إعراب القرآن - ج ٣

الزجّاج

إعراب القرآن - ج ٣

المؤلف:

الزجّاج


المحقق: ابراهيم الأبياري
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٠

السابع والخمسون

هذا باب ما جاء في التنزيل وصار المضاف إليه عوضا من شيء محذوف

فمن ذلك قوله تعالى : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ) (١) ، وأنت تقول : أقمت إقامة ، فإذا قلت : إقام الصلاة ، حذفت التاء ، ويصير المضاف إليه عوضا من التاء.

نظيره فى الأنبياء : (فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ) (٢).

وقد شاع كون المضاف إليه بدلا من التنوين والألف واللام.

__________________

(١) النور : ٢٧.

(٢) الأنبياء : ٧٣.

٤١

الثامن والخمسون

هذا باب ما جاء في التنزيل معطوفا وليس المعطوف مغايرا

للمعطوف عليه وإنما هو هو أو بعضه

فمن ذلك قوله تعالى : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) (١) ، إن حملت الكلام على المعنى وقلت : إن التقدير : أحرص من الناس ، كان «الذين أشركوا» داخلين معهم ، وخصوا بالذكر لشدة عنادهم.

ومثله : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) (٢).

ومثله : (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) (٣).

ومثله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً) (٤) ، و«الضياء» فى المعنى هو الفرقان.

وقال : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (٥).

فأمّا قوله : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) (٦) ، فالشافعى يجعله من هذا الباب فيقول ، لو قال رجل : والله لا آكل الفاكهة ؛ فأكل من هذين يحنث ، وجعله من هذا الباب ك «جبريل وميكال».

__________________

(١) البقرة : ٩٦.

(٢) البقرة : ٩٨.

(٣) الأنفال : ٤٩.

(٤) الأنبياء : ٤٨.

(٥) الحجر : ٨٧.

(٦) الرحمن : ٦٨.

٤٢

وأبو حنيفه يحمله على أصل العطف من المغايرة دون ما خص بالذكر بعد الواو ، إمّا تعظيما ، وإمّا لمعنى آخر.

ومثله : (الَّذِي / خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ. وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) (١) ، إلى قوله : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) (٢).

وحكى سيبويه : مررت بزيد وصاحبك ، ولا يجوز : فصاحبك ، بالفاء ، خلافا لأبى الحسن الأخفش.

وقال : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) (٣).

وفى موضع آخر : (تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ) (٤). والكتاب والقرآن واحد.

فأما قوله ، (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ) (٥). فيكون من هذا الباب ، فيكون «الذي» فى موضع الجر ، أي : تلك آيات الكتاب المنزّل إليك ، ويرتفع «الحق» إذا بإضمار مبتدأ ، ويكون «الذي» مبتدأ ، و«الحق» خبرا له.

__________________

(١) الشعراء : ٧٨ ، ٧٩.

(٢) الشعراء : ٨٢.

(٣) الحجر : ١.

(٤) النمل : ١.

(٥) الرعد : ١.

٤٣

التاسع والخمسون

هذا باب ما جاء في التنزيل من التاء في أول المضارع

فيمكن حمله على الخطاب أو على الغائبة

فمن ذلك قوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) (١) ، يجوز أن يكون : «تطهرهم أنت» ، وأن يكون التقدير : تطهرهم هى ، يعنى الصدقة ، فيكون الأول حالا من الضمير فى «خذ» ، وفى الثانية صفة ل «صدقة».

قال أبو علىّ : يمكن أن يكون حالا للمخاطب ، أي : خذها مطهّرا لهم ، فإن جعلت «تطهر» صفة ل «صدقة» لم يصحّ أن يكون «تزكيهم» حالا من المخاطب ، فيتضمن ضميره ؛ لأنك لو قلت : خذ مزكّيا ، وأنت تريد الحال ، فأدخلت الواو ، لم يجز ذلك لما ذكرنا ، ويستقيم فى «تطهرهم» أن يكون وصفا ، وكذلك «تزكيهم» وصفا له ، وكذلك «تزكيهم» لمكان «بها». كما يستقيم فيهما أن تكونا حالين ، ولا يستقيم أن تكون الأولى وصفا والأخرى للمخاطب ، كما لا يجوز أن تكون الأولى حالا والأخرى وصفا ، لمكان الواو.

