اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٧

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٧

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٨٤

فالجواب : لأنهم (١) كانوا منكرين البعث فلما شاهدوا هذا الإحياء بعد الإماتة مرتين لم يبق لهم عذر في الإقرار بالبعث فلا جرم وقع هذا الإقرار كالمسبب عن تلك الإماتة والإحياء.

واعلم أنهم لما قالوا فهل إلى خروج من سبيل فالجواب الصريح عنه أن يقال : لا أو نعم وهو تعالى لم يقل ذلك بل قال كلاما يدل على أنه لا سبيل لهم إلى الخروج وهو قوله (ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ) أي ذلك الذي أنتم فيه من العذاب والخلود من النار وأن لا سبيل لكم إلى خروج قط إنما وقع بسبب كفرهم بتوحيد الله ، أي إذا قيل لا إله إلا الله كفرتم وقلتم (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) [ص : ٥] (وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) أي تصدقوا ذلك الشرك (٢).

قوله «وحده» فيه وجهان :

أحدهما : أنه مصدر في موضع الحال ، وجاز كونه معرفة لفظا لكونه في قوة النكرة ، كأنه قيل : منفردا (٣).

والثاني ـ وهو قول يونس ـ : أنه منصوب على الظرف والتقدير : دعي على حياله (٤). وهو (٥) مصدر محذوف الزوائد ، والأصل أوحدته إيحادا.

قوله (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ) حيث حكم عليكم بالعذاب السّرمد. وقوله : (الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) يدل على الكبرياء والعظمة الذي لا أعلى منه ولا أكبر.

قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (١٣) فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (١٤) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (١٦) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ)(١٧)

قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ) ليدل على كمال قدرته وحكمته وأنه لا يجوز

__________________

(١) في ب : أنهم.

(٢) انظر الرازي ٢٧ / ٣٩ ، ٤١.

(٣) هذا قول إمام النحاة قال : جعلوا ما أضيف ونصب نحو : خمستهم بمنزلة طاقته وجهده ووحده ، وجعلوا الجماء الغفير بمنزلة العراك. انظر الكتاب ١ / ٣٧٧ وشرح ابن يعيش ٢ / ٦٣.

(٤) وفي الكتاب أيضا : «وزعم يونس أن وحده بمنزلة عنده جعل يونس نصب وحدة كأنك قلت : مررت برجل على حياله فطرحت «على» فمن ثم قال : هو مثل عنده». المرجع السابق ١ / ٣٧٨ ، ٣٧٧ وفيه ثالث للخليل ، وهو النصب على المصدر وقال سيبويه : وزعم الخليل ـ رحمه‌الله ـ أنه لم يستعمل.

الكتاب ١ / ٣٧٤ وانظر في هذا أيضا الدر المصون ٤ / ٦٨٠.

(٥) في ب وهي بالتأنيث.

٢١

جعل هذه الأحجار المنحوتة والخشب المصور شركاء لله تعالى في المعبودية ، ثم قال (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً) يعني المطر الذي هو سبب الأرزاق. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «ينزل» خفيفة والباقون بالتشديد (١).

واعلم أن أهم المهمّات رعاية مصالح الأديان ومصالح الأبدان ، فالله تعالى يراعي مصالح أديان العباد بإظهار البيّنات والآيات وراعى مصالح العباد بأبدانهم بإنزال الرزق من السماء فموقع الآيات من الأديان كموقع الأرزاق من الأبدان وعند حصولها يحصل الإنعام الكامل.

ثم قال (وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) أي ما يتعظ بهذه الآيات إلا من يرجع إلى الله في جميع أموره فيعرض عن غير الله ويقبل بالكليّة على الله تعالى ولهذا قال (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) عن الشرك ولو كره الكافرون (٢).

قوله تعالى : (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون مبتدأ والخبر «ذو العرش» و (يُلْقِي الرُّوحَ) يجوز أن يكون خبرا ثانيا ، وأن يكون حالا ، ويجوز أن يكون الثلاثة أخبارا لمبتدأ محذوف ، ويجوز أن يكون الثلاثة أخبارا لقوله (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ)(٣) قال الزمخشري : ثلاثة أخبار يجوز أن تكون مترتبة على قوله (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ) أو أخبار مبتدأ محذوف وهي مختلفة تعريفا وتنكيرا (٤) ، قال شهاب الدّين: أما الأول ففيه طول الفصل وتعدد الأخبار ، وليست في معنى خبر واحد ، (وأما (٥) الثاني ففيه تعدد الأخبار وليست في معنى خبر واحد) وهي مسألة خلاف ولا يجوز أن يكون (ذُو الْعَرْشِ) صفة «لرفيع الدرجات» إن جعلناه صفة مشبهة ، أما إذا جعلناه مثال مبالغة أي يرفع درجات المؤمنين فيجوز ذلك على أن يجعل إضافته محضة ، وكذلك عند من يجوّز تمحّض إضافة الصفة المشبهة أيضا (٦). وقد تقدم ، وقرىء «رفيع» (٧) بالنصب على المدح.

فصل

لما ذكر من صفات كبريائه كونه مظهرا للآيات منزلا للأرزاق ذكر في هذه الآية

__________________

(١) الإتحاف ٣٧٨.

(٢) وانظر تفسير الفخر ٢٧ / ٤٢.

(٣) انظر هذه الإعرابات في الدر المصون ٤ / ٦٨١ والتبيان ١١١٧ واختار النحاس في الإعراب ٤ / ٢٨ أن يكون «رفيع» خبر مبتدأ محذوف فقط.

(٤) كشاف الزمخشري ٣ / ٤١٩.

(٥) ما بين القوسين كله سقط من ب بسبب انتقال النظر والفقرة بكاملها في الدر المصون ٤ / ٦٨٠ ، ٦٨١.

(٦) الدر المصون ٤ / ٦٨١.

(٧) نقلت في البحر والكشاف بدون نسبة لمن قرأ بها وأجازها الأخفش في معانيه عربية ولم يحكها قراءة انطر البحر ٧ / ٤٥٤ والكشاف ٣ / ٤١٧ ومعاني الأخفش ، وانظر أيضا الجامع لأحكام القرآن ١٥ / ٢٢٩ وإعراب القرآن للنحاس ٤ / ٢٨ والدر المصون ٤ / ٦٨١.

٢٢

ثلاثة أخرى من صفات الجلال والعظمة وهو قوله رفيع الدرجات وهذا يحتمل أن يكون المراد منه الرافع وأن يكون المراد منه المرتفع ، فإن حملناه على الأول ففيه وجوه :

الأول : أن الله يرفع درجات الأنبياء والأولياء في الجنة.

والثاني : يرفع درجات الخلق في العلوم والأخلاق الفاضلة فجعل لكل أحد من الملائكة درجة معيّنة كما قال : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات : ١٦٤] ، وجعل لكل أحد من العلماء درجة معينة فقال تعالى : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) [المجادلة : ١١] وعين لكل جسم درجة معينة فجعل بعضها سفليّة كدرة ، وبعضها فلكية كوكبية ، وبعضها من جواهر العرش والكرسي ، وأيضا جعل لكل واحد مرتبة معينة في الخلق والخلق والرزق والأجل فقال : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) [الأنعام : ١٦٥] وجعل لكل أحد من السعداء والأشقياء في الدنيا درجة معينة من موجبات السعادة وموجبات الشقاوة وفي الآخرة تظهر تلك الآثار. وإن جعلنا «الرفيع» على «المرتفع» فهو سبحانه أرفع الموجودات في جميع صفات الكمال والجلال. وقوله (ذُو الْعَرْشِ) أي خالقه ومالكه ومدبره ، و (يُلْقِي الرُّوحَ) أي ينزل الوحي من السماء روحا لأنه تحيا به القلوب كما تحيا الأبدان بالأرواح (١) وقوله (مِنْ أَمْرِهِ) متعلق ب «يلقي» ، و «من» لابتداء الغاية ، ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف على أنه حال من «الروح» (٢).

