إعراب القرآن - ج ٢

الزجّاج

إعراب القرآن - ج ٢

المؤلف:

الزجّاج


المحقق: ابراهيم الأبياري
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٧٦

فإذا حملته على التقديم كان قوله. «من بين يديه» متعلقا بقوله «يحفظونه» ، والتقدير : له معقبات من أمر الله يحفظونه من بين يديه ومن خلفه. قاله النخعىّ فيكون الظرف فاصلا / بين الصفة والموصوف ، فنظيره : (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) (١) ، جمع : راصد. يعنى : الملائكة يحفظون النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله ـ من الجن والإنس ، وهم أربع.

ومن ذلك قوله : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ) (٢). قيل : الكاف من صلة ما قبله. وقيل : من صلة ما بعده.

فمن قال : هى من صلة ما قبله ، قال : «كما أخرجك» أي : كما ألزمك الخصال المتقدم ذكرها التي تنال بها الدرجات ، ألزمك الجهاد وضمن النّصرة لك والعاقبة المحمودة.

وقيل : بل المعنى : الأنفال لله والرسول مع مشقتها عليهم ، لأنه أصلح لهم ، كما أخرجك ربك من بيتك بالحق مع كراهتهم ، لأنه أصلح لهم.

وقيل : هو من صلة ما بعده ، والتقدير : يجادلونك في الحق متكرّهين كما كرهوا إخراجك من بيتك.

وقيل : أن يعمل فيه «بالحق» ، يعنى : هذا الحق كما أخرجك ربك. جائز حسن.(٣) وقيل : التقدير : يجادلونك في القتال كما جادلوا في الإخراج.

__________________

(١) الجن : ٢٧.

(٢) الأنفال : ٥.

(٣) ساق أبو حيان في تفسير : البحر المحيط (٤ : ٤٥٩ ـ ٤٦٤) خمسة عشر رأيا حول إعراب «كما» ليس من بينها هذا الرأي الذي يبدو غير واضح.

٣٠١

ومن ذلك قوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) (١) ، ثم قال : (ذَواتا أَفْنانٍ) (٢). فقوله «ذواتا» صفة ل «جنتين» ، أي : جنتان ذواتا أفنان. واعترض بينهما بقوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٣).

وهكذا الآي كلها التي تتلوها إلى قوله : (وَمِنْ دُونِهِما) (٤) ، كلها صفات لقوله : (جَنَّتانِ) ، والتقدير : وله من دونهما جنتان ، وما بعدها صفات ل «جنتان» المرتفعة بالظرف. وقوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٥) اعتراض ، ويكون قوله : (مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ) (٦) حالا من المضمرين في قوله : (وَمِنْ دُونِهِما) (٧) أي : ولهم من دونهما ، كما أن قوله : (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ) (٨) حال من قوله «ولمن».

والتقديم والتأخير كثير في التنزيل. ومضى قبل هذا الباب الخبر المقدم على المبتدأ في قوله : (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٩) ، (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١٠) ، (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (١١) ، ونحوه كثير.

وأما قوله : (الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) (١٢) ، وقد قرئ بالرفع والنصب :

وجه الرفع فى «سواء» أنه خبر ابتداء مقدّم ، والمعنى : العاكف والبادي فيه سواء ، أي : ليس أحدهما بأحق به من صاحبه ،

__________________

(١) الرحمن : ٤٦.

(٢) الرحمن : ٤٨.

(٣) الرحمن : ٤٧.

(٤) الرحمن : ٦٢.

(٥) الرحمن : ٧٦.

(٦) الرحمن : ٥٤.

(٧) النحل : ٦٣ ، ١٠٤ ، ١١٧.

(٨) البقرة : ٧.

(٩) البقرة : ١٧٩.

(١٠) الحج : ٢٥.

٣٠٢

فاستواء العاكف والبادي ، فيه دلالة على أن أرض الحرم لا تملك ، ولو ملكت لم يستويا فيه ، وصار العاكف فيه أولى بها من البادي بحقّ ملكه ، ولكن سبيلهما سبيل المساجد التي من سبق إليها كان أولى بالمكان لسبقه إليه ، وسبيله سبيل المباح الذي من سبق إليه كان أولى به.

ومن نصب فقال : (سَواءً الْعاكِفُ) أعمل المصدر عمل اسم الفاعل ، فرفع «العاكف» به كما يرتفع «بمستو» ، ولو قال : مستويا العاكف فيه والبادي ، فرفع العاكف «بمستو» فكذلك يرفعه ب «سواء».

