آيات الأنوار

آية الله الميرزا محمود اليوسفي الغروي

آيات الأنوار

المؤلف:

آية الله الميرزا محمود اليوسفي الغروي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مركز انتشارات دار النشر اسلام
المطبعة: مهدية قم المقدسة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧١

١
٢

٣

«إهداء»

أهدي هذا التأليف المختصر إلى سيّدي ومولاي ناموس الدّهر وبقيّة الله في الأرض ، وخليفته على خلقه ، الحجّة إبن الحسن المهدي المنتظر ، صاحب العصر والزّمان وكلمة الرّحمن ، عجّل الله تعالى فرجه ، وجعلنا من أعوانه وأنصاره آمين ربّ العالمين

* * *

«دعاء»

أللهمّ إنّا نرغب إليك في دولة كريمة تعزّ بها الإسلام وأهله وتذلّ بها النّفاق وأهله ، وتجعلنا فيها من الدّعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك.

أللهمّ إنّا نشكوا إليك فقد نبيّنا صلواتك عليه وآله ، وغيبة وليّنا ، وكثرة عدوّنا ، وقلّة عددنا ، وشدّة الفتن بنا ، وتظاهر الزّمان علينا ، فصلّ على محمّد وآله واعنّا على ذلك بفتح منك تعجّله ، وسلطان حقّ تظهره ، ورحمة منك تجلّلناها ، وعافية منك تلبسناها ، برحمتك يا ارحم الرّاحمين

أللهمّ اجعل كلمة الإسلام هي العليا وكلمة الكفّار هي السّفلى ، ووفّق زعماء المسلمين روحيّا وسياسيّا للصّواب ، آمين ربّ العالمين

٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين الّذي جعلنا من أمّة خاتم النّبيّن وأشرف المرسلين ، الّذي أنزل عليه القرآن وجعله هدى للمتّقين ، وجعل التّمسّك به وبأهل بيت نبيّه معا سببا للنّجاة في يوم الدّين ، وصلّى الله على سيّد الكائنات أبي القاسم محمّد وآله الطّاهرين ، الّذين جعلهم الله أئمّة وهداة مهديّين.

وأسأل الله تعالى شأنه أن يوفّقنا للإقتداء بهم والحشر معهم ومع الشّهداء والصّدّيقين والصّالحين.

* السبب الداعي الى تأليف هذا الكتاب :

إنّ الله تبارك وتعالى أمر بمودّة ذوي القربى في قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)(١).

واكّد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في الحديث المتواتر على التّمسّك بالكتاب والعترة ، وإليك نصّه ، في ما رواه الترمذي في صحيحه ، قال : قال جابر بن عبد الله الأنصارى : رأيت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وسلم» في حجّة الوداع يوم عرفة على ناقتة القصوى (٢) يخطب فسمعته يقول : «إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن

__________________

(١) الشورى : ٢٣.

(٢) في مجمع البحرين : سمّيت بذلك لسبقها.

٥

تصلّوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي» (١).

قال : وفي الباب عن أبي ذر وأبي سعيد وزيد بن أرقم وحذيفة بن أسيد ، وروى أيضا بأسناده عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وسلم» : إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا ، أحدهما أعظم من الآخر ، وهو كتاب الله حبل ممدود من السّماء الى الارض وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض (٢).

وروى صاحب «الوسائل» عن الصدوق في أماليه وعيون أخبار الرّضا «ع» في مجلس مأمون بحضور علماء العراق وخراسان ، قال المأمون للإمام الرّضا «ع» : ومن العترة الطّاهرة؟ فقال الرّضا «ع» : الّذين وصفهم الله في كتابه فقال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، وهم الّذين قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إنّي مخلّف فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، أنظروا كيف تخلّفوني فيهما (٣).

والتّمسّك بالقرآن يتوقف على فهم معانيه وتأويلاته ، ولا يكاد يحصل ذلك إلّا من طرق أهل البيت «عليهم‌السلام» ، قال الله : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(٤).

