اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٦

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٦

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٧٤

أحدها : أنه مبتدأ وخبره مضمر تقديره فالحق منّي أو فالحقّ (١) أنا.

والثاني : أنه مبتدأ خيره «لأملأنّ» ، قاله ابن عطية ، قال : لأن المعنى إني (٢) أملأ. قال أبو حيان : وهذا ليس بشيء ؛ لأن «لأملأنّ» جواب قسم ويجب أن يكون جملة فلا تتقدّر (٣) بمفرد ، وأيضا ليس مصدرا مقدرا بحرف مصدريّ والفعل حتى ينحل إليهما ولكنّه لما صحّ إسناد ما قدر إلى المبتدأ حكم أنّه خبر عنه (٤).

قال شهاب الدين : وتأويل ابن عطية صحيح من حيث المعنى لا من حيث الصناعة (٥).

الثالث : أنه مبتدأ خبره مضمر تقديره فالحقّ قسمي و «لأملأنّ» جواب القسم (٦) ، كقوله (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الحجر : ٧٢] ولكن حذف الخبر هنا ليس بواجب لأنه ليس نصا (٧) في اليمين ، بخلاف «لعمرك» ومثله قول امرىء القيس :

٤٢٨٥ ـ فقلت يمين الله أبرح قاعدا

ولو قطّعوا رأسي لديك وأوصالي (٨)

وأما نصب الثاني فبالفعل بعده ، أي وأنا أقول الحقّ وقرأ ابن عبّاس ومجاهد والأعمش برفعهما (٩) ، فرفع الأول على ما تقدم ، ورفع الثاني بالابتداء وخبره الجملة بعده ، والعائد محذوف (١٠) كقوله تعالى في قراءة ابن عارم : «وكل وعد الله الحسنى» (١١) وقول أبي النّحم :

٤٢٨٦ ـ قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي

عليّ ذنبا كلّه لم أصنع (١٢)

ويجوز أن يرتفع على التكرير عند الزمخشري وسيأتي ، وقرأ الحسن وعيسى بجرّهما (١٣) وتخريجهما على أن الأول مجرور بواو القسم مقدرة أي فو الحقّ و «الحقّ»

__________________

(١) التبيان ١١٠٧ والبيان ٢ / ٣٢٠.

(٢) في البحر : أن أملأ. وانظر البحر ٧ / ٤١١.

(٣) في النسختين يتقدر.

(٤) البحر ٧ / ٤١١.

(٥) الدر المصون ٤ / ٦٢٩.

(٦) قاله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٨٤.

(٧) في أ : نعتا فالتصحيح من ب.

(٨) من الطويل والشاهد : حذف الخبر لأنه نص في القسم والحذف على سبيل الوجوب عند النحاة والتقدير يمين الله قسمي ، وأبرح معناه لا أبرح وقد تقدم.

(٩) ذكرها ابن خالويه في المختصر ١٣٠ والبحر المحيط ٧ / ٤١١ والدر المصون ٤ / ٦٣٠.

(١٠) هذا إعراب الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٨٤ وقال به أيضا أبو حيان في البحر ٧ / ٤١١ والسمين ٤ / ٦٣٠.

(١١) [الحديد : ١٠] وهي من القراءة المتواترة. السبعة ٦٢٥ والدر المصون ٤ / ٦٣٠ والبحر المحيط ٧ / ٤١١.

(١٢) من الرجز المشهور في كتب النحو لأبي النجم. وشاهده «كله» فقد روي مرفوعا ومنصوبا. وقد تقدم.

(١٣) أوردها الزمخشري في الكشاف بدون نسبة ٣ / ٣٨٤ كما أوردها ابن خالويه في المختصر ١٣٠.

٤٦١

عطف عليه كقولك : والله والله لأقومنّ» ، و «أقول» اعتراض بين القسم وجوابه ويجوز أن يكون مجرورا على الحكاية وهو منصوب المحلّ «بأقول» بعده (١) ، قال الزمخشريّ : ومجرورين ـ أي وقرئا مجرورين ـ على أن الأول مقسم به قد أضمر حرف قسمه كقولك : «(و) (٢) الله لأفعلنّ والحقّ أقول» أي ولا أقول إلّا الحقّ على حكاية لفظ المقسم به ومعناه التوكيد والتشديد ، وهذا الوجه جائز في المرفوع والمنصوب أيضا وهو وجه دقيق حسن (٣). انتهى.

يعني أنه أعمل القول في قوله : (وَالْحَقَّ) على سبيل الحكاية فيكون منصوبا بأقول سواء نصب أو رفع أو جر كأنه قيل : وأقول هذا اللفظ المتقدم مقيدا بما لفظ به أولا (٤).

فصل

معنى لأملأن جهنم منك أي من جنسك وهم الشياطين وممّن تبعك منهم من ذرية آدم (٥).

قوله : «أجمعين» فيه وجهان (٦) :

أظهرهما : أنه توكيد للضمير في «منك» ولمن عطف عليه في قوله (وَمِمَّنْ تَبِعَكَ) والمعنى لأملأن جهنم من (المتبوعين (٧) والتابعين لا أترك منهم أحدا ، وجيء بأجمعين دون كل ، وقد تقدم أن الأكثر خلافه وجوز الزمخشري أن يكون تأكيدا للضمير في «منهم» خاصة ، فقدر : لأملأن جهنّم من) الشياطين وممن تبعهم من جميع الناس لا تفاوت في ذلك بين ناس وناس (٨).

قوله تعالى : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٨٧) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ)(٨٨)

قوله : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) أي على تبليغ الرسالة (مِنْ أَجْرٍ) جعل (٩) فقوله : «عليه» متعلق «بأسألكم» لا «بالأجر» لأنه مصدر ، ويجوز أن يكون حالا منه (١٠) والضمير إما للقرآن وإما للوحي وإما للدعاء إلى الله (١١).

__________________

(١) قاله أبو حيان في البحر ٧ / ٤١١ معنى والسمين في الدر لفظا.

(٢) الواو زيدت خطأ من ب.

(٣) الكشاف ٣ / ٣٨٤.

(٤) قاله السمين في الدر ٤ / ٦٣١.

(٥) قاله الرازي في تفسيره ٢٦ / ٢٣٥.

(٦) الرازي المرجع السابق والسمين في الدر ٤ / ٦٣١ والكشاف ٣ / ٣٨٤.

(٧) ما بين القوسين كله ساقط من ب بسبب انتقال النظر.

(٨) الكشاف المرجع السابق.

(٩) قاله البغوي والخازن في تفسيريهما ٦ / ٦٦.

(١٠) الدر المصون ٤ / ٦٣١.

(١١) البحر المحيط ٧ / ٤١١ وقال بالأولين الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٨٥.

٤٦٢

قوله : (وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) المتقولين القرآن من تلقاء نفسي ، وكل من قال شيئا من تلقاء نفسه فقد تكلف له (١) وقيل : معناه أن هذا الدين الذين أدعوكم إليه ليس يحتاج في معرفة صحته إلى التّكليفات الكثيرة بل هو دين يشهد صريح (٢) العقل بصحته.

قوله : (إِنْ هُوَ) ما هو يعني القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ) موعظة «للعالمين» أي للخلق أجمعين(٣) «لتعلمنّ» جواب قسم مقدر ومعناه لتعرفنّ (٤) «نبأه» أنتم يا كفار (مكة) (٥) خبر صدقه (بَعْدَ حِينٍ) قال ابن عباس وقتادة : بعد الموت ، وقال عكرمة : يعني يوم القيامة ، وقال الكلبي : من بقي علم ذلك إذا ظهر أمره وعلا من مات علمه بعد الموت. قال الحسن : ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين (٦).

روى الثعلبي في تفسيره أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : «من قرأ سورة «ص» أعطي من الأجر بعدد كلّ جبل سخّره الله لداود ـ عليه‌السلام ـ عشر حسنات وعصم أن يصرّ (٧) على ذنب صغير أو كبير» (٨) ، وقال أبو أمامة عصمه الله من كل ذنب صغير أو كبير. والله أعلم (وهو الرحيم الغفور ، وإليه (٩) ترجع الأمور).