والأكثر الرفع في نحو هذا ، وألا يجعل هذا النحو من المصدر بمنزلة الفاعل ، ووجهه أن إعماله المصدر قد يقوم مقام اسم الفاعل في الصفة ، نحو : رجل عدل ، فيصير : عدل العادل. وقد كسّر اسم المصدر تكسير اسم الفاعل في نحو قوله :

فنوّاره ميل إلى الشّمس زاهر (١)

فلو لا أن «النّور» عنده كاسم الفاعل لم يكسّر تكسيره ، فكذلك قول الأعشى :

و كنت لقى تجرى عليك السّوائل (٢)

ومن أعمل المصدر إعمال اسم الفاعل فقال : مررت برجل سواء درهمه ؛ وقال : مررت برجل سواء هو والعدم ؛ كما تقول : مستو هو والعدم ، فقال : سواء العاكف فيه والباد ، كما تقول : مستويا العاكف فيه والباد ، فهو وجه حسن.

__________________

(١) عجز بيت للخطيئة ، صدره :

بمستأسد القريان حونباته

(٢) صدره :

وليتك حال البحر دونك كله

والرواية في الديوان : «عليه» مكان «عليك». والسوائل : المياه السائلة.

٣٠٣

ويجوز في نصب قوله «سواء العاكف فيه» وجه آخر : وهو أن تنصبه على الحال ، فإذا نصبته عليها وجعلت قوله. «للنّاس» مستقراّ ، جاز أن يكون حالا يعمل فيها معنى الفعل ، وذو الحال الذّكر الذي في المستقر.

ويجوز أيضا في الحال أن يكون من الفعل الذي هو «جعلناه» ، فإن جعلتها حالا من الضمير المتصل بالفعل كان ذو الحال الضمير والعامل فيها ، وجواز قوله «للناس» / مستقر ، على أن يكون المعنى : أنه جعل للنّاس منسكا ومتعبدا ، فنصب ، كما قال : وضع للناس.

ويدل على جواز كون قوله «للناس» مستقرّا ، أنه قد حكى : أن بعض القراء قرأ : (الّذى جعلناه للنّاس العاكف فيه والبادي سواء) ، فقوله «للناس» يكون على هذا مستقرّا في موضع المشغول الثاني ل «جعلناه» ، فكما كان في هذا مستقرّا كذلك يكون مستقرّا في الوجه الذي تقدمه ، ونعنى : الذي جعلناه للعاكف والبادي سواء. أنهما يستويان فيه في الاختصاص بالموضع ومن ذلك قوله تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً* نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) (١) قوله «نصفه» بدل من «الليل» ، كما تقول : ضربت زيدا رأسه ، فالمعنى : نصف الليل إلا قليلا ، نصفه أو انقص من النصف أو زد عليه.

وقوله «إلا قليلا» يفيد ما أفاده أو «انقص منه قليلا» ، لكنه أعيد تبعا لذكر الزّيادة ؛ خيّره الله تعالى بين أن يقوم النصف أو يزيد عليه أو ينقص منه.

__________________

(١) المزمل : ٢ ـ ٤.

٣٠٤

وقال الأخفش : المعنى : أو نصفه أو زد عليه قليلا ، لأن العرب قد تكلّم بغير «أو» ، يقولون : أعط زيدا درهما درهمين أو ثلاثة.

وقال المبرد : خطأ لا يجوز ، إنما «نصفه» بدل من «الليل» ، والاستثناء مقدم من «النّصف».

ومن ذلك قوله : (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) (١). هذا من طرائف العربية ، لأن «هى» ضمير القصة مرفوعة بالابتداء ، و «أبصار الذين كفروا» مبتدأة ، و «شاخصة» خبر مقدم ، وهي خبر أيضا ، والجملة تفسير «هى» ، والعامل فى «إذا» قوله «شاخصة» ، ولو لا أن «إذا» ظرف لم يجز تقديم «ما» فى حيّز «هى» عليها ، لأن التفسير لا يتقدم على المفسّر ، ولكنّ الظرف يلغيه الوهم ، وقد جاء ذلك في الشعر في غير الظرف ، قال الفرزدق :

و ليست خراسان الذي كان خالد

بها أسد إذ كان سيفا أميرها

والتقدير : الذي كان خالد بها سيفا إذ كان أسدا أميرها. ففى «كان» الثانية / ضمير القصة ؛ وأسد «مبتدأ» ، وأميرها «خبر» ، والجملة تفسير الضمير الذي فى «كان» ، وقدم «الأسد» على «كان» الذي فيه الضمير.