__________________

(١) صحيح الترمذى ج ٢ ص ٣٠٨.

(٢) صحيح الترمذي ٢ / ٣٠٨ وراجع صحيح مسلم ٧ / ٢٢٢ والمتسدرك ٣ / ١٠٩ والنسائي في الخصائص : ٣١ وابن حنبل في المسند ٣ / ١٤ و ١٧ و ٢٦ و ٤ / ٣٧١ و ٥ / ١١١ وابو نعيم في الحلية ١ / ٣٥٥.

(٣) وسائل الشيعة ج ١٨ ص ١٣٩ ح ٣٤ ب ١٣ وامالي الصدوق : ٩٧ والعيون : ٢٢٨.

(٤) آل عمران : ٧.

٦

ويؤيّد ذلك قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حديث الثقلين كما عن «معجم الطبراني» : «فلا تقدّموهما فتهلكوا ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم» ، وقد علّق ابن حجر الهيثمي في صواعقه على هذا اللفظ ، قال : وفي قوله : «فلا تقدّموهما فتهلكوا ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم» ، دليل على أنّ من تأهّل منهم للمراتب العليّة والوظائف الدينيّة كان مقدّما على غيره (١).

وقد قال من قبل في تواتر حديث الثقلين أو استفاضته : «ثمّ اعلم أن لحديث التّمسّك بهما طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيّا ...» وفي بعض تلك الطرق : أنّه قال ذلك لمّا قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف كما مرّ ، وفي بعض تلك الطرق : أنّه قال ذلك بحجّة الوداع بعرفة ، وفي اخرى : أنّه قال ذلك بغدير خم ، وفي اخرى : أنّه قاله بمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه ... ولا تنافي ، إذ لا مانع من أنّه كررّ عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها ، إهتماما بشأن الكتاب العزيز والعترة الطّاهرة (٢).

وقد عقّب المرحوم الإمام شرف الدّين هذا الكلام بقوله : وحسب أئمّة العترة الطّاهرة أن يكونوا عند الله وعند رسوله بمنزلة الكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وكفى بذلك حجة تأخذ بالأعناق الى التّعبد بمذهبهم ، فإنّ المسلم لا يرتضى بكتاب الله بدلا فكيف يبتغي عن عدله حولا (٣).

وعلّق الإمام شرف الدّين على قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «النجوم أمان لأهل

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ١٣٦ باب وصيّة النبيّ بهم.

(٢) الصواعق المحرقة : ٨٩ الباب ١١ ط مصر.

(٣) المراجعات : ٧٥ ط حسين الرّاضى.

٧

الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمّتي من الإختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس» (١) ، قال الإمام : هذا غاية ما في الوسع من الزام الأمّة باتباعهم وردعها عن مخالفتهم ، وما أظن في لغات البشر كلها أدّل من هذا الحديث على ذلك.

ونقل ابن حجر الهيثمي في صواعقه في المعني المراد من أهل البيت في هذا الحديث ومثله عن بعضهمم : «يحتمل أن المراد بأهل البيت الّذين هم أمان : علماؤهم ، لأنّهم الّذين يهتدي بهم كالنجوم» (٢) قال : وقد قيل لرسول الله : ما بقاء النّاس بعدهم؟ قال : بقاء الحمار إذا كسر صلبه (٣).

وقال الإمام شرف الدين : المراد بأهل بيته هنا مجموعهم من حيث المجموع باعتبار أئمتهم ، وليس المراد جميعهم على سبل الاستغراق ، لأنّ هذه المنزلة ليست إلّا لحجج الله والقوّامين بأمره خاصّة ، بحكم العقل والنقل (٤).

هذا وقد ورد في أخبار الأئمّة الأطهار «عليهم‌السلام» أنّ المراد بالعترة ، هم علي بن أبي طالب والأئمة الأحد عشر من ولده (عليهم‌السلام).

