اللّباب في علوم الكتاب - ج ٢٠

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٢٠

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٩

والثاني : أنها «السحاب» فإن كان المراد بها السحاب ، فلما فيها من الآيات الدالة على قدرته ، والمنافع العامة لجميع خلقه.

وإن كان المراد بها الإبل من النعم ؛ فلأن الإبل أجمع للمنافع من سائر الحيوان ؛ لأن ضروبه أربعة : حلوبة ، وركوبة ، وأكولة ، وحمولة ، والإبل تجمع هذه الخلال الأربع ، فكانت النعمة بها أعم ، وظهور القدرة بها أتم.

وقيل للحسن : الفيل أعظم في الأعجوبة ، فقال : العرب بعيدة العهد بالفيل ، ثم هو لا يؤكل لحمه ، ولا يركب ظهره ، ولا يحلب درّه (١).

فصل في الكلام على الإبل

الإبل : اسم جمع ، واحده : بعير ، وناقة ، وجمل ، ولا واحد لها من لفظها ، وهو مؤنث ، ولذلك تدخل عليه تاء التأنيث حال تصغيره ، فيقال : أبيلة.

قال القرطبيّ (٢) : لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين ، فالتأنيث لها لازم ، وربما قالوا للإبل : إبل ـ بسكون الباء ـ للتخفيف ، والجمع : آبال واشتقوا من لفظه ، فقالوا : تأبل زيد ، أي كثرت إبله. وتعجبوا من هذا ، فقالوا : ما آبله! أي : ما أكثر إبله! وتقدم في سورة «الأنعام» (٣).

قوله : «كيف» : منصوب ب «خلقت» على حد نصبها في قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ) ، والجملة بدل من «الإبل» بدل اشتمال ، فتكون في محل جر ، وهي في الحقيقة معلقة بالنظر ، وقد دخلت «إلى» على «كيف» في قولهم : «انظر إلى كيف يصنع» ، وقد تبدل الجملة المشتملة على استفهام من اسم ليس فيه استفهام ، كقولهم : «عرفت زيدا أبو من هو» على خلاف بين النحويين.

وقرأ العامة : «خلقت ، ورفعت ، ونصبت ، وسطحت» مبنيا للمفعول ، والتاء ساكنة للتأنيث.

وقرأ أمير المؤمنين ، وابن أبي عبلة ، وأبو حيوة ، قال القرطبي (٤) : وابن السميفع وأبو العالية : «خلقت» وما بعده بتاء المتكلم ، مبنيا للفاعل.

والعامة على : «سطحت» مخففا.

وقرأ الحسن وأبو حيوة وأبو رجاء (٥) : «سطّحت» بتشديد الطاء وإسكان التاء.

__________________

(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٤٨٠) عن الحسن.

(٢) ينظر الجامع لأحكام القرآن (٢٠ / ٢٥).

(٣) آية ٢٨.

(٤) ينظر : السابق ، والمحرر الوجيز ٥ / ٤٧٥ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٥٩ ، والدر المصون ٦ / ٥١٤.

(٥) وكذا هارون الرشيد. ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٧٥ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٥٩ ، والدر المصون ٦ / ٥١٤.

٣٠١

قال القرطبيّ (١) : وقدم الإبل في الذكر ، ولو قدم غيرها لجاز.

قال القشيريّ : وليس هذا مما يطلب فيه نوع حكمة.

قوله : (وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ) ، أي : رفعت عن الأرض بغير عمد بعيدة المدى.

وقيل : رفعت فلا ينالها شيء.

قوله : (وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) نصبا ثابتا راسخا لا يميل ولا يزول ، وذلك أن الأرض لما دحيت مادت ، فأرساها بالجبال ، كما قال تعالى : (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) [الأنبياء : ٣١].

قوله : (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) ممهدة ، أي : بسطت ومدت ، واستدل بعضهم بهذا على أن الأرض ليست بكرة.

قال ابن الخطيب (٢) : وهو ضعيف ؛ لأن الكرة إذا كانت في غاية العطمة تكون كل قطعة منها كالسطح.

فإن قيل : ما المناسبة بين هذه الأشياء؟.

فالجواب : قال الزمخشريّ (٣) : من فسّر الإبل بالسحاب ، فالمناسبة ظاهرة ، وذلك تشبيه ومجاز ، ومن حملها على الإبل ، فالمناسبة بينها وبين السماء والأرض والجبال من وجهين :

الأول : أن القرآن نزل على العرب ، وكانوا يسافرون كثيرا ، وكانوا يسيرون عليها في المهامه والقفار ، مستوحشين منفردين عن الناس ، والإنسان إذا انفرد أقبل على التفكّر في الأشياء ؛ لأنه ليس معه من يحادثه ، وليس هناك من يشغل به سمعه وبصره ، فلا بد من أن يجعل دأبه الفكر ، فإذا فكر في تلك الحال ، فأوّل ما يقع بصره على الجمل الذي هو راكبه ، فيرى منظرا عجيبا ، وإن نظر إلى فوق لم ير غير السماء ، وإذا نظر يمينا وشمالا لم ير غير الجبال ، وإذا نظر إلى تحت لم ير غير الأرض ، فكأنه تعالى أمره بالنظر وقت الخلوة والانفراد ، حتى لا تحمله داعية الكبر والحسد على ترك النّظر.

الثاني : أن جميع المخلوقات دالة على الصانع ـ جلت قدرته ـ إلا أنها قسمان : منها ما للشهوة فيه حظّ كالوجه الحسن ، والبساتين للنّزهة ، والذهب والفضة ، ونحوها ، فهذه مع دلالتها على الصّانع ، قد يمنع استحسانها عن إكمال النظر فيها.

ومنها ما لا حظّ فيه للشهوة كهذه الأشياء ، فأمر بالنظر فيها ، إذ لا مانع من إكمال النظر.

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ٢٥.

(٢) الفخر الرازي ٣١ / ١٤٤.

(٣) الكشاف ٤ / ٧٤٥ ، والرازي ٣١ / ١٤٤.

٣٠٢

قوله تعالى : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) (٢٤)

قوله : (فَذَكِّرْ) أي : عظهم يا محمد وخوفهم.

(إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) : واعظ.

(لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) أي بمسلّط فتقتلهم ، ثم نسختها آية السيف.

وقرأ العامة : «بمصيطر» بالصّاد.

وهشام (١) : بالسّين.

وخلف : بإشمام الصاد زايا بلا خلاف.

وعن خلّاد : وجهان.

وقرأ هارون الأعور : «بمصيطر» ـ بفتح الطاء ـ اسم مفعول ، لأن «سيطر» عندهم متعدّ.

[ويدل على ذلك فعل المطاوعة ، وهو تسيطر ، ولم يجىء اسم فاعل على مفعل إلا مسيطر ، ومبيقر ، ومهيمن ، ومبيطر ؛ من سيطر ، وبيقر ، وهيمن ، وبيطر ، وقد جاء مجيمر اسم واد ، ومديبر ، ويمكن أن يكون أصلهما مجمر ومدبر ، فصغرا.

