اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٧

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٧

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٨٤

سورة الشورى

مكية (١) وهي ثلاث وخمسون آية ، وثمانمائة وستّ وستون كلمة ، وثلاثة آلاف وخمسمائة وثمانية وثمانون حرفا (٢)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى : (حم (١) عسق (٢) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٤) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٦) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧) وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٨) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)(١٠)

قوله تعالى : (حم عسق) تقدم الكلام في أمثال هذه الفواتح (٣).

وسئل الحسين بن الفضل : لم قطع حم عسق ولم يقطع كهيعص (٤) فقال : لأنها سور أوائلها «حم» فجرت مجرى نظائرها. كأنّ «حم» مبتدأ «وعسق» خبره ، ولأنهما عدا آيتين وأخواتها مثل : كهيعص ، والمص والمر عدت آية واحدة (٥). وقيل : لأن أهل

__________________

(١) في قول ابن عباس والجمهور ، وحكي عن ابن عباس : إلا أربع آيات نزلت بالمدينة وانظر الخازن ٦ / ١١٥ ، والقرطبي ١٦ / ١. والقول بأنها مكية قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر.

(٢) الخازن السابق.

(٣) انظر أول العنكبوت.

(٤) الأولى من مريم.

(٥) والذي سأل الحسين بن الفضل عبد المؤمن. القرطبي ١٦ / ١.

١٦١

التأويل لم يختلفوا في كهيعص ، وأخواتها ، لأنها حروف التهجي لا غير (١).

واختلفوا في «حم» فأخرجها بعضهم من حيّز الحروف ، وجعلها فعلا. وقيل : معناه حمّ أي قضي ما هو كائن (٢). روى عكرمة عن ابن عباس ـ (رضي الله (٣) عنهما) ـ أنه قال : «ح» حلمه «م» مجده «ع» علمه ، «س» سناؤه ، «ق» قدرته أقسم الله بها. وقال شهر بن حوشب وعطاء بن أبي رباح : «ح» حرب يعزّ فيها الذليل ويذلّ فيها العزيز من قريش «م» ملك يتحول من قوم إلى قوم «ع» عدوّ لقريش يقصدهم «س» سبي يكون فيهم «ق» قدرة الله النافذة في خلقه ؛ وروي عن ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ أنه قال : ليس من نبي صاحب كتاب إلا وقد أوحيت إليه حم عسق فلذلك قال : يوحى إليك وإلى الّذين من قبلك وعلى هذا فقوله (اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) تبيين للفاعل كأنه قال : من يوحي؟ فقيل : الله العزيز الحكيم (٤) كما سيأتي. وقرأ ابن عباس وابن مسعود حم سق (٥).

قوله : (كَذلِكَ يُوحِي) القراء على يوحي بالياء من أسفل مبنيّا للفاعل ، وهو الله تعالى ، والعزيز الحكيم نعتان ، والكاف منصوبة المحل (٦) إما نعتا لمصدر ، أو حالا من ضميره ، أي يوحي إيحاء مثل ذلك الإيحاء.

وقرأ ابن كثير ـ وتروى عن أبي عمرو ـ يوحى ـ بفتح الحاء مبنيا للمجهول (٧) ـ وفي القائم مقام الفاعل ثلاثة أوجه :

أحدها : ضمير مستتر يعود على كذلك ، لأنه مبتدأ ، والتقدير مثل ذلك الإيحاء يوحى هو إليك. «فمثل ذلك» مبتدأ ، و (يُوحِي إِلَيْكَ) خبره.

الثاني : أن القائم مقام الفاعل «إليك» والكاف منصوبة المحل على الوجهين المتقدمين.

الثالث : أن القائم مقامه الجملة من قوله (اللهُ الْعَزِيزُ) أي يوحى إليك هذا اللفظ (٨). وأصول البصريين لا تساعد عليه (٩) ؛ لأن الجملة لا تكون فاعلة ولا قائمة

__________________

(١) البغوي : ٦ / ١١٦.

(٢) حكاه القرطبي عن القشيري المرجع السابق.

(٣) زيادة من أ.

(٤) ذكر هذه الأقوال القرطبي في مرجعه السابق والبغوي في معالم التنزيل في المرجع السابق أيضا.

(٥) من القراءة الشاذة غير المتواترة ذكرها الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٥٩ والقرطبي في الجامع ١٦ / ١ و ٢ وابن خالويه في المختصر ١٣٤.

(٦) انظر التبيان ١١٣٠.

(٧) السبعة ٥٨٠ والإتحاف ٣٨٢ ومعاني القرآن للفراء ٣ / ٢١ وهي قراءة متواترة.

(٨) أخذ المؤلف كل هذا من التبيان لأبي البقاء ١١٣٠.

(٩) في ب إليه. وقد اختلف في الإسناد إلى الجملة على مذاهب ، أصحها : المنع فلا يكون فاعلا ، ولا نائبا عنه ، والثاني : الجواز ، لوروده في قوله تعالى : «ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ» فأجازوا : يعجبني يقوم زيد ، وظهر لي أقام زيد أم عمرو ، وأجيب : بأن الفاعل في الآية ضمير البداء ـ

١٦٢

مقامه. وقرأ أبو حيوة والأعمش وأبان نوحي ـ بالنون (١) ـ وهي موافقة العامة. ويحتمل أن تكون الجملة من قوله : (اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) منصوبة المحل مفعولة بنوحي أي نوحي إليك هذا اللفظ، إلا أنّ فيه حكاية الجملة بغير القول الصريح (٢).

و «يوحي» على اختلاف قراءته يجوز أن يكون على بابه من الحال والاستقبال فيتعلق قوله : (وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) بمحذوف لتعذر ذلك تقديره : «وأوحي إلى الّذين (٣) من قبلك» وأن يكون بمعنى الماضي ، وجيء به على صورة المضارع لغرض وهو تصوير الحال (٤).

قوله : (اللهُ الْعَزِيزُ) يجوز أن يرتفع بالفاعلية في قراءة العامة ، وأن يرتفع بفعل مضمر في قراءة ابن كثير كأنه قيل : من يوحيه؟ فقيل : الله العزيز ، كقوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ) [النور : ٣٦ ، ٣٧] وقوله :

٤٣٧٠ ـ ليبك يزيد ضارع لخصومة (٥)

وقد مرّ. وأن يرتفع بالابتداء ، وما بعده خبره ، والجملة قائمة مقام الفاعل على ما مر ، وأن يكون (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) خبرين ، أو نعتين ، والجملة من قوله : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ) خبر أول أو ثان على حسب ما تقدم في (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). وجوّز أبو البقاء أن يكون «العزيز» مبتدأ ، و «الحكيم» خبره ، أو نعته و (لَهُ ما فِي السَّماواتِ) خبره.

وفيه نظر ؛ إذا الظاهر تبعيّتهما للجلالة. وأنت إذا قلت : «جاء زيد العاقل الفاضل» لا تجعل العامل مرفوعا على الابتداء.

__________________

ـ المفهوم من بدا أو ضمير السجن المفهوم من الفعل. والثالث : يجوز أن يقع فاعلا أو نائبا عنه لفعل من أفعال القلوب إذا علق ، نحو ظهر لي أقام زيد أم عمرو ، وعلم أقام بكر أم خالد ، بخلاف نحو : يسرّني خرج عبد الله فلا يجوز. ونسب هذا لسيبويه انظر الهمع ١ / ١٦٤.

(١) البحر المحيط ٧ / ٥٠٨ وابن خالويه ١٣٤ وهي فيه الشواذ.