__________________

(١) البغوي والخازن السابقين.

(٢) هذا رأي الرازي في تفسيره ٢٦ / ٢٣٥ ، ٢٣٦.

(٣) البغوي والخازن في تفسيريهما ٦ / ٦٦.

(٤) قاله صاحب الدر المصون ٤ / ٦٣١.

(٥) لفظ مكة سقط من النسختين.

(٦) أورد هذه الأقوال البغوي والخازن في معالم التنزيل ولباب التأويل ٦ / ٦٦ ، وقال بالثلاثة الأقوال الأولى ابن الجوزي في زاد المسير ٧ / ١٥٩ وانظر الجامع لأحكام القرآن ١٥ / ٢٣١ ومعاني الفراء ٢ / ٤١٣ ، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٣٤٢.

(٧) في ب : يصير من الصيرورة.

(٨) انظر : مجمع البيان للطبرسي ٨ / ٧٢٣ ، والبيضاوي ٢ / ١٦٧ والسراج المنير ٣ / ٤٣٠ والكشاف ٣ / ٣٨٥ وهذه الأقوال كلها بدون سند في هذه التفاسير.

(٩) ما بين القوسين كله زيادة من ب.

٤٦٣

سورة «الزمر» (١)

مكية (٢) إلا قوله : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ)(٣). وهي خمس وسبعون (٤) آية وألف ومائة واثنتان وتسعون (٥) كلمة وأربعة آلاف وسبعمائة (٦) وثمانية أحرف.

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (٢) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ)(٣)

قوله تعالى : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) في «تنزيل» وجهان :

أحدهما : أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا تنزيل (٧). وقال أبو حيان : وأقول : إنه خبر والمبتدأ «هو» ليعود على قوله : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) كأنه قيل : وهذا الذكر ما هو؟ فقيل : هو تنزيل الكتاب (٨).

الثاني : أنه مبتدأ ، والجار بعده خبره أي تنزيل الكتاب كائن من الله (٩) ، وإليه ذهب الزّجّاج (١٠) والفراء (١١).

قال بعضهم : وهذا أولى من الأول ؛ لأن الإضمار خلاف الأصل فلا يصار إليه إلا

__________________

(١) ويقال لها : سورة الغرف.

(٢) في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر بن زيد.

(٣) هذا رأي ابن عباس وقال بآية أخرى وهي : «الله نزل أحسن الحديث» وقال آخرون : إلا سبع آيات من قوله تعالى : «قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ». وانظر : القرطبي ١٥ / ٢٣٢.

(٤) وقيل : اثنتان وسبعون آية المرجع السابق.

(٥) في البغوي : وسبعون.

(٦) وفيه : وتسعمائة. وانظر : البغوي ٦ / ٦٦.

(٧) ذكره في التبيان ١١٠٨ والبيان ٢ / ٣٢١ والمعاني للفراء ٢ / ٤١٤ والقرطبي ١٥ / ٢٣٣ والمشكل ٢ / ٢٥٧.

(٨) البحر ٧ / ٤١٤.

(٩) المراجع السابقة.

(١٠) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٤٣ وقد ذكر الأول أيضا.

(١١) قال : «وإن شئت جعلت رفعه بمن. والمعنى من الله تنزيل الكتاب». المرجع السابق.

٤٦٤

لضرورة ، وأيضا فإنّا إذا قلنا : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ) جملة تامة من المبتدأ والخبر أفاد فائدة شريفة وهي تنزيل الكتاب يكون من الله لا من غيره ، وهذا الحصر معنى معتبر ، وإذا أضمرنا المبتدأ لم تحصل هذه الفائدة ، وأيضا فإنا إذا أضمرنا المبتدأ صار التقدير : هذا تنزيل الكتاب ، وحينئذ يلزم مجاز آخر لأن هذا إشارة إلى السورة وهي ليست نفس التنزيل بل السورة منزلة فحينئذ يحتاج إلى أن يقول : المراد منه المفعول وهو مجاز تحملناه لا لضرورة (١).

قوله : (مِنَ اللهِ) يجوز فيه أوجه :

أحدها : أنه مرفوع المحل خبر التنزيل كما تقدم (٢).

الثاني : أنه خبر بعد خبر إذا جعلنا تنزيل خبر مبتدأ مضمر ، كقولك : هذا زيد من (٣) أهل العراق.

الثالث : أنه خبر مبتدأ مضمر أي هذا تنزيل هذا من الله (٤).

الرابع : أنه متعلق بنفس «تنزيل» إذا جعلناه خبر مبتدأ مضمر (٥).

الخامس : أنه متعلق بمحذوف على أنه حال من «تنزيل» عمل فيه اسم الإشارة المقدر قاله الزمخشري (٦).

قال أبو حيان : ولا يجوز أن يكون حالا عمل فيها معنى الإشارة ؛ لأن معاني الأفعال لا تعمل إذا كان ما هي فيه محذوفا ، ولذلك ردوا على أبي العباس قوله في بيت الفرزدق :

٤٢٨٧ ـ ..........

 ... وإذ ما مثلهم بشر(٧)

__________________

(١) قاله الرازي في تفسيره ٢٦ / ٢٣٧ و ٢٣٨. وهو بهذا يرجح رأي الزجاج والفراء الثاني.

(٢) قاله الزّمخشري أيضا في الكشاف ٣ / ٣٨٥.

(٣) المرجع السابق.

(٤) السابق أيضا وقال بالأربعة الأوجه صاحب الدر المصون في تفسيره ٤ / ٦٣٢.

(٥) المرجع السابق.

(٦) قال : أو حال من التنزيل عمل فيها معنى الإشارة. الكشاف ٣ / ٣٨٥.

(٧) هذا بعض بيت من البسيط وتمامه :

فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم

إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر

وهو للفرزدق كما أخبر هو أعلى يمدح فيه عمر بن عبد العزيز. والشاهد : نصب «مثلهم» فذهب أبو العباس إلى أن نصبه على النعت المقدم وإضمار الخبر على الحال مثل قولك : فيها قائما رجل وذلك أن النعت لا يكون قبل المنعوت والحال مفعول فيها والمفعول يكون مقدما ومؤخرا وهذا على إهمال «ما». ورأى سيبويه في هذا أنه خبر مقدم «لما» الحجازية. وهذا تجويز منه على تقديم خبرها. وقد ردّ قول المبرد بمثل ما قال أبو حيان به في البحر من أن معاني الأفعال لا تعمل مضمرة ، وبأن الحال فضلة يتم الكلام بدونها وهنا لا يتم الكلام بدون «مثلهم» فلا يكون حالا والمبتدأ أيضا قد حذف خبره في موضع لا يعلم المخاطب به ما حذف منه ولا دلالة على المحذوف وهذا لا يجوز. وقد تقدم.

٤٦٥

أنّ «مثلهم» منصوب بالخبر المحذوف وهو مقدر وإذ ما في الوجود في حال مماثلتهم بشرا.

السادس : أنه حال من «الكتاب». قاله أبو البقاء ، وجاز مجيء الحال من المضاف إليه لكونه مفعولا للمضاف ، فإن المضاف مصدر مضاف لمفعوله (١).

والعامة على رفع «تنزيل» على ما تقدم ، وقرأ زيد بن عليّ (وعيسى) (٢) وابن أبي عبلة بنصبه بإضمار فعل تقديره الزم أو اقرأ ونحوهما (٣).

فصل

احتج القائلون بخلق القرآن بأن الله تعالى وصف القرآن بكونه تنزيلا ومنزلا. وهذا الوصف لا يليق إلا بالمحدث المخلوق ، قال ابن الخطيب : والجواب أنّا نحمل هذه اللفظة على الصّيغ والحروف (٤).

قوله : (الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) والعزيز هو القادر الذي لا يغلب ، والحكيم هو الذي يفعل (لداعية) (٥) الحكمة وهذا إنما يتم إذا كان عالما بجميع المعلومات غنيا عن جميع الحاجات (٦).