قال شهاب الدين (٢) : قد تقدم أن بعضهم جعل مهيمنا مصغرا ، وتقدم أنه خطأ عظيم ، وذلك في سورة المائدة](٣).

قال القرطبيّ (٤) : «وفي الصحاح (٥) : المسيطر والمصيطر : المسلط على الشيء ، ليشرف عليه ويتعهّد أحواله ، ويكتب عمله ، وأصله من السطر ؛ لأن معنى السطر ألّا يتجاوز ، فالكتاب مسطر ، والذي يفعله مسطر ومسيطر ، يقال : سيطرت علينا ، وقال تعالى : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) ، وسطره أي : صرعه».

قوله : (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) استثناء منقطع ، أي : لكن من تولّى عن الوعظ والتذكر ، فيعذبه الله العذاب الأكبر ، وهو جهنم الدائم عذابها ، وإنما قال : «الأكبر» ؛ لأنهم عذّبوا في الدنيا بالجوع ، والقحط ، والأسر ، والقتل ، ويؤيد هذا التأويل : قراءة (٦) ابن مسعود : «إلا من تولّى وكفر فإنّه يعذّبه الله».

__________________

(١) ينظر قراءات هذه الكلمة في : السبعة ٦٨٢ ، والحجة ٦ / ٤٠٠ ـ ٤٠١ وإعراب القراءات ٢ / ٤٧٠ ، والمحرز الوجيز ٥ / ٤٧٥ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٥٩ ، والقرطبي ٢٠ / ٢٦.

(٢) الدر المصون ٦ / ٥١٤.

(٣) سقط من ب.

(٤) الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ٢٦.

(٥) الصحاح ٢ / ٦٨٤.

(٦) ينظر : الكشاف ٤ / ٧٤٥ ، والمحرر الوجيز ٥ / ٤٧٥.

٣٠٣

وقيل : هو استثناء متصل ، والمعنى : لست مسلّطا إلا على من تولى وكفر ، فأنت مسلّط عليه بالجهاد ، والله ـ تعالى ـ يعذبه ذلك العذاب الأكبر ، فلا نسخ في الآية على هذا التقدير.

وقرأ ابن عبّاس (١) وزيد بن عليّ ، وزيد بن أسلم ، وقتادة : «ألا» حرف استفتاح وتنبيه ؛ كقول امرىء القيس : [الطويل]

٥١٨٧ ـ ألا ربّ يوم لك منهنّ صالح

 .......... (٢)

و «من» على هذا شرط ، فالجملة مقدرة شرطية ، والجواب : «فيعذبه الله» ، والمبتدأ بعد الفاء مضمر ، والتقدير : فهو يعذبه الله ؛ لأنه لو أريد الجواب بالفعل الذي بعد الفاء لكان : «إلا من تولى وكفر يعذبه الله».

[قال شهاب الدين (٣) : أو موصول مضمن معناه](٤).

قوله تعالى : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ)(٢٦)

قوله : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ) ، أي : رجوعهم بعد الموت ، والعامة : على تخفيف الياء ، مصدر : آب ، يئوب ، إيابا ، أي : رجع ، كقام يقوم قياما ؛ قال عبيد : [مخلع البسيط]

٥١٨٨ ـ وكلّ ذي غيبة يئوب

وغائب الموت لا يئوب (٥)

وقرأ أبو جعفر (٦) وشيبة بتشديدها.

قال أبو حاتم : لا يجوز التشديد ، ولو جاز جاز مثله في الصيام والقيام.

وقيل : لغتان بمعنى.

قال شهاب الدين (٧) : وقد اضطربت فيها أقوال التصريفيّين.

فقيل : هو مصدر ل «أيّب» على وزن «فيعل» ك «بيطر» يقال منه : «أيّب يؤيب

__________________

(١) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٧٥ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٦٠ ، والدر المصون ٦ / ٥١٥.

(٢) صدر بيت وعجزه :

ولا سيّما يوم بدارة جلجل

ينظر ديوان امرىء القيس ص ١٠ ، والجنى الداني ص ٣٣٤ ، ٤٤٣ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤٤٤ ، ٤٥١ ، والدرر ٣ / ١٨٣ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤١٢ ، ٢ / ٥٥٨ ، وشرح المفصل ٢ / ٨٢ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ١٥٥ ، ولسان العرب (سوا) ، ورصف المباني ص ١٩٣ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٤١ ، ومغني اللبيب ص. ١٤ ، ٣١٣ ، ٤٢١ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٣٤.

(٣) الدر المصون ٦ / ٥١٥.

(٤) سقط من ب.

(٥) تقدم.

(٦) ينظر : الكشاف ٤ / ٧٤٥ ، والمحرر الوجيز ٥ / ٤٧٥ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٦٠ ، والدر المصون ٥ / ٥١٥.

(٧) الدر المصون ٥ / ٥١٥.

٣٠٤

إيّابا» ، والأصل : أيوب يؤيوب إيوابا ك «بيطر يبيطر» ، فاجتمعت الواو والياء في جميع ذلك ، وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء المزيدة فيها ، ف «إيّاب» على هذا «فيعال».

وقيل : بل هو مصدر ل «أوّب» بزنة «فوعل» ك «حوقل» ، والأصل : «إوواب» بوواين ، الأولى : زائدة ، والثانية : عين الكلمة ، فسكنت الأولى بعد كسرة ، فقلبت ياء ، فصارت : «إيوابا» ، فاجتمعت ياء وواو ، وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء ، وأدغمت في الياء بعدها ، فوزنه «فيعال» ك «حيقال» ، والأصل : «حوقال».

وقيل : بل هو مصدر ل «أوّب» ، على وزن «فعول» ، ك «جهور» ، والأصل : «إوواب» على وزن «فعوال» ، ك «جهوار» ، والأولى عين الكلمة ، والثانية زائدة ، وفعل به ما فعل بما قبله من القلب والإدغام ، للعلل المتقدمة ، وهي مفهومة مما مرّ.

فإن قيل : الإدغام مانع من قلب الواو ياء.

قيل : إنما يمنع إذا كانت الواو والياء عينان ، وقد عرفت أن الياء في : «فيعل» ، والواو في «فوعل ، وفعول» زائدتان.

وقيل : بل هو مصدر ل «أوّب» بزنة : «فعّل» نحو : «كذّب كذّابا» ، والأصل : «إوّاب» قلبت الواو الأولى ياء لانكسار ما قبلها ، فقيل : «إيوابا».

قال الزمخشريّ (١) : كديوان في «دوّان» ، ثم فعل به ما فعل ب «سيّد وميّت» ، يعني أصله : سيود ، فقلبت وأدغم ، وإلى هذا نحا أبو الفضل أيضا.