وقالوا : يمدح خالد بن عبد الله القسري (٢) ويهجو أسدا ، وكان أسد وإليها بعد خالد ، قال : وكأنه قال : وليست خراسان بالبلدة التي كان خالد بها سيفا ، إذ كان أسد أميرها. ففصل بين اسم «كان» الأول ، وهو خالد ، وبين خبرها الذي هو «سيفا» بقوله : «بها أسد إذ كان» ، فهذا واحد. وثان أنّه قدم

__________________

(١) الأنبياء : ٩٧.

(٢) الأصل : «خالد بن الوليد» تحريف. وخالد القسري وأخوه أسد ، ممن قال فيهم الفرزدق.

٣٠٥

بعض ما أضافه إليه ، وهو «أسد» عليها ، وفي تقديم المضاف إليه أو شىء منه على المضاف من القبح ما لا خفاء به ، فنظير الآية قوله : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ) (١) ، وقوله : (إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) (٢) ، وقوله : (إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) (٣) ، ثم قال : (إِنَّ رَبَّهُمْ) (٤) ، ف «إذا» فى هذه الأشياء متعلقة بمحذوف دلّ عليه ما بعد «إن» و «الفاء».

وقيل في البيت : إن «كان» زائدة ، فيصير تقديره : إذ أسد أميرها ، فليس في هذا أكثر من شىء واحد ، وهو ما قدمنا ذكره من تقديم ما بعد «إذ» عليها ، وهي مضافة إليها. وهذا أشبه من الأول ، ألا ترى أنه إنما نفى حال خراسان إذ أسد أميرها ؛ لأنه إنما فضل أيامه المنقضية بها على أيام أسد المشاهدة فيها ، فلا حاجة به إلى «كان» ، لأنه أمر حاضر مشاهد. فأما «إذا» هذه فمتعلقة بأحد شيئين. إما ب «ليس» وحدها ، وإما بما دلت عليه من غيرها ، حتى كأنه قال : خالفت خراسان إذ أسد أميرها التي كانت أيام ولاية خالد لها ، على حد ما نقول فيما يضمر للظرف ، ليتأولها ويصل إليها.

ومن ذلك قوله : (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) (٥) ، تقدير «من قبل» أن يكون متعلقا ب «كفرت» ، المعنى : أي : كفرت من قبل بما أشركتمونى. ألا ترى أن كفره قبل كفرهم ، وإشراكهم إياه فيه بعد ذلك ، فإذا كان كذلك علمت أن «من قبل» لا يصح أن يكون من صلة «ما أشركتمونى» ، وإذا لم يصح ذلك فيه ثبت أنه من صلة «كفرت».

__________________

(١) المؤمنون : ١٠١.

(٢) سبأ : ٧.

(٣) العاديات : ٩.

(٤) العاديات : ١١.

(٥) إبراهيم : ٢٢.

٣٠٦

ومن ذلك قوله : (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ) (١) ، أي : أنزل إليك لتنذر ، فأخر اللام المتعلّق بالإنزال.

وقيل : فلا يضيق صدرك بأن يكذبوك. عن الفراء ـ فيكون «اللام» متعلقا بالحرج.

ومن ذلك قوله : (وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) (٢) ، أي : كانوا يظلمون أنفسهم. ومنه : (وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٣) ، و (أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) (٤).

هذا يدل على جواز : يقوم كان زيدا ، ألا ترى أن «أنفسهم» منتصب ب «يظلمون» ، فإذا جاز تقديم مفعوله جاز تقديمه وجاز وقوعه موقع المعمول.

فأمّا قوله : (وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) (٥) ففى موضعه ثلاثة أقوال :

رفع بالعطف على «كتاب» ، وقيل : بل مبتدأ مضمر.

وإن شئت كان نصبا ب «تذكر» ، أي ، لتنذر فتذكر.

وإن شئت هو جرّ باللام ، أي : لتنذر وللذكرى.

وضعّفه ابن عيسى فقال : باب الجر باب ضيّق لا يتسع فيه الحمل على المعاني : وليس الأمر كما قال ، لأنا عرفنا أن تعدّ اللام مضمرة ، وكأنه قال : للإنذار به وذكرى للمؤمنين ، وإذا جاء : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا) (٦) ، والتقدير : وبعد أن شهدوا ، لم يكن لنظر أبى الحسن مجال في هذا الباب ، وابن من أنت من أبى علىّ ، وكلامك ما تراه من الاختصار والإيجاز.

__________________

(١) الأعراف : ٢.

(٢) الأعراف : ١٧٧.

(٣) الأعراف : ١٣٩ ـ هود : ١٦.

(٤) سبأ : ٤٠.

(٥) الأعراف : ٢.

(٦) آل عمران : ٨٦.

