اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٦

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٦

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٧٤

القصة كانت على وجه يدل على براءة ساحته عن المعاصي والذنوب وعلى شدّة مصابرته في طاعة الله تعالى فحينئذ يناسب أن يذكر عقيبه : (إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) فثبت أن الذي نختاره (١) أولى.

الثالث : أنه لما كان مقدمة الآية دالة على مدح داود ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ وتعظيمه ومؤخرتها أيضا دالة على ذلك فلو كانت الواسطة دالة على المقابح والمعايب لجرى مجرى أن يقال : فلان عظيم الدرجة عالي المرتبة في طاعة الله تعالى يقتل ويزني ويسرق وقد جعله الله خليفة له في أرضه وصوب أحكامه فكما أن هذا الكلام مما لا يليق بالعاقل فكذا ههنا ومن المعلوم أن ذكر العشق والسعي في القتل من أعظم أبواب العيوب.

ورابعها : أن بعض القائلين ذكر في هذه الآية أن داود ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ تمنى (٢) أن يحصل له في الدين كما حصل للأنبياء المتقدمين من المنازل العالية مثل ما حصل للخليل من الإلقاء في النار ، وحصل للذبيح من الذبح وحصل ليعقوب من الشدائد الموجبة لكثرة الثواب فأوحى الله إليه إنما وجدوا تلك الدرجات لأنهم لما ابتلوا صبروا فعند ذلك سأل داود عليه (الصلاة و) السلام الابتلاء فأوحى الله إليه إنك مبتلى في يوم كذا فبالغ في الاحتراز ، ثم وقعت الواقعة فنقول : إن حكايتهم تدلّ على أن الله تعالى يبتليه بالبلاء الذي يزيد في منقبته ويكمل مراتب إخلاصه ، فالسعي في قتل النفس (بغير الحق)(٣) والإفراط في العشق كيف يليق بهذه الحالة بحيث إن الحكاية التي ذكروها يناقص أولها آخرها.

وخامسها : أن داود عليه (الصلاة و) السلام (تمنّى (٤) أن يحصل له في الدين كما حصل للأنبياء المتقدمين من المنازل العالية) قال : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ) استثنى الذين آمنوا من البغي. فلو قلنا : إنه كان موصوفا بالبغي لزم أن يقال : إنه حكم بعدم الإيمان على نفسه وذلك باطل.

وسادسها : حضرت في مجلس وفيه بعض أكابر المسلمين وكان يريد أن يتعصب لتقرير ذلك القول الفاسد والقصة الخبيثة لسبب اقتضى ذلك فقلت له : لا شك أن داود عليه (الصلاة و) السلام كان من أكابر الأنبياء والرسل وقال الله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) ، ومن مدحه الله (تعالى(٥) بمثل) هذا المدح العظيم لم يجز لنا أن نبالغ في المطعن فيه وأيضا فبتقدير أنه ما كان من الأنبياء فلا شك أنه كان مسلما ؛ وقال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ

__________________

(١) في ب يختاره. وما هو أعلى من «أ» موافق للرازي.

(٢) كذا في «أ» والرازي وفي ب تميز.

(٣) سقط من ب.

(٤) ما بين القوسين كله سقط من ب.

(٥) كذلك وانظر في هذا كله تفسير الرازي ٢٦ / ١٩١.

٤٠١

«لا تذكروا موتاكم إلا بخير» (١) ثم على تقدير أنّا لا نلتفت إلى شيء من هذه الدلائل إلّا أنّا نقول : إنّ من المعلوم بالضرورة أن بتقدير أن تكون القصة التي ذكرتموها في حقه صحيحة فإن روايتها وذكرها لا يوجب شيئا من الثواب ، لأن إشاعة الفاحشة إن لم توجب العقاب فلا أقل من ألّا توجب الثواب. وأما بتقدير أن تكون هذه القصّة باطلة فاسدة فإن ذكرها مستحق (٢) به أعظم العقاب ، والواقعة التي هذا شأنها وصفتها فإنّ صريح العقل يوجب السكوت عنها فثبت أن الحق ما ذهبنا إليه ، وأن شرح تلك القصة محرم محظور ، فلما سمع ذلك الملك الشديد هذا الكلام سكت ولم يذكر شيئا.

السابع : أن ذكر هذه القصة وذكر قصة يوسف ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ يقتضي إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا.

الثامن : لو سعى داود في قتل ذلك الرجل لدخل تحت قوله : «من سعى في دم امرىء مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله».

وأيضا لو فعل ذلك لكان ظالما وكان يدخل تحت قوله : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود : ١٨].

التاسع : عن سعيد بن المسيب أن علي بن أبي طالب قال : من حدّثكم بحديث داود على ما ترويه القصّاص فاجلدوه مائة وستين (٣) (جلدة) وهو حدّ الفرية على الأنبياء ، وما يقوي هذا أنّهم لما قالوا : إن المغيرة بن شعبة زنى وشهد ثلاثة من عدول الصحابة وأما الرابع فإنه لم يقل : إني رأيت ذلك بعيني فإن عمر بن الخطاب كذب أولئك الثلاثة وجلد كل واحد منهم ثمانين جلدة لأجل أنهم قذفوا ، فإذا كان الحال في واحد من آحاد الصحابة كذلك فكيف الحال مع داود عليه (الصلاة و) السلام؟! مع أنه كان من أكابر الأنبياء ـ عليهم (الصلاة و) السلام (٤) ـ.

العاشر : روي أن بعضهم ذكر هذه القصة على ما في كتاب الله ، ثم قال : فما ينبغي أن يزاد عليها وإن كانت الواقعة على ما ذكرت ثم إنه تعالى لم يذكرها لستر تلك الواقعة على داود عليه الصلاة والسلام فلا يجوز للعاقل أن يسعى في هتك ستر ستره الله ألف سنة أو أقل أو أكثر فقال عمر (٥) : سماعي هذا الكلام أحب إلي مما طلعت عليه الشمس.

__________________

(١) اختلف في لفظ هذا الحديث وصحته وضعفه فقيل : «اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم» أخرجه أبو داود في الأدب والترمذي في الجنائز من حديث معاوية بن هشام عن عمران بن أنس المكيّ عن ابن عمر ، وقال الحاكم : إنه صحيح الإسناد وروى النّسائيّ من حديث منصور ابن صفية عن أمه قالت : ذكر عند النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ هالك بسوء فقال : لا تذكروا هلكاكم إلّا بخير. وانظر هذا كله في المقاصد الحسنة ٤٦ و ٤٧.

(٢) في ب يستحق.

(٣) الرازي ٢٦ / ١٩٢.

(٤) وانظر هذا كله في حديث الرازي في المرجع السابق.

(٥) لم ينصّ الرازي ولا المؤلف فيما سبق على عمر هذا ولم يشر إليه. والخبر يفيد أن ذلك البعض الذي ـ

٤٠٢

فثبت بهذه الوجوه التي ذكرناها أن القصة التي ذكروها باطلة فاسدة. فإن قال قائل : إن كثيرا من أكابر المحدثين المفسرين ذكروا هذه القصة فكيف الحال فيها؟!.

فالجواب الحقيقي : أنه لما وقع التعارض بين الدلائل القاطعة وبين خبر (كل) (١) واحد من أخبار الآحاد كان الرجوع إلى الدلائل القاطعة أولى. وأيضا فالأصل براءة الذمة ، وأيضا فلما تعارض ذكر التّحرّم والتحليل كان جانب التحريم أولى ، وأيضا طريقة الاحتياط توجب ترجيح قولنا ، وأيضا فنحن نعلم بالضرورة أن بتقدير (وقوع) (٢) هذه الواقعة لا يقول لنا الله يوم القيامة لم لم تسعوا في تشهير هذه الواقعة أما بتقدير كونها باطلة فإنه يوجب أن لا تجوز الشهادة بها ، وأيضا كل المفسرين لم يتفقوا على هذا القول ، بل الأكثرون والمحققون يردونه ويحكمون عليه بالكذب ، وإذا تعارضت أقوال المفسرين والمحدّثين تساقطت وبقي الرجوع فيه إلى الدلائل التي ذكرناها.

