اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٧

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٧

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٨٤

فصل

المشهور أن المراد من هذا الجعل أنهم أثبتوا لله ولدا بمعنى حكموا به ، كما تقول : جعلت زيدا أفضل الناس أي وصفته وحكمت به ، وذلك قولهم : الملائكة بنات الله ؛ لأن ولد الرجل جزء منه ، قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «فاطمة بضعة منّي» (١). والمعقول من الولد أن ينفصل من الوالد جزء من أجزائه ثم يتربى ذلك الجزء ويتولد منه شخص مثل ذلك الأصل ، وإذا كان كذلك فولد الرجل جزء منه (٢).

وقيل : المراد بالجزء إثبات الشركاء لله ، وذلك أنهم لما أثبتوا الشركاء فقد زعموا أن كل العباد ليست لله ، بل بعضها لله ، وبعضها لغير الله ، فهم ما جعلوا لله من عباده كلهم ، بل جعلوا له من بعضهم جزءا منهم. قالوا : وهذا القول أولى ، لأنا إذا حملنا هذه الآية على إنكار الشريك لله وحملنا الآية التي بعدها على إنكار الولد لله كانت الآية جامعة للرد على جميع المبطلين ، ثم قال : ز (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ) يعني الكافر لكفور جحود لنعم الله «مبين» ظاهر الكفر (٣).

قوله : (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ) هذا استفهام توبيخ وإنكار ، يقول اتخذ ربّكم لنفسه البنات و «أصفاكم» أخلصكم بالبنين يقال : أصفيت فلانا أي آثرته به إيثارا حصل له على سبيل الصفاء من غير أن يكون له فيه مشارك ، كقوله : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ)(٤) فقوله : «وأصفاكم» يجوز أن يكون داخلا في حيز الإنكار معطوفا على «اتّخذ» ، ويجوز أن يكون حالا ، أي أم اتّخذ في هذه الحاله (٥). و «قد» مقدرة (٦) عند الجمهور.

فصل

واعلم أن الله تعالى رتّب هذه المناظر على أحسن الوجوه ، وذلك لأنه بين أن إثبات

__________________

(١) ذكره الإمام السيوطي في جامع الأحاديث ٤ / ٦٢٢ عن المسور ـ رضي الله عنه ـ.

(٢) ذكره الرازي في تفسيره ٢٧ / ٢٠٠ قال : وهو المشهور.

(٣) السابق ، وانظر أيضا الكشاف ٣ / ٤٨١ ، والقرطبي ١٦ / ٦٩.

(٤) وهو بتوضيح وتفصيل من المؤلف لما في القرطبي ١٦ / ٧٠.

(٥) نقله في الدر المصون ٤ / ٧٧٦.

(٦) نقل الإمام السيوطي في الهمع أن الماضي المثبت المتصرف غير التالي إلا ، والمتلو بأو العاري من الضمير إيجاب قد مع الواو كقوله : فجئت وقد نضت لنوم ثيابها. فإن كان جامدا كليس ، أو منفيا ، فلا نحو : جاء زيد وما طلعت الشمس ثم قال : هذا ما جزم به المتأخرون كابن عصفور ، والأبّذيّ ، والجزوليّ ، وهو قول الفارسي ، والمبرد. قال أبو حيان : والصحيح وقوع الماضي حالا بدون «قد» ولا يحتاج إلى تقديرها لكثرة ورود ذلك وتأول الكثير ضعيف جدا ، لأنا إنما نبني المقاييس العربية على وجود الكثرة. وهذا مذهب الأخفش أيضا فيما نقله صاحب اللباب عن الكوقيين ، وابن أصبغ عن الجمهور. انظر الهمع ١ / ٢٤٧ بتصرف.

٢٤١

الولد لله محال ، وبتقدير أن ثبت الولد فجعله بنتا محال أيضا.

أما بيان أن إثبات الولد لله محال ؛ فلأن الولد لا بدّ وأن يكون جزءا من الوالد ، ولمّا (١) كان له جزء كان مركبا ، وكل مركب ممكن وأيضا ما كان كذلك ، فإنه يقبل الاتّصال والانفصال والاجتماع والافتراق وما كان كذلك فهو محدث عبد ، فلا يكون إلها قديما أزليّا (٢).

وأما المقام الثاني وهو أن يكون لله ولد فإنه يمتنع أن يكون بنتا ، لأن الابن أفضل من البنت فلو اتخذ لنفسه البنات وأعطى البنين لعباده لزم أن يكون حال العبد أفضل وأكمل من حال الله ، وذلك مدفوع ببديهة العقل (٣).

قوله : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ) تقدم نظيره (٤). قال الزمخشري : «وقرىء هنا : وجهه مسودّ ومسوادّ بالرفع على أنها جملة في موضع خبر «ظل» ، واسم «ظل» ضمير الشأن»(٥).

فصل

والمعنى بما ضرب للرحمن مثلا ، أي جعل لله شبها ؛ لأنّ ولد كلّ شيء يشبهه ، (ظَلَّ وَجْهُهُ) أي صار وجهه (مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) من الحزن والغيظ (٦). والمعنى أن الذي بلغ حاله في النقص إلى هذا الحد كيف يجوز للعاقل إثباته (٧)؟ روي أن بعض العرب هجر بيته حين وضعت امرأته بنتا فقالت المرأة :

٤٣٩٨ ـ ما لأبي حمزة لا يأتينا

يظلّ في البيت الّذي يلينا

غضبان أن لا نلد البنينا

ليس لنا من القضاء ما شينا

وإنّما نأخذ ما أعطينا (٨)

__________________

(١) في ب والرازي : وما كان له جزء ، بدون اللام.

(٢) كذا في الرازي وفي ب فقط أوليا.

(٣) وانظر في هذا كله تفسير الرازي ٢٧ / ٢٠١.

(٤) وهو قوله تعالى في سورة النحل الآية (٥٨) «وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ» أي بأن ولدت له بنت ، ومن حالهم أن أحدهم إذا قيل له : قد ولدت له أنثى اغتم ، واربدّ وجهه غيظا وتأسفا وهو مملوء من الكرب.

(٥) بالمعنى من الكشاف ٣ / ٤٨٢.

(٦) المرجع السابق.

(٧) قاله الرازي في تفسيره الكبير ٢٧ / ٢٠١.

(٨) ذكر هذه الأبيات الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٨٢ وهي : أرجاز لامرأة حمزة الضبي ، وانظر البيان والتبيين للجاحظ ١ / ١٦٣ ، وشرح شواهد الكشاف ٥٥٨ ، ٥٥٩ والفخر الرازي ٢٧ / ٢٠٢ وفي هذه المراجع : من أمرنا ما شينا. وفي النسختين : من القضاء.

٢٤٢

قوله تعالى : (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ ...) يجوز في «من» وجهان :

أحدهما : أن تكون في محل نصب مفعولا بفعل مقدر ، أي : أو تجعلون من ينشّأ في الحلية.

والثاني : أنه مبتدأ وخبره محذوف ، تقديره أو من ينشّأ جزء أو ولد ، إذ جعلوا الله جزءا(١).

وقال البغوي : يجوز أن يكون من في محل خفض ردّا على قوله : مما يخلق ، وقوله : «بما ضرب» (٢). وقرأ العامة ينشأ ـ بفتح الياء وسكون النون ـ من نشأ في كذا ينشأ فيه. والأخوان(٣) وحفص بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين مبنيا للمفعول أي يربّى وقرأ الجحدريّ كذلك ، إلا أنه خفف الشين أخذه من أنشأه (٤). والحسن : يناشأ كيقاتل ، مبنيا للمفعول (٥). والمفاعلة تأتي بمعنى الإفعال ، كالمعالاة بمعنى الإعلاء (٦).

فصل

المراد من هذا الكلام التنبيه على نقصانها (٧) والمعنى : أن الذي يتربى (٨) في الحلية والزينة يكون ناقص الذات ؛ لأنه لولا نقصانها في ذاتها لما احتاجت إلى تزيين نفسها بالحلية ، ثم بين نقصان حالها بطريق آخر وهو قوله : (وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ)(٩) الجملة حال. و (فِي الْخِصامِ) يجوز أن يتعلق بمحذوف يدل عليه ما بعده تقديره وهو لا يبين في الخصام أي الحجة ويجوز أن يتعلق «بمبين» (١٠) وجاز للمضاف إليه أن يعمل

__________________

(١) قال بهذين الوجهين أبو البقاء في التبيان ١٠٣٨ والسمين في الدر المصون نقلا عنه ٤ / ٧٧٦ ، وأبو حيان في البحر ٨ / ٨ كما قال به قبل الفراء في المعاني ٣ / ٢٩ كما قال به ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٥٢.