فصل

قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : معنى من أمره أي من قضائه ، وقيل : من قوله. وقال مقاتل بأمره على من يشاء من عباده (٣). وقوله : (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) العامة على بنائه للفاعل ، ونصب اليوم والفاعل هو الله تعالى أو الروح أو (مَنْ يَشاءُ) أو الرسول ، ونصب «اليوم» إما على الظرفية والمنذر به محذوف تقديره لينذر العذاب يوم التلاق ، وإما على المفعول به اتساعا في الظرف (٤) وقرأ أبيّ وجماعة كذلك إلا أنه رفع اليوم (٥) على الفاعلية مجازا أي لينذر الناس العذاب يوم التلاق. وقرأ الحسن واليمانيّ «لتنذر» ـ بالتاء من فوق (٦) ـ وفيه وجهان :

أحدهما : أن الفاعل ضمير المخاطب وهو الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

__________________

(١) الرازي ٢٧ / ٤٢ ، ٤٣.

(٢) الدر المصون ٤ / ٦٨١ والتبيان ١١١٦.

(٣) البغوي والخازن في تفسيريهما ٦ / ٩١.

(٤) أورد هذه الإعرابات شهاب الدين السمين في الدر المصون ٤ / ٦٨١.

(٥) نقلها الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤١٩ وأبو حيان في البحر ٧ / ٤٥٥.

(٦) السابقين وانظر مختصر ابن خالويه ١٣٢ وانظر هذه القراءات أيضا كلها في الدر المصون ٤ / ٦٨١ ، وانظر قراءة الخطاب في معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٣٦٩.

٢٣

والثاني : أن الفاعل ضمير الروح فإنها مؤنثة على رأي.

وقرأ اليماني أيضا «لينذر» (١) مبنيا للمفعول «يوم» بالرفع وهي تؤيد نصبه في قراءة الجمهور على المفعول به اتساعا. وأثبت ياء «التلاق» وصلا ووقفا ابن كثير ، وأثبتها في الوقف دون الوصل من غير خلاف ورش ، وحذفها الباقون وصلا ووقفا إلا قالون ، فإنه روي عنه وجهان ، وجه كورش ، ووجه كالباقين ، وكذلك هذا الخلاف بعينه جار في (يَوْمَ التَّنادِ)(٢). وقد تقدم توجيه هذين الوجهين في الرّعد في قوله (الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ)(٣) [الرعد : ٩].

قوله : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) في «يوم» أربعة أوجه :

أحدها : أنه بدل من (يَوْمَ التَّلاقِ) بدل كل من كل (٤).

الثاني : أن ينتصب بالتلاق أي يقع التلاق في يوم بروزهم (٥).

الثالث : أن ينتصب بقوله لا يخفى على الله (مِنْهُمْ شَيْءٌ) ذكره ابن عطية (٦). وهذا على أحد الأقوال الثلاثة في «لا» هل يعمل ما بعدها فيما قبلها؟ ثالثها التفصيل بين أن تقع جواب قسم فيمتنع أو لا فيجوز هذا على قولين من هذه الأقوال (٧).

الرابع : أن ينتصب بإضمار «اذكر» (٨) و «يوم» ظرف مستقبل «كإذا». وسيبويه لا يرى إضافة الظرف المستقبل إلى الجمل الاسمية والأخفش يراه ولذلك قدر سيبويه في قوله (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) ونحوه فعلا قبل الاسم ، والأخفش لم يقدره ، وعلى هذا فظاهر الآية مع الأخفش. ويجاب عن سيبويه بأن «هم» ليس مبتدأ بل مرفوعا بفعل محذوف

__________________

(١) ذكرها البحر المحيط في ٧ / ٤٥٥ نقلا عن صاحب اللوامح أبي الفضل الرازي كما ذكرها السمين في الدر المصون ٤ / ٦٨١.

(٢) ذكر صاحب الإتحاف والسبعة هذه التفصيلات فهي قراءات متواترة. انظر الإتحاف ٣٧٨ والسبعة ٥٦٨ وانظر الدر المصون المرجع السابق.

(٣) وبين هناك : وقف ابن كثير وأبو عمرو في رواية على ياء «المتعال» وصلا ووقفا بينما حذفها الباقون وصلا ووقفا لحذفها في الرسم. وانظر اللباب ٤ / ١٢٧ ب.

(٤) البيان لابن الأنباري ٢ / ٣٢٩ والدر المصون ٤ / ٦٨٢.

(٥) السابق وانظر التبيان ١١١٦ ، ١١١٧.

(٦) البحر المحيط ٧ / ٤٥٥.

(٧) ذكر الإمام السيوطي في الأشباه والنظائر ١ / ١٤٠ ، ١٤١ والهمع ٢ / ٧٨ أن في «لا» النافية أقوال ، أولها : أن لها الصدر مثل «ما» النافية وعليه فلا يجوز أن يتقدم معمول ما بعدها عليها لامتناع تقدم ما بعدها عليها. وثانيها وثالثها وهو الأصح لها الصدارة إذا كانت في مثل قوله تعالى : «لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ» ومثل : ربّ رجل لا يفعل هذا. أما إذا كانت دالة على نفي الفعل في الاستقبال فليس لها الصدارة وقول ابن عطية يجوز على أحد هذه الأقوال.

(٨) التبيان ١١١٧.

٢٤

يفسره اسم الفاعل ، أي يوم برزوا ويكون «بارزون» خبر مبتدأ مضمر ، فلما حذف الفعل انفصل الضمير فبقي كما ترى ، وهذا كما قالوا في قوله (ـ رحمه (١) الله ـ) :

٤٣٢٢ ـ لو بغير الماء حلقي شرق

كنت كالغصّان بالماء اعتصاري (٢)

في أنّ «حلقي» مرفوع بفعل يفسره «شرق» ؛ لأنّ «لو» لا يليها إلا الأفعال ، وكذا قوله (شعرا) (٣)

٤٣٢٣ ـ .........

إليّ فهلّا نفس ليلى شفيعها (٤)

لأنّ «هلّا» لا يليها إلا الأفعال ، فالمفسّر في هذه المواضع أسماء مشتقة وهو نظير : أنا زيدا ضاربه من حيث التفسير ، وحركة (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) حركة إعراب على المشهور ، ومنهم من جوز بناء الظرف وإن أضيف إلى فعل مضارع أو جملة اسمية وهم الكوفيون ، وقد وهم بعضهم فحتّم بناء الظرف المضاف للجمل الاسمية وقد تقدم أنه لا يبنى عند البصريين إلا ما أضيف إلى (فعل (٥)) ما نصّ كقوله :

٤٣٢٤ ـ على حين عاتبت ...

 ......... (٦)

__________________

(١) سقطت من ب.

(٢) بيت من الرمل لعدي بن زيد ، والشّرق الذي يغص بالماء فلا يقدر على بلعه. والاعتصار أن يغص الإنسان بالطعام فيعتصر بالماء فيشربه قليلا قليلا ليسيغه وشاهده : «حلقي» فإنه فاعل لفعل محذوف دل عليه الوصف المذكور بعده وهو «شرق» كما أخبر هو أعلى فوق ، ومجيء الاسمية بعد «لو» هو قول إمام النحاة سيبويه ٣ / ١٢١ ، وقد تقدم.

(٣) زيادة من ب.

(٤) عجز بيت من الطويل للصّمة القشيريّ ، وينسب إلى قيس بن الملوّح وإلى ابن الدمينة وإلى إبراهيم الصولي ، وتمامه :

يقولون ليلى أرسلت بشفاعة

إليّ فهلّا نفس ليلى شفيعها

ويروى : ونبئت ليلى ، وشاهده كسابقه من رفع نفس بفعل محذوف يفسره ما بعده لأن «هلّا» لا تدخل إلا على فعل ، وانظر الخزانة ٣ / ٦٠ ، ٦١ ، ٨ / ١٣ والدر المصون هو وسابقه ٤ / ٦٨٣ وشرح المفصل لابن يعيش وابن الناظم ٢٧٨ وتوضيح المقاصد ٤ / ٢٩٠ والمغني ٧٤ وحاشية الأمير ١ / ٢١٣ والهمع ٢ / ٦٧ والأشموني ٢ / ٢٥٩ ، ٤ / ٥٢ والتصريح ٢ / ٤١ ، ٢٦٣.

