الزجّاج
المحقق: ابراهيم الأبياري
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٠
لأنه يقال : يا أي هؤلاء ، والأمر موقوف بعد.
وإن راجعنا مرة أخرى فربما يتضح لك أكثر من هذا إن شاء الله.
ومن ذلك قراءة من قرأ : (الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) (١) ، بالنصب.
وقوله : (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) (٢) بالنصب.
وقد قال فى الكتاب (٣) : لو قلت : مررت برجل سواء أبوه وأمه ، ومررت برجل خير منك أبوه وأمه ، فتجريه على الأول وتحمله فى الثاني ، كان قبيحا ، وهى لغة رديئة ، قال : والوجه الرفع. انتهت الحكاية عنه.
ومعاذ الله أن تحمل قراءة بعض الأئمة على اللغة الرديئة ، لا سيما وهم من السبعة. والوجه فى ذلك أن تجعل «سواء». الذي هو مصدر. بمعنى الفاعل ، أي : مستويا فيه العاكف والبادي ، ومستويا محياهم ومماتهم ، قال :
وهل كفلائى فى الوفاء سواء
أي مستوون ، لو لا ذلك لم يقدّم الجار عليه ، ولما كان الأمر فى نصب «سواء» كما زعمه سيبويه نصب من نصب «محياهم ومماتهم» إلى «سواء» فى «محياهم ومماتهم» ، كيلا يرفع به ، فيكون على اللغة الرديئة ، ولم ير موضع المصدر موضع الفاعل ابن عيسى ولا غيره ، ممن نصب «محياهم ومماتهم».
ومن ذلك ما روى عن أبى عمرو. (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ) (٤). بإدغام الحاء فى العين ، بعد إجماعهم على إظهار «عنهم».
__________________
(١) الحج : ٢٥.
(٢) الجاثية : ٢١.
(٣) الكتاب (١ : ٢٢٩ ـ ٢٣٠).
(٤) آل عمران : ١٨٥.
قال أحمد : وذلك لكثرة الحروف فى «زحزح عن النّار».
وروى عنه إدغام (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ) (١). قال سيبويه : (٢) ومما قالت العرب تصديقا لهذا فى الإدغام قول بنى تميم «محّم» يريدون : «معهم» ، «ومحّاؤلاء» يريدون : مع هؤلاء ، ومما قالت العرب فى إدغام الهاء مع الحاء قوله :
كأنّها بعد كلال الزّاجر |
|
ومسحى مرّ عقاب كاسر |
يريدون : ومسحه ، العين مع الحاء (٣) ، كقولك : أقطع حّملا ، الإدغام حسن والبيان حسن ، لأنهما من مخرج واحد ، ولم تدغم الحاء فى العين «امدح عرفة» لأن : الحاء قد يفزعون (٤) إليها إذا وقعت الهاء (٥) مع العين ، وهى مثلها فى الهمس والرخاوة ، ومع قرب المخرجين. فأجريت مجرى الميم مع الباء ، فجعلتها بمنزلة الهاء ، كما جعلت الميم بمنزلة النون مع الباء ، ولم تقو العين على الحاء ، إذ كانت هذه قصّتها. وهما من المخرج الثاني من الحلق ، وليست حروف الحلق بأصل فى الإدغام ، ولكنك لو قلبت العين حاء فقلت : فى «امدح عرفة» : «أمد حّرفة» ، جاز ، كما قلت : اجنحة ، تريد : أجبه عنبة ، حيث أدغمت وحوّلت العين حاء. ثم أدغمت الهاء فيها.
__________________
(١) البقرة : ١٥٨.
(٢) الكتاب (٢ : ٤١٣).
(٣) يريد أنه أخفى الهاء عند الحاء ، وسماه إدغاما لأن الإخفاء عنده ضرب من الإدغام.
(٤) الكتاب : «يفرون».
(٥) الأصل : «أولها» وما أثبتنا من الكتاب.
الثاني والثمانون
هذا باب ما جاء في التنزيل من اختلافهم في لفظة «ما» من
أي قسمة هي؟
فمن ذلك قوله تعالى : (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ) (١). قيل : هى استفهام. وقيل : هى نفى.