(٢) انظر معالم التنزيل للبغوي.

(٣) معروف أنهما حمزة والكسائي وقد ذكر في الإتحاف هذه القراءات الأربع جميعا انظر الإتحاف ٣٨٥ وذكر القرائتين الأوليين وهما متواترتان ابن خالويه في الحجة ٣٢٠ ، وابن مجاهد في السبعة ٥٨٤ فضلا عن البناء في الإتحاف السابق.

(٤) ذكرها مع صاحب الإتحاف ابن خالويه في المختصر ١٣٤ من الشواذ.

(٥) السابقين وانظر أيضا الكشاف ٣ / ٤٨٢ والبحر ٨ / ٨.

(٦) البحر المحيط ٨ / ٨ المرجع السابق.

(٧) أي الحلية.

(٨) كذا هو الأصح من ب والرازي وفي أالجاهلية تحريف غير مقصود.

(٩) قال الرازي : يعني أنها إذا احتاجت المخاصمة والمنازعة عجزت وكانت غير مبين وذلك لضعف لسانها وقلة عقلها وبلادة طبعها. انظر الرازي ٢٧ / ٢٠٢.

(١٠) ذكر هذين الوجهين العكبري في التبيان ١٠٣٨.

٢٤٣

فيما قبل المضاف ، لأنّ غير بمعنى «لا» (١) كما تقدم تحقيقه آخر الفاتحة (٢).

فصل

المعنى وهو في المخاصمة غير مبين الحجة من ضعفهن وسقمهنّ (٣). قال قتادة في هذه الآية : كل ما تتكلم امرأة ، فتريد أن تتكلم بحجّتها إلا تكلمت بالحجّة عليها (٤).

قوله : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) جعلوا أي حكموا به (٥). وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر : «عند الرّحمن» ظرفا (٦) ويؤيده قوله : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) [الأعراف : ٢٠٦] والباقون «عباد» جمع عبد والرسم يحتملهما. وقرأ الأعمش كذلك ، إلا أنه نصب «عباد» على إضمار فعل ، أي الذين هم خلقوا عبادا ونحوه (٧) وقرأ عبد الله وكذلك هي في مصحفه الملائكة عباد الرحمن (٨) وأبي عبد الرحمن بالإفراد (٩) ، وإناثا هو المفعول الثاني للجعل بمعنى الاعتقاد أو التصيير القولي. وقرأ زيد بن عليّ : أنثا جمع الجمع (١٠).

قوله : «أشهدوا» قرأ نافع بهمزة مفتوحة ، ثم بأخرى مضمومة مسهّلة بينها وبين الواو وسكون الشين على ما لم يسمّ فاعله أي أحضروا خلقهم حين خلقوا ، كقوله : (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ)(١١). وهذا استفهام على سبيل الإنكار. وقرأ قالون ذلك بالمد يعني بإدخال ألف بين الهمزتين ، والقصر يعني بعدم الألف. والباقون بفتح الشين بعد همزة واحدة (١٢). فنافع أدخل همزة للتوبيخ على «أشهدوا» فعلا رباعيا مبنيّا

__________________

(١) ففيها معنى النفي فكأنه قال : وهو لا يبين في الخصام فلا مشكلة حينئذ. بتصرف من البيان للعكبري المرجع السابق.

(٢) اللباب ١ / ٢٧ ب ميكروفيلم.

(٣) كذا في ب وفي الأصل : وسفههن ؛ والأول أقرب.

(٤) نقله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٦ / ٧٢ بالمعنى وكذلك الزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٠٧.

(٥) قاله الزجاج في مرجعه السابق.

(٦) قراءة سبعية متواترة ذكرها مكّي في الكشف ٢ / ٢٥٦ ، وابن خالويه في الحجة ٣٢٠ ، كما ذكرها صاحبها الإتحاف والبحر ٣٨٥ و ٨ / ١٠.

(٧) شاذة ذكرها ابن خالويه في مختصره ١٣٥ قال : «هي في مصحف ابن مسعود كذلك».

(٨) المرجع السابق.

(٩) ذكرها أبو حيان في البحر المحيط ٨ / ١٠ ، قال : «ومعناه الجمع لأنه اسم جنس».

(١٠) المرجع السابق وجمع الجمع هو أنث جمعا للجمع إناث جمع لأنثى المفرد.

(١١) ١٥٠ من الصافات وانظر الإتحاف ٣٨٥ والسبعة ٥٨٥ أقول وقد ورد عن نافع : أو شهدوا ، والباقون عن نافع لا يمدون ، وانظر السبعة المرجع السابق.

(١٢) انظر إتحاف فضلاء البشر ٣٨٥ والدر المصون ٤ / ٧٧٧.

٢٤٤

للمفعول فسهّل همزته الثانية وأدخل ألفا بينهما كراهة لاجتماعهما ، وتارة لم يدخلها اكتفاء بتسهيل الثانية وهي أوجه (١). والباقون أدخلوا همزة الإنكار على «شهدوا» ثلاثيا (٢). ولم ينقل أبو حيان عن نافع تسهيل الثانية. بل نقله عن عليّ بن أبي طالب (٣).

وقرأ الزهري أشهدوا رباعيا مبنيا للمفعول (٤) وفيه وجهان :

أحدهما : أن يكون حذف الهمزة لدلالة القراءة الأخرى عليها ، كما تقدم في قراءة أعجميّ.

والثاني : أن تكون الجملة خبرية ، وقعت صفة لإناثا ، أي أجعلوهم إناثا مشهودا (٥) خلقهم كذلك.

قوله : (سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ) قرأ العامة ستكتب بالتاء من فوق مبنيا للمفعول «شهادتهم» بالرفع لقيامه مقام الفاعل. وقرأ الحسن : شهاداتهم بالجمع (٦) ، والزّهريّ : سيكتب بالياء من تحت (٧) وهو (٨) في الباقي كالعامة. وابن عباس وزيد بن عليّ وأبو جعفر وأبو حيوة سنكتب ـ بنون العظمة (٩) ـ شهادتهم بالنصب مفعولا به.

فصل

المعنى سنكتب شهادتهم على الملائكة أنهم بنات الله ويسألون عنها. قال الكلبي ومقاتل : لما قالوا هذا القول سألهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال : ما يدريكم أنهم إناث؟ قالوا : سمعنا من آبائنا ونحن نشهد أنهم لم يكذّبوا فقال الله تعالى : (سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ) عنها في الآخرة وهذا يدل على أن القول بغير دليل منكر ، وأن التقليد حرام يوجب الذم العظيم ، والعقاب الشديد.

__________________

(١) انظر الكشف في القراءات السبع ٢ / ٣٥٧ وحجة ابن خالويه ٣٢١.

(٢) المراجع السابقة وانظر في هذا كله الدر المصون ٤ / ٧٧٧.

(٣) قال : «وعلي بن أبي طالب وابن عباس ومجاهد في رواية أبي عمرو ونافع بتسهيل الثانية بلا مد».

(٤) نقلها أبو الفتح بن جني في المحتسب ٢ / ٣٥٤ وهي شاذة وكذا نقلها الإمام القرطبي ١٦ / ٧٣.

(٥) الأفصح ـ كما في المحتسب ـ مشاهدا. وهذان التوجيهان نقلهما ابن جني في المحتسب المرجع السابق بالمعنى. وانظر القراءة المشار إليها في سورة فصّلت.

(٦) نقلها صاحب الإتحاف ٣٨٥ ، وصاحب المختصر ١٣٥ وهي من الأربع فوق الغشر المتواتر.

(٧) ولم ينسبها أبو حيان في البحر ٨ / ١٠ ، بل نسبها صاحب الدر المصون ٤ / ٧٧٧ وهي من الشواذ غير المتواترة.

(٨) أي الزهري في باقي الآية.

