اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٧

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٧

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٨٤

يكون ماضيا كقراءة أبي عمرو سكنت ياؤه تخفيفا (١) وقد مضى منه جملة.

فصل

قال المفسرون : سوّل لهم سهّل لهم. وأملى لهم أي مد لهم في الأمل يعني قالوا : نعيش أياما ثم نؤمن به وهو معنى قوله : (وَأَمْلى لَهُمْ).

فإن قيل : الإملاء والإمهال وحدّ الآجال لا يكون إلا من الله فكيف يصح قراءة من قرأ : وأملى لهم فإن المملي حينئذ هو الشيطان؟.

قال الخطيب : فالجواب من وجهين :

أحدهما : يجوز أن يكون المراد (وَأَمْلى لَهُمْ) الله» فيقف (٢) على : (سَوَّلَ لَهُمْ).

وثانيهما : هو أن المسوّل أيضا ليس هو الشيطان وإنما أسند إليه من حيث إن الله قدر على يده ولسانه ذلك ، فكذلك الشيطان يمسهم (٣) ويقول لهم : في آجالكم فسحة فتمتعوا برئاستكم ثم في آخر العمر تؤمنون (٤).

قوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا) يعني المنافقين (٥) أو اليهود قالوا (لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ) وهم المشركون أي ذلك الإملاء لا بسبب قولهم الذين كرهوا. قاله الواحدي (٦).

وقيل : ذلك إشارة إلى التسويل (٧). ويحتمل أن يقال : ذلك إشارة للارتداد بسبب قولهم: سنطيعكم قاله ابن الخطيب (٨). قال : لأنا نبين أن قوله : «قالوا سنطيعكم في بعض الأمور» هو أنهم قالوا نوافقكم على أن محمدا ليس بمرسل وإنما هو كذاب ولكن لا نوافقكم في إنكار الرسالة والحشر والإشراك بالله من الأصنام ومن لم يؤمن بمحمّد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فهو كافر وإن آمن بغيره. لا بل نؤمن بمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ ولا نؤمن بالله ولا برسله ولا بالحشر ، لأن الله تعالى كما أخبر عن الحشر وهو جائز أخبر عن نبوّة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهي جائزة (٩).

وقال المفسرون : إن اليهود والمنافقين قالوا للذين كرهوا ما نزل الله وهم المشركون سنطيعكم في بعض الأمر في التعاون على عداوة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والقعود عن الجهاد. وكانوا يقولونه سرا فقال الله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ)(١٠).

__________________

(١) وهذه القراءة شاذة وانظر هذا في البحر لابن حيان ٨ / ٨٣.

(٢) أي القارىء.

(٣) في الرازي : يمليهم ، وهو الأقرب للمعنى المتحدث فيه.

(٤) وانظر تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٨ / ٦٦.

(٥) في ب واليهود.

(٦) الرازي المرجع السابق.

(٧) السابق ولم يحدد من قال بهذا.

(٨) الرازي السابق.

(٩) انظر المرجع السابق.

(١٠) القرطبي ١٦ / ٢٥٠.

٤٦١

وقوله : «إسرارهم» قرأ الأخوان وحفص بكسر الهمزة مصدرا. والباقون بفتحها جمع سرّ(١).

قوله : «فكيف» إما خبر مقدم ، أي فكيف علمه بأسرارهم إذا توفتهم الملائكة. وإما منصوب بفعل محذوف أي فكيف تصنعون (٢)؟ وإما خبر «لكان» مقدرة أي فكيف يكونون؟ والظرف معمول لذلك المقدر وقرأ الأعمش : «توفّاهم» دون تاء ، فاحتملت وجهين : أن يكون ماضيا كالعامة ، وأن يكون مضارعا حذفت إحدى تائيه (٣).

قوله : «يضربون» حال إما من الفاعل وهو الأظهر أو من المفعول (٤).

فصل

قال ابن الخطيب : الأظهر أن قوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) أي ما في قلوبهم من العلم بصدق محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإنهم كانوا مكابرين معاندين وكانوا يعرفون رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كما يعرفون أبناءهم ويؤيده القراءة بكسر الهمزة فإنهم كانوا يسرّون نبوة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ وإن قلنا : المراد من الذين ارتدّوا هم المنافقون فكانوا يقولون للجاحدين من الكفار سنطيعكم في بعض الأمر كانوا يرون أنهم إن غلبوا انقلبوا كما قال الله : (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) [العنكبوت : ١٠] وقال تعالى : (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) [الأحزاب : ١٩]. وقوله : (فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) كأنه تعالى قال : هب أنهم يسرون والله لا يظهره اليوم فكيف يبقى مخفيا وقت وفاتهم؟! أو نقول : لما قال الله تعالى : والله يعلم إسرارهم أنهم يختارون القتال لما فيه من الضرب والطعن مع أنه مفيد على الوجهين جميعا إن غلبوا في الحال والثواب في المآل ، وإن غلبوا فالشهادة والسعادة ، فكيف حالهم إذا ضرب وجوههم وأدبارهم؟!.

وعلى هذا فيه لطيفة وهي أن القتال في الحال إن أقدم المبارز قد يهزم الخصم ويسلم وجهه وقفاه وإن لم يهزمه فالضرب على وجهه إن ثبت وصبر وإن لم يثبت وانهزم فإن فاته بالهرب فقد سلم وجهه وقفاه وإن لم يفته فالضرب على قفاه لا غير ويوم الوفاة لا نصرة له ولا مفرّ ، فوجهه وظهره مضروب مطعون فكيف يحترز عن الأذى ويختار العذاب الأكبر؟!.

__________________

(١) وهي قراءة سبعية تواترية وانظر السبعة ٦٠١ والكشف ٢ / ٢٧٨ وقد قال مكي : جعلوه مصدر «أسر» ووحد لأنه يدل بلفظه على الكثرة. وقرأ الباقون بفتح الهمزة جعلوه جمع سرّ كعدل وأعدال.

وحسن جمعه لاختلاف ضروب الأسرار من بني آدم. وانظر الإتحاف ٣٩٤.

(٢) في ب تصفون.

(٣) الكشاف ٣ / ٥٣٧ والبحر ٨ / ٨٤ وهي غير متواترة.

(٤) انظر التبيان ١١٦٤.

٤٦٢

قوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ) أي ذلك الضرب بأنهم اتبعوا ما أسخط الله. قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) (١) ـ بما كتموا التوراة وكفروا بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وكرهوا ما فيه رضوان الله وهو الطاعة والإيمان. وقيل : المراد بما أسخط الله الكفر لأن الإيمان يرضيه لقوله تعالى : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر : ٧]. وقيل : بما أسخط الله هو تسويل الشيطان.

فإن قيل : هم ما كانوا يكرهون رضوان الله بل كانوا يقولون : إن الذي هم عليه رضوان الله ولا نطلب به إلا رضى الله وكيف (لا) (٢) والمشركون بإشراكهم كانوا يقولون إنا نطلب رضى الله كما قالوا : (لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] وقالوا : (فَيَشْفَعُوا لَنا)(٣) [الأعراف : ٥٣].