ومن ذلك قوله : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ) (٢). أي تحل أنت وإن شئت : أو تحل القارعة.

__________________

(١) التوبة : ١٠٣.

(٢) الرعد : ٣١.

٤٤

ومثله : (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ) (١) ، إن شئت : تلقف أنت ، وإن شئت : تلقف العصا التي فى يمينك ، فأنث على المعنى.

وقال : (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) (٢) إن شئت : تحدّث أنت ، أو : تحدّث هى ، يعنى الأرض.

__________________

(١) طه : ٦٩.

(٢) الزلزلة : ٤.

٤٥

المتم الستين

هذا باب ما جاء في التنزيل من واو الحال تدخل على الجملة من الفعل

والفاعل ، والمعروف منها دخولها على المبتدأ والخبر ، كقوله : (وَطائِفَةٌ

قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) (١). وقد دخل على الفعل والفاعل في مواضع

فمن ذلك قوله : (لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) (٢) كان سهل (٣) يقف على «ذلول» ويبتدى بقوله : «تثير الأرض» فيكون «الواو» فى «ولا تسقى الحرث» للحال دون العطف ، لأن النفي لا يعطف على الإثبات.

ومن ذلك قوله : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً) ، (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) (٤) ، أي : غير مسئول ، فهو فى موضع الحال ، وحمله مرة أخرى على الإثبات.

ومن ذلك قوله تعالى : (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ) (٥) ، فيمن خفّف النون. قال : وإن شئت كان على لفظ الخبر ، والمعنى : معنى الأمر ، كقوله : (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ) (٦) ، (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها) (٧) ، أي : لا ينبغى ذلك.

وإن شئت جعلته حالا من «استقيما» ، وتقديره : استقيما غير متبعين.

وأنشد فيه أبياتا تركتها مع أبيات أخرى.

__________________

(١) آل عمران : ١٥٤.

(٢) البقرة : ٧١.

(٣) سهل : هو أبو حاتم السجستاني سهل بن محمد بن عثمان. بصري : كان إماما في علوم القرآن واللغة والشعر. وله : إعراب القرآن. وكانت وفاته بين الثامنة والأربعين والخامسة بعد المائتين (البقية : ٢٦٥).

(٤) البقرة : ١١٩.

(٥) يونس : ٨٩.

(٦) البقرة : ٢٢٨.

(٧) البقرة : ٢٣٣.

٤٦

فأما قوله : (وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ) (١) ، فإنهما كانا طائفتين : طائفة قالت : يا أهل يثرب لا مقام لكم ، وطائفة تستأذن النبي. فالواو للاستئناف عطف على «وإذ قالت».

ويجوز أن يكون للحال من «الطائفة» ، أي : وإذ قالت طائفة منهم كيت وكيت ، مستأذنا فريق منهم النبي. وجاز لربط الضمير الجملة بالطائفة ، أي : قالت كذا ، وحال طائفة كذا.

ومن ذلك قوله تعالى : (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً) (٢). يجوز أن يكون حالا من الباغين ، أي : يصدّون باغين ؛ ويجوز أن يكون حالا من «السبيل».

ويجوز الاستئناف ، لقوله فى الآية الأخرى : (وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً) (٣). وحكم تعديته ـ أعنى «تبغون» ـ إلى أحد المفعولين ، أن يكون بحرف الجر ، نحو : بغيت لك خيرا ، ثم يحذف الجار.

ومن ذلك قوله تعالى : (وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا) (٤). الواو فى «اتخذتموه» واو الحال ، أي : أرهطى أعزّ عليكم من الله وأنتم بصفة كذا؟ فهو داخل فى حيز الاستفهام.

__________________

(١) الأحزاب : ١٣.

(٢) الأعراف : ٤٥.

(٣) الأعراف : ٨٦.

(٤) هود : ٩٢.

٤٧

/ ومن ذلك قوله تعالى : (إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ* وَلا يَسْتَثْنُونَ) (١) قيل : لم يقولوا : إن شاء الله. وقيل : لم يستثنوا حق المساكين. فعلى الثاني : الواو للحال ، أي : أقسموا غير مستثنين ، وعلى الأول : الواو للعطف ، أي : أقسموا وما استثنوا ، فهو حكاية الحال من باب : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ) (٢). وإن شئت من باب : (كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ) (٣) نظير قوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) (٤) ، وقوله : (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ) (٥) ، وقوله : (رَبِّ ارْجِعُونِ) (٦).