ونظيره فى الأخرى : (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ). (٢)
ومن ذلك قوله : (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) (٣). قيل : «ما» نفى ، وكرر «يتبعون». والتقدير : ما يتبعون إلّا الظن. و«شركاء» منتصب. مفعول «يدعون» ، أي : ما يتبع داعو شركاء إلّا الظن.
وقيل : «ما» استفهام. أي : أي شىء يتبع الكافرون الداعون؟
وقيل : «ما» بمعنى «الذي». أي : لله من فى السموات ومن فى الأرض ملكا وملكا ، والأصنام التي تدعوهم الكفار شركاء. ف «ما» يريد به الأصنام ، وحذف العائد إليه من الصلة. و«شركاء» حال.
ومن ذلك قوله : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (٤). قيل : «ما» بمعنى ، الذي. وقيل : «ما» نافية. فحينئذ يكون الابتداء بهما أولى.
__________________
(١) البقرة : ٨٥.
(٢) يوسف : ٢٥.
(٣) يونس : ٦٦.
(٤) القصص : ٦٨.
فأما قوله قبل الآية : (كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ / ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) (١) يكون «أن يكون» نفيا.
وقيل : هى مصدرية ، على تقدير : تبرأنا إليك من عبادتهم إيانا ، فيكون الجار محذوفا. والأول الوجه.
ومن ذلك قوله : (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) (٢). وقرأ : (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ). فمن حذف الهاء كان «ما» نفيا ، ومن أثبت كانت موصولة محمولة على ما قبله ، أي : من ثمره ومن عمل أيديهم.
فأما قوله تعالى : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) (٣). فقيل : التقدير : كانوا يهجعون قليلا. و«ما» صلة زائدة. وقيل : بل هى مصدرية ، أي : كانوا قليلا يهجعونهم. وقيل : نفى. وقد تقدم ذلك.
وأما قوله : (وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ) (٤). قرئ بالرفع والنصب.
فمن قرأها بالرفع كانت «ما» بمعنى «الذي». أي : إن الذين اتخذتموهم أوثانا من دون الله مودة بينكم.
ومن نصب كانت «ما» كافة ، ويكون «أوثانا» مفعولا أول ، ويكون «مودة بينكم» مفعولا ثانيا ، إن شئت ، وإن شئت كان مفعولا له.
__________________
(١) القصص : ٦٣.
(٢) يس : ٣٥.
(٣) الذاريات : ١٧.
(٤) العنكبوت : ٢٥.
وأما قوله : (وَالسَّماءِ وَما بَناها) (١) ، وما بعدها ، فقيل : «ما» مصدرية ، أي: والسماء وبنائها ، والأرض ودحوها ، ونفس وتسويتها.
وقيل : «ما» بمعنى : من ، أي : والسماء وخالقها ، والأرض وداحيها ، ونفس ومسويها.
نظيره : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها) (٢). قيل : أي : من على الأرض من الرجال والنساء. قيل : من طاب لكم. وقيل : ما يلحق هذا الجنس.
فأما قوله : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) (٣). فحمله الفارسي على أنها موصولة قياسا على مذهب سيبويه ، حين زعم أن الظرف لا يبنى على كلمة الشرط. فقال : إذا قلت : إن عندنا رجل ، إن زيد أو عمرو. والتقدير : إن كان زيد. ولم تقدر : إن عندنا زيد. ثم رأيت لعثمان وهو يتكلم على شبه الظرف بالفعل فى قوله :
ففينا غواشيها
فزعم أن الظرف كالفعل حيث عطفه على الفعل فى قوله «تقاسمهم» ، ثم قال : ألا تراه ، قال : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) (٤) ففصل بكلمة الشرط بالظرف. ولا أدرى أنسى قول سيبويه وقول صاحبه فى قوله : (لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) (٥) حين وفّقنا بين قول سيبويه والمازني.
وأما قوله : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) (٦) فحمل الخليل «ما» على الاستفهام. لمكان «من» فى قوله : «من شىء». وحمله آخرون على «الذي». ومثله : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ) (٧) يكون استفهاما ويكون موصولا.
__________________
(١) الشمس : ٥.
(٢) الكهف : ٧.
(٣) النحل : ٥٣.
(٤) آل عمران : ٨١.
(٥) العنكبوت : ٤٢.