فقد روى الشيخ الصدوق في كتابه اكمال الدين بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، أنّه سأل رسول الله عن معنى العترة ، فقال : عليّ والحسن والحسين والأئمّة من ولد الحسين الى يوم القيامة (٥).

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٤٩ وقال : هذا حديث صحيح الاسناد ، ولم يخرجاه.

(٢) الصواعق المحرقة : ٩١ الباب ١١ ط مصر.

(٣) الصواعق المحرقة : ١٤٣ باب اشارته الى ما حصل لهم من الشدة بعده.

(٤) المراجعات : ٧٦ ط حسين الراضي.

(٥) اكمال الدين : ٢٣٩ و ٢٤٦ ومثله ٢٦٨ و ٢٧٣.

٨

* من هم الرّاسخون في العلم؟

والرّاسخون في العلم هم النبيّ والأئمّة «صلوات الله عليهم أجمعين» كما ورد في الكافي (١) وكتاب بصائر الدرجات في أحاديث كثيرة وقد وجدت ما ألّفه السيد الأجل الفاضل الاكمل السيد علي شرف الدين الحسيني النجفي الأسترآبادي «ره» خير ما ألّف في هذا المضمار ، حيث جمع في تصنيفه هذا قسما كثيرا من الآيات الواردة في فضائل أهل البيت الّذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا ، فأخرجت مصادر تأويل تلك الآيات الكريمة النازلة في شأنهم ، وهي الأحاديث الشريفة عن طرقنا وطرق أهل السّنّة (٢) ، ثمّ لفت نظري أن السيد المؤلف «أعلى الله مقامه» لم يذكر قسما كثيرا من الآيات الّتي أوّلت في شأنهم ، فأخذت بتدوين تلك الآيات مع الاحاديث الّتي تأوّلها في كتاب مستقل وسميته ب :

«آيات الأنوار في فضائل النّبيّ وآله الأطهار»

وأسأل الله عزوجل أن يوفّقني لنشر معالم الدّين ، وأن يحشرني مع القرآن وعترة سيّد المرسلين.

* التّمسّك بأهل البيت :

أقول : أن التمسك بأهل البيت «عليهم‌السلام» هو أخذ معالم الدّين عنهم ، والإقتداء بهم ، لأنّهم سفينة النجاة ، والثقل الأصغر الّذي خلّفه النبيّ في أمّته ، لا سيّما أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب «عليه‌السلام» لأنّه باب مدينة علم النبيّ ، وأحبّ خلق الله الى الله بعد رسول الله ، والّذي رجّحت ضربته يوم الخندق على عبادة

__________________

(١) راجع اصول الكافي : ١ / ١٠٥ و ٢١٣ و ٢٣٣ / ط طهران.

(٢) وقد طبع في لبنان جزئين.

٩

الثقلين ، والبائت في فراش الرّسول في ليلة الهجرة وقاية لسيد الكونين ، والّذي علّمه النبيّ «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ألف باب ينفتح له من كل باب ألف ألف باب (١) ، فتقديم غيره عليه يكون من تقديم الظلمات على النّور ، وتقديم الّذين لا يعلمون على الّذين يعلمون وقال الله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(٢).

وقال تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ)(٣).

وقال عزوجل : (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ)(٤).

* إنتخاب الإمام أمره الى الله تعالى :

ان هذه الوجيزة وان لم تكن لبيان أدلّة الإمامة بل لبيان فضائلهم ، ولكن نشير اليها هنا إجمالا فنقول : يشترط في النبيّ والإمام أن يكون معصوما عن الخطأ وعن الرجس ، عقلا ونقلا.