إلّا أن أبا حيّان ردّ ما قالاه (٢) : بأنهم نصّوا على أن الواو الموضوعة على الإدغام وجاء ما قبلها مكسورا ، فلا تقلب الواو الأولى ياء لأجل الكسرة ، قال : ومثلوا بنفس «إوّاب» مصدر: «أوّب» مشددا ، وب «اخرواط» ، مصدر «اخروّط» قال : وأما تشبيه الزمخشري ب «ديوان» ، فليس بجيد ؛ لأنهم لم ينطقوا بها في الوضع مدغمة ، ولم يقولوا : «دوان» ، ولو لا الجمع على : «دواوين» لم يعلم أن أصل هذه الياء واو ، وقد نصوا على شذوذ : «ديوان» ، فلا يقاس عليه غيره.

قال شهاب الدين (٣) : أما كونهم لم ينطقوا ب «دوان» ، فلم يلزم منه رد ما قاله الزمخشري ، ونص النحاة على أن أصل «ديوان» : «دوّان» ، و «قيراط» : «قرّاط» بدليل الجمع على «دواوين وقراريط» ، وكونه شاذّا لا يقدح ؛ لأنه لم يذكره مقيسا عليه ، بل منظرا به.

__________________

(١) الكشاف ٤ / ٧٤٥.

(٢) البحر المحيط ٨ / ٤٦٠.

(٣) الدر المصون ٦ / ٥١٥.

٣٠٥

وذهب مكي إلى نحو من هذا ، فقال : وأصل الياء : واو ، ولكن انقلبت ياء لانكسار ما قبلها ، وكان يلزم من شدد أن يقول : إوّابهم ؛ لأنه من الواو ، أو يقول : إيوابهم ، فيبدل من الأول المشدد ياء ، كما قالوا «ديوان» وأصله : «دوان». انتهى.

وقيل : هو مصدر ل «أوّب» بزنة : «أكرم» من الأوب ، والأصل : «إواب» ، ك «إكرام» ، فأبدلت الهمزة الثانية ياء لسكونها بعد همزة مكسورة ، فصار اللفظ «إيوابا» ، اجتمعت الواو والياء على ما تقدم ، فقلب ، وأدغم ، ووزنه : «إفعال» وهذا واضح.

وقال ابن عطية في هذا الوجه (١) : سهلت الهمزة ، وكان الإدغام يردها «إوابا» ، لكن استحسنت فيه الياء على غير قياس. انتهى.

وهذا ليس بجيد ، لما عرفت من أنه لما قلبت الهمزة ياء ، فالقياس أن تفعل ما تقدم من قلب الواو إلى الياء من دون عكس.

قال شهاب الدين (٢) : «وإنّما ذكرت هذه الأوجه مشروحة ، لصعوبتها ، وعدم من يمعن النظر في مثل هذه المواضع القلقة ، وقدم الخبر في قوله : «إلينا ، وعلينا» مبالغة في التشديد في الوعيد». والله أعلم.

روى الثّعلبيّ في تفسيره عن أبيّ ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ سورة الغاشية حاسبه الله حسابا يسيرا» (٣).

__________________

(١) المحرر الوجيز ٥ / ٤٧٥.

(٢) ينظر : الدر المصون ٦ / ٥١٦.

(٣) تقدم تخريجه.

٣٠٦

سورة الفجر

مكية ، وهي ثلاثون آية ، ومائة وتسع وثلاثون كلمة ، وخمسمائة وسبعة وتسعون حرفا.

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى : (وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (٤) هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ)(٥)

قوله تعالى : (وَالْفَجْرِ) ، قيل : جواب القسم مذكور ، وهو قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) [الفجر : ١٤] ، قاله ابن الأنباري.

وقيل : محذوف ، لدلالة المعنى عليه ، أي : ليجازي كل واحد بما عمل ، بدليل ما فعل بالقرون الخالية.

وقدّره الزمخشريّ (١) : ليعذبنّ ، قال : يدل عليه قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ) إلى قوله «فصبّ».

وقدره أبو حيّان (٢) : بما دلت عليه خاتمة السورة قبله ، أي : لإيابهم إلينا وحسابهم علينا.

وقال مقاتل : «هل» هنا : في موضع «إنّ» تقديره : «إنّ في ذلك قسما لذي حجر ، ف «هل» على هذا في موضع جواب القسم. انتهى.

وهذا قول باطل ؛ لأنه لا يصلح أن يكون مقسما عليه على تقدير تسليم أنّ التركيب هكذا ، وإنما ذكرناه للتنبيه على سقوطه.

وقيل : ثم مضاف محذوف ، أي : صلاة الفجر ، أو ربّ الفجر.

والعامة : على عدم التنوين في : «الفجر ، والوتر ، ويسر».

وأبو الدينار (٣) الأعرابي : بتنوين الثلاثة.

__________________

(١) ينظر : الكشاف ٤ / ٧٤٧.

(٢) البحر المحيط ٨ / ٤٦٤.

(٣) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٤٦٢ ، والدر المصون ٦ / ٥١٧.

٣٠٧

قال ابن خالويه : هذا ما روي عن بعض العرب أنه يقف على آخر القوافي : بالتنوين ، وإن كان فعلا ، وإن كان فيه الألف واللام ؛ قال الشاعر : [الوافر]

٥١٨٩ ـ أقلّي اللّوم عاذل والعتابن

وقولي إن أصبت لقد أصابن (١)

يعني : هذا تنوين الترنّم ، وهو أن العربي إذا أراد ترك الترنّم ـ وهو : مدّ الصوت ـ نوّن الكلمة ، وإنما يكون في الروي المطلق.

وقد عاب بعضهم النحويين تنوين الترنم ، وقال : بل ينبغي أن يسموه بتنوين تركه ، ولهذا التنوين قسيم آخر ، يسمى : التنوين الغالي وهو ما يلحق الرويّ المقيد ؛ كقوله : [الرجز]

٥١٩٠ ـ خاوي المخترقن (٢)

على أن بعض العروضيين أنكروا وجوده ، ولهذين التنوينين أحكام مخالفة لحكم التنوين مذكورة في علم النحو.

والحاصل : أن هذا القارىء أجرى الفواصل مجرى القوافي ، وله نظائر منها : «الرّسولا ، والسّبيلا ، والظّنونا» «في الأحزاب ١٠ و ٦٦ و ٦٧» و «المتعال» في الرعد (٣) و «عشر» هنا.

قال الزمخشري (٤) : فإن قيل : فما بالها منكرة من بين ما أقسم به؟ قلت : لأنها ليال مخصوصة من نفس جنس الليالي العشر بعض منها ، أو مخصوصة بفضيلة ليست لغيرها ، فإن قلت : فهلا عرفت بلام العهد ؛ لأنها ليال معلومة معهودة؟.

قلت : لو فعل ذلك لم تستقل بمعنى الفضيلة الذي في التنكير ؛ ولأن الأحسن أن تكون الكلمات متجانسة ، ليكون الكلام أبعد من الإلغاز والتّعمية.