(٦) السجدة (ألم) : ١٧.
وأما قوله تعالى : (لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ) (١). فقيل : «ما» بمعنى «الذي» معطوف على «خطايانا».
وقيل : «ما» نافية ، والتقدير : ليغفر لنا خطايانا من السحر ولم يكرهنا عليه. فتكون «ما» نافية ، فيه تقديم وتأخير. وأظننى قدمت هذه الآية (٢)
ومثله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) (٣). أي : من استمتعتم به منهن.
ومثله : (نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ) (٤). أي : نسى الله.
ومثله : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) (٥). فى الموضعين ، يعنى : الله.
وحكى أبو زيد : سبحان ما سحركن. وأنشد لأبى داود :
سالكات سبيل قفرة بدا |
|
ربما ظاعن بها ومقيم. |
أي : رب إنسان هو ظاعن بها إنسان هو مقيم بها ف «ما» جر ب «رب» ووصفها بالجملة ، كما تقول : ربّ رجل أبوه مقيم.
__________________
(١) طه : ٧٣.
(٢) الباب السابع والستون في التقديم.
(٣) النساء : ٢٤.
(٤) الزمر : ٨.
(٥) الكافرون : ٣.
الثالث والثمانون
هذا باب ما جاء في التنزيل من تفنّن الخطاب والانتقال من الغيبة
إلى الخطاب ، ومن الخطاب إلى الغيبة ، ومن الغيبة إلى المتكلم
ومن ذلك قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) (١) ثم قال : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) (٢).
وقال : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ) (٣) ، وحق الكلام : وجرين بكم.
وقال : (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى) (٤).
وقال : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ) (٥).
وهو كثير فى التنزيل ، والأصل فى الكلام البداية بالمتكلم ، ثم بالمخاطب ، ثم بالغيبة.
قال الله تعالى : (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها) (٦). فقدم المخاطب على الغيبة. فبنوا على هذا فقالوا : الوجه فى الكلام : أعطانيك ، وأعطاكنى ، لا يجوز ، وأعطيتكها ، وأعطيتكهوك ، قبيح ، ومع قبحه قول يونس. واحتج فى ذلك قارئهم بقول القطامي :
أبلغ ربيعة أعلاها وأسفلها |
|
أنّا وقيسا تواعدنا لميعاد (٧) |
__________________
(١) الفاتحة : ١.
(٢) الفاتحة : ٣.
(٣) يونس : ٢٢.
(٤) طه : ٥٣.
(٥) النمل : ٦٠.
(٦) هود : ٢٨.
(٧) الديوان (ص : ١٣) طبعة برلين.
فأخبر عن المتكلم دون الغيبة ، وهو «قيس».
والمبرّد يقوّى قول يونس فى القياس ، ويجعل إضمار / الغائب والمتكلم والمخاطب فى التقديم والتأخير سواء ، ويجيز : أعطاهوك ، و: أعطاهونى ، و: أعطاكنى ، ويستجيزه ويستحسنه فى : منحتنى نفسى.
وسيبويه لا يجيز شيئا من ذلك إلّا بالانفصال ، نحو : أعطاه إياك ، و: أعطاها إياك ، و: أعطاه إياكما ، و: أعطاها إياكما ، و: أعطاك إياى.
وهذا الذي ذكره «المبرد» ليس بالسهل ؛ لأن ضمير المتكلم أقرب ، ثم المخاطب ثم الغائب.
وقد رأيت غير سيبويه يجيز بين المتصل والمنفصل وغيرهما ، فى : أعطيتكه ، و: أعطيتك إياه ؛ لأن المفعول الثاني ليس يلاقى الفعل ولا يكترث به.
والأول إما أن يلقى ذات الفعل ، أو يلقى ضمير الفاعل المجعول معه كشق واحد.
وأجاز سيبويه : أعطاه إياك. وتصحيحه لا يقوى ذلك ؛ لأن تعلق المفعولين بالفعل من باب واحد ، واختلاف المفعولين فى ترتيبهما ليس مما يغيّر حكم تعليقهما بالفعل وعمل الفعل فيهما.