فأمّا العقل فإنّه لا يجوّز أخذ معالم الدّين عن غير المعصوم ، لأنّه لو لا عصمته لم يحصل الإطمئنان فيما يخبر به من الأحكام عن الله تعالى بأنّه لم يخطىء ولم يكذب وأمّا الأدلّة النقليّة فقد ذكرت مفصلة في الكتاب الكلاميّة ولا يعرف شخص المعصوم إلّا الله تبارك وتعالى : لأنّه العالم بالسّر والخفيّات.

وقد عيّن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في الغدير بأمر من الله عليّ بن

__________________

(١) راجع كتاب العبقات للعلّامة الجليل السيد مير حامد حسين «قدّس الله روحه» فانه قد بيّن مصادر كثيرة لهذه الأحاديث من طرق السنّة.

(٢) الزّمر : ٩.

(٣) فاطر : ٢٠.

(٤) النّساء : ٩٨.

١٠

أبي طالب «عليه‌السلام» للولاية ، وأمر المسلمين بالسلام عليه بإمرة المؤمنين وبالبيعة له ، وقال له بعض الصحابة : «بخ بخ لك يا عليّ أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة» كما في تاريخ بغداد (١).

ثمّ إن فرض إنّ الامّة أرادت أن تنتخب الإمام فليس لهم أن ينتخبوا غير الأفضل ، واذا اختارت جماعة من الأئمّة أحدا للزعامة فليس اختيارهم حجّة على غيرهم ، بل يجب عليهم النظر فان كان واجدا لشرائط الإمامة قبلوه ، وإلّا فأنفسهم ينتخبون من كان واجدا وجامعا لشرائط الإمامة.

* شأن نزول الآيات :

وما ورد في شأن نزول الآيات يكون من باب تطبيق الكلّي على بعض أفراده أو بيان مصاديقه ، ولا يكون مختصّة بمن نزلت في شأنه ، فكلّ من عمل بالصّالحات يفوز بالمثوبات والحسنات ، وكلّ من ارتكب السّيئات يستحق العقوبات ، نعم بعض الآيات لم يعمل بها غير شخص واحد ، وهي آية تقديم الصدقة بين يدي النجوى مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فإنّه لم يعمل بها غير أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب «عليه‌السلام» بإتّفاق من المفسرين وأهل الحديث والتاريخ ، ثمّ نسخت.

* القراآت :

يجوز قرائة القرآن في الصّلاة وغيرها بإحدى القراآت السّبع ، فقد ورد عن أئمّة أهل البيت «عليهم‌السلام» : «إقرأوا كما علمّتم» و «إقرأ كما يقرأ النّاس» (٢) والقدر

__________________

(١) تاريخ بغداد : ٨ / ٢٩٠ وراجع كتاب الغدير للحجة الشيخ الأميني «قدّس سره».

(٢) اصول الكافي ج ٢ ص ٦٣١ و ٦٣٣ كتاب فضل القرآن باب النواد / حديث ١٥ و ٢٣.

١١

المتيقّن من القراآت المشهورة في عصرهم هي قراءة أصحاب القراآت السّبع وهم : ١ ـ عبد الله بن عامر ، ٢ ـ ابن كثير الكوفي ، ٣ ـ عاصم بن بهذلة الكوفي ، ٤ ـ أبو عمرو البصري ، ٥ ـ حمزة الكوفي ، ٦ ـ نافع المدني ، ٧ ـ الكسائي الكوفي.

* إيضاح :