فالجواب : معناه كرهوا ما فيه رضى الله. وفي قوله : (ما أَسْخَطَ اللهَ) ولم يقل : «ما أرضى الله» لطيفة وهي أن رحمة الله سابقة ، فله رحمة ثانية وهي منشأ الرضوان وغضب الله متأخر ، فهو يكون على ذنب ، فقال «رضوانه» لأنه من وصف ثابت لله سابق. ولم يقل «سخط الله» بل قال «أسخط» إشارة إلى أن السخط ليس ثبوته كثبوت الرضوان ولهذا المعنى قال في اللّعان في حق المرأة : (وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [النور: ٩] يقال : غضب الله مضافا لأن لعانه قد سبق فظهر الزنا بقوله وإيمانه وقبله لم يكن غضب فرضوان الله أمر يكون منه الفعل وغضب الله أمر يكون من فعله.

قوله : (فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ) حيث لم يطلبوا رضا الله وإنما طلبوا رضا الشيطان والأصنام (٤). قوله : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) يعني المنافقين و «أم» تستدعي جملة أخرى استفهامية (٥) يقال : أزيد في الدّار أم عمرو وإذا كانت منقطعة لا تستدعي ذلك ؛ يقال : إنّ هذا لزيد أم عمرو وكما يقال : بل عمرو (٦). والمفسرون على أنها منقطعة (٧). ويحتمل أن يقال : إنها استفهامية والسابق مفهوم من قوله تعالى : والله يعلم إسرارهم. وكأنه تعالى قال : (أم) (٨) حسب الذين كفروا أن لم يعلم الله إسرارهم أم حسب المنافقون أن لن يظهرها. والكل فاسد (٩) فإنما يعلمها ويظهرها.

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) سقط من ب.

(٣) وفي النسختين نقلا عن الرازي ليشفعوا باللام ، والأصح ما أثبت أعلى.

(٤) انظر الرازي المرجع السابق.

(٥) إذا كانت للاستفهام لأن كلمة أم إذا كانت متصلة استفهامية يستدعي سبق جملة أخرى استفهامية.

(٦) انظر الرازي المرجع السابق ٢٨ / ٦٩.

(٧) انظر السابق.

(٨) ساقطة من الرازي ففيه : أحسب.

(٩) كذا في النسختين وفي الرازي : قاصر. وانظر الرازي السابق. أقول : مما يؤيد أن هذه الاستفهامية أن المنقطعة لا تكاد تقع في صدر الكلام فلا يقال ابتداء : بل جاء زيد ولا أم جاء عمرو.

٤٦٣

قوله : (أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ) الإخراج بمعنى الإظهار ، أي لن يظهر أحقادهم و «أن» هذه مخففة. و «لن» وما بعدها خبرها واسمها ضمير الشأن. والأضغان جمع ضغن وهي الأحقاد والضّغينة كذلك. قال (رحمه‌الله (١)) :

٤٤٨٠ ـ وذي ضغن كففت الودّ عنه

وكنت على إساءته مقيتا (٢)

وقال عمرو بن كلثوم :

٤٤٨١ ـ وإنّ الضّغن بعد الضّغن يعسو (٣)

عليك ويخرج الدّاء الدّفينا

وقيل : الضغن العداوة وأنشد :

٤٤٨٢ ـ قل لابن هند ما أردت بمنطق

ساء الصّديق وشيّد الأضغانا (٤)

يقال : ضغن ـ بالكسر ـ يضغن ـ بالفتح ـ وقد ضغن عليه وأضغن القوم وتضاغنوا.

وأصل المادة من الالتواء في قوائم الدّابة والقناة ، قال (رحمة الله عليه (٥)) :

٤٤٨٣ ـ إنّ قناتي من صليبات القنا

ما زادها التّثقيف إلّا ضغنا (٦)

وقال آخر :

٤٤٨٤ ـ .........

كذات الضّغن تمشي في الرّقاق (٧)

__________________

(١) زيادة من (أ).

(٢) من الوافر ولم أعرف قائله والبيت في المسامحة و «ذي» مجرورة بربّ محذوفة وفي القرطبي النفس بدل الود والمقيت الحافظ. وجاء به المؤلف في أن الضّغن معناه الحقد انظر القرطبي ١٦ / ٢٥١.

(٣) كذا في النسختين والبحر بالعين من عسا يعسو عسوا وعسوّا وعسيّا بمعنى كبر وفي القرطبي يفشو.

والمعنى متقارب وفي المعلقة له : «يبدو» وهو هنا يقول : إن الضغن بعد الضغن تفشو آثاره ويخرج الداء المدفون من الأفئدة أي يبعث على الانتقام ، والبيت من الوافر.

وشاهده : أن الضغن بمعنى الحقد وهو مفرد يجمع على أفعال كضغن وأضغان وانظر البيت في شرح المعلقات السبع للزوزني ١٤٩. وقد تقدم.

(٤) من الكامل ولم أعرف قائله. وبالبيت استدل قطرب على أن الأحقاد معناها العداوة. وانظر القرطبي ١٦ / ٣٥١ والبحر ٨ / ٧١.

(٥) زيادة من (أ).

(٦) من الرجز ولم أهتد إلى قائله ، وشاهده : أن الضّغن معناه الالتواء في القناة ـ وهي الرمح ـ والعوج فهي معوجّة ولم تثقف. وانظر اللسان ضغن ٢٥٩٣ ونوادر أبي زيد ، وانظر أيضا البحر المحيط ٨ / ٧١.

(٧) هذا عجز بيت من الوافر ، لبشر بن أبي خازم ، صدره :

فإنّك والشّكاة من آل لأم

 ............

وضغن الدابة عسره والتواؤه. وذات الضّغن هي الدابة فهو كناية عن موصوف والرقاق : حبل يشد من الوظيف إلى العضد. وقيل : هو حبل يشد في عنق البعير إلى رسغه. والمعنى أن ذات الضغن ليست بمستقيمة المشي لما في قلبها من النزاع إلى هواها. وكذلك أنا لست بمستقيم لآل لأم ، لأن في قلبي ـ

٤٦٤

والاضطغان الاحتواء على الشيء أيضا (١) ومنه قولهم : اضطغنت الصّبيّ إذا احتضنته وأنشد :

٤٤٨٥ ـ كأنّه مضطغن صبيّا (٢)

وقال آخر :

٤٤٨٦ ـ وما اضطغنت سلاحي عند معركها

 ......... (٣)

وفرس ضاغن لا يجري إلّا بالضّرب.

فصل

قال المفسرون : أضغانهم أحقادهم على المؤمنين فيبديها حتى تعرفوا نفاقهم. وقال ابن عباس (ـ رضي الله عنهما) (٤) ـ أضغانهم حسدهم (٥).

قوله : (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ) من رؤية البصر ؛ وجاء على الأفصح من اتصال الضميرين ولو جاء على أريناك إياهم جاز. وقال ابن الخطيب : الإراءة (٦) هنا بمعنى التعريف.

قوله : «فلعرفتهم» عطف على جواب «لو» وقوله : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ) جواب قسم محذوف.

قال المفسرون : معنى الكلام : لأريناكهم أي لأعلمناكهم وعرّفناكهم فلتعرفنّهم بسيماهم : بعلامتهم. قال الزجاج : المعنى لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة تعرفهم

__________________

ـ عليهم أشياء. فهو تشبيه شيء بشيء. وانظر اللسان رقق ١٦٩٥ وضغن ٣٥٩٣ والبحر ٨ / ٧١.