(٩) نسبها القرطبي إلى السلمي وابن السّميقع ، وهبيرة عن حفص وابن خالويه في المختصر ٣٢١ نسبها للأعرج وما هو أعلى موافق لما في البحر المحيط لأبي حيان ٨ / ١٠ والدر المصون للسمين ٤ / ٧٧٧.

٢٤٥

قال المحققون : هؤلاء الكفار كفروا في هذا القول من ثلاثة أوجه :

أولها : إثبات الولد.

ثانيها : أن ذلك الولد بنت.

وثالثها : الحكم على هؤلاء الملائكة بالأنوثة (١).

فصل

احتج من قال بتفضيل الملائكة على البشر بهذه القراءات ، أما قراءة «عند» بالنون ، فهذه العندية لا شك أنها عندية الفضل والقرب من الله تعالى بسبب الطاعة ولفظة «هم» يوجب الحصر والمعنى أنهم هم الموصوفون بهذه العندية لا غيرهم ، فوجب كونهم أفضل من غيرهم ، رعاية للفظ الدال على الحصر (٢).

وأما قراءة عباد جمع «العبد» فقد تقدم أن لفظ العباد في القرآن مخصوص بالمؤمنين ، فقوله (عِبادُ الرَّحْمنِ) يفيد حصر العبوديّة فيهم ، فإذا كان اللّفظ الدّال على العبوديّة دالا على حصر الفضل والقرب والشرف لهم وجب كونهم أفضل ؛ والله أعلم (٣).

قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ...) الآية يعني الملائكة قاله قتادة ومقاتل والكلبي. وقال مجاهد : يعني الأوثان. وإنما لم يعجل عقوبتنا على عبادتنا إياهم ، لرضاه منا بعبادتها (٤) وهذا نوع آخر من كفرهم وشبهاتهم.

فصل

قالت المعتزلة : هذه الآية تدل على فساد القول بالجبر في أن كفر الكافر يقع بإرادة الله من وجهين :

الأول : أنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا : لو شاء الرحمن ما عبدناهم وهذا تصريح بقول المجبرة. ثم إنه تعالى أبطله بقولهم : (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) فثبت باطلان هذا المذهب ونظيره قوله تعالى في سورة الأنعام : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) إلى قوله : (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) [الأنعام : ١٤٨].

الثاني : أنه تعالى حكى عنهم قبل هذه الآية أنواع كفرهم ، فأولها : قوله (تعالى) : (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) وثانيها : قوله : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) وثالثها : قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ).

__________________

(١) الرازي ٢٧ / ٢٠٢ و ٢٠٣.

(٢) السابق أيضا.

(٣) الرازي المرجع السابق.

(٤) القرطبي ١٦ / ٧٣ و ٧٤.

٢٤٦

فلما حكى هذه الأقاويل بعضها على إثر بعض وثبت أن القولين الأولين كفر محض ، فكذلك هذا القول الثالث يجب أن يكون كفرا وأجاب الواحدي في البسيط بوجهين :

الأول : ما ذكره الزجاج وهو أن قوله تعالى : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) عائد إلى قولهم : الملائكة بنات الله (١).

والثاني : أنهم أرادوا بقولهم : لو شاء الرحمن ما عبدناهم أنه أمرنا بذلك ورضي بذلك فقررنا عليه فأنكر عليهم ذلك.

قال ابن الخطيب : وهذان الوجهان عندي ضعيفان ، أما الأول ، فلأنه تعالى حكى عن القوم قولين باطلين ، وبين وجه باطلانهما ، ثم حكى بعده وجها ثالثا في مسألة أجنبية عن المسألتين الأوليين (٢) ، ثم حكى الباطلان ، والوعيد ، فصرف هذا الإبطال الذي ذكره عنه إلى كلام متقدم وأجنبي عنه في غاية البعد. وأما الوجه الثاني : فهو أيضا ضعيف ؛ لأن قوله : (لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) ليس فيه بيان متعلق خلاف تلك المشيئة والإجمال خلاف الدليل ، فوجب أن يكون التقدير : لو شاء الله أن نعبدهم ما عبدناهم. وكلمة «لو» تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره ، فهذا يدل على أنه لم توجد مشيئة لعدم عبادتهم ، وهذا غير مذهب المجبرة. والإبطال والإفساد يرجع إلى فساد هذا المعنى.

ومن الناس من أجاب عن هذا الاستدلال بأن قال : إنهم لما ذكروا ذلك الكلام على سبيل الاستهزاء والسخرية ، فلهذا السبب استوجبوا الظن والذم (٣). وأجاب الزمخشري عنه من وجهين:

الأول : أنه ليس في اللفظ ما يدل على أنهم قالوه مستهزئين ، وادعاء ما لا دليل عليه باطل.

الثاني : أنه تعالى حكى فيهم ثلاثة أشياء وهي أنهم جعلوا له من عباده جزءا ، وأنهم جعلوا الملائكة إناثا ، وأنهم قالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم فلو قلنا بأنه إنما جاء الذم على القول الثالث لأنهم قالوه على طريق الهزء لا على سبيل الجدّ وجب أن يكون الحال

__________________

(١) قال : المعنى ما لهم بقولهم : إن الملائكة بنات الله من علم ، ولا بجميع ما تخرصوا به. معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٠٨.

(٢) في ب الأولتين تحريف وتصحيف.

(٣) بتوضيح وشرح لكلام الزمخشري من الرازي ٢٧ / ٢٠٤ و ٢٠٥ وانظر الكشاف ٣ / ٤٨٣ و ٤٨٤ بالمعنى.

٢٤٧

في الحكاية للقولين كذلك فيلزم أنهم لو نطقوا بتلك الأشياء على سبيل الجد أن يكونوا محقين ومعلوم (١) أنه كفر (٢).

وأما القول بأن الظن (٣) في القولين الأولين إنما يوجد (٤) على بعض (٥) ذلك القول وبعض(٦) القول الثالث لا على نفسه ، بل على إيراده على سبيل الاستهزاء فهذا يوجب تشويش النظم ، وأنهم لا يجوز في كلام الله تعالى.

قال ابن الخطيب : والجواب الحق عندي عن هذا الحكم هو ما ذكرنا في سورة الأنعام وهو أن القوم لما ذكروا هذا الكلام ، استدلوا بمشيئة الله تعالى للكفر على أنه لا يجوز ورود الأمر بالإيمان ، فاعتقدوا أن الأمر والإرادة يجب كونهما متطابقين وعندنا أن هذا باطل فالقوم لم يستحقوا الذم لمجرد قولهم : إن الله يريد الكفر من الكافر ، بل لأجل أنهم قالوا : لما أراد الكفر من الكافر وجب أن يقبح منه أمر الكافر بالإيمان ، فإذا صرفنا الذمّ إلى هذا المقام سقط استدلال المعتزلة بهذه الآية. وتمام التقرير موجود في سورة الأنعام (٧).

قوله : (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) فيما يقولون (إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) ما هم إلا كاذبون في قولهم : إن الله رضي عنّا بعبادتنا. وقيل : إن هم إلا يخرصون في قولهم : الملائكة إناث وهم بنات الله.

قوله : (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ) أي من قبل القرآن (٨) ، أو الرسول (٩) بأن يعبد غير الله (فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) يعني أن القول الباطل الذي حكاه الله عنهم عرفوا صحته بالعقل أو بالنقل؟ أما إثباته بالعقل فهو أيضا باطل ، لقوله تعالى : (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) والمعنى أنهم وجدوا ذلك الباطل في كتاب منزل قبل القرآن ، حتى جاز لهم أن يتمسكوا به؟ فذكر هذا في معرض الإنكار.

قوله : (بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) والمقصود أنه تعالى لما بين أنه لا دليل على صحة قولهم ألبتة لا من العقل ولا من النقل ، بين أنه ليس لهم حامل يحملهم عليه إلا التقليد المحض. ثم بين أن تمسك الجهال بالتقليد أمر كان حاصلا من قديم الزمان فقال : (وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ

__________________

(١) في ب بأنه.

(٢) بالمعنى من الكشاف المرجع السابق ، وباللفظ من الفخر الرازي ٢٧ / ٢٠٤ ، ٢٠٥.

(٣) كذا في النسختين وفي الرازي : الطعن بدل الظن.

