اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٨

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٨

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٣٢

ثالثها : قوله : رزقا إشارة إلى كونه منعما ليكون تكذيبهم في غاية القبح فإنه يكون إشارة بالمنعم وهو أقبح ما يكون.

فصل

قال : (تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) فقيّد العبد بكونه منيبا ، لأنّ العبودية حصلت لكل أحد غير أن المنيب يأكل ذاكرا شاكرا للإنعام وغيره يأكل كما تأكل الأنعام ، فلم يخصص بقيد (١).

قوله : «فأحيينا به» أي بالماء و (مَيْتاً) صفة ل (بَلْدَةً) ولم يؤنث (٢) حملا على معنى المكان (٣). والعامة على التخفيف. وأبو جعفر وخالد بالتّثقيل (٤).

فإن قيل : ما الفرق بين هذا الموضع وبين قوله : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) حيث أثبت (الهاء) (٥) هناك؟

فالجواب : أن الأصل في الأرض الوصف فقال الميتة ، لأن معنى الفاعلية ظاهر هناك والبلدة الأصل فيها الحياة لأن الأرض إذا صارت حية صارت آهلة وأقام بها القوم وعمروها فصارت بلدة فأسقط الهاء لأن معنى (٦) الفاعلية ظاهر فيثبت (٧) فيه الهاء ، وإذا كان بمعنى الفاعل لم يظهر لا يثبت فيه الهاء ، ويحقق (٨) هذا قوله : (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) [سبأ : ١٥] حيث أثبت الهاء حيث ظهر معنى الفاعلية ولم يثبت حيث لم يظهر (٩).

قوله : (كَذلِكَ الْخُرُوجُ) أي من القبور أي كالإحياء الخروج.

فإن قيل : الإحياء يشبه به الإخراج لا الخروج؟

فالجواب : تقديره أحيينا به بلدة ميتا فتشققت وخرج منها النبات كذلك تتشقق ويخرج منها الأموات.

قال ابن الخطيب : وهذا يؤكد قولنا : إن الرّجع بمعنى الرجوع في قوله : (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) ؛ لأنه تعالى بين لهم ما استبعدوه فلو استبعدوا الرجع الذي هو من المتعدي لناسبه أن يقول: كذلك الإخراج فلما قال : كذلك الخروج فهم أنهم أنكروا الرجوع فقال : كذلك الرجوع والخروج(١٠).

__________________

(١) وانظر في هذا كله تفسير الإمام ٢٨ / ١٥٨.

(٢) أي الميت.

(٣) ولو قال : ميتة لجاز قاله القرطبي في الجامع ١٧ / ٧.

(٤) وهي شاذة.

(٥) وهي شاذة ذكرت في البحر ٨ / ١٢٢ ومختصر ابن خالويه ١٤٤ والإتحاف ٣٩٨. وما بين القوسين سقط من (ب) وفي الرازي: التاء وليس الهاء.

(٦) في (ب) نص.

(٧) وفيها تنبت.

(٨) وفيها : وتحقيق.

(٩ و ١٠) وانظر الرازي ٢٨ / ١٦٠.

٢١

قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ)(١٤)

قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ...) الآية ذكر المكذبين تذكيرا لهم بحالهم وأنذرهم بإهلاكهم ، وفيه تسلية للرسول ، وتنبيه بأن حاله كحال من تقدمه من الرسل كذبوا وصبروا فأهلك الله مكذّبيهم ونصرهم. والمراد بأصحاب الرّسّ قيل : هم قوم شعيب ، وقيل : الذين جاءهم من أقصى المدينة رجل يسعى وهم من قوم عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقيل : هم أصحاب الأخدود (١) والرس إمّا موضع نسبوا إليه ، أو فعل وهو حفر البئر ، يقال رسّ إذا حفر بئرا (٢). وقد تقدم في الفرقان (٣). وقال ههنا : (قَوْمُ نُوحٍ) ، وقال : (إِخْوانُ لُوطٍ) ؛ لأن لوطا كان مرسلا إلى طائفة من قوم إبراهيم هم معارف لوط ، ونوح كان مرسلا إلى خلق عظيم، وقال : (فِرْعَوْنُ) ولم يقل : «قوم فرعون» ، وقال : (قَوْمُ تُبَّعٍ) ؛ لأن فرعون كان هو المعتبر ، المستبدّ بأمره ، وتبّع كان معتضدا بقومه فجعل الاعتبار لفرعون وخصه بالذكر. وتبع هو تبع الحميريّ ، واسمه سعد أبو كرب. قال قتادة : ذم الله قوم تبع ولم يذمه (٤) وتقدم ذكره في سورة الدخان.

قوله : (الْأَيْكَةِ) تقدم الكلام عليها في الشعراء (٥). وقرأ ههنا ليكة ـ بزنة ليلة ـ أبو جعفر وشيبة (٦) ، وقال أبو حيان : وقرأ أبو جعفر وشيبة وطلحة ونافع (الْأَيْكَةِ) ـ بلام التعريف ـ والجمهور ليكة (٧). وهذا الذي نقله غفلة منه بل الخلاف المشهور إنما هو في سورة الشعراء و «ص» كما تقدم تحقيقه وأما هنا فالجمهور على لام التّعريف (٨).

قوله : (كُلٌّ) التنوين عوض عن المضاف إليه (٩). وكان بعض النحاة يجيز (حذف) (١٠) تنوينها وبناءها على الضم كالغاية نحو : قبل وبعد. واللام في الرسل قيل

__________________

(١) انظر البغوي والخازن في معالم التنزيل ولباب التأويل ٦ / ٢٣٤ و ٢٣٥ والقرطبي في الجامع ١٧ / ٨ وتفسير الفخر الرازي ٢٨ / ١٦١.

(٢) لسان العرب لابن منظور «رسس» ١٦٤١.

(٣) عند قوله تعالى : «وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً» من الآية ٣٨.

(٤) وانظر الرازي ٢٨ / ١٦١ والبغوي ٦ / ٢٣٤.

(٥) وقد تحدثت في سورة «ص» وحققت آية الشعراء من خلال الحديث في سورة «ص».

(٦) البحر المحيط ٨ / ١٢٢.

(٧) المرجع السابق.

(٨) وهذا ما أقره صاحب الإتحاف ٣٩٨.

(٩) وهو أحد أقسام التنوين مثل قوله : «وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ».

(١٠) ما بين القوسين سقط من (أ) الأصل. ويقصد المؤلف ببعض النحاة محمّد بن الوليد. وهو من قدماء نحاة مصر أجاز أن يحذف التنوين من كلّ جملة غاية ويبنى على الضم كما يبنى قبل وبعد.

وانظر البحر المحيط ٨ / ١٢٢.

٢٢

لتعريف الجنس وهو أن كل واحد كذب جميع الرسل وذلك على وجهين :

أحدهما : أن المكذب للرسول مكذب لكل الرّسل.

وثانيهما : أن المذكورين كانوا منكرين للرسالة والحشر بالكلية (١).

قوله : (فَحَقَّ وَعِيدِ) أي وجب لهم عذابي أي ما أوعد الله تعالى من نصرة الرسل عليهم وإهلاكهم.

قوله تعالى : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (١٨)

قوله : (أَفَعَيِينا) العامة على ياء مكسورة بعدها ياء ساكنة. وقرأ ابن أبي عبلة أفعيّنا(٢) بتشديد الياء من غير إشباع ، وهذه القراءة على إشكالها قرأ بها الوليد بن مسلم وأبو جعفر وشيبة ونافع في رواية (٣). وروى ابن خالويه عن ابن عبلة أفعيّينا كذلك ، لكنه أتى بعد الياء المشددة بأخرى ساكنة (٤) وخرجها أبو حيان (٥) على لغة من يقول في عيي عيّ وفي حيي حيّ بالإدغام. ثم لما أسند هذا الفعل وهو مدغم اعتبر لغة بكر بن وائل وهو أنهم لا يفكون الإدغام في مثل هذا إذا أسندوا ذلك الفعل المدغم لتاء المتكلم ولا إحدى أخواتها التي تسكن لها لام الفعل فيقولون في ردّ ردّت وردّنا ، قال : وعلى هذه اللغة تكون التاء مفتوحة (٦). ولم يذكر توجيه القراءة الأخرى. وتوجيهها أنها من عيّا يعيّي كحلّى يحلّي.

فصل

ومعنى أفعيينا بالخلق الأول أي أعجزنا حين خلقناهم أولا فتعبنا بالإعادة. وهذا تقريع لهم لأنهم اعترفوا بالخلق الأول وأنكروا البعث ، ويقال لكل من عجز عن شيء عيي به.

(بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ) أي شك (مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) وهو البعث. والمراد بالخلق الأول قبل

__________________

(١) ويجوز أن تكون لتعريف العهد أي أن كل واحد كذب رسوله فهم كذبوا الرسل. وانظر الرازي ٢٨ / ١٦١.

(٢) في (ب) أفعيينا تحريف.

(٣) نقله أبو حيان في البحر ٨ / ١٢٣ عن الهذليّ صاحب القراءات الخمسين. وهي شاذة. ولم أجد هذه القراءة إلا في البحر لصاحبه أبي حيان.

(٤) مختصر ابن خالويه ١٤٤.

(٥) قال : وفكرت في توجيه هذه القراءة إذ لم يذكر أحد توجيهها فخرجتها على لغة من أدغم الياء في الياء في الماضي فقال : عيّوحيّ ، فلما أدغم ألحقه ضمير المتكلم المعظّم نفسه ولم يفك الإدغام فقال عينا وهي لغة لبعض بكر بن وائل يقولون في رددت ورددنا : ردّت وردّنا ، فلا يفكون. وانظر البحر ٨ / ١٢٣.

(٦) المرجع السابق.

٢٣

خلقهم ابتداء لقوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [الزخرف : ٨٧]. وقيل: هو خلق السموات لأنه هو الخلق الأول فكأنه تعالى قال : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ) ثم قال : (أَفَعَيِينا) بهذا ، ويؤيده قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَ) [الأحقاف : ٣٣] وقال بعد هذه الآية : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) وعطفه بحرف الواو على ما تقدم من الخلق ، وهو بناء السموات ، ومدّ الأرض ، وتنزيل الماء وإنبات الحبّ (١).

فصل

عطف دلائل الآفاق بعضها على بعض بحرف الواو فقال : (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) ، ثم في الدليل النفسيّ ذكر حرف الاستفهام ، والفاء بعده إشارة إلى أن تلك الدلائل من جنس ، وهذا من جنس ، فلم يجعل هذا تبعا لذلك ، ومثل هذا مراعى في سورة «يس» حيث قال : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ)(٢) [يس : ٧٧].

فإن قيل : لم لم يعطف الدليل الآفاقيّ ههنا كما عطفه في سورة يس؟

فالجواب ـ والله أعلم ـ أن ههنا وجد منهم استبعاد بقولهم : (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) فاستدل بالأكبر وهو خلق السموات ، ثم نزل كأنه قال : لا حاجة إلى ذلك الاستدلال بل في أنفسهم دليل جواز إرشادهم لا ليدفع استبعادهم فبدأ بالأدنى وارتقى إلى الأعلى.

فصل

في تعريف (بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) وتنكير (خَلْقٍ جَدِيدٍ) وجهان :

الأول : أن الأول عرفه كل أحد و «الخلق الجديد» لم يعرفه كل أحد ولم يعلم كيفيته ولأنّ الكلام عنهم وهم لم يكونوا عالمين بالخلق الجديد.

الثاني : أن ذلك لبيان إنكارهم للخلق الثاني من كل وجه كأنهم قالوا : أيكون لنا خلق على وجه إنكار الإله بالكلية (٣).

قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ).

قوله : (وَنَعْلَمُ) خبر مبتدأ مضمر تقديره : ونحن نعلم ، والجملة الاسمية حينئذ حال (٤). ولا يجوز أن يكون هو (٥) حالا بنفسه ، لأنه مضارع مثبت باشرته الواو ، وكذلك قوله : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ)(٦).

__________________

(١) انظر البغوي في معالم التنزيل ٦ / ٢٣٥ والرازي في التفسير الكبير ٢٨ / ١٦١ و ١٦٢.

(٢) وانظر تفسير الرازي السابق.

(٣) وانظر في هذا كله تفسير العلامة الرازي ٢٨ / ١٦١ و ١٦٢.

(٤) قاله العبكري في التبيان ١١٧٤.

(٥) فعل «نعلم».

(٦) فهي حالية برمتها.

٢٤

فصل

إذا قلنا : بأن الخلق الأول هو خلق السموات فهذا ابتداء استدلال بخلق الإنسان ، وإذا قلنا : بأن الخلق الأول هو خلق الإنسان فهذا تتميم للاستدلال بأن خلق الإنسان أول مرة ، وقوله (وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) أي يحدث به قلبه ، ولا يخفى علينا سرائره وضمائره (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) لأن أبعاضه تحجب بعضها بعضا ولا يحجب علم الله شيء ، وهذا بيان لكمال علمه (١).

قوله : (مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) كقولهم : مسجد الجامع ، أي حبل العرق الوريد (٢). أو لأنّ الحبل أعم فأضيف للبيان نحو : بعير سانية (٣) أو يراد : حبل العاتق (٤) فأضيف إلى الوريد كما يضاف إلى العاتق لأنهما في عضو واحد (٥). قال البغوي : حبل الوريد عرق العنق وهو عرق بين الحلقوم والعلباوين تتفرق في البدن ، والحبل هو الوريد فأضيف إلى نفسه لاختلاف اللفظين (٦). والوريد إما بمعنى الوارد وإما بمعنى الورود. والوريد عرق كبير في العنق. فقال : إنهما وريدان. قال الزمخشري : عرقان مكتنفان بصفحتي العنق في مقدّمهما يتصلان بالوتين يردان من الرأس إليه يسمى وريدا لأنّ الروح ترد إليه (٧) وأنشد :

٤٥١٠ ـ كأنّ وريديه رشاءا خلّب (٨)

وقال أبرم (٩) : هو نهر الجسد وفي القلب الوتين ، وفي الظهر الأبهر ، وفي الذراع والفخذ الأكحل واللسان وفي الخنصر الأسلم.

قوله : (إِذْ يَتَلَقَّى) ظرف ل (أَقْرَبُ) ويجوز أن يكون منصوبا باذكر (١٠). والمعنى إذ

__________________

(١) الرازي المرجع السابق ٢٨ / ١٦٢.

(٢) فيجوز فيه ما جاز في مسجد الجامع هل أضيف إلى نفسه أو إلى مقدر.

(٣) من معاني السانية الناضحة وهي الناقة التي يستقى عليها وقال الليث : السانية وجمعها السواني ما يسقى عليه الزرع والحيوان من بعير وغيره. انظر لسان العرب «سنا» ٢١٢٩ ، فكأن البعير أخص أضيف إلى الأعم وهو السانية.

(٤) وهو ما بين المنكب والعنق مذكر وقد أنث وليس بثبت. اللسان «عنق» ٢٨٠٠.

(٥) كما قالوا : حبل العلباء مثلا وانظر الكشاف ٤ / ٦ والبحر ٨ / ١٢٣.

(٦) معالم التنزيل له ٦ / ٢٣٥.

(٧) بالمعنى من الكشاف المرجع السابق.

(٨) رجز لرؤبة وهو في ملحقات ديوان رؤبة والكتاب ٣ / ١٦٤ و ١٦٥ ، وابن يعيش ٨ / ٧٢ والمقتضب ١ / ٥٠ والإنصاف ١٩٨ واللسان «خلب» والبحر ٨ / ١١٢٩ والتصريح ١ / ٢٣٤ والكشاف ٤ / ٦ وشرح شواهده ، والرشاء الحبل ؛ والخلب بالضم الليف ، والرواية الأعلى رواية الكشاف بالتثنية وقبل الشطر : ومعتد فظّ غليظ القلب. وبعده : غادرته مجدلا كالكلب.

(٩) كذا في النسختين ولعله إبراهيم أي النخعي.

(١٠) ذكره البحر ٨ / ١٢٣.

٢٥

يتلقى ويأخذ الملكان الموكلان بالإنسان عمله ومنطقه يحفظانه ويكتبانه.