٣٠٧

فأما قوله تعالى : (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ) (١) فإن العامل فى «إذا» محذوف ، كقولك : خرجت فإذا زيد ، فبالحضرة زيد ، فيكون «فريقان» بدلا من «هم» ؛ وإن كان متعلقا بالمحذوف ، فيكون الإخبار عن المبدل منه ، وقد قال :

و كأنه لهق السّراة كأنه

ما حاجبيه معيّن بسواد (٢)

أخبر عن المبدل منه ؛ والإخبار في الآية إذا قدرت قوله «فريقان» بدلا من «هم» كان متعلقا بمحذوف ، كما يكون مع البدل منه فكذلك يجوز أن تجعل قوله «فريقان يختصمون» الخبر عن «هم» ، فإذا قدّرته كذلك أمكن أن تعلق «إذا» بما فى «فريقان» من معنى الفعل ، وإن شئت علّقته بالاختصام ، وقال : يختصمون ، على المعنى. ويجوز أن تجعل «الفريقان» الخبر ونجعل «يختصمون» وصفا ، فإذا قدرته كذلك تعلق «إذا» بما فى «الفريقان» من معنى الفعل ، ولا يجوز أن يتعلق ب «يختصمون» ، لأن الصفة لا تتقدم على الموصوف / ألا ترى أنه لم يجز : أزيدا أنت رجل تضربه ، إذا جعلت «تضرب» وصفا. «وأجاز المازني : زيدا أنت رجل تكرمه ، على أن يكون «تكرمه» خبرا ثانيا ل «أنت» لا وصفا للنكرة. ويجوز أن تجعل «يختصمون» حالا من «هم» ، وتجعل «فريقين» بدلا ، فالعامل في الحال الظرف ، كقوله : فيها زيد قائما.

وقال في موضع آخر : «يختصمون» وصف أو حال. والحال من أحد الشيئين :

__________________

(١) النمل : ٤٥.

(٢) البيت للأعشى. ولهق السراة : أي أبيض أعلى الظهر. ومعين بسواد : أسفع الخدين.

٣٠٨

إما من الضمير فى «فريقان» لأنه منصوب ، ألا تراهم قالوا : يومئذ يتفرقون ، وليس كذا.

والآخر : أن يكون حالا مما فى «ذا» من معنى الفعل ، وذاك إذا جعلته على قولهم: حلو حامض ، فإنه على هذا التقدير متعلق بمحذوف ، فإذا تعلق بالمحذوف كان بمنزلة قولهم : فى الدار زيد قائما. فإذا لم تجعله على هذا الوجه لم يجز أن ينتصب عنه حال ، ألا ترى أنك إذا لم تجعله على قولهم : حلوّ حامضّ ، كان «فريقان» خبر «هم» الوقعة بعد «إذا» ، وإذا كان كذلك كان «إذا» فى موضع نصب مما في قوله «فريقان» من معنى الفعل ، فليس فى «إذا» ضمير لتعلقه بالظاهر ، فإنما ينصب الحال إذا تعلق بمحذوف خبرا «لهم».

وأما قوله تعالى : (وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) (١) ، يحتمل أن يكون : أتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ولعنة يوم القيامة ؛ فحذف المضاف ، ويجوز أن يكون محمولا على موضع «فى هذه الدنيا» كما قال :

إذا ما تلاقينا من اليوم أو غد

ويشهد لذلك ، والوجه الذي قبله ، قوله تعالى في آية أخرى : (لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) (٢) ، وقوله : (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) (٣) ، ويكون قوله (هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) (٤). جملة استغنى بها عن حرف

__________________

(١) القصص : ٤١.

(٢) النور : ٢٣.

(٣) هود : ٩٩.

٣٠٩

العطف فيها بالذكر الذي تضمنت ممّا في الأولى ، كما استغنى عنه بذلك فى قوله تعالى : (ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) (١) ولو كانت الواو لكان ذلك حسنا كما قال : (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ). ويجوز أن يكون العامل فيه «من المقبوحين» لأن فيه معنى فعل ، وإن كان الظرف متقدما ، كما أجاز : كلّ يوم لك ثوب. ويجوز أن يكون العامل فيه مضمرا يدل عليه قوله : «من المقبوحين» لقوله : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) (٢).

وأما قوله : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) (٣) فيكون «يومئذ» من صلة المصدر ، كما كان في التي قبلها ، يعنى في قوله : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ) (٤) ، و «الحق» صفة والظرف الخبر ، ويجوز أن يكون «يومئذ» معمول الظرف ، ولا يتقدم عليه ولا يتصل على هذا بالمصدر.