قوله : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ) اعلم أن لفظ «تنزيل» يشعر بأنه تعالى أنزله نجما نجما على سبيل التدريج ، ولفظ الإنزال يشعر بأنه تعالى أنزله دفعة واحدة (٧) ، وطريق الجمع أن يقال : إنا حكمنا حكما كليا بأن نوصل إليك هذا الكتاب وهذا الإنزال ثم أوصلنا (٨) إليك نجما نجما على وفق المصالح. (وهذا (٩) هو التنزيل).

قوله : «بالحقّ» يجوز أن يتعلق «بالإنزال» أي بسبب الحق وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من الفاعل أو المفعول وهو الكتاب أي ملتبسين بالحق أو ملتبسا بالحقّ (١٠) والصّدق والصواب ، والمعنى كل ما فيه من إثبات التوحيد والنبوة والمعاد وأنواع التكاليف فهو حق يجب العمل به (١١) وفي قوله : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) تكرير

__________________

(١) ومعروف أن الحال لا تجيء من المضاف إليه إلا في مواضع ثلاثة : الأول : إذا كان المضاف عاملا في الحال نحو : «إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً».* والثاني : أن يكون المضاف جزء المضاف إليه نحو : «وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً» ، الثالث : أن يكون المضاف مثل جزء المضاف إليه في صحة الاستغناء عنه نحو : «ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً». وانظر الأشموني ٢ / ١٧٩ (بتصرف).

(٢) سقط من ب.

(٣) مختصر ابن خالويه ١٣١ والكشاف بدون تعيين ٣ / ٣٨٥ وانظر الإعراب في المعاني ٢ / ٤١٤ للفراء والكشاف المرجع السابق والدرّ المصون ٤ / ٦٣٣.

(٤) التفسير الكبير ٢٦ / ٢٣٨.

(٥) سقط من ب.

(٦) السابق.

(٧) في ب والرازي «فطريق» بالفاء.

(٨) في ب والرازي أوصلناه.

(٩) زيادة من الرازي.

(١٠) قاله السمين في الدر ٤ / ٦٣٣.

(١١) الرازي ٢٦ / ٢٣٩.

٤٦٦

تعظيم بسبب إبرازه في جملة أخرى مضافا إنزاله إلى المعظم نفسه (١).

قوله : (فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً) لما بين أن هذا الكتاب مشتمل على الحق والصدق وأردفه ببيان بعض ما فيه من الحق والصدق وهو أن يشتغل الإنسان بعبادة الله على سبيل الإخلاص فقال : فاعبد الله مخلصا له الدّين (٢) ، فقوله (مُخْلِصاً لَهُ) حال من فاعل «فاعبد» (٣) و «الدين» منصوب باسم الفاعل (٤) ، والفاء في «فاعبد» للربط ، كقولك : «أحسن إليك فلان فاشكره» (٥) والعامة على نصب «الدين» ، وقرأ ابن أبي عبلة برفعه (٦) ، وفيه وجهان :

أحدهما : أنه مرفوع بالفاعلية رافعة «مخلصا». وعلى هذا فلا بد من تجوز وإضمار ، أما التجوز فإسناد الإخلاص للدين وهو لصاحبه في الحقيقة ونظيره قولهم : شعر شاعر ، وأما الإضمار فهو إضمار عائد على ذي (٧) الحال ، أي مخلصا له الدين منك ، هذا رأي البصريين في مثل هذا ، وأما الكوفيون فيجوز أن يكون عندهم «أل» عوضا عن الضمير أي مخلصا دينك (٨).

قال الزمخشري : وحقّ لمن (٩) رفعه أن يقرأ مخلصا ـ بفتح اللام ـ لقوله تعالى : (وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) [النساء : ١٤٦] حتى يطابق قوله : (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) والخالص والمخلص واحد إلا أن يصف الدين بصفة صاحبه على الإسناد المجازي كقولهم : «شعر شاعر» (١٠).

الثاني : أن يتم الكلام على : «مخلصا» وهو حال من فاعل «فاعبد» ، و «له الدّين» مبتدأ وخبر ، وهو قول الفراء (١١). وقد ردّه الزمخشري وقال : فقد جاء بإعراب رجع به الكلام إلى قولك: لله الدين ألا لله الدين الخالص (١٢). قال شهاب الدين : وهذا الذي ذكره الزمخشري لا يظهر فيه ردّ على هذا الإعراب (١٣).

__________________

(١) الدر المرجع السابق.

(٢) قاله الرازي في المرجع السابق.

(٣) الدر المرجع السابق.

(٤) السّابق وانظر : التبيان أيضا ١١٠٨.

(٥) قاله أبو حيان في البحر ٧ / ٤١٤.

(٦) المرجع السابق والكشاف دون تعيين في ٣ / ٣٨٦.

(٧) في ب : دين ؛ تحريف ولحن.

(٨) وقال بهذا الرأي أبو حيان في البحر ٧ / ٤١٤ والسمين في الدر ٤ / ٦٣٣ وقال الزمخشري : وحقّ من رفعه أن يقرأ مخلصا بفتح اللام كقوله تعالى : «وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ» حتى يطابق قوله : «أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ» الكشاف ٣ / ٣٨٦.

(٩) في الكشاف : «وحق من رفعه».

(١٠) قاله في الكشاف ٣ / ٣٧٦.

(١١) انظر المعاني ٢ / ٤١٤.

(١٢) الكشاف ٣ / ٣٨٦.

(١٣) نقله في الدر المصون ٤ / ٦٣٤.

٤٦٧

فصل

المراد بإخلاص الدين الطاعة ، (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) قال قتادة : شهادة أن لا إله إلا الله(١). واعلم أنّ العبادة فعل أو قول أو ترك فعل أو ترك قول يؤتى به لمجرد (٢) اعتقاد أن الأمر به عظيم يجب الانقياد له وأما الإخلاص فهو أن أن يكون الداعي إلى الإتيان بذلك الفعل أو الترك مجرد الانقياد والامتثال ، واحتج قتادة بما روي عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : لا إله إلّا الله حصني ، ومن دخل حصني أمن عذابي (٣) وهذا قول من يقول لا تضر المعصية مع الإيمان كما لا ينتفع بالطاعة مع الكفر ، وقال الأكثرون الآية متناولة لكل ما يخلق (٤) الله به من الأوامر والنواهي لأن قوله تعالى (فَاعْبُدِ اللهَ)عام(٥).

وروي أن امرأة الفرزدق لما قربت وفاتها أوصت أن يصلي الحسن البصري عليها ، فلما دفنت قال الحسن للفرزدق : أبا فراس ما الذي أعددت لهذا الأمر؟ قال شهادة أن لا إله إلّا الله. قال الحسن : هذا العمود فأين الطّنب (٦)؟ فبين هذا (٧) اللفظ الوجيز أن عمود الخيمة لا ينتفع به إلا مع الطنب حتى يمكن الانتفاع بالخيمة. قال القاضي (٨) : فأما ما يروى أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال لمعاذ وأبي الدرداء : وإن زنا وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء فإن صح فإنه يجب أن يحمل عليه بشرط التوبة وإلا لم يجز قبول هذا الخبر لأنه مخالف للقرآن ، ولأنه يوجب أن لا يكون الإنسان مزجورا عن الزّنا والسّرقة ويكون إغراء له بفعل القبيح ، وذلك ينافي حكمة الله ، وهذا يدل على أن اعتقاد فعل القبيح لا يضر مع التمسك بالشهادتين ، هذا تمام قول القاضي.

قال ابن الخطيب : فيقال له : أمّا قولك : إن القول بالمغفرة مخالف للقرآن فليس كذلك بل القرآن يدل عليه قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] وقال : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) [الرعد : ٦] كما يقال : رأيت الأمير على أكله وشربه أي حين كونه آكلا وشاربا. وقال : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) [الزمر : ٥٣] وأما قوله : إن ذلك يوجب الإغراء بالقبيح فيقال له : إن كان الأمر كذلك وجب أن يقبح غفرانه عقلا. وهذا

__________________

(١) تفسير البغوي ٦ / ٦٧.

(٢) في ب بمجرد.

(٣) أورده الرازي في تفسيره ٢٦ / ٢٣٨.

(٤) في ب والرازي : كلف.

(٥) انظر : الرازي السابق ٢٦ / ٢٣٧ و ٢٣٨.

