اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٧

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٧

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٨٤

أحدها : أنها استئنافية (١). والثاني : أنها تبدل من الكاف الواقعة مفعولا ثانيا (٢). قال الزمخشري : لأن الجملة تقع مفعولا ثانيا فكانت في حكم المفرد ، ألا تراك لو قلت : أن نجعلهم سواء محياهم ومماتهم كان سديدا ، كما تقول : ظننت زيدا أبوه منطلق (٣).

قال أبو حيان : وهذا ـ أعني إبدال الجملة من المفرد ـ أجازه ابن جني (٤) وابن مالك (٥) ومنعه ابن العلج (٦) ، ثم ذكر عنه كلاما كثيرا في تقريره ذلك. ثم قال : «والذي يظهر أنه لا يجوز ـ يعني ما جوزه الزمخشري ـ قال : لأنها بمعنى التّصيير ، ولا يجوز : صيّرت زيدا أبوه قائم ؛ لأن التصيير انتقال من ذات إلى ذات أو من وصف في الذات إلى وصف فيها ، وتلك الجملة الواقعة بعد مفعول صيرت المقدرة مفعولا ثانيا ليس فيها انتقال مما ذكر فلا يجوز.

قال شهاب الدين : ولقائل أن يقول : بل فيها انتقال من وصف في الذات إلى وصف فيها ، لأن النحاة نصوا على جواز وقوع الحمل صفة وحالا ، نحو : مررت برجل أبوه قائم ، وجاء زيد أبوه قائم ، فالذي حكموا عليه بالوصفية والحالية يجوز أن يقع في حيّز التصيير ؛ إذ لا فرق بين صفة وصفة من هذه الحيثية (٧).

الثالث : أن تكون الجملة حالا (و) التقدير : أم حسب الكفار أن نصيرهم مثل المؤمنين في حال استواء محياهم ومماتهم؟! ليسوا كذلك بل هم مقترفون (٨). وهذا هو الظاهر عند أبي حيان وعلى الوجهين الأخيرين تكون الجملة داخلة في حيّز الحسبان ، وإلى ذلك نحا ابن (٩) عطية فإنه قال : مقتضى هذا الكلام أن لفظ الآية خبر ، ويظهر أن

__________________

(١) وهو رأي نقله الزمخشري في الكشاف كما سبق ٣ / ٥١٢ وانظر الدر المصون ٤ / ٨٣٦.

(٢) المرجعين السابق.

(٣) الكشاف المرجع السابق.

(٤) فقد جوز في البيت :

إلى الله أشكو بالمدينة حاجة

والشام أخرى كيف يلتقيان

أن تبد ل «كيف يلتقيان» من (حاجة وأخرى) إبدال جملة من مفرد. وانظر الأشموني ٣ / ١٣٢ ، والتصريح ٢ / ١٦٢ و ١٦٣ والمرادي على الألفية ٣ / ٢٦٤ و ٢٦٥.

(٥) قال في تسهيله : «وقد تبدل جملة من مفرد». انظر التسهيل ١٧٣.

(٦) الإمام ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن علي الإشبيليّ. من مصنفاته كتاب «البسيط» وقاله فيه : «ولا يصح أن تكون جملة معمولة للأول في موضع البدل كما كان في النعت لأنها تقدر تقدير المشتق وتقدير الجامد فيكون بدلا ، فيجتمع فيه تجوزان ، ولأن البدل يعمل فيه العامل الأول فيصح أن يكون فاعلا والجملة لا تكون في موضع الفاعل بغير سائغ ، لأنها لا تضمر ، فإن كانت غير معمولة فهل تكون جملة لا يبعد عندي جوازها كما يتبع في العطف الجملة للجملة ، ولتأكيد الجملة التأكيد اللفظي انتهى انظر البحر المحيط ٨ / ٤٧ ونشأة النحو ٣٢٣.

(٧) الدر المصون ٤ / ٨٣٧.

(٨) المرجعين السابقين.

(٩) في أالزمخشري بدل من ابن عطية ، والتصحيح من ب.

٣٦١

قوله : سواء محياهم ومماتهم داخل في الحسبة المنكرة السيئة ، وهذا احتمال حسن ، والأول جيّد انتهى (١). ولم يبين كيفية دخوله في الحسبان وكيفية أحد الوجهين الأخيرين إما البدل وإما الحالية كما عرفته. وقرأ الأعمش «سواء» نصبا محياهم ومماتهم (٢).

بالنصب أيضا ، فأما سواء فمفعول ثان ، أو حال كما تقدم. وأما نصب محياهم ومماتهم ففيه وجهان :

أحدهما : أن يكونا ظرفي زمان ، وانتصبا على البدل من مفعول (نجعلهم) بدل اشتمال ويكون سواء على هذا هو المفعول الثاني ، والتقدير : أن نجعل محياهم ومماتهم (سواء (٣)).

والثاني : أن ينتصبا على الظرف الزماني ، والعامل إما الجعل أو سواء. والتقدير أن نجعلهم في هذين الوقتين سواء أو نجعلهم مستويين في هذين الوقتين (٤).

قال الزمخشري مقررا لهذه الوجه : ومن قرأ بالنصب جعل (مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) ظرفين كمقدم الحاجّ وخفوق النّجم (٥). قال أبو حيان : وتمثيله بخفوق النجم ليس بجيد ، لأن خفوق مصدر ليس على مفعل فهو في الحقيقة على حذف مضاف أي وقت خفوق (النّجم) بخلاف (محيا) و (ممات) و (مقدم) فإنها موضوعة على الاشتراك بين ثلاثة معان المصدرية والزمانية والمكانية فإذا استعملت مصدرا كان ذلك بطريق الوضع ، لا على حذف مضاف كخفوق ، فإنه لا بد من حذف مضاف ، لكونه موضوعا للمصدرية (٦) وهذا أمر قريب ، لأنه إنما أراد أنه وقع هذا اللفظ مرادا به الزمان. أما كونه بطريق الأصالة أو الفرعية فلا يضر ذلك. والضمير في (مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) يجوز أن يعود على القبيلين بمعنى أن محيا المؤمنين ومماتهم سواء عند الله في الكرامة ، ومحيا المجترحين ومماتهم سواء في الإهانة عنده (٧). فلفّ الكلام اتكالا على ذهن السامع وفهمه. ويجوز

__________________

(١) البحر المحيط ٨ / ٤٧ والدر المصون ٤ / ٨٣٧.

(٢) من القراءات الشاذة غير المتواترة ذكرها ابن خالويه في المختصر ١٣٨.

(٣) قال بذلك أبو حيان في البحر المحيط ٨ / ٤٧ و ٤٨ ونقله عنه أيضا السمين في الدر ٤ / ٨٣٧. هذا وقد سقطت كلمة سواء من ب.

(٤) قاله الزجاج والفراء في معاني القرآن. قال الزجاج في ٤ / ٤٣٣ : «ومن نصب محياهم ومماتهم ، فهو عند قوم من النحويين سواء في محياهم وفي مماتهم ويذهب به مذهب الأوقات». ويقول الفراء : «ولو نصبت المحيا والممات ، كان وجها ، تريد أن تجعلهم سواء في محياهم ومماتهم». معاني القرآن له ٣ / ٤٧. وقد ذكره أيضا الإمام أبو جعفر النحاس في إعراب القرآن ٤ / ١٤٦.

(٥) الكشاف ٣ / ٥١٢.

(٦) بالمعنى من البحر المحيط ٨ / ٤٨ ، وباللفظ من الدر المصون ٤ / ٨٣٨.

(٧) اللف والنشر معروف في البلاغة وبخاصة في علم البديع وهو أن نلف شيئين ، ثم نأتي بتفسيرهما ثقة بأن السامع يرد إلى كل واحد منهما ما له كقول الحق جلال وعلا : «ومن رحمته جعل لكم اللّيل ـ

٣٦٢

أن يعود على المجترحين فقط أخبر أن حالهم في الزمانين سواء (١). وقال أبو البقاء : ويقرأ مماتهم بالنصب أي في محياهم ومماتهم. والعامل : نجعل أو سواء. وقيل : هو (٢) ظرف. قال شهاب الدين: هو القول الأول بعينه (٣).