(٥) سقط من ب.

(٦) هذا بعض بيت من الطويل للنابغة الذبياني وهو بتمامه :

 ... على الصّبا

وقلت : ألمّا أصح والشّيب وازع

وشاهده في «حين عاتبت» حيث بني على الفتح لإضافته إلى فعل بناؤه لازم ، ويجوز كسره للإعراب وعلى الأول ظرف كما في (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ) أي في وقت غفلة ، وانظر الكتاب ٢ / ٣٣١ والمنصف ١ / ٥٨ وأمالي الشجري ١ / ٤٦ و ٢ / ١٣٢ ، وشرح ابن يعيش ٣ / ١٦ ، ٨٢ ، ٤ / ٩١ ، ٨ / ١٤٦ والإنصاف ٢٩٢ وشذور الذهب ١١٢ والمغني ٥١٧ والتصريح ٢ / ٤٢ والهمع ١ / ٢١٨ ، والأشموني ٢ / ٢٥٦ ، ٣ / ٢٢٦ ، ٤ / ٨.

٢٥

وتقدم هذا مستوفى في آخر المائدة (١).

وكتبوا «يوم» هنا وفي الذاريات (٢) منفصلا ، وهو الأصل.

قوله : (لا يَخْفى عَلَى اللهِ) يجوز أن تكون مستأنفة ، وأن تكون حالا من ضمير «بارزون» ، وأن تكون خبرا ثانيا (٣).

فص

قال بعض المفسرين : يوم التلاق هو يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض. وقال قتادة ومقاتل : يلتقي الخلق والخالق. وقال ابن زيد : يتلاقى العباد. وقال ميمون بن مهران : يلتقي الظالم والمظلوم ، وقيل : يلتقي العابد والمعبود ، وقيل : يلتقي فيه المرء مع عمله ، وقيل : يلتقي الأرواح مع الأجساد ، بعد مفارقتها إياها يوم هم بارزون ، كناية عن ظهور أعمالهم وانكشاف أسرارهم كما قال تعالى : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ).

(لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ) أي من أحوالهم شيء ويقول الله سبحانه بعد فناء الخلق (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) فلا يجيبه أحد فيجيب نفسه فيقول (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) الذي قهر الخلق بالموت (٤).

فإن قيل : الله تعالى لا يخفى عليه شيء منهم في جميع الأيام فما معنى تقييد هذا العلم بذلك اليوم؟.

فالجواب : أنهم كانوا يتوهمون في الدنيا أنهم إذا استتروا بالحيطان والحجب أن الله لا يراهم ويخفى عليه أعمالهم فهم في ذلك اليوم صائرون من البروز والانكشاف إلى حالة لا يتوهمون فيها مثل ما يتوهمونه (٥) في الدنيا ، كما قال تعالى : (وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) [فصلت : ٢٢] وقال تعالى : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) [النساء : ١٠٨] وهو معنى قوله : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) [إبراهيم : ٤٨].

فصل

قال المفسرون : إذا هلك كل من في السماوات ومن في الأرض فيقول الرب تعالى : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟) يعني يوم القيامة ، فلا يجيبه أحد ، فهو تعالى يجيب نفسه فيقول : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) ، قال ابن الخطيب : قال أهل الأصول هذا القول ضعيف من وجوه :

__________________

(١) عند قوله : «هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ» من الآية ١١٩.

(٢) وهو قوله : «يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ».

(٣) ذكر هذه الأوجه العكبري في التبيان ١١١٧ والسمين في الدر ٤ / ٦٨٤.

(٤) ذكر هذه الأقوال البغوي والخازن في تفسيريهما ٦ / ٩٠.

(٥) كذا في الرازي وفي ب بتوهمون.

٢٦

الأول : أنه تعالى بين أن هذا النداء إنما يحصل يوم التلاق يوم هم بارزون ، ويوم تجزى كل نفس ما كسبت ، والناس في ذلك الوقت أحياء فبطل قولهم إنما ينادى هذا النداء حين يهلك كلّ من في المسوات ومن في الأرض.

الثاني : أن الكلام لا بد فيه من فائدة ؛ لأن الكلام إما أن يذكر حال حضور الغير أو حال ما لا يحضر الغير ، والأول باطل ههنا ؛ لأن القوم قالوا : إنه تعالى إنما يذكر هذا الكلام عند فناء الكل. والثاني أيضا باطل لأن الرجل إنما يحسن تكلمه حال كونه وحده إما لأن يحفظ به شيئا كتكريره على الدرس وذلك على الله تعالى محال أو لأجل أن يعيد الله بذلك الذكر وهذا أيضا على الله تعالى محال فثبت (أن (١)) قولهم : إن الله تعالى يذكر هذا النداء حال هلاك جميع المخلوقات باطل ، وقال بعض المفسرين : إنه في يوم التلاق إذا حضر الأولون والآخرون وبرزوا لله نادى مناد : لمن الملك اليوم؟ فيقول كل الحاضرين (٢) في محفل القيامة : لله الواحد القهار ، فالمؤمنون يقولونه تلذذا بهذا الكلام حيث نالوا بهذا الذكر المنزلة الرفيعة ، والكفار يقولونه تحسرا وصغارا وندامة على تفويتهم هذا الذكر في الدنيا ، وقال القائلون بهذا القول الأول عن ابن عباس وغيره إن هذا النداء بعد هلاك البشر لم يمنع أن يكون هناك ملائكة يسمعون ذلك النداء ويجيبون بقولهم : لله الواحد القهار. وقال ابن الخطيب : وأيضا على هذا القول لا يبعد أن يكون السائل والمجيب هو الله تعالى ، ولا يبعد أيضا أن يكون السائل جمعا من الملائكة والمجيب جمع آخرون وليس على التعيين دليل (٣).

قوله : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) يجزى المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ).

قوله تعالى : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (١٨) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩) وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(٢٠)

قوله تعالى : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ ...) والمقصود بها وصف يوم القيامة ، ويوم الآزفة يجوز أن يكون مفعولا به (٤) اتساعا ، وأن يكون ظرفا ، والمفعول محذوف (٥) ، والآزفة فاعلة من أزف الأمر إذا دنا وحضر ، كقوله في صفة القيامة (أَزِفَتِ الْآزِفَةُ)

__________________

(١) سقط من ب فقط.

(٢) في النسختين الحاضرون لحن وخطأ وانظر تفسير الرازي ٢٧ / ٤٦.

(٣) المرجع السابق.

(٤) قاله ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٣١ والسمين في الدر ٤ / ٦٨٤.

(٥) السابق.

٢٧

[النجم : ٥٧]. أي قربت ، قال النابغة الشاعر (١) (رحمة الله (٢) عليه) :

٤٣٢٥ ـ أزف التّرحّل غير أنّ ركابنا

لمّا تزل برحالنا وكأن قد (٣)

وقال كعب بن زهير :

٤٣٢٦ ـ بان الشّباب وهذا الشّيب قد أزفا

ولا أرى لشباب بائن خلفا (٤)

وقال الراغب : وأزف ، وأفد يتعاقبان (٥) ، لكن أزف يقال اعتبارا بضيق وقتها ، ويقال أزف (٦) الشخوص ، والأزف ضيق الوقت. قال شهاب الدين ، فجعل بينهما فرقا ، ويروى بيت النابغة أفد (٧) والآزفة صفة لموصوف محذوف ، فيجوز أن يكون التقدير الساعة الآزفة ، أو الظلمة الآزفة (٨) ، وقوله : (إِذِ الْقُلُوبُ) بدل من (يَوْمَ الْآزِفَةِ)(٩) أو من «هم» في «أنذرهم» بدل اشتمال (١٠).