(٢) أقول قد يحكى بالقول وتصريفه الجمل ولا يحلق به معناه خلافا للكوفيين وابن عصفور ، فيوحي هنا معنى من معاني القول مرجّح عند الكوفيين وممتنع عند البصريين (بتصرف من الهمع ١ / ١٥٦).

(٣) انظر البحر المحيط ٧ / ٥٠٨.

(٤) بالمعنى من الكشاف ٣ / ٤٥٩ ، وباللفظ من الدر المصون ٤ / ٧٤٢.

(٥) صدر بيت من الطويل عجزه :

ومختبط ممّا تطيح الطّوائح

وهو لضرار بن نهشل يرثي يزيد بن نهشل. وشاهده : رفع «ضارع» حيث رفع بفعل مقدر أي يبكيه ضارع أي ذليل ومسكين. و «مختبط» محتاج. أقول : وهذا البيت مما اختلف في نسبته. فقد نسبه العيني لنهشل بن حريّ النهشلي والثعلبي إلى الحارث بن نهيك ، والنيلي لضرار النهشلي ، وبعضهم لمزرد ، وأبو عبيدة لمهلهل ، وقد تقدم.

١٦٣

فصل

الكاف في «كذلك» معناه المثل و «ذا» للإشارة إلى شيء سبق ذكره فيكون المعنى مثل حم عسق يوحي إليك وإلى الذين من قبلك ، وعند هذا حصل قولان :

أحدهما : ما نقل عن ابن عباس (رضي الله (١) عنهما) أنه قال : لا نبي صاحب كتاب إلا وقد أوحي إليه حم عسق كما تقدم.

قال ابن الخطيب : «وهذا عندي بعيد» (٢).

والثاني : أن يكون مثل الكتاب المسمى بحم عسق يوحى إليك وإلى الذين من قبلك ، وهذه المماثلة المراد منها المماثلة في الدعوة إلى التوحيد والنبوة والمعاد ، وتقبيح أحوال الدنيا ، والترغيب في أمور الآخرة (٣).

قال الزمخشري : لم يقل : أوحي إليك ولكن قال : يوحى إليك على لفظ المضارع ليدل على أن إيحاء (٤) مثله عادة (٥) وكونه عزيزا بدل على كونه قادرا على ما لا نهاية له وكونه حكيما يدل على كونه عالما بجميع المعلومات غنيا عن جميع الحاجيات كما تقدم بيانه في أول سورة «حم» المؤمن.

وقوله : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) يدل على كونه موصوفا بالقدرة الكاملة النافذة في جميع أجواء (٦) السماوات والأرض على عظمها وسعتها بالإيجاد والإعدام وأن ما في السماوات وما في الأرض ملكه وملكه ، وهو (٧) العليّ أي المتعالي عن مشابهة الممكنات العظيم بالقدرة والقهر والاستعلاء.

قوله تعالى : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ) تقدم الكلام فيه مشبعا في مريم (٨) ، إلا أن الزمخشري زاد هنا وروى يونس عن أبي عمرو قراءة غريبة تتفطّرن بتاءين مع النون. ونظيرها حرف نادر ، روي في نوادر ابن الأعرابي : «الإبل تتشمّمن» (٩).

__________________

(١) زيادة من أ.

(٢) تفسيره التفسير الكبير ٢٧ / ١٤٢.

(٣) المرجع السابق.

(٤) في ب الحاء بدل من إيحاء وهو تحريف.

(٥) في الكشاف عادته.

(٦) في ب والرازي أجزاء وهو الأصح.

(٧) أخذ المؤلف كلام الرازي بتغيير وتبديل ، ولعل هذا من النساخ ففي الرازي : «... أن كل ما في السماوات وما في الأرض فهو ملكه وملكه وجب أن يكون منزها عن كونه حاصلا في السماوات وفي الأرض وإلا لزم كونه ملكا لنفسه» الرازي ٢٧ / ١٤٢ ، ١٤٣.

(٨) من الآية ٩٠ من مريم : «تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ» فقد قرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة «تكاد» بالتاء «يتفطّرن» بالياء وبعدها تاء ، وكذلك حفص عن عاصم إلا في رواية هبيرة عنه «ينفطرن» بالنون مثل أبي عمرو بالإضافة إلى القراءات الشاذة التي ذكرها أعلى.

(٩) الكشاف ٣ / ٤٥٩ والذي في الكشاف : تشمّمن بتاء واحد وميمين والصواب ما أتى به المؤلف حتى يتحقق الشاهد.

١٦٤

قال أبو حيان : والظاهر أن هذا وهم منه ، لأن ابن خالويه قال في شاذّ القرآن ما نصه «تنفطرن» بالتاء والنون يونس عن أبي عمرو (١).

قال ابن خالويه : وهذا حرف نادر ؛ لأن العرب لا تجمع بين علامتي التأنيث (٢) لا يقال : النساء تقمن ، ولكن يقمن ، والوالدات يرضعن ولا يقال : ترضعن. وقد كان أبو عمر الزّاهد (٣) روى في نوادر ابن الأعرابي : الإبل تتشمّمن (٤) فأنكرناه ، فقد قواه الآن هذا (٥).

قال أبو حيان : فإن كانت نسخ الزمخشري متفقة على قوله : «بتاءين مع النون» فهو وهم ، وإن كان في بعضها بتاء مع النون كان موافقا لقول ابن خالويه وكان بتاءين تحريفا من النساخ وكذلك كتبهم تتفطّرن وتتشمّمن بتاءين. انتهى (٦).

قال شهاب الدين : كيف يستقيم أن يكو (ن) (٧) كتبهم تتشمّمن بتاءين وهما وذلك لأن ابن خالويه أورده في معرض الندرة والإنكار حتى يقوى عنده بهذه القراءة ، وإنما يكون نادرا منكرا بتاءين ، فإنه حينئذ يكون مضارعا مسندا لضمير الإبل ، فكان من حقه أن يكون حرف مضارعته ياء منقوطة من أسفل ، نحو : النّساء يقمن فكان ينبغي أن يقال : الإبل يتشمّمن بالياء من تحت ثم بالتاء من فوق ، فلما جاء بتاءين كلاهما من فوق ظهر ندوره وإنكاره ، ولو كان على ما قال أبو حيان : إن كتبهم بتاءين وهما بل كان ينبغي كتبه بتاء واحدة لما كان فيه شذوذ ولا إنكار ، لأنه نظير : النّسوة تدحرجن فإنه ماض مسند لضمير الإناث ، وكذا لو كتبت بياء من تحت وتاء من فوق لم يكن فيه شذوذ ، ولا إنكار. وإنما يجيء الشذوذ والإنكار إذا كان بتاءين منقوطتين من فوق ، ثم إنه سواء قرىء تتفطّرن بتاءين أو بياء ونون ، فإنه نادر لما ذكر ابن خالويه ، وهذه القراءة لم يقرأ بها في نظيرتها في سورة مريم (٨).

قوله : (مِنْ فَوْقِهِنَّ) في هذا الضمير ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه عائد على السماوات ، أي كل واحدة منها تتفطّر فوق التي تليها (٩) من قول المشركين : (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) [الكهف : ٤] كما في سورة مريم ، أي يبتدىء

__________________

(١) البحر المحيط ٥٠٨ / ٧.

(٢) تاء التأنيث الأولى ، ونون النسوة.

(٣) محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم المعروف بغلام ثعلب والملقب بالزاهد من أكابر أئمة اللغة والنحو أخذ عن ثعلب. انظر إنباه الرواة ٣ / ١٧١ : ١٧٧.