فصل

لما بين الله تعالى الفرق بين الظالمين وبين المتقين من الوجه المتقدم بين الفرق بينهما من وجه آخر فقال : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)(٤)) أم كلمة وضعت للاستفهام عن شيء حال كونه معطوفا على شيء آخر سواء كان ذلك المعطوف مذكورا أو مضمرا. والتقدير هنا : أفيعلم المشركون هنا أم يحسبون أنا نتولاهم كما نتولى المتقين. والاجتراح : الاكتساب أي اكتسبوا المعاصي والكفر ، ومنه الجوارح ، وفلان جارحة أهله ، أي كاسبهم. قال تعالى : (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ). وقال الكلبي : نزلت هذه الآية في عليّ وحمزة ، وأبي عبيدة بن الجرّاح ـ رضي الله عنهم ـ وفي ثلاثة من المشركين عتبة ، وشيبة ، والوليد بن عتبة قالوا للمؤمنين : والله ما أنتم على شيء فلو كان ما تقولونه حقّا لكان حالنا أفضل من حالكم في الآخرة كما كنا أفضل حالا منكم في الدنيا. فأنكر الله عليهم هذا الكلام ، وبين أنه لا يمكن أن يكون حال المؤمن المطيع مساويا لحال الكافر العاصي في درجات الثواب ومنازل السّعادات (٥). ثم قال : (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ). قال مجاهد عن ابن عباس : معناه أحسبوا أن حياتهم ومماتهم كحياة المؤمنين؟! كلا فإنهم يعيشون كافرين ويموتون كافرين والمؤمنون يعيشون مؤمنين ويموتون مؤمنين ، فالمؤمن ما دام حيا في الدنيا فإنّ وليّه هو الله وأنصاره المؤمنون (٦) وحجة الله معه. والكافر بالضّدّ منه ، كما ذكره الله تعالى في قوله : (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) والمؤمنون تتوفاهم الملائكة طيّبين يقولون : سلام عليكم ادخلوا الجنّة بما كنتم تعملون وأما الكفار فتتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم. وأما في القيامة فقال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) [عبس : ٣٨ ـ ٤٢] وقيل : معنى الآية لا يستوون في الممات ، كما استووا في الحياة ، لأن المؤمن والكافر قد يستويان في

__________________

ـ والنّهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله». انظر التعريفات للشريف الجرجاني ١٦٩.

(١) الدر المصون ٤ / ٨٣٨.

(٢) لعله يقصد «هما» تثنية وانظر التبيان ١١٥٢.

(٣) رأي الزجاج والفراء والزمخشري السابق. وانظر الدر المصون ٤ / ٨٣٨.

(٤) زيادة للسياق.

(٥) انظر الرازي ٢٧ / ٢٦٦ والقرطبي ١٦ / ١٦٥.

(٦) في ب وأ : المؤمنين نصبا أو جرّا وهو تحريف والأصح ما أثبت أعلى.

٣٦٣

الصحة والرزق والكفاية ، بل قد يكون الكافر أرجح حالا من المؤمن ، وإنّما يظهر الفرق بينهم في الممات. وقيل : إنّ قوله (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) مستأنف والمعنى أن محيا المؤمنين ومماتهم سواء وكذلك محيا الكفار ومماتهم سواء أي كل يموت على حسب ما عاش عليه. ثم إنه تعالى صرح بإنكار التسوية (١) فقال : (أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أي بئس ما يقضون. قال مسروق : قال لي رجل من أهل مكة هذا مقام أخيك تميم الدّاريّ ، لقد رأيته ذات ليلة حتى أصبح أو قرب أن يصبح يقرأ آية من كتاب الله يركع بها ويسجد (بها) ويبكي (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ ...) الآية (٢).

قوله تعالى : (وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) لما بين أن المؤمن لا يساوي الكافر في درجات السّعادة أتبعه بالدلائل الظاهرة على صحة هذه الفتوى فقال : (وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) أي لو لم يوجد البعث لما كان ذلك بالحق بل كان بالباطل لأنه تعالى لو خلق الظالم وسلطه على المظلوم الضعيف ولا ينتقم للمظلوم من الظالم كان ظالما ولو كان ظالما لبطل أنه ما خلق السماوات والأرض إلا بالحق (٣). وتقدم تقريره في سورة يونس.

قوله : «بالحقّ» فيه ثلاثة أوجه إما حال من الفاعل ، أو من المفعول أو الباء للسببية(٤).

قوله : «ولتجزى» فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يكون عطفا على «بالحق» في المعنى ، لأن كلّا منهما سبب فعطف الصلة على مثلها.

الثاني : أنها معطوفة على معلل محذوف ، والتقدير : خلق الله السّموات والأرض ليدل بها على قدرته ولتجزى كل نفس والمعنى أن المقصود من خلق هذا العالم إظهار العدل والرحمة ، وذلك لا يتم إلّا إذا حصل البعث والقيامة ، وحصل التفاوت بين الدّركات والدرجات بين المحقين والمبطلين (٥).

الثالث : أن تكون لام الصيرورة أي وصار الأمر منها من حيث اهتدى بها قوم وضلّ عنها آخرون (٦).

__________________

(١) انظر الرازي السابق.

(٢) القرطبي ١٦ / ١٦٦ ولفظ بها ، ساقط من ب.

(٣) قاله الرازي ٢٧ / ٢٦٨.

(٤) بيان ابن الأنباري ٢ / ٣٦٥ والدر المصون ٤ / ٨٣٨.

(٥) ذكر هذين الوجهين الرازي في تفسيره لفظا ٢٧ / ٢٦٨ نقلا عن الكشاف معنى ٣ / ٥١٢ وانظر الدر المصون ٤ / ٨٣٩ و ٨٣٨.

(٦) نقل هذا الوجه أبو حيان في بحره ٨ / ٤٨ عن ابن عطيه.

٣٦٤

قوله : «أفرأيت» بمعنى أخبرني وتقدم حكمها (١) مشروحا ، والمفعول الأوّل من اتخذ والثاني محذوف ، تقديره : بعد غشاوة أيهتدي؟ ودل عليه قوله : (فَمَنْ يَهْدِيهِ). وإنما قدرت بعد غشاوة ، لأجل صلات الموصول (٢). واعلم أنه تعالى عاد إلى شرح أحوال الكفار ، وقبائح طرائقهم فقال : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) قال ابن عباس والحسن وقتادة: وذلك الكافر اتخذ دينه ما يهواه ، فلا يهوى شيئا إلا ركبه ، لأنه لا يؤمن بالله ولا يخافه. وقرىء «آلهته» (٣) هواه ، لأنه كلما مال طبعه إلى شيء اتبعه والمعنى اتخذ معبوده هواه ، فيعبد ما تهواه نفسه. قال سعيد بن جبير : كانت العرب يعبدون الحجارة والذهب والفضة فإذا وجدوا شيئا أحسن من الأول رموه وكسروه وعبدوا الآخر. قال الشعبي : إنما سمي الهوى لأنه يهوي بصاحبه في النار (٤). قوله : (عَلى عِلْمٍ) حال من الجلالة أي كائنا على علم منه بعاقبة أمره أنه أهل لذلك (٥).

وقيل : حال من المفعول ، أي أضله وهو عالم ، وهذا أشنع له. وقرأ الأعرج (٦) : آلهة على الجمع ، وعنه كذلك مضافة لضميره آلهته هواه (٧).

قوله : (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ) يسمع الهوى وقلبه لم يعقل الهدى وهو المراد من قوله(٨) : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) [البقرة : ٧] وقد تقدم.