فصل

المقصود من الآية التنبيه على أن يوم القيامة قريب ، ونظيره قوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) [القمر : ١] قال الزجاج : إنما قيل لها آزفة لأنها قريبة وإن استبعد الناس مداها وما هو كائن فهو قريب (١١).

واعلم أن الآزفة نعت لمحذوف مؤنث فقيل : يوم القيامة الآزفة ، أو يوم المجازاة الآزفة (١٢) ، قال القفال : وأسماء القيامة تجري على التأنيث كالطامة والحاقة ونحوها ، كأنها يرجع معناها على الداهية (١٣).

وقيل : المراد بيوم الآزفة مشارفتهم (١٤) دخول النار ، فإن عند ذلك ترتفع قلوبهم

__________________

(١) في ب شعرا بدل الشاعر.

(٢) زيادة من أفقط.

(٣) البيت له كما في ديوانه من تام الكامل ولكن بلفظ «أفد» وعليها فلا شاهد فيه حينئذ وفي ب الرحيل بدل الترحل ، وجاء المؤلف بالبيت ليدلنا على أن الأزف هو القرب وفي البيت شواهد نحوية لا داعي لذكرها في هذا المقام وقد تقدم.

(٤) كسابقه في الشاهد وهو من البسيط والخلف هو العوض وانظر الدر المصون ٤ / ٦٨٥ وديوانه ٧٠.

(٥) في ب والراغب يتقاربان. المفردات له ١٧.

(٦) في ب أزفت بتاء التأنيث.

(٧) الدر المصون ٤ / ٦٨٥.

(٨) قاله أبو حيان في بحره ٧ / ٤٥٦.

(٩) حكاه ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٣٠.

(١٠) قاله في الدر المصون ٤ / ٦٨٥.

(١١) معاني القرآن وإعرابه له ٤ / ٣٦٩ ، وانظر الرازي ٢٧ / ٤٩.

(١٢) سبق إعراب يوم الآزفة عن قرب ، وهذا الإعراب نقله المؤلف كعادته عن الفخر الرازي في إطار نقله عنه ، انظر تفسير الرازي المرجع السابق.

(١٣) في الرازي معناها إلى الداهية وفي النسختين معناه على الداهية.

(١٤) في الرازي مسارعتهم إلى دخول.

٢٨

عن مقارّها من شدة الخوف ، وقال أبو مسلم : يوم الآزفة يوم حضور الأجل لأنه تعالى وصف يوم القيامة بأنه يوم التلاق ويوم هم بارزون ، ثم قال بعده : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) فوجب أن يكون ذلك اليوم غير ذلك اليوم وأيضا فهذه الصفة مخصوصة في سائر الآيات بيوم الموت قال تعالى : (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) [الواقعة : ٨٣] ، وقال (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ) [القيامة : ٢٦] وأيضا فوصف يوم الموت بالقرب أولى من وصف يوم القيامة بالقرب ، وأيضا فالصفات المذكورة بعد قوله : (يَوْمَ الْآزِفَةِ) لائقة بيوم حضور المنية ؛ لأن الرجل عند معاينة ملائكة العذاب يعظم (١) خوفه (٢) ، فكأنّ قلوبهم تبلغ حناجرهم من شدة الخوف وبقوا كاظمين ساكتين عن ذكر ما في قلوبهم من شدة الخوف ، ولا يكون لهم من حميم ولا شفيع يطاع ويدفع ما به من أنواع الخوف والقلق (٣).

قوله : «كاظمين» نصب على الحال ، واختلفوا في صاحبها والعامل فيها ، فقال الحوفيّ: «القلوب» مبتدأ ، و (لَدَى الْحَناجِرِ) خبره و «كاظمين» حال من الضمير المستكن فيه(٤).

قال شهاب الدين : ولا بد من جواب عن جمع العقول القلوب جمع من يعقل فقال «كاظمين» وهو أن يكون لما أسند إليهم ما يسند للعقلاء جمعت جمعه كقوله : (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) [يوسف : ٤] و (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) [الشعراء : ٤] ويعضّده قراءة من قرأ : «كاظمون» (٥).

الثاني : أنها حال من «القلوب» وفيه السؤال والجواب المتقدمان ، والمعنى أن القلوب كاظمة عن كرب وغمّ (٦) مع بلوغها الحناجر (٧).

والثالث : أنه حال من أصحاب القلوب قال الزمخشري : هو حال من أصحاب القلوب على المعنى ؛ إذ المعنى إذ قلوبهم لدى الحناجر (٨) كاظمين عليها. قال شهاب الدين : فكأنه في قوة أن جعل «أل» عوضا من الضمير في حناجرهم (٩).

الرابع : أن يكون حالا من «هم» في «أنذرهم» (١٠) ويكون حالا مقدرة لأنهم وقت

__________________

(١) في ب : يعلم.

(٢) تصحيح من الرازي ففي النسختين فوقه بدل من خوفه.

(٣) وانظر الرازي ٢٧ / ٤٩ ، ٥٠.

(٤) نقله أبو حيان في البحر ٦ / ٤٥٦ والسمين ٤ / ٦٨٥.

(٥) وانظر الدر المصون ٤ / ٦٨٥.

(٦) في ب وغمة بتاء تأنيث.

(٧) وانظر هذا الرأي في تفسير أبي حيان البحر المرجع السابق والدر المصون ٤ / ٦٨٥ والكشاف ٣ / ٤٢٠ والتبيان ١١١٧ ومعاني الأخفش ٦٧٧.

(٨) في الكشاف لدى حناجرهم الكشاف ٣ / ٤٢٠.

(٩) الدر المصون ٤ / ٦٨٥.

(١٠) قاله أبو البقاء في التبيان ١١١٧ والفراء في المعاني ٣ / ٦.

٢٩

الإنذار غير كاظمين ، وقال ابن عطية : كاظمين حال مما أبدل منه «إذ القلوب» أو مما يضاف إليه القلوب ؛ إذ المراد إذ قلوب الناس لدى حناجرهم ، وهذا كقوله (تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ مُهْطِعِينَ)(١) أراد تشخص فيه أبصارهم قال شهاب الدين : ظاهر قوله أنه حال مما أبدل منه قوله : (إِذِ الْقُلُوبُ) مشكل ؛ لأنه أبدل من قوله : (يَوْمَ الْآزِفَةِ) وهذا لا يصح البتّة ، وإنما يريد بذلك على الوجه الثاني وهو أن يكون بدلا من «هم» في أنذرهم بدل اشتمال وحينئذ يصح (٢) ، وقد تقدم الكلام على الكظم والحناجر في آل عمران (٣) والأحزاب.

فصل

قيل المراد بقوله (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ) شدة الخوف والفزع ونظيره قوله (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) [الأحزاب : ١٠] وقال : (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) [الواقعة : ٨٣ و ٨٤]. وقال الحسن : القلوب تنتزع من الصدور لشدة الخوف وبلغت القلوب الحناجر فلا هي تخرج فيموتوا ولا ترجع إلى مواقعها فيتنفّسوا ويترّوحوا ، وقوله : (كاظمين) أي مكروبين ، والكاظم الساكت حال امتلائه غما وغيظا والمعنى أنهم لا يمكنهم أن ينطقوا وأن يشرحوا ما عندهم من الخوف والحزن وذلك يوجب مزيد القلق والاضطراب.

قوله : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ) قريب ينفعهم (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) فيشفع لهم (٤). وقوله «يطاع» يجوز أن يحكم على موضعه بالجر نعتا على اللفظ ، وبالرّفع نعتا على المحل لأنه معطوف على المجرور بمن المزيدة (٥) ، وقوله (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) من باب :

٤٣٢٧ ـ على لاحب لا يهتدى بمناره

 .........(٦)

__________________

(١) من الآيتان ٤٢ و ٤٣ من سورة إبراهيم وانظر عبارة ابن عطية في البحر المحيط ٧ / ٤٥٦ والدر المصون ٤ / ٦٨٥ وقد اختار الزجاج والنحاس أن تكون «كاظمين» حالا من أصحاب القلوب بالحمل على المعنى كالزمخشري ، انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٣٦٩ ، وإعراب القرآن للنحاس ٤ / ٢٩.