ولا يخفى بان الأحاديث الواردة في هذا الكتاب وأمثاله وان كان أكثرها عن طريق أهل البيت «عليهم‌السلام» ولكن لا تكون من باب شهادة الشّاهد لنفسه ، لأنّه حيث ثبتت عصمتهم بآية التطهير ، فمثل شهادة رسول الله «ص» وأهل بيته «صلوات الله عليهم» بفضلهم مقبولة ، لأنّا نعلم صدقهم ، لأنّ المعصوم محفوظ عن الخطأ والزلل ، وإنّ الله تعالى قال في شأن رسوله : (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) ، وقصّة ذي الشهادتين شاهد آخر على دعوانا ، وفي حقّ أهل بيته آية التطهير تشهد بعصمتهم ، وآية المباهلة تدّل على أفضليّتهم ، خصوصا بالنسبة الى عليّ «عليه‌السلام» لأنّ الله عزوجل جعله بمنزلة نفس رسول الله ، والرسول أفضل من جميع الأنبياء فكذلك عليّ «عليه‌السلام» ، وكونه باب مدينة علم النبيّ دليل بأنّه أعلم النّاس ، ونزول سورة «هل أتى» شاهد آخر على أنّهم أكرم النّاس وازهدهم ومواخاة الرسول إيّاه حجّة على أنّه لم يكن أفضل منه في المسلمين ، وقد ذكرت مصادر جملة من فضائلهم في كتاب «صحيفة الأبرار» كحديث أنّهم سفينة النّجاة ، وإنّ من تمسّك بهم نجى ومن تخلّف عنهم غرق وهوى.

* فضائل أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا تحصى

روى الشيخ الصدوق «قدّس سره» في أماليه عن الطالقاني عن الجوهري عن

١٢

عمارة عن أبيه عن الصادق «عليه‌السلام» عن آبائه «عليهم‌السلام» قال : قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «إنّ الله تعالى جعل لأخي عليّ بن أبي طالب فضائل لا يحصى عددها غيره ، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرا بها غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ولو وافي القيامة بذنوب الثقلين ، ومن كتب فضيلة من فضائل عليّ بن أبي طالب «عليه‌السلام» لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الورقة رسم ، ومن أستمع الى فضيلة من فضائله غفر الله له ذنوبه الّتي اكتسبها بالاستماع ، ومن نظر الى كتاب في فضائله غفر الله له ذنوبه الّتي اكتسبها بالنظر ، ثمّ قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : النّظر الى عليّ عبادة ، وذكره عبادة ، ولا يقبل إيمان عبد إلّا بولايته والبرائة من أعدائه ، وروى الخوارزمي مثله (١) ، وعلى هذا فلا يمكن لأحد حصر فضائل أمير المؤمنين وأولاده الطّاهرين في كتاب ، وإنّما لو لا هنا ما وفّقنا على ذلك بمناسبة تفسير وتأويل الآيات في فضل أخيه سيد الكائنات وفضله وفضل زوجته سيّدة النّساء وفضل أولاده الأئمّة النجباء عليهم أكمل الصّلوات والتّحيّات في هذه الصفحات من كتاب آيات الأنوار ، ومن الله سبحانه نستمد التوفيق وأسأله أن يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه الكريم ، وأن ينفعنا به يوم لا ينفع مال ولا بنون ، وأن يشملنا شفاعة خير خلقه محمّد وآله الطّاهرين ، وحررّ في جوار سيّدنا أمير المؤمنين في العاشر من جمادي الأولى عام ألف وأربعمائة وواحد عشر الهجري (١٤١١ ه‍).

محمود اليوسفي الغروي

__________________

(١) امالي الشيخ الصدوق : ١١٩ المجلس / ٢٨ وراجع روضة الواعظين : ١٣٩ وارشاد القلوب : ٢ / ٢.

١٣
١٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة الفاتحة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧))

أقول : كلمة الله وكلمة الرحمن ، اسمان من اسماء الله الحسنى ، والله اسم لذاته المقدسة الجامع لجميع الكمالات ، والمنزّه عن جميع النواقص ، وهو الواجب الوجود الغنّي بالذات.

١ ـ في اصول الكافي : الحسين بن محمّد الاشعري ومحمّد بن يحيى جميعا عن أحمد بن اسحاق عن سعدان بن مسلم عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله «ع» في قول الله عزوجل (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) قال : نحن والله الاسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملا إلّا بمعرفتنا (١).

أقول : ما ورد في الأحاديث بأنهم وجه الله واسمائه الحسنى ، اي بواسطتهم

__________________

(١) اصول الكافي ج ١ ص ١٤٤ ح ٤.