(٤) وفيه : «توجه» بدل يوجد.

(٥) وفيه : نفس بدل بعض.

(٦) وفيه : وفي القول بدل : وبعض القول.

(٧) وانظر تفسير الرازي ٢٧ / ٢٠٥.

(٨) قاله القرطبي ١٦ / ٧٤.

(٩) قاله به وسبقه الرازي في المرجع السابق.

٢٤٨

مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ)(١) ، قوله : أمه العامة على ضم الهمزة بمعنى الطريقة والدين قال قيس بن الخطيم :

٤٣٩٩ ـ كنّا على أمّة آبائنا

ويقتدي بالأوّل الآخر (٢)

أي على طريقتهم ، وقال آخر :

٤٤٠٠ ـ هل يستوي ذو أمّة وكفور (٣)

أي ذو دين. وقرأ مجاهد وقتادة وعمر بن العزيز بالكسر (٤).

قال الجوهري : (هي (٥) الطريقة الحسنة لغة في أمّة (٦) بالضم قال الزمخشري) : كلتاهما من الأمّ وهو القصد ، والأمّة الطريقة التي تؤم كالرحلة للمرحول إليه ، والإمّة الحالة (التي (٧)) يكون عليها الآمّ وهو القاصد (٨). وقرأ ابن عباس بالفتح وهي المرة من الأم (٩) ، والمراد بها القصد والحال.

فصل

المراد بالمترفين الأغنياء والرؤساء. والمترف هو الذي آثر النعمة ، فلا يحب إلا الشهوات والملاهي ويبغض المشاق في طلب الحق. وإذا عرف ذلك علمنا أن رأس جميع الآفات حب الدنيا واللذات الجسمانية ورأس جميع الخيرات هو حب الله تعالى ، والدار الآخرة ، ولهذا قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : حبّ الدّنيا رأس كلّ خطيئة.

قوله تعالى : (قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما

__________________

(١) وانظر ما سبق في تفسير الرازي بالمعنى ٢٧ / ٢٠٥ و ٢٠٦.

(٢) من السريع وهو لقيس كما أخبر أعلى ، وليس في ديوانه. وشاهده : أن أمة ـ بضم الأول وفتح الثاني مشددا ـ بمعنى الطريقة والدين وانظر الدر المصون ٤ / ٧٧٧ ، والبحر المحيط ٨ / ١١ والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٦ / ٧٤.

(٣) ذكر هكذا في اللسان والقرطبي ، والدر والبحر المرجع السابق وهو نصف بيت لم أعثر على تتمة له ، ويبدو أنه من الطويل ، والشاهد : أمة بمعنى الدين فلا يتساوى ذو دين بكافر والعياذ بالله. وانظر البيت في الدر المصون ٤ / ٧٧٨ والقرطبي ١٦ / ٧٥ ولسان العرب أمم ١٣٢ والبحر المحيط ٨ / ١١.

(٤) ذكرت في مختصر ابن خالويه ١٣٥ ، كما ذكرها الفراء في المعاني ٣ / ٣٠.

(٥) ما بين القوسين سقط من ب كلية بسبب انتقال النظر.

(٦) الصحاح أم م ٥ / ١٨٤٦.

(٧) سقط من ب.

(٨) انظر الكشاف ٣ / ٤٨٤ وانظر أيضا اللسان أمم.

(٩) قراءة شاذة هي وسابقتها ذكرها ابن خالويه في المختصر ١٣٥ قال : فتحتمل هذه القراءة على وجهين الطريقة الحسنة والنعمة ، وانظر أيضا البحر المحيط ٨ / ١١.

٢٤٩

أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٢٤) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)(٢٥)

قوله : (قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما ..) الآية. قرأ ابن عامر وحفص قال ماضيا مكان «قل» أمرا ، أي قال النذير أو الرسول وهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

والأمر في «قل» يجوز أن يكون للنذير ، أو الرسول وهو الظاهر. وقرأ أبو جعفر وشيبة : جئناكم بنون المتكلمين (٢) «بأهدى» أي بدين أصوب (مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ) وإن جئتكم بأهدى منه فعند هذا حكى الله عنهم أنهم قالوا : إنا لا ننفك عن دين آبائنا وإن جئتنا بما هو أهدى (فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) وإن كان أهدى مما كنا عليه فعند هذا لم يبق لهم عذر ، فلهذا قال تعالى : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) وهذا تهديد للكفار(٣).

قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧) وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(٢٨)

قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) لما بين في الآية المتقدمة أنه ليس لأولئك الكفار حجة إلا تقليد الآباء ، ثم بين أنه طريق باطل ، وأن الرجوع إلى الدليل أولى من التقليد أردفه بهذه الآية ، وهو وجه آخر يدل على فساد التقليد من وجهين :

الأول : أنه تعالى حكى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه تبرأ من دين آبائه بناء على الدليل وذلك أن تقليد الآباء في الأديان إما أن يكون محرما أو جائزا. فإن كان محرما فقد بطل القول بالتقليد ، وإن كان جائزا فمعلوم أن أشرف آباء العرب هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنهم لا يشرفو (ن) ولا يفتخرو (ن) إلا بكونهم من أولاده. وإذا كان كذلك فتقليد هذا الأب الذي هو أشرف الآباء أولى من تقليد سائر الآباء. وإذا ثبت أن تقليده أولى من تقليد غيره فنقول: إنه ترك دين الآباء وحكم بأن اتباع الدليل أولى من متابعة الآباء ، فوجب تقليده في ترجيح الدليل على التقليد (٤).

الوجه الثاني : أنه تعالى بين أن إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما عدل عن طريقة

__________________

(١) قراءة سبعية متواترة ، ذكرها ابن مجاهد في السبعة ٥٨٥. ومكي في الكشاف ٢ / ٢٥٨ وانظر أيضا الإتحاف ٣٨٥ ، وابراز المعاني ٦٧٩ والنشر ٢ / ٣٦٩.

(٢) قراءة عشرية انظر الإتحاف والنشر المرجعين السابقين.

(٣) الرازي ٢٧ / ٢٠٦ و ٢٠٧.

(٤) المرجع السابق نفسه.

٢٥٠

أبيه إلى متابعة الدليل لا جرم جعل الله دينه ومذهبه باقيا في عقبه إلى يوم القيامة ، وأما أديان آبائه فقد اندرست وبطلت. فثبت أن الرجوع إلى متابعة الدليل يبقى محمود الأثر إلى قيام الساعة ، وأن التقليد ينقطع أثره (١).

قوله : «براء» العامة على فتح الباء ، وألف وهمزة بعد الراء وهو مصدر في الأصل وقع موقع الصفة وهي بريء ، وبها قرأ الأعمش (٢). ولا يثنى «براء» ولا يجمع ، ولا يؤنث ، كالمصادر في الغالب. قال الزمخشري (٣) والفراء (٤) والمبرد (٥) : لا يقولون البراءان ، ولا البراءون ؛ لأن المعنى ذوا البراء (ة) وذوو (٦) البراءة. فإن قلت : منك (٧) ثنيت وجمعت.

وقرأ الزعفرانيّ وابن المبارك (٨) عن نافع ـ بضم الباء ، بزنة طوال وكرام ، يقال : طويل وطوال ، وبريء ، وبراء. وقرأ الأعمش بنون واحدة (٩).

قوله : (إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) فيه أربعة أوجه :

أحدها : أنه استثناء منقطع ، لأنهم (١٠) كانوا عبدة أصنام (١١) فقط (١٢).

الثاني : أنه متصل ؛ لأنه روي أنهم كانوا يشركون مع الباري غيره (١٣).

__________________

(١) المرجع السابق.

(٢) نقلها أبو حيان في البحر المحيط ٨ / ١١ ، قال : وهي لغة نجد وشيخيه ، وكذلك نقلها صاحب مختصر شواذ القراءات وهو ابن خالويه : إنّي بريء في موضع براء الأعمش ، وكذلك في مصحف عبد الله. انظر مختصر شواذ القراءات ١٣٥.

(٣) قال : «ولذلك استوى فيه الواحد والاثنان والجماعة والمذكر والمؤنث يقال : نحن البراء منك ، والخلاء منك». الكشاف ٣ / ٤٨٤.