(٦) الطّنب والطّنب معا : حبل الخباء والسّرادق ونحوهما ، وأطناب الشّجر عروق تتشعّب من أرومتها ، وقيل : الطنب : الوتد والجمع أطناب وطنبة ، وخباء مطنّب ورواق مطنّب أي مشدود بالأطناب وفي الحديث : «ما بين طنبي المدينة أحوج مني إليها». اللسان : «ط ن ب» والمحكم «طنب» كذلك.

(٧) في ب لهذا.

(٨) هو القاضي عبد الجبار من أكابر المعتزلة وقد سبقت ترجمته.

٤٦٨

مذهب البغداديّ (١) من المعتزلة ، وأنت لا تقول به لأن مذهب البصريين غفران الذنب جائز عقلا ، وأيضا فيلزم عليه أن لا يحصل الغفران بالتوبة لأنه إذا علم أنه إذا أذنب ثم تاب غفر الله له لم ينزجر ، وأما الفرق الذي ذكره القاضي فبعيد لأنه إذا عزم على أن يتوب عنه في الحال علم أنه لا يضر (ه) (٢) ذلك الذنب البتة. ثم نقول : مذهبنا أنّا نقطع بحصول العفو عن الكبائر في الجملة إلا أنه تعالى لم يقطع بحصول هذا الغفران في حق كل أحد بل في حق من يشاء (٣) وإذا كان الأمر كذلك كان الخوف حاصلا والله أعلم (٤).

قوله : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) يجوز فيه أوجه :

أحدها : أن يكون «الذين» مبتدأ ، وخبره قول مضمر حذف وبقي معموله وهو قوله : (ما نَعْبُدُهُمْ) والتقدير : يقولون ما نعبدهم (٥).

الثاني : أن يكون الخبر قوله : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) ويكون ذلك القول المضمر (في (٦) محلّ نصب على الحال أي والّذين اتخذوا قائلين كذا إنّ الله يحكم بينهم (٧).

الثالث : أن يكون القول المضمر) بدلا من الصلة التي هي «اتخذوا» والتقدير : والذين اتخذوا قالوا ما نعبدهم (٨) ، والخبر أيضا : إنّ الله يحكم بينهم (٩). و «الّذين» في هذه الأقوال عبارة عن المشركين المتخذين غيرهم أولياء.

الرابع : أن يكون «الّذين» عبارة عن الملائكة وما عبدوا من دون الله كعزير ، واللّات والعزّى ويكون فاعل «اتّخذ» (١٠) عائدا على المشركين ومفعول الاتّخاذ الأول محذوف هو عائد الموصول ، والمفعول الثاني هو : «أولياء» (١١) والتقدير : والذين اتخذهم المشركون أولياء. ثم لك في خبر هذا المبتدأ وجهان :

__________________

(١) هو الكعبي السابق ترجمته الإمام عبد الله بن أحمد بن محمود البلخيّ الحنفيّ الكعبي أبو القاسم المعتزلي البغدادي المتوفى بها سنة ٣١٧ ه‍ صنف من الكتب أدب الجدل ، أوائل الأدلة في أصول الدين ، تجريد الجدل ، تحفة الوزراء ، تفسير القرآن ، التهذيب في الجدل ، عيون المسائل وغير ذلك انظر : «هدية العارفين» ٥ / ٤٤٤.

(٢) الهاء من ب والرازي.

(٣) في ب فقط يشاء بالمضارعة.

(٤) وانظر في هذا كله تفسير الإمام فخر الدين الرازي ٢٦ / ٢٤٠ و ٢٤١.

(٥) قاله في التبيان أبو البقاء ١١٠٨ وابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٢١ ومكي في المشكل ٢ / ٢٥٧.

(٦) ما بين القوسين كله سقط من ب بسبب انتقال النظر.

(٧) التبيان ٢ / ٣٢١ والكشاف ٣ / ٣٨٦.

(٨) الكشاف السابق.

(٩) بتوضيح من الدر المصون الذي ذكر هذه الأقوال في ٤ / ٦٣٤ وقد اختار الفراء والزجاج القول الأول وهو القول المضمر بالنسبة للخبر انظر : معاني الفراء ٢ / ٤١٤ ومعاني الزجاج ٤ / ٣٤٤.

(١٠) في ب اتخذوا.

(١١) بالمعنى من الكشاق ٣ / ٣٨٦ وباللفظ من الدرّ ٤ / ٦٣٤ وانظر أيضا البحر ٧ / ٥.

٤٦٩

أحدهما : القول المضمر والتقدير والّذين اتّخذهم المشركون أولياء يقول (١) فيهم المشركون ما نعبدهم إلا.

الثاني : أن الخبر هي (٢) الجملة من قوله : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ)(٣) وقرىء : (ما نَعْبُدُهُمْ) بضم النون إتباعا للباء (٤) ، ولا يعتدّ (٥) بالساكن.

قوله : «زلفى» مصدر مؤكد على غير المصدر ولكنه ملاق لعامله في المعنى ، والتقدير (والمعنى) (٦) ليزلفونا زلفى وليقرّبونا قربى (٧). وجوز أبو البقاء أن يكون حالا مؤكدة (٨).

فصل

والذين اتخذوا من دونه أي من دون الله أولياء يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله. وهذا الضمير عائد إلى الأشياء التي عبدت ، وهذا الكلام إنما يليق بالعقلاء لأن الضمير في : «نعبدهم» ضمير العقلاء فيحمل (٩) على المسيح وعزير والملائكة لكي يشفعوا لهم عند الله. ويمكن أن يحمل على الأصنام أيضا لأن العاقل لا يعبد الصنم من حيث إنه خشب أو حجر ، وإنما يعبد ربه لاعتقادهم أنها تماثيل الكواكب أو تماثيل الأرواح السماوية أو تماثيل الملائكة أو تماثيل الصالحين الذين مضوا ويكون مقصودهم من عبادتها توجيه (١٠) تلك العبادات إلى أصحاب تلك الصور.

ولما حكى الله تعالى مذاهبهم أجاب عنها من وجوه :

الأول : أنه اقتصر في الجواب على مجرد القول فقال : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).

واعلم أن المبطل إذا ذكر مذهبا باطلا وأصرّ عليه فعلاجه أن يحتال بحيلة توجب زوال الإصرار عن قلبه ، فإذا زال الإصرار عن قلبه فبعد ذلك يذكر له الدليل الدالّ على

__________________

(١) في ب مقول.

(٢) كذا في النسختين وصاحب الدر المصون والأصح : هو الجملة.

(٣) بالمعنى من الكشاف للزمخشري ٣ / ٣٨٦ قال : فإن قلت : فالخبر ما هو؟ قلت : هو على الأول إما «إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ» أو ما أضمر من القول قبل قوله : «ما نَعْبُدُهُمْ» وعلى الثاني : «إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ».

(٤) لم ينسبها الكشاف كعادته ولا أبو حيان إلى أحد وكذلك السمين الذي أخذ عنهما. انظر : البحر ٧ / ٤١٥ والكشاف ٣ / ٣٨٦ والدر المصون ٤ / ٦٣٤.

(٥) في ب ولا يفيد. تحريف.

(٦) زيادة من «أ».

(٧) نقل في المشكل ٢ / ٢٥٧ والتبيان ١١٠٨ والقرطبي ١٥ / ٢٣٣.

(٨) التبيان المرجع السابق.

(٩) في ب فيحتمل.

(١٠) وفيها توجه لا توجيه كما هنا.

٤٧٠

بطلانه فيكون هذا الطريق أفضى إلى المقصود كما يقول الأطباء : لا بد من تقديم (المنضج) (١) على سقي المسهل ، فإن تناول المنضج يصير المواد الفاسدة رخوة قابلة (٢) للزوال ، فإذا سقي المسهل بعد ذلك حصل النقاء التامّ فكذلك ههنا سماع التهديد والتخويف أولا يجري مجرى سقي المنضج أولا ، وإسماع الدليل ثانيا يجري مجرى المنضج (٣) المسهل ثانيا. فهذا هو الفائدة في تقديم هذا التهديد.