قوله : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ) أي أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله فالذي عن اليمين يكتب الحسنات ، والذي عن الشمال يكتب السيئات. وقوله : (قَعِيدٌ) أي قاعد ، فيجوز أن يكون مفردا على بابه ، فيكون بمعنى مقاعد كخليط بمعنى مخالط. وفيه لطيفة ، وهي أن الله تعالى قال : ونحن أقرب إليه من حبل الوريد المخالط لأجزائه الداخل في أعضائه والملك متنح عنه فيكون علمنا (١) به أكمل من علم الكاتب ، أو يكون عدل من فاعل إلى فعيل مبالغة كعليم(٢). وجوز الكوفيون أن يكون فعيل واقعا موقع الاثنين أراد قعودا كالرسوب يجعل للاثنين والجمع كما قال تعالى في الاثنين : (فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ١٦]. وقال المبرد: الأصل : عن اليمين قعيد وعن الشمال ، فأخر عن موضعه (٣) ، وهذا لا ينحّي من وقوع المفرد موقع المثنى ، والأجود (٤) أن يدعى حذف إما من الأول أي عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد ، وإما من الثاني فيكون قعيد الملفوظ به للأول. ومثله قوله :

٤٥١١ ـ رماني بأمر كنت منه ووالدي

بريئا ومن أجل الطّويّ رماني (٥)

قال المفسرون : أراد بالقعيد اللازم الذي لا يبرح لا القائم (٦) الذي هو عند القائم. وقال مجاهد : القعيد : الرصيد.

قوله : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) أي ما يتكلم من كلام فيلقيه أي يرميه من فيه (إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) حافظ حاضر. وقرأ العامة «يلفظ» بكسر الفاء. ومحمد بن (أبي) (٧) معدان(٨) بفتحها (٩). و (رَقِيبٌ عَتِيدٌ) قيل : هو بمعنى رقيبان عتيدان أينما كان. قال الحسن (رضي الله عنه) (١٠) إن الملائكة يجتنبون الإنسان على حالتين عند غائطه ، وعند جماعه. وقال مجاهد : يكتبان عليه حتى أنينه في مرضه ، وقال عكرمة : لا يكتبان إلا ما يؤجر عليه

__________________

(١) في الرازي : علنا.

(٢) وانظر البحر المحيط ٨ / ١٢٣.

(٣) اتساعا وحذف الثاني لدلالة الأول عليه وانظر القرطبي ١٧ / ١٠.

(٤) وهذا اختيار أبي حيان في البحر المحيط ٨ / ١٢٣.

(٥) البيت من الطويل وهو مختلف فيه في نسبته فقد نسبه صاحب اللسان للأزرق بن طرفة الفراصي. والطّويّ البئر المطوية بالحجارة ورماني قذفني بأمر أكرهه. وقد نسبه سيبويه إلى ابن أحمر والشاهد : حذف خبر والدي أي كنت منه بريئا ووالدي بريء لدلالة الأول عليه وما أكثره ، وانظر الكتاب ١ / ٧٥ ، والهمع ١ / ١١٦ والبحر ٨ / ١٢٢ واللسان «جول».

(٦) في (ب) وهو الأصح القاعد.

(٧) زيادة من (ب).

(٨) ولم أعثر على ترجمة له.

(٩) في مختصر ابن خالويه نلفظ بفتح النون التعظيمية وكسر الفاء ولعله سهو من المحقق للكتاب انظر المختصر ١٤٤.

(١٠) زيادة من (ب).

٢٦

ويوزر فيه. وقال الضحاك : مجلسهما تحت الشعر على الحنك ومثله عن الحسن يعجبه أن ينظف عنفقته (١). وروى أبو أمامة قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كاتب الحسنات على يمين الرّجل وكاتب السّيئات على يسار الرّجل وكاتب الحسنات أمين على كاتب السّيّئات ، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشرا ، وإذا عمل سيّئة قال صاحب اليمين لصاحب الشّمال : دعه سبع ساعات لعلّه يسبّح أو يستغفر.

قوله تعالى : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)(٢٢)

قوله : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ) أي غمرته وشدته التي تغشى الإنسان وتجلب على عقله (٢).

قوله : (بِالْحَقِّ) يجوز أن تكون الباء للحال (٣) أي ملتبسة بالحقّ والمعنى بحقيقة الموت ، ويجوز أن تكون للتعدية (٤) والمراد منه الموت فإنه حق كأن شدة الموت تحضر الموت ، يقال : جاء فلان بكذا أي أحضره ، وقيل : بالحق من أمر الآخرة حتى يتبينه الإنسان ويراه بالعيان. وقيل : بما يؤول إليه أمر الإنسان من السعادة والشقاوة (٥).

وقرأ عبد الله : سكرات (٦).

ويقال لمن جاءته سكرة الموت : ذلك ما كنت منه تحيد أي تميل ، من حاد عن الشيء يحيد حيودا وحيودة وحيدا. وقال الحسن : تهرب ، وقال ابن عباس ـ (رضي الله (٧) عنهما ـ) تكره وأصل الحيد : الميل ، يقال : حدت عن الشيء أحيد حيدا ومحيدا إذا ملت عنه (٨) ، و «ذلك» يحتمل أن يكون إشارة إلى الموت وأن يكون إشارة إلى الحق (٩). والخطاب قيل مع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ. قال ابن الخطيب : وهو منكر ، وقيل : مع الكافر. وهو أقرب. والأقوى أن يقال : هو خطاب عامّ مع السامع (١٠).

__________________

(١) قيل : هي ما بين الشفة السفلى والذقن منه لخفة شعرها. وقيل : ما بين الذقن وطرف الشفة السفلى كأن عليها شعرا ولم يكن. وقيل غير ذلك. انظر اللّسان والصّحاح «عنفق».

(٢) وانظر البغوي والخازن ٦ / ٢٣٥ و ٢٣٦.

(٣) قاله العكبري في التبيان ١١٧٥ وسبقه الزمخشري في الكشاف ٤ / ٧.

(٤) قاله الكشاف المرجع السابق.

(٥) ذكر هذه المعاني في مرجعه السابق.

(٦) وهي نفس قراءة أبي بكر. وانظر الكشاف السابق والبحر ٨ / ١٢٤.

(٧) زيادة من (أ).

(٨) البغوي المرجع السابق.

(٩) هذا قول الرازي في تفسيره ٢٨ / ١٦٤.

(١٠) المرجع السابق.

٢٧

قوله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) عطف على قوله : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ) يعني نفخة البعث (ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) الذي وعد الكفار أن يعذبهم فيه. قال الزمخشري : (ذلِكَ) إشارة إلى المصدر الذي هو قوله : (وَنُفِخَ) أي وقت ذلك النفخ يوم الوعيد (١). قال ابن الخطيب : وهذا ضعيف ؛ لأن (يَوْمُ) لو كان منصوبا لكان ما ذكره ظاهرا ، وأما رفع (يَوْمُ) فيفيد أن ذلك نفس اليوم ، والمصدر لا يكون نفس الزمان وإنما يكون في الزمان.

فالأولى أن يقال : (ذلِكَ) إشارة إلى الزمان المفهوم من قوله : (وَنُفِخَ) لأن الفعل كما يدل على المصدر يدل على الزمان فكأنه قال تعالى : ذلك الزمان يوم الوعيد ، والوعيد هو الذي أوعد به من الحشر ، والمجازاة (٢).

قوله : (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) قيل : السائق هو الذي يسوقه إلى الموقف ومنه إلى مقعده ، والشهيد هو الكاتب. والسائق لازم للبرّ والفاجر ، أما البرّ فيساق إلى الجنة وأما الفاجر فإلى النار ، قال تعالى : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ ... وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ) [الزمر : ٧١ ـ ٧٣] ، والشهيد (٣) يشهد عليها بما عملت. قال الضحاك : السائق من الملائكة والشاهد من أنفسهم الأيدي والأرجل ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس. وقيل : هما جميعا من الملائكة.

قوله : (مَعَها سائِقٌ) جملة في موضع جر صفة «ل (نَفْسٍ) أو في موضع رفع صفة «ل (كُلُّ) أو في موضع نصب حالا من (كُلُّ)(٤). والعامة على عدم الإدغام في (مَعَها) وطلحة على الإدغام (٥) «محّا» بحاء مشددة ، وذلك أنه أدغم العين في الهاء (٦) ، ولا يمكن ذلك فقلبت الهاء حاء ثم أدغم فيها العين فقلبها حاء. وسمع : ذهب محّم أي معهم (٧). وقال الزمخشري : ومحل (مَعَها سائِقٌ) النصب على الحال من (كُلُّ) ؛ لتعرفه بالإضافة إلى ما هو في حكم المعرفة (٨). وأنحى عليه أبو حيان وقال : لا يقول هذا مبتدىء في النحو ، لأنه لو نعت (كُلُّ نَفْسٍ) ما نعت إلا بالنكرة (٩). قال شهاب الدين : وهذا منه غير مرض إذ يعلم أنه لم يرد حقيقة ما قاله (١٠).

__________________

(١) الكشاف ٤ / ٧.

(٢) قاله في تفسيره الكبير ٢٨ / ١٦٤ المرجع السابق.

(٣) البغوي والخازن ٦ / ٢٣٦.