(٤) قال في معاني القرآن ٣ / ٣٠ : «العرب تقول : نحن منك البراء والخلاء والواحد والاثنان والجميع من المؤنث والمذكر يقال فيه : براء ؛ لأنه مصدر ، ولو قال : بريء لقيل في الاثنين : بريئان ، وفي القوم بريئون وبرآء».

(٥) وكذا هو رأي الزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٠٩ وكذا الكسائي. انظر القرطبي ١٦ / ٧٦ والفخر الرازي ٢٧ / ٢٠٨.

(٦) ما كتبته أعلى هو الأصح ففي النسختين ذو ، بواو واحدة.

(٧) كذا في النسختين منك ، أي بريء منك. وفي الرازي : «فإن قلت بريء ثنيت وجمعت».

(٨) في البحر : وقرأ الزعفراني عن أبي جعفر وابن المناذري عن نافع بضم الياء وهنا ابن المبارك في النسختين.

(٩) المرجع السابق البحر والدر المصون ومختصر ابن خالويه ١٣٥ والإتحاف ٣٨٥.

(١٠) في ب وأنهم.

(١١) في ب الأصنام.

(١٢) وقد ذكره أبو إسحاق الزجاج في المعاني ٤ / ٤٠٩.

(١٣) ذكره هو وما قبله أبو حيان في البحر ٨ / ١١ ، ١٢.

٢٥١

الثالث : أن يكون مجرورا بدلا من «ما» الموصولة في قوله : (مِمَّا تَعْبُدُونَ) قاله الزمخشري (١). ورده أبو حيان : بأنه لا يجوز إلا في نفي أو شبهه. قال : «وغرّه كون «براء» في معنى النفي ، ولا ينفعه ذلك ، لأنه موجب» (٢). قال شهاب الدين : قد تأول النحاة ذلك في مواضع من القرآن كقوله : (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) [التوبة : ٣٢] ، (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) [البقرة : ٤٥]. والاستثناء المفرغ لا يكون في إيجاب ، ولكن لما كان «يأبى» بمعنى لا يفعل ، (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) بمعنى لا تسهل ولا تخفّ ساغ ذلك فهذا مثله (٣).

الرابع : أن تكون إلا صفة بمعنى غير على أن تكون «ما» نكرة موصوفة. قاله الزمخشري(٤). قال أبو حيان : وإنما أخرجها في هذا الوجه عن كونها موصولة ، لأنه يرى أن «إلّا» بمعنى غير لا يوصف بها إلا النكرة وفيها خلاف. فعلى هذا يجوز أن تكون «ما» موصولة» و «إلا» بمعنى غير صفة لها (٥).

فصل

(إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) أي خلقني (فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) يرشدني لدينه ويوفقني لطاعته.

قوله : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً) الضمير المرفوع لإبراهيم وهو الظاهر ، أو الله والضمير المنصوب لكلمة التوحيد المفهومة من قوله : (إِنَّنِي بَراءٌ) إلى آخره ، أو لأنها بمنزلة الكلمة ، فعاد الضمير على ذلك اللفظ لأجل المعنى به. وقرأ حميد بن قيس : كلمة ـ بكسر الكاف وسكون اللام ـ (٦). وقرىء : في عقبه بسكون القاف (٧). وقرىء : في عاقبه (٨) أي ورائه ، والمعنى أن هذه الكلمة كلمة باقية في عقبه أي في ذريته. قال قتادة : لا يزال في ذريته من يعبد الله ويوحّده. قال القرظيّ (٩) : يعني وجعل وصية إبراهيم التي وصى بها بنيه باقية في ذريته. وهو قوله تعالى ـ عزوجل ـ : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ) [البقرة : ١٣٢]. قال ابن زيد : يعني قوله : (أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) وقرأ : (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ)(١٠) [الحج : ٧٨] (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) لعل أهل مكة يتبعون هذا الدين ويرجعون عما هم عليه إلى دين إبراهيم. قال السدي : لعلهم يتوبون ويرجعون إلى طاعة الله عزوجل.

__________________

(١) الكشاف ٣ / ٤٨٤.

(٢) بالمعنى من البحر ٨ / ١٢.

(٣) الدر المصون ٤ / ٧٧٩.

(٤) الكشاف له ٣ / ٤٨٤.

(٥) بالمعنى من البحر المحيط ٨ / ١٢.

(٦) شاذة غير متواترة انظر مختصر ابن خالويه ١٣٥.

(٧) انظر البحر ٨ / ١٢ والكشاف ٣ / ٤٨٥ ونسبها صاحب الشواذ إلى إسحاق ٢١٧.

(٨) نسبها المرجع السابق إلى قتادة.

(٩) تصحيح عن النسختين ففيهما القرطبي وليس هو.

(١٠) انظر هذه المعاني في القرطبي ١٦ / ٧٧.

٢٥٢

قوله تعالى : (بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (٢٩) وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ (٣٠) وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)(٣٢)

قوله : (بَلْ مَتَّعْتُ) قرأ الجمهور ـ متّعت ـ بتاء المتكلم وقتادة ، والأعمش بفتحها للمخاطب خاطب إبراهيم أو محمد ربه بذلك. وبها قرأ نافع في رواية يعقوب (١). والأعمش أيضا : بل متّعنا بنون العظمة (٢) هؤلاء وآباءهم يعني أهل مكة وهم عقب إبراهيم يريد مشركي مكة ، ولم أعاجلهم بالعقوبة على الكفر (حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ) وهو القرآن. وقال الضحاك : يعني الإسلام (٣)(وَرَسُولٌ مُبِينٌ) برسالة واضحة يبين لهم الأحكام ، وهو محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فلم يطيقوه وعصوا ، وكذبوا به ، وسموه ساحرا ووجه النظم أنهم لما عولوا على تقليد الآباء ولم يتفكروا في الحجة اغتروا بطول الإمهال ، وإمتاع الله إياهم بنعيم الدنيا ، فأعرضوا عن الحق (٤). وقال الزمخشري :

فإن قيل (٥) : ما وجه من قرأ : متّعت ، بفتح التاء؟.

قلنا (٦) : كأن الله سبحانه وتعالى اعترض على ذاته في قوله : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) فقال : بل متّعتهم بما متعتهم به من طول العمر والسّعة في الرزق حتى منعهم (٧) ذلك عن كلمة التوحيد وأراد بذلك المبالغة في تعييرهم ، لأنه إذا متعهم بزيادة النعم ، وجب عليهم أن يجعلوا ذلك شيئا في زيادة الشكر ، والثبات على التوحيد (٨) ، لا أن يشركوا به ويجعلوا له أندادا ، فمثاله أن يشكو الرجل إساءة من أحسن إليه ، ثم يقبل على نفسه ، فيقول : أنت السبب في ذلك بمعروفك وإحسانك إليه (٩) ويريد (١٠) بهذا الكلام توبيخ المسيء لا تقبيح فعل نفسه (١١).

__________________

(١) لم ترد عن نافع في المتواتر. انظر البحر المحيط ٨ / ١٢.

(٢) قال أبو حيان : وهي تعضد قراءة الجمهور وانظر هذه القراءة هي وسابقتها في البحر ٨ / ١٢ والدر المصون ٤ / ٧٨٠.

(٣) القرطبي ١٦ / ٨٢.

(٤) الرازي ٢٧ / ٢٠٨.

(٥) في ب إن قيل ، وفي الزمخشري : فإن قلت كالعادة.

(٦) في الكشاف : قلت.

(٧) في الكشاف : شغلهم.

(٨) وفيه : والإيمان.

(٩) زيادة عن الكشاف.

(١٠) في الكشاف وغرضه.

(١١) وفيه : فعله لا فعل نفسه ؛ وانظر الكشاف ٣ / ٨٥.

