكى الأخفش (فَرَقْنا) (٢) ، (الْبَحْرَ) مفعول.

(وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) (٥١)

(وَإِذْ واعَدْنا مُوسى) وقرأ أبو عمرو وأبو جعفر (٣) وشيبة وإذا وعدنا (٤) بغير ألف وهو اختيار أبي عبيد وأنكر «واعدنا» قال : لأن المواعدة إنما تكون من البشر ، فأما الله جلّ وعزّ فإنما هو المنفرد بالوعد والوعيد. على هذا وجدنا القرآن كقوله : (وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِ) [إبراهيم : ٢٢] وقوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [الفتح : ٢٩] وقوله : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) [الأنفال : ٧]. قال أبو جعفر : قد ذكرنا قول أبي إسحاق (٥) في الكتاب الذي قبل هذا. وكلام أبي عبيد

__________________

(١) انظر مختصر ابن خالويه (٥) ، والبحر المحيط ١ / ٣٥١.

(٢) انظر مختصر ابن خالويه (٥) ، والمحتسب ١ / ٨٢.

(٣) أبو جعفر : يزيد القعقاع المخزومي المدني أحد القراء العشرة ، تابعي ، عرض على ابن عباس وغيره ، وروى القراءة عن نافع (ت ١٣٠ ه‍) ترجمة في غاية النهاية ٢ / ٣٨٢.

(٤) انظر البحر المحيط ١ / ٣٥٢.

(٥) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج ١٠٠ ، والبحر المحيط ١ / ٣٥٧.

٥٢

هذا غلط بيّن لأنه أدخل بابا في باب وأنكر ما هو أحسن وأجود و «واعدنا» أحسن وهي قراءة مجاهد والأعرج وابن كثير ونافع والأعمش وحمزة والكسائي ، وليس قوله سبحانه : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) [المائدة : ٩] من هذا في شيء ، لأن «واعدنا موسى» إنما هو من باب الموافاة وليس هو من الوعد والوعيد في شيء وإنما هو من قول : موعدك يوم الجمعة ، وموعدك موضع كذا ، والفصيح في هذا أن يقال : واعدته. (مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) مفعولان. قال الأخفش : التقدير وإذ واعدنا موسى تمام أربعين ليلة ثم حذف كما قال : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢]. (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) بالإدغام ، وإن شئت أظهرت لأن الذال مجهورة والتاء مهموسة فالإظهار حسن ، وإنّما جاز الإدغام لأن الثاني بمنزلة المنفصل .. «العجل» : مفعول أول والمفعول الثاني محذوف.

(ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٥٢)

(ثُمَّ عَفَوْنا) «ثم» : تدلّ على أن الثاني بعد الأول ومع ذلك تراخ ، وموضع النون والألف رفع بالفعل.

(وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (٥٣)

(وَإِذْ آتَيْنا) بمعنى أعطينا. (مُوسَى الْكِتابَ) مفعولان. (وَالْفُرْقانَ) عطف على الكتاب. قال الفراء : وقطرب (١) : يكون (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) أي التّوراة ، ومحمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم الفرقان. قال أبو جعفر : هذا خطأ في الإعراب والمعنى ، أما الإعراب فإن المعطوف على الشيء مثله وعلى هذا القول يكون المعطوف على الشيء خلافه ، وأما المعنى فقد قال فيه جلّ وعزّ : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ) [الأنبياء : ٤٨]. قال أبو إسحاق (٢) : يكون الفرقان هذا الكتاب أعيد ذكره وهذا أيضا بعيد إنما يجيء في الشعر كما قال : [الوافر]

٢١ ـ وألفى قولها كذبا ومينا (٣)

وأحسن ما قيل في هذا قول مجاهد : فرقانا بين الحق والباطل الذي علّمه إيّاه.

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ

__________________

(١) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج ١٠١.

(٢) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج ١٠١.