وأما قوله : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا) (٧).

قال الجرجاني (٨) : كما لا يجوز أن يكون «لا نكذب» معطوفا على «نرد» لأنه يدخل بذلك الحتم ويجرى مجرى أن يقال : يا ليتنا لا نكذب ، كذلك لا يجوز أن تكون الواو للحال ، لأنه يوجب مثل ذلك من دخوله فى التمني من حيث كانت الواو إذا كانت للحال ربطت الجملة بما قبلها.

فإذا قلت : ليتك تأتينى وأنت راكب ، كنت تمنيت كونه راكبا ، كما تمنيت الإتيان. فإن قلت ما تقول فى مثل قول المتنبي :

فليتك ترعانى وحيران معرض (٩)

لا يتصور أن يكون دنوه من «حيران» متمنّى ، فإن ذلك لا يكون ؛ لأن المعنى فى مثل هذا شبيه التوقيف ، نحو : ليتك ترعانى حين أعرض حيران ، وحين انتهيت إلى حيران ، ولا يكون ذلك إلّا فى الماضي الذي قد كان ووجد ،

__________________

(١) القلم : ١٧.

(٢) الكهف : ١٨.

(٣) الحج : ٢٥.

(٤) الحجر : ٩.

(٥) يونس : ٨٣.

(٦) المؤمنون : ٩٩.

(٧) الأنعام : ٢٧.

(٨) الجرجاني : هو أبو الحسن علي بن عبد العزيز. ومن كتبه : تفسير القرآن. وكانت وفاته سنة ٣٦٦ ه‍. (وفيات الأعيان. معجم الأدباء).

(٩) صدر بيت من قصيدة له في مدح كافور ، وعجز البيت :

فتعلم أني من حسامك حده

وحيران : ماء بالشام بالقرب من سلمية ، على يوم منها. ومعرض : ظاهر ، من أعرض الشيء : إذا بدا للناظر. (الديوان ٢ : ٢٧).

٤٨

وكلامنا فى المستقبل ، فهذه زيادة فى آخر الكتاب تجىء على قول الفرّاء دون سيبويه وأصحابه ، من عطف الظاهر المجرور على المضمر المجرور ، يذهب إليه فى عدة آي :

منها قوله : (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (١) ، يحمل جر «المسجد» على «الهاء».

ومنها قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) (٢) ، فيمن قرأها بالجر.

ومنها قوله : (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ) (٣)

ومنها قوله : (لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي) (٤) ، يحمل «أخى» على «الياء» فى «نفسى».

ومنها قوله : (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) (٥) ، يحمل «من» على «الكاف والميم».

ونحن ذكرنا الأجوبة فى هذا الكتاب وأبطلنا مقالته أن سيبويه (٦) لا يجيز : مررت به وزيد ، حتى يقول : وبزيد ، بإعادة الباء ، لأنه لا يقال : بزيد و«ك» ، / حتى تقول : «وبك» فأخذ هذا من ذاك ، ولأن حرف الجر لا ينفصل عن المجرور ، والتأكيد فى هذا مخالف للعطف ، لأنه يجيز : مررت بك نفسك ، لأنه يجوز : مررت بنفسك ، ولا يجوز : مررت

__________________

(١) البقرة : ٢١٧.

(٢) النساء : ١.

(٣) النساء : ١٢٧.

(٤) المائدة : ٢٥.

(٥) الحجر : ٢٠.

(٦) الكتاب (١ : ٣٨٩)

٤٩

بك أنت وزيد ، حتى تقول : وبزيد ، فالتأكيد ب «أنت» : يخالف التأكيد بالنفس ، وللفرّاء أبيات كلها محمولة على الضرورة.