٢٥٣

قوله : (وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ) وهو القرآن (قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) هذا نوع آخر من كفر آبائهم ، وهو أنهم قالوا : منصب الرسالة منصب شريف فلا يليق إلا برجل شريف ، وصدقوا في ذلك ، إلا أنهم ضموا إليه مقدّمة فاسدة ، وهو أن الرجل الشريف عندهم هو الذي يكون كثير المال والجاه ، ومحمد ليس كذلك ، فلا تليق رسالة الله به ، وإنما يليق هذا المنصب برجل عظيم الجاه ، كثير المال ، يعنون الوليد بن المغيرة بمكة ، وعروة بن مسعود الثّقفيّ بالطائف. قاله قتادة. وقال مجاهد : عتبة بن ربيعة من مكة وعبد ياليل الثقفيّ من الطائف. وعن ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ هو الوليد بن المغيرة من مكة ، ومن الطائف حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي (١) وقيل : من إحدى القريتين. وقيل : المراد عروة بن مسعود الثّقفي كان بالطائف وكان يتردد بين القريتين فنسب إلى كليهما (٢). وقرئ : رجل بسكون العين ، وهي تميميّة (٣).

قوله : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) يعني النبوة. والهمزة للإنكار. وهذا إبطال لشبهتهم وتقريره من وجوه :

الأول : أنا إذا أوقعنا التفاوت في مناصب الدنيا ، ولم يقدر أحد من الخلق على التفسير ، فالتفاوت الذي أوقعناه في مناصب الدين والنبوة بأن لا يقدروا على التّصرف أولى.

الثاني : إن اختصاص ذلك المعنى ذلك (٤) الرجل إنما كان لأجل حكمنا وفضلنا وإحساننا فكيف يليق بالعقل أن يجعل (٥) إحسانا إليه بكثرة المال حجة علينا في أن يحسن إليه بالنبوة؟.

الثالث : أنا إنما (٦) أوقعنا التفاوت في الإحسان بمنافع الدنيا لا بسبب سابق فلم لا يجوز أيضا أن يوقع التفاوت في الإحسان بمناصب الدين والنبوة لا لسبب سابق؟!.

ثم قال : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فجعلنا هذا غنيّا وهذا فقيرا ،

__________________

(١) ابن عوف بن ثقيف ، أخو مسعود بن عمر ، وأخو ربيعة جدّ أميّة ، ويقول ابن الأثير : وعندي في صحبته نظر. أسد الغابة لابن الأثير ١ / ٣٧٢.

(٢) انظر هذه الأقوال في تفسير القرطبي ١٦ / ٨٣ وانظر تقدير المضاف في الفراء ٣٠ / ٣١ والقرطبي ١٦ / ٨٣.

(٣) ذكرها القرطبي في المرجع السابق ١٦ / ٨٣ ولم تنسب فيه ولا في الكشاف ٣ / ٤٨٥.

(٤) في ب بذلك وعبارة الرازي : أن اختصاص ذلك الغني بذلك المال الكثير ... الخ.

(٥) كذا في ب وفي الرازي : نجعل بالنون.

(٦) في الرازي : لما.

٢٥٤

وهذا مالكا وهذا مملوكا ، كما فضلنا بعضهم على بعض في الرزق كما شئنا ، كذلك اصطفينا بالرسالة من شئنا (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) في القوة والضعف ، والعلم ، والجهل ، والغنى ، والفقر لأن لو سويناهم في كل هذه الأحوال ، لم يخدم أحد أحدا ، ولم يصر أحد منهم مسخّرا لغيره. وحينئذ يخرب العالم ويفسد نظام الدنيا.

وقوله : (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) أي ليستخدم بعضهم بعضا ، فيسخر الأغنياء بأموالهم الأجراء الفقراء بالعمل فيكون بعضهم لبعض سبب المعاش هذا بماله وهذا بأعماله فيلتئم قوام العالم (١). وقد مضى الكلام في سخريا في المؤمنين (٢). وقرأ بالكسر هنا عمرو بن ميمون ، وابن محيصن ، وأبو رجاء وابن أبي ليلى ، والوليد بن مسلم (٣) ، وخلائق بمعنى المشهورة وهو الاستخدام. ويبعد قول بعضهم : إنه استهزاء الغنيّ بالفقير (٤). ثم قال : «و (رَحْمَتَ رَبِّكَ) يعني الجن ة «خير للمؤمنين» مما يجمع الكفار من الأموال.

قوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ)(٣٥)

قوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ...) اعلم أنه تعالى أجاب ههنا بوجه ثالث عن شبهتهم بتفضيل الغني على الفقير ، وهو أنه تعالى بين أن منافع الدنيا وطيباتها حقيرة خسيسة عند الله تعالى وبين حقارتها بقوله : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) والمعنى لولا أن يرغب الناس في الكفر إذا رأوا الكفار في سعة من الخير والرزق لأعطيتهم أكثر الأسباب المفيدة للنعم فأحدها : أن يكون سقفهم من فضّة. وثانيها : معارج عليها يظهرون أي يعلون ويرتقون ، يقال : ظهرت علسى السّطح إذا علوته (٥).

__________________

(١) انظر القرطبي ١٦ / ٨٣.

(٢) عند قوله : «فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ» الآية ١١٠ من المؤمنين وكل الناس ضموا سخريّا عدا ابن محيصن ومجاهد كما قال القرطبي ١٦ / ٨٣ وأخبر المؤلف أعلى أن ممن كسرها أبو رجاء وابن أبي ليلى والوليد بن مسلم وأبو رجاء ، وعمرو بن ميمون وابن عامر ، وهذا نقلا عن البحر المحيط ٨ / ١٣ والدر المصون ٤ / ٧٨٠ وقراءة الكسر قراءة شاذة غير متواترة.

(٣) أبو العباس ، وقيل : أبو بشر الدمشقي عالم أهل الشام روى عن نافع بن أبي نعيم وغيره ، وروى عنه إسحاق بن أبي إسرائيل وغيره مات سنة ١٩ ه‍. انظر غاية النهاية ٢ / ٣٦٠.

(٤) نقله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤١٠ وكذلك القرطبي ١٦ / ٨٣.

(٥) القرطبي السابق وانظر غريب القرآن ٣٩٧.

٢٥٥

وثالثها : «أن يجعل لبيوتهم أبوابا وسررا أيضا من فضة عليها يتّكؤن» (١).

قوله : «لبيوتهم» بدل اشتمال (٢) ، بإعادة العامل (٣) ، واللامان للاختصاص (٤).

وقال ابن عطية : الأولى للملك (٥) ، والثانية للاختصاص (٦). ورده أبو حيان : بأن الثاني بدل فيشترط أن يكون (الحرف) (٧) متحد المعنى لا مختلفه (٨). وقال الزمخشري : ويجوز أن يكونا بمنزلة اللامين في قولك : وهبت له ثوبا لقميصه (٩). قال أبو حيان : ولا أدري ما أراد بقوله (١٠). قال شهاب الدين : أراد بذلك أن اللامين للعلة ، أي كانت الهبة لأجلك لأجل قميصك ، فلقميصك بدل اشتمال ، بإعادة العامل بعينه وقد نقل أن قوله : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ) [الأنعام : ٨٤] و [الأنبياء : ٧٢] و [العنكبوت : ٢٧] أنها (١١) للعلة.

قوله : «سقفا» قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو بفتح السين ، وسكون القاف بالإفراد ، على إرادة الجنس والباقون بضمتين على الجمع (كرهن) (١٢) في جمع رهن (١٣). وفي رهن تأويل لا يمكن هنا ، وهو أن يكون جمع رهان جمع رهن ، لأنه لم يسمع سقاف جمع سقف (١٤). وعن الفراء أنه جمع سقيفة (١٥) فيكون كصحيفة ، وصحف. وقرئ : سقفا ـ بفتحتين ـ لغة في سقف(١٦) ، وسقوفا (١٧) بزنة فلس وفلوسا. وأبو رجاء بضمة وسكون (١٨).

__________________

(١) الرازي ٢٧ / ٢١١.

(٢) ذكره في الكشاف ٢ / ٤٨٧.

(٣) قاله ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٥٣.

(٤) ذكره أبو حيان ٨ / ١٥.

(٥) مثل : «لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ» * ومعنى لام الاختصاص الداخلة بين اسمين يدل كل منهما على الذات والداخلة عليه لا يملك الآخر وسواء أكان يملك غيره أم كان ممن لا يملك أصلا نحو الجنّة للمؤمنين وهذا الحصير للمسجد. «بتصرف من المغني ١٠٨».

(٦) وانظر البحر المحيط ٨ / ١٤ بالمعنى.

(٧) سقط من ب.