(٣) الشاهد لعدي بن زيد في ذيل ديوانه ص ١٨٣ ، والأشباه والنظائر ٣ / ٢١٣ ، وجمهرة اللغة ٩٩٣ ، والدرر ٦ / ٧٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٧٦ ، والشعر والشعراء ١ / ٢٣٣ ، ولسان العرب (مين) ، ومعاهد التنصيص ١ / ٣١٠ ، وبلا نسبة في مغني اللبيب ١ / ٣٥٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٩ ، وصدره :

«وقدّدت الأديم لراهشيه»

٥٣

فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (٥٤)

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ) حذفت الياء لأن النداء موضع حذف والكسرة تدلّ عليها وهي بمنزلة التنوين فحذفتها كما تحذف التنوين من المفرد ، ويجوز في غير القرآن إثباتها ساكنة فتقول : «يا قومي» لأنها اسم وهي في موضع خفض ، وإن شئت فتحتها ، وإن شئت ألحقت معها هاء فقلت : يا قوميه. وإن شئت أبدلت منها ألفا لأنها أخفّ فقلت : يا قوما ، وإن شئت قلت : يا قوم بمعنى يا أيّها القوم ، وإن جعلتهم نكرة نصبت ونونت. (إِنَّكُمْ) كسرت إنّ لأنها بعد القول فهي مبتدأة ، (ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) استغني بالجمع القليل عن الكثير والكثير نفوس (بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) مفعول أي بأن اتخذتم العجل والكاف والميم في موضع خفض بالإضافة وهما في التأويل في موضع رفع. (فَتُوبُوا) أمر. (إِلى بارِئِكُمْ) خفض بإلى ، وروي عن أبي عمرو بإسكان الهمزة من (بارِئِكُمْ) (١) وروى عنه سيبويه باختلاس الحركة. قال أبو جعفر : أما إسكان الهمزة فزعم أبو العباس أنه لحن لا يجوز في كلام ولا شعر لأنها حرف الإعراب ، وقد أجاز ذلك النحويون القدماء الأئمة وأنشدوا : [الرجز]

٢٢ ـ إذا اعوججن قلت صاحب قوم (٢)

ويجوز (إِلى بارِئِكُمْ) (٣) تبدل من الهمزة ياء. (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) : الهاء اسم «إنّ» وهو مبتدأ و «التواب» الخبر والجملة خبر إنّ ، وإن شئت كانت «هو» زائدة ، وإن شئت كانت توكيدا للهاء «والتواب» خبر «إن» و «الرّحيم» من نعته.

(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (٥٥)

(وَإِذْ قُلْتُمْ) معطوف. (يا مُوسى) نداء مفرد. (جَهْرَةً) مصدر في موضع الحال يقال : رأيت الأمير جهارا أو جهرة. أي غير مستتر بشيء ومنه : فلان يجاهر بالمعاصي أي لا يستتر من الناس. (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) رفع بفعلها. (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) في موضع الحال أي ناظرين.

(ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٥٦)

(ثُمَّ بَعَثْناكُمْ) موضع النون والألف رفع بالفعل والكاف والميم نصب بالفعل.

__________________

(١) انظر : إملاء ما منّ به الرّحمن ١ / ٣٧ ، والتيسير في القراءات للداني ٦٣.

(٢) الشاهد بلا نسبة في معاني القرآن للفراء ٢ / ١٢ ، وتفسير الطبري ٢٢ / ١٤٦ ، وشرح شواهد للشنتمري ٢ / ٢٩٧ ، والكتاب ٤ / ٣١٨. وتمامه «بالدّوّ أمثال السفين العوّم».

(٣) انظر مختصر في شواذ القرآن ٥ ، والبحر المحيط ١ / ٣٦٤.

٥٤

(وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٥٧)

قال الأخفش سعيد : واحد (الْغَمامَ) غمامة كسحابة وسحاب. قال الفراء : يجوز غمائم. (وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَ) نصب بوقوع الفعل عليه (وَالسَّلْوى) عطف ولا يتبيّن فيه الإعراب لأنه مقصور ووجب هذا في المقصور كلّه لأنّه لا يخلو من أن يكون في آخره ألف. قال الخليل : والألف حرف هوائي لا مستقر له فأشبه الحركة فاستحالت حركته ، وقال الفراء : لو حرّكت الألف لصارت همزة. قال الأخفش : «المنّ» جمع لا واحد له مثل الخير والشر و «السلوى» لم يسمع له بواحد ولو قيل : على القياس لكان يقال : في واحدة سلوى كما يقال : سماني وشكاعى (١) في الواحد والجميع. (كُلُوا) أمر ، (مِنْ طَيِّباتِ) خفض بمن ، (ما رَزَقْناكُمْ) خفض بالإضافة.

(وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) (٥٨)

(وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا) حذفت الألف من «قلنا» لسكونها وسكون الدال بعدها والألف التي يبتدأ بها قبل الدال ألف وصل لأنها من يدخل. (فَكُلُوا) عطف عليه. (رَغَداً) نعت لمصدر محذوف أي أكلا رغدا ، ويجوز أن يكون في موضع الحال. (وَادْخُلُوا) عطف. (سُجَّداً) نصب على الحال. (وَقُولُوا) عطف ، (حِطَّةٌ) على إضمار مبتدأ. قال الأخفش : وقرئت (حِطَّةٌ) نصبا على أنها بدل من الفعل. قال أبو جعفر : الحديث عن ابن عباس أنهم قيل لهم : «قولوا لا إله إلا الله» وفي حديث آخر عنه قيل لهم : «قولوا مغفرة» تفسير للنصب أي قولوا شيئا يحطّ عنكم ذنوبكم كما تقول : قل خيرا. وحديث ابن مسعود «قالوا حطة» تفسير على الرفع وهو أولى في اللغة والأئمة من القراء على الرفع ، وإنما صار أولى في اللغة لما حكي عن العرب في معنى بدّل قال أحمد بن يحيى : يقال : بدّلت الشيء. أي غيّرته ولم أزل عينه وأبدلته أزلت عينه وشخصه كما قال أبو النجم : [الرجز]

٢٣ ـ عزل الأمير المبدل (٢)

وقال الله جلّ وعزّ : (قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) [يونس : ١٥]

__________________

(١) شكاعي : نبت صغير.

(٢) الشاهد لأبي النجم في معاني الفراء ٢ / ٢٥٩ ، وتفسير الطبري ١٨ / ١٥٩ ، واللسان (بدل). ومقاييس اللغة ١ / ٢١٠ ، وبلا نسبة في كتاب العين ١ / ٣٥٧.

٥٥

(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (٥٩)

(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) في موضع رفع بالفعل. (قَوْلاً) مفعول. (غَيْرَ الَّذِي) نعت له. وقرأ الأعمش (يَفْسُقُونَ) (١) بكسر السين يقال : فسق يفسق فهو فاسق عن الشيء إذا خرج عنه ، فإذا قلت : فاسق ولم تقل عن كذا فمعناه خارج عن طاعة الله جلّ وعزّ. وفي (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ) [البقرة : ٥٨] كلام يغمض من العربية سنشرحه إن شاء الله فمن ذلك قول الخليل (٢) رحمه‌الله : الأصل في جمع خطيئة أن تقول : خطاييء ثم قلب فقيل : خطاءي بهمزة بعدها ياء ثم تبدل من الياء ألفا بدلا لازما فتقول : خطاءى وقد كان هذا البدل يجوز في غير هذا القول : عذارى إلّا أنه زعم هاهنا تخفيفا فلمّا اجتمعت ألفان بينهما همزة والهمزة من جنس الألف صرت كأنك قد جمعت بين ثلاث ألفات فأبدلت من الهمزة ياء فقلت : خطايا. وأمّا سيبويه (٣) فمذهبه أنّ الأصل خطايىء مثل الأول ثم وجب عنده أن تهمز الياء كما همزتها في مدائن فتقول : خطائىء ولا تجتمع همزتان في كلمة فأبدلت من الثانية ياء فقلت : خطاءي ثم عملت كما عملت في الأول. وقال الفراء : خطايا جمع خطيّة بلا همز كما تقول : هديّة وهدايا قال : ولو جمعت خطيئة مهموزة لقلت خطاءيء. وقال الكسائي : لو جمعتها مهموزة لأدغمت الهمزة في الهمزة كما قلت دوابّ وقرأ مجاهد تغفر لكم خطاياكم فأنّث على الجماعة وقرأ الحسن وعاصم الجحدري تغفر لكم خطيئتكم والبيّن (نَغْفِرْ لَكُمْ) لأن بعده (وَسَنَزِيدُ) بالنون وخطاياكم اتباعا للسواد وإنّه على بابه.

(وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (٦٠)

(وَإِذِ اسْتَسْقى) كسرت الذال لالتقاء الساكنين و «إذ» غير معربة لأنها بمنزلة «في» أنها اسم لا تتمّ إلّا بما بعدها. (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) «اثنتا» في موضع رفع «فانفجرت» وعلامة الرفع فيها الألف وأعربت دون نظائرها لأن التثنية معربة أبدا لصحة معناها. (عَيْناً) نصب على البيان وقرأ مجاهد وطلحة وعيسى (اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) (٤) وهذه لغة بني تميم وهذا من لغتهم نادر لأن سبيلهم التخفيف ، ولغة أهل الحجاز

__________________

(١) انظر مختصر ابن خالويه (٥).

(٢) انظر الإنصاف مسألة ١١٦.

(٣) انظر الكتاب ٤ / ٣٣ ، والإتحاف ٨٤.

(٤) انظر مختصر ابن خالويه (٥) ، والبحر المحيط ١ / ٣٩١.

٥٦

«عشرة» وسبيلهم التثقيل. (وَلا تَعْثَوْا) نهي فلذلك حذفت منه النون وهو من عثى يعثى.

(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) (٦١)

(وَإِذْ قُلْتُمْ) عطف. (يا مُوسى) نداء مفرد. (لَنْ نَصْبِرَ) نصب بلن. (عَلى طَعامٍ) خفض بعلى. (واحِدٍ) من نعته. (فَادْعُ) سؤال بمنزلة الأمر ، فلذلك حذفت منه الواو ولغة بني عامر «فادع لنا» بكسر العين لالتقاء الساكنين. (يُخْرِجْ لَنا) جزم لأنه جواب الأمر ، وفيه معنى المجازاة. (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) قال الأخفش (١) : «من» زائدة قال أبو جعفر : هذا خطأ على قول سيبويه (٢) لأن «من» لا تزاد عنده في الواجب وإنّما دعا الأخفش إلى هذا أنه لم يجد مفعولا ليخرج فأراد أن يجعل ما مفعولا. والأولى أن يكون المفعول محذوفا دلّ عليه سائر الكلام والتقدير : يخرج لنا مما تنبت الأرض مأكولا. (مِنْ بَقْلِها) بدل بإعادة الحروف. (وَقِثَّائِها) عطف. وقرأ طلحة ويحيى بن وثّاب. (وَقِثَّائِها) (٣) بضمّ القاف وتقول في جمعها : قثائيّ مثل علباء وعلابيّ. إلّا أنّ قثّاء من ذوات الهمزة يقال : أقثأت القوم. قال أبو جعفر : سمعت علي بن سليمان يقول : لا يصحّ عندي في (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى) إلّا أن يكون من ذوات الهمز من قولهم : دنيء بيّن الدناءة ، ثم أبدلت الهمزة. قال أبو جعفر : هذا الذي ذكرنا إنما يجوز في الشعر ولا يجوز في الكلام فكيف في كتاب الله جلّ وعزّ. قال أبو إسحاق (٤) : هو من الدنو أي الذي هو أقرب من قولهم ثوب مقارب أي قليل الثمن. قال أبو جعفر : وأجود من هذين القولين أن يكون المعنى ـ والله أعلم ـ أتستبدلون الذي هو أقرب إليكم في الدنيا بالذي هو خير لكم يوم القيامة لأنهم إذا طلبوا غير ما أمروا بقبوله فقد استبدلوا الذي هو أقرب إليهم في الدنيا مما هو خير لهم لما لهم فيه من الثواب (اهْبِطُوا مِصْراً) نكرة. هذا أجود الوجوه لأنها في السواد بألف ، وقد يجوز أن تصرف تجعل اسما للبلاد وإنما اخترنا الأول لأنه لا يكاد يقال مثل مصر بلاد ولا بلد وإنما

__________________

(١) انظر البحر المحيط ١ / ٣٩٤.

(٢) انظر الكتاب ١ / ٧٣.

(٣) انظر المحتسب ١ / ٨٧ ، ومختصر ابن خالويه (٦).

(٤) انظر إعراب القرآن ومعانيه ١١٢.