قالوا : والتوكيد بالمضمر المجرور لا يحسن عطف الظاهر عليه كما حسن فى المرفوع ، لأن المرفوع بالفعل قد يكون غير متصل بالفعل الرافع له الظاهر فيه ، وإنما استحسن التوكيد لأن التوكيد خارج عن الفعل ، فنصبوه بمنزلة الفاعل الذي ليس متصلا ، فيعطف عليه كما يعطف على ما ليس بمتصل من الفاعل ، والمجرور لا يكون إلّا متصلا بالجار ، فلا يخرجه التوكيد إلى شبه ما ليس بمتصل.

٥٠

الحادي والستون

باب ما جاء في التنزيل من حذف «هو» من الصلة. وهذا

الباب وإن تقدم على التفصيل فينبغي أن يفرد له باب

فمن ذلك قوله تعالى : (مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) (١) ، فيمن رفع.

وقوله : (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) (٢) ؛ فيمن رفع أيضا.

وقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ) (٣).

فالتقدير فى هذه كلها : ما هى بعوضة ، وتماما على الذي هو أحسن ، وهو الذي هو فى السماء إله.

فأما قوله : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) (٤) ، فعلى مذهب سيبويه (٥) من هذا الباب ، والتقدير : أيهم هو أشد ، فحذف «هو» ، فلما حذف «هو» دخله نقص فعاد إلى البناء ، لأن «أيا» إنما أعرب من جملة أخواته إذ كان بمعنى «الذي» حملا على البعض ، فلما نقص عاد إلى البناء.

واستبعد أبو بكر قول سيبويه ، وقال : لأنه لو كان مبنيّا لكل بناؤه فى غير الإضافة أحقّ وأجوز ، ولا يلزم ذلك لأنه على تقدير إضافة لازمة / مع الحذف ، وكلزوم الألف واللام فى «الآن».

__________________

(١) البقرة : ٢٦.

(٢) الأنعام : ١٥٤.

(٣) الزخرف : ٨٤.

(٤) مريم : ٦٩.

(٥) الكتاب (١ : ٣٩٧).

٥١

فإن قلت : لم استحسن : لأضربن أيّهم أفضل ، وامرر على أيّهم أفضل. ومثله قوله تعالى : (لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ) (١) بإضمار «هو» ، ومثل قوله :

إذا ما أتيت بنى مالك

فسلّم على أيّهم أفضل

ولم يستحسن : بالذي أفضل ، ولأضربنّ الذي أفضل ، وقال : هذا ضرورة ، مثل قول عدىّ :

لم أر مثل الفتيان فى غبن ال

أيّام ينسون ما عواقبها (٢)

أي هو فيمن قال : «ما» خبر ، دون أن تجعله زيادة ، فالجواب «قال» ؛ لأن «أيهم أفضل» مضاف ، وكان المضاف إليه قام مقام المحذوف ، «والذي» ليس بمضاف ، فخالف «أيهم» فأما إذا لم يكن «أي» مضافا فهو فى نية الإضافة اللازمة.

قال سيبويه : واعلم أن قولهم :

فكفى بنا فضلا على من غيرنا (٣)

أجود ؛ يعنى ، الرفع وهو ضعيف ، وهو نحو : مررت بأيّهم أفضل ، وكما قرأ بعض الناس هذه الآية تماما على الذي أحسن. واعلم أنه قبيح أن تقول : هذا من منطلق ، إن جعلت «المنطلق» وصفا أو حشوا ، فإن أطلت الكلام فقلت : خير منك ، حسن فى الوصف والحشو.

وزعم الخليل أنه سمع من العرب رجلا يقول : ما أنا بالذي قائل لك سوءا ، وما أنا بالذي قائل لك قبيحا ، إذا أفرده فالوصف بمنزلة الحشو ، لأنه يحسن بما بعده ، كما أن المحشوّ إنما يتم بما بعده.

__________________

(١) مريم : ٦٩.

(٢) شعراء النصرانية (٤٥٧). والرواية في شواهد التوضيح والتصحيح (ص : ١٢٤) : «غير».

(٣) صدر بيت لحسان ، وعجزه :

حبي النبي محمد إيانا

٥٢

فنرى سيبويه رجّح فى هذا الفصل رفع «غير» ، وإن كان «هو» محذوفا على حدّه تابعا ل «من» المذكور. والحديث ذو شجون ، جر هذا الحديث ما فيه تدافع يدفع أحدهما صاحبه ، فمن ذلك هذا ما نقلته لك.