(٤) وجازت الحالية من (كل) النكرة لما فيه من العموم والتقدير : يقال له : لقد كنت وذكر على المعنى.

قاله العكبري بإعراباته تلك في التبيان ١١٧٥.

(٥) وهي شاذة انظر البحر ٨ / ١٢٤.

(٦) لأن الحرفين يخرجان من الحلق.

(٧) كذا قال أبو حيان في البحر المرجع السابق.

(٨) الكشاف ٤ / ٧.

(٩) البحر المرجع السابق.

(١٠) قاله في دره المصون مخطوط مكتبة الإسكندرية لوحة رقم ١٠٨.

٢٨

قوله : (لَقَدْ كُنْتَ) أي يقال له : لقد كنت ، والقول إما صفة أو حال. والعامة على فتح التاء في (كُنْتَ) والكاف في (غِطاءَكَ) و (فَبَصَرُكَ) حملا على لفظ (كُلُّ) من التذكير (١). والجحدريّ : كنت بالكسر مخاطبة للنفس. وهو وطلحة بن مصرف : (عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ) بالكسر مراعاة للنفس أيضا (٢). ولم ينقل صاحب اللوّامح (٣) الكسر في الكاف عن الجحدري ، وعلى كل فيكون قد راعى اللفظ مرة والمعنى أخرى (٤).

فصل

والمعنى (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) اليوم فكشفنا عنك الذي كان في الدنيا وعلى قلبك وسمعك وبصرك (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) نفاذ تبصر ما كنت تنكر في الدنيا. وقال مجاهد: يعني نظرك على لسان ميزانك حيث توزن حسناتك وسيّئاتك. والمعنى أزلنا غفلتك عنك فبصرك اليوم حديد وكان من قبل كليلا.

قوله تعالى : (وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ)(٢٦)

قوله تعالى : (وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) قيل : المراد بالقرين : الملك الموكل به وهو القعيد والشهيد الذي سبق ذكره (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) يريد كتاب أعماله معدّ مخضر. وقيل : المراد بالقرين الشيطان الذي زين له الكفر والعصيان بدليل قوله : (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) [فصلت : ٢٥] وقال : (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف : ٣٦] وقال تعالى : (فَبِئْسَ الْقَرِينُ) [ق : ٣٨] فالإشارة بهذا السّوق إلى المرتكب للفجور والفسوق. والقعيد معناه المعتد (٥) الناد ومعناه أن الشيطان يقول : هذا العاصي شيء هو عندي معتد (٦) لجهنم أعتدته لها بالإغواء والإضلال (٦).

قوله : (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) يجوز أن تكون (ما) نكرة موصوفة و (عَتِيدٌ) صفتها و (لَدَيَّ) متعلق بعتيد أي هذا شيء عتيد لدي أي حاضر عندي ويجوز على هذا أن يكون (لَدَيَّ) وصفا ل (ما) و (عَتِيدٌ) صفة ثانية ، أو خبر مبتدأ محذوف أي هو عتيد ، ويجوز أن تكون موصولة بمعنى الذي و (لَدَيَّ) صلتها ولديّ (٧) خبر الموصول والموصول وصلته خبر الإشارة (٨) ويجوز أن تكون (ما) بدلا من هذا موصولة كانت أو موصوفة

__________________

(١) انظر التبيان ١١٧٥.

(٢) قراءتان شاذتان نقلها المختصر ١٤٤ والبحر المحيط ٨ / ١٢٥.

(٣) وهو أبو الفضل الرازي. وتقدم التعريف به.

(٤) البحر المحيط المرجع السابق.

(٥) في (ب) كذلك وفي الرازي : المعد معد.

(٦) وانظر الرازي ٢٨ / ١٦٥.

(٦) وانظر الرازي ٢٨ / ١٦٥.

(٧) الأصح كما في (ب) عتيد.

(٨) وهو هذا.

٢٩

ب (لَدَيَّ) و (عَتِيدٌ) خبر (هذا)(١). وجوز الزمخشري في (عَتِيدٌ) أن يكون بدلا أو خبرا بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف (٢). والعامة على رفعه ، وعبد (٣) الله نصبه حالا (٤). والأجود حينئذ أن تكون (ما) موصولة ؛ لأنها معرفة والمعرفة يكثر مجيء الحال منها (٥). قال أبو البقاء : «ولو جاز ذلك في غير القرآن لجاز نصبه على الحال» (٦) كأنّه لم يطلع عليها قراءة.

قوله : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) اختلفوا هل المأمور واحد أو اثنان؟ فقيل : واحد. وإنما أتى بضمير الاثنين دلالة على تكرير الفعل كأنه قيل : ألق ألق (٧). وقيل : أراد ألقين بالنون الخفيفة ، فأبدلها ألفا إجراء للوصل مجرى الوقف (٨) ، ويؤيده قراءة الحسن (ـ رضي الله عنه (٩) ـ) ألقين بالنون (١٠). وقيل : العرب تخاطب الواحد مخاطبة الاثنين تأكيدا كقوله :

٤٥١٢ ـ فإن تزجراني يا ابن عفّان أزدجر

وإن تدعاني أحم عرضا ممنّعا (١١)

وقال آخر :

٤٥١٣ ـ فقلت لصاحبي : لا تحبسانا

بنزع أصوله واجدزّ شيحا (١٢)

__________________

(١) قال بهذا الإعراب كله أبو البقاء في التبيان ١١٧٥ وانظر مشكل إعراب القرآن لمكي ٢ / ٣٢٠.

(٢) قال : ... وإن جعلتها موصوله فهو بدل أو خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف الكشاف ٤ / ٧.

(٣) هو ابن مسعود.

(٤) شاذة قال بها في كتابه أبو حيان ٨ / ١٢٦ ، وابن خالويه في المختصر ١٤٤.

(٥) البحر المحيط المرجع السابق.

(٦) التبيان ١١٧٥.

(٧) وهو رأي العكبري في مرجعه السابق ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٣٢١ وهو رأي المبرد ونقله عنه أبو حيان في البحر ٨ / ١٢٦.

(٨) المرجع السابق.

(٩) زيادة من (أ).

(١٠) فهو فعل أمر مبنيّ على الفتح لاتصاله بالنون الخفيفة. وانظر المختصر ١٤٤ والبحر السابق والكشاف ٨ / ٤.

(١١) نسبه الفراء في المعاني ٣ / ٧٨ لأبي ثروان. وهو من الطويل ورواه : وإن ، وانزجر ، وروي في أصول القرطبي : تدعواني بدل : تدعاني والرواية الأخيرة هي المشهورة ، وإن كانت الأولى لا تخلّ بوزن البيت. والشاهد في تزجراني وتدعاني فعلان بهما ألف التثنية رغم أن الخطاب للواحد وهو ابن عفان. وقال عن هذا الخليل والأخفش : هذا كلام العرب الفصيح أن تخاطب الواحد بلفظ الاثنين. وقد تقدم.

(١٢) من الوافر ونسب إلى يزيد بن الطّثرية. والصحيح أنه لمضرس بن ربعيّ الأسديّ وروي : لا تحبسنّا بنون التوكيد الشديدة ، ولا تحبسني ولنزع واحذر ، وأراد بالصاحب من يحتطب له بدليل رواية : وقلت لحاطبي ، والجزّ القطع وأصله في الصوف. والشّيح نبات كثير الأنواع طيب الرائحة يقوي طبخ اللحم سريعا. وانظر البيت في معاني الفراء ٣ / ٧٨ وشرح ابن يعيش للمفصل ١٠ / ٤٩ ، وشرح شواهد الشافية ٤٨١ وتأويل مشكل القرآن ٢٢٤ والأشموني ٤ / ٣٣٢ واللسان جزر ومجمع البيان ٩ / ٢١٨ والصّاحبيّ ١٤٠ والصّحاح «جزر». وشاهده كسابقه في مخاطبة ومعاملة المفرد معاملة المثنى في الخطاب. وهذا فصيح.

٣٠

وتقول العرب : ويحك (١) ارجلاها وازجراها وخذاها للواحد. قال الفراء : وأصل ذلك أن أدنى أعوان الرجل في إبله وغنمه وسفره اثنان فجرى كلام الواحد على صاحبه ، ومنه قولهم في الشعر : خليليّ (٢). وقال الزجاج : هذا أمر السائق والشهيد (٣). وقيل : للمتلقين.