قوله : «غشاوة» قرأ الأخوان غشوة بفتح الغين ، وسكون الشين (٩). والأعمش وابن مصرف كذلك إلا أنهما كسرا الغين (١٠). وباقي السبعة غشاوة بكسر (١١) الغين. وابن

__________________

(١) قال الجمل على الجلالين : «استعمال أرأيت في الإخبار مجاز أي أخبروني عن حالتكم العجيبة ووجه المجاز أنه لما كان العلم بالشيء سببا للإخبار عنه أو الإبصار به طريقا إلى الإحاطة به علما وإلى صحة الإخبار عنه استعملت الصيغة التي لطلب العلم أو لطلب الإبصار في طلب الخبر لاشتراكهما في الطلب ففيه مجاز». وانظر حاشية الجمل على الجلالين ٢ / ٢٨.

(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ٤٨ والدر المصون ٤ / ٨٣٩.

(٣) في الرازي آلهته هواه وفي الكشاف آلهة هواه وهي قراءة شاذة. انظر الرازي ٢٧ / ٢٦٨ والكشاف ٣ / ٥١٢.

(٤) انظر القرطبي ١٦ / ١٦٧.

(٥) ذكر الوجه الأول الكشاف ٣ / ٥١٢ والثاني أبو حيّان في البحر ٨ / ٤٩.

(٦) في أالأعمش وفي ب الأعرج وهو الأصح.

(٧) وقد روى هذه القراءة ابن خالويه في المختصر عن أبي جعفر ولم ترو عنه في المتواتر. انظر المختصر ١٣٨ ، وانظر أيضا شواذ القرآن (٢٢١).

(٨) في ب قولهم تحريف.

(٩) هي من القراءات المتواترة وهي قراءة ابن وثّاب أيضا. وانظر السبعة ٥٩٥ ومعاني الفراء ٣ / ٤٨ وحجة ابن خالويه ٢٤٦ ، والكشف لمكي ٢ / ٢٦٩.

(١٠) من القراءات الشاذة انظر مختصر ابن خالويه ١٣٨.

(١١) مختصر ابن خالويه السابق.

٣٦٥

مسعود والأعمش أيضا بفتحها (١) وهي لغة ربيعة والحسن وعكرمة. وعبد الله أيضا بضمها ، وهي لغة محكيّة (٢) وتقدم الكلام في ذلك في أول سورة البقرة ، وأنه قرىء هناك بالعين المهملة (٣).

قوله : (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) أي من بعد إضلال الله إياه. قال الواحدي : ليس يبقى للقدرية مع هذه الآية عذر ولا حيلة ؛ لأن الله تعالى صرح منعه إياهم عن الهدى بعد أن أخبر أنه ختم على سمع هذا الكافر وقلبه وبصره (٤). ثم قال : (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) قرأ العامة بالتشديد ، والجحدريّ بتخفيفها والأعمش تتذكرون بتاءين (٥).

قوله : (وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) تقدم نظيره. وقرأ زيد بن علي نحيا بضم النون(٦).

فإن قيل : الحياة متقدمة على الموت في الدنيا فمنكر القيامة كان يجب أن يقول : نحيا ونموت ، فما السبب في تقديم ذكر الموت على الحياة؟

فالجواب من جوه :

الأول : المراد بقوله : «نموت» حال كونهم نطفا في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات وبقوله : «نحيا» ما حصل بعد ذلك في الدنيا.

الثاني : نموت نحن ونحيا بسبب بقاء أولادنا.

الثالث : قال الزّجاج : الواو للاجتماع (٧) والمعنى : يموت بعض ويحيا بعض.

الرابع : قال ابن الخطيب : إنّه تعالى قدم ذكر الحياة فقال : «إن (هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) ثم قال بعده : (نَمُوتُ وَنَحْيا) يعني أن تلك الحياة منها ما يطرأ عليها الموت وذلك في حق الذين ماتوا ومنها ما لم يطرأ عليه الموت بعد ، وذلك في حق الأحياء الذين لم يموتوا بعد (٨).

قوله : (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) أي وما يفنينا إلا مرّ الزمان ، وطول العمر ، واختلاف الليل والنهار (وَما لَهُمْ بِذلِكَ) الذي قالوه (مِنْ عِلْمٍ) أي لم يقولوه عن علم علموه (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ). روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : قال الله تعالى : «لا يقل ابن آدم يا خيبة الدّهر فإنّي أنا الدّهر أرسل اللّيل والنّهار فإذا شئت

__________________

(١) انظر السبعة والكشف السابقين.

(٢) ذكرت في البحر المحيط ٨ / ٤٩ والكشاف ٣ / ٥١٢ بدون نسبة وهي شاذة.

(٣) رويت عن طاووس هنا وفي البقرة أيضا وانظر مختصر ابن خالويه ١٣٨.

(٤) الرازي ٢٧ / ٢٦٩.

(٥) انظر البحر المحيط ٨ / ٤٩.

(٦) من القراءات الشاذة انظر المرجع السابق ، وشواذ القرآن ٢٢١.

(٧) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٣٤.

(٨) الرازي ٢٧ / ٢٦٩.

٣٦٦

قبضتها» (١) وعنه قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لا يسبّ أحدكم الدّهر فإنّ الدّهر هو الله ، ولا يقولنّ للعنب الكرم ، فإنّ الكرم هو الرّجل المسلم (٢). ومعنى الحديث أن العرب كان من شأنها ذم الدهر وسبه عند النوازل ، لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره فيقولون : أصابتهم قوارع الدهر ، وأبادهم الدهر ، كما أخبر الله عنهم : (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد سبوا فاعلها فكان يرجع سبّهم إلى الله ـ عزوجل ـ ؛ إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يضيفونها إلى الدهر فنهوا عن سبّ الدهر (٣).

قوله تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) قرأ العامة بنصب «حجتهم». وزيد بن عليّ ، وعمرو بن عبيد ، وعبيد ابن عمرو (٤) بالرفع وتقدم تأويل ذلك و «ما كان» جواب «إذا» الشرطية (٥). وجعله أبو حيان دليلا على عدم إعمال جواب «إذا» فيها لأن «ما» لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. قال: وخالفت غيرها من أدوات الشرط ، حيث لم يقترن بالفاء جوابها إذا نفي بما (٦).

فصل

سمى قولهم حجة لوجوه :

الأول : لزعمهم أنه حجة.

الثاني : أن من كانت حجته هذا فليس له ألبتة حجة كقوله :

٤٤٤٥ ـ .........

تحيّة بينهم ضرب وجيع (٧)

__________________

(١) ذكره أحمد أيضا في مسنده ٢ / ٢٥٩ و ٢٧٢ و ٢٧٥ و ٣١٨ و ٩٣٤.

(٢) ذكره أيضا أحمد في مسنده ٢ / ٢٣٨ و ٢٧٢ و ٣٩٥ و ٤٩١ و ٤٩٩ و ٥٠٦.

(٣) انظر القرطبي ١٦ / ١٧٠ ـ ١٧٢.

(٤) رويت أيضا عن الحسن ـ رضي الله عنه ـ انظر الإتحاف ٣٩٠ والبحر المحيط ٨ / ٤٩ والكشاف ٣ / ٥١٣ ، والرفع على أساس أن حجتهم اسم كان والخبر «إِلَّا أَنْ قالُوا». والنصب على أن «حجتهم» خبر كان مقدم.

(٥) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٤٣٤ والدر المصون ٤ / ٨٤٠ والكشاف ٣ / ٥١٣.

(٦) بالمعنى من البحر المحيط ٨ / ٤٩ ، وباللفظ من الدر المصون ٤ / ٨٤٠.

(٧) عجز بيت من الوافر لعمرو بن معد يكرب وصدره :

وخيل قد دلفت لها بخيل

والخيل : الفرسان ، ودلفت : زحفت ، ووجيع موجع. يقول : إذا تلاقوا في الحرب جعلوا الضرب الوجيع بدلا من تحية بعضهم البعض والشاهد : جعل الضرب تحية على الاتّساع والمجاز ، وانظر الكتاب ٢ / ٣٢٣ و ٣ / ٥٠ والتصريح ١ / ٣٥٣ وابن يعيش ٢ / ٨٠ والخصائص ٤ / ٣٥ والرازي ٢٧ / ٢٧٠.