ومنه قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) (١) ، يحرّك هنا شيئان : الابتداء بالنكرة ، أو أن تقدر الجملة تقدير المفرد فتجعله مبتدأ ، وإن لم يكن فى اللفظ ، فإمّا أن تقدّر : الإنذار وترك الإنذار ؛ سواء أو تقدّر : سواء عليهم الإنذار وتركه.

ولما كان هذا الكلام على هذا التجاذب قرأ من قرأ فى سورة يس : (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) (٢) ، فجعل «سواء» دعاء ، كما كان «ويل» و«ويح» و«ويس» (٣) و«جندل وترب» (٤) كذا.

ومما تجاذبه شيآن من هذا الجنس قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) (٥) / فتحمله على حذف الموصوف ، أو على حذف «أن» ، وكلاهما عنده كما ترى إلا أن حذف الموصوف أكثر من حذف «أن».

ومنه قوله تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا) (٦) إما أن تقدر : وممن حولكم من الأعراب منافقون مردوا ومن أهل المدينة ، أو تقدّر : ومن أهل المدينة إن مردوا.

ومن ذلك قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (٧) إما أن تقدّر «ليس» كصاحب صفته ، فتضمر المضاف ؛ أو تقدر زيادة «الكاف».

فهذا مما تجاذبه الحذف والزيادة ، وكان الحذف أكثر من الزيادة ، ومثله : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ) (٨)

__________________

(١) البقرة : ٦.

(٢) يس : ١٠.

(٣) ويس ، بمنزلة : ويل.

(٤) يقال في الدعاء : تربا له وجندلا. ومنهم من يرفعه ، وفيه مع ذلك معنى النصب.

(٥) الروم : ٢٤.

(٦) التوبة : ١٠١.

(٧) الشورى : ١١.

(٨) البقرة : ١٣٧.

٥٣

الثاني والستون

هذا باب ما جاء في التنزيل من إجراء غير اللازم مجرى اللازم

وإجراء اللازم مجرى غير اللازم

فمن ذلك قوله : (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١) ، وقوله : (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ)(٢). جعلوا «الواو» من قوله «وهو» ، و«الفاء» من قوله «فهى» بمنزلة حرف من الكلمة ، فاستجازوا إسكان «الهاء» تشبيها ب «فخذ» و«كبد» ، لأن الفاء والواو لا ينفصلان منهما.

ومثله لام الأمر من قوله : (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا) (٣). استجازوا إسكانها لاتصالها بالواو ، فأما : (ثُمَّ لْيَقْطَعْ) (٤) وقوله (ثُمَّ هُوَ) (٥) فمن أسكن «اللام» و«الهاء» معها أجراها مجرى أختيها ، ومن حرّكها فلأنها منفصلة عن اللام والهاء.

قال أبو على : قد قالت العرب : لعمرى ، و: رعملى ، فقلبوا لمّا عدّوا «اللام» كأنها من الكلمة ، كما قلبوا «قسيا» ونحو ذلك ، وكذلك قول من قال : «كاء» فى قوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ) (٦) و (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) (٧) أبدل الألف من الياء ، كما أبدلها فى «طيىء» : «طاء». ونحو ذلك.

ومثل ذلك (وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ) (٨) لمّا كان يتقه مثل «علم» (٩).

__________________

(١) الأنعام : ١٠١.

(٢) البقرة : ٧٤.

(٣) الحج : ٢٩.

(٤) الحج : ١٥.

(٥) تكملة يقتضيها السياق.

(٦) آل عمران : ١٤٦.

(٧) الحج : ٤٨.

(٨) النور : ٥٢.

(٩) قال أبو حيان : «وقرى : ويتقه ، بالإشباع والاختلاس والإسكان. وقرىء : ويتقه ، بسكون القاف وكسر الهاء ، من غير إشباع ، وكما يسكن علم فيقال : علم. كذلك سكن ويتق ، لأن تقه كعلم. (البحر ٦ : ٤٦٨.

٥٤

ومن ذلك قوله : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) (١) ، وقوله : (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) (٢) ولما كان مثلين من كلمتين استجازوا الإدغام كما استجازوه فى نحو : «ردّ» ، و«مدّ». وقد قالوا : لم يضربها ملق ، فامتنعوا من الإمالة لمكان المستعلى ، وإن كان منفصلا ، كما امتنعوا من إمالة «نافق» ، ونحوه من المتصلة (٣).