٥٧

يقال لها : بلدة. وإنما يستعمل بلاد في مثل بلاد الروم. وقال الكسائي : يجوز أن تصرف مصر وهي معرفة لخفّتها يريد أنها مثل هند. وهذا خطأ على قول الخليل وسيبويه والفراء (١) ، لأنك لو سمّيت امرأة بزيد لم تصرف ، وقال الكسائي : يجوز أن تصرف مصر وهي معرفة لأن العرب تصرف كل ما لا ينصرف في الكلام إلا أفعل منك. (فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) «ما» نصب بأنّ. (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) اسم ما لم يسم فاعله. (وَالْمَسْكَنَةُ) عطف وقد ذكرنا الهمز في النبيئين (٢) في الكتاب الذي قبل هذا. (ذلِكَ بِما عَصَوْا) قال الأخفش : أي بعصيانهم. (وَكانُوا يَعْتَدُونَ) عطف عليه.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦٢)

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) اسم «إنّ» (آمنوا) صلته. (وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ) عطف كلّه. (مَنْ آمَنَ) مبتدأ وآمن في موضع جزم بالشرط والفاء الجواب ، وخبر المبتدأ. (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) والجملة خبر إنّ والعائد على الذين من الجملة محذوف أي من آمن منهم. وقرأ الحسن البصريّ (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) (٣) على التبرئة والرفع على الابتداء أجود ، ويجوز أن تجعل «لا» بمعنى ليس ، فأمّا (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) فلا يكون إلّا بالابتداء لأن «لا» لا تعمل في معرفة.

(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (٦٣)

(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) قال الأخفش : أي واذكروا (إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ) أي فقلنا خذوا ما آتيناكم.

(ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٦٤)

(فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ) رفع بالابتداء عند سيبويه (٤) والخبر محذوف لا يجوز عنده إظهاره لأن العرب استغنت عن إظهاره بأنهم إذا أرادوا ذلك جاءوا بأنّ فإذا جاءوا بها لم يحذفوا الخبر ، والتقدير فلو لا فضل الله تدارككم. (وَرَحْمَتُهُ) عطف على فضل. (لَكُنْتُمْ) جواب لو لا. (مِنَ الْخاسِرِينَ) خبر كنتم.

(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (٦٥)

(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ) في موضع نصب ولا يحتاج إلى مفعول ثان إذا كانت علمتم

__________________

(١) ومعاني الفراء ١ / ٤٢.

(٢) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج ١١٣.

(٣) انظر البحر المحيط ١ / ٤٠٥.

(٤) انظر الكتاب ٢ / ١٢٨.

٥٨

بمعنى عرفتم. حكى الأخفش : لقد علمت زيدا ولم أكن أعلمه. (اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) صلة الذين (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً) خبر كان. (خاسِئِينَ) نعت.

(فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (٦٦)

(فَجَعَلْناها نَكالاً) مفعول ثان. (لِما بَيْنَ) ظرف. (وَما خَلْفَها) عطف. (وَمَوْعِظَةً) عطف على «نكالا». (لِلْمُتَّقِينَ) خفض باللام.

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٦٧)

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ) كسرت إنّ لأنها بعد القول وحكي عن أبي عمرو و (يَأْمُرُكُمْ) حذف الضمة من الراء لثقلها ، قال أبو العباس : لا يجوز هذا لأن الراء حرف الإعراب وإنما الصحيح عن أبي عمرو أنه كان يختلس الحركة ، (أَنْ تَذْبَحُوا) في موضع نصب بيأمركم أي بأن تذبحوا ، (بَقَرَةً) نصب بتذبحوا (قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) مفعولان ، ويجوز تخفيف الهمزة تجعلها بين الواو والهمزة ويجوز حذف الضّمّة من الزاي كما تحذفها من عضد فتقول (هُزُواً) (١) كما قرأ أهل الكوفة ، فأما جزء فليس مثل هزء لأنه على فعل من الأصل. (قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) ولغة تميم وأسد «عن» في موضع «أن».

(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ) (٦٨)

(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ) حذفت الواو لأنه طلب ، ولغة بني عامر «ادع لنا» بكسر العين لالتقاء الساكنين. (يُبَيِّنْ لَنا) تدغم النون في اللام ، وإن شئت أظهرت فإذا كانت النون متحركة كان الاختيار الإظهار نحو (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ) [الأنعام : ٤٣] ، (يبيّن) : جزم لأنه جواب الأمر ، (ما هِيَ) ابتداء وخبر. (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ) خبر إنّ. (لا فارِضٌ) قال الأخفش : لا يجوز نصب فارض لأنه نعت للبقرة كما تقول : مررت برجل لا قائم ولا جالس ، ويجوز أن يكون التقدير ولا هي فارض ، ويقال على هذا : مررت برجل لا قائم ولا جالس. (وَلا بِكْرٌ) عطف على فارض. (عَوانٌ) على إضمار مبتدأ.