(١) هذا اختيار أبي منصور الأزهري في الصحاح ضغن وأبي عبيد عن الأحمر.

(٢) كذا وجد في اللسان والصحاح ض غ ن والبحر ٨ / ٧١ ، بشطر واحد كما هو أعلى. وكذا رواه القرطبي في الجامع ١٦ / ٢٥٢ ومعنى مضطغن حامله في حجره. بقي أن أقول : إن الشطر هذا رجز ولم أعرف قائله ولعله من مشطور الرجز وليس جزءا منه.

(٣) كذا في النسختين كالبحر المحيط لأبي حيان والأصح كتابته كالآتي :

إذا أضغنت سلاحي عند مغرضها

 .............

وهو صدر بيت من البسيط لتميم بن مقبل عجزه :

 ..........

ومرفق كرئاس السّيف إذ شسفا

والمغرض جانب البطن أسفل الأضلاع و «رئاس السيف» مقبضه. واليابس هو معنى الشاسف من الضّمر والهزال.

والشاهد : أن اضطغنت هو احتضنت. ولم أهتد للبيت في الديوان. وانظر البيت في القرطبي ١٦ / ٢٥٢ واللسان ضغن والبحر ٨ / ٧١ بصدر فقط.

(٤) زيادة من أ.

(٥) القرطبي ١٦ / ٢٥٢.

(٦) مصدر أرى على زنة أفعل فالأصل (أرأى) انظر الرازي ٢٨ / ٦٩.

٤٦٥

بها (١). قال «أنس» : فأخفي على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بعد نزول هذه الآية شيء من المنافقين كان يعرفهم بسيماهم (٢).

قوله : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) أي في معناه ومقصده. واللحن يقال باعتبارين :

أحدهما : الكناية بالكلام حتى لا يفهمه غير مخاطبك (٣). ومنه قول القتّال الكلابي (رحمه‌الله) (٤) في حكاية له :

٤٤٨٧ ـ ولقد وحيت(٥)لكيما تفهموا

ولحنت لحنا ليس بالمرتاب (٦)

وقال آخر :

٤٤٨٨ ـ ومنطق صائب(٧)وتلحن أحيا

نا وخير الحديث ما كان لحنا (٨)

واللّحن : صرف الكلام من الإعراب إلى الخطأ. وقيل يجمعه هو والأول صرف الكلام عن وجهه. يقال من الأول : لحنت بفتح الحاء ألحن له فأنا لاحن. وألحنت الكلام أفهمته إياه فلحنه ـ بالكسر ـ أي فهمه فهو لاحن (٩). ومنه قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن (١٠) بحجّته من بعض» (١١).

ويقال من الثاني : لحن بالكسر إذا لم يعرب فهو لحن.

فصل

معنى الآية أنك تعرفهم فيما يعرّضون به من تهجين أمرك وأمر المسلمين والاستهزاء بهم ، فكان بعد هذا لا يتكلم منافق عند النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلا عرفه بقوله ويستدل بفحوى كلامه على فساد دخلته. قال ابن الخطيب : معنى الآية أن لن يخرج الله أضغانهم أي

__________________

(١) معاني القرآن ٥ / ١٥.

(٢) القرطبي ١٦ / ٢٥٢.

(٣) القرطبي ١٦ / ٢٥٢.

(٤) زيادة من أ.

(٥) في اللسان : لحنت باللام.

(٦) له من الكامل وشاهده : أن خير الكلام ما عرف بالمعنى ولم يصرح به وانظر اللسان لحن ٤٠١٣ والسراج المنير ٤ / ٣٣ ومجاز القرآن ٢ / ٢٥ لحن والكشاف ٣ / ٥٣٨ وعجزه في الكشاف :

واللّحن يعرفه ذوو الألباب

وانظره في مجمع البيان ٩ / ١٥٩.

(٧) في القرطبي : رائع.

(٨) من الخفيف لمالك بن أسماء الفزاريّ وهو وما قبله في القرطبي ١٦ / ٢٥٢ و ٢٥٣.

والشاهد : أن اللحن معناه الفهم للمخاطب لا لغيره. وانظر مجمع البيان ٩ / ١٥٩ وفتح القدير ٥ / ٤٠ والنوادر لأبي زيد ، واللسان لحن ٤٠١٣.

(٩) اللسان السابق.

(١٠) أي أفطن وأجدل.

(١١) اللسان السابق والقرطبي ١٦ / ٢٥٢.

٤٦٦

يظهر ضمائرهم ويبرز سرائرهم ، وكأن قائلا قال : فلم لم يظهر؟ فقال : أخرناه لمحض المشيئة لا لخوف منهم ولو نشاء لأريناكهم أي لا مانع لنا والإراءة بمعنى التعريف. وقوله : «فلعرفتهم» لزيادة فائدة وهي أن التعريف قد يطلق ولا يلزم منه المعرفة يقال : عرّفته ولم يعرف وفهّمته ولم يفهم فقال ههنا : فلعرفتهم يعني عرّفناهم تعريفا تعرفهم به إشارة إلى قوة التعريف. واللام في قوله : «فلعرفتهم» هي التي تقع في خبر «لو» كما في قوله : «لأريناكهم» أدخلت على المعرفة إشارة إلى المعرفة المرتبة على المشيئة كأنه قال : ولو نشاء لعرفتهم لتفهم أنّ المعرفة غير متأخرة عن التعريف فتفيد تأكيد التعريف أي لو نشاء لعرفناك تعريفا معه المعرفة لا بعده. وقوله : «في لحن القول» أي في معنى القول حيث يقولون ما معناه (١) النفاق ، كقولهم حين مجيء النصر : (إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) [العنكبوت : ١٠] وقولهم : (لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ) [المنافقون : ٨] وقولهم : (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) [الأحزاب : ١٣] ويحتمل أن يكون المراد قولهم ما لم يعتقدوا فأمالوا كلامهم كما قالوا : (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) [المنافقون : ١].

ويحتمل أن يكون المراد من لحن القول هو الوجه الخفي من القول الذي يفهمه النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ (٢) ولا يفهمه (غيره (٣). فالنبي عليه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان يعرف) المنافقين ولم يظهر أمرهم ، إلى أن أذن الله له في إظهار أمرهم ، ومنع من الصلاة على جنائزهم ، والقيام على قبورهم.

«بسيماهم» الظاهر أن المراد أنه تعالى لو شاء لجعل على وجوههم علامة أو يمسخهم كما قال : (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ)(٤) [يس : ٦٧]. وروي أن جماعة منهم أصبحوا وعلى جباههم مكتوب هذا منافق ثم قال تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) وهذا وعد للمؤمنين وبيان لكون حالهم بخلاف حال المنافقين (٥).

قوله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ ... وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) قرأ أبو بكر الثلاثة بالياء من أسفل يعني الله تعالى (٦). والأعمش كذلك وتسكين (٧) الواو (والباقون (٨) بنون العظمة. ورويس كذلك وتسكين الواو والظاهر قطعه عن الأوّل في قراءة تسكين الواو) ويجوز أن يكون سكن الواو تخفيفا كقراءة الحسن : أو يعفوا الذي [البقرة : ٢٣٧] بسكون الواو.