ومن ذلك قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ) (٤) و (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا)(٥). فهذا بيانه نحو من بيان سبب «تلك» ، و«جعل لك» / إلا أنه أحسن من قوله:

الحمد لله العلىّ الأجلل

وبابه ، لأن هذا إنما يظهر مثله فى صورة ، وإظهار نحو «اقتتل» مستحسن ، وعن غير ضرورة ، وكذلك قوله : (أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ) (٦) و (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ) (٧) و (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) (٨) وما أشبه ذلك ، وكذلك : يضربوننى ، وهم يضرباننى ، أجرى مجرى : «يضربان نعمان» «ويشتمون نافعا» ووجه الشبه بينهما أن نون الإعراب هذه لا يلزم أن يكون بعدها نون الأتراك ،

__________________

(١) البقرة : ٢٢.

(٢) الفرقان : ١٠.

(٣) الألف تمال إذا كان بعدها حرف مكسور ، مثل : عابد. كما تمال في نحو : يضربها لأن الهاء خفية والحرف الذي قبل الحرف الذي يليه مكسور. ويمنع من إمالة الألف حروف سبعة ، هي : الصاد والضاد والطاء والظاء والغين والقاف والخاء. وإذا كان حرف فيها قبل الألف والألف تليه وكذلك إذا كان حرف من هذه الأحرف بعد ألف تليها ، مثل : ناقد ، وبعد الألف بحرف ، نحو : نانف. وبعد الألف بحرفين ، نحو : مناشيط. وذلك لأنها حروف مستعلية إلى الحنك الأعلى ، والألف إذا خرجت من موضعها استعلت إلى الحنك الأعلى ، فإذا وقعت مع هذه الحروف غلبت هذه الحروف عليها. (الكتاب ٢ : ٢٥٩ ـ ٢٦٧).

(٤) البقرة : ٢٥٣.

(٥) البقرة : ١٣٩.

(٦) النمل : ٣٦.

(٧) الحجر : ٥٤.

٥٥

تقول : يضربان زيدا ، ويكرمونك ؛ ومن أدغم نحو هذا ، واحتج بأن المثلين فى كلمة واحدة ، فقال : يضربانى ، وقل أتحاجونا ، فإنه يدغم أيضا ، نحو «اقتتل». فيقول : قتل ، ومنهم من يقول : اقتتل ، فيثبت همزة الوصل مع حركة الفاء لمّا كانت الحركة عارضة للنقل أو للالتقاء الساكنين ، وهذا مبين فى فصل الإدغام (١).

ومن ضد ذلك قولهم : ها الله ، أجرى مجرى : «دابة» و«شابة». وكذلك قراءة من قرأ : (وَلا تَيَمَّمُوا) (٢) ، (وَلا تَفَرَّقُوا) (٣) ، (وَاذْكُرُوا) (٤) ، (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ) (٥) ، وقوله : (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (٦) ، فى نيّف وثلاثين موضعا ، أدغم التاء الأولى فى الثانية ، وجعل ما ليس من الكلمة كأنهما واحد.

ومثله : (إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ) (٧) ، هذا كما أنشدوه من قوله :

من أيّ يومىّ من الموت أفرّ

أيوم لم يقدر أم يوم قدر

والقول فيه أنه أراد : أيوم لم يقدّر أم يوم قدّر ، ثم خفّف همزة «أم» فحذفها. وألقى فتحتها على «لم يقدر» ، فصار تقديره : أيوم لم يقدر ، ثم أشبع

__________________

(١) الكتاب (٢ : ٤٠٤ ـ ٤٢٦).

(٢) البقرة : ٢٦٧.

(٣) آل عمران : ١٠٣.

(٤) البقرة : ٦٣ ، ٢٠٣ ، ٢٣١ ـ آل عمران : ١٠٣ ـ المائدة : ٧ ـ الأعراف : ٦٩ ، ٧٤ ، ٨٦ ـ الأنفال : ٢٦ ـ الجمعة : ١٠.

(٥) المائدة : ٢.

(٦) الأنعام : ١٥٣.

(٧) الأنبياء : ١٠٩.