__________________

(١) البيت لجرير ينظر ديوانه ص ٨١٣ ، وخزانة الأدب ١ / ٦٩ ، ٣٣٨ ، ٣ / ١٥١ ، والخصائص ٢ / ٩٦ ، والدرر ٥ / ١٧٦ ، ٦ / ٢٣٣ ، ٣٠٩ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٤٩ ، وسر صناعة الإعراب ص ٤٧١ ، ٤٧٩ ، ٤٨٠ ، ٤٨١ ، ٤٩٣ ، ٥٠٣ ، ٥١٣ ، ٦٧٧ ، ٧٢٦ ، وشرح الأشموني ١ / ١٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٦٢ ، وشرح المفصل ٩ / ٢٩ ، والكتاب ٤ / ٢٠٥ ، ٢٠٨ ، والمقاصد النحوية ١ / ٩١ ، وهمع الهوامع ٢ / ٨٠ ، ٢١٢ ، والإنصاف ص ٦٥٥ ، وجواهر الأدب ص ١٣٩ ، ١٤١ ، وأوضح المسالك ١ / ١٦ ، وخزانة الأدب ٧ / ٤٣٢ ، ١١ / ٣٧٤ ، ورصف المباني ص ٢٩ ، ٣٥٣ ، وشرح ابن عقيل ص ١٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٩٨ ، واللسان (خنا) ، والمنصف ١ / ٢٢٤ ، ٢ / ٧٩ ، ونوادر أبي زيد ص ١٢٧.

(٢) البيت لرؤبة بن العجاج وتمامه :

وقاتم الأعماق خاوي المخترقن

ينظر ديوانه ص ١٠٤ ، وابن يعيش ٢ / ١١٨ ، ٩ / ٢٩ ، ٣٤ ، والهمع ٢ / ٨٠ ، ٣٦ والضرائر ص ١٧ والأشموني ١ / ٣٢.

(٣) آية ٩.

(٣) آية ٩.

(٤) ينظر الكشاف ٤ / ٧٤٦.

٣٠٨

يعني بتجانس اللامات ، أن تكون كلها إمّا للجنس ، وإما للعهد ، والغرض الظاهر أن اللامات في : «الفجر» ، وما معه ، للجنس ، فلو جيء بالليالي معرفة بلام العهد لفات التجانس.

أقسم سبحانه : بالفجر ، وليال عشر ، والشفع والوتر ، والليل إذا يسر : أقسام خمسة.

واختلف في «الفجر» ، فقال عليّ وابن الزّبير وابن عبّاس ـ رضي الله عنهم ـ : «الفجر» هنا : انفجار الظلمة عن النهار من كل يوم (١).

قال ابن الخطيب (٢) : أقسم تعالى بما يحصل فيه ، من حصول (٣) النور ، وانتشار الناس ، وسائر الحيوان في طلب الأرزاق ، وذلك مشاكل لنشور الموتى ، وفيه عبرة لمن تأمل ، كقوله تعالى: (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) [التكوير : ١٨] ، ومدح بكونه خالقا ، فقال سبحانه : (فالِقُ الْإِصْباحِ) [الأنعام : ٩٦].

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه : النهار كله ، وعبر عنه بالفجر ؛ لأنه أوله. (٤)

وروى ابن محيصن عن عطيّة عن ابن عبّاس : يعني : فجر المحرم (٥).

قال قتادة : هو فجر أول يوم من المحرم (٦) منه تنفجر السنة ، وعنه أيضا : صلاة الصبح.

وروى ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس قال : يريد صبيحة يوم النحر ؛ لأن الله تعالى جعل لكل يوم ليلة قبله إلا يوم النحر لم يجعل له ليلة قبله ولا ليلة بعده ؛ لأن يوم عرفة له ليلتان ليلة قبله وليلة بعده ، فمن أدرك الموقف الليلة التي بعد عرفة فقد أدرك الحج إلى طلوع فجر يوم النحر ، وهذا قول مجاهد.

وقال عكرمة : «والفجر» قال : انشقاق الفجر من يوم جمعة.

وعن محمد بن كعب القرظي : «والفجر» قال : آخر أيام العشر إذا رفعت أو دفعت من جمع.

وقال الضحاك : فجر ذي الحجة ؛ لأن الله تعالى قرن به الأيام ، فقال تعالى : (وَلَيالٍ عَشْرٍ) أي ليال عشر من ذي الحجة.

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٥٥٨) والحاكم (٢ / ٥٢٢) عن ابن عباس.

وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٧٧) وزاد نسبته إلى الفريابي وابن أبي حاتم والبيهقي في «شعب الإيمان».

(٢) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ١٤٧.

(٣) في أ : ظهور.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٥٥٨).

(٥) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ٢٧).

(٦) ينظر المصدر السابق.

٣٠٩

وقيل : هي العيون التي تنفجر منها المياه.

قوله : (وَلَيالٍ عَشْرٍ).

العامة : على «ليال» بالتنوين ، «عشر» صفة لها.

وقرأ ابن عباس (١) : (وَلَيالٍ عَشْرٍ) بالإضافة.

فبعضهم قال : «ليال» في هذه القراءة دون ياء ، وبعضهم (٢) قال : «وليالي عشر» بالياء ، وهو القياس.

وقيل : المراد : ليالي أيام عشر ، وكان من حقه على هذا أن يقال : عشرة ؛ لأن المعدود مذكر.

ويجاب عنه : بأنه إذا حذف المعدود جاز الوجهان ، ومنه : «وأتبعه بستّ من شوّال».

وسمع الكسائي : صمنا من الشهر خمسا.

فصل في المراد بالعشر

قال ابن عبّاس ومجاهد والسديّ والكلبيّ : هو عشر ذي الحجة (٣).

وقال مسروق : هي العشرة المذكورة في قوله ـ تعالى ـ في قصة موسى ـ عليه الصلاة والسلام : (وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ) [الأعراف : ١٤٢] ، وهي أفضل أيام السنة (٤) ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من أيّام العمل الصّالح فيهنّ أحبّ إلى الله ـ تعالى ـ من عشر ذي الحجّة» (٥) ؛ ولأن ليلة يوم النّحر داخلة فيه رخّصه الله تعالى موفقا لمن يدرك الموقف يوم عرفة.

وعن ابن عبّاس أيضا : هي العشر الأواخر من رمضان (٦).

وقال الضحاك : أقسم الله ـ تعالى ـ بها لشرفها بليلة القدر ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا دخل

__________________

(١) ينظر : الكشاف ٤ / ٧٤٦ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٦٣ ، والدر المصون ٦ / ٥١٨.

(٢) ينظر : المحر الوجيز ٥ / ٤٧٦ ،.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٥٦٠) عن ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وقتادة.

وأخرجه الحاكم (٢ / ٥٢٣) عن ابن عباس وصححه وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٧٩) وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في «الشعب» وذكره عن عبد الله بن الزبير ، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وابن سعد وابن أبي حاتم.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٥٦٠) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٧٩) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب.

(٥) أخرجه البخاري ٢ / ٤٥٧ في كتاب العيدين : باب فضل العلم في أيام التشريق (٩٦٩) وأبو داود ٢ / ٨١٥ في كتاب الصوم : باب في صوم العشر (٢٤٣٨) وأخرجه الترمذي ٣ / ١٣٠ في كتاب الصوم : باب ما جاء في الأيام العشر (٧٥٧).