__________________

(١) في الرازي : معناه النفاق ك «أ» هنا. وفي ب منعنا من المنع.

(٢) في ب : صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(٤) وانظر في هذا كله تفسير العلامة الرازي ٢٨ / ١٩ ، ٧٠.

(٥) السابق.

(٦) وهي متواترة انظر الكشف ٢ / ٢٧٨ والإتحاف ٣٩٣ و ٣٩٤.

(٧) مع الياء كيعقوب وهي شاذة وانظر البحر ٨ / ٨٥.

(٨) ما بين القوسين كله سقط من أالأصل بسبب انتقال النظر وانظر الكشف والإتحاف السابقين.

٤٦٧

فصل

المعنى : لنعاملنّكم معاملة المختبر بأن نأمركم بالجهاد والقتال «حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين» أي علم الوجود والمشاهدة فإنه تعالى قد علمه علم الغيب يريد نبين المجاهد الصابر على دينه من غيره وقوله : (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) أي يظهرها ويكشفها بإباء من يأبى القتال ولا يصبر على الجهاد.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ (٣٤) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ)(٣٨)

قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى) قيل : هم أهل الكتاب قريظة والنّضير لأن أهل الكتاب تبين لهم صدق محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقيل : هم كفار قريش. (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) إنما يضرون أنفسهم وهذا تهديد (وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ) فلا يبقي لهم ثوابا في الآخرة. قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ هم المطعمون يوم بدر. نظيرها قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) [الأنفال : ٣٦] وقيل : الأعمال ههنا مكايدهم في القتال.

قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) قال عطاء : بالشك والنفاق. وقال الكلبي : بالرّياء والسمعة. وقال الحسن : بالمعاصي والكبائر. وقال أبو العالية : كان أصحاب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يرون أنه لا يضر مع الإخلاص ذنب ، كما لا ينفع مع الشّرك عمل فنزلت هذه الآية فخافوا الكبائر أن تحبط الأعمال. وقال مقاتل : لا تمنّوا على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فتبطلوا أعمالكم نزلت في بني أسد قال تعالى : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) [البقرة : ٢٦٤] فإنه يقول : فعلته لأجل قلبك ولولا أرضاك (١) به لما فعلت وهذا مناف للإخلاص والله لا يقبل إلّا العمل الخالص (٢).

__________________

(١) كذا في النسختين وفي الرازي : رضاك.

(٢) وانظر فيما مضى القرطبي ١٦ / ٢٥٤ و ٢٨ / ٧٠ و ٧١.

٤٦٨

قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) قيل : هم أصحاب القليب (١). وقيل : اللفظ عام (٢).

قوله : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) يجوز جزم «تدعوا» عطفا على فعل النهي ونصبه بإضمار أن في جواب النهي. وقرأ أبو عبد الرحمن : بتشديد الدال (٣) فقال الزمخشري : من ادّعى القوم وتداعوا مثل ارتموا الصّيد ، وتراموا (٤). وقال غيره : بمعنى تغتروا. وتقدم الخلاف في السّلم (٥).

فصل

لما بين أن عمل الكافر الذي له صورة الحسنات يحبط وذنبه الذي هو أقبح السيئات غير مغفور وأمر بطاعة الله وطاعة الرسول أمر بالقتال فقال : (فَلا تَهِنُوا) أي لا تضعفوا بعدما وجد السبب وهو الأمر بالجدّ والاجتهاد في القتال فقال : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) أي إلى الصلح ابتداء فمنع الله المسلمين أن يدعوا الكفار إلى الصلح وأمرهم بحربهم حتى يسلموا.

قوله : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) جملة حالية ، وكذلك (وَاللهُ مَعَكُمْ) وأصل الأعلون الأعليون فأعلّ (٦).

قال ابن الخطيب : أصله في الجمع الموافق أعليون ومصطفيون فسكنت الياء لكونها حرف علة تحرك ما قبله والواو كانت ساكنة فالتقى ساكنان فلم يكن بدّ من حذف أحدهما وتحريك الآخر والتحريك كان قد ثبت في المحذور (٧) الذي اجتنب منه فوجب الحذف (٨)(٩) والواو فيه كانت لمعنى لا يستفاد إلّا منها وهو الجمع فأسقطت الياء وبقي أعلون. وبهذا الدليل صار في الجرّ أعلين ومصطفين. ومعنى الأعلون الغالبون قال الكلبي : أخر الأمر لكم وإن غلبوكم في بعض الأوقات (وَاللهُ مَعَكُمْ) بالعون والنّصرة.

__________________

(١) المراد به قليب بدر.

(٢) السابق من القرطبي.

(٣) وهي شاذة انظر مختصر ابن خالويه ١٤١ ، والكشاف ٣ / ٥٣١ وانظر الإعراب فيه أيضا.

(٤) الكشاف السابق.

(٥) في قوله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً» ٢٠٨ من البقرة.

(٦) استثقلت الضمة على الياء فحذفت فاجتمع ساكنان لام الكلمة وواو الجماعة فحذفت اللام ـ وهي ياء الكلمة ـ ففيه إعلال بالحذف.

(٧) في النسختين المحذوف.

(٨) حذف الياء والواو كانت فيه لمعنى لا يستفاد إلا منها وهو الجمع فأسقطت الياء وبقي «أعلون».

وانظر الإمام الرازي ٢٨ / ٧٣.

(٩) القرطبي ١٦ / ٢٥٧.

٤٦٩

قوله : (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) أي ينقصكم أو يفردكم عنها ، فهو من وترت الرّجل إذا قتلت له قتيلا أو نهبت ماله. أو من الوتر وهو (١) الانفراد (٢). وقيل : كلا المعنيين يرجع إلى الإفراد ، لأن من قتل له قتيل ، أو نهب له مال فقد أفرد عينه فمعنى : (لَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) لن ينقصكم شيئا من ثواب أعمالكم يقال : وتره يتره وترا وترة إذا نقصه حقّه.

قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ وقتادة والضحاك : لن يظلمكم أعمالكم الصالحة أن يؤتيكم أجورها. ثم حضّ على طلب الآخرة فقال : (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) باطل وغرور (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا) الفواحش (يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ) جزاء أعمالكم في الآخرة (وَلا يَسْئَلْكُمْ) ربكم «أموالكم» لإيتاء الأجر بل يأمركم بالإيمان والطاعة ليثيبكم عليها الجنة. نظيره قوله : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) [الذاريات : ٥٧]. وقيل : لا يسألكم محمد أموالكم نظيره: (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) [ص : ٨٦]. وقيل : معنى الآية لا يسألكم الله ورسوله أموالكم كلها في الصدقات إنما يسألانكم غيضا من فيض ربع العشر فطيبوا بها نفسا. قاله ابن عيينة. ويدل عليه سياق الآية.

قوله : «فيحفكم» عطف على الشرط و «تبخلوا» جواب الشرط. قال ابن الخطيب : الفاء في قوله : «فيحفكم» للإشارة إلى أن الإحفاء يتبع السؤال لشحّ الأنفس ، وذلك لأن العطف بالواو قد يكون لمباينين (٣) وبالفاء لا يكون إلا للمتعاقبين ، أو متعلقين أحدهما بالآخر فكأنه تعالى يبين أن الإحفاء يقع عقيب السؤال لأن الإنسان بمجرد السؤال لا يعطي شيئا (٤). قال المفسرون : فيحفكم يجهدكم وبلحف عليكم بمسألة جميعها يقال : أحفى فلان فلانا إذا جهده وألحف قلبه في المسألة (٥).