٥٦

فتحة الراء فصار تقديره : لم يقدر أم ، فحرك الألف لالتقاء الساكنين ، فانقلبت همزة فصار: يقدر أم ، واختار الفتحة اتباعا لفتحة الراء.

ونحو من هذا التخفيف قولهم فى «المرأة» و«الكمأة» إذا خففت الهمزة : «المرأة» و«الكماة» ، وهذا إنما يجوز فى المتصل.

ومن ذلك قوله : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) (١). «لكنّا» أصله : لكن أنا ، فخففت الهمزة فحذفها وألقيت حركتها على نون «لكن» ، فصارت «لكنا» فأجرى غير اللازم مجرى اللازم ، فاستثقل التقاء المثلين متحركين. فأسكن الأول وأدغم الثاني ، فصار / «لكنا» كما ترى.

وقياس قراءة من قرأ (قالوا الن) (٢) فحذف الواو ، ولم يحفل بحركة اللام ، أن يظهر النونين هناك ، لأن حركة الثانية غير لازمة ، فقوله «لكننا» بالإظهار كما يقول فى تخفيف «حوأبة» و«جيأل» : حوية ، وجيل ، فيصبح حرفا اللين هنا لا يقلبان ، لما كانت حركتهما غير لازمة.

ومثله قوله : (قالُوا الْآنَ) (٣) ... (٤) لأن قوله : (عاداً الْأُولى) (٥) من أثبت التنوين

__________________

(١) الكهف : ٣٨.

(٢) البقرة : ٧١ ـ قرأ الجمهور بإسكان اللام والهمزة بعده ، وقرأ نافع بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام ، وعنه روايتان : إحداهما حذف واو «قالوا» إذ لم يعتد بنقل الحركة إذ هو نقل عارض ، الرواية الأخرى إقرار الواو اعتدادا بالنقل واعتبار العارض لتحريك ، لأن الواو لم تحذف إلّا لأجل سكون اللام بعدها ، فإذا ذهب موجب الحذف عادت الواو إلى حالها من الثبوت. (البحر ١ : ٢٥٧).

(٣) مكان هذه النقط كلمة غير واضحة.

(٤) النجم : ٥٠ ـ قرأ الجمهور بتنوين «عاد» وكسره لالتقائه ساكنا مع سكون لام «الأولى» وتحقيق الهمزة بعد اللام ، وقرأ قوم كذلك غير أنهم نقلوا حركة الهمزة إلى اللام وحذفوا الهمزة ، وقرأ نافع وأبو عمرو بإدغام التنوين في اللام المنقول إليها حركة الهمزة ، إلى اللام وحذفوا الهمزة. (البحر ٨ : ١٦٩).

٥٧

فى «عاد» ولم يدغمها فى اللام. فلأن حركة اللام غير معتد بها ، لأنها نقلت إليها من همزة «أولى» ، فاللام فى تقدير السكون وإن تحركت ، فكما لا يجوز الإدغام فى الحرف الساكن فكذا لا يدغم فى هذه اللام. و«عادا» على لغة من قال : «الحمر» ، فأثبت همزة الوصل مع تحرك اللام ، لأنها غير معتد بها. ومن قال : «عاد لولى» ، فأدغم ، فإنه قد اعتد بحركة اللام فأدغم ، كما أن من قال : (قالوا لأن) ، أثبت الواو اعتدادا بحركة اللام.

ومثله قوله تعالى : (إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ) (١) ، من اعتد بحركة اللام أسكن النون ، ومن لم يعتد حرّك النون.

ومن ذلك قوله تعالى : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) (٢) ، حرّك النون من «يكن» لالتقاء الساكنين ، ولم يعتدّ بها لأنها فى تقدير السكون ، ولو كان الاعتداد بها لأعاد ما حذف من أجله ، وهو الواو.