٣٦٧

الثالث : أنهم ذكروها في معرض الاحتجاج بها. واعلم أنهم احتجوا على إنكار البعث بهذه الشبهة وهي شبهة ضعيفة جدا ، لأنه ليس كل ما لا يحصل في الحال يجب أن يمتنع حصوله فإن كان حصول كل واحد منا كان معدوما من الأزل إلى الوقت الذي خلقنا فيه ، ولو كان عدم الحصول في وقت معين يدل على امتناع الحصول لكان عدم حصولنا في الأزل إلى وقت خلقنا يدل على امتناع حصولنا وذلك باطل.

قوله تعالى : (قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ).

فإن قيل : هذا الكلام مذكور لأجل جواب من يقول : (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) وهذا القائل ينكر وجود الإله ووجود القيامة فكيف يجوز إبطال كلامه بقوله : (قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ)؟ وهل هذا إلا إثبات الشيء بنفسه ، وهو باطل؟!

فالجواب : أنه تعالى ذكر الاستدلال بحدوث الحيوان والإنسان على وجود الإله القادر الفاعل الحكيم مرارا فقوله ههنا : (قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ) إشارة إلى تلك الدلائل التي بينها وأوضحها مرارا ، وليس المقصود من ذكر هذا الكلام إثبات الإله ، بل المقصود منه التنبيه على ما هو الدليل الحق القاطع في نفس الأمر. ولما ثبت أنّ الإحياء من الله ، وثبت أن الإعادة مثل الإحياء الأول ، وثبت أن القادر على الشيء قادر على مثله ثبت أن الله تعالى قادر على الإعادة ، وثبت أن الإعادة ممكنة في نفسها وثبت أن القادر الحكيم أخبر عن وقت وقوعها فوجب القطع بكونها حقا. وقوله تعالى : (ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ) إشارة إلى ما تقدم في الآية المتقدمة ، وهو أن كونه تعالى عادلا خالقا بالحق منزها عن الجور والظلم يقتضي صحة البعث والقيامة ، ثم قال : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) دلالة حدوث الإنسان والحيوان والنبات على وجود الإله القادر الحكيم ، ولا يعلمون أيضا أنه تعالى لما كان قادرا على الإيجاد ابتداء ، وجب أن يكون قادرا على الإعادة ثانيا.

قوله تعالى : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (٣٠) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (٣١) وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (٣٢) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٣) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٤) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ

٣٦٨

يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٣٧)

قوله تعالى : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) الآية لما احتج بكونه قادرا على الإحياء في المرة الثانية في الآيات المتقدمة ، عمّم الدليل فقال : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي لله القدرة على جميع الكائنات سواء كانت في السماوات أو في الأرض وإذا ثبت كونه تعالى قادرا على كلّ الممكنات وثبت أن حصول الحياة في هذه الدار ممكن إذ لو لم يكن ممكنا لما حصل في المرة الأولى ، فليزم من هاتين المقدمتين كونه تعالى قادرا على الإحياء في المرة الثانية. ولما بين تعالى إمكان القول بالحشر والنشر في هذين الطريقين ، ذكر تفاصيل أحوال القيامة (١) فأولها : قوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) في عامله وجهان :

أحدهما : أنه «يخسر» و «يومئذ» بدل من : (يَوْمَ تَقُومُ)(٢). والتنوين على هذا تنوين عوض عن جملة مقدرة ولم يتقدم من الجمل إلا (تَقُومُ السَّاعَةُ) فيصير التقدير : ويوم تقوم الساعة يومئذ تقوم الساعة. وهذا الذي قدروه ليس فيه مزيد فائدة ، فيكون بدلا توكيديّا(٣).

والثاني : أن العامل فيه مقدر ، قالوا لأن يوم القيامة حالة ثالثة ليست بالسّماء ولا الأرض ، لأنهما يتبدلان فكأنه قيل : ولله ملك السماوات والأرض والملك يوم تقوم. ويكون قوله : «يومئذ» معمولا ليخسر ، والجملة مستأنفة من حيث اللفظ ، وإن كان لها تعلق بما قبلها من حيث المعنى (٤).

فصل

اعلم أنّ الحياة والعقل والصحة كأنها رأس مال ، والتصرف فيها بطلب السعادة الأخروية يجري مجرى تصرف التاجر في ماله لطلب الربح والكفار قد أتعبوا أنفسهم في تصرفاتهم بالكفر والأباطيل فلم يجدوا في ذلك اليوم إلّا الحرمان والخذلان ودخول النار وذلك في الحقيقة نهاية الخسران (٥).

وثانيها : قوله : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) الظاهر أن الرؤية بصرية فيكون «جاثية»

__________________

(١) انظر في هذا تفسير الإمام فخر الدين الرازي ٢٧ / ٢٧٠ ـ ٢٧٢.

(٢) الكشاف ٣ / ٥١٣ والدر المصون ٤ / ٨٤٠ والرازي ٢٧ / ٢٧٢.

(٣) قاله في البحر المحيط ٨ / ٥٠ وانظر المرجع السابق وهو الدر المصون أيضا. قال أبو حيان : «فإن كان بدلا توكيدا وهو قليل جاز ذلك وإلّا فلا يجوز أن يكون بدلا». وانظر أيضا البيان لابن الأنباري ٢ / ٣٦٦ ، ومشكل إعراب القرآن لمكي ٢ / ٢٩٧.

(٤) انظر البحر المحيط والدر المصون المرجعين السابقين.

(٥) الرازي ٢٧ / ٢٧٢.

٣٦٩

حال (١). قال الليث : الجثو الجلوس على الركب كالجثيّ بين يدي الحاكم (٢) ، وذلك لأنها خائفة والمذنب مستوفز (٣). وقيل : مجتمعة ، ومنه الجثوة للقبر لاجتماع الأحجار عليه ، قال (الشاعر)(٤) (رحمه (٥) الله) :

٤٤٤٦ ـ ترى جثوتين من تراب عليهما

صفائح صمّ من صفيح منضّد (٦)

قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) (٧) ـ جاثية مجتمعة مرتقبة لما يعمل بها (٨). قال الزمخشري وقرىء : جاذية (٩) ـ بالذال المعجمة ـ قال : والجذو أشد من الجثو ، لأن الجاذي هو الذي يجلس على أطراف أصابعه ، وهو أشد استيفازا من الجاثي (١٠).

قوله : (كُلَّ أُمَّةٍ) العامة على الرفع بالابتداء ، و «تدعى» خبرها. ويعقوب بالنصب(١١) على البدل من (كُلَّ أُمَّةٍ) الأولى ، بدل نكرة موصوفة من مثلها.

قوله : إلى كتابها» أي إلى صحائف أعمالها ، فاكتفي باسم الجنس كقوله تعالى بعد ذلك: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا). قال سلمان الفارسي : إن في القيامة ساعة هي عشر سنين ، يخرّ الناس فيها جثاة على ركبهم ، حتى إبراهيم ينادي ربه لا أملك إلا نفسي. قوله : (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ) هذه الجملة معمولة لقول مضمر ، التقدير : يقال لهم اليوم تجزون و «اليوم» معمول لما بعده و (ما كُنْتُمْ) هو المفعول الثاني (١٢).

فإن قيل : الجثو على الركب إنما يليق بالخائف ، والمؤمنون لا خوف عليهم يوم القيامة!

فالجواب : أن الجاثي الآمن قد يشارك المبطل في مثل هذه الحالة (إلى) (١٣) أن يظهر كونه محقا.

__________________

(١) الدر المصون السابق أيضا.

(٢) انظر غريب القرآن ٤٠٥ والمجاز ٢ / ٢١٠ واللسان (جثا) ٥٤٦ والبحر ٨ / ٥٠ والقرطبي ١٦ / ١٧٤.

(٣) والمستوفز هو الذي رفع أليتيه ووضع ركبته. وانظر اللسان المرجع السابق.

(٤) لفظ الشاعر زائد من ب.

(٥) الجملة الدعائية تلك زائدة من أفقط.