وأما قوله : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ) (٥) ، إن جعلت الظرف من صلة المصدر جاز أن تنصبه نصب المفعول به ، كقولك : الوزن الدراهم حق ، ويكون «الحق» على هذا خبر المبتدأ. وإن جعلت «يومئذ» خبر المصدر ، لأن «الوزن» حدث ، فيكون ظرف الزمان خبرا عنه تعلق بمحذوف ، جاز أن ينتصب انتصاب الظرف دون المفعول به ، ألا ترى أن المفعول به لا تعمل فيه المعاني ، ويكون «الحق» على هذا صفة ل «الوزن» ، ويجوز أن يكون بدلا من «الذكر» المرفوع الذي في الخبر.

__________________

(١) الكهف : ٢٢.

(٢) الفرقان : ٢٢.

(٣) الفرقان : ٢٦.

(٤) الأعراف : ٨.

٣١٠

وأما قوله : (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) (١) فهو متعلق بمحذوف ، ألا ترى أنه ليس في هذا الكلام فعل ظاهر يجوز أن يتعلق الظرف به ، فإذا كان كذلك تعلق بما دل عليه قوله : (فَهُمْ يُوزَعُونَ) ، كما أن قوله ، (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) (٢) الظرف فيه كذلك ، وكذلك قوله : (يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (٣) ، لأنّ الظرف من حيث كان مستقبلا كان بمنزلة «إذا» ، ومن ثم أجيب بالفاء كما يجاب «إذا» بها.

وأما قوله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) (٤). فقد تكون مثل التي تقدمت ، ألا ترى أن قوله : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (٥) ماض ، كما أن قوله : (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) (٦) كذلك ، و «ندعو» مستقبل ، كما أن (يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ) (٧) كذلك ، فتجعل الظرف بمنزلة «إذا» كما جعلته ثمّ بمنزلته ، فيصير التقدير : يوم ندعو كل أناس بإمامهم لم يظلموا ، أو عدل عليهم ، ونحوه.

ومن ذلك قوله : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ* فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) (٨) ، القول فيه : إن ذلك إشارة إلى النّقر ، كأنه قال : فذلك النقر يومئذ يوم عسير ، أي : نقر يوم عسير ، فقوله «يومئذ» ، على هذا متعلق بذلك ، لأنه في المعنى مصدر وفيه معنى الفعل ، فلا يمتنع أن يعمل في الظرف كما عمل في الحال ، ويجوز أن يكون «يومئذ» ظرفا لقوله «يوم» ، ويكون «يومئذ» بمنزلة «حينئذ» ، ولا يكون

__________________

(١) فصلت : ١٩.

(٢) المؤمنون : ٨٢.

(٣) سبأ : ٧.

(٤) الإسراء : ٧١.

(٥) الإسراء : ٧٠.

(٦) فصلت : ١٨.

(٧) المدثر : ٨ ، ٩.

٣١١

«اليوم» ، الذي يعنى به وضح النهار ، ويكون «اليوم» الموصوف بأنه عسير خلاف الليلة ؛ ويكون التقدير : فذلك اليوم يوم عسير حينئذ ، أي : ذلك اليوم يوم في ذلك الحين ، فيكون متعلقا بمحذوف ولا يتعلق ب «عسير» ، لأن ما قبل الموصوف لا تعمل فيه الصفة. فأما «إذا» فى قوله : «فإذا نقر فى الناقور» فالعامل فيه المعنى الذي دل عليه قوله : «يوم عسير» ، تقديره : إذا نقر في الناقور عسر الأمر فصعب ، كما أن «لا بشرى يومئذ» يدل على «يحزنون».

ومن ذلك قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) (١) ، و (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) (٢) ، و (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) (٣) و (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) (٤) ، و (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) (٥) كل هذا «ما» فيه منصوب بفعل الشرط الذي بعده ، والفعل منجزم به.

ومثله : (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (٦) ، «أيا» منصوب ب «تدعو» ، و «تدعو» منجزم به.

ومنهم من قال : إن «أيّا» ينتصب بمضمر دون «تدعو» ، لأنّ «تدعو» معموله ، فلو نصبه وجب تقدير تقديمه.

وأما قوله : (أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٧) ، فالتقدير : أي انقلاب ينقلبون ، ف «منقلب» مصدر. و «أي» مضاف إليه ، فيصير حكمه حكم المصدر ، فيعمل فيه «ينقلبون».

ومن ذلك ما قيل في قوله تعالى : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (٨).

__________________

(١) البقرة : ١٠٦.

(٢) البقرة : ٢٧٢ و ٢٧٣.

(٣) البقرة : ١٩٧ و ٢١٥ ، النساء : ١٢٧.