قوله : (كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) الكفار يحتمل أن يكون من الكفر فيكون بمعنى شديد الكفر لأن الشديد في اللفظ بدل على شدة في المعنى ، ويحتمل أن يكون من الكفران فهو المنكر نعم الله مع كثرتها. و «العنيد» فعيل بمعنى فاعل من عند عنودا (٤) ، ومنه العناد (٥). والمعنى عاص معرض عن الحق. قال عكرمة ومجاهد : مجانب للحق ومعاند لله (٦).

قوله : (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) أي كثير المنع للمال (٧) والواجب من الزّكاة وكلّ حق واجب في ماله هذا إذا قلنا إن الكفار هو المنكر نعم الله تعالى. وإن قلنا : هو من الكفر فهو الذي أنكر دلائل وحدانية الله تعالى مع قوّتها وظهورها ، فكان شديد الكفر عنيدا حيث أنكر الحق الواضح فهو مناع شديد المنع من الإيمان فهو مناع للخير وهو الإيمان الذي هو خير محض ، كأنه يقول : كفر بالله ولم يقتنع (٨) بكفره ، حتى منع الخير من الغير.

قوله : (مُعْتَدٍ) فإن فسرنا المنّاع بمنّاع الزكاة فمعناه لمن يؤدّ الواجب وتعدى ذلك حتى أخذ الحرام أيضا بالرّبا كما كان عادة المشركين ، وإن كان المنّاع بمعنى منع الإيمان فكأنه يقول : منع الإيمان ولم يقنع به حتى تعداه ، وأهان من آمن ، وآذاه ، وأعان من كفر فآواه (٩). قال المفسرون: هو الظالم الذي لا يقرّ بتوحيد الله تعالى.

وقوله : (مُرِيبٍ) أي شاكّ في التوحيد. ومعناه دخل في الرّيب ، وقيل : موقع للغير في الريب بإلقاء الشّبه (١٠). وإن قيل : بأن المنّاع منّاع الزكاة فمعناه لا يعطي الزكاة لأنه في ريب من الآخرة والثواب. قال ابن الخطيب : وفيه ترتيب آخر وهو أن يقال : هذا بيان أحوال الكافر بالنسبة إلى الله تعالى وإلى الرّسول وإلى اليوم الآخر (١١). فقوله : (كَفَّارٍ عَنِيدٍ) إشارة إلى حاله مع الله يكفر به ويعاند آياته. وقوله : (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ) ، إشارة إلى حاله مع الرسول يمنع الناس اتّباعه ومن الإنفاق على من عنده وبتعدّى بالإيذاء وقوله : (مُرِيبٍ) إشارة إلى حاله بالنسبة إلى اليوم الآخر يرتاب فيه ولا يظن أن الساعة قائمة.

فإن قيل : قوله تعالى : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) إلى غير ذلك

__________________

(١) في القرطبي : ويلك.

(٢) معاني الفراء ٣ / ٧٨.

(٣) قال : الوجه عندي أن يكون أمر الملكين انظر معاني القرآن وإعرابه له ٥ / ٤٥.

(٤) قاله الرازي ٢٨ / ١٦٥ و ١٦٦.

(٥) القرطبي ١٧ / ١٦ ـ ١٧.

(٦) في الرازي : المال الواجب.

(٧) في (ب) يقنع.

(٨) في الرازي المرجع السابق : «وآواه».

(٩) البغوي ٦ / ٢٣٦.

(١٠) الرازي المرجع السابق.

(١١) الرازي ٢٨ / ١٦٧ و ١٦٨ السابق.

٣١

يوجب أن يكون الإلقاء خاصا بمن اجتمع فيه هذه الصفات بأسرها والكفر وحده كاف في إثبات الإلقاء في جهنم؟

فالجواب : أن قوله : (كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) ليس المراد منه الوصف المميز كما يقال : أعط العالم الزاهد بل المراد الوصف المبين لكون الموصوف موصوفا به إما على سبيل المدح أو على سبيل الذم كقولك : هذا حاتم السخيّ. فقوله : (كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) معناه أن الكافر عنيد ومناع للخير ؛ لأن آيات الوحدانية ظاهرة ونعم الله على عباده وافرة وهو مع ذلك عنيد ومناع للخير ، لأنه يمدح دينه ويذم دين الحق فهو يمنع ، ومريب لأنه يرتاب في الحشر ، وكل كافر فهو موصوف بهذه الصفات (١).

قوله : (الَّذِي جَعَلَ) يجوز أن يكون منصوبا على الذّمّ ، أو على البدل من (كُلَّ) وأن يكون مجرورا بدلا من (كَفَّارٍ) ، أو مرفوعا بالابتداء والخبر (فَأَلْقِياهُ)(٢). قيل : ودخلت الفاء لشبهه بالشرط ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر ، أي هو الذي جعل ، ويكون (فَأَلْقِياهُ) تأكيدا (٣).

وجوز ابن عطيّة أن يكون صفة «ل (كَفَّارٍ) ؛ قال : من حيث يختص (كَفَّارٍ) بالأوصاف المذكورة فجاز وصفه لهذه المعرفة (٤). وهذا مردود. وقرىء بفتح التّنوين (٥) في (مُرِيبٍ) فرارا من توالي أربع متجانسات (٦).

قوله تعالى : (قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢٧) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)(٢٩)

قوله : (قالَ قَرِينُهُ) جاءت هذه بلا واو ؛ لأنها قصد بها الاستئناف كأن الكافر قال : ربّ هو أطغاني فقال قرينه : ما أطغيته بخلاف التي قبلها فإنها عطفت على ما قبلها للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول أعني مجيء كل نفس مع الملكين وقول قرينه ما قال(٧). قال ابن الخطيب : جاءت هذه بلا واو وفي الأولى بالواو العاطفة لأن في الأولى إشارة وقعت إلى معنيين مجتمعين ، فإن كل نفس في ذلك الوقت يجيء معها سائق وشهيد فيقول الشهيد ذلك القول ، وفي الثاني لم يوجد هناك معنيان مجتمعان حتى يذكر بالواو ، فإن الفاء في قوله : (فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ) لا يناسب قوله : (قالَ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) فليس هناك مناسبة مقتضية للعطف بالواو.

__________________

(١) البحر المحيط ٨ / ١٢٦.

(٢) السابق.

(٣) نقله في المرجع السابق.

(٤) لأن النكرة لو وصفت بأشياء كثيرة لم يجز أن توصف بالمعرفة.

(٥) لا أعرف لمن هذه القراءة وذكرها صاحب التبيان ١١٧٦.

(٦) الكسرات والياء.

(٧) البحر ٨ / ١٢٦.

٣٢

فصل

هذا جواب لكلام مقدر ، كأن الكافر حين يلقى في النار يقول : ربنا أطغاني شيطاني ، فيقول الشيطان : ربنا ما أطغيته بدليل قوله تعالى : (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ ؛) لأن المخاصمة تستدعي كلاما من الجانبين ونظيره قوله تعالى في سورة «ص» : (قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) [ص : ٦٠] إلى قوله : (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ)(١) [ص : ٦٤]. قال الزمخشري : وهذا يدل على أن المراد بالقرين في الآية المتقدمة هو الشيطان لا الملك الذي هو شهيد وقعيد (٢) ، وعلى هذا فيكون قوله : (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) ، مناقضا لقوله : أعتدته.

قال ابن الخطيب : وللزمخشري أن يجيب بوجهين :

أحدهما : أن يقول : (إن قول) (٣) الشيطان : أعتدته بمعنى زيّنت له.

والثاني : أن تكون الإشارة إلى حالين ، ففي الحالة الأولى أنا فعلت به ذلك إظهارا للانتقام من بني آدم وتصحيحا لقوله : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص : ٨٢] ثم إذا رأى العذاب وهو معه مشترك يقول : ربّنا ما أطغيته فيرجع عن مقاله عند ظهور العذاب (٤). قال ابن عباس وسعيد بن جبير ومقاتل : المراد بالقرين هنا : الملك أي يقول الكافر : ربّ إن الملك زاد عليّ في الكتابة فيقول الملك : ربّنا ما أطغيته يعني ما زدت عليه وما كتبت إلا ما قال وعمل (وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) أي طويل لا يرجع عنه إلى الحق (٥).

فإن قيل : القائل هنا واحد وقال : ربّنا ما أطغيته ولم يقل : ربّ وفي كثير من المواضع القائل واحد وقال : ربّ ، كقوله : (رَبِّ أَرِنِي) [البقرة : ٢٦٠] وقال نوح : (رَبِّ اغْفِرْ لِي) [نوح : ٢٨] (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ) [نوح : ٢٦] (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ) [يوسف : ٣٣] (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً) [التحريم : ١١] (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي)(٦).