(٢) الدر المصون ٤ / ٢٩.

(٣) من قوله : والكاظمين الغيظ ، والآية ١٣٤. وبين هناك أن الكظم الممتلىء أسفا والمكظوم الممتلىء غيظا وانظر اللباب ٢ / ٢٩٧ ب.

(٤) وانظر الرازي ٢٧ / ٥٠ والبغوي ٦ / ٩٢.

(٥) قاله في التبيان ١١١٨ والدر المصون ٤ / ٦٨٦.

(٦) هذا صدر بيت من الطويل لامرىء القيس ، عجزه :

إذا سافه العود الديافيّ جرجرا

واللاحب الطريق الواسع ، وسافه شمّه ، والعود : البعير المسنّ والديافي نسبة إلى دياف قرية في الشام.

والجرجرة تردد صوت البعير ، والبيت في الخصائص ٣ / ١٦٥ ، ٣٢١ واللساف سوف ٢١٥٣ والحجة لأبي علي ٢ / ٣٨ والصاحبي ٣٧٨ والدر المصون ٣ / ٦٨٦ والديوان ٦٦.

٣٠

أي لا شفيع فلا طاعة ، أو ثم شفيع ولكن لا يطاع.

فصل

احتجب المعتزلة بهذه الآية في نفي الشفاعة عن المذنبين فقالوا نفى حصول شفيع لهم يطاع فوجب أن لا يحصل لهم هذا الشفيع وأجيبوا بوجوه :

الأول : أنه تعالى نفى أن يحصل لهم شفيع يطاع وهذا لا يدل على نفي الشفيع ، كقولك: ما عندي كتاب يباع فيقتضي نفي كتاب يباع ولا يقتضي نفي الكتاب ، قال الشاعر :

٤٣٢٨ ـ .........

ولا ترى الضّبّ بها ينجحر (١)

أو لفظ الطاعة بمعنى حصول المرتبة فهذا يدل على أنه ليس لهم يوم القيامة شفيع يطيعه الله ، لأن ليس في الوجود أحد أعلى حالا من الله سبحانه وتعالى حتى يقال : إن الله تعالى يطيعه.

والثاني : أن المراد بالظالمين ههنا : الكفار ، لأن هذه الآية وردت في زجر الكفار وقال تعالى : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣].

الثالث : أن لفظ الظالمين إما أن يفيد الاستغراق أو لا يفيد الاستغراق فإن كان المراد من الظالمين مجموعهم فيدخل في هذا المجموع الكفار وعندنا أنه ليس لهذا المجموع شفيعا ؛ لأن بعض هذا المجموع هم الكفار وليس لهم شفيع فحينئذ لا يكون لهذا المجموع شفيع ، وإن لم يفد الاستغراق كان المراد من الظالمين بعض الموصوفين بهذه الصفة وعندنا أن بعض الموصوفين بهذه الصفة ليس لهم شفيع وهم الكفار.

وأجاب (بعض (٢)) المعتزلة عن الأول فقالوا : يجب حمل كلام الله تعالى على محمل مفيد وكل أحد يعلم أنه ليس في الوجود شيء يطيعه الله لأن المطيع أدون حالا من المطاع وليس في الوجود أعلى درجة من الله حتى يقال : إن الله يطيعه ، وإذا كان هذا المعنى معلوما بالضرورة كان حمل الآية عليه إخراجا لها عن الفائدة ، فوجب حمل الطاعة على الإجابة ويدل على أن لفظ الطاعة بمعنى الإجابة قول الشاعر :

٤٣٢٩ ـ ربّ من أنضجت غيظا صدره

قد تمنّى لي موتا لم يطع (٣)

__________________

(١) شاهده كسابقه من عدم وجود شيء تبعا لعدم وجود الشيء الآخر أي لا أرنب بها فيفزعها أهوالها وهو عجز بيت صدره : لا تفزع الأرنب أهوالها ، وهو من الرجز ونسبه ابن الأنباري في شرح المفضليات إلى عمرو بن أحمر ٥٩ ، وانظر الصاحبي ٣٧٨ ، والحجة ٢ / ٣٩ واللسان «حجر» و «رنب» والخصائص ٣ / ١٦٥ والبيان لابن الأنباري ١٧٩ / ١ وورد «محجرا» بلفظ الاسمية.

(٢) سقط من ب.

(٣) البيت من الرمل وأنشده الإمام الفخر الرازي ٢٧ / ٥١ شاهدا على أن الطاعة بمعنى الإجابة وهو لسويد بن أبي كاهل ، وقد تقدم.

٣١

وعن الثاني : بأن لفظ «الظالمين» صيغة جمع دخل عليها حرف التعريف فيفيد العموم ، أقصى ما في الباب أن هذه الآية وردت لذم الكفار ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وعن الثالث أن قوله : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ) يفيد أن كل واحد من الظالمين محكوم عليه بأنه ليس له حميم ولا شفيع يطاع.

وأجيبوا عن الأول بأن القوم كانوا يقولون في الأصنام : إنها شفعاؤهم عند الله ، وكانوا يقولون : إنها تشفع لهم عند الله من غير حاجة إلى إذن فلهذا السبب رد الله تعالى عليهم ذلك بقوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)(١) [البقرة : ٢٥٥] فهذا يدل على أن القوم اعتقدوا أنه يجب على الله تعالى إجابة تلك الأصنام في الشفاعة وهذا نوع طاعة فالله تعالى نفى تلك الطاعة بقوله : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ). وعن الثاني بأن قالوا : الأصل في حرف التعريف أن ينصرف إلى المعهود السابق فإذا دخل حرف التعريف على صيغة الجمع وكان هناك معهود سابق انصرف إليه ، وقد حصل في هذه الآية معهود سابق وهم الكفار الذين يجادلون في آيات الله فوجب أن ينصرف إليهم. وعن الثالث بأن قالوا قوله : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) يحتمل عموم السلب ، ويحتمل سلب العموم ، أما الأول : فعلى تقدير أن يكون المعنى أنّ كل واحد من الظالمين محكوم عليه بأنه ليس له حميم ، ولا شفيع. وأما الثاني : فعلى تقدير أن يكون مجموع الظالمين ليس لهم (٢) حميم ولا شفيع ، ولا يلزم من نفي الحكم عن المجموع نفيه عن كل واحد من آحاد ذلك المجموع ، ويؤيد ما ذكرناه قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [البقرة : ٦] وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس : ٩٦] فإن حملناه على أن كل واحد منهم محكوم عليه بأنه لا يؤمن لزم وقوع الخلف في كلام الله تعالى ؛ لأن كثيرا ممن كفر قد آمن بعد ذلك ، أما لو حملناه على أنّ مجموع الذين كفروا لا يؤمنون سواء آمن بعضهم أو لم يؤمن صدق وتخلص عن الخلف ، فلا جرم حملنا هذه الآية على سلب العموم لا على عموم السلب وحينئذ يسقط استدلال المعتزلة بهذه الآية (٣).

قوله «يعلم» فيه أربعة أوجه :

أظهرها : أنه خبر آخر عن «هو» في قوله (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ)(٤) ، قال الزمخشري : فإن قلت : بم اتصل قوله (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) قلت : هو خبر من أخبار

__________________

(١) وانظر في هذا كله تفسير الرازي ٢٧ / ٥١ ، ٥٠ بتوضيح وشرح لكلام الزّمخشري في الكشاف ٣ / ٤٢٠ ، ٤٢١.

(٢) في ب له مفردا.

(٣) انظر تفسير الإمام الفخر المرجع السابق.

(٤) هذا رأي الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٢١ وقد ذكره الإمام السمين في الدر ٤ / ٦٨٦.