ولقائل أن يقول : ما الذي أنكر سيبويه من : «منحتينى»؟ وهل سبيل «منحتينى»: إلا سبيل «أعطاهوها» ، وهو مستحسن؟
قيل له : المنكر من «منحتينى» عند سيبويه أن فى الثانية يؤخر ما هو حقه التقدّم على كل ضمير ، وليس كذلك «أعطاهوهما».
الرابع والثمانون
نوع آخر إضمار قبل الذكر قوله تعالى : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ) (١).
يريد : على الأرض.
وقال : (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) (٢). يعنى : الوادي.
وقوله : (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها) (٣). يعنى : الدنيا والأرض.
ومثل ما تقدّم : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) (٤).
جويبر عن الضحاك عن ابن عباس : «وللبسنا» على الملائكة من الثياب ما يلبسه الناس من ثيابهم ، ليكونوا على صورتهم ، والمعروف : لبس يلبس ، فى هذا المعنى.
وقال غيره : لشبهنا عليهم ما يشبهون على ضعفائهم ، و«اللبس» فى كلامهم «الشك».
الكلبي : ولخلطنا عليهم ما يخلطون.
__________________
(١) النحل : ٦١.
(٢) العاديات : ٤.
(٣) الشمس : ٣.
(٤) الأنعام : ٩.
وقيل : لبسنا عليهم ، أي : على قادتهم ما يلبسون ؛ كما يلبس القادة على سفلتهم. وذلك أنهم أمروا سفلتهم بالكفر بالله ، والشرك له ، فالله عزّ اسمه ، يقضى على قادتهم حتى يكونوا على الكفر.
ومن ذلك / قوله تعالى : (إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) (١) ، قيل : الكلمة : قوله : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً) (٢). الآية. أي : الله قائل هذه الكلمات ، فلا يدخلها خلف.
عن ابن زيد : أن القائل المشرك ، والضمير لكلمة المشرك ، وهى قوله : (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) (٣). أي : لا يكون ذلك أبدا.
ومن ذلك قوله : (سامِراً تَهْجُرُونَ) (٤) ، أي : مستكبرين بحرم الله ، ويقولون : إن البيت لنا لا يظفر علينا أحد ، وقيل : مستكبرين بالكتاب لا يؤمنون به ، وقد تقدم فى قوله : (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ) (٥).
ومن ذلك قوله تعالى : (وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ) (٦) ، الضمير فى «صدها» ، قيل : لله تعالى ، أي صد الله بلقيس عن عبادة غيره.
وقيل : صدها سليمان عن ذلك ، فعلى هذا «ما» فى محل النصب.
وقيل «ما» هى الفاعلة ، وقد تقدم فى الجار والمجرور.
__________________
(١) المؤمنون : ١٠٠.
(٢) النحل : ٦١.
(٣) المؤمنون : ٩٩.
(٤) المؤمنون : ٦٧.
(٥) المؤمنون : ٦٢.
(٦) النمل : ٤٣.
ومن ذلك قوله : (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) (١) ، ففى فاعل «أحسن» قولان :
أحدهما موسى ، أي : تماما على إحسان موسى بطاعته. عن الربيع والفراء ، كأنه : لتكمل إحسانه الذي يستحق به كمال ثوابه فى الآخرة.
فيكون مذهب «الذي» مذهب المصدر ؛ كقول يونس فى قوله تعالى : (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) (٢).
والثاني : أن يكون الفاعل «ذكر الله» ، أي : تماما على إحسان الله إلى أنبيائه. عن ابن زيد.
وقيل : تماما على إحسان الله إلى موسى بالنبوّة وغيرها من الكرامة. عن أبى على.
ومن ذلك قوله : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ) (٣) ، قيل : من العدو ، وقيل : من الله.
وقوله : (وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) (٤). أي : بالماء ، وقيل : بالربط على القلوب ، كنى عن المصدر ، وقيل : بالرسل.
ومن ذلك قوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) (٥).
قيل : هذا كقوله : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) (٦). كان يسرع القراءة مخافة النسيان.
__________________
(١) الأنعام : ١٥٤.
(٢) التوبة : ٦٩.
(٣) الأنفال : ١١.
(٤) الأنفال : ١١.
(٥) القيامة : ١٦.
(٦) طه : ١١٤.
وقيل : كان يحب الوحى ، فيحرص على التلقن قبل أن يتم الكلام.