(٤) في مختصر ابن خالويه (تسّمّن) بالسين والنون المشددة.

(٥) انظر مختصر ابن خالويه ١٣٤ والبحر المحيط ٧ / ٥٠٨.

(٦) قاله في البحر المحيط ٧ / ٥٠٨.

(٧) النون من تكون سقطت من ب.

(٨) انظر هذا كله للسمين في الدر المصون ٤ / ٧٤٣.

(٩) بالمعنى من الكشاف ٣ / ٤٦٠ وباللفظ من الدر المصون ٤ / ٧٢٤.

١٦٥

انفطارهنّ من هذه الجهة «فمن» لابتداء الغاية متعلقة بما قبلها (١).

الثاني : أنه يعود على الأرضين ؛ لتقدم ذكر الأرض (٢).

الثالث : أنه يعود على فرق (٣) الكفار والجماعات الملحدين (٤). قاله الأخفش الصغير (٥). وأنكره مكي وقال لا يجوز ذلك في المذكور من بني آدم (٦) ، وهذا لا يلزم الأخفش فإنه قال على الفرق والجماعات فراعى ذلك المعنى.

فصل

قال الزمخشري : كلمة الكفر إنّما جاءت من الذين تحت السماوات ، وكان القياس أن يقال: ينفطرن من تحتهن (أي) (٧) من الجهة التي (تحت) (٨) جاءت منها الكلمة ، ولكن بولغ في ذلك فجعلت مؤثرة من جهة الفوق ، فكأنه قيل : يكون ينفطرن من الجهة التي فوقهنّ ، دع الجهة التي تحتهن. ونظيره في المبالغة ، قوله تعالى : (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) [الحج : ١٩ و ٢٠]. فجعل مؤثرا في أجزائهم الباطنة (٩).

وقال ابن الخطيب : يعني من فوقهن أي من فوق الجهة التي حصلت هذه السماوات فيها ، وتلك الجهة هي فوق ، فقوله : من فوقهن أي من الجهة الفوقانيّة التي هنّ فيها (١٠).

قوله : (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) فالتسبيح عبارة عن تنزيه الله تعالى عما لا ينبغي والتحميد عبارة عن وصفه بكونه مفيضا لكلّ الخيرات.

قوله : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) أي من المؤمنين كما حكى عنهم في سورة المؤمن فقال : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) [غافر : ٧].

فإن قيل : (قوله) (١١) : ويستغفرون لمن في الأرض عام ، فيدخل فيهم الكفار وقد لعنهم الله تعالى فقال : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [البقرة : ١٦١] فكيف (يكونون) (١٢) لاعنين لهم ومستغفرين لهم؟! قال ابن الخطيب : والجواب من وجوه :

__________________

(١) المرجعين السابقين.

(٢) نقله أبو حيان عن الحوفي في البحر المحيط ٧ / ٥٠٨.

(٣) في ب فريق.

(٤) المرجع السابق.

(٥) هو علي بن سليمان بن الفضل أخذ عن المبرد وثعلب وغيرهما توفي ببغداد سنة ٣١٥ ه‍. انظر إنباه الرواة للقفطيّ ٢ / ٢٧٦ ـ ٢٧٨ ونشأة النحو ١٥٢ ، وانظر رأيه في البحر المرجع السابق.

(٦) البحر المرجع السابق ولم أجده في مشكل الإعراب له.

(٧) أي زائدة من النسخ عن الكشاف.

(٨) ساقطة من الكشاف.

(٩) الكشاف ٣ / ٤٦٠.

(١٠) تفسيره ٢٧ / ١٤٤.

(١١) ساقطة من أالأصل.

(١٢) ساقطة من ب.

١٦٦

الأول : أنه عام مخصوص بآية المؤمن كما تقدم.

الثاني : أن قوله (لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) لا يفيد العموم ؛ لأنه (لا) (١) يصح أن يقال : إنهم استغفروا لكل من في الأرض وأن يقال : إنهم استغفروا لبعض من في الأرض دون البعض ولو كان صريحا في العموم لما صحّ ذلك.

الثالث : يجوز أن يكون المراد من الاستغفار أنه لا يعاجلهم بالعقاب ، كما في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) [فاطر : ٤١] إلى أن قال : (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) [فاطر : ٤١].

الرابع : يجوز أن يقال : إنهم يستغفرون لكل من في الأرض ، أما في حق الكفار فبطلب الإيمان لهم وأما في حق المؤمنين فبالتجاوز عن سيئاتهم فإنا نقول : اللهم اهد الكفار ، وزيّن قلوبهم بنور الإيمان وأزل عن خواطرهم وحشة الكفر ، وهذا استغفار لهم في الحقيقة (٢).

فصل

قال ابن الخطيب : قوله : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) يدل على أنهم لا يستغفرون لأنفسهم ولو وجد منهم معصية لاستغفروا لأنفسهم قبل استغفارهم لمن في الأرض ، فحيث لم يذكر الله عزوجل استغفارهم لأنفسهم علمنا أنهم مبرّأون عن كل الذنوب والأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ لهم ذنوب ، والذين لا ذنب لهم ألبتة أفضل ممن له ذنب ، وأيضا فقوله : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) يدل على أنهم يستغفرون للأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ لأنهم من جملة من في الأرض ، وإذا كانوا مستغفرين للأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ كان الظاهر أنهم أفضل منهم. ثم قال تعالى : (أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وهذا تنبيه على أن الملائكة وإن كانوا يستغفرون للبشر ، إلا أن المغفرة المطلقة لله تعالى وهذا يدل على أنه تعالى يعطي المغفرة التي طلبوها ويضم إليها الرحمة (٣).

قوله : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) أي جعلوا له شركاء وأندادا الله حفيظ عليهم أي رقيب عليهم ويحفظ أعمالهم ، وأقوالهم ويحصيها ليجازيهم بها ، (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ) يا محمد «بوكيل» أي لم يوكلك بهم ولا أمرهم إليك إنّما أنت منذر (٤).

قوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا) في قرآنا وجهان :

أظهرهما : أنه مفعول أوحينا (٥) ، والكاف للمصدر نعتا أو حالا.

__________________

(١) زيادة من ب.

(٢) وانظر في هذا كله تفسير الرازي ٢٧ / ١٤٥.

(٣) بالمعنى من الفخر الرازي ٢٧ / ١٤٥ و ١٤٦.

(٤) السابق.

(٥) قاله أبو حيان في البحر ٧ / ٥٠٩ والسمين في الدر ٤ / ٧٤٤.

١٦٧

الثاني : أنه حال من الكاف ، والكاف هي المفعول «لأوحينا» أي أوحينا مثل ذلك الإيحاء ، وهو قرآن عربي وإليه نحا الزمخشري (١). وكون الكاف اسما في النثر (٢) مذهب الأخفش(٣).

فصل

قال ابن الخطيب : قوله وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا يقتضي تشبيه وحي الله بالقرآن بشيء سبق ذكره ، وليس ههنا شيء سبق ذكره يمكن تشبيه وحي القرآن به إلا قوله : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) يعني كما أوحينا إليك أنك لست حفيظا عليهم ولست وكيلا عليهم وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا ليكون نذيرا لهم (٤).

قوله : (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى) أي أهل (٥) أمّ القرى ؛ لأن البلد لا تعقل (٦).

قوله : (وَمَنْ حَوْلَها) عطف على أهل المقدر قبل أم القرى والمفعول الثاني محذوف أي العذاب (٧).