٣٢

«هو» في قوله (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ) مثل (يُلْقِي الرُّوحَ) ولكن (يُلْقِي الرُّوحَ) قد علل بقوله «لينذر» ثم استطرد لذكر أحوال يوم التلاق إلى قوله (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) فبعد لذلك عن أخواته (١).

الثاني : أنه متصل بقوله «وأنذرهم» لما أمر بإنذاره يوم الآزفة وما يعرض فيه من شدة الغمّ والكرب وأن الظالم لا يجد من يحميه ولا شفيع له ، ذكر اطّلاعه على جميع ما يصدر من الخلق سرّا وجهرا إذ المعنى أنه تعالى عالم لا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات والأرض ، والحاكم إذا بلغ في العلم إلى هذا الحد كان خوف المذنب شديدا جدا وعلى هذا فهذه الجملة لا محل لها لأنها في قوة التعليل للأمر بالإنذار (٢).

الثالث : أنها متصلة بقوله : (سَرِيعُ الْحِسابِ)(٣).

الرابع : أنها متصلة بقوله : (لا يَخْفى عَلَى اللهِ)(٤) وعلى هذين الوجهين فيحتمل أن تكون جارية مجرى العلة ، وأن تكون في محل نصب على الحال (٥).

و (خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) فيه وجهان :

أحدهما : أنها مصدر بمعنى الخيانة كالعافية بمعنى المعافاة (والعافية) (٦) أي يعلم خيانة الأعين أي استراق النظر إلى ما لا يحل كما يفعل أهل الريب.

والثاني : أنها صفة على (٧) بابها وهو من باب إضافة الصفة للموصوف والأصل الأعين الخائنة كقوله :

٤٣٣٠ ـ .........

وإن سقيت كرام النّاس فاسقينا (٨)

وقد رده الزمخشري وقال : لا يحسن أن يراد الخائنة من الأعين لأن قوله : (وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) لا يساعد عليه (٩) يعني أنه لا يناسب أن يقابل المعنى إلا بالمعنى (١٠).

__________________

(١) الكشاف المرجع السابق.

(٢) قال بهذا الوجه أبو حيان في تفسيره ٧٥ / ٤٥٧ ونقله صاحب الدر ٤ / ٦٨٦.

(٣) نقله أبو حيان في المرجع السابق عن ابن عطية قال «لأن سرعة حسابه للخلق إنما هي بعلمه الذي لا يحتاج معه إلى رؤية وفكر ولا لشيء مما يحتاجه المحاسبون».

(٤) وقد حكاه ابن عطية أيضا عن جماعة واختاره قائلا : وهذا قول حسن يقويه تناسب المعنيين ويضعفه بعد الآية من الآية وكثرة الحائل. انظر المرجع السابق.

(٥) الدر المصون ٤ / ٦٨٦.

(٦) زيادة من النسختين عن الكشاف مصدر الكلام.

(٧) وقد ذكر هذين الوجهين الزمخشري في الكشاف ٢ / ٤٢١.

(٨) من بحر البسيط لبشامة بن حزن النهشلي صدره : إنا محيّوك يا سلمى فحيّينا. وشاهده كرام الناس من إضافة الصفة للموصوف ، فالأصل الناس الكرام ، وانظر توضيح المقاصد ٢ / ٢٤٦ والبحر المحيط ٧ / ٤٥٧ والخزانة ٨ / ٣٠٢ ، وعجزه في ملحقات ديوان المفضليات ٨٨٦.

(٩) الكشاف ٣ / ٤٢١.

(١٠) هذا رد أو توضيح أبي حيان لكلام الزمخشري في البحر ٧ / ٤٥٧ حيث يريد الزمخشري المصدر مع المصدر.

٣٣

وفيه نظر ؛ إذ لقائل أن يقول لا نسلم أن «ما» في قوله (وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) مصدرية حتى يلزم ما ذكره ، بل يجوز أن يكون بمعنى الذي وهو عبارة عن نفس ذلك الشيء المخفى فيكون قد قابل الاسم غير المصدر بمثله ، والمراد بقوله : (وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) أي تضمر القلوب (١).

واعلم أن الأفعال قسمان : أفعال الجوارح ، وأفعال القلوب ، وأما أفعال الجوارح فأخفاها خائنة الأعين والله عالم بها فكيف الحال في سائر الأعمال ، وأما أفعال القلوب فهي معلومة لله تعالى لقوله (وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) فدل هذا على كونه عالما بجميع أفعالهم.

قوله (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ) وهذا أيضا يوجب عظم الخوف لأن الحاكم إذا كان عالما بجميع الأحوال وثبت أنه لا يقضي إلا بالحق في كل ما دق وجل كان خوف المذنب منه في الغاية القصوى.

قوله : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ) ، قرأ نافع وهشام تدعون بالخطاب للمشركين والباقون بالغيبة ، إخبارا عنهم بذلك (٢).

واعلم أن الكفار إنما عولوا في دفع العقاب عن أنفسهم على شفاعة هذه الأصنام فبين الله تعالى أنه لا فائدة فيها البتة ، فقال : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ) ثم قال : (إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أي يسمع من الكفار ثناءهم على الأصنام ، ولا يسمع ثناءهم على الله ويبصر خضوعهم وسجودهم ، ولا يبصر خضوعهم وتواضعهم لله.

قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ (٢١) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ)(٢٢)

ولما بالغ في تخويفهم بأحوال أهل الآخرة أردفه ببيان تخويفهم بأحوال الدنيا فقال (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ) والمعنى أن العاقل من اعتبر بغيره ، فإن الذين مضوا من الكفار كانوا أشد قوة من هؤلاء الحاضرين من الكفار ، وأقوى آثارا في الأرض أي حصونهم وقصورهم وعساكرهم ، فلما كذبوا رسلهم أهلكهم الله عاجلا حتى إن هؤلاء الجاحدين (٣) من الكفار شاهدوا تلك الآثار

__________________

(١) هذا رد السمين على الزمخشري نقله المؤلف عنه وهو رأي وجيه حيث لا داعي لهذا الإلزام الذي فرضه الزمخشري انظر الدر ٤ / ٦٨٦.

(٢) في السبعة ٥٦٧ وإبراز المعاني ٦٧١.

(٣) في ب كذلك وفي الرازي الحاضرين.

٣٤

فحذرهم الله من مثل ذلك وقال (وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) أي لما نزل العذاب بهم لم يجدوا معينا يخلصهم (١).

قوله «فينظروا» يجوز أن يكون منصوبا في جواب الاستفهام ، وأن يكون مجزوما نسقا على ما قبله (٢) كقوله :

٤٣٣١ ـ ألم تسأل فتخبرك الرّسوم

 ...........(٣)

رواه بعضهم بالجزم ، والنصب (٤).

قوله (مِنْهُمْ قُوَّةً) قرأ ابن عامر «منكم» على سبيل الالتفات (٥) ، وكذلك هو في مصاحفهم ، والباقون «منهم» بضمير الغيبة جريا على ما سبق من الضمائر الغائبة.

قوله : «وآثارا» عطف على «قوة» وهو في قوة قوله «وتنحتون (مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ)(٦). وجعله الزمخشري منصوبا بمقدر ، قال : أو أراد أكثر آثارا (٧) كقوله : «متقلّدا سيفا ورمحا» (٨) (يعني ومعتقلا رمحا) (٩). ولا حاجة إلى هذا مع الاستغناء عنه.

قوله «ذلك» أي ذلك العذاب الذي نزل بهم (بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) وهذا مبالغة في التخويف والتحذير.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢٣) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٢٤) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٢٥) وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (٢٦) وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (٢٧) وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ

__________________

(١) انظر الرازي ٢٧ / ٥٣ و ٥٢.

(٢) قال ذلك ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٣٠.

(٣) من شواهد إمام النحاة الخمسين وهو صدر بيت من تمام الوافر عجزه : على فرتاج والطلل القديم.