الاحتمال الثاني أن نحمل هذه القصة على حصول الصغيرة لا على حصول الكبيرة وذلك من وجوه :

الأول : أن هذه المرأة خطبها «أوريا» فأجابوه ، ثم خطبها داود فآثره أهلها فكان ذنبه أن خطب على خطبته أخيه المؤمن مع كثرة نسائه.

الثاني : قالوا إنه وقع بصره عليها فمال قلبه إليها وليس له في هذا ذنب ألبتّة ، أما وقوع بصره عليها من غير قصد فليس بذنب ، وأما حصول الميل عقيب النظر فليس أيضا ذنبا ، لأن الميل ليس في وسعه فلا يكون مكلفا به بل لما اتفق أنه قتل زوجها لأجل أنه طمع في أن يتزوج بتلك المرأة فحصلت (٣) بسبب هذا المعنى وهو أنه لم يشق عليه قتل ذلك الرجل.

والثالث : أنه كان أهل زمان داود عليه (الصلاة و) السلام يسأل بعضهم بعضا أن يطلق زوجته حتى يتزوجها وكانت عادتهم مألوفة مفهومة (٤) في هذا المعنى فاتفق أن عين داود (عليه‌السلام) (٥) وقعت على تلك المرأة فأحبها فسألوه النزول فاستحيا أن يرده ففعل وهي أم سليمان فقيل له هذا وإن كان جائزا في ظاهر الشريعة إلا أنه لا يليق بك فإنّ حسنات الأبرار سيئات المقربين. فهذه وجوه ثلاثة لو حملنا هذه القصة على واحد منها لم يلزم في حقّ داود عليه (الصلاة و) السلام إلا ترك الأفضل ، والأولى.

الاحتمال الثالث (٦) : أن تحمل هذه القصة على وجه لا يلزم منه إيجاب كبيرة ولا

__________________

ـ حكى القول العاشر حكى القصة أمام شخص اسمه عمر فقال هذه الكلمة ولا يدرى أهو عمر بن الخطاب أم ابن عبد العزيز أم شخص غيرهما؟ ولعله سقط بيان ذلك من النساخ أو المطبعة.

(١) زيادة من «أ» على «ب» والرازي.

(٢) سقط من ب وانظر : الرازي ٢٦ / ١٩٢.

(٣) في الرازي : فحصلت الزلة بسبب هذا المعنى.

(٤) في ب : معهودة وفي الرازي معروفة.

(٥) سقطت من ب.

(٦) في ب : السادس خطأ.

٤٠٣

صغيرة لداود عليه (الصلاة و) السلام بل يوجب إلحاق أعظم أنواع المدح والثناء به وهو أن نقول : روي أنّ جماعة من الأعداء طمعوا أن يقتلوا داود ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ وكان له يوم يخلو فيه بنفسه ويشتغل بطاعة ربه ، فانتهزوا الفرصة في ذلك اليوم وتسوّروا المحراب فلما دخلوا عليه وجدوا عنده أقواما يمنعهم (١) منه فخافوا ووضعوا (٢) كذبا وقالوا خصمان بغى بعضنا على بعض إلى آخر القصة. وليس في لفظ القرآن ما يمكن أن يحتج به في إلحاق الذنب بداود عليه (الصلاة و) السلام إلا ألفاظ أربعة :

أحدها : قوله : (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ).

وثانيها : قوله : (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً).

وثالثها : (وَأَنابَ).

ورابعها : قوله : (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ). ثم نقول : هذه الألفاظ لا يدل شيء منها على ما ذكروه من وجوه :

الأول : أنهم لما دخلوا عليه لطلب قتله بهذا الطريق وعلم داود عليه‌السلام دعاه (٣) الغضب إلى أن يشتغل بالانتقام منهم أي أنه مال إلى الصّفح والتجاوز عنهم طلبا لمرضاة الله تعالى فكانت هي (٤) الفتنة لأنها جارية مجرى الابتلاء والامتحان ثم إنّه استغفر ربه مما همّ به من الانتقام منهم وتاب عن ذلك الهمّ وأناب فغفر له ذلك القدر من الهمّ والعزم.

الثاني : أنه وإن غلب على ظنه أنهم دخلوا عليه ليقتلوه إلا أنه ندم على ذلك الظن وقال : لمّا لم تقم دلالة ولا أمارة على أن الأمر كذلك فلبئس (٥) ما عملت حيث ظننت فيهم هذا الظن الرديء فكان هذا هو المراد من قوله : (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ) ثم إنه استغفر ربه وأناب منه فغفر الله له ذلك.

الثالث : دخولهم عليه كان فتنة لداود ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ إلا أنه عليه (الصلاة و) السلام استغفر لذلك العازم (٦) على قتله كقوله في حق محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) [محمد : ١٩] فداود (عليه‌السلام) (٧) استغفر لهم ، وأناب أي رجع إلى الله تعالى في طلب المغفرة لذلك الرجل الداخل القاصد القتل (٨) ، وقوله : (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ) أي فغفرنا ذلك الذنب لأجل احترام داود وتعظيمه كما قال بعض المفسرين في قوله تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ٢] إن معناه : إن الله يغفر لك ولأجلك ما تقدم من ذنب أمّتك.

__________________

(١) كذا ؛ وفي الرازي يمنعونه منهم.

(٢) في ب : ووصفوا.

(٣) في ب : داعاه.

(٤) أي الواقعة وفي ب بدلا من هي «من».

(٥) كذا في النسختين وفي الرازي : فبئسما علمت بهم.

(٦) كذا في «أ» والرازي وفي ب العزم.

(٧) ما بين القوسين سقط من ب.

(٨) كذا في ب و «أ». وفي الرازي للقتل.

٤٠٤

الرابع : أنه عاتب داود عليه‌السلام عن زلّة صدرت منه لكن لا نسلم أن تلك الزلة (١) وقعت بسبب المرأة. ولم لا يجوز أن يقال : إن تلك الزلة إنما حصلت لأنه قضى لأحد الخصمين قبل أن يسمع كلام الخصم الثاني لأنه لما قال : (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ) حكم عليه بكونه ظالما بمجرد دعوة الخصم بلا بينة فيكون هذا الحكم مخالفا للصواب. فعند هذا اشتغل بالاستغفار والتوبة إلا أن هذا من باب ترك الأفضل والأولى (٢) فثبت بهذه البيانات أنا إذا حملنا هذه الآيات على هذا الوجه فإنه لا يلزم إسناد شيء من الذنوب إلى داود ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ بل ذلك يوجب إسناد أعظم الطّاعات إليه. ثم نقول: وحمل الآية عليه أولى لوجوه :

الأول : أن الأصل في حال المسلم البعد عن المناهي لا سيما وهو رجل من أكابر الأنبياء والرسل.

الثاني : أنه أحوط (٣).