(٤) فاطر : ٢.

(٥) سبأ : ٣٩.

(٦) الإسراء : ١١٠.

(٧) الشعراء : ٢٢٧.

(٨) الأنعام : ١١٠.

٣١٢

عن ابن بحر : إن فيه تقديما وتأخيرا ، والتقدير : وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها والله مقلّب قلوبهم في حال أقسامهم ، وعالم منها بخلاف ما حلفوا عليه ؛ إذ هو مقلّب القلوب والأبصار ، عالم بما فى الضمير والظاهر ، وما يدريكم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون كما لم يؤمنوا به أوّل مرة ، أي : قبل الآية التي طلبوها (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١).

وحمله قوم على أن «الكاف» بمعنى «على» ، وآخرون على أنه بمعنى : من أجل ، أي : من أجل ما لم يؤمنوا / به أول مرة.

ومن ذلك قوله : (لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢) ، أىّ: ثبتت لهم دار السلام جزاء لعملهم ، وهو أحسن من أن تعلقه بقوله : «وليهم» ، إنما يجازيهم بعملهم الجنة.

ومثله : (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٣).

ومن ذلك قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً) (٤) ، أي : على عبده الكتاب قيّما ولم يجعل له عوجا ، ففصل وقدّم وأخّر. ويجوز أن يكون الواو واو الحال ، فيكون «قيما» حالا بعد حال.

ومن ذلك قوله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) (٥) ، يكون التقدير : على قرية على عروشها ، فيكون بدلا ، ويكون «وهي خاوية» بمعنى : خالية ، والجملة تسدد الأول.

__________________

(١) الأنعام : ١١٠.

(٢) الأنعام : ١٢٧.

(٣) الأحقاف : ١٤.

(٤) الكهف : ٢.

(٥) البقرة : ٢٥٩.

٣١٣

وأما قوله تعالى : (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) (١) ، التقدير : فمهما يكن من شىء فسلام لك من أصحاب اليمين إن كان من أصحاب اليمين ، فقوله : «إن كان من أصحاب اليمين» مقدّم في المعنى ، لأنه لما حذف الفعل وكانت تلى الفاء «أما» قدّم الشرط وفصل بين الفاء و «أما» به ، وعلى هذا جميع ما جاء في التنزيل.

ومن ذلك قوله : (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) (٢). روى عن حمزة الزيات أنه قال في التفسير : فكيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم.

قال أبو على : أي : كيف تتقون عذابه أو جزاءه ، ف «اليوم» على هذا اسم لا ظرف ؛ وكذلك : واتقوا يوما يجعل الولدان شيبا ، إن «اليوم» محمول على الاتقاء. «وقد قيل» : إنه على «إن كفرتم يوما» فهذا تقديره : كفرتم بيوم ، فحذف الحرف وأوصل الفعل. وليس بظرف ، لأن الكفر لا يكون يومئذ ، لارتفاع الشّبه لما يشاهد.

وقال الله تعالى : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ) (٣) إلى قوله : (لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً) (٤).

قيل : الاستثناء من قوله : (أَذاعُوا بِهِ) فهو فىّ نية التقديم.

وقيل : هو من قوله : (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ) (٥) ، و «لو لا» وجوابه اعتراض وقيل : بل هو مما يليه ويعنى به : زيد بن عمرو بن نفيل ، يبعث وحده.

__________________

(١) الواقعة : ٩٠ و ٩١.

(٢) المزمل : ١٧.

(٣) النساء : ٨٣.

٣١٤

ومنه قوله تعالى : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) (١). إن نصبت «أربعين» ب «يتيهون» كان من هذا الباب ، وهو الصحيح.

وقيل : بل هو متعلق ب «محرمة» ، والتحريم كان على التأبيد.

ومن ذلك (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (٢) فيمن رفع «المثل» أنه صفة لل «جزاء» ، والمعنى : فعليه جزاء من النعم يماثل المقتول ، والتقدير : فعليه جزاء وفاء اللازم له ، أو : فالواجب عليه جزاء من النعم مماثل ما قتل من الصيد. ف «من النعم» على هذه القراءة صفة للنكرة التي هى «جزاء» وفيه ذكره ، ويكون «مثل» صفة ل «الجزاء» ، لأن المعنى : عليه جزاء مماثل للمقتول من الصيد من النعم ، والمماثلة في القيمة أو الخلقة ، على حسب اختلاف الفقهاء في ذلك. ولا يجوز أن يكون قوله : «من النعم» على هذا متعلقا في المصدر ، كما جاز أن يكون الجار متعلقا به في قوله : (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) (٣) ، لأنك قد وصفت الموصول ، وإذا وصفته لم يجز أن تعلق به بعد الوصف شيئا كالعطف فى التأكيد.