قوله : (تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) العامة على إسناد «يخرج» إلى ضمير فاعل إما الله تعالى أو الرسول أو السّؤال (٦) ؛ لأنه سبب وهو مجزوم عطفا على جواب الشرط وروي عن أبي عمرو رفعه على الاستئناف (٧) وقرأ أيضا بفتح الياء وضم الراء ورفع «أضغانكم» فاعلا (٨).

__________________

(١) في ب وهي.

(٢) وانظر معاني القرآن للفراء ٣ / ٦٤ واللسان وتر ٤٧٥٨.

(٣) في الرازي : للمثلين.

(٤) الرازي ٢٨ / ٧٤.

(٥) اللسان لحف ، ومعاني الفراء ٣ / ٦٤.

(٦) في البحر : أو البخل. وانظر البحر المحيط ٨ / ٨٦.

(٧) لم ترو في المتواتر عن أبي عمرو. وانظر البحر ٨ / ٨٦ فيترتب على ذلك وقوع الجملة حالية.

(٨) رواها عبد الوارث هي وسابقتها عن أبي عمرو فيما نقله صاحب اللوامح فيما نقله عنه أيضا أبو حيان وهي من الشواذ كسابقتها فلم ترو عنه في المتواتر والمعنى وهو يخرج أضغانكم أو سيخرج رفع بفعله. وانظر مختصر ابن خالويه ١٤١ ونسبها لابن عباس مع آخرين.

٤٧٠

وابن عباس في آخرين وتخرج ـ بالتاء (١) من فوق وضم الراء ـ أضغانكم فاعل به (٢). ويعقوب ونخرج بنون العظمة وكسر الراء أضغانكم نصبا (٣).

وقرىء : ويخرج بالياء على البناء للمفعول أضغانكم رفعا به (٤). وعيسى كذلك (٥) إلا أنه نصبه بإضمار أن عطفا على مصدر متوهم أي بأن يكفّ بخلكم وإخراج أضغانكم بغضكم وعداوتكم (٦).

فصل

قال قتادة : علم الله أن في مسألة الأموال خروج الأضغان (٧) يعني ما طلبها ولو طلبها وألحّ عليكم في الطلب لبخلتم كيف وأنتم تبخلون باليسير فكيف لا تبخلون بالكثير فيخرج أضغانكم بسببه. فإن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأصحابه إذا طلبوا منكم وأنتم لمحبة الأموال وشحّ الأنفس تمتنعون فيفضي إلى القتال وتظهر به الضغائن (٨).

ثم بين ذلك بقوله (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) قد طلبت منكم اليسير فيحفكم فكيف لو طلبت منكم الكل (٩)؟

قوله : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) (قال الزمخشري (١٠) : هؤلاء) موصول (١١) صلته «تدعون» أي أنتم الذين تدعون أو أنتم يا مخاطبون هؤلاء المؤمنون. ثم استأنف وصفهم كأنهم قالوا : وما وصفنا؟ فقيل : تدعون (١٢). وقال ابن الخطيب : «هؤلاء» تحتمل وجهين :

أحدهما : أن تكون موصولة كأنه قال : أنتم الذين تدعون لتنفقوا في سبيل الله.

وثانيهما : هؤلاء وحدها خبر «أنتم» كما يقال : أنت (أنت (١٣) و) أنت هذا تحقيقا للشهرة والظهور أي ظهور أثركم بحيث لا حاجة إلى الإخبار عنكم بأمر مغاير (١٤). وقد

__________________

(١) تاء التأنيث.

(٢) وهي شاذة أيضا وانظر المرجعين السابقين مع الكشاف ٣ / ٥٣٩.

(٣) وهي قراءة ابن عباس أيضا انظر المرجع السابق وهي شاذة.

(٤) لم أعثر على هذه القراءة بالبناء للمفعول فقد قال أبو حيان «ويعقوب ونخرج بالنون أضغانكم وهي مروية عن عيسى إلا أنه فتح الجيم بإضمار أن».

(٥) كما قلت : أوردها صاحب البحر الذي نقل منه المؤلف بالبناء للفاعل من الرباعي وليس للمفعول.

(٦) انظر البحر المحيط المرجع السابق.

(٧) القرطبي ١٦ / ٢٥٧.

(٨) قاله الإمام الفخر الرازي ٢٨ / ١٧٤.

(٩) السابق.

(١٠) ما بين القوسين ساقط من ب بسبب انتقال النظر.

(١١) مع أنه مشهور فيه الإشارة الجمعية تذكيرا وتأنيثا.

(١٢) الكشاف ٣ / ٥٣٩.

(١٣) ما بين الأقواس زيادة من النسختين عن كلام ابن الخطيب وهو الرازي كما عرف.

(١٤) وانظر تفسيره ٢٨ / ٧٥.

٤٧١

تقدم الكلام على قوله : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) مشبعا في آل عمران (١).

وقوله : «تدعون» أي إلى الإنفاق إما في سبيل الله بالجهاد وإما صرفه إلى المستحقين من إخوانكم. قوله : (فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ) بما فرض عليه من الزكاة (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) أي إن ضرر ذلك البخل عائد إليه فلا تظنوا أنهم ينفقون على غيرهم بل لا ينفقونه إلا على أنفسهم فإن من يبخل بأجرة (الطّبيب) (٢) وثمن الدواء وهو مريض فلا يبخل إلا على نفسه ثم حقق ذلك بقوله : (وَاللهُ الْغَنِيُّ) أي غير محتاج إلى مالكم وأتمه بقوله : (وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) إليه وإلى ما عنده من الخير حتى لا تقولوا بأنا أغنياء عن القتال ودفع حاجة الفقراء (٣).

قوله : (يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) بخل وضنّ يتعديان ب «على» تارة وب «عن» أخرى(٤). والأجود أن يكون (٥) حال تعديهما ب «عن» مضمّنين معنى الإمساك.

قوله : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) هذه (الجملة الشرطية (٦) عطف على) الشرطية قبلها. و (ثُمَّ لا يَكُونُوا) عطف على «يستبدل» (٧).

فصل

ذكر بيان الاستغفار كما قال تعالى : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) [فاطر : ١٦] قال المفسرون : إن تتولّوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم بل يكونوا أمثل منكم وأطوع لله منكم. قال الكلبي : هم كندة والنّخع.

وقال الحسن : هم العجم. وقال عكرمة : فارس (والروم) (٨) لما روى أبو هريرة أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ تلا قوله تعالى : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) قال يا رسول الله : من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا ، ثم لا يكونوا أمثالنا؟ فضرب

__________________

(١) عند قوله : «ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ» من الآية ٦٦ منها. والهاء حرف تنبيه و «أنتم» مبتدأ «وهؤلاء» خبره و «أولاء» لغة الحجاز والقصر لغة تميم ويقال : ألّاك بالتشديد وأولالك وأولئك وكلها واردات. (بتصرف من من الهمع للسيوطي ١ / ٧٥).

(٢) سقط من ب.

(٣) وانظر الرازي ٢٨ / ٧٥ المرجع السابق.

