آلاء الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

الشيخ محمد جواد البلاغي

آلاء الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد جواد البلاغي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ

____________________________________

مجمع البيان قيل معناه انهم لا يسألون الناس أصلا عن ابن عباس وهو قول الفراء والزجاج واكثر ارباب المعاني واستشهد له بقول الأعشى «لا يغمز الساق من اين ومن وصب» اي ليس بها اين ولا وصب ليغمز ساقها واستشهد في التبيان لذلك بقولهم ما رأيت مثله يريدون بذلك انه ليس له مثل كما استشهدوا لذلك بقول امرئ القيس «على لا حب لا يهتدى بمناره» اي ليس فيه منار يهتدى به أقول وهذه الشواهد لا تشبه الآية ولو كان المراد انهم لا يسألون أصلا لما صح من مثل كرامة القرآن ان يبين فضلهم بلفظ يظهر منه خلاف المراد ولا يقارب المراد الا بما ذكروه من التأويل البعيد (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) يوفيكم جزاءه ٢٧٥ (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) وبيده مضاعفته (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) فيما رواه الصدوق في العيون مسندا عن الرضا عن آبائه عليهم‌السلام انها نزلت في علي (ع) وروى المفيد في الاختصاص مسندا عن رسول الله (ص) انها نزلت في علي وذلك لأنه كان عنده اربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية. وروي في التبيان مثله عن ابن عباس. وقال وهو المروي عنهما وفي مجمع البيان وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع). ورواه في الكشاف وأسنده الواحدي في اسباب النزول عن ابن عباس. وحكى العياشي والواحدي روايته عن الكلبي ونحوه ايضا في مناقب الخوارزمي وعن الحافظ أبي نعيم والثعلبي في تفسيره والحمويني في فرائده وابن المغازلي وذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج ان شيخه الاسكافي احتج في رد الجاحظ بنزول الآية في علي (ع). وفي الدر المنثور اخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن عساكر من طريق عبد الله بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس وذكر نحوه وفي مناقب ابن شهرآشوب روى ذلك عن ابن عباس والسدي ومجاهد والكلبي وأبي صالح والثعلبي والطوسي والواحدي والطبرسي والماوردي والقشيري والثمالي والنقاش والفتال وعلي بن حرب الطائي وعبد الله بن الحسين في تفاسيرهم قلت وكذا في تنوير المقياس

٢٤١

(٢٧٤) الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ

____________________________________

وهو التفسير المنسوب لابن عباس : وايضا عن الثعلبي روى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس انها نزلت في شأن عبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب (ع) وكانت صدقة علي أحب الصدقتين الى الله. وروى الواحدي وصاحب الدر المنثور ان الآية نزلت في اصحاب الخيل الذين يعلفونها في سبيل الله ولكنك لا تكاد تجد بين هذا وبين الآية مناسبة تليق بكرامة القرآن : هذا ولا يخفى ما في الصدقة والإنفاق من الفوائد العظيمة في المصالح الدينية والاجتماعية وللمنفق في تهذيب نفسه من رذيلة الشح وفي قربه من الله واستحقاقه الجزاء المضاعف. كما لا يخفى ان الربا في مضاره على عكس ذلك ويقابله بالضدية في كل ما ذكرناه تمام المقابلة وهل يخفى ضرره بايقافه سوق التجارة وتبادل المنافع والمساعدات بالمعروف بين الناس. الا ترى ان الرجل بينما هو مثر إذا به قد استهلك الربا ثروته وتركه يعجز عن مؤنة عياله. فناسب ذلك في لطف الله وإرشاده لعباده ان يتبع امره وترغيبه في الإنفاق والصدقة بزجره وتوبيخه على الربا فقال جلت آلاؤه ٢٧٤ (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا) اصل الربا الزيادة واشتهر استعماله في خصوص الزيادة التي تؤخذ في معاوضة بعض النوع بمثله من المكيل والموزون سواء كان ذلك في معاملة او قرض. وحرمته في الجملة معلومة من الكتاب والسنة واجماع المسلمين بل لا يبعد كونها من ضروريات الشريعة وان خفي بعض مصاديقه عن بعض الناس كما في بعض المعاملات الربوية. والمراد من الربا اخذه وانتزاعه من مالكه كما في قوله تعالى في السورة (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ) وفي سورة النساء (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ) الخبط هو الضرب على غير استواء وضرب الشجر ليتناثر منه الورق. وخبطت الشجر أسقطت منه الورق. واسم الورق المتساقط من الشجر خبط بفتح الخاء والباء. والظاهر ان تخبطه مثل تزوجها وتبناه اتخذه خبطا اي جعله كالخبط في تتابع سقوطه بسبب مسه له في مجمع البيان من رواية الجمهور وفي تفسير القمي من رواياتنا ان رسول الله اري حال هؤلاء ليلة أسري به الى السماء وفي روايات

٢٤٢

ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ

____________________________________

الدر المنثور عن رسول الله (ص) وابن عباس وابن مسعود وانس وابن سلام لا يقوم يوم القيامة الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان وبذلك فسره مجمع البيان وهو ظاهر المقام وفي التبيان كأنه نسبه الى القيل (ذلِكَ) اي حالهم في القيام المذكور (بِأَنَّهُمْ) اي عقوبة بسبب انهم (قالُوا) في باطل قياسهم وغلط اعتراضهم على الشريعة وحكمتها (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) في انه يكون في تعاطيه ربح وتكون المالية في احد العوضين اكثر منها في الآخر مع ان البيع متداول بين الناس وقد غلطوا في قياسهم فإن الله جل شأنه قد اجرى احكام شريعته على الحكم وكثيرا ما يظهر وجهها (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) لقيامه بنظام الاجتماع ومصلحة المدنية في تبادل المنفعة بأعيان الأموال ووجوه الحاجة الى خصوصياتها مع ابتنائه على العدل في تساوي العوضين في المالية بحسب الاعتبار عند المبايعة وانما تحصل الزيادة اتفاقا بحسب اختلاف الرغبة او الزمان او المكان (وَحَرَّمَ الرِّبا) لابتنائه من أول الأمر على الزيادة في العين وماليتها وعلى الإجحاف والإخلال بحسن الاجتماع بالمعروف لما أشرنا اليه من المفاسد وسد باب الإحسان والمعاونة (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) الموعظة التذكير والتخويف من عقاب الله على معصيته ومخالفة نهيه عن الربا سواء كان ذلك بالتخويف الذي ذكره الله وخوفهم به من آي القرآن كما في التبيان او بالتخويف الذي ينتهي الى وحي الله مما يخوف به الرسول (ص) ثم الأئمة (ع) ثم الوعاظ نحو ما روي في الكافي والفقيه والتهذيب في الصحيح عن أبي عبد الله الصادق (ع) درهم ربا عند الله يعدل سبعين زنية كلها بذات محرم وفي حديث آخر في بيت الله الحرام وفيه ايضا مثل ان ينكح الرجل امه في بيت الله الحرام ومثل ما ورد من لعن النبي (ص) لآكل الربا وفي روايات الدر المنثور وغيره نحو من ذلك (فَانْتَهى) عن الربا بسبب الموعظة وتاب (فَلَهُ ما سَلَفَ) الظاهر منه الفعل السالف وهو أخذ الربا وتعاطي معاملته اي ان الله يتوب عليه ويغفره له واما ارادة انه يحل له ما اخذه فيما سلف إذا تاب فتحتاج الى تصرف في اللفظ وقرينة دالة على ذلك وفي التبيان قال ابو جعفر «يعني الباقر (ع)» من أدرك الإسلام وتاب مما عمله في الجاهلية وضع الله عنه ما سلف ونحوه في مجمع البيان. والرواية مع إرسالها لا يعلم كونها تفسيرا لهذه الآية ولو كان موردها الربا وعرف