وقيل : إنما أراد قراءة العبد لكتابه يوم القيامة ، لأن ما تقدم هذه الآية وما تأخر عنها يدل على ذلك ، ولا يدل على شىء من أمر القرآن ، ولا على شىء كان فى الدنيا.
وكأن هذا القول فى معنى قراءة العبد / كتابه ضرب من التقريع والتوبيخ والإعلام ، بأنه صار إلى حيث لا تنفعه العجلة ، وإلى موضع التثبت فى الأمور ، وإقامة جزاء الحسنة والسيئة ؛ وهذا حسن.
البلخي : إن العبد يسرع إلى الإقرار بذنوبه ، وتكلّف معاذيره ، ظنّا بأن ذلك ربما ينفعه ، فيقال له : لا تعجل فإنّ علينا أن نجمع أفعالك فى صحيفتك ، وقد فعلناه ، وعلينا أن نقرأ كتابك ، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ، أي فاتبع قراءته ، هل غادر شيئا واحتوى على زيادة لم تعملها؟ فإذا فعلت ذلك ، وجاوب كتابنا أفعالك ، فاعلم بعد ذلك أن علينا بيانه ، أي إظهار الجزاء عليه.
والأول أيضا حسن ، لأن الإشارة إلى الشيء فى تفريقه ، كمتقدم ذكره ، فيحسن معها الإضمار ، وكان يقرأ عليه القرآن ، وأشير إليه فقيل : «لا تحرك به» ، أي بهذا الذي نقرؤه عليك.
وهذا المعنى أيضا حسن. فعلى هذا : إن علينا حمعه فى قلبك ؛ لتقرأه بلسانك. عن ابن عباس ، رضى الله عنه.
الخامس والثمانون
هذا باب ما جاء في التنزيل حمل فيه الفعل على موضع الفاء في جواب
الشرط فجزم
فمن ذلك قوله تعالى : (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ) (١) ، فجزم «نكفر» على موضع قوله : (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ») ، لأن تقديره : إن تخفوها وتؤتوها الفقراء يكن الإيتاء والإخفاء خير لكم.
والرفع فيه أيضا حسن جيد ، لمّا لم يظهر الجزم فى الفاء لم يكن به اعتداد. وقد ذكر فارسهم ذلك فقال : إذا قلت : زيدا ضربته وعمرا كلمته / ربما احتج «الزيادي» بأن قوله «ضربته» لم يظهر فيه الإعراب ، فلم يقع به اعتداد ، فى كلام طويل ذكرته فى «الخلاف».
ومن ذلك قوله تعالى : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ) (٢) ، جزم «يذرهم» حملا على موضع «الفاء» ، والرفع فيه حسن على ما قلنا.
وأما قوله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) (٣) ، فإن القراء السبعة أجمعوا على رفع «ويستخلف» ولم يجزموه ، كما جزموا «ويذرهم» «ونكفر» ، إلا رواية عن حفص جزمه كما جزم أولئك فى الآيتين ، فقال قائلهم : ليس ذا بجزم ، وإنما هو اختلاس.
__________________
(١) البقرة : ٢٧١.
(٢) الأعراف : ١٨٦.
(٣) هود : ٥٧.
ألا ترى أنه أطبق مع الجماعة على إثبات النون. فقرأ : (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) (١) ، فأثبت النون ، ولو اعتقد فى «يستخلف» الجزم حملا على موضع «الفاء» لحذف «النون» ولم يثبتها ، فثبت أنه ليس بمجزوم ، وأنما أطبقوا على الرفع لمكان «النون» فى (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) (٢) ، إذ وجدوها فى المصحف كذلك.
ومن ذلك قوله : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ) (٣) ، فحمل «يكن» على موضع «الفاء» فى «فأصدق» أي : موضع الفاء جزم ، وكأنه فى التقدير: إن أمهلتنى أصدق وأكن.
وأبو عمرو قرأه «وأكون» منصوبا ، بالحمل على موضع «فأصدق» ، فهذا فى الحمل على موضع الفاء ، وربما كان ينشد فارسهم قول أبى داود :
فأبلونى بليّتكم (٤) لعلّى |
|
أصالحكم وأستدرج نؤيا |
فحمل «وأستدرج» على موضع «لعلى» جزم على تقدير : «فلعلى» ، بالفاء محذوفة.