وقال أبو على : فإن قلت : فقد اعتدوا بتحريك التقاء الساكنين فى موضع آخر ، وذلك قوله : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) (٣) ، ألا ترى أن من يقول : لم يك زيد منطلقا ، إذا تحرك لالتقاء الساكنين لم يحذف ، كما أنه إذا تحرك بحركة الإعراب لم يحذف ، فالقول إن ذلك أوجه من الأول من حيث كثر فى الاستعمال وجاء به التنزيل ، فالاحتجاج به أقوى. فأما حذف الشاعر له مع تحريكها بهذه الحركة ، كما يحذفها إذا كانت ساكنة ، فإن هذه الضرورة من رد الشيء إلى أصله ، نحو ـ يعنى بحذف الشاعر له ـ قوله :

__________________

(١) المائدة : ١٠٦.

(٢) البينة : ١.

٥٨

لم يك الحقّ على أن هاجه

رسم دار قد تعفّى بالسّرر (١)

وقد ذكرنا فى «المستدرك» أن هذا ليس بلغة من قال : لم «يكن» ، وإنما من لغة من قال : (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ) (٢) و (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ) (٣) ، وما أشبه ذلك.

ومن ذلك قوله : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) (٤) ، و (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) (٥) ، و (قُمِ اللَّيْلَ) (٦) ، (قُلِ اللهُ) (٧) ، (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ) (٨). يعتد بكسرة اللام والميم فلم يرد المحذوف ، كما اعتدّ بها فى قوله : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) (٩) ، (فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٠) فرد المحذوف لما اعتد بفتح اللام. ومن قرأ : «فقلا له قولا لينا» حمله على قوله : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) (١١) ، فإن قلت : إنهم قد اعتدوا بحركة التقاء الساكنين فى قوله : (عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) (١٢) و (مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ) (١٣) و (إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ) (١٤). فيمن قرأ بضم الهاء ، إنما ضموا تبعا لضم الميم. وهى لالتقاء الساكنين ، وعلى ما قدمت تلك حركة لا اعتداد بها ، فكيف أتبعها الهاء؟ قيل : إن من ضم الهاء أراد الوفاق بين الحركتين. وهم مما يطلبون المطابقة ، فكأنهم اعتدوا لأجل هذا المعنى بحركة التقاء الساكنين.

__________________

(١) السرر : موضع.

(٢) غافر : ٥٠.

(٣) النحل : ١٢٧.

(٤) الكهف : ٢٩.

(٥) آل عمران : ٢٦.

(٦) المزمل : ٢.

(٧) الأنعام : ١٩ ، ٦٤ ، ٩١ ـ الكهف : ٢٦ ـ سبأ : ٢٤ ـ الزمر : ١٤.

(٨) سبأ : ٢٤.

(٩) طه : ٤٤.

(١٠) الشعراء : ١٦.

(١٢) آل عمران : ١١٢.

(١٣) القصص : ٢٣.

(١٤) يس : ١٤.

٥٩

فمن ذلك قوله تعالى : (وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) (١). و (وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ) (٢).

وقوله : زنت الأمة ، وبغت الأمة ، فحذفوا الألف المنقلبة عن اللام ، لسكونها وسكون تاء التأنيث ، ولما حركت التاء لالتقاء الساكنين لم ترد الألف ولم تثبت ، كما لم تثبت فى حال سكون التاء ، وكذلك : لم يخف الرجل ، ولم يقل القوم ، ولم يبع. ومن ذلك قولهم : اضرب الاثنين ، واكتب الاسم ، فحركت اللام من «افعل» بالكسرة لالتقاء الساكنين ثم لمّا حركت لام المعرفة من «الاسم» «والاثنين» لم تسكّن اللام من «افعل» كما لم تسكنها فى نحو : اضرب القوم ، لأن تحريك اللام لالتقاء الساكنين ، فهى فى تقدير السكون.

ومن ذلك قوله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) (٣) ، وقوله : (حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) (٤) ، وقوله : (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) (٥) ، وقوله : (أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ) (٦) ، فحذفوا النون فى هذه المواضع ، كما حذفوا الألف والواو والياء السواكن إذا كنّ لا مات من حيث عودلن بالحركة ، ولو كانت حركة النون معتدّا بها لحذفت هى من دون الحرف ، كما فعل ذلك بسائر الحروف المتحركة إذا لحقها الجزم ، ويدل على

__________________

(١) الأحقاف : ١٧.

(٢) الأحقاف : ٢١.

(٣) التوبة : ٧٨.

(٤) البقرة : ١٠٢.

(٥) المنافقون : ٧.

(٦) يوسف : ٨٠.

٦٠