٢٤٣

وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ

____________________________________

منها ان الذي وضعه الله هو المال الذي أخذ ربا فيما سلف لكانت من قبيل ان الإسلام يجبّ ما قبله (وَأَمْرُهُ) في توبة الله عليه وتوفيقه للثبات عليها (إِلَى اللهِ) بحسب علمه بصدق توبته وأهليته للتوفيق للدوام عليها فان المغفرة ليست بلازم طبيعي لمحض اظهار التوبة. هذا من حيث الإثم واما من حيث المال الزائد الذي هو ربا في الدين او أحد العوضين في المعاملة الربوية الفاسدة فالأمر موكول الى ما تقتضيه الأحكام الشرعية في اموال الناس وان أخذت في حال الجهل بحرمة الربا لا كما يظهر من كلامي الصدوق في الهداية والشيخ في النهاية من ان المأخوذ في حال الجهل بحرمة الربا لا يجب رده هو حلال لآخذه واعتمده في الدروس ومال اليه بعض متأخري المتأخرين استنادا الى روايات لا دلالة فيها على ذلك فإن ما روي في الكافي عن أبي المغرا وفي التهذيب عن الحلبي وفي الفقيه ما عدا صدره مرسلا جميعا عن الصادق (ع) فانما يدل صدره المروي في الكافي والتهذيب على قبول التوبة من الربا وان كانت حرمته شديدة مغلظة ولفظ الجهالة في الرواية مثل ما في القرآن في الوعد بالتوبة لمن يعمل السوء بجهالة كما في سورة النساء ٢١ والانعام ٥٤ والنحل ١٢٠ لا الجهل بالحرمة ثم على حل المال الموروث المختلط بالربا ويحمل على الذي يطهره الخمس جمعا. واما عجزه الذي انفرد به الكافي والفقيه وعن التهذيب فبالنظر الى قوله (ع) فأراد ان ينزعه وقوله (ع) فما مضى فله ويدعه فيما يستأنفلا يدل الا على انه يغفر له ما مضى من عمله بسبب توبته ونزع المال الربوي من ماله. واما ما أسنده الكافي والتهذيب عن الحلبي وأرسله الفقيه عن الصادق (ع) فيمن أتى الباقر (ع) فانما يدل صدره على حل المختلط ويحمل على الذي يطهره الخمس جمعا او على ما يحتمل وجود الحرام فيه وذلك لقوله (ع) فإن المال مالك واما عجزه من قوله (ع) فان رسول الله قد وضع الى آخره فلا دلالة فيه على انه تعليل لقوله (ع) فكله هنيئا فإن المال مالك. ولم يجر في السؤال ان مورثه كان جاهلا حرمة الربا فغاية ما يظهر منه هو ان للجاهل بحرمة الربا إذا عمل به فهو معذور من حيث الإثم. فالظاهر ان المراد منه تطييب قلب السائل بان العامل بالربا معذور إذا كان جاهلا بحرمته فأنت اولى بالاطمئنان من الإثم. واما ما رواه في التهذيب عن محمد بن مسلم عن الباقر (ع) فيمن عمل الربا حتى كثر ماله فهو شامل لصورة معرفته للربا وعلمه بتحريمه ان لم يكن ظاهر الحال

٢٤٤

وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧٥) يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ

____________________________________

والسؤال ذلك كما ان الظاهر من قول القائلين له ليس يقبل منك شيء الا ان ترده على أصحابه هو انهم سدوا عليه باب المغفرة وقبول التوبة الا ان يرد الربا على أصحابه وان جهلهم او تعذر عليه فيكون قول الباقر (ع) مخرجك من كتاب الله فمن جاءه موعظة الآية ردا على تشديد هؤلاء وان التوبة الصادقة والانتهاء مخرج من اثم الربا الى المغفرة واما مال الربا فقد يكفي فيه في بعض الموارد رده الى الإمام او نائبه او الى الفقراء فلا ينحصر قبول التوبة بخصوص رده على أصحابه على كل تقدير وقوله (ع) والموعظة التوبة يريد به ان الذي يتعلق به الغرض في قوله تعالى (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ) الى قوله (فَانْتَهى) ويغفر به الذنب انما هو التوبة واما المال فله احكامه (وَمَنْ عادَ) الى تعاطي الربا مستحلا له بعد ما نزل القرآن بتحريمه وبلغه ذلك او الى الاعتراض على الشريعة بقوله انما البيع مثل الربا او الى كل من ذينك كفرا وارتدادا وأصروا على عودهم هذا حتى ماتوا كما هو ظاهر الآية (فَأُولئِكَ) أشير بالجمع باعتبار المعنى في الموصول (أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ٢٧٥ يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا) المحق الانقاص للشيء حالا بعد حال حتى يتلف فالله يتلف الربا وان املى لآخذه زمانا حتى يذهبه منه او ممن جمعه لاجلهم كوراثه (وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) اي يزيدها باعتبار الجزاء والثواب المضاعف (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ) صيغة مبالغة في الكفر والأظهر ان المراد هنا هو كفر النعمة وعدم الاكتفاء بما أنعم الله به عليه من الحلال حتى يتقحم ما حرم الله عليه من الربا لا الكفر الشرعي وتحقق المبالغة بتكرار اخذه الربا وكفران النعم وفي التبيان ومجمع البيان حملا الكفر على الشرعي فيمن يستحل أكل الربا والاول أعم في الزجر واظهر في المقام (أَثِيمٍ) متماد على عمل الإثم ٢٧٦ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ورسوله وكتابه وشريعته (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ومنها كف النفس عما حرّم الله (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) نص عليهما بالذكر تعظيما لشأنهما وان كانا من نوع الأعمال الصالحة (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ٢٧٧