(٦) من بحر الطويل لطرفة الشاعر الشهير يصف قبرين لغنيّ وفقير ، وهما سواء في هذين القبرين فلا يضر الفقير فقره ولا ينفع الغني غناه والشاهد : جثوتين مثنى جثوة بتثليث الفاء ضما وكسرا وفتحا وهي الحجارة. وروي في اللسان مصمّد وهي قافية بيت آخر في نفس القصيدة ، وانظر اللسان جثا ٥٤٦ والبحر المحيط ٨ / ٥٠ والسبع الطوال لابن الأنباري ٢٠٠ والقرطبي ١٦ / ١٧٤.

(٧) زيادة من أ.

(٨) البحر ٨ / ٥٠.

(٩) ولم تنسب إلى من قرأ بها. وانظر البحر ٨ / ٥٠ والإبدال لابن السكيت ١٠٨ وأمالي القالي ٢ / ١٢٠ وهي شاذة.

(١٠) الكشاف ٣ / ٥١٣.

(١١) وهي قراءة الأعرج أيضا المحتسب ٢ / ٢٦٢ ومختصر ابن خالويه ١٣٨.

(١٢) الكشاف ٣ / ٥١٣ والدر المصون ٤ / ٨٤١.

(١٣) سقط من ب وانظر الرازي ٢٧ / ٢٧٢.

٣٧٠

فإن قيل : كيف أضيف الكتاب إليهم وإلى الله تعالى؟

فالجواب : لا منافاة بين الأمرين ، لأنه كتابهم ، بمعنى أنه الكتاب المشتمل على أعمالهم ، وكتاب الله بمعنى أنه هو الذي أمر الملائكة بكتبه.

قوله : (يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ) أي يشهد عليكم بأعمالكم من غير زيادة ولا نقصان. وقيل : المراد بالكتاب اللوح المحفوظ (١). و «ينطق» يجوز أن يكون حالا ، وأن يكون خبرا ثانيا ، وأن يكون «كتابنا» بدلا و «ينطق» خبر وحده و «بالحق» حال (٢).

قوله : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم أي بكتبها وإثباتها عليكم وقيل : نستنسخ أي نأخذ نسخة ، وذلك أن الملكين يرفعان عمل الإنسان فيثبت الله منه ما كان إلا ثواب أو عقاب ، ويطرح منه اللغو ، نحو قولهم : هلم ، واذهب ، فالاستنساخ من اللوح المحفوظ تنسخ الملائكة كل عام ما يكون من أعمال بني آدم. والاستنساخ لا يكون إلا من أصل كما ينسخ كتاب من كتاب. وقال الضحاك : نستنسخ أي نثبت. وقال السدي : نكتب. وقال الحسن : نحفظ (٣). ثم بين أحوال المطيعين فقال : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) فوصفهم بالعمل الصالح بعد وصفهم بالإيمان يدل على أن العمل الصالح مغاير للإيمان زائد عليه (٤).

فصل

قالت المعتزلة : علّق الدخول في رحمة الله على كونه آتيا بالإيمان والعمل الصالح والمعلق على مجموع أمرين يكون عدما عند عدم أحدهما ، فعند عدم الأعمال الصالحة يجب أن لا يحصل الفوز بالجنة!

وأجيب : بأن تعليق الحكم على الوصف لا يدل على عدم الحكم عند عدم الوصف (٥).

فصل

سمى الثواب رحمة ، والرحمة إنما يصح تسميتها بهذا الاسم إذا لم (تكن) (٦) واجبة ، فوجب أن لا يكون الثواب واجبا على الله تعالى.

قوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ) هذا على إضمار القول أيضا ، وقدر الزمخشري

__________________

(١) الرازي ٢٧ / ٢٧٢.

(٢) انظر البيان لابن الأنباري ٢ / ٣٦٦.

(٣) القرطبي ١٦ / ١٧٥ و ١٧٦ والبحر المحيط ٨ / ٥١.

(٤ و ٥) قاله الإمام الرازي في تفسيره الكبير ٢٧ / ٢٧٢ و ٢٧٣.

(٦) ساقطة من أالأصل.

٣٧١

على عادته جملة بين الهمزة والفاء أي ألم تأتكم (١) رسلي فلم تكن آياتي؟ (٢)

فصل

ذكر الله المؤمنين والكافرين ولم يذكر قسما ثالثا ، وهذا يدل على أن مذهب المعتزلة في إثبات منزلة بين المنزلتين باطل ، وفي الآية دليل على أن استحقاق العقوبة ، لا يحصل إلا بعد مجيء الشرع وعلى أن الواجبات لا تجب إلا بالشرع خلافا للمعتزلة في قولهم : إنّ بعض الواجبات قد تجب بالعقل (٣).

قوله : (وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) العامة على كسر الهمزة لأنها محكيّة بالقول. والأعرج وعمرو بن فائد بفتحها (٤). وذلك مخرّج على لغة سليم يجرون القول مجرى الظّنّ مطلقا ومنه قوله :

٤٤٤٧ ـ إذا قلت أنّي آيب أهل بلدة

 ......... (٥)

قوله : «والسّاعة» قرأ حمزة بنصبها عطفا على (وَعْدَ اللهِ)(٦) والباقون برفعها ، وفيه ثلاثة أوجه :

الأول : الابتداء ، وما بعدها من الجملة المنفية خبرها (٧).

الثاني : العطف على محل إنّ واسمها معا ، لأن بعضهم كالفارسيّ والزمخشري يرون أن ل «إنّ» واسمها موضعا وهو الرفع بالابتداء (٨).

__________________

(١) في ب يأتكم بالياء.

(٢) الكشاف ٣ / ٥١٣ وقد ردّه أبو حيان كثيرا وتكرارا. انظر البحر ٨ / ٥١.

(٣) الرازي ٢٧ / ٣٧٣.

(٤) قراءة شاذة انظر مختصر ابن خالويه ١٣٨.

(٥) صدر بيت من الطويل للحطيئة في وصف جمل وعجزه :

وضعت بها عنه الولية بالهجر

والولية : ما يوضع فوق ظهر البعير تحت الرجل ، والهجر : نصف النهار عند اشتداد الحر. وآيب راجع. والشاهد فتح الهمزة بعد القول ، فالقول هنا بمعنى الظن على لغة سليم وأن ومعمولاها سدت مسد المفعولين. وانظر التصريح ١ / ٦٢ ، والأشموني ٢ / ٣٨ والدر المصون ٤ / ٨٤١ ، والديوان ٢٢٥.

(٦) السبعة ٥٩٥.

(٧) البيان ٢ / ٣٦٦.

(٨) الدر المصون ٤ / ٨٤٢ وقد قال المبرد في المقتضب : وتقول : إن زيدا منطلق وعمرا ، وإن شئت وعمرو ، وأحد وجهي الرفع ـ وهو الأجود منهما ـ أن تحمله على موضع «إنّ» ، لأن موضعها الابتداء. فإذا قلت : إنّ زيدا منطلق فمعناه زيد منطلق. وانظر المقتضب ٤ / ١١. وهامشه أيضا ٤ / ١١٣.

وقال أبو علي في الحجة ٧ / ١٥٣ : «والرفع الذي هو قراءة الجمهور من وجهين :

أحدهما : أن تقطعه من الأول ، فتعطف جملة على جملة. والآخر أن يكون المعطوف محمولا على موضع إن وما عملت فيه. وموضعها رفع» وانظر الحجة السابق.

وقال الزمخشري في الكشاف : «وبالرفع عطفا على محل إنّ واسمها». الكشاف ٣ / ٥١٣ ، كما ذكر ـ

٣٧٢

قوله : (إِلَّا ظَنًّا) هذه الآية لا بدّ فيها من تأويل ، وذلك أنه يجوز تفريغ العامل لما بعده من جميع معمولاته مرفوعا كان أم غير مرفوع ، إلا المفعول المطلق ، فإنه لا يفرغ له ، لا يجوز : ما ضربت إلّا ضربا لأنه لا فائدة فيه ، وذلك أنه بمنزلة تكرير الفعل ، فكأنه في قوة : ما ضربت إلّا ضربت. قاله (١) مكي وأبو البقاء (٢). وقال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى : إن نظنّ إلّا ظنّا؟ قلت : أصله نظن ظنّا ، ومعناه إثبات الظن حسب ، وأدخل حرف النفي والاستثناء ليفاد إثبات الظن ونفي ما سواه ويزيد نفي ما سوى الظن توكيدا بقوله : (وَما نَحْنُ (٣) بِمُسْتَيْقِنِينَ). فظاهر كلامه أنه لا يتأول الآية بل حملها على ظاهرها.