فالجواب : أن في جميع تلك المواضع القائل طالب ، ولا يحسن أن يقول الطالب يا رب أعطني وإنما يحسن أن يقول : أعطنا لأن كونه : «ربّا» لا يناسب تخصيص الغالب. وأما هنا فالموضع موضع هبة وعظمة وعرض حال فقال : ربنا ما أطغيته.

فإن قيل : ما الوجه في اتّصاف الضّلال بالبعد؟

__________________

(١) وانظر الرازي السابق.

(٢) انظر الكشاف ٤ / ٧.

(٣) زيادة من (أ).

(٤) وانظر الرازي ٢٨ / ١٦٩ ، ١٧٠.

(٥) البغوي والخازن ٦ / ٢٣٦ و ٢٣٧.

(٦) في النسختين تبعا للرازي : «قال رب انظرني وهذا لحن فالقرآن : «ربّ» بلفظ الرب فأنظرني» وهي الآية ٣٦ من الحجر و ٧٩ من سورة «ص».

٣٣

فالجواب : أن الضلال يكون أكثر ضلالا من الطريق فإذا تمادى في الضلال وبقي فيه مدة يبعد عن المقصد كثيرا ، وإذا عدم (١) الضلال قصرت الطريق عن قريب فلا يبعد عن المقصد كثيرا فقوله : (ضَلالٍ بَعِيدٍ) وصف للمصدر بما يوصف به الفاعل ، كما يقال : كلام صادق ، وعيشة راضية أي (و) (٢) ضلال ذو بعد والضلال إذا بعد مداه وامتد الضلال فيه فيصير بيّنا ويظهر الضلال لأن من حاد عن الطريق (وبعد عنه يبعد عليه الصواب (٣) ولا يرى للمقصد أثرا فبيّن له أنه ضلّ عن الطريق) وربما يقع في أودية ومفاوز تظهر له أمارات الضلال بخلاف من حاد قليلا ، فالضلال وصفه الله بالوصفين في كثير من المواضع ، فتارة قال : (لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، وأخرى : (فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ).

فإن قيل : كيف قال : (ما أَطْغَيْتُهُ) مع أنه قال : (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)؟

فالجواب من ثلاثة أوجه تقدم منها وجهان في الاعتذار عما قاله الزمخشري.

والثالث : أن المراد من قوله : (لَأُغْوِيَنَّهُمْ) أي لأديمنّهم على الغواية كما أنّ الضالّ إذا قال له شخص : أنت على الجادّة فلا تتركها ، يقال : إنه يضله. كذا ههنا ، فقوله : (ما أَطْغَيْتُهُ) أي ما كان ابتداء الإطغاء منّي (٤).

قوله : (لا تَخْتَصِمُوا) استئناف أيضا كأن قائلا قال : فماذا قال الله له؟ فأجيب : يقال لا تختصموا (٥) وقوله : (لَدَيَّ) يفيد مفهومه أنّ الاختصام كان ينبغي أن يكون قبل الحضور ، والوقوف بين يديّ (٦).

قوله : (وَقَدْ قَدَّمْتُ) جملة حالية ، ولا بدّ من تأويلها ، وذلك أن النهي في الآخرة وتقدمه الوعد في الدنيا ، فاختلف الزمنان فكيف يصح جعلها حالية؟ وتأويلها هو أن المعنى وقد صح أني قدّمت وزمان الصحة وزمان النهي واحد (٧). و (قَدَّمْتُ) يجوز أن يكون (قَدَّمْتُ) على حاله متعديا والباء مزيدة في المفعول أي قدمت إليكم الوعيد ، كقوله تعالى : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) [المؤمنون : ٢٠] على قول من قال بزيادتها هناك. وقيل : الباء هنا للمصاحبة ، كقولك : اشتريت الفرس بلجامه وسرجه أي معه فكأنه قال : قدمت إليكم ما يجب مع الوعيد عليّ تركه والإنذار (٨).

__________________

(١) كذا في النسختين وفي الرازي : علم.

(٢) زيادة من النسختين لا معنى لها.

(٣) ما بين القوسين سقط من الأصل بسبب انتقال النظر.

(٤) وانظر تفسير العلامة الفخر ٢٨ / ١٦٨.

(٥) قاله أبو حيان في البحر ٨ / ١٢٦ والزمخشري في الكشاف ٤ / ٨.

(٦) وهو قول الرازي في تفسيره الكبير السابق ٢٨ / ١٦٩.

(٧) بالمعنى من الكشاف ٤ / ٨ والبحر ٨ / ١٢٨. أقول : وصحة التقديم بالحال على هذا التأويل مقارنة.

(٨) في (ب) بالإنذار ـ بالباء ـ وانظر الرازي ٢٨ / ١٦٩.

٣٤

قوله : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) أي لا تبديل لقولي ، وهو قوله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [السجدة : ١٣]. وقيل المعنى ما يبدل القول لديّ أي ما يكذب عندي ولا يغير القول عن وجهه لأني أعلم الغيب. وهذا قول الكلبي (١) ، ومقاتل ، واختيار الفراء (٢) ؛ لأنه قال : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) ولم يقل : «ما يبدل قولي» (٣). وقيل : معناه ما يبدل القول السابق أنّ هذا شقي وهذا سعيد حين خلقت العباد ، فذلك القول عندي لا تبديل له بسعي ساع. وهذا ردّ على المرجئة حيث قالوا : ما ورد في القرآن من الوعيد فهو تخويف ولا يحقّق الله منه شيئا ، وقالوا : الكريم إذا وعد بخير وفى ، وإذا أوعد أخلف وعفا. وقيل : المعنى ما يبدّل الكفر بالإيمان لديّ ، فإن القيام عند القيام بين يدي الله في القيامة غير مقبول (٤) فقوله : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) إشارة إلى نفي الحال ، كأنه قال : ما يبدل اليوم لدي القول ؛ لأن (ما) إذا دخلت على الفعل المضارع ينفى بها الحال ، تقول : ماذا يفعل زيد في بيته؟ فيقال : ما يفعل شيئا أي في الحال فإذا قلت : ماذا يفعل غدا؟ قيل : لا يفعل شيئا إذا أريد زيادة بيان النفي (٥).

قوله : (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) أي فأعاقبهم بغير جرم. واعلم أن الظلّام مبالغة في الظالم ويلزم من إثباته إثبات أصل الظلم فإذا قال القائل : هو كذاب يلزم أن يكون كثير الكذب ، فلا يلزم من نفيه نفي أصل الكذب لجواز أن يقال : ليس بكذاب كثير الكذب لكنه يكذب أحيانا(٦). فقوله : (ما أَنَا بِظَلَّامٍ) يفهم منه نفي أصل الظلم وأن الله ليس بظالم. والوجه في ذلك من وجوه :

الأول : أن الظلام بمعنى الظالم كالتمار بمعنى التامر ، فيكون اللام في قوله : (لِلْعَبِيدِ) لتحقيق النّسبة لأن الفعّال حينئذ بمعنى ذي ظلم.

الثاني : قال الزمخشري : إن ذلك أمر تقديريّ كأنه تعالى يقول : لو ظلمت عبدي الضعيف الذي هو محلّ الرحمة لكان ذلك غاية الظلم (٧) وما أنا بذلك ، فيلزم من نفي كونه ظلاما نفي كونه ظالما ، ويحقق هذا الوجه إظهار لفظ العبيد حيث قال : (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) أي في ذلك اليوم الذي أملأ فيه جهنم مع وسعها حتى تصيح وتقول : لم يبق لي طاقة بهم ، ولم يبق فيّ موضع لهم ، «ف (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) استفهام إنكار.

__________________

(١) البغوي والخازن ٦ / ٢٣٧.

(٢) قال : ما يكذب عندي لعلمه ـ عزوجل ـ بغيب ذلك. وانظر معاني الفراء ٣ / ٧٩.

(٣) في البغوي : يبدّل لي.

(٤) ذكر هذه الأقوال الرازي في تفسيره دون نسبة لقائليها ٢٨ / ١٦٩ و ١٧٠.

(٥) السابق.

(٦) السابق.

(٧) قال ـ رحمه‌الله ـ في الكشاف ٤ / ٩ : «لو عذبت من لا يستحق العذاب لكنت ظلاما مفرط الظلم فنفى ذلك».