٢٤٥

مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (٢٧٩) وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٨٠) وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ

____________________________________

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) واسلموا (اتَّقُوا اللهَ) وخافوه ولا تخالفوا امره ونهيه (وَذَرُوا ما بَقِيَ) لكم عند الناس (مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) على حقيقة الايمان فذروه ٢٧٨ (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) ولم تذروه بل أصررتم على اخذه (فَأْذَنُوا) اي فاعلموا وكأنه مأخوذ من العلم بواسطة السمع بالاذن (بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ) عن الإصرار على اخذه او أخذتموه وتبتم بعد ذلك (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) دون الزيادة الربوية (لا تَظْلِمُونَ) بأخذ الربا (وَلا تُظْلَمُونَ) بالنقص من رؤوس أموالكم ٢٧٩ (وَإِنْ كانَ) حصل (ذُو عُسْرَةٍ) او وان كان ذو عسرة غريما لكم وهو من لا يجد ما يفي به من غير ما استثني له في الشريعة (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) اي فعليكم في امره او فالذي يحكم الله به في امره هو نظرة منكم له الى حصول ميسرة له ومن الميسرة ان يصل خبره الى الإمام فيفي عنه من سهم الغارمين إذا كان أنفق الدين بالمعروف كما أسنده في الكافي عن الرضا (ع) وأرسله في مجمع البيان عن الباقر (ع) (وَأَنْ تَصَدَّقُوا) عليه بالدين كلا او بعضا (خَيْرٌ لَكُمْ) اي وصدقتكم عليه بذلك خير لما فيها من ثواب الصدقة وتفريج هم المديون وتسكين قلبه في عسرته (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ما في هذا التصدق من الفوائد التي لا غنى لكم عنها. وجاءت الجملة شرطية لمزيد الترغيب اي ان كنتم تعلمون ما في التصدق المذكور من الخير فانكم ترغبون فيه بما انكم عقلاء فتصدقوا. وعبر عن المصدر بالفعل ليكون اظهر في اقدامهم على فعل الصدقة واختيارها وفي تعلق التصدق بالدين على المعسر. ولا دلالة في الآية على اختصاص حكمها بمن ذكر في الآية السابقة من المديونين بالمعاملة الربويه فإن لفظها مطلق وحكمتها عامة بل لو كانت مرتبطة لذكرت بالتفريع بالفاء فالظاهر هو عمومها لكل دين وفي التبيان وهو قولهما وفي مجمع البيان وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع). وما روي في الدر المنثور عن ابن عباس مما يوهم اختصاصها بدين الربا لا اعتبار لسنده فضلا عن خلل متنه واضطرابه وجعل المقابل لدين الربا هو الأمانة ٢٨٠ (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) رجوع معاد واستسلام اتقوا ذلك اليوم وأهواله

٢٤٦

ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٨١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ

____________________________________

العظمى بطاعة الله والانزجار عن معاصيه (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) من خير وشر وتوفيته باعتبار توفية جزائه من ثواب او عقاب (وَهُمْ) اي الناس المدلول عليهم بكل نفس (لا يُظْلَمُونَ) بنقص الثواب عن قياس العمل او عدمه وزيادة العقاب عن قياس الجرم أو ابتدائه بلا جرم ٢٨١ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ) اي تعاملتم بمعاملة فيها دين (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وهذا بيان لأن الأجل لا بد من ان يكون معينا لا جهالة فيه (فَاكْتُبُوهُ) اي فاجعلوه مكتوبا أعم من مباشرة الكتابة او تسبيبها وهذا الدين غير القرض المحض فإنه لا اجل فيه ولا عبرة بتأجيله. ولعل السر في تخصيص ذي الأجل بالذكر هو كون المؤجل في الغالب معرضا للوهم والنزاع في الأجل والشروط. وان كانت حكمة عدم الارتياب جارية في القرض ايضا باعتبار نفس المال ومقداره كما يشير الى ذلك قوله تعالى (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها) إلخ كما ان قوله تعالى (ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) يشير إلى ان حكم الكتابة والاشهاد للإرشاد لا للوجوب مضافا إلى المعروف من عمل المتشرعة من عدم الكتابة في موارد الاطمئنان كما في قوله تعالى (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) وفي التبيان لإجماع عصرنا على ذلك اي على عدم الوجوب (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) أي على حقيقة المعاملة والأجل والشروط. والأمر هنا للمتعاملين كقولك يا صاحب الضيعة ليبت في ضيعتك حارس أي أبت حارسا وقد ذكرنا انه للإرشاد. وهذا أعم من ان يكون الكاتب بينهما هو أحدهما لحصول الغرض به او هو ناظر إلى الحال في عصر النزول من كون الغالب من العرب لا يكتبون (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ) أي من يحسن الكتابة في مثل المقام (أَنْ يَكْتُبَ) والنهي هنا للكراهة إذ لا يجب تسبيب الكتابة على المتعاملين فكيف تجب على غيرهما. ولئن وجبت صنعة الكتابة كفائيا أداء للوجوب في نظام العالم لم يقتض ذلك ان يجب على كل كاتب ان يكتب في كل مورد (كَما عَلَّمَهُ اللهُ) وأنعم عليه بالكتابة (فَلْيَكْتُبْ) للناس في محل حاجتهم شكرا لنعمة الله. وهذا هو المعنى التأسيسي والظاهر لهذه الجملة وأسلوبه

٢٤٧

وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى

____________________________________

ايضا يدل على ان الكتابة مستحبة (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) والدين. يملل ويملي على الكاتب بمعنى واحد اي يذكر له الحال عند الكتابة ليكتب ما يذكره له المديون (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) في إملائه فإن الله ربه والعليم بالأمور والقادر عليه ومن اليه مرجعه وبيده عقابه (وَلا يَبْخَسْ) في إملائه (مِنْهُ) أي من الحق الذي عليه (شَيْئاً) ولو من شؤونه. وقد طلب الاملاء منه بهذا النحو استحبابا لأنه عارف بالحق ووجوهه فيكون املاؤه على الحقيقة اقرب إلى توطين نفسه على الوفاء وإلى اطمئنان الدائن بذلك وإلى المجاراة بينهما على المعروف ، ويجوز بلا خلاف ان يملل غيره او يكتب الكاتب بحسب اطلاعه ثم يعترف المديون به ويشهد على اعترافه (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً) في تصرفاته بماله بحيث الغى الشارع معاملاته واعترافاته فيها وارجع الأمر في ذلك الى وليه (أَوْ ضَعِيفاً) في عقله كالصغير والمجنون والأبله والخرف (أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ) كالأخرس ونحوه او من لا يحسن ان يبين الخصوصيات التي جرت عليها المعاملة (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ) الذي جعلت ولايته في الشريعة (بِالْعَدْلِ) على حقيقة المعاملة وخصوصياتها المطلوبة. والولي على الصغير أبوه وجده لأبيه وان لم يوجدا فولي سائر المذكورين وهو النبي (ص) او الإمام او النائب عن أحدهما ولو بعموم الجعل كالحاكم الشرعي او نائبه ولو في خصوص تلك المعاملة (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) المسلمين (فَإِنْ لَمْ يَكُونا) اي الشهيدان الحاضران اللذان هما من المسلمين (رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) أي كالذي يكتفي بشهادته رجل وامرأتان لكن لا مطلق الشاهد بل (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) أي ممن يرضاهم النوع في الشهادة ويركن إلى شهادتهم لأجل اتصافهم بالصلاح والعدالة الرادعة لهم عن الكذب والتساهل في الشهادة. وجعل بدل الرجل امرأتان حذرا من (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) وتتيه في أداء الشهادة لأن نوع النساء ابعد عن ضبط هذه الأمور من نوع الرجال (فَتُذَكِّرَ) اي فحين الضلال تذكر (إِحْداهُمَا الْأُخْرى) فيتحاوران في الأمر وكل منهما تذكر الأخرى بخصوصية