ثم قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ) أي من أصر على الكذب والكفر بقي (مح) (٤) روما من الهداية. والمراد بهذا الكذب وصفهم للأصنام بأنها آلهة مستحقة للعبادة مع علمهم بأنها جمادات خسيسة ، ويحتمل أن يكون المراد بالكفار (٥) كفران النعمة لأن العبادة نهاية التعظيم وذلك لا يليق إلا ممن (٦) يصدر عنه غاية الإنعام وهو الله تعالى ، والأوثان لا مدخل لها في الأنعام فعبادتها توجب كفران نعمة المنعم الحق (٧).

قوله : (كاذِبٌ كَفَّارٌ) قرأ الحسن والأعرج ـ وتروى عن أنس (٨) ـ كذّاب كفار (٩) ، وزيد بن عليّ كذوب كفور (١٠).

قوله تعالى : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٤) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٥) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧) وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) في ب كاملة. والمعنيان قريبان.

(٣) في ب والرازي : سقى بدل من المنضج.

(٤) ما بين القوسين سقط من «أ» فقط.

(٥) في ب بالكفر.

(٦) في ب لمن وفي الرازي بمن.

(٧) في الرازي : يوجب كفران. وانظر هذا كله في تفسير الرازي ٢٦ / ٢٤١ و ٢٤٢ مع اختلاف يسير.

(٨) هو أنس بن مالك بن النضر الأنصاري أبو حمزة صاحب النبي وخادمه روى القراءة عن الرسول سماعا وردت عنه الرواية في حروف القرآن ، قرأ عليه قتادة ومحمد بن مسلم الزهري مات سنة ٩١ ه‍ ، انظر : غاية النهاية ١ / ١٧٢.

(٩) من الشواذ انظر : المختصر ١٣٠ والكشاف ٣ / ٣٨٦.

(١٠) انظر : الكشاف المرجع السابق والبحر المحيط ٧ / ٤١٥ وانظر القراءتين في الدر المصون ٤ / ٦٣٤.

٤٧١

ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨) أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٩)

قوله : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى) لاختار (مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ) يعني الملائكة كما قال : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) [الأنبياء : ١٧] ثم نزه نفسه فقال : «سبحانه» تنزيها له عن ذلك وعما لا يليق بطهارته (١)(هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ). والمراد من هذا الكلام إقامة الدلائل القاهرة على كونه منزها عن الولد.

قوله : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) لما بين في الآية المتقدمة كونه منزها عن الولد بكونه إلها واحدا قهارا أي كامل القدرة ذكر عقيبها ما يدل على الاستغناء. وأيضا لما أبطل (٢) إلهيّة الأصنام ذكر عقيبها الصفات التي باعتبارها تحصل الإلهية ، وقد تقدم أن الدّلائل التي يذكرها الله تعالى في إثبات الإلهية إمّا أن تكون فلكية أو أرضيّة أما الفلكية فأقسام :

أحدها : خلق السموات والأرض. وقد تقدم شرحها في تفسير قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ)(٣) [الأنعام : ١].

وثانيها : اختلاف أحوال الليل والنهار ، وهو المراد ههنا من قوله : (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ)(٤). وفي هذه الجملة وجهان :

أظهرهما : أنها مستأنفة ، أخبر تعالى بذلك.

والثاني : أنها حال ، قاله أبو البقاء (٥) ، وفيه ضعف من حيث أن تكوير أحدهما على الآخر إنما كان بعد خلق السموات والأرض إلا أن يقال : هي حال مقدرة ، وهو خلاف الأصل (٦).

والتكوير : اللّفّ واللّيّ يقال : كار العمامة على رأسه وكوّرها (٧) ، ومعنى تكوير الليل على النهار وتكوير النهار على الليل على هذا المعنى أن الليل والنهار خلفة يذهب هذا ويغشى مكانه هذا وإذا غشي مكانه فكأنما (٨) لف عليه وألبسه كما يلف اللباس على

__________________

(١) قاله البغوي في : معالم التنزيل ٦ / ٦٧.

(٢) في الرازي : طعن.

(٣) وانظر : اللباب ٢ / ٣٣٥ ب.

(٤) الرازي ٢٦ / ٢٤٣ و ٢٤٤.

(٥) التبيان ١١٠٨ والدر المصون ٤ / ٦٣٥.

(٦) قاله شهاب الدين في كتابه الدر المصون ٤ / ٦٣٥.

(٧) اللسان : «ك ور» ٣٩٥٣ والمجاز ٢ / ٢٨٨ ، والغريب ٣٨٢ والقرطبي ١٥ / ٢٣٤ و ٢٣٥ والبحر المحيط ٧ / ٣٨٦ و ٣٨٧.

(٨) في ب فكأنه.

٤٧٢

اللابس أو أن كل واحد منهما يغيّب الآخر إذا طرأ عليه فشبه في (١) تغييبه إياه بشيء لف عليه ما غيبه عن مطامح الأبصار أو إن هذا يكر على هذا كرورا متتابعا فشبه (٢) ذلك بتتابع إكرار العمامة بعضها على بعض (٣). قاله الزمخشري. وهذا أوفق للاشتقاق من أشياء قد ذكرت (٤). وقال الراغب : كور الشيء إدارته وضمّ بعضه إلى بعض ككور العمامة (٥) ، وقوله : (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ) إشارة إلى جريان الشمس في مطالعها وانتقاص الليل والنهار وازديادهما. وكوّره إذا ألقاه مجتمعا. واكتار الفرس إذا رد ذنبه في عدوه ، وكوارة (٦) النّحل معروفة ، والكور الرّحل. وقيل لكل مصر كورة وهي البقعة التي يجتمع فيها قرى ومحال (٧). قال ابن الخطيب : إن النور والظلمة عسكران عظيمان ، وفي كل يوم يغلب هذا ذاك وذاك هذا ، وذلك يدل على أن كل واحد منهما يكون مغلوبا مقهورا ، ولا بد من غالب قاهر لهما يكونان تحت تدبيره وقهره وهو الله تعالى ، والمراد من هذا التكوير أنه يزيد في كل واحد منهما بقدر ما ينقص من الآخر ، والمراد من تكوير الليل والنهار ما ورد في الحديث : «نعوذ بالله من الحور بعد الكور» (٨) أي من النقصان بعد الزيادة ، وقيل : من الإدبار بعد الإقبال.

قوله : (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) فإن الشمس سلطان النهار ، والقمر سلطان الليل وأكثر مصالح هذا العالم مربوطة بهما كل يجري لأجل مسمى إلى يوم القيامة لا يزالان يجريان إلى هذا اليوم ، فإذا كان يوم القيامة ذهبا ، والمراد من هذا التسخير أن هذه الأفلاك تدور كدوران المنجنون على حدّ واحد.

ثم قال : (أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) ومعناه أن خلق هذه الأجرام العظيمة وإن دلّ على كونه عزيزا ، أي كامل القدرة إلا أنه غفار عظيم الرحمة والفضل والإحسان ، فإنه لما كان الإخبار عن كونه عظيم القدرة يوجب الخوف والرهبة فكونه غفارا كثير الرحمة يوجب الرجاء والرغبة.

ثم إنه تعالى لما ذكر الدلائل الفلكية أتبعها بذكر الدلائل السفلية فبدأ بذكر الإنسان فقال : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) يعني آدم (٩).

__________________

(١) في ب فيشبه هو.

(٢) في ب فيشبه.

(٣) في الكشاف : على أثر بعض وانظر : الكشاف ٣ / ٣٨٧.

(٤) ذكر صاحب اللسان أشياء أخرى كالزيادة والإبل وخرقة تجعلها المرأة على رأسها والقطيع من الإبل.

انظر : اللسان «ك ور» ٣٩٥٣ و ٣٩٥٤.

(٥) المفردات ٤٤٣.

(٦) في ب كورة بدون ألف.

(٧) قد ذكر صاحب اللسان هذه الأقوال في المرجع السابق.

(٨) جاء في غريب الحديث لابن الجوزي ١ / ٢٥١ وغريب الحديث لأبي عبيد ١ / ٢٢٠ و ٢ / ١٥ و ٣ / ٧٠ و ٤ / ٤٩٨ وانظره في مسند الإمام أحمد ٥ / ٨٢ والرازي ٢٦ / ٢٤٤.