(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) (٦٩)

(ما لَوْنُها) ابتداء وخبره ، ويجوز «ما لونها» على أن تكون ما زائدة وتنصبه

__________________

(١) انظر البحر المحيط ١ / ٤١٥.

٥٩

بيبيّن. (بَقَرَةٌ صَفْراءُ) لم تنصرف صفراء لأنّ فيها ألف التأنيث وهي ملازمة فخالفت الهاء لأن ما فيه الهاء ينصرف في النكرة. (فاقِعٌ) نعت. (لَوْنُها) رفع بفاقع.

(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) (٧٠)

(إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) ذكر البقر لأنه بمعنى الجميع. قال الأصمعي : الباقر جمع باقرة قال : ويجمع بقر على باقورة ، وقرأ الحسن إنّ البقر تشّابه علينا (١) جعله فعلا مستقبلا وأنّثه والأصل تتشابه ثم أدغم التاء في الشين ، وقرأ يحيى بن يعمر إن الباقر يشّابه علينا جعله فعلا مستقبلا وذكر الباقر وأدغم ، ويجوز إنّ البقر تشابه علينا بتخفيف الشين وضم الهاء ولا يجوز يشابه علينا بتخفيف الشين وبالياء ، وإنما جاز في التاء لأن الأصل تتشابه فحذفت لاجتماع التاءين. (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) خبر إنّ و «شاء» في موضع جزم بالشرط وجوابه عند سيبويه الجملة وعند أبي العباس محذوف.

(قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) (٧١)

قال الأخفش : «لا ذلول» نعت ولا يجوز نصبه. قال أبو جعفر : يجوز أن يكون التقدير لا هي ذلول ، وقد قرأ أبو عبد الرّحمن السّلمي (٢) (لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ) وهو جائز على إضمار خبر النفي. (تُثِيرُ الْأَرْضَ) متصل بالأول على هذا المعنى أي لا تثير الأرض. (وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) وزعم علي ابن سليمان أنه لا يجوز أن يكون تثير مستأنفا لأن بعده «ولا تسقي الحرث» فلو كان مستأنفا لما جمع بين الواو و «لا». (مُسَلَّمَةٌ) أي هي مسلّمة ويجوز أن يكون «مسلّمة» نعتا أي إنها بقرة مسلمة من العرج وسائر العيوب ولا يقال : مسلمة من العمل لأنه لا يصلح سالمة مما هو خير لها. (لا شِيَةَ فِيها) الأصل وشية حذفت الواو كما حذفت من يشي والأصل يوشي. (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) فيه أربعة أوجه (٣) : الهمز كما قرأ الكوفيون (قالُوا الْآنَ) وتخفيف الهمزة مع حذف الواو لالتقاء الساكنين كما قرأ أهل المدينة (قالُوا الْآنَ) (٤) وحكى الأخفش (٥) وجهين آخرين : أحدهما إثبات الواو مع تخفيف الهمزة ، قالوا لآن جئت بالحقّ أثبت الواو لأن اللام قد تحرّكت بحركة الهمزة ونظير هذا وأنه أهلك عادا لولا [النجم : ٥٠]

__________________

(١) انظر تفسير الطبري ١ / ٣٥٠.

(٢) أبو عبد الرّحمن السلميّ : عبد الله بن حبيب مقرئ الكوفة. إليه انتهت القراءة تجويدا وضبطا ، أخذ القراءة عن علي بن أبي طالب وعثمان وابن مسعود (ت ٧٤ ه‍). وترجمته في غاية النهاية ١ / ٣٤١.

(٣) انظر إملاء ما منّ به الرّحمن ١ / ٤٣ ، ٤٤ ، والبحر المحيط ١ / ٤٢٢.

(٤) انظر البحر المحيط ١ / ٤٢٢.

(٥) انظر إعراب القرآن ومعاوية للزجاج ١٢٢.

٦٠