(٤) قاله الزمخشري في الكشاف ثم أبو حيان في البحر انظر الكشاف ٣ / ٥٤٠ والبحر ٨ / ٨٦.

(٥) كذا في النسخ والأوضح : أن يكونا أي بخل وضن.

(٦) ما بين القوسين الكبيرين ساقط من ب وما بين القوسين الصغيرين زيادة عن السياق لتوضيحه.

(٧) البحر ٨ / ٨٦ السابق.

(٨) سقط من ب وانظر هذه الآراء في الجامع للقرطبي ١٦ / ٣٥٨ والكشاف للزمخشري ٣ / ٥٤٠ والبحر لأبي حيان ٨ / ٨٦.

٤٧٢

على فخد سلمان الفارسيّ ثم قال : هذا وقومه ولو كان الدين عند الثّريّا لتناوله رجال من الفرس. وقيل : هم قوم من الأنصار (١).

فصل

قال ابن الخطيب : ههنا مسألة ، وهي أن النّحاة قالوا : يجوز في المعطوف على جواب الشرط «بالواو والفاء وثمّ» الجزم والرفع ، تقول : إن تأتني آتك فأخبرك (٢) بالجزم والرفع جميعا ، قال الله تعالى ههنا (إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) وقال (ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) بالجزم(٣) وقال في موضع آخر : (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ)(٤) بالرفع ، لإثبات النون. وفيه تدقيق : وهو أن قوله : «لا يكونوا» متعلق بالتولي (٥) ؛ لأنهم إن لم يتولّوا يكونوا (٦) مثل من (٧) يأتي بهم الله على الطاعة وإن تولوا لا يكونون مثلهم لكونهم عاصين وكون من يأتي بهم مطيعين. وأما هناك سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا لا ينصرون ، فلم يكن التعلق (٨) هناك بما وقع بالابتداء وههنا جزم. وقوله : (يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) في الوصف لا في الجنس (٩).

روى أبيّ بن كعب ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «من قرأ سورة محمّد كان حقّا على الله أن يسقيه من أنهار الجنّة» (١٠). (صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وشرف وكرم) (١١).

__________________

(١) المراجع السابقة.

(٢) هذا الجملة زيادة من المؤلف على تفسير ابن الخطيب. وفي أالأصل : فأخبرتك والتصحيح من ب كما كتبته أعلى.

(٣) بحذف النون.

(٤) بالرفع بثبوت النون وهي من الآية ١٣٣ من آل عمران.

(٥) في الرازي : وهو أن ههنا لا يكون متعلقا بالتولي.

(٦) وفيه : يكونون وهو تحريف.

(٧) وفيه : ممّن يأتي بهم الله.

(٨) وفيه : للتعليق وجه فرفع بالابتداء وههنا جزم للتعليق وهو الأصح.

(٩) وانظر في هذا كله تفسير الرازي ٢٨ / ٧٦.

(١٠) رواه الزّمخشري كعادته من دون سند. انظر الكشاف ٣ / ٥٤٠.

(١١) ما بين القوسين كله زيادة من نسخة ب.

٤٧٣

سورة الفتح

مدنية (١). وهي تسع وعشرون آية ، وخمسمائة وستون كلمة وألفان وأربعمائة وثمانية وثلاثون حرفا.

روى زيد بن أسلم عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب أنه كان يسير مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في بعض أسفاره فسأله عمر عن شيء فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه قال عمر : فحركت بعيري حتى تقدمت أمام الناس وخشيت أن يكون نزل فيّ قرآن فما نشبت (٢) أن سمعت صارخا يصرخ بي فجئت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فسلّمت عليه فقال : لقد أنزلت (٣) عليّ الليلة سورة ليس أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس ، ثم قرأ : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) وروى أنس قال : نزلت على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إنّا فتحنا لك .. إلى آخر الآية مرجعه (٤) من الحديبية وأصحابه مخالطو الحزن والكآبة فقال : نزلت (٥) عليّ آية هي أحبّ إليّ من الدنيا جميعا فلما تلاها نبيّ الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال رجل من القوم : هنيئا مريئا قد بين الله لك ما يفعل بك فماذا يفعل بنا؟ فأنزل الله : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) حتى ختم الآية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢) وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً)(٣)

قوله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) اختلفوا في هذا الفتح فروى أنس أنه فتح مكة وقال مجاهد : فتح خيبر. والأكثرون على أنه فتح الحديبية ، وقيل : فتح الروم. وقيل : فتح الإسلام بالحجّة والبرهان والسّيف والسّنان. وقيل : الفتح الحكم لقوله

__________________

(١) بإجماع انظر القرطبي ١٦ / ٢٥٩.

(٢) أي ما لبثت وما تعلّقت بشيء.

(٣) في القرطبي وأ هنا أنزلت وفي ب أنزل.

(٤) كذا في الروايات وهي منصوبة على نزع الخافض أي عند مرجعه.

(٥) في ب نزل.

٤٧٤

تعالى : (افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) [الأعراف : ٨٩] وقوله : (ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِ) [سبأ : ٢٦]. فمن قال : هو فتح مكة قال : لأنه مناسب لآخر السورة التي قبلها من وجوه:

أحدها : أنه تعالى لما قال : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) إلى أن قال: (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) وبين تعالى أنه فتح لهم مكة ، وغنموا ديارهم ، وحصل لهم أضعاف ما أنفقوا ؛ ولو بخلوا لضاع عليهم ذلك فلا يكون بخلهم إلا على أنفسهم.

وثانيها : لما قال : (وَاللهُ مَعَكُمْ) وقال : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) بين برهانه بفتح مكة فإنهم كانوا هم الأعلون.

وثالثها : لما قال تعالى : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) وكان معناه لا تسألوا الفتح بل اصبروا فإنكم تسألون الصلح كما كان يوم الحديبية فكان المراد فتح مكة حيث أتوا صناديد قريش مستأمنين ومؤمنين ومسلمين ومستسلمين.

فإن قيل : إن كان المراد فتح مكة فمكة لم تكن فتحت فكيف قال : فتحنا بلفظ الماضي؟

فالجواب من وجهين :

أحدهما : فتحنا في حكمنا وتقديرنا (١).

والثاني : ما قدره الله تعالى فهو كائن فأخبر بصيغة الماضي إشارة إلى أنه أمر واقع لا دافع له.

وأما حجة رأي الأكثرين على أنه صلح الحديبية فلما روى البراء (٢) قال : تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعدّ الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية كنا مع النبي (٣) ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها فلم تنزل قطرة فبلغ ذلك النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأتاها فجلس على شفيرها فدعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا وصبّه فيها فتركناها غير بعيد. ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا (٤). قال الشعبي في قوله : إنّا فتحنا لك فتحا مبينا قال : فتح الحديبية غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأطعموا نخل خيبر ، وبلغ الهدي محلّه وظهرت الروم على الفرس ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس. قال الزهري : ولم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية ، وذلك أن

__________________

(١) كذا في الرازي وفي ب وتدبيرنا. وكلتاهما قريبتان.

(٢) هو البراء بن عازب وقد مر ترجمته.

(٣) في ب مع الرسول.

(٤) انظر القرطبي ١٦ / ٢٦٠.