١٥

يعرف الله عزوجل كما أنّ بواسطة الوجه يعرف صاحب الوجه ، ويستفاد من هذا الحديث واحاديث متظافرة أن الله تعالى لا يقبل عمل العباد إلّا بالاقرار بولايتهم «ع».

٢ ـ عن الامام أبي عبد الله «عليه‌السلام» في قول الله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) قال : فاتحة الكتاب من كنز العرش فيها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، الآية التي تقول فيها : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) ، و (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) دعوى أهل الجنة حين شكروا الله حسن الثواب ، و (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال جبرئيل : ما قالها مسلم قط الّا صدّقه الله وأهل سماواته ، (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) اخلاص العبادة ، (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أفضل ما طلب به العباد حوائجهم ، (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ، صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) صراط الأنبياء وهم الّذين أنعم الله عليهم ، (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) اليهود ، (وَلَا الضَّالِّينَ) النّصارى (١).

٣ ـ عن أبي عبد الله الصادق «عليه‌السلام» في الصراط : وهو الطريق الى معرفته عزوجل وهما صراطان ، صراط في الدنيا ، وصراط في الآخرة ، فأمّا الصراط الذي في الدنيا فهو الإمام المفترض طاعته ، من عرفه في الدّنيا واقتدى به مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة ، ومن لم يعرفه في الدّنيا زلّت قدمه على الصراط في الآخرة فتردّى في نار جهنّم (٢).

أقول : ورد في موارد متعددة في تفسير الصراط المستقيم بأنّه أمير المؤمنين أو ولايته أو هو والأئمة من أولاده ، ويأتي في محلّه ، والصّراط المستقيم هو السبيل والطريق الذي اذا سلكه أحد يوصله الى السعادة ، واذا انحرف عنه يقع في الهلكة ،

__________________

(١) تفسير العياشي ج ١ / ص ٢٢.

(٢) معاني الأخبار ص ٣٢ ح ١.

١٦

فالصراط كما ورد في الحديث المتقدم هو الطريق الى معرفة الله ومعرفة احكامه ، ولا يتحصّل الّا بواسطة الأنبياء والأوصياء ، فبعد خاتم الأنبياء طريق المعرفة منحصر بأمير المؤمنين والأئمة من ولده ، فاذا سلك الانسان طريق الاسلام وعمل بقول الله تعالى ، واطاع الرسول واولوا الأمر ، وهم الأئمة الاثنى عشر من عترته كما في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري عن الرسول الأعظم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يصل الى السعادة الأبديّة.

وجوب قرآئة (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في الصّلاة

من طريق أهل بيت العصمة ثبت وجوب قرآئة (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في الركعتين الاوليتين من الفرائض ، وهو جزء من سورة الحمد.

٤ ـ في كتاب المجالس والعيون عن الامام أبي محمّد العسكري «ع» عن آبائه عن الامام علي «ع» في حديث قال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) آية من فاتحة الكتاب ، وهي سبع آيات تمامها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

٥ ـ وعن أبي عبد الله «ع» قال : كتموا (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فنعم والله الأسماء كتموه.

يجب الجهر في بعض الصّلوات والإخفات في بعضها الاخرة

يجب الجهر بقرائة الفاتحة وسورة اخرى في صلاة الجهرية الصبح والعشائين ، ويجب الإخفات بها في الظهرين ، ويستحب الجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في الصّلاة الإخفاتيّة : الظهرين وفي غير الصّلاة أيضا يستحب الإجهار به ، وهو من علامات المؤمن.