فأما ما جاء من نحو قوله : (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) (٥) ، وقوله : (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) (٦) ، فالجزم هو الجيد بالعطف على الجزاء ، وجاز الرفع فى مثله. وقد قرئ به فى «فيغفر» دون «يخرج» وجاز النصب فى «فيغفر». وقد جاء ذلك فى الشواذ ، ولم يشذ فى قوله : (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ) (٧) بعد (أَوْ يُوبِقْهُنَّ) (٨) ، المنجزم بالعطف على قوله
__________________
(١) هود : ٥٧.
(٢) المنافقون : ١٠.
(٣) البلية : الناقة تعقل عند قبر صاحبها وتبلى هناك ، أي تترك لا تعلف ولا تسقى حتى تموت.
(٤) محمد : ٣٧.
(٥) البقرة : ٢٨٤.
(٦) الشورى : ٣٥.
(٧) الشورى : ٣٤.
(إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ) (١). وإنما لم يكن شاذا لفتح «اللام» قبل «الميم» ، واجتمع فيه كونه تبعا مع جواز الصرف.
وقال عزّ من قائل : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (٢). فإنه حمل نصبه على الصرف ، و«عندى» أنه مجزوم ، وكان حقه / الكسر ، لقراءة الحسن «ويعلم الصابرين» لكنه حمله على «اللام» وفتحه لمطابقة ما قبله ، كما روى عن ابن عامر «ثم تجعله» بفتح «اللام» تبعا ل «العين».
وأما قوله تعالى : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) (٣). فقدر أبو إسحاق موضع قوله «ظلت» أنه مجزوم بالعطف على «ننزل» ، كقوله «فيغفر» جزم بالعطف على «يحاسبكم». وأنكر عليه «أبو على» وزعم أن قوله «ظلت» بعد «الفاء» كقوله «ينتقم الله» بعد «الفاء» كقوله : (فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ) (٤).
لم يتأمل أبو على فى هذا الكلام ، لأن قوله ، «فينتقم الله منه» جواب الشرط ، وقوله «فظلت» معطوف على «ينزل» كما أن «فيغفر» معطوف على «يحاسبكم». نعم ، لو كان «فظلت» جواب «إن نشأ» لكان كقوله : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) (٥) ، فأما إذا كان فى تقدير : إن نشأ ننزل فتظل عناقهم ، كان كقوله : «فيغفر» ، والله أعلم.
__________________
(١) الشورى : ٣٣.
(٢) آل عمران : ١٤٢.
(٣) الشعراء : ٤.
(٤) الأعراف : ١٨٦.
(٥) المائدة : ٩٥.
السادس والثمانون
هذا باب ما جاء في التنزيل وقد رفض الأصل واستعمل ما هو فرع
فمن ذلك «الصاد» فى «الصراط» من نحو قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ) (١). جاء الاستعمال وكثرت القراءة بالصاد ، وقد رفض فيه السين ، إلا فى القليل.
ومنه قوله : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (٢) ، (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ) (٣) و«إليكم» ، و«فيهم» ، و: «فيكم». الأصل فى كل ذلك : عليهم و، و: إليهمو ، و: لديهمو ، و: فيهمو ، بالواو ، لأنها بإزاء : عليهن ، و: لديهن ، و: إليكن ، و: إليهما ، وكما أن المثنى المؤنث بالحرفين ، فكذلك المذكر وجب أن يكون بحرفين ، إلا أنهم حذفوا الواو استخفافا وأسكنوا الميم ، فقالوا : عليهم. فإن قلت : فهلا تركوا الميم بالضم بعد حذف الواو؟ فلأن فى إبقاء الضم استجلاب الواو ، ألا تراهم قالوا :
أمشى (٤) فأنظور* و* تنقاد الصياريف (٥) فإذا أسكنوها أمنوا ذلك ، ألا تراهم لم يصلوا :
وأنت من أفنانه معتقد
وكانت الهاء فى : «قربها» و«إرثها» رويا ، ولم تكن كالهاء فى : أجمالها ، و: «بدالها» و: «زال زوالها».