الثالث : أنه تعالى قال في أول الآية لمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (٤) : (اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ) فإن قوم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لما أظهروا السفاهة حيث قالوا : إنه ساحر كذاب ، واستهزأوا به حيث قالوا : ربّنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب ، فقال تعالى في أول الآية : اصبر على ما يقولون يا محمد وعلى سفاهتهم وتحمل ولا تظهر الغضب واذكر عبدنا داود فهذا الذكر إنما يحسن إذا كان داود عليه‌السلام قد صبر على أذاهم وتحمل سفاهتهم وحلم ولم يظهر الطيش والغضب وهذا المعنى إنما يحصل إذا حملنا الآية على ما ذكرناه. أما إذا حملنا الآية على ما ذكروه صار الكلام متناقضا.

الرابع : أن تلك الرواية إنما تتمشى (٥) إذا قلنا : إن الخصمين كانا ملكين وإذا كانا ملكين ولم يكن بينهما مخاصمة ولم يبغ أحدهما على الآخر كان قولهما : (خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) كذب. فهذه الرواية لا تتم إلا بشيئين (٦) :

أحدهما : إسناد الكذب إلى الملائكة.

والثاني : إسناد أفحش القبائح إلى رجل كبير من أكابر الأنبياء وأما إذا حملنا الآية على ما ذكرنا استغنينا عن إسناد الكذب إلى الملائكة وعن إسناد القبيح إلى الأنبياء ، فكان قولنا أولى (٧).

__________________

(١) في ب المزلة.

(٢) انظر : الرازي ٢٦ / ١٩٣ و ١٩٤.

(٣) في ب أحول خطأ.

(٤) هذه الجملة الدعائية سقطت من ب.

(٥) كذا في الرازي أيضا وفي «ب» تمشي بتاء واحدة.

(٦) في ب : بسببين لا بشيئين.

(٧) وانظر تفسير الرازي ٢٦ / ١٩٤.

٤٠٥

فصل

قال المفسرون قوله : وعزّني (في الخطاب) أي قهرني وغلبني (فِي الْخِطابِ) أي في القول. قال الضحاك يقول : إن تكلم كان أفصح مني ، وإن حارب كان أبطش مني وحقيقة المعنى أن الغلبة كانت له فضعفي في يده وإن كان الحق معي فقال داود : (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) أي بسؤاله (١) نعجتك ليضمها إلى نعاجه (٢).

فإن قيل : كيف قال : لقد ظلمك بسؤال نعجتك ولم يكن سمع قول صاحبه؟!.

فالجواب : قيل : إن معناه إن كان الأمر كما تقول فقد ظلمك (٣) ، قال ابن إسحاق : لما فرغ الخصم الأول من كلامه نظر داود إلى الخصم الذي لم يتكلم وقال : «لئن (٤) صدق لقد ظلمه» (٥).

وقال ابن الأنباري (٦) : لما ادعى أحد الخصمين) اعترف الثاني فحكم داود عليه ولم يذكر الله ذلك الاعتراف لدلالة الكلام (٧) عليه. وقيل التقدير : إن الخصم الذي هذا شأنه قد (٨) ظلمك ثم قال : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ).

قال الليث : خليط الرّجل مخالطه (٩) ، وقال الزجاج : الخلطاء : الشركاء (١٠).

فإن قيل : لم خص الخلطاء ببغي بعضهم على بعض مع أن غير الخلطاء يفعلون ذلك؟

فالجواب : أن المخالطة توجب كثرة المنازعة والمخاصمة لأنهما إذا اختلطا اطلع كل واحد منهما على أحوال الآخر فكل ما يملكه من الأشياء النفيسة إذا اطلع عليه عظمت رغبته فيه فيفضي ذلك إلى زيادة المخاصمة والمنازعة فلهذا خص داود ـ عليه (الصلاة و) السلام الخلطاء بزيادة البغي والعدوان (١١). ثم استثنى عن هذا الحكم الذين آمنوا وعملوا الصلحات لأن مخالطة هؤلاء لا تكون لأجل الدين. وهذا استثناء متصل من قوله : «بعضهم» (١٢).

قوله : (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) خبر مقدم و «ما» مزيدة للتعظيم. و «هم» مبتدأ (١٣).

__________________

(١) في ب بسؤال.

(٢) قاله البغوي في معالم التنزيل ٦ / ٤٧ و ٤٨.

(٣) السابق.

(٤) ما بين القوسين كله ساقط من ب.

(٥) الرازي ٢٦ / ١٩٧.

(٦) هو محمد بن القاسم بن بشار الأنباري أبو بكر كان من أعلم الناس وأفضلهم في نحو الكوفيين له تصانيف كثيرة منها : الأضداد ، والمذكر والمؤنث ، والهاءات. وكان ثقة صدوقا ، من أهل السنة وألف كتبا كثيرة في علوم القرآن والحديث ، والنحو. مات سنة ٣٢٨ ه‍ ، انظر : نزهة الألباء ١٧٨ : ١٨٥.

(٧) الرازي السابق.

(٨) في ب فقد وهذا رأي للرازي المرجع السابق.

(٩) اللسان ١٢٢٩ و ١٢٣٠.

(١٠) معاني القرآن ٤ / ٣٢٧.

(١١) في ب والعداوة. وانظر : الرازي المرجع السابق.

(١٢ و ١٣) انظر : التبيان ١٠٩٩ والبيان ٢ / ٣١٤ والدر المصون ٤ / ٦٠٣.

٤٠٦

قال الزمخشري : و «ما» في قوله : (قَلِيلٌ ما هُمْ) للإبهام وفيه تعجب من قلتهم.

قال : فإن أردت أن تتحقق فائدتها وموقعها فاطرحها من قول امرىء القيس :

٤٢٦٦ ـ وحديث ما على قصره (١)

وانظر هل بقي لها معنى قط (٢)؟ (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ) أي امتحناه ، قرأ العامة فتنّاه بالتخفيف وإسناده إلى ضمير المتكلم المعظّم نفسه ، وعمر بن الخطاب والحسن وأبو رجاء فتّنّاه بتشديد التاء. وهي مبالغة (٣). وقرأ الضحاك : أفتنّاه (٤) ، يقال : فتنه وأفتنه أي حمله على الفتنة ومنه :

٤٢٦٧ ـ لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت

 ..........(٥)

وقرأ قتادة وأبو عمرو ـ في رواية ـ فتنّاه (٦) بالتخفيف وفتّنّاه (٧) بالتشديد ، والألف ضمير (٨) الخصمين ، و «راكعا» حال مقدرة ، قاله أبو البقاء (٩) ، وفيه نظر لظهور المقارنة.

فصل

قال المفسرون : إن الظن ههنا بمعنى العلم ؛ لأن داود عليه (الصلاة و) السلام لما قضى بينهما نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك ، ثم صعد إلى السماء قبل وجهه فعلم داود أنّ الله ابتلاه بذلك فثبت أن داود علم بذلك. وإنما جاز حمل لفظ الظن على العلم ، لأن العلم الاستدلاليّ يشبه الظنّ مشابهة عظيمة والمشابهة علة لجواز المجاز. قال ابن

__________________

(١) تقدم هذا القول في البيت وما فيه.

(٢) كشافه ٣ / ٣٧١. ولقد سبق للزمخشري في قوله : جند ما هنالك أن جعل «ما» مزيدة وفيها معنى الاستعظام إلا أنه على سبيل الهزؤ وهنا قال قوله هذا بأن ما للإبهام وفيه تعجب فهو يريد الزيادة التي تحمل معنى لائقا ومفيدا كما أفاد بذلك قوله.

(٣) المرجع السابق وقد ذكرها ابن جني في المحتسب ٢ / ٢٣٢ وابن خالويه في المختصر ١٣٠ وهي من الشواذ غير المتواترة.

(٤) شاذة كسابقتها قال بها الزمخشري في مرجعه السابق بدون نسبة وقد نسبها أبو حيان والسّمين إلى الضّحّاك. انظر : البحر ٧ / ٣٩٣ والدر المصون ٤ / ٦٠٣.