٤٧٥

المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير وكثر سواد الإسلام (١) ، قال المفسرون : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) أي قضينا لك قضاء بيّنا (٢).

قوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) متعلق «بفتحنا» وهي لام العلة. وقال الزّمخشريّ :

فإن قلت: كيف جعل فتح مكة علّة للمغفرة؟

قلت : لم تجعل علة للمغفرة ولكن لما عدد من الأمور الأربعة وهي المغفرة ، وإتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم ، والنصر العزيز كأنه قال : يسّرنا لك فتح مكة ، ونصرناك على عدوك ليجمع لك بين عزّ الدّارين ، وإعراض العاجل والآجل. ويجوز أن (يكون) (٣) فتح مكة من حيث إنّه جهاد للعدو سببا للغفران والثواب (٤). وهذا الذي قاله مخالف لظاهر الآية ، فإن اللام داخلة على المغفرة فتكون المغفرة علة للفتح والفتح معلّل بها فكان ينبغي أن يقول : كيف جعل فتح مكة معلّلا بالمغفرة؟ ثم يقول : لم يجعل معلّلا؟

وقال ابن الخطيب في جواب هذا السؤال وجهين آخرين ؛ فقال بعد أن حكى الأول وقال: إنّ اجتماع الأربعة لم يثبت إلّا بالفتح فإنّ النعمة به تمّت ، والنّصرة به عمّت : الثاني : أن فتح مكة كان سببا لتطهير بيت الله من رجز الأوثان وتطهير بيته صار سببا لتطهير عبده. الثالث : أن الفتح سبب الحجج ، وبالحجّ (٥) تحصل المغفرة كما قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ في الحج «اللهمّ اجعله حجّا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا». الرابع : المراد منه التعريف تقديره : إنّا فتحنا لك لتعرف أنك مغفور لك معصوم (٦). وقال ابن عطية : المراد هنا أن الله فتح لك لكي (٧) يجعل الفتح علامة لغفرانه لك فكأنها لام صيرورة (٨). وهذا كلام ماش على الظاهر ، وقال بعضهم : إنّ هذه اللام لام القسم (٩) والأصل : ليغفرنّ فكسرت اللام تشبيها بلام «كي» ، وحذفت النون. وردّ هذا بأن اللام لا تكسر ، وبأنها لا تنصب المضارع (١٠).

__________________

(١) بالمعنى من القرطبي المرجع السابق.

(٢) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٥ / ١٩.

(٣) كذا في الزمخشري وقد سقطت من ب.

(٤) وانظر الكشاف ٣ / ٥٤١.

(٥) في ب وبالحجج جمع حجّة.

(٦) بالمعنى من تفسير الإمام الرازي ٢٨ / ٧٨.

(٧) في ب لكن تحريف.

(٨) البحر المحيط ٨ / ٩٠ وهي ما تسمى بلام العاقبة وهذه اللام أنكرها البصريون ومن تابعهم كالزمخشري الذي قال : إنها لام العلة وأن التعليل فيها وارد على طريق المجاز دون الحقيقة. انظر المغني ٢١٤ بتصرف.

(٩) نقل القرطبي في الجامع أنه أبو حاتم السجستانيّ.

(١٠) ولو جاز هذا لجاز : ليقوم زيد بتأويل : ليقومنّ زيد. وانظر السابق والبحر المحيط ٨ / ٩٠ أقول : وهذا مما لم يحفظ في لسانهم.

٤٧٦

وقد يقال : إنّ هذا ليس بنصب وإنما هو بقاء الفتح الذي كان قبل نون التوكيد بقي ليدل عليها ولكنه قول مردود.

فصل

لم يكن للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ذنب فماذا يغفر له؟ فقيل : المراد ذنب المؤمنين. وقيل : المراد ترك الأفضل. وقيل : الصغائر فإنها جائزة على الأنبياء بالسهو والعمد. قال ابن الخطيب : وهي تصونهم عن العجب. وقيل : المراد بالمغفرة العصمة. ومعنى قوله : (وَما تَأَخَّرَ) قيل : إنه وعد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بأنه لا يذنب بعد النّبوّة. وقيل : ما تقدم على الفتح. وقيل : هو للعموم ، يقال : اضرب من لقيت ومن لا تلقاه مع أن من لا تلقاه لا يمكن ضربه إشارة إلى العموم. وقيل : من قبل النبوة وبعدها ومعناه ما قبل النبوة بالعفو وما بعدها بالعصمة. وفيه وجوه أخر ساقطة. قال ابن الخطيب : منها قول بعضهم : ما تقدم من أمر «مارية» (١)(وَما تَأَخَّرَ) من أمر «زينب»(٢) وهو أبعد الوجوه وأسقطها لعدم التئام الكلام.

قوله : (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) قيل : إنّ التكاليف عند الفتح تمّت حيث وجب الحجّ ـ وهو آخر التكاليف والتكليف نعمة ـ وقيل : يتم نعمته عليك بإخلاء الأرض من معانديك ، فإنّ من يوم الفتح لم يبق للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عدوّ ، فإن بعضهم قتل يوم بدر ، والباقون آمنوا واستأمنوا يوم الفتح (٣). وقيل : ويتم نعمته عليك في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا باستجابة دعائك في طلب الفتح ، وفي الآخرة : بقبول شفاعتك.

فصل

قال الضحاك : إنّا فتحنا لك فتحا مبينا بغير قتال ، وكان الصلح من الفتح. فإن كانت (٤) اللام في قوله : «ليغفر» لام كي فمعناه إنّا فتحنا لك فتحا مبينا لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة في الفتح. وقال الحسن بن الفضل : هو مردود إلى قوله : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ ، وَما تَأَخَّرَ) ، و (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ).

وقال محمد بن جرير : هو راجع إلى قوله : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ) [النصر : ١ ـ ٣] ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك في الجاهلية قبل الرسالة (وَما تَأَخَّرَ) إلى وقت نزول هذه السورة. وقيل : ما تأخر مما يكون. وهذا على طريقة من يجوز الصغائر على الأنبياء. وقال سفيان

__________________

(١) القبطية.

(٢) بنت جحش.

(٣) الرازي ٢٨ / ٧٨.

(٤) في ب فإن قلت.

٤٧٧

الثّوريّ : (ما تَقَدَّمَ) مما عملت في الجاهلية (وَما تَأَخَّرَ) كل شيء لم تعمله كما تقدم.

وقال عطاء الخراساني : (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ) يعني ذنب أبويك آدم وحوّاء ببركتك ، (وَما تَأَخَّرَ) ذنوب أمتك بدعوتك. (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بالنبوة والحكمة (١).

قوله : (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) قيل : يهدي بك. وقيل : يديمك على الصراط المستقيم (٢) ، وقيل جعل الفتح سبب الهداية إلى الصراط المستقيم لأنه سهل على المؤمنين الجهاد لعلمهم بفوائده (و) (٣) العاجلة والآجلة. وقيل : المراد التعريف ، أي لتعرف أنك على صراط مستقيم (٤). ثم قال : (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) غالبا. وقيل : معزّا ؛ لأن بالفتح ظهر (٥) النصر (٦).

فإن قيل : إنّ الله تعالى وصف النّصر بكونه عزيزا والعزيز من له النصر!