ومن ذلك إبدالهم الميم من النون الساكنة فى قوله : (فَانْبَجَسَتْ) (٦) ، و: «من يك» وشنبا ، و«عنبر» وقد تقدّم ذلك.
__________________
(١) الفاتحة : ٦ ، ٧.
(٢) الروم : ٣٢.
(٣) أي : فأنظر.
(٤) جزء من بيت للفرزدق ، والبيت كاملا :
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة |
|
نفي الدنانير تنقاد الصياريف |
(الكتاب ١ : ١٠).
(٥) الأعراف : ١٦٠.
ومن ذلك قوله تعالى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) (١). الأصل فى ألف التثنية أن تكون / كعصا ، ورحا ، فى الرفع والنصب والجر على صورة واحدة ، لأن الحركة فيها مقدرة ، كما هى فى ألف «عصا» و«رحا» ، ولكنه جاء الاستعمال على قلبها ياء فى النصب والجر حرصا على البيان ، إذ لم يكن هناك ما فى المفرد من البيان ، ألا تراك تقول : ضرب موسى العاقل عيسى الأديب ، فيتبين الرفع بالصفة بعد الفاعل ونصبها بعد المفعول ، وهذا المعنى لا يتأتى بالتثنية لو قلت : ضرب الزيدان العاقلان العمران القائمان ، لم تتغير الصفة ، فجاء قوله : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) (٢) على الأصل الذي ينبغى أن يكون عليهم كما «استحوذ» (٣) على ذلك. وقوله : (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) (٤) ولم يكن كقوله : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (٥) ، وكقولهم : «عسى الغوير أبؤسا» ، على الأصل ، ولم يكن كالمستعمل فى قوله تعالى : (عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (٦) وكذلك جاء قول: تأبّط شرا :
فأبت إلى فهم ولم أك آئبا |
|
وكم مثلها فارقتها وهى تصفر |
قال عثمان : وصواب الرواية فيه : وما كدت آئبا ، أي : وما كدت أؤوب ، فاستعمل الاسم الذي هو فرع ، وذلك أن قولك : كدت أقوم ، وأصله قائما ، فلذلك ارتفع المضارع ، أي لوقوعه موقع الاسم ، فأخرجه تأبط شرا على المرفوض كما يضطر الشاعر إلى مراجعة الأصول عن مستعمل الفروع ، نحو صرف ما لا ينصرف ، وإظهار التضعيف ، وتصحيح
__________________
(١) طه : ٦٣.
(٢) المجادلة : ١٩.
(٣) النساء : ١٤١.
(٤) الفاتحة : ٥.
(٥) النساء : ٨٤.
المعتل ، وما جرى مجرى ذلك.
ونحو من ذلك ما جاء عنهم من استعمال مفعول «عسى» على أصله ، وذلك ما أنشدناه من قول الراجز :
أكثرت فى العذل ملحّا دائما |
|
لا تكثرن إنّى عسيت صائما |
فهذه الرواية الصحيحة فى هذا البيت ، أعنى قوله : وما كدت آئبا ، وكذلك وجدتها فى شعر هذا الرجل بالخطأ القديم ، وهو عتيد عندى إلى الآن ، وبعد فالمعنى عليه البتة لا ينصرف به عنه ، ألا ترى أن معناه : وأبت وما كدت أؤوب ، كقولك : سلمت وما كدت أسلم ، وكذلك كل ما يلى هذا الحرف من قبله ومن بعده يدل على ما قلناه ، ولا معنى لقولك : وما كدت آئبا ، ولا : ولم أك آئبا ، وهذا واضح.