(٩) المرجع الأخير ٢٤٣ و ٢٤٤.

٤٧٣

قوله : (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها) في «ثم» هذه أوجه :

أحدها : أنها على بابها من الترتيب بمهلة وذلك أنه يروى أنه تعالى أخرجنا من ظهر آدم كالذّرّ ، ثم خلق حواء بعد (١) ذلك بزمان.

الثاني : أنها على بابها أيضا ولكن لمدرك آخر وهو أن يعطف بها ما بعدها على ما فهم من الصفة في قوله «واحدة» إذ التقدير من نفس وحّدت أي انفردت ثم جعل منها زوجها (٢).

الثالث : أنها للترتيب في الإخبار لا في الزمان الوجوديّ كأنه قيل : كان من أمرها قبل ذلك أن جعل منها زوجها (٣).

(الرابع (٤) : أنها للترتيب في الأحوال والرّتب ، قال الزمخشري : فإن قلت : ما وجه قوله : (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها)) وما تعطيه (٥) من التراخي؟ قلت : هما آيتان من جملة الآيات التي عددها دالا على وحدانيته وقدرته بتشعيب (٦) هذا الخلق الثابت للحصر من نفس آدم عليه (الصلاة و) السلام وخلق حواء (٧) من قصيراه (٨) إلا أنّ إحديهما جعلها الله عادة مستمرة والأخرى لم تجر بها العادة ولم تخلق أنثى غير حواء من قصيرى رجل فكانت أدخل في كونها آية وأجلب لعجب السامع فعطفها «بثمّ» على الآية الأولى للدلالة على مباينتها فضلا ومزيّة وتراخيها عنها فيما يرجع إلى زيادة كونها آية فهي (٩) من التراخي في الحال والمنزلة لا من التراخي في الوجود (١٠).

قال ابن الخطيب : إن كلمة «ثمّ» كما تجيء لبيان كون إحدى الواقعتين متأخرة عن الثانية فكذلك تجيء لبيان تأخر أحد المكانين (١١) عن الآخر كقول القائل : بلغني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب ، وأعطيتك اليوم شيئا ثمّ الّذي أعطيتك أمس أكثر (١٢).

قوله : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) عطف على «خلقكم». والإنزال يحتمل الحقيقة ، يروى أنه خلقها في الجنة ثم أنزلها. ويحتمل المجاز. وله وجهان :

__________________

(١) قاله أبو حيان في البحر ٧ / ٤١٦ والسمين في الدر المصون ٤ / ٦٣٥.

(٢) السابق وانظر معاني الفراء ٢ / ٤١٥.

(٣) المرجعين السابقين.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب بسبب انتقال النظر.

(٥) في الكشاف يعطيه بالياء.

(٦) وفيه تشعيب.

(٧) كذا في الكشاف وفي النسختين حوى قصرا.

(٨) القصيرى : أسفل الأضلاع وقيل : هي آخر ضلع في الجنب وقيل : القصرى والقصيرى : الضّلع التي تلي الشاكلة بين الجنب والبطن. انظر : اللسان : «ق ص ر» ٣٦٤٩.

(٩) في الكشاف : فهو.

(١٠) انظر : الكشاف ٣ / ٣٨٨.

(١١) في الرازي الكلامين.

(١٢) الرازي ٢٦ / ٢٤٤.

٤٧٤

أحدهما : أنها لما لم تعش إلا بالنبات والماء والنبات إنما يعيش بالماء والماء ينزل من السحاب أطلق الإنزال عليها وهو في الحقيقة مطلق على سبب السبب كقوله :

٤٢٨٨ ـ أسنمة الآبال في ربابه (١)

وقوله :

٤٢٨٩ ـ صار الثّريد في رؤوس العيدان (٢)

وقوله :

٤٢٩٠ ـ إذا نزل السّماء بأرض قوم

رعيناه وإن كانوا غضابا (٣)

والثاني : أن قضاياه وأحكامه منزلة من السماء من حيث كتبها في اللوح المحفوظ ، وهو أيضا سبب في إيجادها (٤). وقال البغوي : معنى الإنزال ههنا الإحداث والإنشاء كقوله : (أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ)(٥) [الأعراف : ٢٦] ، وقيل : معناه : أنزل لكم من الأنعام جعلها نزلا لكم ورزقا ومعنى ثمانية أزواج أي ثمانية أصناف ، وهي الإبل والبقر والضّأن والمعز (٦) ، وتقدّم تفسيرها في سورة الأنعام.

قوله : «يخلقكم» هذه الجملة استئنافية ، ولا حاجة إلى جعلها خبر مبتدأ مضمر بل استؤنفت للإخبار بجملة فعلية (٧) ، وقد تقدم خلاف القراء في كسر الهمزة في «أمّهاتكم» (٨).

__________________

(١) من الرجز وقبله : كأنما الوابل في مصابه ، والآبال جمع إبل ، والأسنمة جمع سنام : وهو ما ارتفع من ظهر البعير والرّباب : السحاب الأبيض المثقل بالماء. وشاهده : «في ربابه» فهي محل للأسنمة فهو مجاز مرسل علاقته اعتبار ما سيكون. وانظر : البحر ٧ / ٤١٦ والدر المصون ٤ / ٦٣٦ وشرح شواهد الكشاف ٤ / ٣٣٩.

(٢) رجز كالذي قبله صدره

الحمد لله العزيز المنّان

 ..........

ولم أهتد إلى قائله وشاهده كالذي قبله فمن غير المعقول أن يكون الثريد ـ وهو معروف ـ في رؤوس العيدان بل يكون فيها الحبّ الذي يوجد منه الدقيق ثم الخبز ثم الثريد فهو مجاز علاقته ما سيكون.

وانظر : البحر ٧ / ٤١٦ والدر المصون ٤ / ٦٣٦.

(٣) من الوافر لمعاوية بن مالك ويروى «السحاب» بدل السماء. وشاهده كما قبله أيضا من المجازية في «رعيناه» فإن المرعي هو النبات لا المطر فإنما المطر سبب فالعلاقة ما سيكون وانظر : الأصمعيات ٢١٤ والاقتضاب ٣ / ٨٣ واللسان : «س م ا» وإصلاح المنطق ٣٢٩ وديوان المفضليات ٣ ، والحماسة البصرية ١ / ١٧٣ وفتح القدير ٤ / ٤٥٠.

(٤) نقله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٨٧ وأبو حيان في البحر ٧ / ٣١٧.

(٥) وانظر معالم التنزيل ٦ / ٦٧.

(٦) السابق.

(٧) قاله السمين في الدر ٤ / ٦٣٦ وأبو البقاء في التبيان ١١٠٨.

(٨) فقد قرأ حمزة بكسر الألف والميم والكسائي بكسر الهمزة وفتح الميم ، والباقون بضم الألف وفتح ـ

٤٧٥

قوله : «خلقا» مصدر «خلق» ، وقوله : (مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) صفة له فهو لبيان النوع من حيث إنه لما وصف زاد معناه على معنى عامله ، ويجوز أن يتعلق (مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) بالفعل قبله ، فيكون خلقا لمجرد التوكيد.

قوله : (فِي ظُلُماتٍ) متعلق «بخلق» الذي قبله (١) ، ولا يجوز تعلقه «بخلقا» المنصوب ، لأنه مصدر مؤكد ، وإن كان أبو البقاء جوزه ثم منعه بما ذكرت فإنه قال : و «في» يتعلّق به ؛ أي «بخلقا» أو «بخلق» الثاني ، لأن الأول مؤكد فلا يعمل (٢) ، ولا يجوز تعلقه بالفعل قبله لأنه قد تعلق (٣) به حرف مثله ، ولا يتعلق حرفان متحدان لفظا ومعنى إلا بالبدليّة أو العطف ، فإن جعلت «في ظلمات» بدلا من (فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) بدل اشتمال لأن البطون مشتملة عليها وتكون بدلا بإعادة العامل جاز ذلك أعني تعلّق الجارّين ب «يخلقكم» (٤) ولا يضر الفصل بين البدل والمبدل منه بالمصدر لأنه من تتمّة العامل فليس بأجنبيّ (٥).