وقيل : قوله : «من النعم» من صلة «ما قتل» وليس بوصف لل «جزاء».

وقيل : هو من صلة «يحكم» وإن تقدم عليه ؛ والجزاء يقوم في أقرب المواضع إلى القاتل عند أبى حنيفة ، وعند الشافعي الجزاء من النظير ، ولو كان من النظير لم يقل (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٤) ولم يعطف عليه (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ) (٥) ، لأن ذلك إلى الحكمين ، والنظير لا يحتاج فيه إلى ذلك.

__________________

(١) المائدة : ٢٦.

(٢) المائدة : ٩٥.

(٣) يونس : ٢٧.

٣١٥

وأما قوله تعالى : (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (١) ، و (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (٢) ، و (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) (٣) فتبيين للظاهر وليس بصلة ، لأنه لا تتقدم الصلة على الموصول.

ومن ذلك قوله : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) (٤) إلى قوله : (فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٥) ، «فتطردهم» جواب النفي في قوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) (٦) ، وقوله : «فتكون» جواب النفي في نية التقديم.

ومن ذلك قوله : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ) (٧) إلى قوله : (وَدَرَسُوا ما فِيهِ) (٨) ، فقوله : «درسوا» عطف على «ورثوا» ، وكلتا الجملتين صفة لقوله : «خلف».

/ وقوله : (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ) (٩) اعتراض بين الفعلين اللذين هما صفة «خلف».

ومن ذلك قوله : (زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) (١٠) إلى قوله : (وَلِتَصْغى) (١١) والآية بينهما اعتراض.

ومن ذلك قوله : (لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ) (١٢) ، اللام متعلّق بقوله : (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً) (١٣) ، أي : يحكم به ليذوق وبال أمره. فيكون قوله «هديا» حالا من الهاء المجرور بالباء ،

__________________

(١) الأعراف : ٢١.

(٢) الأنبياء : ٥٦.

(٣) يوسف : ٢٠.

(٤) الأنعام : ٥٢.

(٥) الأعراف : ١٦٩.

(٦) الأنعام : ١١٢.

(٧) الأنعام : ١١٣.

(٨) المائدة : ٩٥.

٣١٦

وقوله «أو كفارة» عطف على «جزاء» ، و «طعام» بدل منه ، أو «عدل ذلك» عطف على «كفارة» والتقدير : فجزاء مثل ما قتل من النعم ، أو كفارة طعام مساكين ، أو عدل ذلك صياما يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة ليذوق وبال أمره.

ومن ذلك : (قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) (١). «يوم» ظرف لقوله : «له» ، ويجوز أيضا أن يتعلق بالمصدر الذي هو «الملك» فيكون مفعولا به ، كأنه : يملك ذلك اليوم ، كما قال : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (٢).

وقوله : (عالِمُ الْغَيْبِ) (٣) فيمن جر ، وهي رواية عن أبى عمرو ، نعت لقوله : (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٤). ومن رفع «عالم» فهو رفع بفعل مضمر ، أي : ينفخ فيه عالم الغيب ، كقوله : (رِجالٌ) (٥) بعد قوله : (يُسَبِّحُ) (٦).

ومن ذلك قوله : (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) (٧) نصب عطف على قوله : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها) (٨) ، تقديره : (ومغانم أخرى) ؛ نظيره : (وَأُخْرى تُحِبُّونَها) (٩) والتقدير : على تجارة (١٠) تنجيكم وتجارة أخرى. وإن شئت كان التقدير : ولكم تجارة أخرى تحبونها. ثم قال : (نَصْرٌ مِنَ اللهِ) (١١) أي : هى نصر.

__________________

(١) الأنعام : ٧٣.

(٢) الفاتحة : ٤.

(٣) الأنعام : ٧٣.

(٤) الأنعام : ٧١.

(٥) النور : ٣٧.

(٦) النور : ٣٦.

(٧) الفتح : ٢١.

(٨) الفتح : ٢٠.

(٩) الصف : ١٣.

(١٠) يريد قوله تعالى في الآية العاشرة من هذه السورة ـ سورة الصف ـ (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ).

٣١٧

ومن ذلك قوله : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) (١).

قال : معمر : التقدير : وجاءتهم رسلهم بالبينات من العلم.

ومن ذلك قوله : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) (٢) إلى قوله : (لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ) (٣)

قال أبو الحسن : اللام من صلة «كف» ، ولو قال : متعلق بمضمر دل عليه «كف» لم يكن فصلا بين الصلة والموصول وكان أحسن.