(٨) المرجع السابق فقد جعل كلّا من اللامين للاختصاص. ولا يصح ما قاله ؛ لأن لبيوتهم بدل اشتمال أعيد معه العامل ، فلا يمكن من حيث هو بدل أن تكون اللام الثانية إلا بمعنى اللام الأولى أما أن يختلف المدلول فلا واللام في كليهما للاختصاص.

(٩) الكشاف ٣ / ٤٨٧.

(١٠) البحر المرجع السابق.

(١١) الدر المصون ٤ / ٧٨١.

(١٢) سقط من أالأصل.

(١٣) من القراءات المتواترة انظر السبعة ٥٨٥ ، والإتحاف ٣٨٥.

(١٤) قاله في الدر المصون المرجع السابق.

(١٥) معاني الفراء ٢ / ٣٢.

(١٦) لم ينسبها أبو حيان ولا الزمخشري في كل من البحر ٨ / ١٥ والكشاف ٣ / ٤٨٧.

(١٧) قال الزمخشري في الكشاف : «وعن الفراء جمع سقيفة وسقفا بفتحتين كأنه لغة في سقف وسقوف».

وقال الفراء ٣ / ٣٢ في معاني القرآن : قرأها عاصم والأعمش والحسن : «سقفا» وإن شئت جعلت واحدها سقيفة وإن شئت جعلته سقفا. فتكون جمع الجمع كما قال الشاعر :

حتّى إذا بلّت حلاقيم الحلق

أهوى لأدنى فقره على شفق

ومعنى كلام الفراء أنها ليست قراءة حينئذ. وقد ذكر هذه القراءة أبو حيان في البحر ٨ / ١٥ والسمين في الدر ٤ / ٧٨١ بدون نسبة ، ونسبها صاحب شواذ القرآن إلى عيسى بن عمر انظر ٢١٨.

(١٨) الزمخشري وأبو حيان في تفسيريهما السابقين.

٢٥٦

و «من فضّة» يجوز أن يتعلق بالجعل ، وأن يتعلق بمحذوف صفة «لسقف».

قوله : «ومعارج» قرأ العامة معارج جمع «معرج» وهو السلم وطلحة (١) معاريج (٢) جمع معراج وهو كمفتاح لمفتح ، ومفاتيح لمفتاح.

قوله : «وسررا» جمع «سرير» والعامة على ضم الراء. وقرىء بفتحها ، وهي لغة بعض تميم وكلب (٣) وقد تقدم أن «فعيلا» المضعف يفتح عينه ، إذا كان اسما ، أو صفة نحو : ثوب جديد ، وثياب جدد. وفيه كلام للنحاة (٤). وهل قوله : «من فضّة» شامل للمعارج والأثواب والسّرر؟.

فقال الزمخشري : نعم (٥) ، كأنه يرى تشريك المعطوف مع المعطوف عليه في قيوده. و (عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ) و (عَلَيْها يَظْهَرُونَ) صفتان لما قبلهما.

قوله : «وزخرفا» يجوز أن يكون منصوبا بجعل أي وجعلنا لهم زخرفا (٦) ، وجوز الزمخشري أن ينصب عطفا على محل «من فضة» ، كأنه قيل : سقفا من فضة وذهب (٧) ، فلما حذف الخافض انتصب أي بعضها كذا وبعضها كذا. الزخرف قيل : هو الذّهب ، لقوله : (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ) [الإسراء : ٩٣].

وقيل : الزخرف الزينة ، لقوله تعالى : (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ)(٨)

__________________

(١) هو ابن مصرف وقد ترجم له.

(٢) البحر المحيط ٨ / ١٥ ومختصر ابن خالويه ١٣٥.

(٣) البحر المحيط ٨ / ١٥ والكتاب ٣ / ٥٨٠ والمقتضب ٢ / ٢١٠.

(٤) «فعيل» إما أن يكون اسما أو صفة ، فالاسم الذي على وزن فعيل مضعفا كان أم لا إنما يكسر على فعل كما يكسر فعال بفتح الفاء وكسرها عليه ، نحو قذل ، وحمر ، وذلك نحو قضب وعسب ، ورغف ، وسرر ويكسر على فعلان أيضا وهو في الغلبة كفعل سواء ، نحو : رغفان وكثبان وقلبان ، وربما كسر على أفعلاء كأنصباء وأخمساء ، وعلى فعال أيضا كإفال تشبيها بفعيل في الوصف نحو ظراف وبرام وربّما كان على فعلان حكى ثعلب : ظليم وظلمان ، وعريض وعرضان ، وقد جاء على فعل حكوا : سرر ، والأشهر الضم هذا إذا كان اسما فإن كان صفة فإما أن يكون بمعنى فاعل أو مفعول فإن كان من الثاني فتكسيره يكون على فعلى مثل جريح وجرحى ، وعلى فعل تشبيها له بالاسم إذا كان من الأول نحو نذر جمع نذير ، وقال أعلى من أن فعل ترد هكذا فقد قال ابن الحاجب والرضي في شرح شافيته : «وربما جاء مضاعفه» يعني أن الأصل أن يكسر على فعل بضمتين ، ولكن حكى أبو زيد وأبو عبيدة أنّ ناسا فتحوا عين سرر فقالوا : سرر والأشهر الضم وانظر شرح الشافية ٢ / ١٣١ و ١٣٨ والكتاب ٣ / ٦٠٥ وشرح المفصل لابن يعيش ٦ / ٤٣ واللسان سرر ١٩٩١.

(٥) وانظر الكشاف ٣ / ٤٨٧ بالمعنى.

(٦) قاله الفراء في معانيه ٢ / ٣٢ قال : «إن نصبته على الفعل توقعه أي وزخرفا تجعل ذلك لهم منه».

(٧) الكشاف ٣ / ٤٨٧ ، وذكره أيضا ابن الأنباري في البيان ٢ / ٢٥٣.

(٨) ٢٤ من يونس ، وانظر غريب القرآن ٣٩٧ ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٤١١. وفسره الفراء في معاني القرآن بالذهب انظر معاني الفراء ٣ / ٣٢.

٢٥٧

[يونس : ٢٤] فيكون المعنى نعطيهم زينة عظيمة في كل باب.

قوله : (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) قرأ حمزة وعاصم لمّا بالتشديد على معنى: وما كل ذلك إلّا متاع الحياة الدنيا. فكان لما بمعنى إلا (١). حكى سيبويه : «أنشدتك بالله لمّا فعلت» بمعنى إلا (٢). ويؤيد هذه القراءة قراءة من قرأ : وما ذلك إلّا متاع الحياة الدّنيا (٣) وخففه الآخرون على معنى : وكل ذلك متاع الحياة الدنيا. فتكون اللام للابتداء ، وما صلة (٤) يريد : أن هذا كله متاع الحياة الدنيا وسماه متاعا ، لأن الإنسان يستمتع به قليلا ، ثم يزول ويذهب. وتقدم الخلاف في لما تخفيفا وتشديدا في سورة هود (٥).

قال أبو الحسن (٦) : الوجه التخفيف ، لأن لما بمعنى إلا لا يعرف (٧). وحكي عن الكسائي أنه قال : لا أعرف وجه التثقيل (٨). وقرأ أبو رجاء وأبو حيوة : لما ـ بكسر (٩) اللام ـ على أنها لام العلة ودخلت على ما الموصولة ، وحذف عائدها ، وإن لم تطل الصّلة ، والأصل : الذي هو متاع ، كقوله : (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) [الأنعام : ١٥٤] برفع النون.

و «إن» هي المخففة من الثقيلة ، و «كل» مبتدأ ، والجار بعده خبره ، أي وإنّ كلّ ما تقدم ذكره كائن للّذي هو متاع الحياة. وكان الوجه أن تدخل اللام الفارقة ، لعدم إعمالها ، إلا أنها لما دلّ الدليل على الإثبات جاز حذفها (١٠) ، كما حذفها الآخر في قوله ـ (رحمه‌الله (١١)) ـ :

٤٤٠١ ـ أنا ابن أباة الضّيم من آل مالك

وإن مالك كانت كرام المعادن (١٢)

__________________

(١) الإتحاف ٣٨٥ والسبعة ٥٨٦ وهي قراءة متواترة.

(٢) سبق هذا.