وفرتاج : اسم موضع وشاهده : «فتخبرك» حيث يجوز فيها الجزم والنصب الجزم نسقا على ما قبله والنصب على تقدير أن بعد فاء السببية بعد طلب وهو الاستفهام. انظر الكتاب ٣ / ٣٤ ، والبحر ٧ / ٤٥٧ واللسان فرتج ، والتّبصرة للصيمري ٤٠٢ ، والرد على النحاة لابن مضاء ١١٧.

(٤) في ب بالنصب والجزم.

(٥) الإتحاف ٣٧٨ والسبعة ٥٦٩ والنشر ٢ / ٣٦٥ وهي متواترة.

(٦) إن كان يقصد آية الشعراء ٤٩ فهي «وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ» وإن كان يقصد آية الحجر ٨٢ فهي«وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ» وإلا فقد لفق بين آيتين.

(٧) الكشاف ٣ / ٤٢٢.

(٨) سبق الكلام عليه.

(٩) زيادة من الدر المصون ٤ / ٦٨٧.

٣٥

وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاَّ ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ (٢٩) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (٣٤) الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)(٣٥)

قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا ...) الآيات. لما سلى رسوله بذكر الكفار الذين كذبوا الأنبياء قبله وبمشاهدة آثارهم سلاه أيضا بذكر قصة موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأنه مع قوته ومعجزته بعثه إلى فرعون وهامان وقارون فكذبوه ، وقالوا : ساحر كذاب ، فلما جاءهم بالحق من عندنا أي بتلك الآيات الباهرة والسلطان المبين وهو المعجزات القاهرة قالوا يعني فرعون وقومه اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه ، قال قتادة : هذا غير القتل الأول ؛ لأن فرعون كان قد أمسك عن قتل الولدان فلما بعث موسى دعا بالقتل عليهم لئلا ينشأوا على دين موسى فيقوى بهم ، وهذه العلة مختصة بالبنين دون البنات فلهذا أمر بقتل الأبناء واستحيوا نساءهم ليصدوهم بذلك عن متابعة موسى ومظاهرته (١) ثم قال : (وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ) أي وما مكر فرعون وقومه واحتيالهم إلا في ضلال.

قوله (وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) أي وقال فرعون لملئه (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) فتح ابن كثير ياء «ذروني» (٢) وسكنها الباقون. وإنما قال فرعون ذلك ؛ لأنه كان في خاصة قوم فرعون من يمنعه من قتل موسى وفي منعهم من قتله احتمالان :

الأول : أنهم منعوه من قتله لوجوه :

الأول : لعله كان فيهم من يعتقد بقلبه كون موسى صادقا فيتحيل في منع فرعون من قتله.

وثانيهما : قال الحسن : إن أصحابه قالوا له : لا تقلته فإنما هو ساحر ضعيف ولا

__________________

(١) وانظر البغوي ٩٢ و ٩٣ والرازي ٢٧ / ٥٤.

(٢) ورواها أيضا ورش من طريق الأصبهاني ولم ترو هذه القراءة في المتواتر ، انظرها في الإتحاف ٣٧٨ فهي من الأربع فوق العشر.

٣٦

يمكن أن يغلب سحرتنا وإن قتلته أدخلت الشبهة على الناس ويقولوا : إنه كان محقا وعجزوا عن جوابه فقتلوه.

وثالثها : أنهم كانوا يحتالون في منعه من قتله لأجل أن يبقى فرعون مشغول القلب بموسى فلا يتفرغ لتأديب أولئك الأقوام ؛ لأن من شأن الأمراء أن يشغلوا قلب ملكهم بخصم خارجي حتى يصيروا آمنين من قلب ذلك الملك.

الاحتمال الثاني : أن أحدا ما منع فرعون من قتل موسى وأنه كان يريد قتله ، إلا أنه كان خائفا من أنه لو حاول قتله لظهرت معجزات قاهرات (١) تمنعه من قتله فيفتضح إلا أنه قال ذروني أقتل موسى وغرضه منه إخفاء خوفه.

قوله : (وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) أي وليدع موسى ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منا ؛ ذكر ذلك استهزاءا.

قوله (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) قرأ الكوفيون ويعقوب (أو أن) بأو التي للإبهام ومعناه أنه لا بد من وقوع أحد الأمرين والباقون بواو النسق على تسلط الخوف من التبديل وظهور الفساد معا (٢). وفتح نافع وابن كثير وأبو عمرو الياء من «إنّي أخاف» ؛ وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص «يظهر» بضم الياء وكسر الهاء من أظهر ، وفاعله ضمير موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ «الفساد» نصبا على المفعول به والباقون بفتح الياء والهاء (٣) من ظهر الفساد ، «الفساد» رفعا ، وزيد بن علي يظهر مبنيا للمفعول الفساد (٤) مرفوع لقيامه مقام الفاعل ومجاهد «يظّهّر» بتشديد (٥) الظاء والهاء ، وأصلها يتظهّر من تظهّر بتشديد الهاء فأدغم التاء في الظاء ، «الفساد» رفع على الفاعلية.

فصل

ذكر فرعون السبب الموجب لقتل موسى وهو أن الموجب لقتله إما فساد الدين أو فساد الدنيا ، أما فساد الدين فلأن القوم اعتقدوا أن الدين الصحيح هو دينهم الذي كانوا عليه ، فلما كان موسى ساعيا في إفساده اعتقدوا أنه ساع في إفساد الدين الحق ، وأما فساد الدنيا فهو أنه لا بد وأن يجتمع عليه قوم ويصير ذلك سببا لوقوع الخصومات وإثارة الفتن ، ولما كان حب الناس لأديانهم فوق حبّهم لأموالهم لا جرم بدأ فرعون بذكر الدين فقال : «إني أخاف أن يبدل

__________________

(١) في (ب) ظاهرات وفي الرازي قاهرة والتصحيح من الرازي و (أ) وانظر الرازي ٢٧ / ٥٤.

(٢) من القراءة المتواترة ذكرها الرازي في المرجع السابق ومكي في الكشف ٢ / ١٤٣ وانظر أيضا السبعة ٥٦٩ والإتحاف ٣٧٨ والدر المصون ٤ / ٦٨٧ و ٦٨٨.

(٣) الكشف ٢ / ٢٤٣ والسبعة ٥٦٩ والإتحاف ٣٧٨ ومعاني الفراء ٣ / ٧.

(٤) قراءة شاذة غير متواترة ذكرها صاحب البحر ٧ / ٤٦٠ وصاحب شواذ القرآن ٢١٣.

(٥) ذكرها شاذة أيضا انظر مختصر ابن خالويه ١٣٢ والبحر المرجع السابق والكشاف ٣ / ٤٢٣.

٣٧

دينكم» ثم أتبعه بذكر فساد الدنيا فقال أو أن يظهر في الأرض الفساد.

قوله : «وقال موسى إنّي عذت» قرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي عدتّ بإدغام الذال ، والباقون بالإظهار (١). وقوله (لا يُؤْمِنُ) صفة «لمتكبّر».

فصل

لما توعد فرعون موسى بالقتل لم يأت في دفع شره إلا بأن استعاذ بالله واعتمد على فضل الله فلا جرم صانه الله وحفظه منه. واعلم أن الموجب للإقدام على إيذاء الناس أمران :

أحدهما : كون الإنسان متكبرا قاسي القلب.

والثاني : كونه منكرا للبعث والقيامة.

لأن المتكبر القاسي القلب قد يحمله طبعه على إيذاء الناس إلا أنه إذا كان مقرّا بالبعث والحساب صار خوفه من الحساب مانعا له من الجري على موجب تكبّره فإذا لم يحصل له الإيمان بالبعث والقيامة كان طبعه داعيا له إلى الإيذاء ، لأن المانع وهو الخوف من السؤال والحساب زائل فلا جرم تعظم القسوة والإيذاء (٢).