قال أبو حيان : وهذا كلام من لا شعور له بالقاعدة النحوية من أن التفريغ يكون في جميع المعمولات من فاعل أو مفعول وغيرهما إلا المصدر المؤكد ، فإنه لا يكون فيه (٤). وقد اختلف الناس في تأويلها على أوجه :

أحدها : ما قاله المبرد وهو أن الأصل : إن نحن إلّا نظنّ ظنّا (٥) قال : ونظيره ما حكاه أبو عمرو (٦) : ليس الطّيب إلّا المسك. تقديره ليس إلا الطيب المسك. قال شهاب الدين : يعني أن اسم «ليس» ضمير الشأن مستتر فيها و «إلا الطيب المسك» في محل نصب خبرها. وكأنه خفي عليه أن لغة تميم إبطال عمل ليس إذا انتقض نفيها «بإلا» قياسا على «ما الحجازية». والمسألة طويلة مذكورة في كتب النحو (٧) ، وعليها حكاية جرت بين أبي عمرو ، وعيسى بن عمر(٨).

__________________

ـ ذلك في المفصل ، ورده عليه ابن يعيش قائلا : «وقول صاحب الكتاب ، ولأن محل المكسورة وما عملت فيه الرفع جاز في قولك : إنّ زيدا ظريف وعمرا أن ترفع المعطوف ليس بسديد ، لأن إن وما عملت فيه ليس للجميع موضع من الإعراب ، لأنه لم يقع موقع المفرد ، وإنما المراد موضع اسم إن قبل دخولها على تقدير سقوط إن وارتفاع ما بعدها بالابتداء». انظر ابن يعيش ٨ / ٦٧.

(١) قال : «لأن المصدر فائدته كفائدة الفعل ، فلو جرى الكلام على غير حذف لصار تقديره إن نظن إلّا نظن وهذا كلام ناقص ، ولم يجر النحويون : ما ضرب إلّا ضربا لأن معناه ما ضربت إلّا ضربت ؛ وهذا كلام لا فائدة فيه». انظر المشكل ٢ / ٢٩٨.

(٢) التبيان ١١٥٣.

(٣) الكشاف ٣ / ٥١٣ و ٥١٤.

(٤) البحر المحيط ٨ / ٥٢.

(٥) انظر الدر المصون ٤ / ٨٤٣ ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٩٨.

(٦) وقد قال أبو عمرو : ليس في الأرض حجازيّ إلّا وهو وينصب ، وليس في الأرض تميمي إلّا وهو يرفع. وانظر ذيل الأمالي والنوادر ٣٩ ، وإنباه الرواة على أنباه النحاة ٤ / ١٤٠ و ١٣١.

(٧) فقد قال سيبويه في الكتاب : «وقد زعم بعضهم أن ليس تجعل كما ، وذلك قليل ، لا يكاد يعرف ، فهذا يجوز أن يكون منه : ليس خلق الله أشعر منه ... هذا كله سمع من العرب. والوجه والحد أن تحمله على أن في ليس إضمارا وهذا مبتدأ كقوله : إنه أمة الله ذاهبة ، إلّا أنهم زعموا أن بعضهم قال : ليس الطيب إلّا المسك ، وما كان الطيب إلّا المسك». انظر الكتاب ١ / ١٤٧ ، والدر المصون ٤ / ٨٤٣.

(٨) حكاها القالي في ذيل الأمالي والنوادر ٣٩.

٣٧٣

الثاني : أنّ «ظنّا» له صفة محذوفة تقديره : إلّا ظنّا بيّنا ، فهو مختص لا مؤكد (١).

الثالث : أن يضمن (نظن) معنى «نعتقد» فينتصب «ظنا» مفعولا به لا مصدرا (٢).

الرابع : أن الأصل إن نظنّ إلّا أنّكم تظنّون ظنّا ، فحذف هذا كله وهو معزوّ للمبرد أيضا(٣). وقد رده عليه من حيث إنه حذف إنّ واسمها وخبرها وأبقى المصدر. وهذا لا يجوز (٤).

الخامس : أن الظن يكون بمعنى العلم والشك ، فاستثني الشك كأنه قيل : ما لنا اعتقاد إلّا الشك (٥). ومثل الآية قول الأعشى :

٤٤٤٨ ـ وحلّ به الشّيب أثقاله

وما اغترّه الشّيب إلّا اغترارا (٦)

يريد اغترارا بينا.

فصل

قال ابن الخطيب : القوم كانوا في هذه المسألة على قولين ، منهم من كان قاطعا بنفي البعث والقيامة وهم المذكورون في قوله تعالى : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) ومنهم من كان شاكّا متحيرا فيه لأنهم من كثرة ما سمعوه من الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ولكثرة ما سمعوه من دلائل القول بصحّته صاروا شاكين فيه ، وهم المذكورون في هذه الآية ، ويدل على ذلك أنه تعالى حكى مذهب أولئك القاطعين ، ثم أتبعه بحكاية قول هؤلاء ، فوجب كون هؤلاء مغايرين للفريق الأول. ثم قال : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ) أي

__________________

(١) ذكره ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٦٧ ، وانظر البحر المحيط ٨ / ٥١.

(٢) المرجع الأخير السابق ، وقال أبو البقاء : «وقيل هي في موضعها لأن (نظن) قد تكون بمعنى العلم والشك ، فاستثنى الشك أي ما لنا اعتقاد إلّا الشك» ، التبيان ١١٥٣.

(٣) ذكر هذا التقدير مكي في مشكل الإعراب ٢ / ٢٩٨ لكن لم ينسبه إليه ولا إلى غيره. وقد نسبه إليه أبو حيان في البحر ٨ / ٥٢ وقال : ولعلّه لا يصح. ونسبه إليه السمين في الدر المصون ٤ / ٨٤٣ نقلا عن أستاذه وشيخه أبي حيان.

(٤) هذا رأي أبي البقاء المرجع السابق الأخير.

(٥) هذا رأي أبي البقاء في التبيان كما سبق ١١٥٣.

(٦) هو له من بحر المتقارب ، والمعنى أن الشيب جعله غافلا عما هو فيه غفلة واضحة. واغترارا من قولهم : اغتررت الرجل أي طلبت غفلته. والشاهد : ما اغتره الشيب إلّا اغترارا حيث صح التنظير بالبيت على أن يحمل اغترارا على الموصوف الذي حذف صفته كما ذكر أعلى ، فهو من الوجه الثاني الذي ذكره وقال الإمام ابن يعيش : «والتقدير : إن نحن إلّا نظنّ ظنا ، وما اغتره إلّا الشيب اغترارا ، فكان إلّا في غير موقعها فهي مؤخرة والنية بها التقديم». وانظر شرح المفصل ٧ / ١٠٧ وشرح الرضي على الكافية ١ / ٢٣٦ والبحر ٨ / ٥٢ ، والدر المصون ٤ / ٨٤٤ ، والمغني ٢٩٥ وشرح شواهده للسيوطي ٧٠٤ ، وتمهيد القواعد ٢ / ٥٤٢ والديوان ٨٠.

٣٧٤

في الآخرة (سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) أي جزاؤها «وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون» وهذا كالدليل على أن هذه الفرقة لما قالوا : إن نظنّ إلّا ظنا إنما ذكروه استهزاء وسخرية ، وعلى هذا الوجه فصار ذلك أول خسرانهم ، فهذا الفريق أسوأ من الفريق الأول ، لأن الأولين كانوا منكرين ، وما كانوا مستهزئين وهؤلاء ضموا إلى الإصرار على الإنكار الاستهزاء.