٢٤٨

وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاَّ تَرْتابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ

____________________________________

أمر فتذكر الضالة حقيقة الأمر بخصوصياته هذا في مقام الاشهاد الكافي في ثبوت الحق به فلا ينافي ما دل على ثبوته بالشاهد واليمين (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) لتحمّل الشهادة ولا ينبغي ان يأب إذا دعي لذلك كما في صحيحة التهذيب وروايته عن أبي الصباح وسماعة عن الصادق (ع) وروايته ايضا عن الكاظم ورواية الكافي عن أبي الصباح وصحيحته عن الحلبي عن الصادق (ع) ونحوها روايات العياشي والنهي للكراهة ويشهد لذلك سياق الآية في اوامرها ونواهيها وقول الإمامين (ع) لا ينبغي (وَلا تَسْئَمُوا) اي لا تملوا ولا تضجروا من (أَنْ تَكْتُبُوهُ) اي الدين في شؤونه (صَغِيراً أَوْ كَبِيراً) فإن التساهل في كل من ذلك قد يوجب النزاع وضياع شيء من الحقوق (إِلى أَجَلِهِ) اي الدين (ذلِكُمْ) اي ما تقدم من احكام الكتابة واشهاد المرضيين وعدم السأم من الاستقصاء في الكتابة (أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) اي اعدل واولى بأن تكونوا مقسطين عادلين (وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى) واقرب الى (أَلَّا تَرْتابُوا) بعد ذلك في مبلغ الدين وخصوصياته واجله. وهذه الأمور مطلوبة لحصول غاياتها الحميدة التي ربما تحتاجون إليها (إِلَّا أَنْ تَكُونَ) المعاملة بينكم (تِجارَةً حاضِرَةً) ليس فيها دين بل (تُدِيرُونَها) اي تتناقلون العوض والمعوض (بَيْنَكُمْ) بأن يأخذ كل منكم عوض ما دفعه في التجارة (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) اي ضيق وحزازة مما ارشدتم الى التخلص منه في امر الدين فلا ضير في (أَلَّا تَكْتُبُوها) اي تلك التجارة (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) وعلى استحباب ذلك إجماعنا في الحاضرة بل الاتفاق مما عدا اهل الظاهر وهو الصحيح في غيرها (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) الظاهر بسبب رجحان التأسيس وما يناسب المقام من الاستقصاء في الأحكام الاجتماعية العادلة وحكمة النظر من علام الغيوب الى حوادث المستقبل هو أن يكون «يضارّ» مبنيا للمفعول أصله يضار بفتح الراء الأولى فسكنت وحركت الثانية بالفتحة حذرا من التقاء الساكنين بسبب الجزم بالنهي اي ولا يدخل على الكاتب بسبب كتابته ولا على الشاهد بسبب شهادته صرر ما في ذات الكتابة

٢٤٩

وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٨٢) وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ

____________________________________

وعواقبها وفي ذات الشهادة وأدائها وليس عليه الا أداؤها بلا ضرر. وعلى البناء للمفعول تفسير ابن عباس على ما في تنوير المقياس ورواية الدر المنثور وروايته ايضا لقراءة عمر عند فكه لادغام الراءين (وَإِنْ تَفْعَلُوا) وتضروهم (فَإِنَّهُ فُسُوقٌ) اي خروج عن الطاعة والاستقامة كائن (بِكُمْ) كما يقال به داء كذا. وانه لما به. وبه جنون. وبه جنة كما جاء في سور الأعراف والمؤمنون وسبأ (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) فاشكروا فضله واعملوا بما علمكم مما فيه صلاحكم وطريقكم الى تقوى الله فإنكم جاهلون (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ٢٨٢ (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً) وأردتم الاستيثاق من دينكم (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) اي فوثائقكم رهان مقبوضة. والرهن مصدر رهنت الشيء أرهنه. ويستعمل في المرهون كاستعمال الوقف في الموقوف. وهو في النظم والنثر كثير ومنه

ان يقتلوني فرهن ذمتي لهم

بذات ودقين لا يعفو لها اثر

وجمعه رهان كثمر وثمار. وربما يقال ان قيد القبض هنا انما هو لأجل توقف الاستيثاق في السفر الذي ليس فيه كاتب وحصول هذه الفائدة فيه على القبض. واما الرهن في الحضر الذي هو مشروع بالسنة والإجماع فلا يشترط فيه القبض كما هو مذهب مالك من الجمهور بل يكفي في فوائده ان لا يتعلق الحجر لباقي الغرماء بالمرهون لكن في التبيان ومن شروط صحة الرهن ان يكون مقبوضا لقوله تعالى (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) وعن خلافه خلاف ذلك وفي مجمع البيان فإن لم يقبض لم ينعقد الرهن اجماعا وفي رواية التهذيب عن الباقر (ع) لا رهن إلا ما كان مقبوضا ونحوه عن تفسير العياشي لكن يكفي في منع الإجماع ما في السرائر والغنية من نقل عدم الخلاف في صحته إذا استجمع شروطا ذكراها وليس منها القبض وفي كنز العرفان ان المحققين على عدم الاشتراط بل في السرائر ان الأكثر من المحصلين على ان القبض ليس شرطا في اللزوم والرواية ضعفت بالاشتراك وتمام الكلام في الفقه (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) ولم يطلب منه وثيقة بل ائتمنه على دينه (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) وهو الدين ويمكن ان تعم جميع الأمانات حتى الوديعة نظرا الى اشعارها بالتعليل وبكون هذا المورد من احد المصاديق للعام (وَلْيَتَّقِ) بذلك (اللهَ رَبَّهُ)