(٥) صدر بيت من الطويل مختلف في قائل : فمن قائل : إنه لأعشى همدان ومن قائل : أنه لابن قيس وتمامه :

 ..........

سعيدا فأمسى قد قلى كل مسلم

ويراد بسعيد ابن جبير أحد التابعين. وشاهده استواء (فتن وأفتن) ثلاثيّا ورباعيّا لمعنى واحد. ويقال : إن فتن لغة الحجاز والثاني : نجد ، وقد تقدم.

(٦) حاءت في الإتحاف ٣٧٢ والسبعة ٥٥٣ والمحتسب ٢ / ٢٣٢ ومختصر ابن خالويه ١٣٠ وهي سبعية متواترة.

(٧) لم تتواتر هذه القراءة وجاء بها الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٧١ والسمين في الدر ٤ / ٤٠٣.

(٨) في قراءة فتناه التخفيفية.

(٩) التبيان ١٠٩٩.

٤٠٧

الخطيب : هذا الكلام إنما يلزم إذا قلنا الخصمان كانا ملكين إما إذا لم يقل ذلك لا يلزمنا حمل الظن على العلم بل لقائل أن يقول : إنه لمّا غلب على ظنه حصول الابتلاء من الله تعالى اشتغل بالاستغفار والإنابة.

قوله : (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ) أي سأل الغفران من ربه ، ثم ههنا وجهان إن قلنا : إنه صدرت منه زلّة حمل هذا الاستغفار عليها وإن لم يقل به قلنا فيه وجوه :

الأول : أن القوم لما دخلوا عليه قاصدين قتله وإنه كان سلطانا شديد القهر عظيم القوة مع القدرة الشديدة على الانتقام ومع محصول (١) الفزع في قلبه عفا عنهم ولم يقل لهم شيئا قرب الأمر من أن يدخل قلبه (٢) شيء من العجب فاستغفر ربّه من تلك الحالة وأناب إلى الله ، واعترف بأن إقدامه على ذلك الخير ما كان إلا بتوفيق الله فغفر له وتجاوز عنه بسبب طريان ذلك الخاطر.

الثاني : لعله همّ بإيذاء القوم ، ثم قال : إنه لم يدل دليل قاطع على أن هؤلاء قصدوا الشر فعفا عنهم ثم استغفر من (٣) ذلك الهم.

الثالث : لعل القوم تابوا إلى الله تعالى وطلبوا منه أن يستغفر الله (لهم) ولأجل أن يقبل توبتهم فاستغفر وتضرع إلى الله فغفر له توبتهم بسبب شفاعته ودعائه. وهذه كلها وجوه محتملة ظاهرة ، والقرآن مملوء من أمثال هذه الوجوه ، وإذا كان اللفظ محتملا لما ذكرناه ولم يقم دليل قطعي ولا ظني على التزام ما ذكروه من المنكرات فما الذي دل عليه التزامه والقول به؟ ويؤيد ما ذكرنا أنه تعالى ختم هذه القصة بقوله: (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) ومثل هذه الخاتمة إنما يحصل في حقّ من صدر عنه امتثال الأوامر في الخدمة والطاعة وتحمل (٤) أنواعا من الشدائد في الموافقة والانقياد.

قوله : «ذلك» الظاهر أنه مفعول «غفرنا» (٥) وجوز أبو البقاء فيه أن يكون خبر مبتدأ مضمر أي الأمر ذلك (٦) ولا حاجة (٧) إلى هذا. والمشهور أنّ الاستغفار إنما كان بسبب قصة النّعجة ، والنّعاج ، وقيل : بسبب أنه حكم لأحد الخصمين قبل أن يسمع كلام الثاني ، وذلك غير جائز.

قوله : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) أي تدبر أمور العباد بأمرنا ، واعلم أنه لما تمم الكلام في شرح القصة أردفها ببيان أن الله تعالى فوض إلى داود خلافة الأرض

__________________

(١) في ب والرازي : حصول.

(٢) في ب فقط عليه.

(٣) في ب والرازي عن ذلك. وانظر تفسير الرازي ٢٦ / ١٩٨. وفي معنى الظن معاني الزجاج ٤ / ٣٢٧ والقرطبي ١٥ / ١٧٩٧ والبغوي والخازن ٦ / ٤٨.

(٤) في ب ويحمل.

(٥) الدر المصون ٤ / ٦٠٤ والبيان ٢ / ٣١٥.

(٦) المرجعان السابقان وانظر : التبيان ١٠٩٩.

(٧) في الدر المصون وأي حاجة إلى هذا بطريق الاستفهام.

٤٠٨

وهذا من أقوى الدلائل على فساد القول المشهور في القصة لأن من البعيد جدا أن يوصف الرجل بكونه ساعيا في سفك دماء المسلمين رغبة في انتزاع أزواجهم منهم ، ثم يذكر عقيبه أن الله فوّض خلافة الأرض إليه. ثم في تفسير كونه خليفة وجهان :

الأول : جعلناك تخلف من تقدمك من الأنبياء في الدعاء إلى الله تعالى وفي سياسة الناس لأن خليفة الرجل من يخلفه وذلك إنما يعقل في حق من يصح عليه الغيبة ، وذلك على الله محال.

الثاني : إنا جعلناك ممكنا في الناس نافذ (١) الحكم فيهم. فبهذا التأويل يسمى خليفة ، ومنه يقال خليفة الله في الأرض (٢) وحاصله أن خليفة الرجل يكون نافذ الحكم في رعيته ، وحقيقة الخلافة ممتنعة في حق الله تعالى فلما امتنعت الحقيقة جعلت اللفظة (مفيدة) (٣) للزوم نفاذ ذلك الحكم في تلك الحقيقة.

قوله : (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ) أي بالعدل لأن الأحكام إذا كانت مطابقة للشريعة الحقيقة (٤) الإلهية انتظمت مصالح العالم واتسعت أبواب الخيرات ، وإذا كانت الأحكام على وفق الأهوية وتحصيل مقاصد الأنفس أفضى إلى تخريب العالم ووقوع الهرج والمرج في الخلق وذلك يفضي إلى هلاك ذلك الحاكم ولهذا قال : (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ، لأن متابعة الهوى توجب الضلال عن سبيل الله ، والضلال عن سبيل الله يوجب سوء العذاب (٥).

قوله : «فيضلك» فيه وجهان :

أظهرهما : أنه منصوب في جواب النهي (٦).

الثاني : أنه عطف على (لا تَتَّبِعِ) فهو مجزوم (٧) ، وإنما فتحت اللام لالتقاء الساكنين. وهو نهي عن كل واحدة على حدته (٨) ، والأول (٩) فيه النهي عن الجمع بينهما (١٠) وقد يترجح الثاني (١١) لهذا المعنى ، وقد تقدم تقرير ذلك في البقرة في قوله : (وَتَكْتُمُوا الْحَقَ)(١٢) [البقرة : ٤٢].

__________________

(١) في ب تأخذ.

(٢) في الرازي خلفاء الله في أرضه وانظر الرازي ١٦ / ١٩٨ و ١٩٩.

(٣) سقطت من ب.

(٤) في الرازي : الحقه.

(٥) انظر : الفخر الرازي ٢٦ / ١٩٩ و ٢٠٠.

(٦) فتكون الفاء للسببية و «أن» مضمرة وجوبا.

(٧) وقال بهذين الوجهين أبو البقاء العكبري في التبيان ١٠٩٩ والسمين في الدر ٤ / ٦٠٤.

(٨) عن كل واحد على عدم الإتيان به وعنهما مطلقا.

(٩) في ب والأولى تحريف.