فصل

هذه الحالة مشتركة بين الإنسان وبين الأنعام وهي كونها مخلوقة في بطون الأمهات ، وقوله : (خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) معناه ما ذكر الله تعالى (٦) في قوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ...) الآيات [المؤمنون : ١٢ ـ ١٤].

وقوله : (فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) قال ابن عباس : ظلمة البطن ، وظلمة الرّحم ، وظلمة المشيمة(٧) ، وقيل : الصلب والرحم والبطن (٨). ووجه الاستدلال بهذه الآيات مذكور في قوله : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) [آل عمران : ٦].

قوله : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) يجوز أن يكون «الله» خبرا «لذلكم» و «ربّكم» نعت لله أو بيان له أو بدل منه (٩). ويجوز أن يكون «الله» بدلا من «ذلكم» و «ربكم» خبره ، والمعنى : ذلكم الله الذي خلق هذه الأشياء ربّكم (١٠).

قوله : (لَهُ الْمُلْكُ) يجوز أن يكون مستأنفا (١١) ، ويجوز أن يكون خبرا بعد

__________________

ـ الميم. انظر : السبعة ٢٢٧ و ٢٢٨ والإتحاف ٣٧٥ وهو يشير إلى الآية : «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ» ٢٣ من النساء.

(١) هذه الإعرابات للسمين في الدر ٤ / ٦٣٧ وأبي البقاء في التبيان ١١٠٨.

(٢) المرجع السابق.

(٣) في ب يتعلق.

(٤) في ب من خلقكم خطأ.

(٥) قاله شهاب الدين ابن السمين في الدر ٤ / ٦٣٧.

(٦) قاله الرازي ٢٦ / ٢٤٥.

(٧) هي الجلدة التي فيها الولد والجمع مشيم ومشايم وهي الغرس وانظر : اللسان والتهذيب : «ش ي م».

(٨) وانظر : الكشاف ٣ / ٣٨٨.

(٩) التبيان ١١٠٨ والدر المصون ٤ / ٦٣٧.

(١٠) المرجع الأخير والبيان ٢ / ٣٢١.

(١١) التبيان ١١٠٨.

٤٧٦

خبر (١) ، وأن يكون «الله» بدلا من «ذلكم» و «ربكم» نعت لله أو بدل منه ، والخبر الجملة من (لَهُ الْمُلْكُ)(٢). ويجوز أن يكون الخبر نفس الجار والمجرور وحده ، و «الملك» فاعل به فهو من باب الإخبار بالمفرد (٣).

قوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون خبرا بعد خبر (٤).

فصل

قوله : (لَهُ الْمُلْكُ) يفيد الحصر أي له الملك لا لغيره ، ولما ثبت أنه لا ملك إلا له وجب القول بأن لا إله إلا هو.

ولما بين بهذه (٥) الدلائل كمال قدرته وحكمته ورحمته زيّف طريقة (٦) المشركين وقال : (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) عن طريق الحق بعد هذا البيان ، وهذا يدل على أنهم لم يصرفوا بأنفسهم عن هذه البيانات بل صرفهم عنها غيرهم وما ذلك الغير إلا الله وأيضا فدليل (٧) العقل يقوي ذلك لأن كل أحد يريد تحصيل الحق والصواب فلمّا لم يحصل ذلك فإنما حصل الجهل والضلال علمنا أنه من غيره لا منه. واستدلت المعتزلة بهذه الآيات (٨) أيضا لأن قوله تعالى : (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) تعجب من هذا الانصراف ولو كان الفاعل لذلك الصرف هو الله لم يبق لهذا (٩) التعجب معنى. قوله : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) أي إنه تعالى ما كلف المكلفين ليجرّ إلى نفسه منفعة أو ليدفع عن نفسه مضرّة لأنه تعالى غني على الإطلاق فيمتنع في حقه جر المنفعة ودفع المضرة ، لأنه واجب الوجود لذاته وواجب الوجود لذاته في جميع صفاته يكون غنيا على الإطلاق وأيضا فالقادر على خلق السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم والعرش والكرسيّ والعناصر الأربعة والمواليد الثلاثة ممتنع (١٠) أن ينتفع بصلاة «زيد» وصيام «عمرو» وأن يستضر (١١) بعدم صلاة هذا وعدم صيام ذلك.

ثم قال : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) أي وإن كان لا ينفعه إيمانهم ولا يضره كفرهم ، إلا أنه لا يرضى بالكفر. قال ابن عباس والسدي : لا يرضى لعباده المؤمنين الكفر وهم

__________________

(١) السابق والبيان ٣٢١.

(٢) التبيان ١١٠٨ وانظر هذا كلّه في الدّرّ المصون ٤ / ٦٣٧.

(٣) نقله السمين في الدر المصون ٤ / ٦٣٧.

(٤) التبيان ١١٠٨ والبيان ٢ / ٣٢١ بتعدد الخبر فقط والدر المصون ٤ / ٦٣٧ بالوجهين.

(٥) كذلك الرازي كما هنا وفي ب هذه.

(٦) في الرازي : رتب عليه تزييف وفي ب : طريق.

(٧) في ب فقط : دليل.

(٨) الأصحّ : الآية.

(٩) وانظر : الرازي ٢٦ / ٢٤٦.

(١٠) في ب والرازي : يمتنع.

(١١) كذا هنا. وفي «ب» : يستنصر وفي الرازي : يضر. وانظر : الرازي ٢٦ / ٢٤٦.

٤٧٧

الذين قال الله تعالى فيهم : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) [الحجر : ٤٢] فيكون عاما في اللفظ خاصا في المعنى كقوله : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) [الإنسان : ٦] يريد بعض العباد ، وقال قتادة : لا يرضى لأحد من عباده الكفر أي لا يرضى لعباده أن يكفروا به. وهو قول السّلف قالوا : كفر الكافر غير مرضي لله وإن كان بإرادته (١).

واحتج الجبائيّ بهذه الآية من وجهين :

الأول : أن المجبرة يقولون : إن الله تعالى خلق العباد وأفعالهم وأقوالهم وكل ما خلقه حقّ وصواب ، وإذا كان كذلك كان قد رضي بالكفر من التوجه الذي خلقه وذلك ضد الآية.

الثاني : لو كان الكفر بقضاء الله تعالى لوجب علينا أن نرضى به لأن الرضا بقضاء الله واجب وحيث اجتمعت الأمة على أن الرضا بالكفر كفر ثبت أنه ليس بقضاء الله وليس أيضا برضا الله (٢) تعالى. وأجيب بوجوه :

أحدها : إن عادة القرآن جارية بتخصيص لفظ العباد بالمؤمنين كما قدمناه عن ابن عباس.

وثانيها : قول السلف المتقدم وأنشد ابن دريد :

٤٢٩١ ـ رضيت قسرا أو على القسر رضا

من كان ذا سخط على صرف القضا (٣)

أثبت الرضا مع القسر.

وثالثها : هب أن الرضا هو الإرادة إلا أن قوله : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) عام فيتخصص بالآيات الدالة على أنه تعالى لا يريد الكفر لقوله تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : ٣٠].

قوله : (وَإِنْ تَشْكُرُوا) أي تؤمنوا بربكم وتطيعوه (يَرْضَهُ لَكُمْ) فيثيبكم عليه. قرأ ابن كثير والكسائي وابن ذكوان يرضهو بالصلة (٤). وهي الأصل من غير خلاف وهي قراءة واضحة. قال الواحدي : من أشبع الهاء (حتى ألحق (٥) فيها واوا لأن ما قبل الهاء متحرك فصار بمنزلة ضربه ، وقرأ : «يرضه» بضم الهاء) من غير صلة بلا خلاف نافع وعاصم

__________________

(١) البغوي ٦ / ٦٨ وكذلك الخازن.

(٢) الرازي ٢٦ / ٢٤٦.