٢٥٠

وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤) آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ

____________________________________

ومالك امره في الدنيا والآخرة (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) آثم خبر إن وقلبه فاعل او خبر مقدم وقلبه مبتدأ والجملة خبر ان ونسب الإثم الى القلب باعتبار انه آلة الكتمان ولتغليظ الإثم ببيان فساد المبدء للأعمال فإن فساد القلب اصل الشر والبعث على الفساد. وقيل آثم ولم يعبر بالفعل ليدل على دوام الإثم بدوام الكتمان (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ٢٨٣ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) وهو الخالق للكل والمدبر له وبيده امره وأنتم من جملة ذلك فهل يخفى عليه شيء من أموركم (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) في التبيان ومجمع البيان ان المراد بالآية ما يتناوله الأمر والنهي من الاعتقادات والإرادات مما هو مستور عنا وعلى ذلك رواية العياشي عن رجل وعن أبي عمر الزبيري عن الصادق (ع). وقد أورد في الدر المنثور في هذه روايات كثيرة مختلفة متعارضة ومضطربة. منها عن ابن عباس انها نزلت في الشهادة وإقامتها وكتمانها ويرد على الرواية انه ما معنى الحساب على ابدائها وإقامتها. ومنها عن ابن عباس وعائشة انها غير منسوخة وفسر ابن عباس ما يخفونه بالأعمال التي لم يطلع عليها الحفظة. ومنها عن أبي هريرة وابن عباس انها نسخت بقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها). وفي الرواية عن ابن عباس تفسيرها بوسوسة النفس وعنه تفسيرها تارة بحديث النفس وتارة بالتكذيب. ومنها عن ابن مسعود وعائشة ان الناسخ لها هو قوله تعالى (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) : ولكن هذا غير مستقيم فإن ما لا يدخل في وسع الإنسان لا يكلف الله به لأن التكليف به قبيح فلا يمكن ان يثبت لكي ينسخ بقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ولا تكون هذه الآية نسخا لما هو داخل في الوسع واما قوله تعالى (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) فإنه لو اختص إثباته بالافعال الخارجية لما كان فيه دلالة على النفي عن غيرها ليكون ناسخا (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) ممن يستغفر ويتوب ان كان أهلا لأن يتاب عليه (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٢٨٤ آمَنَ الرَّسُولُ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ

٢٥١

مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا

____________________________________

مِنْ رَبِّهِ) في تفسير القمي في الصحيح عن الصادق وفي تفسير البرهان عن علي امير المؤمنين (ع) وعن مقتضب الأثر مسندا عن رسول الله (ص) انه لما أسري به الى السماء ناداه الله عزوجل آمن الرسول بما انزل اليه من ربه فأجاب رسول الله (ص) عنه وعن أمته (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) ولعله اشارة الى من حملته العصبية القومية او الأغراض الفاسدة على جحد الرسول بعد قيام الحجة على رسالته جحده لأنه ليس من قومه او لأنه يعارض أغراضه الفاسدة. والى الذين قال لهم (آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ) الآية كما في الآية الخامسة والثمانين (وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) اخبار من الله بفضلهم في الطاعة والايمان (غُفْرانَكَ) منصوب بفعل من لفظه وهو اغفر ومعناه نسألك غفرانك يا (رَبَّنا) وفيه تلطف في المسألة بنحو من الاحتجاج على رحمته ومعنى أنت ربنا وولي أمرنا والى اين يذهب العبد إلا الى مولاه. ولم يذكر متعلق الغفران لأن طلبه عام لكل من يحتاج الى الغفران ولم يخرج بسوء اختياره عن أهليته له (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) اي مصيرنا في أمورنا في الدنيا والآخرة ٢٨٥ (لا يُكَلِّفُ اللهُ) بأمره او نهيه (نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) الوسع ما تسعه قدرة الإنسان ويدخل في وسعها ونسب الوسع الى النفس بهذا الاعتبار والمعنى الا ما تسعه قدرتها. وقد تمجد الله بذلك دلالة على تقدسه في كماله عن العبث والقبيح في التكليف بغير المقدور ويجوز أن يكون من كلام الرسول والمؤمنين تمجيدا لله بعدله (لَها) اي للنفس (ما كَسَبَتْ) من الخير يوفيها الله إياه ولا يفوتها من فضيلته وجزائه شيء (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) من الشر اي عليها وزره ونقصه لا على غيرها. وعبر في الشر بالاكتساب لأجل التوبيخ لفاعله والاحتجاج عليه فإن الاكتساب يدل على الاعتمال والمعالجة في طلب الكسب يشير بذلك الى ان عمل الشر كان باختبار ومعالجة من النفس في طلبه مع انه شر قد زجرها العقل والشرع عنه يا (رَبَّنا) ومالك أمرنا ومفزعنا في أمورنا (لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) من الخطأ ضد العمد وان كثيرا

٢٥٢

رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم (١) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ

____________________________________

من النسيان والخطأ ما يقع بسبب التساهل والتقصير في التحفظ لتحصيل ما كلف به وهذا مما لا تقبح فيه المؤاخذة على مخالفة الواقع فطلبوا من الله ان لا يؤاخذهم في ذلك (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) اي عبئا ثقيلا من التكاليف الشاقة ولو لحكمة التأديب (كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) لتمردهم (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) من الابتلاء والامتحان او العذاب في دار الدنيا بل والآخرة (وَاعْفُ عَنَّا) العفو هو إسقاط الحق والمراد إسقاط حق العقوبة (وَاغْفِرْ لَنا) الغفران هو الصفح عن الذنب (وَارْحَمْنا) وهو دعاء جامع (أَنْتَ مَوْلانا) وولي أمرنا وملجؤنا لا غيرك (فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) لنوفق لإظهار دينك وطاعتك في دين الحق

سورة آل عمران

مائتا آية وهي مدنية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ١ الم) علمها عند الله وأمناء وحيه (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) تقدم شيء من تفسيرها في آية الكرسي ٢ (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) وهو القرآن الكريم (بِالْحَقِ) حال كونه (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) اي ما تقدم عليه من الكتب الإلهية. يشهد بصدق نسبتها الى الوحي الإلهي وصدق ما فيها من الحقائق. او انه بانطباقه في مجده بعينه على اخبار الكتب الإلهية السابقة به ووصفها وتمجيدها له يكون المصداق المصدق لها في ذلك الاخبار والتمجيد (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ) وهي الحقيقة المنزلة على رسوله موسى (وَالْإِنْجِيلَ) وهو الكتاب الواحد الحقيقي المنزل على رسوله عيسى (مِنْ قَبْلُ) حال كون التوراة والإنجيل (هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) في تفسير القمي في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن الصادق (ع) في الآية الفرقان كل امر محكم. والكتاب هو جملة القرآن الذي يصدقه من كان قبله من الأنبياء. ونحوه عن تفسير