وقرىء : لينذر ـ بالياء من تحت ـ أي القرآن (٨) ، وأم القرى أصل القرى بمعنى مكة ، وسمي بهذا الاسم إجلالا ؛ لأن فيها البيت ومقام إبراهيم. والعرب تسمي أصل كلّ شيء أمة ، حتى يقال : هذه القصيدة من أمّهات قصائد فلان ومعنى (مَنْ حَوْلَها) أي قرى الأرض كلها من أهل البدو والحضر وأهل المدر والوبر. والإنذار : التخويف (٩).

قوله : (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ) أي تنذرهم بيوم الجمع ، وهو يوم القيامة ، جمع الله فيه الأولين والآخرين وأهل السماوات والأرض. وقيل : المراد تجمع الأرواح بالأجساد. وقيل : يجمع بين العامل وعمله وقيل : يجمع بين الظالم والمظلوم (١٠).

__________________

(١) الكشاف ٣ / ٤٦١.

(٢) في ب البين تحريف ولحن.

(٣) والفارسيّ وجماعة ، وهذه الكاف الاسمية لا تقع كذلك عند سيبويه والمحققين إلا في الضرورة كقوله :

بيض ثلاث كنعاج جمّ

يضحكن عن كالبرد المنهمّ

أما الأخفش والفارسي وجماعة فجوزوا ذلك في الاختيار. بتصرف من المغني ١٨٠.

(٤) الفخر الرازي ٢٧ / ١٤٧.

(٥) فهو مجاز عقلي كقوله تعالى :«وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ» وكذلك ههنا.

(٦) في ب لا يعقل بتذكير عائد على البلد وهما جائزان.

(٧) بالمعنى من كشاف الزمخشري ٣ / ٤٦١.

(٨) السابق ولم ينسبها الزمخشري إلى من قرأ بها. وانظر أيضا الدر المصون ٤ / ٧٤٤.

(٩) نقله الرازي في تفسيره ٢٧ / ١٤٧.

(١٠) قال بالأوّل البغويّ ٦ / ١١٧ وبالأقوال مجتمعة الرّازي المرجع السابق.

١٦٨

قوله : (لا رَيْبَ فِيهِ) إخبار فهو مستأنف ، ويجوز أن يكون حالا من (يَوْمَ الْجَمْعِ) وجعله الزّمخشري اعتراضا (١) وهو غير ظاهر صناعة إذ لم يقع بين متلازمين (٢).

قوله : «فريق» العامة على رفعه بأحد وجهين :

إمّا الابتداء ، وخبره الجار بعده ، وساغ هذا في النكرة ، لأنه مقام تفصيل كقوله :

٤٣٧١ ـ .........

فثوب نسيت وثوب أجرّ (٣)

ويجوز أن يكون الخبر مقدرا تقديره منهم فريق (٤). وساغ الابتداء (٥) بالنكرة لشيئين : تقديم خبرها جار ومجرورا ووصفها بالجار بعدها ، والثاني : أنه خبر ابتداء مضمر أي هم أي المجموعون ، دلّ على ذلك يوم الجمع.

وقرأ زيد بن عليّ : فريقا وفريقا ، نصبا (٦) على الحال من جملة محذوفة أي افترقوا أي المجموعون.

وقال مكي : وأجاز الكسائي والفراء (٧) النصب في الكلام في «فريقا» على معنى : تنذر فريقا في الجنة وفريقا في السعير يوم الجمع (٨) وكأنه لم يطلع على أنها قراءة (٨). وظاهر نقله عن هذين الإمامين أنهما لم يطلعا (عليها) (٩) وجعل «فريقا» مفعولا أول لتنذر ، «ويوم الجمع» مفعولا ثانيا. وفي ظاهره إشكال وهو أنّ الإنذار لا يقع للفريقين وهما في الجنة وفي السعير إنما يكون الإنذار قبل استقرارهما فيهما. ويمكن أن يجاب عنه بأن المراد من هو من أهل الجنة ومن أهل السعير ، وإن لم يكن حاصلا فيهما وقت

__________________

(١) قال في الكشاف : اعتراض لا محل له. الكشاف ٣ / ٤٦١.

(٢) كالمبتدأ والخبر والفعل وفاعله والفعل ومفعوليه أو مفعوله الخ.

(٣) عجز بيت من المتقارب لامرىء القيس صدره :

فلمّا دنوت تسدّيتها

 ............

ويروى : فأقبلت زحفا على الركبتين ، كما يروى : «لبست» بدل «نسيت» رواية المؤلف والبيت في معنى الفحش الجاهلي. والشاهد: فثوب نسيت .. الخ ، حيث ابتدأ الشاعر بنكرة وجاز لمسوغ من المسوغات وهو وجود التفصيل. وانظر الديوان ١٥٩ ، والمغني ٤٧٢ ، وشرح الرضي على الكافية ١ / ٩٢ والكتاب ١ / ٨٦ ، والمحتسب ٢ / ١٢٤ ، والخزانة ١ / ٣٧٣ ، ٣٧٥ ، وابن عقيل ٣٤ ، وأمالي الشجري ١ / ٩٣ كما ورد بالمغني أيضا ٦٣٣.

(٤) في ب فريق منهم عكسا وهو خطأ بالطبع فلا مسوّغ حينئذ وانظر في هذا التقدير الأعلى أبا البقاء في التبيان ١١٣٠ والزمخشري ٢ / ٤٦١.

(٥) في ب الأخذ بدل الابتداء.

(٦) ذكرها أبو حيان في البحر ٧ / ٥٠٩.

(٧) قال في معاني القرآن له قوله : فريق في الجنة وفريق في السعير رفع بالاستئناف كقولك : رأيت الناس شقيّ وسعيد ، ولو كان فريقا في الجنة وفريقا في السعير كان صوابا والرفع أجود في العربية. معاني الفراء ٣ / ٢٢.

(٨) انظر مشكل الإعراب لمكي ٢ / ٦» ٢٧.

(٩) سقط من ب.

١٦٩

الإنذار ، و (فِي الْجَنَّةِ) صفة «فريقا» أو متعلق بذلك المحذوف (١).

فإن قيل : يوم الجمع يقتضي كون القوم مجتمعين ، والجمع بين الصنفين محال!.

فالجواب : أنهم يجتمعون (٢) أولا ثم يصيرون فريقين.

قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) قال ابن عباس (ـ رضي الله عنهما ـ) (٣) على دين واحد وقال مقاتل : على ملة الإسلام ، كقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) [الأنعام : ٣٥] (وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) أي في دين الإسلام «والظّالمون» الكافرون (ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ) يرفع عنهم العذاب (وَلا نَصِيرٍ) يمنعهم من النار(٤) وهذا تقرير لقوله تعالى : (حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) أي أنت لا تقدر أن تحملهم على الإيمان فلو شاء الله لفعله ؛ لأنه أقدر منك ، ولكنه جعل البعض مؤمنا والبعض كافرا(٥).

قوله تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) أم هذه (هي) (٦) أم المنقطعة فتقدر ببل التي للانتقال وبهمزة الإنكار (٧) ، أو بالهمزة فقط (٨). واعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أولا أنهم اتخذوا من دونه أولياء ثم قال بعده لمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ : لست عليهم بوكيل أي لا يجب عليك أن تحملهم على الإيمان فإن الله لو شاء لفعله أعاد ذلك الكلام على سبيل الاستنكار. ثم قال : (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ) ، قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) (٩) : وليك يا محمد ، وولي من اتبعك ، والفاء جواب شرط مقدر (١٠) كأنه قال : إن أرادوا أولياء بحق فالله هو الوليّ ، لا وليّ سواه ؛ لأنه يحيي الموتى (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فهو الحقيق بأن يتخذ وليا دون من لا يقدر على شيء قاله الزمخشري (١١). وقيل : الفاء عاطفة ما بعدها على ما قبلها.