قوله : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) اختلفوا في هذا المؤمن ، قال مقاتل والسدي : كان قبطيا. (وقيل) (٣) : ابن عم فرعون ، وهو الذي حكى الله عنه (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى) [القصص : ٢٠] وقيل : كان إسرائيليا ، روي عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : الصديقون حبيب النجار مؤمن آل ياسين ومؤمن آل فرعون الذي قال : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ، والثالث أبو بكر الصديق (٤) وهو أفضلهم ، وعن جعفر بن محمد أنه قال: كان أبو بكر خيرا من مؤمن آل فرعون ، لأنه كان يكتم إيمانه ، وقال أبو بكر جهارا أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وكان ذلك سرا ، وهذا جهرا. روى عروة بن الزبير قال : قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص أخبرني بأشد ما صنعه المشركون برسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : «بينا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلي بفناء الكعبة إذا أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا وأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟». قال ابن عباس وأكثر العلماء كان اسم الجرل خزييل. وقال ابن إسحاق جبريل ، وقيل حبيب (٥).

__________________

(١) ذكرها صاحب السبعة ٥٧٠ والدر المصون ٤ / ٦٨٨ والنشر ٢ / ٣٦٥ وهي قراءة متواترة.

(٢) وانظر هذين الفصلين في تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٧ / ٥٥ ، ٥٦.

(٣) زيادة عن النسختين يقتضيها السياق.

(٤) في الحديث الذي رواه الإمام الرازي علي بن طالب وليس أبو بكر وهو الأصح.

(٥) انظر تفسيري البغوي والخازن ٦ / ٩٣ وتفسير الرازي ٢٧ / ٥٧ والكشاف ٣ / ٤٢٣.

٣٨

قوله : (رَجُلٌ مُؤْمِنٌ) الأكثرون قرأوا بضم الجيم ، وقرىء رجل بكسر الجيم كما يقال : عضد في عضد (١). وقرأ الأعمش وعبد الوارث بتسكينها وهي لغة تميم ونجد (٢) والأولى هي الفصحى.

قوله (مِنْ آلِ) يحتمل أن يكون متعلقا «بيكتم» بعده أي يكتم إيمانه من آل فرعون(٣).

قيل : هذا الاحتمال غير جائز ؛ لأنه لا يقال : كتمت من فلان كذا ، إنما يقال : كتمته كذا ، قال تعالى : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) [النساء : ٤٢] بل الظاهر تعلقه بمحذوف صفة لرجل (٤).

قال ابن الخطيب : يجوز أن يكون متعلقا بقوله : «مؤمن» وإن كان ذلك المؤمن شخصا من آل فرعون (٥).

قال شهاب الدين : وجاء هنا على أحسن ترتيب حيث قدم المفرد ثم ما يقرب منه وهو حرف الجر ثم الجملة (٦) وقد تقدم أيضا هذه المسألة في المائدة وغيرها ويترتب على الوجهين هل كان هذا الرجل من قرابة فرعون فعلى الأولى لا دليل فيه ، وقد رد بعضهم الأول (٧) بما تقدم ، وأنه لا يقال : كتمت من فلان كذا إنما يقال : كتمت فلانا كذا فيتعدى لاثنين بنفسه ، قال تعالى: (لا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) وقال الشاعر :

٤٣٣٢ ـ كتمتك همّا بالجمومين ساهرا

وهمّين همّا مستكنّا وظاهرا

أحاديث نفس تشتكي ما يريبها

وورد هموم لن يجدن مصادرا (٨)

أي كتمتك أحاديث نفس وهمين ، فقدم المعطوف على المعطوف عليه ومحلّه الشعر (٩).

__________________

(١) ذكرها صاحب الكشاف في المرجع السابق والإمام الفخر في ٢٧ / ٥٧ ولم يحدد كل منهما القارىء وهي شاذة لم ترو في المتواتر.

(٢) البحر المحيط ٧ / ٤٦٠ والكشاف ٣ / ٤٢٣.

(٣) ذكره الرازي في المرجع السابق والسمين في الدر ٤ / ٦٨٨. وقال الزمخشري : «مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ» صفة لرجل أو صلة ليكتم أي يكتم إيمانه ، من آل فرعون.

(٤) انظر الدر المصون ٤ / ٦٨٨.

(٥) تفسيره ٢٧ / ٥٧.

(٦) الدر المصون المرجع السابق.

(٧) أي كون هذا الرجل من بني إسرائيل وهو ما قاله الإمام القشيري فيما نقله عنه الإمام القرطبي في الجامع ١٥ / ٣٠٧.

(٨) بيتان من الطويل لنابغة ذبيان ، والرواية : كتمتك ليلا ، والجمومين اسم ماء ، وساهرا : نعت لليل أو للهم على كلتا الروايتين. والشاهد : نصب «أحاديث» بكتم مفعولا ثانيا ، ويجوز أن تنصب على البدل من قوله «همّين». وعلى ذلك الإعراب لا شاهد فدل من موطن الشاهد أن «كتم» لا يتعدى بحرف الجر بل بنفسه. وقد تقدم.

(٩) شرح ديوان النابغة للأعلم ٦٧ وانظر البيت في البحر المحيط ٧ / ٤٦٠ والدر المصون ٤ / ٦٨٨ ، والدر اللقيط على البحر ذاته والديوان ٦٧.

٣٩

قوله (أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ) أي كراهة أن يقول ، أو لأن يقول (١). قال الزمخشري : ولك أن تقدر مضافا محذوفا أي وقت أن يقول والمعنى أتقتلونه ساعة سمعتم منه هذا القول من غير روية ولا فكر (في أمره) (٢) وهذا الذي أجازه رده أبو حيان بأن تقدير هذا الوقت لا يجوز إلا مع المصدر المصرّح به ، تقول : صياح الدّيك أي وقت صياحه ، ولو قلت : أجيئك أن صاح الديك أو أن يصيح لم يصح نص عليه النحويون (٣).

قوله : (وَقَدْ جاءَكُمْ) جملة حالية ، يجوز أن تكون من المفعول.

فإن قيل : هو (٤) نكرة.

فالجواب : أنه في حيّز الاستفهام وكل ما سوغ الابتداء بالنكرة سوغ انتصاب الحال عنها ، ويجوز أن تكون حالا من الفاعل (٥).

فصل

لما حكى الله تعالى عن موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه ما زاد في دفع مكر فرعون وشره على الاستعاذة بالله بين أنه تعالى قيّض له إنسانا أجنبيا حتى ذب عنه بأحسن الوجوه وبالغ في تسكين تلك الفتنة فقال : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) وهذا استفهام على سبيل الإنكار ، وذكر في هذا الكلام ما يدل على حسن ذلك الإنكار ، وذلك لأنه ما زاد على أن قا : ربي الله وجاء بالبينات ، وذلك لا يوجب القتل البتة فقوله : (وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ) يحتمل وجهين :

الأول : أن قوله (رَبِّيَ اللهُ) إشارة إلى تعزيز النبوة بإظهار المعجزة.

الثاني : أن قوله (رَبِّيَ اللهُ) إشارة إلى التوحيد.

وقوله : (قَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ) إشارة إلى الدلائل الدالة على التوحيد ، ثم ذكر ذلك المؤمن حجة ثانية على أن الإقدام على قتله غير جائز ، وهي حجة مذكورة على طريق التقسيم فقال : إن كان هذا الرجل كاذبا كان وبال كذبه عائدا عليه فاتركوه وإن كان صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم فعلى كلا التقديرين الأولى إبقاؤه حيّا.

فإن قيل : الإشكال على هذا الدليل من وجهين :

__________________

(١) هذا قول أبي البقاء في تبيانه ١١١٨ والزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٣٤ وأبي حيان في البحر ٧ / ٤٦٠ ومعاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٧١.

(٢) زيادة من الكشاف وانظر الكشاف المرجع السابق.

(٣) قاله في بحره ٧ / ٤٦٠ بالمعنى.

(٤) تصحيح من السمين والمقام وفي النسختين «هي» وهو يتكلم عن المفعول وهو مذكو وهو «رجلا».

(٥) وقد أعربها أبو البقاء حالا في تبيانه ١١١٨ دون تحديد صاحب الحال وقد فصل القول السمين في الدر ٤ / ٦٨٩.

٤٠