٢٥٣

(٣) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٤) إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ

____________________________________

العياشي. وفي الكافي عنه (ع) القرآن جملة الكتاب والفرقان المحكم الواجب العمل به. ونحوه عن تفسير العياشي ٣ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) وجحدوا كونها منزلة من الله وماتوا على كفرهم (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) بما كفروا (وَاللهُ عَزِيزٌ) في جلال شأنه (ذُو انْتِقامٍ) بعزته وقدرته من الكافرين ٤ (إِنَّ اللهَ) عليم بكل شيء (لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ) الرحم هو العضو الذي يتكون فيه الجنين من الأمّ الى حين الولادة (كَيْفَ يَشاءُ) بحكمته الباهرة ومن آيات ذلك ان أعضاء الإنسان الظاهرة مع انها معدودة يصورها بقدرته وحكمته بحيث يمتاز كل من البشر عن الآخر. واما حكمة هذا التصوير وما في كل واحد من الأعضاء الظاهرة والباطنة من الحكم الباهرة والفوائد الكبيرة والأسرار العجيبة فهو أعظم من ان يوصف. واما الذي وصلت اليه معرفة البشر فهو مما لا يسع هذا المقام بعضه. وفي التشريح الجديد ما يبهر العقول ببواهر حكمه وعجائبه. وان الذي يظهر من أعضاء الإنسان وآلات حسه ليكفي في بيان الحكم العجيبة لكل ذي رشد وادراك. وكل ذلك جار في حكمه وخلقه وتصويره على قوانين منتظمة. وفي هذا كفاية في الحجة على ان ذلك من صنع إله عليم يخلق بإرادته وحكمته (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ) بقدرته وسلطانه (الْحَكِيمُ) في خلقه واعماله (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) و (لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) ٥ (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) على ما اقتضته الحكمة الإلهية من كونه على احسن نهج في المحاورات. وابرع أسلوب في كلام العرب فيما يتسابقون به فخرا في ميدان البلاغة ويتساجلون به في مقام التفنن بمحاسن الكلام ومزاياه الفائقة. ليكون بإعجازه ذلك حجة بينة عليهم في انه تنزيل من رب العالمين. كما أشرنا الى شيء من وجه ذلك في الفصل الاول من المقدمة. وعلى ذلك فلا بد من ان يشتمل أسلوبه الكريم على انواع الدلالات. وملح الكنايات ولطائف الإشارات والنكت في انواع المجاز كما هو الشأن في الكلام البليغ. وقد تقتضي الحكمة

٢٥٤

مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ

____________________________________

ان تجيء الآية بلفظ عام او مطلق والمراد منها منحصر في نوع او فرد هو مورد النزول وتدل عليه قرائن الأحوال ودلائلها كقولك هذا وهؤلاء حينما توجه الاشارة بالقرينة الى معين مخصوص. ولا ريب في ان ما ذكرناه مما يقتحم التشابه بادئ بدء في امره وما يؤول اليه تفسيره. وذلك اما من جهة خفاء القرينة ولو بواسطة القصور في بعض الافهام. واما من جهة المكابرة في أمرها بحسب الأغراض وإن كانت عقلية بديهية. او يدل عليها نفس القرآن الكريم او الحديث الصحيح او المستفيض او المتواتر. ولأجل ما ذكرناه من الحكمة صار الكتاب المجيد من حيث وجوه الدلالة في ألفاظه على المراد (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) قد أحكمت باقتضاء الحكمة عباراتها في دلالتها على المراد بجريانها على النص والصراحة مع التأييد لذلك بحكم العقل البديهي واقتضاء السياق. فحفظت دلالتها بحسب اللغة والاستعمال من خيال الاحتمال. وخلجان التشابه عند المستقيمين في الشعور والمعرفة لموازين الكلام ، والمبرئين من فلتات الجهل وغواية الأهواء وعبثها بالحقائق. وهذه الآيات المحكمات كل واحدة منهن بالنظر الى ذاتها هي ام واصل ومرجع لما توضحه باحكامها من بيان حقيقة او تأسيس أساس ، او تشريع حكم ، او إيضاح لمتشابه وتأييد لدلالته ولكن بالنظر الى مجموعها في القرآن المجيد ، وكونها باعتبار احكامها مرجعا واحدا مبينا للمراد من حقائق الكتاب المجيد (هُنَ) بمجموعهن والنظر اليه (أُمُّ الْكِتابِ) ومرجعه الذي يتضح به المقصود من حقائق التنزيل وتتأيد به قرائن المتشابهات ويوضح دلالتها ويزيل عنها غبار الأوهام (وَ) منه (أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) على ما أشرنا اليه من أساليب الكلام البليغ ووجوه محاسنه في المحاورة وما تقتضيه الحكمة (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) اي استحبوا العمى على الهدى واختاروا الضلال بأهوائهم وحرفوا قلوبهم وأمالوها عن نهج الحق والإذعان به واشعروها الزيغ والانحراف التعيس (فَيَتَّبِعُونَ) بأهوائهم ونزعات ضلالهم ، ونزعات اضلالهم (ما تَشابَهَ) بالنحو الذي أشرنا اليه (مِنْهُ) اي من الكتاب المجيد فيبدلون مراده ويغالطون في دلالة قرائنه ، ويصرفونه عن موارد تنزيله تغاضيا عن واضحات قرائنه وبينات دلائلها ويتشبثون بالمتشابه (ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) اي طلبا لأن يجدوا سبيلا الى التلاعب