قوله تعالى : (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) وجه النظم أنه تعالى كما منع (١٢) الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن يحمل الكفار على الإيمان قهرا فكذلك منع (١٣) المؤمنين أن يشرعوا معهم في الخصومات والمنازعات فقال : (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ (مِنْ شَيْءٍ)(١٤) من أمر الدين فحكمه إلى الله يقضي فيه ويحكم يوم القيامة بالفصل الذي يزيل الرّيب ، وقيل :

__________________

(١) انظر الدر ٤ / ٧٤٥.

(٢) الكشاف ٣ / ٤٦١.

(٣) زيادة من أ.

(٤) وانظر هذه الآراء في البغوي والخازن ٦ / ١١٧.

(٥) الرازي ٢٧ / ١٤٨.

(٦) زيادة لتوضيح السياق.

(٧) قال بالوجهين أبو حيان في البحر ٧ / ٥٠٩.

(٨) الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٦١.

(٩) زيادة من أ.

(١٠) وهي ما تسمى بفاء الفصيحة.

(١١) بتوضيح وتفصيل لكلامه في الكشاف ٣ / ٤٦١.

(١٢ و ١٣) في ب يمنع وهو مخالف لما في الرازي ففيه منع.

(١٤) سقط من ب.

١٧٠

وما اختلفتم فيه من شيء وتنازعتم فتحاكموا فيه إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ولا تؤثروا حكومة غيره على حكومته (١).

وقيل : ما وقع بينكم فيه خلاف من الأمور التي لا يصل تكليفكم ولا طريق لكم إلى علمه ، فقولوا الله أعلم كما قال تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [الإسراء : ٨٥].

قوله : (فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) إما أن يكون المراد فحكمه مستفاد من نص الله عليه ، أو المراد فحكمه مستفاد من القياس على ما نص الله عليه ، والثاني باطل ، لأنه يقتضي كون كل الأحكام مثبتة بالقياس وأنه باطل فتعين الأول ، فوجب كون كل الأحكام مثبتة بالمعنى ، وذلك ينفي العمل بالقياس.

فإن قيل : لا يجوز أن يكون المراد فحكمه معروف من بيان الله تعالى سواء كان ذلك البيان بالنص أو القياس؟.

فالجواب : أن المقصود من التحاكم إلى الله قطع الاختلاف والرجوع إلى القياس يقوي حكم الاختلاف ولا يوضحه فوجب أن يكون الواجب هو الرجوع إلى نص الله تعالى.

قوله : (ذلِكُمُ اللهُ) أي الذي يحكم بين المختلفين (رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) في رفع كيد الأعداء وفي طلب كل خير (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) أي أرجع إليه في كل المهمات ، وهذا يفيد الحصر أي لا أتوكل إلا عليه (٢).

قوله تعالى : (فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤) فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (١٥)

قوله تعالى : (فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

__________________

(١) قاله أبو حيان والرازي في مرجعيهما السابقين.

(٢) ذكر كل هذا الإمام الفخر الرازي ٢٧ / ١٤٩.

١٧١

قوله تعالى : «فاطر» العامة على رفعه خبرا «لذلكم» ، أو نعتا «لربي» على محض إضافته و (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) معترض على هذا ، أو مبتدأ وخبره (جَعَلَ لَكُمْ) أو خبر مبتدأ مضمر أي هو (١).

وقرأ زيد بن علي «فاطر» بالجر (٢) ، نعتا للجلالة في قوله : (إِلَى اللهِ) وما بينهما اعتراض أو بدل من الهاء في «عليه» أو «إليه» (٣).

وقال مكيّ : وأجاز الكسائي النصب على البدل (٤) ، وقال غيره : على المدح ويجوز في الكلام الخفض على البدل من (٥) الهاء كأنه لم يطلع على أنها قراءة زيد بن علي.

قوله : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً) قيل معناه : جعل لكم من أنفسكم أزواجا أي مثل خلقكم (٦) ، وأزواجا أي حلائل ، وقيل معنى من أنفسكم أي خلق حوّاء من ضلع آدم ، (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً) أي أصنافا ذكورا وإناثا (٧).

قوله : (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) أي يكثركم. وقوله : «فيه» يجوز أن تكون «في» على بابها ، والمعنى يكثركم في هذا التدبير ، وهو أن يجعل الناس والأنعام أزواجا حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد. والضمير في «يذرأكم» للمخاطبين والأنعام ، إلا أنه غلب فيه العقلاء من وجهين :

أحدهما : أنه غلب فيه جانب العقلاء على غير العقلاء.

الثاني : أنه غلب جانب المخاطبين على الغائبين (٨).

قال الزمخشري : وهي من الأحكام ذات العلّتين (٩). قال أبو حيان : وهو اصطلاح غريب (١٠) يعني أن الخطاب يغلب على الغيبة إذا اجتمعا. ثم قال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى يذرأكم في هذا التدبير وهلا قيل : يذرأكم به؟ قلت : جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير ، ألا تراك تقول للحيوان في خلق الأزواج تكثير ، كما قال تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) [البقرة : ١٧٩]. وقيل : إنها للسببيّة كالباء أي

__________________

(١) قال بهذه الأوجه ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٤٥ والسمين في الدر ٤ / ٧٤٦ وانظر الكشاف ٣ / ٤٦٢ والبحر المحيط ٧ / ٥٠٩ والتبيان ١١٣١.

(٢) ذكرها أبو حيان في البحر ٧ / ٥٠٩ كما ذكرها صاحب شواذ القرآن ٢١٥ والكشاف ٣ / ٤٦٢ والقرطبي ١٦ / ٧ ، ومشكل الإعراب ٢ / ٢٧٦.

(٣) التبيان والسمين المرجعين السابقين.

(٤) مشكل إعراب القرآن لمكي ٢ / ٢٧٦.

(٥) السابق ، وقد نقل القرطبي الرأيين النصب والجر. انظر الجامع ١٦ / ٧. وقد قال السمين : وأما النصب فلم أحفظ له قراءة انظر الدر المصون ٤ / ٧٤٦.

(٦) قاله البعوي في معالم التنزيل ٦ / ١١٨.

(٧) الرازي ٢٧ / ١٤٩.

(٨) السابق.

(٩) الكشاف ٣ / ٦٢٤.

(١٠) البحر المحيط ٧ / ٥١٠.

١٧٢

يكثركم بسببه (١) ، والضمير يعود على الجعل أو للمخلوق (٢).

وقيل : يذرأكم فيه أي يخلقكم في الرحم. وقيل : في البطن.

قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) في هذه الآية أوجه :

أشهرها : أن الكاف زائدة في خبر ليس ، و (شَيْءٌ) اسمها ، والتقدير : ليس شيء مثله. قالوا : ولولا ادعاء زيادتها للزم أن يكون له مثل ، وهو محال ؛ إذ يصير التقدير على أصالة الكاف : ليس (مثل) (٣) مثله شيء فنفى المماثلة عن مثله ، فثبت أن له مثلا لا مثل لذلك المثل ، وهذا محال تعالى الله عن ذلك (٤).

وقال أبو البقاء : لو لم تكن زائدة ، لأفضى ذلك إلى المحال ؛ إذ كان (يكون) (٥) المعنى أن له مثلا وليس لمثله مثل ، وفي ذلك تناقض ؛ لأنه إذا كان له مثل فلمثله مثل وهو هو ، مع أن إثبات المثل لله تعالى محال (٦). وهذه طريقة حسنة في تقرير زيادة الكاف ، وفيها حسن صناعة(٧).