(٣) هو له كما في المقصورة ٢٥ والقسر المنع يقال قسرت فلانا على كذا أي منعته. وهو أيضا القهر على المكروه والمعنى رميت بمكايدك من هو أصلب من الحديد وأقوى على الدهر من مكايد الدهر من لو سقطت خطوب الأفلاك وشواظها النارية على جسمه ما شكا وقعها ولا أنّ لحدوثها ومصابها على أنّي راض على القهر غير مختار وإنما يقسر على الرضا من لا يقدر على تصاريف القضاء. فقد فهّمنا الشاعر أن القضاء لا محيد عنه.

(٤) أي حرف المد ، وهو الواو.

(٥) ما بين القوسين كله سقط من ب بسبب انتقال النظر.

٤٧٨

وحمزة. وقرأ «يرضه» بإسكانها وصلا من غير خلاف السّوسيّ (١) عن أبي عمرو ، وقرأ بالوجهين أعني الإسكان والصلة الدّوريّ عن أبي عمرو. وقرأ بالإسكان والتحريك من غير صلة هشام (٢) عن ابن عامر(٣). فهذه خمس مراتب (٤) للقراءة وقد تقدم توجيه الإسكان والقصر والإشباع أول الكتاب وما أنشد عليه ، ولا (٥) يلتفت إلى أبي حاتم في تغليطه راوي السكون ؛ فإنها لغة ثابتة عن بني عقيل وبني كلاب(٦).

قوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) قال الجبائي : هذا يدل على أنه لا يجوز أن يقال : إنه تعالى يأخذ (٧) الأولاد بذنوب الآباء واحتج به أيضا من أنكر وجوب ضرب الدية على العاقلة. ثم قال : (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) وهذا يدل على إثبات البعث والقيامة (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وهذا يدل على تهديد العاصي وبشارة المطيع. وقوله : (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) كالعلة (٨) لما سبق أي إنه إنما ينبئكم بأعمالكم لأنه عالم بجميع المعلومات فيعلم ما في قلوبكم من الدواعي والصوارف قال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : إنّ الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.

قوله : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ) لما بين فساد القول بالشّرك وبين أنه تعالى هو الذي يجب أن يعبد بين ههنا أن طريقة الكفار متناقضة لأنهم إذا مسهم الضر طلبوا دفعه من الله ، وإذا أزال ذلك الضر عنهم رجعوا إلى عبادة غيره فكان الواجب عليهم أن يتعرفوا بالله تعالى في جميع الأحوال لأنه القادر على إيصال الخير ودفع الشر فظهر تناقض طريقهم. والمراد بالإنسان الكافر ، وقيل المراد : أقوام معينين (٩) كعتبة بن ربيعة وغيره. والمراد بالضر جميع المكاره سواء كان في جسمه أو ماله أو في أهله وولده ، لأن اللفظ مطلق فلا معنى لتقييده.

__________________

(١) صالح بن زياد بن عبد الله بن اسماعيل أبو شعيب السّوسيّ ، الرّقيّ. مقرىء ، ضابط محرر ثقة أخذ عرضا وسماعا عن أبي محمد اليزيدي وحفص وروى عنه ابنه أبو المعصوم محمد وموسى بن جرير النحوي ، وأبو الحارث محمد بن أحمد الطرسوسي الرقي مات سنة ٢٧١ ه‍. انظر : غاية النهاية ١ / ٢٣٢ و ٢٣٣.

(٢) هو هشام بن عمار إمام أهل دمشق أبو الوليد السّلميّ ، الخطيب والمقرىء ، والمحدث ، والمفتي أخذ عن أيوب بن تميم كان مشهورا بالنقل والفصاحة والعلم والدراية مات سنة ٢٤٥ ه‍ انظر : غاية النهاية في طبقات القراء.

(٣) وقد مرّ ترجمة أبي عامر أحد السبعة الكبار فيما مضى.

(٤) انظر هذه القراءات في الإتحاف ٣٧٥ والسبعة ٥٦٠ و ٥٦١ وإبراز المعاني ١٠٩ والكشف ٢ / ٢٣٦ وتفسير الرازي ٢٦ / ٢٤٧.

(٥) في ب ما يلتفت نفيا بما.

(٦) قاله أبو حيّان في البحر ٧ / ٤١٧ والسمين في الدر المصون ٤ / ٦٣٧ و ٦٣٨.

(٧) في ب يؤاخذ وكلاهما واحد.

(٨) في ب كالعلم. تحريف.

(٩) كذا في النسختين. والأصحّ : معيّنون على النعت ، وانظر هذا في تفسير الرّازي ٢٦ / ٢٤٧ و ٢٤٨ و ٢٥٠.

٤٧٩

قوله : «منيبا» حال من فاعل «دعا» و «إليه» متعلق «بمنيبا» أي راجعا إليه (١) في إزالة (٢) ذلك الضر ، ولأن الإنابة الرجوع.

قوله : (ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ) أعطاه (نِعْمَةً مِنْهُ) أي أعطاها إياه ابتداء من غير مقتض. ولا يستعمل في الجزاء بل في ابتداء العطيّة (٣) ، قال زهير :

٤٢٩٢ ـ هنالك إن يستخولوا المال يخولوا

 ..........(٤)

ويروى : يستخبلوا المال يخبلوا ، وقال أبو النجم :

٤٢٩٣ ـ أعطى فلم يبخل ولم يبخّل

كوم الذّرى من خول المخوّل (٥)

وحقيقة خول من أحد معنيين إما من قولهم : هو خائل مال إذا كان متعهّدا له حسن القيام عليه ، وإما من خال يخول إذا اختال وافتخر (٦) ، ومنه قول العرب : إن الغنيّ طويل الذّيل ميّاس الخيل (٧) ، وقد تقدم اشتقاق هذه المادة مستوفى في الأنعام (٨).

قوله : «منه» يجوز أن يكون متعلقا «بخوّل» وأن يكون متعلقا بمحذوف على أنه صفة : «لنعمة» (٩).

قوله : «نسي» أي ترك (ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ) يجوز في «ما» هذه أربعة أوجه :

__________________

(١) نقله السمين في دره المصون ٤ / ٦٣٨.

(٢) الرازي السابق.

(٣) انظر : السمين ٤ / ٦٣٨ ، ومجاز القرآن ٢ / ١٨٨ وقال الزجاج : «أذهب الضرّ عنه وأنعم عليه» ، المعاني ٤ / ٣٤٦ وقال صاحب اللسان : «خوله الله نعمة ملكه إياها» اللسان : «خ ول» ١٢٩٣.

(٤) من الطويل له وتمامه :

 ..........

وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا

وييسروا يلعبوا الميسر ، والشاهد على الرواية الأولى ، أي إن يطلب منهم أحد يعطوه وإذا قامروا عليه قامروا بأغلى ما عندهم. أما الرواية الثانية فمعنى الإخبال الإعارة أي يعيرون الناقة للانتفاع بلبنها ، والفرس للغزو عليه وتلك الرواية شاهدها على التضمين لا للتصريح. وانظر : المجاز ٢ / ١٨٨ والقرطبي ١٥ / ٢٣٧ ، والبحر ٧ / ٤١٣ واللسان : «خ ول» والديوان ١١٢.

(٥) من الرجز وهو يخبر أن هذا الرجل أعطى السائل ناقة كوماء أي عظيمة وهذا الإعطاء للسائلين من إعطاء الله إياه. وجيء بالبيت استشهادا بأن حول معناه العطيّة في «من خول المخول» وانظر البيت في القرطبي ١٥ / ٢٣٧ والبحر ٧ / ٤١٣ ، واللسان : «خ ول» ١٢٩٣ والدر المصون ٤ / ٦٣٨ والطرائف الأدبية ٥٧ ـ ٦١.

(٦) اللسان ١٢٩٣ و ١٢٩٤ والكشاف ٣ / ٣٨٨.

(٧) الاستشهاد بهذا المثال في معنى الاختيال والتكبر. وانظر : الكشاف المرجع السابق والبحر ٧ / ٤١٨.

(٨) عند قوله : «وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ» من الآية ٩٤ منها. وقال هناك : خال يخال خولا إذا صار ذا خول بعد انفراد ، وخوله المال أي أعطاء إياه ، وذكر تفصيلات جاء منها هنا مكررة. وانظر : اللباب ٣ / ٢٩٧ ب.

(٩) ذكره أبو البقاء في التّبيان ١١٠٩.

٤٨٠