(٦) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٨١) وعزاه إلى ابن أبي حاتم وابن المنذر.

٣١٠

العشر الأواخر من رمضان ، شد المئزر ، وأيقظ أهله للتهجد (١).

وعن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ ويمان والطبريّ : هو العشر الأول من المحرم ؛ لأن آخرها يوم عاشوراء ، ولصومه فضل عظيم (٢).

قوله : (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ).

قرأ الأخوان (٣) : بكسر الواو من : «الوتر».

والباقون : بفتحها ، وهما لغتان ، كالحبر والحبر ، والفتح : لغة قريش ومن والاها ، والكسر: لغة تميم.

وهاتان اللغتان في : «الوتر» ، مقابل : «الشفع» ، فأما في «الوتر» بمعنى : التّرة ، فبالكسر وحده.

قال الزمخشريّ : ونقل الأصمعي فيه اللغتين أيضا.

وقرأ أبو عمرو (٤) في رواية يونس عنه : بفتح الواو وكسر التاء ، فيحتمل أن تكون لغة ثالثة ، وأن يكون نقل كسرة الراء إلى التاء ، إجراء للوصل مجرى الوقف.

فصل في الشفع والوتر

قال ابن الخطيب (٥) : (الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) : هو الذي تسميه العرب : الخساء والركاء ، وتسميه العامة : الزّوج والفرد.

قال يونس : أهل العالية يقولون : «الوتر» بالفتح في العدد ، و «الوتر» بالكسر في الذحل ، وتميم يقولون : بكسر الواو فيهما ، تقول : «أوترت أوتر إيتارا» أي : جعلته وترا ، ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من استجمر فليوتر» (٦).

واختلف في الشفع والوتر ، فروى عمران بن حصين ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الشّفع والوتر : الصّلاة ، منها شفع ، ومنها وتر» (٧).

قال جابر بن عبد الله : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ) قال : «هو الصّبح وعشر النّحر ، والوتر : يوم عرفة ، والشّفع : يوم النّحر» (٨).

__________________

(١) تقدم تخريجه.

(٢) تقدم تخريجه عن ابن عباس.

(٣) ينظر : السبعة ٦٨٣ ، والحجة ٦ / ٤٠٢ ، وإعراب القراءات ٢ / ٤٧٦ وإعراب القراءات ٧٦١.

(٤) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٤٦٣ ، والدر المصون ٦ / ٥١٨.

(٥) الفخر الرازي ٣١ / ١٤٨.

(٦) تقدم.

(٧) أخرجه أحمد (٤ / ٤٤٢) والترمذي (٣٣٤٢) والحاكم (٢ / ٥٢٢) والطبري في «تفسيره» (١٢ / ٥٦٣) من طريق قتادة عن عمران بن عصام عن شيخ من أهل البصرة عن عمران بن حصين به وقال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث قتادة.

(٨) ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧ / ١٤٠) وقال : رواه البزار وأحمد ورجالهما رجال الصحيح غير عياش بن عقبة وهو ثقة.

٣١١

وهو قول ابن عباس وعكرمة ، واختاره النحاس وقال : حديث أبي الزبير عن جابر ، هو الذي صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو أصح إسنادا من حديث عمران بن حصين ، فيوم عرفة : وتر ؛ لأنه تاسعها ، ويوم النحر : شفع ؛ لأنه عاشرها.

وعن أبي أيوب ، قال : سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قوله تعالى : (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) ، قال : «الشّفع : يوم عرفة ويوم النّحر ، والوتر : ليلة يوم النّحر» (١).

وقال مجاهد وابن السميفع وابن عباس : الشفع : خلقه ، قال الله تعالى : (وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) [النبأ : ٨] ، والوتر : هو الله عزوجل.

فقيل لمجاهد : أترويه عن أحد؟ قال : نعم ، عن أبي سعيد الخدريّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ونحوه قال محمد بن سيرين ، ومسروق ، وأبو صالح وقتادة ، قالوا : الشّفع : الخلق ، قال تعالى : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) [الذاريات : ٤٩] : الكفر والإيمان ، والشقاوة والسعادة ، والهدى والضلال ، والنور والظلمة ، والليل والنهار ، والحر والبرد ، والشمس والقمر ، والصيف والشتاء ، والسماء والأرض ، والإنس والجن ، والوتر : هو الله تعالى ، قال تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ) [الإخلاص : ١ ، ٢].

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ لله تسعة وتسعين اسما ، والله وتر يحبّ الوتر» (٢).

وعن ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ : الشّفع : صلاة الصبح ، والوتر : صلاة المغرب (٣).

وقال الربيع بن أنس وأبو العالية : هي صلاة المغرب ، فالشفع منها : الركعتان الأوليان ، والوتر : الثالثة (٤).

وقال ابن الزبير : الشفع : الحادي عشر ، والثاني عشر من أيّام منى ، والوتر : اليوم الثالث ، قال تعالى : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ)(٥) [البقرة : ٢٠٣].

__________________

(١) ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧ / ١٤٠) وقال : رواه الطبراني في حديث طويل وفيه واصل بن السائب وهو متروك.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٨٢) وزاد نسبته إلى ابن مردويه بسند ضعيف.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٥٦٢) عن ابن عباس ومجاهد والحسن وأبي صالح.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٨١) عن مجاهد وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وذكره عن أبي صالح وعزاه إلى عبد بن حميد.

(٣) تقدم تخريجه.

(٤) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ٢٨) عن ابن عباس.

(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٥٦٣) عن الربيع بن أنس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٨١) عن أبي العالية وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه. ـ

٣١٢

وقال عطاء والضحاك : الشفع : عشر ذي الحجة ، والوتر : أيام منى الثلاثة (١).

وقيل : الشفع والوتر : آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان وترا ، فشفع بزوجته حواء ، رواه ابن أبي نجيح ، وحكاه القشيريّ عن ابن عباس [رضي الله عنهما. وفي رواية : الشفع آدم وحواء ، والوتر هو الله تعالى (٢).

وقيل : الشفع درجات الجنة ، وهي ثمان ، والوتر هي دركات النار ، وهي سبع ، كأنه أقسم بالجنة والنار. قاله الحسين بن الفضل.

وقيل : الشفع : الصفا والمروة ، والوتر : الكعبة.

وقال مقاتل بن حيان : الشفع الأيام والليالي ، والوتر الذي لا ليلة بعده ، وهو يوم القيامة(٣).

وقيل غير ذلك](٤).

قال ابن الخطيب (٥) : كل هذه الوجوه محتملة ، والظاهر لا شعار له بشيء من هذه الأشياء على التعيين ، فإن ثبت في شيء منها خبر عن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، أو إجماع من أهل التأويل ، حكم بأنه المراد ، وإن لم يثبت ، وجب أن يكون الكلام على طريقة الجواز ؛ لا على القطع ، ولقائل أن يقول : إني أحمل الكلام على الكل ؛ لأن الألف واللام في : «الشفع والوتر» يفيد العموم.