(١٠) كالعبارة المشهورة لا تأكل السمك وتشرب اللبن.

(١١) وهو الجزم.

(١٢) ولم يزد هناك على ما قاله سوى أن الآية هناك بواو المعية وهنا بفاء السببية.

٤٠٩

وفاعل «فيضلك» يجوز أن يكون الهوى ، ويجوز أن يكون ضمير المصدر المفهوم من الفعل أي فيضلك اتّباع الهوى (١).

قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ) قرأ العامة بفتح ياء يضلون. وقرأ ابن عباس والحسن وأبو حيوة بضمها أي يضلون (٢) الناس وهي مستلزمة للقراءة الأولى فإنه لا يضل غيره إلا ضالّ بخلاف العكس.

قوله : (بِما نَسُوا) ما مصدرية (٣) ، والجار يتعلق (٤) بالاستقرار الذي تضمنه «لهم» (٥) ، و (لَهُمْ عَذابٌ) يجوز أن يكون جملة خبرا ل «إنّ» (٦) ، ويجوز أن يكون الخبر وحده الجار ، و «عذاب» فاعل به وهو الأحس لقربه من المفرد (٧).

فصل

قيل : معناه بما تركوا الإيمان بيوم الحساب. وقال الزجاج : بتركهم العمل لذلك اليوم ، وقال عكرمة والسدي : في الآية تقديم وتأخير تقديره لهم عذاب شديد يوم الحساب بما نسوا أي تركوا القضاء بالعدل (٨).

قوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨) كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٢٩)

قوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) قال ابن عباس : أي لا لثواب ولا لعقاب (٩) ، احتجّ الجبّائيّ بهذه الآية على أنه تعالى لا يجوز أن يكون خالقا لأعمال العباد قال : لأنها مشتملة على الكفر والفسق وكلها أباطيل فلما بين تعالى أنه ما خلق السماء والأرض وما بينهما باطلا دل هذا على أنه لم يخلق أعمال العباد.

(وأيضا (١٠) قوله تعالى : (ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً)). وعند المجبرة أنه خلق الكافر لأجل أن يكفر والكفر باطل ، فقد خلق الباطل ، ثم أكد تعالى

__________________

(١) البحر المحيط ٧ / ٣٩٥ والدر المصون ٤ / ٦٠٤.

(٢) من القراءات الشاذة. انظر : المرجع السابق وانظر : مختصر ابن خالويه ١٣٠.

(٣) البحر المحيط ٧ / ٣٩٥ والدر المصون ٤ / ٦٠٤.

(٤) في ب متعلق.

(٥) المرجعان السابقان.

(٦) من قوله : «إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ».

(٧) وانظر الدر المصون ٤ / ٦٠٤.

(٨) انظر : زاد المسير ٧ / ١٢٤ والقرطبي ١٥ / ١٨٩ ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٣٢٩.

(٩) معالم التنزيل للبغوي ٦ / ٥٤.

(١٠) ما بين القوسين سقط من ب بسبب انتقال النظر.

٤١٠

ذلك بأن قال : (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي كل من قال بهذا القول فهو كافر فهذا تصريح بأن مذهب المجبرة من الكفر. واحتج أهل السنة بأن هذه الآية تدل على أنه تعالى خلق أعمال العباد لأن الآية دلّت على أنه تعالى خلق ما بين السماء والأرض وأعمال العباد مما (١) بين السماء والأرض فوجب أن يكون تعالى خالقا لها.

فصل (٢)

دلت الآية على صحة القول بالحشر والنّشر لأنه تعالى لما خلق الخلق في هذا العالم فإما أن يكون خلقهم للإضرار أو الانتفاع ، أو لا لشيء ، والأول باطل ، لأن ذلك لا يليق بالرحيم الكريم ، والثالث أيضا باطل ؛ لأن هذه الحالة حاصلة حين كانوا معدومين ، فلم يبق إلا أن يقال : خلقهم للانتفاع فذلك الانتفاع إما أن يكون في حياة الدنيا أو في حياة الآخرة ، والأول باطل لأن منافع الدنيا قليلة ومضارّها كثيرة وتحمل الضرر الكثير لوجدان المنفعة القليلة لا يليق (٣) بالحكمة ، ولما بطل هذا القول ثبت القول بوجود حياة أخرى بعد هذه الحياة ، وذلك هو القول بالحشر والنّشر والقيامة.

قوله : «باطلا» يجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف أو (٤) حالا من ضمير أي خلقا باطلا ، ويجوز أن يكون حالا من فاعل «خلقنا» أي مبطلين ، أو ذوي باطل ، ويجوز أن يكون مفعولا من أجله أي للباطل (٥) ، وهو العبث.

قوله : (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني أهل مكة هم الذين ظنوا أنهم خلقوا لغير شيء وأنه لا بعث ولا حساب (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ).

قوله : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ) أم في الموضعين منقطعة(٦) ، وقد تقدم ما فيها. قال مقاتل : قال كفار قريش للمؤمنين : إنّا نعطى في الآخرة من الخير ما تعطون فنزلت هذه الآية : (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) أي المؤمنين كالكفار ، قيل : أراد بالمتقين أصحاب النبي (٧) ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٨) ـ.

قوله : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ) يجوز أن يكون «كتاب» خبر مبتدأ مضمر ، أي (٩) هذا كتاب

__________________

(١) في ب : ما.

(٢) في ب بياض بدل «فصل».

(٣) في ب : تليق.

(٤) في ب : أي.

(٥) ذكر هذه الأوجه أبو حيان في البحر ٧ / ٣٩٥ والسّمين في الدر المصون ٤ / ٦٠٤ وانظر : التبيان ١١٠٠ والكشاف ٣ / ٣٧٢.

(٦) التبيان ١١٠٠ والكشاف ٣ / ٣٧٢ ومجاز القرآن ٢ / ١٨١ والدر المصون ٤ / ٦٠٤. ومعنى المنقطعة التي لا يفارقها الإضراب ، ثم تارة تكون له مجردا ، وتارة تتضمن مع ذلك استفهاما إنكاريا أو طلبيا ، والآية التي معنا متضمنة الاستفهام الإنكاري.

(٧) البغوي ٦ / ٥٤.

(٨) في ب : ـ عليه الصلاة والسلام ـ.

(٩) البحر المحيط ٧ / ٣٩٥ والدر المصون ٤ / ٦٠٥.

٤١١

و «أنزلناه» (١) و «مبارك» خبر مبتدأ مضمر أو خبر ثان (٢). ولا يجوز أن يكون نعتا ثانيا لأنه لا يتقدم عند الجمهور غير الصريح (٣) على الصّريح (٤) ، ومن يرى ذلك استدل بظاهرها (٥). وقد تقدم تحرير هذا في المائدة.

قوله : «ليدّبّروا» متعلق «بأنزلناه» (٦) وقرىء : مباركا على الحال اللّازمة (٧) ، لأن البركة لا تفارقه وقرأ علي ـ رضي الله عنه ـ ليتدبّروا (٨) ، وهي أصل قراءة العامة ، فأدغمت (٩) التاء في الدال ، وأبو جعفر ورويت عن عاصم والكسائيّ لتدبّروا (١٠) بتاء الخطاب وتخفيف الدال ، وأصلها لتتدبروا (١١) بتاءين فحذفت إحداهما ، وفيها الخلاف المشهور هل هي الأولى أو الثانية ، قال الحسن : تدبروا آياته (أتباعه) (١٢)(وَلِيَتَذَكَّرَ) ليتعظ أولو الألباب أي العقول.

قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (٣١) فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (٣٢) رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (٣٣) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (٣٤) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥) فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ (٣٦) وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٣٨) هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ)(٤٠)

(قوله) (١٣) : (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ) المخصوص بالمدح محذوف أي نعم العبد سليمان ، وقيل : داود ؛ لأنه وصفه بهذا المعنى وقد تقدم حيث قال : (داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ). والأول أظهر (١٤) لأنه هو المسوق للحديث عنه ، وقرىء : بكسر العين (١٥) وهي الأصل كقوله :

__________________

(١) السابقان والتبيان ١١٠٠.

(٢) الدر المصون ٤ / ٦٠٥ وقد جعل أبو حيان وأبو البقاء «مبارك» بالرفع على تجويز الصفة الثانية.

(٣) وهو «أنزلناه».

(٤) وهو مبارك.

(٥) الدر المرجع السابق.

(٦) السابق.

(٧) لم تنسب في البحر ٧ / ٣٩٥ والكشاف ٣ / ٣٧٢ ونسبت في الشواذ إلى ابن عمير. الشّواذّ ٢٠٨.

(٨) من الشواذ. انظر ابن خالويه ١٣٠.

(٩) في ب : وأدغمت.

(١٠) من المتواترة السبعية. الإتحاف ٣٧٣ والسبعة ٥٣٣.

(١١) في ب : ليتدابروا.

(١٢) ما بين القوسين سقط من ب وانظر : البغوي ٦ / ٥٤.

(١٣) سقط من ب.

(١٤) البيان ٢ / ٣١٥ والتبيان ١١٠٠ والدر المصون ٤ / ٦٠٥ والبحر المحيط ٧ / ٣٩٦ ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٣٣٠.

(١٥) قال ابن خالويه : فنعم عقبى الدّار (الرعد آية ٢٤) يحيى بن وثاب. المختصر ٦٦ و ٦٧ ، وكذلك نعم العبد إنه أواب.

٤١٢

٤٢٦٨ ـ ..........

نعم السّاعون في القوم في القوم الشّطر(١)

فصل

قوله : (إِنَّهُ أَوَّابٌ) يدل على أنه كان نعم العبد لأنه كان أوابا ؛ أي كثير الرجوع إلى الله في أكثر أوقاته ومهماته.

قوله : (إِذْ عُرِضَ) في ناصبه أوجه :

أحدها : «نعم» : وهو (٢) أضعفها ؛ لأنه لا يتقيد مدحه بوقت ، (و) (٣) لعدم تصرف «نعم». قال ابن الخطيب : التقدير نعم العبد إذ كان من أعماله أنّه فعل كذا (٤).

الثاني : «أواب» وفيه تقييد وصفه بذلك بهذا الوقت.

والثالث : اذكر (٥) مقدّرا ، وهو أسلمها (٦).

والعشيّ من العصر إلى آخر النهار. والصّافنات جمع صافن ، وفيه خلاف بين أهل اللغة فقال الزجاج : هو الذي يقف على إحدى يديه ويقف على طرف سنبكه (٧) ، وقد يفعل ذلك بإحدى رجليه(٨) قال وعي علامة (٩) الفراهة وأنشد :

٤٢٦٩ ـ ألف الصّفون فلا يزال كأنّه

ممّا يقوم على الثّلاث كسيرا (١٠)

__________________

(١) عجز بيت من الرمل لطرفة صدره :

ما أقلت قدم ناعلها

 ..........

وجاء في المقتضب صدره هكذا :

ما أقلت قدمي إنهم

 ..........

ورواية الديوان :

خالتي والنفس قدما إنهم

 ..........

ويروى صدره :

ما أقلّت قدماي إنهم

 ..........

والشّطر جمع شطير وهو الغريب. وشاهده استعمال نعم بفتح وكسر على الأصل. أقول وكسرها لغة هذيل. انظر : الكتاب ٢ / ٤٤٠ والخزانة ٩ / ٣٧٦ وابن عطية ٢ / ٢٥٦ والبحر المحيط ٧ / ٢٩٦ والدّيوان ٥٨ ، والمحتسب ١ / ٣٤٢ و ٣٠٧ والإنصاف ١٢٢ والمفصل ٧ / ١٢٧.

(٢) التبيان ١١٠٠ والسمين ٤ / ٦٠٦.

(٣) الواو سقطت من ب.

(٤) الرازي ٢٦ / ٢٠٣.

(٥) في ب : ذكر.

(٦) وفيها : أسلمنا. وانظر في الإعراب : التبيان ١١٠٠ والرازي السابق.

(٧) وهو طرف الحافر.

(٨) معاني القرآن وإعرابه له ٤ / ٣٣٠.

(٩) لم أجد هذه الجملة في كتابه ذاك.

(١٠) من الكامل وهو مجهول القائل. وأنشده ابن الأعرابي كما في اللسان : «ص ف ن» ٢٤٦٧ وما في «ممّا» اسم موصول أي من النوع الذي يقوم على ثلاث ، و «كسيرا» حال. ومن قائل : إن ما مصدرية أي من قيامه. وقيل : إنها نكرة تامة أي من ذلك الجنس الذي يقوم على هذه الصفة. وانظر : معاني الزجاج ٤ / ٣٣٠ والقرطبي ١٥ / ١٩٣. والاستشهاد بالبيت على أن الصّافن هو الذي يقف على تلك الهيئة التي ذكرت أعلى.

٤١٣

وقيل : هو الذي يجمع بين يديه ويسويهما ، وأما الذي يقف على سنبكه فاسمه المخيم (١) ، قاله أبو عبيد (٢).

وقيل : هو القائم مطلقا أي سواء كان من الخيل ، أو من غيرها ، قاله القتبيّ (٣). واستدل (بحديث) وبقوله عليه (الصلاة و) السلام «من سرّه أن يقوم النّاس له صفونا فليتبوّأ مقعده من النّار» (٤) أي يديمون له القيام. وحكاه قطرب (٥) أيضا. وجاء في الحديث «قمنا صفونا» (٦) أي صافّين أقدامنا ، وقيل : هو القيام مطلقا سواء وقفت على طرف سنبك أم لا ، قال الفراء : على هذا رأيت أشعار العرب (٧) ، وقال النابغة :

٤٢٧٠ ـ لنا قبّة مضروبة بفنائها

عتاق المهارى والجياد الصّوافن (٨)

والجياد إما من الجودة ، يقال : جاد الفرس يجود جودة وجودة بالفتح والضم فهو جواد ، للذكر والأنثى. والجمع جياد وأجواد ، وأجاويد ، وقيل : جمع لجود بالفتح كثوب وثياب. وقيل : جمع جيّد. وإما من الجيد وهو العنق ، والمعنى : طويلة الأعناق الأجياد. وهو دال على فراهتها (٩).

قوله : (حُبَّ الْخَيْرِ) فيه أوجه :

أحدها : هو مفعول أحببت لأنه بمعنى آثرت (١٠) ، و «عن» على هذا بمعنى «على» أي على ذكر ربّي ، لأنه روي أن عرض الخيل حتى شغلته عن صلاة العصر أول الوقت حتى غربت الشّمس.

وقال أبو حيان ـ وكأنه منقول عن الفراء ـ : إنّه ضمن «أحببت» معنى آثرت ، حيث نصب «حب الخير» مفعولا (به) (١١). وفيه نظر ؛ لأنه متعد بنفسه وإنما يحتاج إلى التضمين إن لم يكن متعدّيا (١٢).

__________________

(١) طرف مقدم الحافر من الفرس. وانظر السمين ٤ / ٦٠٦.

(٢) كذا في النسختين والدر المصون وقد نسب هذا الرأي لأبي عبيدة في البحر ٧ / ٣٨٨ وهو ما في المجاز ٢ / ١٨٢ مع اختلاف يسير في العبارة.