(٣) ذكرها الكشاف بدون عزو في ٣ / ٤٨٧. ونسبها الرازي إلى أبي بن كعب. انظر الرازي ٢٧ / ٢١١.

(٤) ولفظة «ما» لغو ، قاله الرازي نقلا عن الواحديّ ، انظر المرجع السابق.

(٥) من قوله تعالى : «وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ» من الآية ١١١.

(٦) تصحيح عن النسختين ففيها أبو الحسين ، والأصح ما أثبت أعلى فهو أبو الحسن الأخفش الأوسط.

(٧) قال في معاني القرآن : «خفيفة منصوبة اللام. وقال بعضهم لمّا فثقل ونصب اللام وضعّف الميم وزعم انها في التفسير الأول إلا ، وأنها من كلام العرب». معاني القرآن له ٦٨٨ و ٦٨٩ ، وانظر عنه أيضا القرطبي ١٦ / ٨٨ والرازي ٢٧ / ٢١١.

(٨) المرجع السابق.

(٩) المرجعين السابقين ، وانظر أيضا المحتسب ٢ / ٢٥٥.

(١٠) وانظر البحر المحيط ٨ / ١٥ والدر المصون ٤ / ٧٨٢.

(١١) زيادة من أ.

(١٢) من الطويل وهو للطّرمّاح بن حكيم ، والأباة جمع آب ، وهو الممتنع ، والضيم الذلّ. والشاهد : ـ

٢٥٨

قوله : (وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) خاصة ، يعني الجنة للمتقين عن حب الدنيا. قال عليه الصلاة والسلام : «لو كانت الدّنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا قطرة ماء»(١).

وروى المستورد (٢) بن شداد قال : كنت في الركب الذين وقفوا مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على السحلة الميتة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أترى هذه هانت على أهلها حين ألقوها؟ قالوا : من هوانها ألقوها ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فالدّنيا أهون على الله من هذه على أهلها».

فإن قيل : لما بين تعالى أنه لو فتح على الكافر أبواب النعم لصار ذلك سببا لاجتماع الناس على الكفر (٣) ، فلم لم يفعل ذلك بالمسلمين حتى يصير ذلك سببا لاجتماع الناس على الإسلام؟!.

فالجواب : لأن الناس على هذا التقدير كانوا يجتمعون على الإسلام ، لطلب الدنيا ، وهذا الإيمان إيمان المنافقين ، فكان الأصوب أن يضيق الأمر على المسلمين حتى أن كل من دخل الإسلام فإنما يدخل لمتابعة الدليل ، ولطلب رضوان الله تعالى ، فحينئذ يعظم ثوابه لهذا السبب(٤).

قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٤٠)

قوله : (وَمَنْ يَعْشُ) العامة على ضم الشين من عشا يعشو ، أي يتعامى ، ويتجاهل.

وعن ابن عباس وقتادة ويحيى بن سلّام (٥) بفتح الشين بمعنى يعم ، يقال : عشي يعشى

__________________

ـ حذف اللام الفارقة التي تفرق بين إن المخففة من الثقيلة من غيرها ، والأصل : «لكانت» حيث دل دليل على الإثبات كما ذكر أعلى وانظر الهمع ١ / ١٤ وابن الناظم ٦٨ ، والتصريح ١ / ٢٤١ والبحر المحيط ٨ / ١٥ والدر المصون ٤ / ٧٨٢ ، وشرح الشواهد للعيني على الأشموني ١ / ٢٨٩.

(١) هو لسهل بن سعد عن رسول الله ، انظر ابن ماجه ٢ / ١٣٧٧.

(٢) ابن عمرو بن حبيب بن شيبان القرشي الفهريّ صحابيّ ، له سبعة أحاديث مات سنة ٤٥ انظر خلاصة الكمال ٢٧٤.

(٣) في ب على الإسلام.

(٤) انظر الرازي ٢٧ / ٢١٢.

(٥) ابن أبي ثعلبة البصريّ صاحب التفسير ، روى الحروف عن أصحاب الحسن البصري عن الحسن بن دينار ، وغيره ، له اختيار في القراءة من طرق الآثار ، روى عن حماد بن سلمة ، وهمّام بن يحيى ، كان ثقة ، ديّنا ، ثبتا ، ذا علم مات سنة ٢٠٠ ه‍ انظر الغاية في طبقات القراء ٢ / ١٠٧٢.

٢٥٩

عشا إذا عمي ، فهو أعشى ، وامرأة عشواء (١). وزيد بن علي يعشو بإثبات الواو (٢). وقال الزمخشري : على أن من موصولة ، وحق هذا أن يقرأ نقيّض بالرفع (٣). قال أبو حيان : ولا يتعين موصوليتها ، بل يخرج على وجهين ، إما تقدير حذف حركة حرف العلة ، وقد حكاها الأخفش لغة ، وتقدم منه في سورة يوسف شواهد.

وإما على أنه جزم بمن الموصولة تشبيها لها بمن الشّرطيّة (٤).

قال (٥) : وإذا كانوا قد جزموا بالذي وليس بشرط قط فأولى بما استعمل شرطا وغير شرط (٦)(٧) ، وأنشد :

٤٤٠٢ ـ ولا تحفرن بئرا تريد أخا بها

فإنّك فيها أنت من دونه تقع

كذلك الّذي يبغي على النّاس ظالما

تصبه على رغم عواقب ما صنع (٨)

قال : وهو مذهب الكوفيين ، وله وجه من القياس ، وهو أنّ «الذي» أشبهت اسم الشرط في دخول الفاء في خبرها ، واسم الشرط في الجزم أيضا ، إلا أن دخول الفاء منقاس بشرطه(٩) وهذا لا ينقاس (١٠).

__________________

(١) وانظر البحر المحيط ٨ / ١٦ ، والكشاف ٣ / ٤٨٧ ، ومعاني الفراء ٣٠ / ٣٢.

(٢) اللسان عشا ٢٩٦٠ و ٢٩٦١.

(٣) المرجعين السّابقين.

(٤) الكشاف المرجع السابق.

(٥) بالمعنى من البحر المحيط ٨ / ١٦.

(٦) في ب قالوا بالجمعية.

(٧) البحر المحيط ٨ / ١٦.

(٨) البيتان من الطويل أنشدهما أبو حبان في بحره ، والسمين في الدر المصون قال أبو حيان : أنشدهما ابن الأعرابي .. والشاهد : «تصبه» فقد جزم جوابا «للذي» م ن «كذلك الذي» تشبيها للموصول باسم الشرط فكما أن الموصول شبه باسم الشرط في دخول الفاء في الخبر كذاك يشبه به في انجزام خبره وهو جواب الشرط الذي هو هنا «تصبه» وهذا منقول عن الكوفيين. من البحر المحيط لأبي حيان ٨ / ١٦ وانظر الدر المصون ٤ / ٧٨٣.

(٩) باللفظ من الدر المصون المرجع السابق وبالمعنى من البحر المحيط ٨ / ١٦.

(١٠) أقول : قد ذكر ابن هشام في المغني ١٦٥ من تنبيهاته في معرض الكلام عن الفاء قوله : كما تربط الفاء للجواب بشرطه كذلك تربط شبه الجواب بشبه الشرط ، وذلك في نحو «الذي يأتيني فله درهم» وبدخولها فهم ما أراده المتكلم من ترتب لزوم الدرهم على الإتيان ولو لم تدخل احتمل ذلك وغيره. ثم قال : وهذه الفاء بمنزلة لام التوطئة في نحو : «لكن أخرجوا لا يخرجون معهم» في إيذانها بما أراده المتكلم من معنى القسم ، وقد قرىء بالإثبات والحذف قوله «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم» فلم يتكلم ابن هشام هنا عن الجزم بالنسبة للذي وإنما ذكر الربط فقط ، ونجد السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر يحدثنا أن الذي لا تجزم وإن تضمنت معنى الشرط لأنها أشبهت لام التعريف فلم تعمل حملا عليها أضف إلى ذلك إلى أن جملة الصلة معلومة شرطا بينما الشرط لا يكون إلا مبهما والموصول وما وصل في تقدير المفرد بينما الشرط جملتان انظر الأشباه والنظائر بتصرف ٢ / ٢٤١.

٢٦٠