قوله : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) ، هذا قسم خامس ، بعد ما أقسم بالليالي العشر على الخصوص ، أقسم بالليل على العموم ، ومعنى «يسر» أي : يسرى فيه ، كما يقال : ليل نائم ، ونهار صائم ؛ قال : [الطويل]

٥١٩١ ـ لقد لمتنا يا أم غيلان في السّرى

ونمت ، وما ليل المطيّ بنائم (٦)

ومنه قوله تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا) [سبأ : ٣٣] ، وهذا قول أكثر أهل المعاني ، وهو قول القتبي والأخفش.

وقال أكثر المفسرين : معنى «يسر» : سار فذهب.

وقال قتادة وأبو العالية : جاء وأقبل (٧).

__________________

ـ وينظر تفسير الماوردي (٦ / ٢٦٦) والقرطبي (٢٠ / ٢٨).

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٥٦٢) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٨٢) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن سعد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٢) ذكره الماوردي (٦ / ٢٦٦) والقرطبي (٢٠ / ٢٨).

(٣) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ٢٨).

(٤) سقط من ب.

(٥) الفخر الرازي ٣١ / ١٤٩.

(٦) تقدم.

(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٥٦٤) عن قتادة بلفظ : سار وذكره السيوطي بهذا اللفظ في «الدر المنثور» (٦ / ٥٨٢) عن مجاهد وعزاه إلى الفريابي وعبد بن حميد والطبري وابن أبي حاتم.

٣١٣

وقيل : المراد : ينقص ، كقوله : (إِذْ أَدْبَرَ) [المدثر : ٣٣] ، (إِذا عَسْعَسَ) [التكوير : ١٧].

و «يسر» : منصوب بمحذوف ، هو فعل القسم ، أي : أقسم به وقت سراه ، وحذف ياء «يسري» وقفا ، وأثبتها وصلا ، نافع وأبو عمرو ، وأثبتها في الحالين (١) ابن كثير ، وحذفها في الحالين الباقون لسقوطها في خط المصحف الكريم.

وإثباتها هو الأصل ؛ لأنها لام فعل مضارع مرفوع ، وحذفها لموافقة المصحف ، وموافقة رءوس الآي ، وجريا للفواصل مجرى القوافي.

ومن فرق بين حالتي الوقف والوصل ؛ فلأن الوقف محل استراحة.

قال الزمخشري (٢) : «وياء «يسري» تحذف في الدّرج اكتفاء عنها بالكسرة ، وأما في الوقف فتحذف مع الكسرة».

وهذه الأسماء كلها مجرورة بالقسم ، والجواب محذوف ، [تقديره :](٣) ليعذبن ، بدليل قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ) ، إلى قوله : (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) ، وقد تقدم الكلام على ذلك.

قوله : (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ).

قيل : «هل» على بابها من الاستفهام الذي معناه التقرير ، كقولك : ألم أنعم عليك إذا كنت قد أنعمت.

وقيل : المراد بذلك : التوحيد ، لما أقسم به وأقسم عليه ، والمعنى : بل في ذلك مقنع لذي حجر ، ومعنى «لذي حجر» : لذي لبّ وعقل ؛ قال الشاعر : [الطويل]

٥١٩٢ ـ وكيف يرجّى أن تتوب وإنّما

يرجّى من الفتيان من كان ذا حجر (٤)

وقال أبو مالك : «لذي حجر» : أي : لذي ستر من الناس.

وقال الحسن : لذي حلم.

قال الفراء : الكل يرجع إلى معنى واحد : لذي حجر ، ولذي عقل ، ولذي حلم ، ولذي ستر ، الكل بمعنى العقل.

وأصل الحجر : المنع ، يقال لمن ملك نفسه ومنعها إنه لذو حجر.

[ومنه سمي الحجر : المنع ، لامتناعه بصلابته ، ومنه : حجر الحاكم على فلان أي : منعه من التصرف ، ولذلك سميت الحجرة حجرة ، لامتناع ما فيها بها](٥).

__________________

(١) ينظر : الحجة ٦ / ٤٠٣ ، وإعراب القراءات ٢ / ٤٧٦ ، وحجة القراءات ٧٦١.

(٢) ينظر : الكشاف ٤ / ٧٤٦.

(٣) في أ : وهو.

(٤) ينظر القرطبي ٢٠ / ٣٠.

(٥) سقط من ب.

٣١٤

وقال الفراء : العرب تقول : إنه لذو حجر إذا كان قاهرا لنفسه ضابطا لها ، كأنه أخذ من قولك : حجرت على الرجل.

والمعنى : أن كلّ ذلك دال على أن كل ما أقسم الله تعالى به من هذه الأشياء فيه دلائل وعجائب على التوحيد والربوبية ، فهو حقيق بأن يقسم به لدلالته على خالقه.

قال القاضي (١) : وهذه الآية تدل على أن القسم واقع برب هذه الأمور ؛ لأن الآية دالة على أن هذه مبالغة في القسم ، والمبالغة لا تحصل إلا في القسم بالله تعالى ؛ ولأن النهي قد ورد بأن يحلف العاقل بغير الله تعالى.

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (٦) إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (٨) وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ (٩) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (١٠) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ)(١٤)

قوله : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ).

قرأ العامة : «بعاد» : مصروفا ، «إرم» بكسر الهمزة ، وفتح الراء ، والميم.

ف «عاد» اسم لرجل في الأصل ، ثم أطلق على القبيلة أو الحي ، وقد تقدم الكلام عليه ، وأما : «إرم» فقيل : اسم قبيلة. وقيل : اسم مدينة [اختلفوا في تعيينها ، فقيل : «إسكندرية» ، وقيل : «دمشق» ، وهذان القولان ضعيفان ؛ لأنها منازل كانت من «عمان» إلى حضرموت» ، وهي بلاد الرمال والأحقاف ، وأما «الإسكندرية» و «دمشق» ، فليستا من بلاد الرمال](٢).

فإن كانت اسم قبيلة كانت بدلا ، أو عطف بيان ، أو منصوبة بإضمار : «أعني» ، وإن كانت اسم مدينة ، فتعلق الإعراب من : «عاد» وتخريجه على حذف مضاف ، كأنه قيل : بعاد أهل إرم. قاله الزمخشري (٣).

وهو حسن ، ويبعد أن يكون بدلا من : «عاد» ، بدل اشتمال ، إذ لا ضمير ، وتقديره قلق وقد يقال : إنه لما كان المراد (٤) ب «عاد» : مدينتهم ؛ لأن «إرم» قائمة مقام ذلك ، صح البدل.

وإرم : اسم جد عاد ، وهو عاد بن عوص بن إرم بن نوح عليه الصلاة والسلام ؛ قال زهير: [البسيط]

__________________

(١) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ١٥٠.

(٢) سقط من ب.

(٣) الكشاف ٤ / ٧٤٧.

(٤) في أالمعنى.