السابع والثمانون
هذا باب ما جاء في التنزيل من القراءة التي رواها سيبويه في كتابه
فمن (١) ذلك ما ذكره فى باب «ما». قال : وأهل الحجاز شبّهوها ، يعنى «ما» ب «ليس» إذ كان معناها كمعناها ، كما شبهوا ب «ليس» «لات» فى بعض المواضع ، وذلك مع «الحين» خاصة ، لا تكون «لات» إلا مع «الحين» يضمر فيها مرفوع وينصب «الحين» لأنه مفعول به ، ولم يتمكن تمكنها. ولم يستعملوها إلّا مضمرا فيها ، يعنى «لات» وليس ك «ليس» فى المخاطبة والإخبار عن غائب ، تقول : لست ، وليسوا ، وعبد الله ليس ذاهبا ، فيبنى على المبتدأ ويضمر فيه ، وهذا لا يكون فيه ذاك ، يعنى فيه «لات» ولا يكون هذا فى «لات» لا تقول : عبد الله لات منطلقا ، ولا قومك لاتوا منطلقين. ونظير «لات» فى أنه لا يكون إلّا مضمرا فيه «ليس» ولا يكون فى الاستثناء ، إذا قلت : أتونى ليس زيدا ، ولا يكون بشرا. وزعموا أن بعضهم قرأ (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) (٢) وهى قليلة ، كما قال بعضهم (٣) :
من صدّ عن نيرانها |
|
فأنا ابن قيس لا براح |
فأعمل «لا» عمل «ليس» و«لا» تعمل مع ذلك إلّا فى نكرة ، فجعلها بمنزلة «ليس» فهى بمنزلة «لات» فى هذا الموضوع فى الرفع ، ولا يجاوز بها الحين ، رفعت أو نصبت ، أي لا تكون «لات» إلا مع «الحين».
قال الأخفش : «لات» لا تعمل شيئا فى القياس ، لأنها ليست بفعل ، فإذا كان ما بعدها رفعا فهو على الابتداء ، ولم تعمل «لات» فى شىء رفعت أو نصبت.
__________________
(١) الكتاب (١ : ٢٨ ـ ٣٣ ، ٣٥٤).
(٢) ص : ٣ ـ قراءة الجمهور : ولات حين ، بفتح التاء ونصب النون ، عاملة عمل ليس واسمها محذوف ، أو عاملة عمل إن والخبر محذوف. وقرأ أبو السمال ، ولات حين ، بضم التاء ورفع النون. وقرأ عيسى بن عمر بكسر التاء وجر النون (البحر ٧ : ٣٨٣ ـ ٣٨٤).
(٣) القائل : سعد بن مالك القيسي.
قال أبو إسحاق : من رفع «لات» حين يريد : ولات الحين حين مناص ، فيكون خبرا مبتدأ محذوف.
ويجوز أن يكون ابتداء والخبر محذوف ، بخط الوراق «س (١)». يريد أنه يقدر بعد «لا» ، كأنه قال : لات الحين حين مناص ، ثم خزل «الحين» ، و«الحين» فيه مبتدأ ، و«حين مناص» خبره ، وإنما أظهر المنصوب لأنه يدل على الفعل. وإذا نصبت «لات» نصبت بالظرف ، لأنها تعمل ، وزعم وهيب عن هارون عن عيسى / هذا : كسر التاء والنون ، وسيبويه يرفع.
ومن ذلك ما ذكروه فى باب «كان» وزعم أنه سمع رؤبة يقول : ما جاءت حاجتك ، فرفع. ومثل قولهم : ما جاءت حاجتك ، إذا صارت تقع على مؤنث ، قراءة بعض القراء: (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) (٢) ، و: (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) (٣).
قلت قوله : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ) (٤) بنصب التاء والتأنيث ، «تكن» قراءة أبى عمرو ، وغيره من السبعة أنّث «تكن» بأن قوله «أن قالوا» يؤول إلى معنى «الفتنة» وقوله : «تلتقطه بعض السيارة» قراءة الحسن (٥) ، فهو خارج عن السبعة. فإما أن يكون لأن البعض من السيارة ، أو يكون اكتسى التأنيث عن المضاف إليه.
ومن ذلك ما ذكره فى باب الأمر والنهى ، تقول : أمّا زيد فسلّم عليه ، وأمّا الكافر فلعنة الله عليه ، لأن هذا ارتفع بالابتداء.
__________________
(١) يريد : سيبويه.
(٢) الأنعام : ٢٣ ـ قراءة الجمهور «تكن» بالتاء ، وحمزة والكسائي بالياء ، وحفص «فتنتهم» بالرفع. وفرقة: لم يكن فتنتهم ، بالياء وبالنصب. (البحر ٤ : ٩٥).
(٣) يوسف : ١٠.
(٤) هذه قراءة الحسن ومجاهد وقتادة وأبي رجاء. (البحر ٥ : ٢٨٤).