٣٥

الثالث : أنه لمقابلة الجمع بالجمع ، والمعنى أن ذلك اليوم مع أني ألقي في جهنم عددا لا حصر له لا أكون بسبب كثرة التعذيب كثير الظلم لأنه قال : (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ، يَوْمَ نَقُولُ) ولم يقل : ما أنا بظلّام في جميع الأزمان. وخصص بالعبيد حيث قال : (ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ، ولم يطلق فكذلك خصص (١) النفي بنوع من أنواع الظلم ولم يطلق ، ولم يلزم منه أن يكون ظالما في غير ذلك الوقت.

وبقية الأوجه مذكورة في آل عمران عند قوله : (بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ)(٢) [آل عمران : ١١].

فصل

هذه الآية تدل على أن التخصيص بالذكر لا يدل على نفي ما عداه ؛ لأنه نفى كونه ظلاما ولم يلزم منه كونه ظالما للعبيد ولم يلزم منه كونه ظلّاما لغيرهم.

فصل

يحتمل أن يكون المراد الكفار كقوله تعالى : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ) [يس : ٣٠] ، والمعنى أعذبهم وما أنا بظلام لهم ، ويحتمل أن يكون المراد المؤمنين. والمعنى أن الله تعالى يقول : لو بدلت قولي ورحمت الكافر لكنت في تكليف العباد ظالما لعبادي المؤمنين لأني منعتهم من الشهواب لأجل هذا اليوم فلو كان ينال من لم يأت بما أتى به المؤمن لكان إتيان المؤمن بما أتى به من الإيمان والعبادة غير مفيد ، وهذا معنى قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) [الحشر : ٢٠] وقوله : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر : ٩] ويحتمل أن يكون المراد التعميم.

قوله تعالى : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنامَزِيدٌ)(٣٥)

قوله تعالى : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ) يوم منصوب إما (بِظَلَّامٍ)(٣) ولا مفهوم لهذا ؛ لأنه إذا لم يظلم في هذا اليوم فنفي الظلم عنه في غيره أحرى. أو بقوله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ). والإشارة بذلك إلى : يوم نقول. قاله الزمخشريّ (٤). واستبعده أبو حيّان ؛ لكثرة

__________________

(١) والفائدة في التخصيص أنه أقرب إلى التصديق من التعميم.

(٢) ولا أعرف مناسبة الآية الأخيرة لما قبلها.

(٣) وهو أحد قولي الزمخشري في الكشاف ٤ / ٩ ثم أبي حيان في البحر ٨ / ١٢٧ وأحد أقوال الرازي في تفسيره الكبير ٢٨ / ١٧٤.

(٤) الكشاف المرجع السابق.

٣٦

الفواصل (١) أو باذكر مقدرا أو بأنذر (٢). وهو على هذين الأخيرين مفعول به لا ظرف. وقرأ نافع وأبو بكر : يقول لجهنّم بياء الغيبة (٣) ، والفاعل : الله تعالى ، لتقدم ذكره في قوله : (لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ) والأعمش : يقال (٤) مبنيا للمفعول. وقوله : (هَلِ امْتَلَأْتِ) وذلك لما سبق من وعده إياها أنه يملأها من الجنّة والنّاس وهذا السؤال من الله ـ عزوجل ـ لتصديق خبره وتحقيق وعده.

قوله : (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) سؤال تقرير وتوقيف (٥). وقيل : معناه النفي. وقيل : السؤال لخزنتها والجواب منهم ، فلا بدّ من حذف مضاف أي نقول لخزنة جهنم ويقولون ثم حذف (٦). و «ال (مَزِيدٍ) يجوز أن يكون مصدرا (٧) أي من زيادة وأن يكون اسم مفعول أي من شيء تزيدونه أحرقه.

فصل

قال المفسرون : معنى قوله : هل من مزيد أي قد امتلأت ولم يبق فيّ موضع لم يمتلىء ، فهو استفهام إنكار بمعنى الاستزادة ، رواه أبو صالح عن ابن عباس (رضي الله عنهم (٨)) وعلى هذا يكون السؤال وهو قوله : هل امتلأت قبل دخول جميع أهلها فيها. روي عن ابن عباس : أن الله تعالى سبقت كلمته : لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ، فلما سبق أعداء الله تعالى إليها لا يلقى فيها فوج إلا ذهب فيها ولا يملأها فتقول : ألست قد أقسمت لتملأنّي فيضع قدمه عليها ثم يقول : هل امتلأت؟ فتقول : قط قط قد امتلأت وليس فيّ مزيد (٩).

قوله تعالى : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ) قربت وأدنيت (١٠) وقوله : (غَيْرَ بَعِيدٍ) يجوز أن يكون حالا من (الْجَنَّةُ) ولم يؤنث ؛ لأنها بمعنى البستان ، أو لأن «فعيلا» لا يؤنث ؛ لأنه بزنة

__________________

(١) قال : «وهذا بعيد جدا قد فصل على هذا القول بين العامل والمعمول بجمل كثيرة فلا يناسب هذا القول فصاحة القرآن وبلاغته» وانظر البحر ٨ / ١٢٧.

(٢) وانظر البحر والكشاف السابقين.

(٣) وهي قراءة سبعية متواترة انظر الكشاف لمكي ٢ / ٢٨٥ والسبعة ٦٠٧ والقرطبي ١٧ / ١٨.

(٤) مشى المؤلف في نسبته تلك كما مشى أبو حيان في البحر ٨ / ١٢٧ وقد نسبها ابن خالويه في المختصر ١٤٤ ، والقرطبي في الجامع ١٧ / ١٨ إلى ابن مسعود بينما نسبها أبو الفتح في المحتسب إليهما هما والحسن وانظر المحتسب ٢ / ٢٨٤.

(٥) في البحر : السؤال من الله تقرير ومن النار حقيقة.

(٦) وقد نقل أبو حيان في البحر هذا الرأي للرماني ٨ / ١٢٧.

(٧) أي مصدرا ميميا من الثلاثي.

(٨) زيادة من (أ).

(٩) وانظر هذا في تفسير البغوي على الخازن والخازن أيضا ٦ / ٢٣٧ و ٢٣٨.

(١٠) قاله ابن قتيبة في الغريب ٤١٩ وأبو عبيدة في مجاز القرآن ٢ / ٢٢٤.

٣٧

المصادر ، قاله الزمخشري (١) ومنعه أبو حيان (٢) ، وقد تقدم في قوله : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ) [الأعراف : ٥٦] ويجوز أن يكون منصوبا على الظرف المكاني ، أي (٣) مكانا غير بعيد ، ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف أي إزلافا غير بعيد ، وهو ظاهر عبارة الزمخشري ، فإنه قال : أو شيئا غير بعيد (٤).

فإن قيل : ما وجه التقريب مع أن الجنة مكان ، والأمكنة يقرب منها وهي لا تقرب؟

فالجواب من وجوه :

الأول : أن الجنة لا تزال ولا يؤمر المؤمن في ذلك اليوم بالانتقال إليها مع بعدها لكن الله تعالى يطوي المسافة التي بين المؤمن والجنة فهو التقريب.

فإن قيل : فعلى هذا ليس إزلاف الجنة من المؤمن بأولى من إزلاف المؤمن من الجنة فما فائدة قوله : (أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ)؟

فالجواب : أن ذلك إكرام للمؤمن وبيان لشرفه ، وأنه ممّن يمشى إليه.

الثاني : قربت من الحصول في الدخول لا بمعنى القرب المكاني.

الثالث : أن الله تعالى قادر على نقل الجنة من السماء إلى الأرض فيقربها للمؤمن ويحتمل أنها أزلفت بمعنى جمعت محاسنها ، لأنها مخلوقة ، وإما بمعنى قرب الحصول لها لأنها تنال بكلمة وحسنة وخص المتقين بذلك لأنهم أحقّ بها (٥).

قوله : (هذا ما تُوعَدُونَ) هذه الجملة يجوز فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون معترضة بين البدل والمبدل منه ، وذلك أن (لِكُلِّ أَوَّابٍ) بدل من (لِلْمُتَّقِينَ) بإعادة العامل (٦).

والثاني : أن تكون منصوبة بقول مضمر ، ذلك القول منصوب على الحال أي مقولا لهم(٧). وقد تقدم في (سورة) (٨) «ص» أنه قرىء : يوعدون بالياء والتاء (٩).

__________________

(١) الكشاف ٤ / ١٠ قال : والمصادر يستوي فيها الوصف بالمذكّر والمؤنّث.