٣١٥

٥١٩٣ ـ وآخرين ترى الماذيّ عدّتهم

من نسج داود أو ما أورثت إرم (١)

وقال ابن قيس الرقيات : [المنسرح]

٥١٩٤ ـ مجدا تليدا بناه أوّله

أدرك عادا وقبلها إرما (٢)

وقرأ الحسن (٣) : «عاد» غير مصروف.

قال أبو حيّان (٤) : مضافا إلى «إرم» ، فجاز أن يكون «إرم» أبا ، أو جدا ، أو مدينة.

قال شهاب الدين (٥) : يتعين أن يكون في قراءة الحسن ، غير مضاف ، بل يكون كما كان منونا ، ويكون «إرم» بدلا أو بيانا أو منصوبا بإضمار : أعني ، ولو كان مضافا لوجب صرفه وإنما منع «عاد» اعتبارا بمعنى : القبيلة ، أو جاء على أحد الجائزين في : «هند» وبابه.

وقرأ الضحاك (٦) في رواية : «بعاد أرم» ممنوع الصرف ، وفتح الهمزة من : «أرم».

قال مجاهد : من قرأ بفتح الهمزة شبههم بالآرام التي هي الأعلام.

وعنه أيضا : فتح الهمزة ، وسكون الراء ، وهو تخفيف : «أرم» بكسر الراء ، وهي لغة في اسم المدينة ، كما قرىء : (بِوَرِقِكُمْ) [الكهف : ١٩] ، وهي قراءة ابن الزبير ، وعنه في : «عاد» مع هذه القراءة : الصرف وتركه.

وعنه ـ أيضا ـ وعن ابن عباس : «أرمّ» بفتح الهمزة والراء والميم المشددة جعلاه فعلا (٧) ماضيا ، [يقال : أرم العظم أي بلي ، وأرم وأرمه غيره ، فأفعل يكون لازما ومتعديا في هذا](٨).

و «ذات» على هذه القراءة مجرورة صفة ل : «عاد» ويكون قد راعى لفظها تارة في قوله : «إرم» ، فلم تلحق علامة التأنيث ، ويكون : «أرم» معترضا بين الصفة والموصوف ، أي : أرمت هي ، بمعنى : رمت وبليت ، وهو دعاء عليهم ، ويجوز أن يكون فاعل : «أرم» ضمير الباري تعالى ، والمفعول محذوف ، أي : أرمها الله تعالى ، والجملة الدعائية معترضة ـ أيضا ـ وراعى معناها أخرى في : «ذات» فأنث.

وروي عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : «ذات» بالنّصب ، على أنها مفعول ب

__________________

(١) تقدم.

(٢) ينظر الديوان ص ١٥٥ ، والكشاف ٤ / ٧٤٧ ، والقرطبي ٢٠ / ٣١ ، والبحر ٨ / ٤٦١ ، والدر المصون ٦ / ٥١٩.

(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٧٨ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٦٤ ، والدر المصون ٦ / ٥١٩.

(٤) البحر المحيط ٨ / ٤٦٤.

(٥) الدر المصون ٦ / ٥١٩.

(٦) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٧٨ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٦٤.

(٧) ينظر : السابق ، والدر المصون ٦ / ٥١٩.

(٨) سقط من ب.

٣١٦

«أرم» وفاعل «أرم» ضمير يعود على الله ـ تعالى ـ ، أي : أرمها الله ، ويكون : «أرم» بدلا من : «فعل ربّك» وتبيينا له.

وقرأ ابن الزّبير (١) : «بعاد أرم» بإضافة : «عاد» إلى : «أرم» مفتوح الهمزة مكسور الراء ، وقد تقدم أنه اسم مدينة.

وقرأ (٢) : «إرم ذات» ، بإضافة : «إرم» إلى : «ذات».

وروي عن مجاهد : «أرم» (٣) يعني : بفتحتين ، مصدر «أرم ، يأرم» ، أي : هلك ، فعلى هذا يكون منصوبا ب : «فعل ربّك» نصب المصدر التشبيهي ، والتقدير : كيف أهلك ربك عادا إهلاك ذات العماد؟ وهذا أغرب الأقوال.

و «ذات العماد» : إن كان صفة لقبيلة ، فمعناه : أنهم أصحاب خيام لها أعمدة يظعنون بها ، أو هو كناية عن طول أبدانهم [كقولهم : رفيع العماد طويل النجاد قاله ابن عباس رضي الله عنهما](٤) ، وإن كان صفة للمدينة ، فمعناه : أنها ذات عمد من الحجارة.

قوله : (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ) : يجوز أن يكون : تابعا ، وأن يكون : مقطوعا ، رفعا ونصبا.

والعامة على : «يخلق» مبنيا للمفعول ، «مثلها» مرفوع على ما لم يسم فاعله.

وعن ابن الزّبير (٥) : «يخلق» مبنيا للفاعل ، «مثلها» منصوب به ، وعنه أيضا : «نخلق» (٦) بنون العظمة.

فصل في الكلام على إرم وعاد

قال القرطبيّ (٧) : من لم يضف جعل «إرم» : اسم «عاد» ، ولم يصرفه ؛ لأنه جعل «عادا» اسم أبيهم ، و «إرم» : اسم القبيلة ، وجعله بدلا منه ، أو عطف بيان.

ومن قرأه بالإضافة ولم يصرفه جعله اسم أمهم ، أو اسم بلدتهم ، وتقديره : بعاد أهل إرم ، كقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] ، ولم تنصرف ـ قبيلة كانت ، أو أرضا ـ للتعريف والتأنيث.

والإرم : العلم ، أي : بعاد أهل ذات العلم ، والخطاب للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والمراد عام ، وكان أمر عاد وثمود عندهم مشهورا ، إذ كانوا في بلاد العرب ، وحجر ثمود موجود اليوم ، وأمر فرعون يسمعونه من جيرانهم من أهل الكتاب ، واستفاضت به الأخبار ، وبلاد فرعون متصلة بأرض العرب.

__________________

(١) ينظر ، المحرر الوجيز ٥ / ٤٧٨ ، البحر المحيط ٨ / ٤٦٤ ، والدر المصون ٦ / ٥١٩.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٤٦٤ ، والدر المصون ٦ / ٥١٩.

(٣) ينظر السابق.

(٤) سقط من ب.

(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٧٨ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٦٤ ، والدر المصون ٦ / ٥١٩.

(٦) ينظر السابق.

(٧) الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ٣٠.

٣١٧

قوله : «بعاد» ، أي : بقوم عاد.

قال أبو هريرة : كان الرجل من قوم عاد ، يتخذ المصراع من حجارة ، لو اجتمع عليه خمسمائة من هذه الأمة ، لم يستطيعوا أن يقلوه (١).

[وإرم قال ابن إسحاق : هو سام بن نوح عليه‌السلام.

وعن ابن عباس وابن إسحاق أيضا قال : عاد بن إرم بن عاص بن سام بن نوح عليه‌السلام (٢).

قال ابن إسحاق : كان سام بن نوح له أولاد منهم إرم بن سام ، وأرفخشذ بن سام ؛ فمن ولد إرم بن سام العمالقة والفراعنة والجبابرة والملوك والطغاة والعصاة](٣).