٢٥٥

وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ

____________________________________

في تأويلهم له بحسب أهوائهم. وصرفه عن مؤدى تنزيله وطلبا لأن يفتنوا الناس بذلك (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ) اي تأويل القرآن كله (إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) لا هؤلاء الذين لم تثبت لهم في العلم قدم (بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) فلم يسلكوا إلا دحض الجهل بزيغ الأهواء وللناس في هذا المتشابه الذي عنته الآية خلاف كبير وإن خلط بعضهم في محل النزاع فمن الناس من يقف في الآية على لفظ الجلالة ويستأنف قوله تعالى (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) بأن يكون الراسخون مبتدأ وخبره (يَقُولُونَ آمَنَّا) فيخرج الراسخين في العلم عن فضيلة العلم بالتأويل ويحطهم عن رتبة استحقوها ونوّه بها القرآن الكريم في هذا السياق المشرق إذ وصفهم في طرده بالرسوخ في العلم. ومن الناس من قال بعطف «الراسخون» على لفظ الجلالة. وأن الله جلت آلاؤه فتح للراسخين في العلم باب العلم بالتأويل بلطفه ، وكرّمهم بهذه الرتبة بتعليمه. وهذا الخلاف مما لا يكتفى فيه بالمصادرات ، ولا لعل وليت. بل لا بد فيه من إيراد الدلائل الرافعة لتشابه موارد الواو في عطف المفرد او الجملة او الاستئناف. وغاية ما يحتج به للقول الأول هو ما جمع رواياته في الدر المنثور. منها عن ابن عباس قال تأويله يوم القيامة لا يعلمه الا الله. وعنه ايضا في بيان وجوه القرآن وتفسير يعلمه العلماء ، وتفسير تعرفه العرب بلغتها ، وتفسير لا يعلم تأويله الا الله ومن ادعى علمه فهو كاذب. وفي رواية اخرى وتفسير تفسره العلماء ومتشابه لا يعلم تأويله الا الله ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب ومن طريق طاوس عن ابن عباس ايضا كان يقرأها وما يعلم تأويله الا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا. وعن الأعمش قال في قراءة عبد الله وان حقيقة تأويله الا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا. وذكر في الدر المنثور رواية هذا القول ايضا عن رأي عائشة وأبي الشعثاء وعروة وعمرو بن عبد العزيز ومالك وذكر ايضا أحاديث تحذر من المجادلة في كتاب الله واتباع المتشابه منها ما أخرجه عبد الرزاق وسعيد وعبد بن حميد والجوامع الستة وغيرهم عن عائشة عن رسول الله (ص) انه قرأ الآيات وقال : فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عناهم الله فاحذروهم. وفي لفظ البخاري فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فاحذرهم. وجمع ابن جرير بين العبارتين ـ ويردّ هذا الاحتجاج بعد غض النظر عن الأسانيد وما فيها هو ان يوم القيامة الذي في حديث ابن عباس

٢٥٦

خارج عن محل الخلاف وسوق الآية وموضوعها من التأويل. بل ان محل الخلاف هو ما عناه بقوله وتفسير تعلمه العلماء ، او تفسره. وقوله في حديث آخر ظهره التلاوة وبطنه التأويل فجالسوا به العلماء وجانبوا به السفهاء. وأما ما روي من القراءة فيرده تواتر غيرها واجماع المسلمين على عدم الاعتناء بها. وأما الآراء التي ذكرنا روايتها فهو اجتهاد في محل النزاع بلا دليل واما التحذير ممن يجادل ويتبع المتشابه فإنما هو تحذير من الضالين المضلين الذين وصفتهم الآية الكريمة لا الراسخين في العلم. هذا واما القول الثاني فحجته دلالة العقل والنقل الصحيح من الفريقين وسياق القرآن الكريم ، أما دلالة العقل فإن المتشابه الذي أشرنا اليه والى وجوه تشابهه والذي يتبعه ويطلبه الزائغون عن الحق ابتغاء الفتنة في امر الدين ونظام الملة واحكام الشريعة هو في القرآن كثير جدا. ومما لا يصح في العقل انه مع هذه الكثرة يحرم الله من تأويله والعلم به رسوله الهادي الكريم وأمناءه على الوحي ، وعلماء الأمة. فيكون القسم الكبير من القرآن الكريم لا فائدة في تنزيله للبشر مطلقا حتى الرسول الأكرم ولا اثر له إلا صدى ألفاظه وسواد حروفه. واما الحديث من طريقنا ففي تفسير القمي في الصحيح عن الباقر (ع) قال : ان رسول الله (ص) أفضل الراسخين في العلم قد علم جميع ما انزل في القرآن من التنزيل والتأويل وما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه تأويله وأوصياءه من بعده يعلمونه كله وعن العياشي مثله. وفي الكافي عن أحدهما عليهم‌السلام مثله. وفي الكافي في الصحيح عن الصادق (ع) نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله. ونحوه عن تفسير العياشي. وفي نهج البلاغة وغيره قول امير المؤمنين علي (ع) ولقد جئتهم بالكتاب مشتملا على التنزيل والتأويل : ومن طرق اهل السنة ما في الدر المنثور اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن الانباري من طريق مجاهد عن ابن عباس قوله انا ممن يعرف تأويله. واخرج احمد والطبراني وابو نعيم في الحلية عن ابن عباس ان رسول الله قال : اللهم أعط ابن عباس الحكمة وعلمه التأويل واخرج الحاكم في مستدركه وابن أبي شيبة اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل. واخرج الحاكم ايضا اللهم علمه تأويل القرآن. وأخرج ابن ماجه وابن سعد والطبراني اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب. فانظر اقلا الى كنز العمال ومختصره في كتاب الفضائل. ولو كان علم التأويل منحصرا بالله ولم يعلمه رسوله والراسخين في العلم لما دعا به رسول الله (ص) لابن عباس. وما هو معنى الدعاء بما لا يرجى وقوعه. واخرج الحاكم في الصحيح على شرط البخاري ومسلم كما هي عادته في المستدرك عن معقل بن

٢٥٧

يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٧) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا

____________________________________

يسار عن رسول الله (ص) اعملوا بكتاب الله فما اشتبه عليكم فاسألوا عنه اهل العلم يخبروكم. الحديث. والذي يشتبه عليهم هو المتشابه. واخرج احمد وابو يعلى في مسنديهما والبيهقي في شعبه والحاكم في مستدركه وابو نعيم في الحلية وسعيد بن منصور في سننه وابن السكن عن الأخضر الانصاري. والديلمي عن أبي ذر جميعا عن رسول الله (ص) ان عليا (ع) يقاتل على تأويل القرآن كما قاتل هو (ص) على تنزيله. ومفاد الحديث ان امير المؤمنين (ع) كان عالما بتأويل القرآن على حقيقته فهو يقاتل دفاعا عنه وتثبيتا لحقائقه في الدين واساسياته كما قاتل رسول الله (ص) دفاعا عن تنزيله : واما دلالة سياق القرآن فإن تمجيد الراسخين في العلم بهذا التمجيد السامي والصفة الفائقة انما يناسب عطفهم في مقام العلم بالتأويل ورسوخهم فيه ومجدهم في الايمان بمؤداه على بصيرة من أمرهم واما قولهم آمنا فلو أريد به الإيمان بنزول لفظه من دون علم بمعناه ولا عمل به لكان المناسب له وصفهم بتصلبهم في الايمان والتسليم لرسول الله في التنزيل اذن فقوله تعالى (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) حال اي يعلمون تأويله حال كونهم يقولون آمنا اي بما عرفوه من مؤداه فإن الكثير منه هو اساسيات دينية قد اقتضت الحكمة إبهامها حال التنزيل بالإطلاق او العموم او الكناية او غير ذلك مع بيان تأويلها وخصوصية المراد بقرائن الحال او السنة كما وقع مثله في آية الزكاة إذ أهمل مقدارها ووقت أخذها ومورد وجوبها الى سنة ترويضا للناس في أمرها وصعوبتها عليهم. وسيمر ان شاء الله لذلك موارد (كُلٌ) من المحكم والمتشابه والتنزيل والتأويل (مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) وولي أمرنا الحكيم في بيانه لنا وهدانا إلى الحق (وَما يَذَّكَّرُ) من ارشاد القرآن الكريم وهذه الآية الشريفة (إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ ٦ رَبَّنا) اي يا ربنا ومالك أمرنا ومن بيده توفيقنا وخذلاننا. ومناسبة السياق تقتضي ان يكون ذلك دعاء من الراسخين في العلم في التوفيق للثبات على الهدى بما علمهم الله من التأويل (لا تُزِغْ قُلُوبَنا) اي لا تخذلنا وتسلب عنا بسوء اعمالنا لطفك وتوفيقك فتزيغ قلوبنا وتنحرف عن الحق والاستقامة فنبتغي الفتنة بالتلاعب بتأويل القرآن (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) بلطفك الى معرفة الحق ، والنكتة في نسبة الإزاغة إلى الله هي النكتة في نسبة الإضلال اليه جل شأنه. وهي التنويه بما لتوفيقه من الأثر المحيي