ومن ذلك قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ) (٤).

قال أبو على : الظرفان صفة للنكرة متعلقان بمحذوف ، والشهادة من الله هى شهادة يحملونها ليشهدوا بها ، كما قال : (فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (٥) ، فإنه يجوز أن يكون التقدير : إن أحوالهم ظاهرة وإن كتموها ، كما قال : (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) (٦) ، فإذا لم يتعلق ب «كتم» تعلق ب «الشهادة» ، وتعلّقه به على وجوه:

فإن جعلت قوله : «عنده» صفة للشهادة لم يجز أن يكون «من الله» متعلقا ب «شهادة» ، لأنه فصل بين الصلة والموصول ، كما أنك لو عطفت عليه كان كذلك.

ويجوز أن تنصب «عنده» لتعلقه ب «شهادة» ، فإذا فعلت ذلك لم يتعلق به «من الله» لأنه لا يتعلق به ظرفان.

وإن جعلت «عنده» صفة أمكن «من الله» حالا عما فى «عنده» ،

__________________

(١) غافر : ٨٣.

(٢) الفتح : ٢٤ : ٢٥.

(٣) البقرة : ١٤٠.

(٤) آل عمران : ٨١.

(٥) غافر : ١٦.

٣١٨

فإذا كان كذلك وجب أن يتعلق بمحذوف في الأصل ، والضمير العائد إلى ذى الحال هو في الظرف الذي هو «من الله».

ويجوز أن تجعل الظرفين جميعا صفة للشهادة.

وقيل في قوله : (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (٢٣) لا يَذُوقُونَ) (١) تقديره : لا يذوقون أحقابا ، فهو ظرف ل «لا يذوقون» ، وليس بظرف ل «لابثين» ، إذ ليس تحديدا لهم ، لأنهم يلبثون غير ذلك من المدد ، فهو تحديد لذوق الحميم والغسّاق.

ومن ذلك قوله : (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) (٢).

عند الأخفش على تقدير : وما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيا بينهم.

ولا يلزم قول ابن جرير ، لأن «من» فى قوله «من بعد» يتعلق ب «ما اختلف» لا المصدر ، والفصل بين المفعول له والمصدر ، لأنّ المفعول له علّة للفعل ، والمصدر اختلف فيه الأصحاب.

بيّض الموضع أبو على في الكتاب.

ومن ذلك قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) (٣) إلى قوله : (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٤) جر «المسجد» عندنا محمول على «الشهر» ، والتقدير : يسألونك عن قتال في الشهر الحرام والشهر الحرام ، لأن القتال كان حقه عند المسجد.

/ وقوم يحملونه على الباء في قوله «كفر به» ، والمضمر المجرور لا يحمل عليه المظهر حتى يعاد الجار.

__________________

(١) النبأ : ٢٣ و ٢٤.

(٢) آل عمران : ١٩.

(٣) البقرة : ٢١٧.

٣١٩

وأبو على يحمله على المصدر ، والتقدير : وصد عن سبيل الله وعن المسجد ، ووقع الفصل بالمعطوف ، وهو قوله «وكفر به» بين الصلة والموصول ، وهذا لا يجوز. وقد ذكر ... (١) هو في مواضع أشياء أبطلها بمثل هذا القول ، حتى إنه قال في قوله : (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) (٢) لا يكون «أو يرسل» عطفا على «وحيا» ، وقد علقت «أو من وراء حجاب» بمضمر ، لأنك فصلت بين المعطوف على الوصول بما ليس من صلته. وقد تقدم هذا.

ومن ذلك قوله : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ* فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ)(٣). ويجوز أن يكون من صلة «تتفكرون».

وقيل في قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً) (٤).

قيل : فيه تقديم وتأخير ، والتقدير : إنه كان فاحشة إلا ما قد سلف ، فصار فاحشة بعد نزول الفاحشة.

وقيل : إنها نزلت في قوم كانوا يخلفون الآباء على نسائهم ، فجاء الإسلام بتحريم ذلك ، وعفا عما كان منهم في الجاهلية أن يؤاخذوا به إذا اجتنبوه فى الإسلام.

وقيل : التقدير : ولا تنكحوا من النساء نكاح آبائكم ، ف «ما» مصدرية ، و «من» صلة «تنكحوا».

وقيل : الاستثناء منقطع ، أي : لكن ما قد سلف في الجاهلية ، وإنه معفو عنه.

__________________

(١) مكان هذه النقط بياض الأصل

(٢) الشورى : ٥١.

(٣) البقرة : ٢١٩ و ٢٢٠.

(٤) النساء : ٢٢.

٣٢٠