الثاني : أن «مثل» هي (٨) الزائدة كزيادتها في قوله تعالى : (بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ) [البقرة: ١٣٧] قال الطبريّ : كما زيدت الكاف في قوله :

٤٣٧٢ ـ وصاليات ككما يؤثفين (٩)

__________________

(١) قال الفراء : معني فيه أي به.

(٢) نقله أبو حيان عن ابن عطية في البحر المحيط ٧ / ٥١٠.

(٣) سقطت كلمة مثل من ب.

(٤) ممن قال بزيادتها أبو إسحاق الزجاج في : معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٩٥ ، وابن قتيبة في : تأويل مشكل القرآن ١٩٥ بينما صرح في غريب القرآن بالأصالة ٣٩١ ، والقرطبي في الجامع ١٦ / ٨ ، وأبو البقاء في التبيان ١١٣١ ، وأحد قولين قال بهما ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٤٥.

(٥) سقط من ب.

(٦) التبيان له ١١٣١.

(٧) أخذ المؤلف هذه العبارة من كلام السمين قال : وهي طريقة غريبة في تقرير الزيادة وهي طريقة حسنة الصناعة الدر المصون ٤ / ٧٤٧.

(٨) قال بذلك القرطبيّ : في الجامع ١٦ / ٨ ، والتبيان : ١٣٣١ ، والطبريّ في : جامع البيان ٢٥ / ٩ والزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٦٣.

(٩) البيت من مشطور السريع وهو لخطام بن نصر المجاشعيّ ونسب إلى هميان بن قحافة وهو يصف منزلا قد خلا أهله وبقيت فيه آثارهم ومنها صاليات وهي الأحجار التي يوضع عليها القدر. والشاهد : ككما ، فإن الكاف الأولى زائدة ، دخلت على الثانية التي بمعنى مثل فكأنه قال : كمثل ما يؤثفين كما استشهد بالبيت أيضا على مجيء المضارع من الماضي المبدوء بهمزة قطع (أثفى) زائدة على الأصل كما في يؤكرم ، وكما قال الشاعر :

فإنّه أهل لأن يؤكرما

فالكثير : يكرما ، ويثفين ، والنون نون التوكيد الخفيفة فالفعل فعل مضارع مبني على السكون لاتصال نون النسوة به كقولنا : الفاطمات يذاكرن ، وسكنت النون للشعر. وانظر شرح شواهد الشافية ٥٩ ، ـ

١٧٣

وفي قوله :

٤٣٧٣ ـ فصيّروا مثل كعصف مأكول (١)

وهذا ليس بجيد ، لأن زيادة الأسماء ليست (٢) بجائزة ، وأيضا يصير التقدير : ليس كهو شيء. ودخول الكاف على الضمائر لا يجوز إلا في شعر.

الثالث : أن العرب تقول : «مثلك لا يفعل كذا» يعنون المخاطب نفسه ؛ لأنهم يريدون المبالغة في نفي الوصف عن المخاطب فينفونها في اللفظ عن مثله ، فثبت انتفاؤها عنه (٣) بدليلها ومنه قول الشاعر ـ (رحمة الله عليه) (٤) ـ :

٤٣٧٤ ـ على مثل ليلى يقتل المرء نفسه

وإن بات من ليلى على النّاس طاويا (٥)

وقال أوس بن حجر :

٤٣٧٥ ـ وليس كمثل الفتى زهير

خلق يوازيه في الفضائل (٦)

وقال آخر :

٤٣٧٦ ـ وقتلى كمثل جذوع النّخيل

تغشّاهم مسبل منهمر (٧)

__________________

ـ والمحتسب ١ / ١٨٦ ، وسرّ الصناعة ١ / ٣٠٠ والمقتضب ٢ / ٩٥ و ٤ / ١٤٠ و ٣٥٠ ، والكتاب ١ / ٣٢ و ٤٨ و ٤ / ٢٧٩ ، والاقتضاب ٣ / ٣٣٥ والخصائص ٢ / ٣١٨ ، والرضي على الكافية ١ / ٣٣١ ، ٣٣٢ والمغني ١٨١ والدر المصون ٤ / ٧٤٧ والكشاف ٣ / ٤٦٣ والقرطبي ١٦ / ٨ وجامع البيان للطبري ٢٥ / ٩ وبقية هذا الشعر :

لم يبق من آي بها يحلّين

غير رماد وخطام كنفين

وغير ودّ جازل أو ودين

 ............

(١) من الرجز ، ونسب في الكتاب لحميد الأرقط ، ونسب إلى رؤبة أيضا وهو في زيادات ديوانه ١٨١ وهو يصف قوما هلكوا ثم شبههم بالعصف ، وشاهده كسابقه من زيادة الكاف وزيادة الكاف للتأكيد تأكيد التشبيه وقبله :

ولعبت طير بهم أبابيل

وانظر الكشاف ٣ / ٤٦٣ ، والمغني ١٨٠ ، والكتاب ١ / ٤٠٨ وانظر الدر المصون ٤ / ٧٤٧ والمقتضب ٤ / ١٤١ ، ٣٥٠ وسرّ الصناعة ١ / ٢٩٦.

(٢) حتى قال ابن هشام في المغني ١٨٠ بل زيادة الاسم لم تثبت.

(٣) وانظر البيان ٢ / ٣٤٥ وغريب القرآن لابن قتيبة ٣٩١.

(٤) زيادة من أ.

(٥) البيت من بحر الطويل ولم أعرف قائله. وشاهده : إقامة المثل مكان الذات مبالغة وانظر البيت في الدر المصون ٤ / ٧٤٨ وفتح القدير للشوكاني ٤ / ٥٢٨.

(٦) من مخلع البسيط ونسبه أبو حيان ومن بعد السمين إلى أوس وليس في ديوانه ومعناه واضح. وشاهده كسابقه من حيث انتفاء الشيء أو إثباته عن المثل ويقصد بها المخاطب فإذا انتفى أو ثبت الشيء عن المثل فالمخاطب ثبتت أو تنتفي له وعنه الأشياء وانظر البحر المحيط ٧ / ٥١٠ والدر المصون ٤ / ٧٤٨.

(٧) أتى به المؤلف شاهدا كسابقيه وإن كان المعنى بعيدا فدخول الكاف الزائدة تأكيدا على «مثل» يجعلنا ـ

١٧٤

وقال آخر :

٤٣٧٧ ـ سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم

فما كمثلهم في النّاس من أحد (١)

قال ابن قتيبة : العرب تقيم المثل مقام النّفس فتقول : «مثلي لا يقال له هذا» أي أنا لا يقال لي (٢). قيل : ونسبة المثل إلى من لا مثل له قولك : فلان يده مبسوطة ، يريد : أنه جواد ، ولا نظير له في الحقيقة إلى اليد حتى تقول ذلك لمن لا يد له كقوله : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) [المائدة : ٦٤].

الرابع : أن يراد بالمثل الصفة ، وذلك أن المثل بمعنى المثل ، والمثل الصفة كقوله (مَثَلُ الْجَنَّةِ) [محمد : ١٥] ، فيكون المعنى ليس مثل صفته تعالى شيء من التي لغيره (وهو محمل سهل) (٣).

فصل

قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) (٤) ـ معناه ليس له نظير (٥)(وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أي سامعا للمسموعات بصيرا للمرئيات (٦).