(٣) وهو ابن قتيبة نسب إلى الاسم المركب الإضافي. وانظر الغريب ٣٧٩.

(٤) السابق وانظر القرطبي ١٥ / ١٩٣ واللسان : «ص ف ن» والنهاية ٢ / ٢٦٨.

(٥) القرطبي السابق والبحر ٧ / ٣٨٨.

(٦) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٢ / ٢٩٢.

(٧) قاله الفراء في المعاني ٢ / ٤٠٥.

(٨) من الطويل. والقبة البناء من الأدم خاصة وهو معروف والعتاق جمع عتيق والأنثى عتيقة الكريم من الخيل والمهارى جمع أمهار واحدها مهر ، والأنثى مهرة. وشاهده : الصوافن أي الخيل التي لا تقف على استعداد.

وانظر : الدر المصون ٤ / ٦٠٧ والبحر ٧ / ٣٨٨ ، والقرطبي ١٥ / ١٩٣. وليس في ديوان الذبياني ولا الجعدي.

(٩) وانظر هذا في اللسان : «ج ود» «ج ي د» ٧٢١ و ٧٣٧ والدر ٤ / ٦٠٧ والتبيان ١١٠٠.

(١٠) التبيان والدر السابقين والمعاني للفراء ٢ / ٤٠٥.

(١١) كلمة (به) سقطت من «ب». وانظر البحر المحيط ٧ / ٣٨٨ و ٣٩٦.

(١٢) الدر المصون ٤ / ٦٠٧.

٤١٤

الثاني : أن «حب» مصدر على حذف الزوائد والناصب له «أحببت» (١).

الثالث : أنه مصدر تشبيهي أي حبّا مثل حبّ الخير (٢).

الرابع : أنه قيل : ضمن معنى أنبت فلذلك تعدى بعن (٣).

الخامس : أن أحببت بمعنى لزمت (٤).

قال ابن الخطيب : إن الإنسان قد يحب (شيئا ولكنه يجب أن) (٥) لا يحبه كالمريض الذي يشتهي في مرضه فأما من أحب شيئا وأحب أن يحبه فذلك غاية المحبة ، فقوله : (أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) أي أحببت حبي للخير (٦).

السادس : أن أحببت من أحبّ البعير إذا سقط وبرك من الإعياء (٧) ، والمعنى قعدت عن ذكر ربي فيكون «حب الخير» على هذا مفعولا من أجله (٨) ، والمراد بقوله : (عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) ، قيل : عن صلاة العصر (٩) ، وقيل : عن كتاب ربي وهو التوراة ، لأن ارتباط الخيل كما أنه في القرآن ممدوح فكذلك في التوراة ممدوح (١٠) وقوله (ذِكْرِ رَبِّي) يجوز أن يكون مضافا للمفعول أي عن أن أذكر ربي ، وأن يكون مضافا للفاعل أي عن أن ذكر بي ربي (١١) والمراد بالخير : الخيل والعرب تعاقب بين الراء واللام (تقول) (١٢) : ختلت الرجل وخترته أي خدعته ، وسميت الخيل (خيرا) (١٣) لأنه معقود بنواصيها الخير الأجر والمغنم (١٤).

قوله : (حَتَّى تَوارَتْ) في الفاعل وجهان :

أحدهما : هو : «الصّافنات» ، والمعنى : حتى دخلت إصطبلاتها فتوارت وغابت (١٥).

والثاني : أنه (١٦) : «الشمس» (١٧) أضمرت لدلالة السياق عليها ، وقيل : لدلالة «العشيّ»

__________________

(١) التبيان والبيان والبحر والدر المراجع السابقة وانظر هذا الوجه وما قبله في مشكل الإعراب ٢ / ٢٥٠.

(٢) البحر والدر المرجعين السابقين.

(٣ و ٤) انظر السابقين أيضا وهما رأي الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٧٣.

(٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(٦) كذا في النسختين. وفي الرازي : للخيل. وهو الأصح. وانظر الرازي ٢٦ / ٢٠٤.

(٧) الذي في اللسان : حبا البعير إذا برك وزحف من الإعياء. وانظر اللسان : «ح ب ا» ٧٦٦. وانظر هذا الرأي في السمين ٤ / ٦٠٨ والقرطبي ١٥ / ١٩٤. وقد نسب القرطبي هذا الرأي إلى ثعلب وإلى أبي زيد وفي مجالس ثعلب : أحب البعير إذا قام. (المجالس ٣٠٥).

(٨) البحر ٧ / ٣٩٦ والتبيان ١١٠٠.

(٩) البغوي ٦ / ٥٥.

(١٠) الرازي ٢٦ / ٢٠٤.

(١١) التبيان ١١٠٠ والسمين ٤ / ٦٠٨.

(١٢) سقط من ب.

(١٣) كذلك.

(١٤) قاله الزجاج في المعاني ٤ / ٣٣٠.

(١٥) القرطبي ١٥ / ١٩٥ والدر المصون ٤ / ٦٠٨.

(١٦) في ب : أنها.

(١٧) التبيان ١١٠٠ والزجاج ٤ / ٣٣٠ والرازي فيه وما قبله ٢٦ / ٢٠٤ وكذلك الكشاف ٣ / ٣٧٤ والمجاز ٢ / ١٨٢ والبيان ٢ / ٣١٥.

٤١٥

عليها فإنها تشعر بها (١) ، وقيل : يدل عليها الإشراق في قصة داود (٢). وما أبعده.

قوله : «ردّوها» هذا الضمير للصّافنات (٣) ، وقيل : للشمس وهو غريب جدّا (٤). قال ابن الخطيب : وهذا بعيد لوجوه :

منها : أن الصّافنات مذكورة بالتصريح ، والشمس غير مذكورة وعود الضمير إلى المذكور أولى من عوده إلى المقدّر ، ومنها : أنه لو اشتغل بالخيل حتى غربت الشمس وفاتت صلاة العصر كان ذلك ذنبا عظيما ومن كان هذا (٥) حاله فطريقه التّضرع والبكاء والمبالغة في إظهار التوبة فإما أن يقول على سبيل العظمة لربّ العالمين مثل هذه الكلمة العارية عن كل جهات الأدب عقيب ذلك الجرم العظيم (٦) (فهذا) لا يصدر عن أبعد الناس عن الخير فكيف يجوز إسناده للرسول المطهر المكرم ومنها أن القادر على تحريك الأفلاك والكواكب هو الله تعالى فكان يجب أن يقول ردّها عليّ ، ولا يقول : ردوها عليّ لأن هذا اللفظ مشعر بأعظم أنواع الاستعلاء فكيف يليق بهذا اللفظ رعاية التعظيم؟ ومنها : أن الشمس لو رجعت بعد الغروب لصار ذلك مشاهدا لأهل الدنيا ولو كان كذلك لتوفرت الدواعي على نقله وحيث لم ينقل علمنا فساده (٧).

قوله : (فَطَفِقَ مَسْحاً) نصب «مسحا» بفعل مقدر ، هو خبر طفق أي (ف) طفق يمسح مسحا (٨) ، لأن خبر هذه الأفعال لا يكون إلا مضارعا في الأمر العام. وقال أبو البقاء ـ وبه بدأ ـ : مصدر في موضع الحال (٩) وهذا ليس بشيء ؛ لأن «طفق» لا بدّ لها من خبر (١٠).

وقرأ زيد بن علي : مساحا بزنة قتال (١١) ، والباء في «بالسوق» مزيدة مثلها في قوله : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) [المائدة : ٦]. وحكى سيبويه : مسحت رأسه وبرأسه بمعنى واحد (١٢).