(٢) أوضح أبو حيان كلامه قائلا : «يعني بعيد ، لأنه على زنة المصدر كالصّليل ، والزّئير ، والمصادر يستوي في الوصف بها المذكر والمؤنث قال : وكونه على وزن المصدر لا يسوغ أن يكون المذكر صفة للمؤنث». أقول : ورد أبي حيان على الزمخشري ضعيف حيث ورد القرآن به في قوله : «إنّ رحمة الله قريب من المحسنين».

(٣) وهو قول الزمخشري ثم أبي حيّان في مرجعيهما السابقين.

(٤) الكشاف المرجع السابق.

(٥) انظر تفسير الإمام ٢٨ / ١٧٤ و ١٧٥.

(٦) وهو قول الزمخشري في الكشاف ٤ / ١٠.

(٧) وهو قول أبي البقاء في التبيان ١١٧٦.

(٨) زيادة لتوضيح السياق.

(٩) العامة على توعدون للخطاب وابن كثير على الياء على الخبر ، لأنه أتى بعد ذكر المتقين وانظر القرطبي ٨ / ١٧ ، ٢٠ والإتحاف ٣٩٨.

٣٨

ونسب أبو حيان قراءة الياء من تحت هنا لابن كثير ، وأبي عمرو (١) ، وإنما هي عن ابن كثير وحده.

فصل

والأواب الرّجّاع ، قيل : هو الذي يرجع عن الذنوب إلى الاستغفار والطاعة ، قال سعيد بن المسيّب : هو الذي يذنب ثم يتوب ، ثم يذنب ثم يتوب. وقال الشّعبيّ ومجاهد : هو الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر منها. وقال عطاء ، وابن عباس : هو المسبّح من قوله : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) [سبأ : ١٠] وقال قتادة : هو المصلّي. والحفيظ : هو الذي يحفظ توبته من النّقص. وقال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) (٢) ـ هو الذي يحفظ ذنوبه حتّى يرجع عنها ويستغفر منها. وقال ابن عباس أيضا : الحفيظ لأمر الله ، وقال قتادة : الحفيظ لما استودعه الله من حقّه (٣). والأوّاب والحفيظ كلاهما من باب المبالغة أي يكون كثير الأوب شديد الحفظ.

قوله : (مَنْ خَشِيَ) يجوز أن يكون مجرور المحلّ بدلا ، أو بيانا ل «كلّ». وقال الزمخشري : يجوز أن يكون بدلا بعد بدل تابعا لكل. انتهى. يعني أنه بدل من كل بعد أن أبدلت (لِكُلِّ) من (لِلْمُتَّقِينَ)(٤). ولم يجعله بدلا آخر من نفس (لِلْمُتَّقِينَ) لأنه لا يتكرر البدل والمبدل منه واحد (٥). ويجوز أن يكون بدلا من موصوف (أَوَّابٍ وحَفِيظٍ) قاله الزمخشري (٦). يعني أن الأصل لكلّ شخص أواب ، فيكون (مَنْ خَشِيَ) بدلا من «شخص» المقدر. قال : ولا يجوز أن يكون في حكم (أَوَّابٍ وحَفِيظٍ) ؛ لأن (مَنْ) لا يوصف بها (٧) ، لا يقال : الرجل من جاءني جالس ، كما يقال : الرجل الذي جاءني جالس. والفرق بينهما يأتي في الفصل بعده. ولا يوصف من بين الموصولات إلّا بالّذي (٨) يعني بقوله : «في حكم أواب» أن يجعل من صفة. وهذا كما قال لا يجوز ، إلا أنّ أبا حيّان استدرك عليه الحصر وقال : بل يوصف بغير الذي من الموصولات كوصفهم بما فيه أل الموصوفة ، نحو : الضّارب والمضروب (٩) ، وكوصفهم بذو وذات الطّائيّتين نحو قولهم : «بالفضل ذو فضّلكم الله به ، والكرامة (١٠) ذات أكرمكم به» (١١).

__________________

(١) البحر ٨ / ١٢٧.

(٢) زيادة من (أ).

(٣) وانظر هذه الأقوال في البغوي والخازن ٦ / ٢٣٨ والقرطبي ١٧ / ٢٠.

(٤) نقله في الكشاف ٤ / ١٠ وانظر التبيان ١١٧٦ والبحر ٨ / ١٢٧.

(٥) قاله أبو حيان في المرجع السابق.

(٦) الكشاف المرجع السابق.

(٧) الكشاف المرجع السابق.

(٨) السابق.

(٩) فأل هنا في الفاعلية والمفعولية صفة لما قبلها و «ضارب ومضروب» صلتان أي الّذي هو ضارب والذي هو مضروب.

(١٠) فذو ذات صفتان لما قبلهما أي الفضل الذي أكرمكم والكرامة التي أكرمكم.

(١١) انظر بحر أبي حيان المحيط ٨ / ١٢٧.

٣٩

وقد جوز ابن عطية في : (مَنْ خَشِيَ) أن يكون نعتا لما تقدم (١). وهو مردود بما تقدم(٢). ويجوز أن يرتفع : من خشي على أنه خبر ابتداء مضمر (٣) أو ينصب بفعل مضمر (٤) ، وكلاهما على القطع المشعر بالمدح (٥) ، وأن يكون مبتدأ خبره قول مضمر ناصب لقوله : ادخلوها(٦) وحمل أولا على اللفظ وفي الثّاني على المعنى (٧).

وقيل : من خشي منادى حذف منه حرف النداء أي يا من خشي (٨) ادخلوها باعتبار الجملتين المتقدمتين وحذف حرف النداء سائغ (٩). وأن تكون شرطية وجوابها محذوف وهو ذلك القول ، ولكن ردّ معه فاء أي فيقال لهم (١٠). و (بِالْغَيْبِ) حال أي غائبا عنه ، فيحتمل أن يكون حالا من الفاعل أو المفعول (١١) أو منهما ، وقيل : الباء المسببة أي خشية بسبب الغيب الذي أوعد به من عذابه (١٢). ويجوز أن يكون صفة لمصدر خشي أي خشيه خشية ملتبسة بالغيب (١٣).

فصل

قال ابن الخطيب : إذا كان «من والذي» يشتركان في كونهما من الموصولات فلماذا لا يشتركان في جواز الوصف بهما؟

فنقول : «ما» اسم مبهم يقع على كل شيء فمفهومه هو شيء ، لكن الشيء هو أعم الأشياء فإن الجوهر شيء ، والعرض شيء ، والواجب شيء ، والممكن شيء ، والأعمّ قبل الأخص في الفهم لأنك إذا رأيت شيئا (١٤) من البعد تقول أولا : إنّه شيء ، ثم إذا ظهر لك منه ما يختص بالناس تقول : إنسان ، فإذا بان لك أنه ذكر قلت : إنه رجل ، فإذا وجدته ذا قوة تقول: شجاع إلى غير ذلك فالأعمّ أعرف ، وهو قبل الأخص في الفهم ، فلا يجوز أن يكون صفة ، لأنّ الصفة بعد الموصوف. هذا من حيث المعقول ، وأما من

__________________

(١) وهو أواب حفيظ.

(٢) من أن «من» لا ينعت بها.

(٣) التبيان ١١٧٦.

(٤) أي هم من خشي وأعني من خشي.

(٥) بتوضيح وتبيين من المؤلف لكتاب التبيان للعكبري ١١٧٦.

(٦) ذكر هذا الوجه الزمخشري في الكشاف ٤ / ١٠ ثم أبو حيان في البحر ٨ / ١٢٧.

(٧) معنى الجمع وانظر الكشاف والبحر السابقين.

(٨) السابقين وذكره أيضا الرازي ٢٨ / ١٧٧ قال : «وهو أغربها».

(٩) وقد حذف حرف النداء للتقريب كما قالوا : من لا يزال محسنا أحسن إلي. وانظر المرجعين السابقين.

(١٠) لم أعثر على ذلك القول لمعين وهو في الحقيقة رأي وجبه.

(١١) وهو اختيار الزمخشريّ وأبي حيان في مرجعيهما السابقين الكشاف ٤ / ١٠ والبحر ٨ / ١٢٨.

(١٢ و ١٣) المرجعين السابقين أيضا. وقد تناثرت أقوال من هذه الأقوال في معاني الفراء ٣ / ٧٩ والبيان ٢ / ٣٨٧ ومشكل الإعراب ٢ / ٣٢١.

(١٢ و ١٣) المرجعين السابقين أيضا. وقد تناثرت أقوال من هذه الأقوال في معاني الفراء ٣ / ٧٩ والبيان ٢ / ٣٨٧ ومشكل الإعراب ٢ / ٣٢١.

(١٤) في الرازي : شبحا.

٤٠