فإن قيل : قوله : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) يفيد الحصر ، فما معنى هذا الحصر مع أن العباد أيضا موصوفون بكونهم سميعين بصيرين؟!

فالجواب : (السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) لفظان مشعران بحصول هاتين الصفتين على سبيل الكمال والكمال في كل الصفات ليس إلا لله ، فهذا هو المراد من هذا الحصر (٧).

قوله تعالى : (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي مفاتيح الرزق في السماوات والأرض ، قال المفسرون : مفاتيح السماوات : الأمطار. ومقاليد الأرض : النبات (٨) وتقدم الكلام على المقاليد في الزمر. (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) لأن مفاتيح الأرزاق بيده (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ) من البسط والتقدير «عليم».

__________________

ـ نقر بأن ذلك شاهد أرجح ونسب هذا البيت في الطبري إلى أوس بن حجر من المتقارب ، وانظر ديوانه ٣٠ والبحر المحيط ٧ / ٥١٠ والدر المصون ٤ / ٧٤٨ ، والطبري ٢٥ / ٩ ، ومجمع البيان للطبرسي ٩ / ٣٦ وفتح القدير ٤ / ٥٢٨ والجذوع ساق النخيل ، والمسبل : المطر ، والسيل المطر النازل من السماء قبل أن ينزل الأرض.

(١) من البسيط ولم أعرف قائله ، وشاهده : كمثلهم ، حيث تسلط النفي على معنى نفي مماثلة غيرهم لهم ، فقد أقيم المثل مقام الذات مبالغة كما قال بذلك ابن قتيبة في غريب القرآن ، وانظر البحر ٧ / ٥١٠ والدر المصون ٤ / ٧٤٨ ، وفتح القدير ٤ / ٥٢٨ ، والطبري ٢٥ / ٩ ومجمع البيان ٩ / ٣٧.

(٢) غريب القرآن ٣٩١.

(٣) زيادة من البحر ٧ / ٥١٠.

(٤) زيادة من أ.

(٥) قاله البغوي ٦ / ١١٨.

(٦) الرازي ٢٧ / ١٥٣.

(٧) نقله الرازي وهو رأيه انظر السابق.

(٨) البغوي المرجع السابق.

١٧٥

قوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ...) الآية لمّا عظم وحيه إلى محمد ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ بقوله : (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ذكر في هذه الآية تفصيل ذلك فقال : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) أي بين لكم من الدين يا أصحاب محمد ما وصى به نوحا وهو أول أنبياء الشريعة. قال مجاهد (١) : أوصيناك وإياه يا محمد دينا واحدا (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) من القرآن وشرائع الإسلام (ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى) إنما خص هؤلاء الأنبياء الخمسة بالذكر لأنهم كانوا أكابر الأنبياء وأصحاب الشرائع العظيمة والأتباع الكثيرة (٢).

واختلفوا في الموصى به ، فقال قتادة : تحليل الحلال وتحريم الحرام ، وقال الحكم : تحريم الأمهات والبنات والأخوات. وقال مجاهد : لم يبعث الله تعالى نبيا إلا وهداه بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، والإقرار لله بالطاعة ، فذلك دينه الذي شرع لهم. وقيل : هو التوحيد والبراءة من الشرك. وقيل : هو ما ذكر من بعد في قوله : (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) بعث الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة والمخالفة (٣).

فصل

قال ابن الخطيب : في لفظ الآية إشكالات :

أحدها : قال في أول الآية : (ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) وفي آخرها (وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ) وفي وسطها (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) فما فائدة هذا التفاوت؟

وثانيها : ذكر نوحا على سبيل الغيبة فقال : (ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) وقال (وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ).

وثالثها : تقدير الآية شرع لكم من الدين الذي أوحينا إليك. وهذا يقتضي الجمع بين خطاب الغيبة وخطاب الحضور في الكلام الواحد بالاعتبار الواحد ، وهو مشكل ، وهذه مضايق يجب البحث عنها والقوم ما داروا حولها بالجملة (٤).

واعلم أن المقصود من الآية أن يقال : شرع لكم من الدين دينا تطابقت الأنبياء على صحته ، فيجب أن يكون المراد من هذا الدين شيئا مغايرا للتكاليف والأحكام ؛ لأنها مختلفة متفاوتة ، قال تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) [المائدة : ٤٨] فوجب أن يكون المراد منه (الأمور) (٥) التي لا تختلف باختلاف الشرائع ، وهو الإيمان بالله ، وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، (وأصول الدين) (٦).

__________________

(١) البغوي السابق.

(٢) الرازي السابق ٢٧ / ١٥٤.

(٣) انظر البغوي السابق والقرطبي ١٦ / ١٠.

(٤) في الرازي وبالجملة فالمقصود من الآية .. الخ.

(٥) سقط من ب.

(٦) زيادة عن الرازي وانظر تفسيره ٢٧ / ١٥٦.

١٧٦

فصل

استدل بعضهم بقوله : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) على أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان في أول الأمر متعبدا (١) بشريعة نوح ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ، وأجيب : بأنه عطف عليه سائر الأنبياء ، فدل ذلك على أن المراد هو الأخذ بالشريعة المتفق عليها بين الكل(٢).

قوله : (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) يجوز فيها أوجه :

أحدها : أن تكون مصدرية في محل رفع على خبر مبتدأ مضمر ، كأنه قيل : وما ذلك المشروع؟ فقيل : هو إقامة الدين المشروع توحيد الله (٣).

الثاني : أنها في محل نصب بدلا من الموصول ، كأنه قيل : شرع لكم ما وصّى به نوحا توحيد الله (٤).

الثالث : أنها في محل جر بدلا من الدين (٥).

الرابع : أنها في محل جر أيضا. بدلا من الهاء (٦).

الخامس : أن تكون مفسّرة (٧) ؛ لأنه قد تقدمها ما هو بمعنى القول.

قوله : (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) من التوحيد ، ورفض الأوثان.

قوله : (اللهُ يَجْتَبِي) أي يصطفي (إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ) يهدي إليه من يشاء يصطفي لدينه من عباده من يشاء (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) يقبل إلى طاعته. والاجتباء يدل على الضم ومنه : جبى الخراج واجتبى (٨) الماء في الحوض فقوله : (اللهُ يَجْتَبِي) أي يضم إليه ويقربه منه تقريب الإكرام والرحمة (٩).

فصل

احتج نفاة القياس بهذه الآية ، فقالوا : إنه تعالى أخبر بأن أكابر الأنبياء أطبقوا على أنه يجب إقامة الدين بحيث لا يفضي إلى الاختلاف والنزاع ، والله تعالى ذكر في معرض المنّة على عباده أنه أرشدهم إلى الدين الخالي عن التفرق والمخالفة ، ومعلوم أن فتح باب القياس يفضي إلى أعظم أنواع التفرق والمنازعة فإن الحسّ شاهد بأن هؤلاء الذين

__________________

(١) في الرازي مبعوثا.

(٢) المرجع السابق.

(٣) الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٦٤.

(٤) قاله ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٤٦.

(٥) الدر المصون ٤ / ٧٤٩.

(٦) قاله العكبري في التبيان ١١٣٢.

(٧) السابق.

(٨) في ب واجتباء بلفظ الاسمية وانظر الرازي ٢٧ / ١٥٧ ولسان العرب (جبى) قال : جبى الماء والحوض والخراج يجباه ويجبيه جمعه وجبى يجبى مما جاء نادرا مثل أبى يأبى اللسان جبى ٥٤١.

(٩) قاله الرازي في تفسيره ٢٧ / ١٥٧.