وإرم : قال مجاهد : «إرم» هي أمة من الأمم ، وعنه أيضا : أن معنى «إرم» : القديمة ، وعنه أيضا : القوية (٤).

وقال قتادة : هي قبيلة من عاد (٥).

وقيل : هما عادان ، فالأولى : هي «إرم» ، قال تعالى : (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) [النجم : ٥٠] ، فقيل لعقب عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح : عاد كما يقال لبني هاشم: هاشم ، ثم يقال للأولين منهم : عادا الأولى ، وإرم : تسمية لهم باسم جدهم ، ولمن بعدهم : عاد الأخيرة ؛ قال ابن الرقيّات : [المنسرح]

٥١٩٥ ـ مجدا تليدا بناه أوّله

أدرك عادا وقبلها إرما (٦)

وقال معمر : «إرم» : إليه مجمع عاد وثمود ، وكان يقال : عاد وإرم ، وعاد وثمود ، وكانت القبائل تنسب إلى إرم ، «ذات العماد ، التي لم يخلق مثلها في البلاد».

قال ابن عبّاس في رواية عطاء : كان الرّجل منهم ، طوله خمسمائة ذراع ، والقصير منهم ، طوله ثلاثمائة ذراع بذراع نفسه (٧).

وعن ابن عبّاس أيضا : أن طول الرجل منهم ، كان سبعين ذراعا (٨).

قال ابن العربي : وهو باطل ؛ لأن في الصحيح : «أنّ الله خلق آدم طوله ستّون ذراعا في الهواء ، فلم يزل الخلق ينقص إلى الآن».

__________________

(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ٣١).

(٢) ينظر المصدر السابق.

(٣) سقط من : ب.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٥٦٦) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٨٣) وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر.

(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٥٦٦).

(٦) تقدم.

(٧) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ٣١).

(٨) ينظر المصدر السابق.

٣١٨

وزعم قتادة : أن طول الرجل منهم اثنا عشر ذراعا (١).

قال أبو عبيدة : «ذات العماد» : أي : ذات الطول ، يقال : رجل معمد إذا كان طويلا ونحوه عن ابن عباس ، ومجاهد.

وعن قتادة : كانوا عمادا لقومهم ، يقال : فلان عميد القوم وعمودهم : أي : سيدهم ، وعنه أيضا : كانوا أهل خيام وأعمدة ينتجعون الغيوث ، ويطلبون الكلأ ، ثم يرجعون إلى منازلهم.

وقيل : المعنى : ذات الأبنية المرفوعة على العمد ، وكانوا ينصبون الأعمدة ، فيبنون عليها القصور.

وقال ابن زيد : «ذات العماد» يعني : إحكام البنيان بالعمد (٢).

قال الجوهري (٣) : «والعماد : الأبنية الرفيعة ، تذكر وتؤنث ، والواحدة : عمادة».

وقال الضحاك : «ذات العماد» أي ذات الشدة والقوة مأخوذة من قوة الأعمدة بدليل قوله تعالى : (وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)(٤) [فصلت : ١٥].

فصل في الضمير في «مثلها»

والضمير في : «مثلها» يرجع إلى القبيلة ، أي : لم يخلق مثل القبيلة في البلاد قوة وشدة ، وعظم أجساد.

وعن الحسن وغيره : وفي حرف عبد الله (٥) : «التي لم يخلق مثلهم في البلاد».

وقيل : يرجع إلى المدينة ، والأول أظهر وعليه الأكثر.

فصل

قال القرطبيّ (٦) : «روي عن مالك رضي الله عنه أن كتابا وجد ب «الاسكندرية» فلم يدر ما فيه ، فإذا فيه «أنا شدّاد بن عاد ، الذي رفع العماد ، بنيتها حين لا شيب ولا موت» قال مالك : إن كان لتمرّ بهم مائة سنة لا يرون فيها جنازة».

وروي : أنه كان لعاد ابنان : شدّاد ، وشديد ، ثم مات شديد ، وخلص الأمر لشداد ، فملك الدنيا ، ودانت له ملوكها ، فسمع بذكر الجنة ، فقال : أبني مثلها ، فبنى إرم في

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٥٦٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٨٣) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٥٦٨).

(٣) ينظر الصحاح (٢ / ٥١١).

(٤) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ٣١) عن الضحاك.

(٥) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ٣٢.

(٦) ينظر السابق.

٣١٩

بعض صحارى عدن ، في ثلاثمائة سنة ، وكان عمره تسعمائة سنة ، وهي مدينة عظيمة ، قصورها من الذهب ، والفضة ، وأساطينها من الزّبرجد والياقوت ، وفيها أصناف الأشجار والأنهار ، ولما تمّ بناؤها سار إليها بأهل مملكته ، فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة ، بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا.

وعن عبد الله بن قلابة : أنه خرج في طلب إبل له ، فوقع عليها ، فحمل مما قدر عليه مما هنا ، وبلغ خبره معاوية ، فاستحضره ، فقص عليه ، فبعث إلى كعب فسأله ، فقال : هي إرم ذات العماد ، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك ، أحمر أشقر ، قصير ، على حاجبه خال ، وعلى عقبه خال ، يخرج في طلب إبل له ، ثم التفت ، فأبصر ابن قلابة ، وقال : هذا والله ذلك الرجل.

فصل في إجمال القول في الكفار هاهنا

ذكر الله ـ تعالى ـ هاهنا ـ قصة ثلاث فرق من الكفار المتقدمين ، وهم : عاد ، وثمود ، وقوم فرعون ، على سبيل الإجمال حيث قال : (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) ، ولم يبين كيفية ذلك العذاب ، وبين في سورة : «الحاقّة» ، ما أبهم (١) في هذه السورة ، فقال تعالى : (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) ، إلى قوله : (وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ) [الحاقة : ٢ و ٩].

قوله : (وَثَمُودَ).

قرأ العامة بمنع الصرف.

وابن وثاب (٢) : يصرفه ، والذي يجوز فيه ما تقدم في : (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ).

و «جابوا» أي : قطعوا ، ومنه : فلان يجوب البلاد ، أي : يقطعها سيرا ؛ قال : [البسيط]

٥١٩٦ ـ ما إن رأيت قلوصا قبلها حملت

ستّين وسقا ولا جابت به بلدا (٣)

وجاب الشيء يجوبه : أي : قطعه ، ومنه سمي جيب القميص ؛ لأنه جيب ، أي قطع.

وقوله : «بالواد» : متعلق إما ب «جابوا» أي : فيه ، وإما بمحذوف على أنه حال من «الصّخر» ، أو من الفاعلين.

وأثبت في الحالين : ابن كثير وورش بخلاف عن قنبل ، فروي عنه إثباتها في

__________________

(١) في ب أصابهم.

(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٧٨ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٦٥ ، والدر المصون ٦ / ٥١٩.

(٣) ينظر القرطبي ٢٠ / ٣٣ ، والبحر ٨ / ٤٦٢ ، واللسان (حوب) ، والدر المصون ٦ / ٥١٩.

٣٢٠