فالجواب من وجهين :

أحدهما : قال الزمخشري : إنه يحتمل وجوها ثلاثة :

الأول : معناه نصرا ذا عزة ، كقوله : (فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) [الحاقة : ٢١] أي ذات رضا.

الثاني : وصف النصر بما يوصف به المنصور إسنادا مجازيا يقال له كلام صادق كما يقال له متكلم صادق.

الثالث : المراد نصرا عزيزا صاحبه (٧).

الوجه الثاني : أن يقال : إنما يلزم ما ذكره الزمخشريّ إذا قلنا : العزة هي الغلبة والعزيز الغالب. وأما إذا قلنا : العزيز هو النفيس القليل النظير ، أو المحتاج إليه القليل الوجود ، يقال : عزّ الشّيء في سوق كذا أي قلّ وجوده مع أنه محتاج إليه ، فالنصر كان محتاجا إليه ومثله لم يوجد وهو أخذ بيت الله من الكفار المقيمين (٨) فيه من غير عدد ولا عدد (٩).

فصل في البحث المعنوي

وهو أن الله تعالى لما قال : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ) أبرز الفاعل وهو

__________________

(١) ذكر هذه الآراء القرطبي في الجامع ١٦ / ٢٦٢ و ٢٦٣.

(٢) هذا رأي الرازي في تفسيره ٢٨ / ٧٨.

(٣) زيادة لا معنى لها من أ.

(٤) ذكرهما أيضا الرازي في مرجعه السّابق.

(٥) في ب حصل.

(٦) قاله الرازي أيضا في مرجعه السابق.

(٧) بلفظ الرازي ٢٨ / ٧٩ وبمعنى كلام الزمخشري فقد قال : «نصرا عزيزا فيه عزّ ومنعة ، أو وصف بصفة المنصور إسنادا مجازيا ، أو عزيزا صاحبة» الكشاف ٣ / ٥٤١.

(٨) في الرازي المقيمين.

(٩) مع تغيير طفيف في عبارة الرازي. وانظر التفسير الكبير ٢٨ / ٧٨ و ٧٩.

٤٧٨

الله ، ثم عطف عليه بقوله : (وَيُتِمَّ) وبقوله : (وَيَهْدِيَكَ) ولم يذكر لفظ الله على الوجه الحسن في الكلام وهو أن الأفعال الكثيرة إذا صدرت من فاعل يظهر اسمه في الفعل ، ولا يظهر فيما بعده تقول : «جاء زيد وقعد وتكلّم وراح وقام» ولا تقول جاء زيد وقعد زيد ، بل جاء زيد وقعد ، اختصارا للكلام بالاقتصار على الأوّل ، وههنا لم يقل : «وينصرك نصرا» بل أعاد لفظ الله وجوابه هذا إرشاد إلى طريق النّصر ولهذا قلّما ذكر الله النّصر من غير إضافة فقال تعالى : (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) [الحج : ٤٠] ولم يقل :بالنّصر ينصر وقال : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ) [الأنفال : ٦٢] ولم يقل : أيدك بالنصر ، وقال : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) وقال : (نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) [الصف : ١٣] ، وقال : (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) [آل عمران : ١٢٦] ، وهذا أدل الآيات على مطلوبها. وتحقيقه هو أن النصر بالصبر والصبر بالله قال تعالى : (وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) [النحل: ١٢٧] وذلك لأن الصبر سكون القلب واطمئنانه وذلك بذكر الله (تعالى) (١) كما قال تعالى : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد : ٢٨] فلما قال ههنا : (وَيَنْصُرَكَ اللهُ) أظهر لفظ الله ، ليعلم أن بذكر الله يحصل اطمئنان القلب وبه يحصل الصبر وبه يتحقق النصر.

فصل

قال : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ) ثم قال : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) ، ولم يقل : «إنّا فتحنا ليغفر لك» تعظيما لأمر الفتح وذلك لأن المغفرة وإن كانت عظيمة لكنها عامة لقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) [الزمر : ٥٣] وقال : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ١١٦] فإن قلنا : المراد من المغفرة في حق النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فكذلك لم يختص به نبينا ، بل غيره من الرسل كان معصوما وإتمام النعمة كذلك قال تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) [المائدة : ٣] وقال تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) [البقرة : ٤٧ و ١٢٢] وكذلك الهداية قال تعالى : (يَهْدِي اللهُ) [النور : ٣٥] وكذلك النصر ، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) [الصافات : ١٧١ ـ ١٧٢]. وأما الفتح فلم يبق لأحد غير النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فعظّمه بقوله : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) وفيه التعظيم من وجهين :

أحدهما : قوله : «إنّا»

والثاني : قوله : «لك» أي لأجلك على وجه المنّة.

قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ

__________________

(١) زيادة من أ.

٤٧٩

وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٤) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً (٥) وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (٦) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً)(٧)

قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) لما قال تعالى : (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) بين وجه النصر ، وذلك أن الله تعالى قد ينصر رسله بصيحة يهلك بها أعداؤهم ، أو رجفة يحكم فيها عليهم بالفناء ، أو بشيء يرسله من السّماء ، أو بصبر وقوة وثبات قلب يرزق المؤمنين ليكون لهم بذلك الثواب الجزيل ، فقال : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ) أي تحقيقا للنصر. والمراد بالسكينة قيل : السكون ، وقيل : الوقار لله. وقيل : اليقين. قال أكثر المفسرين : هذه السكينة غير السكينة المذكورة في قوله تعالى : (يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ)(١) [البقرة : ٢٤٨]. ويحتمل أن تكون هي تلك ؛ لأن المقصود منها على جميع الوجوه اليقين وثبات القلب.

فصل

قال الله تعالى (في (٢) حق الكفار) (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) بلفظ القذف المزعج وقال في حق المؤمنين : (أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) بلفظ الإنزال المثبت. وفيه معنى حكميّ وهو أن من علم شيئا من قبل ويذكره استدام بذكره ، فإذا وقع لا يتغيّر (٣) ومن كان غافلا عن شيء فيقع رفعه فإنه يرجف فؤاده ، ألا ترى أن من أخبر بوقوع صيحة ، وقيل (له) (٤) لا تنزعج (٥) منها فوقعت الصيحة لا يرتجف (٦) ومن لم يخبر به أو أخبر وغفل عنه يرتجف إذا وقعت. كذلك الكافر أتاه الله من حيث لم يحتسب وقذف في قلبه الرّعب ، فارتجف ، والمؤمن أتي (٧) من حيث كان يذكر فسكن ، فلا تزعج نفوسهم لما يرد عليهم. قال ابن عباس : كل سكينة في القرآن فهي طمأنينة إلّا التي في سورة البقرة (٨).

__________________

(١) وانظر في هذا كله تفسير الإمام الرازي ٢٨ / ٧٩ و ٨٠.

(٢) ما بين القوسين زيادة من ب على أ.

(٣) كذا في الرازي وفي ب يتعين.

(٤) زيادة من أ.

(٥) في ب ينزعج.

(٦) وفيها يرجف.

(٧) في ب : والمؤمن من أوتي وفي الرازي : والمؤمن أتاه وأ والرازي هما الصّحيحان وانظر الرازي ٢٨ / ٨٠.

(٨) الآية ٢٤٨ السابقة.

٤٨٠