١٧٧

بنوا دينهم على القياس تفرقوا تفرقا لا رجاء في حصول الاتفاق بينهم إلى قيام القيامة ، فوجب أن يكون ذلك محرما (١).

فصل

اعلم أنه تعالى لما بين أنه أمر كل الأنبياء والأمم بالأخذ بالدين المتفق عليه كان لقائل أن يقول : فلماذا نجدهم متفرقين؟ فأجاب بقوله : (وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ) أن (جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) يعني أنهم ما تفرقوا إلا من بعد أن علموا أن الفرقة ضلالة ، ولكنهم فعلوا ذلك للبغي وطلب الرياسة ، فحملتهم الحميّة النّفسانية الطبيعية (٢) ، على أن ذهبت (٣) كل طائفة إلى مذهب ، ودعوا الناس إليه ، وقبحوا ما سواه طالبا للذكر والرياسة فصار ذلك سببا لوقوع الاختلاف.

ثم أخبر تعالى أنهم استحقوا العذاب بسبب هذا الفعل ، إلا أنّه تعالى أخّر عنهم ذلك العذاب لأن لكل عذاب عنده أجلا مسمّى ، أي وقتا معلوما وهذا معنى قوله : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ). والأجل المسمّى قد يكون في الدنيا ، وقد يكون في الآخرة ، واختلفوا في الذين أريدوا بهذه الصفة ، فقال ابن عباس والأكثرون : هم اليهود والنصارى (٤) ، لقوله تعالى في آل عمران : (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) [آل عمران : ١٩].

وقوله في سورة «لم يكن» : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) [البينة : ٤]. وقيل : هم العرب (٥) ، وهذا باطل ، لما تقدم ، لأن قوله تعالى بعد هذه الآية : (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) من بعدهم» (٦) أي من بعد أنبيائهم. وقيل : من بعد الأمم الخالية (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) أي من كتابهم. وقيل من محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٧) ـ و «مريب» صفة الشك ، أي لا يؤمنون به حق الإيمان.

قوله : «أورثوا» قرأ زيد بن علي : ورّثوا ـ بالتشديد ـ مبنيا للمفعول (٨).

قوله تعالى : (فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) في اللام وجهان :

أحدهما : أن تكون بمعنى «إلى» أي فإلى ذلك الدين فادع واستقم (٩) ، وهو الاتفاق

__________________

(١) السابق.

(٢) كذا في ب وفي الرازي : الحمية النفسانية والأنفة الطبيعية.

(٣) في ب والرازي ذهب وانظر الرازي السابق.

(٤) ذكره الرازي في تفسيره ٢٧ / ١٥٨ والقرطبي في الجامع ١٦ / ١٢.

(٥) ولم يحدد الرازي من قال بهذا. انظر الرازي السابق.

(٦) المراد بهم أهل الكتاب الذين كانوا في عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وانظر الرازي السابق.

(٧) البغوي ٦ / ١١٩.

(٨) من الشواذ غير المتواترات البحر المحيط ٧ / ٥١٣ والسمين في الدر ٤ / ٧٤٩.

(٩) قاله الفراء في المعاني ٣ / ٢٢.

١٧٨

على الملة الحنيفية ، «واستقم» عليها (أي اثبت على الدين (١) الذي أمرك به) كما أمرك الله (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) المختلفة الباطلة.

والثاني : أنها للعلة (٢) ، أي لأجل التفرق والاختلاف ادع للدين القيم (وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ) أي بأيّ كتاب صحّ أن الله أنزله يعني الإيمان بجميع الكتب المنزلة.

قوله : «وأمرت لأعدل» يجوز أن يكون التقدير : وأمرت بذلك لأعدل بينكم في الحكم(٣). وقيل : أمرت أن أعدل (٤) ، فاللام مزيدة. وفيه نظر لأنك بعد زيادة اللام تحتاج إلى تقدير حرف أي بأن أعدل (٥).

فصل

قال القفال : معناه أن ربي أمرني أن لا أفرق بين نفسي أو أنفسكم (٦) بأن آمركم (٧) بما لا أعمله أو أخالفكم إلى ما لا أنهاكم عنه ، لكني أسوي بينكم وبين نفسي كذلك أسوي بين أكابركم (٨) وأصاغركم في الحكم. وقيل معناه : لا أضيف عليكم بأكثر مما افترض الله عليكم (٩) من الأحكام.

قوله : (اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) يعني إلهنا واحد ، وإن اختلفت أعمالنا ، فكلّ يجازى بعمله ، «لا حجّة» ، لا خصومة ، (بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ). نسختها آية القتال ، وإذا لم يؤمر بالقتال وأمر بالدعوة لم يكن بينه وبين من لا يجيب خصومة (١٠).

قال ابن الخطيب : ومعنى الآية أن إله الكل واحد ، وكل واحد مخصوص بعمل نفسه ، فوجب أن يشتغل كل واحد في الدنيا بنفسه فإن الله تعالى يجمع بين الكل يوم القيامة ويجازيه على عمله (١١).

فإن قيل : كيف يليق بهذه المتاركة (١٢) ما فعل بهم من القتل وتخريب البيوت وقطع النخيل والإجلاء؟! فالجواب : هذه المتاركة كانت مشروطة بشرط أن يقبلوا الدين المتفق

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) في ب للعلم خطأ وقال بهذا الوجه أبو حيان في البحر ٧ / ٥١٣.

(٣) قال الأخفش في المعاني : أي أمرت كي أعدل. المعاني ٦٨٦ وانظر الدر المصون ٤ / ٧٥٠.

(٤) قاله القرطبي في الجامع ١٦ / ١٣ وقد نقل الأول أيضا.

(٥) فيعاد إلى حرف الجر مرة أخرى.

(٦) في «أ» «ونفسك» والأصح من ب والرازي.

(٧) في أأمرك والأصح من ب والرازي أيضا.

(٨) وانظر الرازي ٢٧ / ١٥٨.

(٩) هو رأي ابن عباس. نقله البغوي في تفسيره ٦ / ١١٩.

(١٠) السابق.

(١١) الرازي المرجع السابق.

(١٢) كذا في أوالرازي وفي ب المشاركة غير مقصود.

١٧٩

على صحته بين كل الأنبياء ودخل فيه التوحيد ، وترك عبادة الأصنام والإقرار بنبوة الأنبياء وبصحة البعث والقيامة فلمّا لم يقبلوا هذا الدين فات الشّرط فيفوت المشروط.

واعلم أن قوله تعالى : (لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) يجري مجرى محاجّتهم ، بدليل أن هذا الكلام مذكور في معرض المحاجّة ، فلو كان المراد من هذه الآية تحريم المحاجة لزم كونها محرمة لنفسها ، وهو متناقض (١). وأيضا لولا الأدلة لما توجه التكليف ، وأيضا : أن الدليل يفيد العلم وذلك لا يمكن تحريمه بل المراد أن القوم عرفوا بالحجة صدق محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ. وإنما تركوا تصديقه عنادا فبين تعالى أنه حصل الاستغناء عن محاجّتهم ؛ لأنهم عرفوا صدقه (٢) ، ولا حاجة معهم إلى المحاجّة ألبتة.

ومما يقوي عدم تحريم المحاجة قوله : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل : ١٢٥] وقوله : (يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا) [هود : ٣١] وقوله : وتلك حجّتنا (آتيناها)(٣)(إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) [الأنعام : ٨٣].

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦) اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨) اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (١٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦) وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ

__________________

(١) انظر الرازي المرجع السابق.

(٢) في ب فلا.

(٣) سقط من أ.

١٨٠