٢٥٨

وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا

____________________________________

وما لخذلانه من الوبال المهلك كما ذكرنا فيما قبل الأخير من شواهد المقام الثاني من المقدمة في نسبة الإضلال وأوضحنا امره في تفسير الآية السادسة من سورة البقرة (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) باللطف والتوفيق (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ٧ رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) وهو يوم القيامة والحشر من القبور للجزاء. كيف يكون فيه ريب وأنت أخبرت به في كتابك الكريم بالصراحة المتكررة المؤكدة والحجة القاطعة (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) وعدل من الضمير الى الظاهر لأنّ لفظ الجلالة فيه اشارة الى الإلهية وكمالها وقدسها فكأنه احتجاج على عدم الخلف للميعاد بمعنى أن الإله يجلّ عن ذلك فلنا اليقين والثقة التامة بما وعد من المعاد والجزاء. ٨ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) وماتوا على كفرهم (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ) عذاب (اللهِ) كما في التبيان ، ومجمع البيان في تفسير الآية الثانية عشرة بعد المائة وفي الجلالين في تفسير الآيتين او بلائه او انتقامه او غضبه او مطلق ما يخاف منه فتكون «من» للابتداء كقولك أغنيت عنك في الحرب أهوالها من الميمنة (شَيْئاً) من الغناء فيكون في مقام المفعول المطلق لتغني ويحتمل أن يكون مفعولا به لتغني اي لن تغني شيئا من عذاب الله ولن تجزيه فتكون «من» للتبعيض : ذكرت الأموال والأولاد لأنها من أهم ما يعتمد عليه الإنسان الجاهل لما يخافه من النوائب وهي التي يبيع لها آخرته ودينه. والغنى بالقصر وبالمد ككلام عدم الحاجة واغنى فلان قام بالحاجة وكفى عن غيره واليه يرجع قول التبيان. الاختصاص بما ينفي الحاجة. وكثر استعماله فيما كان الكافي او المكفي مما لا يعقل كاستعماله في دفع ما لا يراد والتخليص منه كقوله :

إذا قال قدني قال بالله حلفة

لتغني عني ذا إنائك اجمعا

اي ما في إنائك وقول عثمان للرسول بصحيفة امير المؤمنين علي (ع) اغنها عني. ولأجل ما ذكرناه صار اللغويون يجولون حول هذا المعنى ففسروا الإغناء بالنفع او كفاية المؤنة ، او الاجزاء ، او الصرف ، او الكف. وكثيرا ما يترك المفعول للإغناء والمتعلقات به لعدم الحاجة الى ذلك في مهم المقام كقول طرفة في معلقته

٢٥٩

وَأُولَٰئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١١) قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ

____________________________________

ولا تجعليني كامرئ ليس همه

كهمي ولا يغني غنائي ومشهدي

وقد يترك المفعول وتذكر المتعلقات المقصودة كما تقول ذبحت بالسكين ودفعت عنك بنفسي وأغنيت في الحرب من هجماتها او من أبطالها أو من ميمنتها مثلا فتكون «من» في هذا المثال كالآية للابتداء كما عن المبرّد وبعض. وذلك لتضمن إغناء المحذور معنى التخليص منه. وقال في الكشاف والمغني ان «من» في الآية بمعنى «بدل» اي ان أموالهم وأولادهم لا تغني عنهم بدل رحمة الله أقول وهذا التفسير لا يستقيم مع إبقاء الإغناء على معناه وكيف تكون رحمة الله مغنية عن الكافرين بمعنى اغتناء المحاذير واكتفائها واجتزائها بالرحمة بخلاف الأموال والأولاد فإنهم لا يكونون كذلك بدل الرحمة. اللهم الا ان يدعى استعمال لفظ الإغناء هنا بمعنى النفع لكنه مجاز لو صح لكان محتاجا الى القرينة المفقودة هاهنا فإنّ معنى النفع غير معنى الإغناء. تقول في مثل هذا المقام أغنيت عنه ولا تقول نفعت عنه مضافا الى ان قوله تعالى (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ) مانع عن استعمال لفظ الإغناء بمعنى النفع لأن المتعلقات والحروف الجارة انما هي باعتبار المعاني لا باعتبار الألفاظ. إذا عرفت هذا فقل ما شئت في تفسير صاحب المنار حيث قال وانما معنى «من» هنا البدلية اي ان أموالهم وأولادهم لن تكون لهم بدلا من الله تغنيهم عنه. وأقول لماذا نسي هذا المفسر ان تنزيل الآية الكريمة انما هو لن تغني عنهم لا لن تغنيهم. واين «من» من البدلية ومثل ذلك ما حكي عن أبي عبيدة من انّ معنى «من» في الآية معنى «عند» (وَأُولئِكَ) اي الذين كفروا (هُمْ وَقُودُ النَّارِ) وسوأة لهم وسحقا ٩ (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) الدأب مصدر دأب يدأب إذا اعتاد الشيء وتمادى عليه اي حال هؤلاء المذكورين ودأبهم كدأب آل فرعون اي قومه (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم (كَذَّبُوا بِآياتِنا) هذا تفسير لدأبهم اي كدأب المذكورين في التكذيب (فَأَخَذَهُمُ اللهُ) استولى عليهم بالعقاب (بِذُنُوبِهِمْ) اي بسببها (وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ ١٠ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ) المهاد ما يمهده الإنسان لاستراحته وعبر عن جهنم بالمهاد تهكما بهم وبسوء اختيارهم وعاقبتهم ، في تفسير

٢٦٠