٦ ـ روي أبن بابويه «ره» في عيون أخبار الرضا «ع» باسناده الى الامام الرضا «ع» عن آبائه عن جدّه الحسين بن علي «ع» عن أخيه الحسن بن علي «ع» عن أبيه

١٧

أمير المؤمنين «ع» قال : ان (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) آية من فاتحة الكتاب ، وهي سبع تمامها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، سمعت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقول : انّ الله عزوجل قال لي : يا محمّد ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ، فأفرد الامتنان عليّ بفاتحة الكتاب وجعلها بإزاء القرآن العظيم ، وإنّ فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش ، وإنّ الله عزوجل خصّ محمّدا «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وشرفه بها ، ولم يشرك فيها معه احدا من الأنبياء إلّا سليمان فانّه اعطاه منها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، يحكي عن بلقيس حين قالت : (إنّه من سليمان وإنّه بسم الله الرّحمن الرّحيم) ، ألا فمن قرأها متعقدا لمولاة محمّد وآله الطيّبين منقادا لهما ، مؤمنا بظاهرهما وباطنهما لكل حرف حسنة ، كلّ واحد منهما أفضل له من الدنيا وما فيها من اصناف أموالها وخبراتها ، ومن استمع الى قارىء يقرأها كان له بقدر ما للقاري ، فليستكثر من هذا الخير المعرض لكم ، فانّه غنيمة لا يذهبن أو انه فتبقى قلوبكم في حسرة (١).

٧ ـ العياشي عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله «عليه‌السلام» قال : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) يعني أمير المؤمنين «عليه‌السلام» (٢).

٨ ـ ابن بابويه «ره» : حدّثنا محمّد بن الحسن ابن احمد بن وليد «رضي الله عنه» قال : حدثنا محمّد بن الحسن الصفّار عن العباس بن معروف عن صفوان بن يحيى عن من حدّثه عن أبي عبد الله «ع» انه سئل عن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فقال : الباء بهاء الله ، والسين سناء الله ، والميم ملك الله ، قال : قلت : الله ، قال : الالف آلاء الله على خلقه من النعم بولايتنا ، والّلام الزام خلقه بولايتنا ، قلت : فالهاء ، فقال : هوان لمن

__________________

(١) العيون ص ٣٠٢ / حديث ٦٠.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٢٤.

١٨

خالف محمّدا وآل محمّد «صلوات الله عليهم» قلت : الرحمن ، قال : بجميع العالم ، قلت : الرحيم ، قال : بالمؤمنين خاصّة (١).

٩ ـ علي بن ابراهيم في تفسيره في الموثق عن أبي عبد الله «عليه‌السلام» : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) هو أمير المؤمنين ومعرفته (٢).

١٠ ـ معاني الأخبار باسناده الى محمّد بن سنان عن المفضل بن عمر قال : حدثني ثابت الثمالي عن سيد العابدين علي بن الحسين «عليهما‌السلام» ، قال : نحن أبواب الله ، ونحن الصّراط المستقيم (٣).

١١ ـ معاني الأخبار باسناده الى أبي عبد الله «عليه‌السلام» قال : الصراط المستقيم أمير المؤمنين «عليه‌السلام» (٤).

١٢ ـ معاني الأخبار باسناده الى جعفر بن محمّد «عليهما‌السلام» قال : قول الله في الحمد : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ، يعني محمّدا وذريّته «صلوات الله عليهم» (٥).

١٣ ـ علي بن ابراهيم في تفسيره باسناده الى أبي عبد الله «عليه‌السلام» في قوله عزوجل : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) قال : (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) ، اليهود والنصارى ، وروى في خبر آخر عنه «عليه‌السلام» : المغضوب عليهم ، النصاب والشكّاك ، والضّآلّين ، الّذين لا يعرفون الإمام (٦).

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٢٩.

(٢) معاني الأخبار ص ٣ ح ٢ وتفسير القمي ١ / ٢٨.

(٣) معاني الأخيار ص ٣ ونور الثقلين ١ / ١٨.

(٤) معاني الأخبار ص ٣.

(٥) معاني الأخبار ص ٣.

(٦) تفسير علي بن ابراهيم ج ١ ص ٦٩.

١٩
٢٠