قوله : (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ) أي نترككم في العذاب ، كما تركتم الإيمان والعمل ولقاء هذا اليوم. وقيل : نجعلكم بمنزلة الشيء المنسي غير المبالى به ، كما لم تبالوا أنتم بلقاء يومكم هذا ولم تلتفتوا إليه (١).

قوله : (لِقاءَ يَوْمِكُمْ) هذا من التوسع في الظرف ، حيث أضاف إليه ما هو واقع فيه ، كقوله : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ : ٣٣].

قوله : (وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) فجمع الله عليهم من وجوه العذاب ، ثلاثة أشياء ، قطع الرحمة عنهم ، وصيّر مأواهم النار ، وعدم الأنصار ، ثم بين تعالى أن يقال لهم : إنما صرتم مستحقين لهذه الوجوه الثلاثة من العذاب ، لأنكم أتيتم ثلاثة أنواع من الأعمال القبيحة ، وهي الإصرار على إنكار الدين الحق والاستهزاء به ، والسخرية والاستغراق في حب الدنيا ، وهو المراد بقوله تعالى : (ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا)(٢).

قوله : (فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) تقدم الخلاف في قوله : (لا يُخْرَجُونَ مِنْها) في أول الأعراف (٣) ، وأن حمزة والكسائيّ قرءا بفتح الياء وضم الراء ، والباقون بضم الياء وفتح الراء (٤). (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) لا يطلب منهم أن يرجعوا إلى طاعة الله ، لأنه لا يقبل في ذلك اليوم عذر ولا توبة (٥) قوله تعالى : (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ) قرأ العامة «ربّ» في الثلاثة بالجر تبعا للجلالة ، بيانا ، أو بدلا ، أو نعتا ، وابن محيصن برفع الثلاثة على المدح بإضمار (٦) «هو».

قوله : (وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ) يجوز أن يكون (فِي السَّماواتِ) متعلقا بمحذوف حالا من «الكبرياء» وأن يتعلق بما تعلق به الظروف الأول ، لوقوعه خبرا. ويجوز أن

__________________

(١) الرازي ٢٧ / ٢٧٤.

(٢) الرازي المرجع السابق.

(٣) يقصد قوله :«وَمِنْها تُخْرَجُونَ» من الآية ٢٥ ، فقد قرأ الأخوان (حمزة والكسائي) بالبناء للفاعل وكذا هنا في الجاثية ، وقرأ الباقون بضم التاء وفتح الراء في الأعراف وكذا هنا على البناء للمفعول.

وانظر الإتحاف ٣٩٠ ، والسبعة ٢٧٩ ، والكشف ٢ / ٢٦٩ ، وتقريب النشر ١٧٣.

(٤) انظر المراجع السابقة.

(٥) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٤٣٦.

(٦) قراءة شاذة ذكرها البحر إلمحيط ٩٨ / ٥٢ وشواذ القرآن ٢٢١.

٣٧٥

يتعلق بنفس «الكبرياء» لأنها مصدر (١). وقال أبو البقاء : «وأن يكون ـ يعني في السماوات ـ ظرفا والعامل فيه الظرف الأول ، والكبرياء ، لأنها بمعنى (٢) العظمة». قال شهاب الدين : ولا حاجة إلى تأويل الكبرياء بمعنى العظمة فإنها ثابتة المصدرية (٣).

فصل

لما تم الكلام في المباحث الرّوحانيّة ختم السورة بتحميد الله تعالى فقال : (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي فاحمدوا الله الذي هو خالق السماوات والأرضين ، بل خالق كل العالمين من الأجسام والأرواح والذوات والصفات ، فإن هذه الرّبوبيّة توجب الحمد والثناء على كل من المخلوقين والمربوبين.

ثم قال : (وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) يعني بكمال قدرته ، يقدر على خلق أي شيء أراد (٤) ، (و) (٥) بكمال حكمته يخص كل نوع من مخلوقاته بآثار الحكمة والرحمة.

وقوله : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) يفيد أن الكامل في القدرة وفي الحكمة وفي الرحمة ليس إلّا هو (٥). روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقول الله عزوجل : «الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما أدخلته النّار». وروى أبي بن كعب ـ (رضي الله عنه (٦) ـ) قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من قرأ سورة حم الجاثية ستر الله عورته وسكّن (٧) روعته يوم الحساب.

__________________

(١) الدر المصون ٤ / ٨٤٤.

(٢) التبيان ١١٥٣.

(٣) الدر المصون المرجع السابق.

(٤) الواو سقطت من ب.

(٥) انظر في هذا الرازي ٢٧ / ٢٧٥.

(٥) انظر في هذا الرازي ٢٧ / ٢٧٥.

(٦) سقط من ب.

(٧) الكشاف ٣ / ٥١٤.

٣٧٦

سورة الأحقاف

مكية (١) ، وهي خمس (٢) وثلاثون آية ، وستمائة وأربع وأربعون كلمة وألفان وخمسمائة وخمسة وتسعون حرفا.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى : (حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (٣) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (٥) وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (٦) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(٨)

قوله تعالى : (حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى) تقدم الكلام على نظير ذلك. والمراد ههنا بالأجل المسمى يوم القيامة ، وهو الأجل الذي ينتهي إليه السماوات والأرض وهو إشارة إلى قيامها (٣).

قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا) يجوز أن تكون «ما» مصدرية أي عن إنذارهم أو بمعنى الذي أي عن الذي أنذروه و «عن» متعلقة بالإعراض و «معرضون» خبر الموصول.

__________________

(١) في قول الجميع.

(٢) وقيل أربع. انظر القرطبي ١٦ / ١٧٨.

(٣) السابق.

٣٧٧

قوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) تقدم حكم (أَرَأَيْتُمْ)(١). ووقع بعد هذه «أروني» فاحتملت وجهين :

أحدهما : أن تكون توكيدا لها ، ولأنهما بمعنى أخبروني ، وعلى هذا يكون المفعول الثاني (لأرأيتم) قوله (ما ذا خَلَقُوا) إلا أنه استفهام ، والمفعول الأول هو قوله : (ما تَدْعُونَ).

الوجه الثاني : أن لا تكون مؤكدة لها وعلى هذا تكون المسألة من باب التنازع ، لأن (أرأيتم) يطلب ثانيا و «أروني» كذلك ، وقوله : (ما ذا خَلَقُوا) هو المتنازع فيه ، وتكون المسألة من إعمال الثاني ، والحذف من الأول (٢).

وجوز ابن عطية في (أَرَأَيْتُمْ) أن لا يتعدى ، وجعل (ما تَدْعُونَ) استفهاما معناه التوبيخ. قال : «وتدعون» معناه (٣) تبعدون. وهذا رأي الأخفش ، وقد قال بذلك في قوله : (قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ) [الكهف : ٦٣] وقد تقدم.

قوله : (مِنَ الْأَرْضِ) هذا بيان للإبهام الذين في قوله : (ما ذا خَلَقُوا).

قوله : «أم لهم» هذه «أم» المنقطعة ، والشّرك المشاركة ، وقوله : (مِنْ قَبْلِ هذا) صفة لكتاب أي بكتاب منزل من قبل هذا ، كذا قدرها أبو البقاء (٤) ، والأحسن أن يقدر كون مطلق أي كائن من قبل هذا.

قوله : (أَوْ أَثارَةٍ) العامة على أثارة ، وهي مصدر على فعالة ، كالسّماحة ، والغواية والضّلالة ومعناها البقية من قولهم : سمنت الناقة على أثارة من لحم إذا كانت سمينة ، ثم هزلت ، وبقي بقية من شحمها ثم سمنت. والأثارة غلب استعمالها في بقية الشرف ، يقال : لفلان أثارة أي بقية شرف ، وتستعمل في غير ذلك (٥) قال الراعي :

٤٤٤٩ ـ وذات أثارة أكلت عليها

نباتا في أكمّته قفارا (٦)

وقيل : اشتقاقها من أثر كذا أي أسنده. ومنه قول عمر : «ما خلّفت به ذاكرا ولا

__________________

(١) من أن معناه الإخبار أي أخبروني عن الذين تدعون من دون الله وهي الأصنام.

(٢) على رأي غير البصريين وهم الكوفيون لسبقه. وانظر البحر المحيط ٨ / ٥٤ و ٥٥.

(٣) البحر المحيط السابق.

(٤) التبيان ١١٥٤.

(٥) كالعلامة وبقية العلم أو شيء مأثور من كتب الأولين انظر اللسان أثر ٢٤ / ٢٥ و ٢٦ ومعاني القرآن للزجاج ٤ / ٤٣٨ والبحر المحيط ٨ / ٥٥ وغريب القرآن ٤٠٧ ومجاز القرآن ٢ / ٢١٢.

(٦) البيت للراعي كما في مجاز القرآن ٢ / ٢١٣ ، ونسبه صاحب اللسان إلى الشماخ ، ولم أجده بديوانه ولكنه في ديوان الراعي ٣٤٢ وهو من الوافر. والشاهد : وذات أثارة أي بقية من لحم ، والبيت في الديوان ٣٤٢ ، بلفظ عليه ، وفي البحر علينا. وانظر البحر ٨ / ٥٥ ، والمجاز ٢ / ٢١٢ ، والقرطبي ١٦ / ١٨٢ واللسان أثر والطبري ٢٦ / ٣.

٣٧٨

آثرا» (١) أي مسندا له عن غيري. وقال الأعشى :

٤٤٥٠ ـ إنّ الّذي فيه تماريتما

بيّن للسّامع والآثر (٢)

وقيل فيها غير ذلك. وقرأ عليّ وابن عبّاس وزيد بن عليّ وعكرمة في آخرين : أثرة دون ألف (٣). وهي الواحدة وتجمع على أثر ، كقترة ، وقتر. وقرأ الكسائي : أثرة ، وإثرة بضم الهمزة وكسرها مع سكون الثاء (٤). وقتادة والسّلميّ بالفتح والسكون (٥). والمعنى بما يؤثر ويروى ، أي ائتوني بخبر واحد يشهد بصحة قولكم. وهذا على سبيل التنزل للعلم بكذب المدعي (٦). و (مِنْ عِلْمٍ) صفة لأثارة.

فصل

قال أبو عبيدة (٧) والفرّاء (٨) والزّجّاج (٩) أثارة من علم أي بقية. قال المبرد : أثارة ما يؤثر من علم كقولك : هذا الحديث يؤثر عن فلان ، ومن هذا المعنى سميت (١٠) الأخبار والآثار ، يقال: جاء في الأثر كذا وكذا. قال الواحدي : وكلام أهل اللغة في هذا الحرف يدور على ثلاثة أقوال :

الأول : الأثارة (١١) واشتقاقها من أثرت الشيء أثيره إثارة ، كأنها بقية تستخرج فتثار.

والثاني : من الأثر الذي هو الرواية.

والثالث : من الأثر بمعنى العلامة (١٢).

__________________

(١) في اللسان : والاستئثار الانفراد بالشيء ، ومنه حديث عمر : فو الله ما أستأثر بها عليكم ولا آخذها دونكم ، وفي حديثه الآخر لما ذكر له عثمان للخلافة قال : أخشى حفده وأثرته ، أي إيثاره. اللسان أثر ٢٦.

(٢) هو له من الرجز وشاهده كالحديث السابق لعمر والبيت روايته هكذا في اللسان والبحر والقرطبي ولم أجده بتلك الرواية في ديوانه ٩٢ ، ٩٣ وإنما برواية :

ليأتينه منطق سائر

مستوسق للمسمع الآثر

من قصيدة يمدح فيها عامر بن الطفيل ويهجو فيها علقمة بن علاثة انظر الديوان ٩٤ ، والبحر ٨ / ٥٥ والقرطبي ١٦ / ١٨٢ واللسان أثر ٢٥.

(٣) قراءة شاذة غير متواترة انظر الكشاف ٣ / ٥١٥ والقرطبي ١٦ / ١٨٢ ونسبها إلى السلمي وأبي رجاء والحسن.

(٤) الكشاف ٣ / ٥١٥ والقرطبي السابق.

(٥) الكشاف وهي قراءة أخرى للسلمي مع آخرين. انظر البحر ٨ / ٥٥ وكلها شاذة وإن كانت جائزة لغة.

(٦) البحر المحيط ٨ / ٥٥.

(٧) مجاز القرآن ٢ / ٢١٢.

(٨) معاني القرآن له ٢ / ٥٠.

(٩) معاني القرآن له أيضا ٤ / ٤٣٨ وهو أحد أقواله في هذا.

(١٠) في الرازي ٢٨ / ٤ سميت الأخبار بالآثار.

(١١) في الرازي البقية بدل الأثارة.

(١٢) الرازي المرجع السابق.

٣٧٩

قال الكلبي في تفسير الأثارة : أي بقية من علم يؤثر عن الأولين أي (١) يسند إليهم. وقال مجاهد وعكرمة ومقاتل : رواية عن الأنبياء. وقال مجاهد : خاصة من علم. قال ابن الخطيب : وههنا قول آخر في تفسير (قوله (٢)) تعالى : (أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) هو علم الخط الذي يخط في الرمل والعرب كانوا يخطونه وهو علم مشهور. وعن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : «كان نبيّ من الأنبياء يخطّ فمن وافق خطّه خطّه علم علمه» فعلى هذا الوجه معنى الآية ائتوني بعلم من قبل هذا الخط الذي تخطونه في الرمل على صحة مذهبكم في عبادة الأصنام. فإن صحّ تفسير الآية بهذا الوجه كان ذلك من باب التّهكّم بهم وأقوالهم ودلائلهم (٣).

قوله : (وَمَنْ أَضَلُّ) مبتدأ وخبر. وقوله (مَنْ لا يَسْتَجِيبُ) من نكرة موصوفة أو موصولة ، وهي مفعولة بقوله : «يدعو».

قوله : (وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ) يجوز أن يكون الضّميران عائدين على من (٤) في قوله : (مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ) وهم الأصنام ويوقع عليهم من معاملتهم إياها معاملة العقلاء ولأنه أراد جميع من عبد من دون الله وغلب العقلاء ، ويكون قد راعى معنى «من» فلذلك جمع في قوله : «وهم» بعد ما راعى لفظها فأفرد في قوله «ويستجيب» وقيل : يعود على «من» في قوله : (وَمَنْ أَضَلُّ) وحمل أولا على لفظها ، فأفرد في قوله «يدعو» ، وثانيا على معناها فجمع في قوله : (وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ)(٥).

فصل (٦)

(وَمَنْ أَضَلُّ) استفهام على سبيل الإنكار والمعنى لا أحد أبعد عن الحق وأقرب إلى الجهل ممن يدعو من دون الله الأصنام ، فيتخذها آلهة ويعبدها ، وهي إذا دعيت لا تسمع ، ولا تجيب لا في الحال ولا في المآل إلى يوم القيامة. وإنما جعل ذلك غاية ، لأن يوم القيامة قد قيل : إنه تعالى يحييها ، ويخاطب من يعبدها ، فلذلك جعله الله تعالى حدّا وإذا قامت القيامة وحشر الناس فهذه الأصنام تعادي هؤلاء العابدين (٧). واختلفوا فيه فالأكثرون على أنه تعالى يحيي هذه الأصنام يوم القيامة فتتبرأ من عبادتهم. وقيل : المراد عبدة الملائكة وعيسى ، فإنهم في يوم القيامة يظهرون عبادة هؤلاء العابدين وهو المراد بقوله : (وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) أي جاحدين كقوله : (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) [القصص : ٦٣].

__________________

(١) ذكرها القرطبي في الجامع ١٦ / ١٨٢.

(٢) سقط من أالأصل.

(٣) قاله في تفسيره ٢٨ / ٤ و ٥.

(٤) ما بين القوسين هذا ساقط من أالأصل بسبب انتقال النظر.

(٥) بالمعنى من البحر المحيط لأبي حيان ٨ / ٥٥ و ٥٦.

(٦) في ب قوله بدل «فصل».

(٧) الرازي ٢٨ / ٥ و ٦.

٣٨٠