ويجوز أن تكون للإلصاق (١٣) كما تقدم ، وتقدم همز السوق وعدمه في النمل (١٤).

__________________

(١) الكشاف السابق.

(٢) التبيان السابق.

(٣) التبيان ١١٠١ والرازي ٢٦ / ٢٠٤ والسمين ٤ / ٦٠٨.

(٤) المرجعان الأخيران.

(٥) في ب : ومن كانت هذه حاله.

(٦) زيادة للسياق وهي من الرازي.

(٧) انظر : تفسير الإمام الفخر ٢٦ / ٢٠٤ و ٢٠٥.

(٨) قاله الأخفش في المعاني ٦٧٠ والفراء في المعاني أيضا ٢ / ٤٠٥ ونقله أبو البقاء في التبيان ١١٠١ من أحد رأيين

(٩) المرجع السابق.

(١٠) الدر المصون ٤ / ٦٠٨.

(١١) ذكرها أبو حيان في البحر المحيط ٧ / ٣٩٧ والسمين في الدر ٤ / ٦٠٩.

(١٢) المرجعان السابقان.

(١٣) السمين السابق. ومعنى الإلصاق هو معنى لا يفارق الياء واقتصر عليه سيبويه وهو إما حقيقي ك «أمسكت بزيد» إذا قبضت على شيء من جسمه ، أو على ما يحبسه من يد وثوب ونحوه ومجازي نحو : مررت بزيد أي ألصقت مروري بمكان يقرب من زيد. انظر : المغني ١٠١.

(١٤) عند قوله تعالى : «فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها» الآية ٤٤. وهي من القراءات السبعة ـ

٤١٦

وجعل الفارسيّ الهمز ضعيفا (١). وليس كما قال لما تقدم من الأدلة. وقرأ زيد بن عليّ (أيضا) (٢) «بالسّاق» مفردا (٣) اكتفاء بالواحد لعدم اللّبس كقوله :

٤٢٧١ ـ ..........

وأمّا جلدها فصليب (٤)

وقوله :

٤٢٧٢ ـ ..........

كلوا في بعض بطنكم تعفّوا (٥)

وقوله :

٤٢٧٣ ..........

في حلقكم عظم وقد شجينا (٦)

قال الزمخشري : فإن قلت : بم اتّصل قوله «ردوها علي»؟

قلت : بمحذوف تقديره قال ردوها فأضمر وأضمر (٧) ما هو جواب له كأنّ قائلا قال : فماذا قال سليمان؟ لأنه موضع مقتض للسؤال اقتضاءا ظاهرا (٨).

قال أبو حيان : وهذا لا يحتاج إليه لأن هذه الجملة مندرجة تحت حكاية القول وهو : «فقال : إنّي أحببت» (٩).

__________________

ـ المتواترة. وقرأ بها قنبل وغيره عن ابن كثير. ولم ينسبها الزمخشري. انظر : الكشاف ٣ / ٣٧٤ والإتحاف ٣٧٢ والنشر ٢ / ٣٦١.

(١) قال : أما الهمز في : ساقيها وساق فلا وجه له الحجة ٦ / ٦٨ و ٧ / ٢٨ وتأوّل له وجها وهو أنهم لما جمعوها على أسوق وسووق وكل منهما يجوز فيه الهمز جوازا حسنا فتوهم أن الهمز من أصل الكلمة «٧ / ٢٨» بلدية.

(٢) زيادة للسياق.

(٣) البحر ٧ / ٣٩٧ والسمين ٤ / ٦٠٩ ولم يعزها الكشاف ٣ / ٣٧٤.

(٤) من الطويل لعلقمة بن عبدة الفحل تمامه :

بها جيف الحسرى فأمّا عظامها

فبيض ...

والحسرى : جمع حسير الناقة التي سقطت من الإعياء والصليب الجلد الذي لم يدبغ وشاهده استعمال «جلدها» مفردا على الجمع وهو جيف الحسرى ، وصحّ ذلك أمنا للّبس. وقد تقدم.

(٥) سيق هذا البيت وشاهده : «بطنكم» فلم يقل بطونكم أمنا للبس.

(٦) عجز بيت من الرجز وصدره :

لا تنكر القتل وقد سبينا

 ..........

ويروى : لا تنكروا القتل وهو الأوجه. كما يروى : أن تقتلوا اليوم. وهو للمسيب بن زيد مناة الغنوي ، وقوله : سبينا أي أسر منا من السبي ، وشجينا أي أحسسنا بالغصة تعترض حلوقنا. فكذلك أنتم.

وشاهده قوله : «حلقكم» كان من الطبيعي أن يقول حلوقكم ولكن أفرد أمنا للّبس ؛ ويحتمل أن يقال إن المفرد قصد له الجنس. وقد تقدم.

(٧) في الكشاف فأضمر كما هنا وفي ب فأهمز.

(٨) الكشاف ٣ / ٣٧٤.

(٩) بالمعنى من البحر ٧ / ٣٩٧.

٤١٧

فصل

قال المفسرون : إنه ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ لما فاتته صلاة العصر لاشتغاله بالنظر إلى تلك الخيل استردها وعقر سوقها وأعناقها تقربا إلى الله تعالى ، وبقي منها مائة ، فالخيل التي في أيدي الناس اليوم ، من نسل تلك المائة ، قال الحسن : فلما عقر الخيل ، أبدله الله ـ عزوجل ـ خيرا منها وأوسع وهي الريح تجري بأمره كيف شاء (١). قال ابن الخطيب : وهذا عندي بعيد لوجوه :

الأول : أنه لو كان مسح السوق والأعناق قطعها لكان معنى فامسحوا برؤوسكم أي اقطعوها وهذا لا يقوله عاقل ، بل لو قيل : مسح رأسه بالسيف فربما فهم منه ضرب العنق ، أما إذا لم يذكر لفظ السيف لم يفهم منه البتة من المسح العقر والذبح.

الثاني : أن القائلين بهذا القول جمعوا على سليمان ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ أنواعا من الأفعال المذمومة.

فأولها : ترك الصلاة.

وثانيها : أنه استولى عليه الاشتغال بحبّ الدنيا حيث نسي الصلاة وقال ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ : (حبّ) (٢) الدّنيا رأس كلّ خطيئة (٣).

وثالثها : أنه بعد الإتيان بهذا الذنب العظيم لم يشتغل بالتوبة والإنابة البتة.

ورابعها : أنه خاطب رب العالمين بقوله : (رُدُّوها عَلَيَّ) وهذه كلمة لا يقولها الرجل الحصيف (٤) إلا مع الخادم الخسيس.

وخامسها : أنه أتبع هذه المعاصي بعقر الخيل من سوقها وأعناقها وقد «نهى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن ذبح الحيوان إلا لمأكلة» ، وهذه أنواع من الكبائر نسبوها إلى سليمان ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ مع أن لفظ القرآن لم يدلّ على شيء منها. وخلاصتها : أن هذه القصص إنما ذكرها الله تعالى عقيب قوله : (وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ) وأن الكفار لما بلغوا في السفاهة إلى هذا الحد قال الله عزوجل لمحمد ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ : يا محمد اصبر على سفاهتهم ، واذكر عبدنا داود ، ثم ذكر عقيبه قصّة سليمان فكان التقدير أنه تعالى قال لمحمد ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ : يا محمد اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا سليمان. وهذا الكلام إنما يليق إذا قلنا : إن سليمان ـ عليه

__________________

(١) الرازي ٢٦ / ٢٠٥.

(٢) سقطت من ب.

(٣) اختلف في هذا القول فقيل : إنه من قول منصور البجلي. وهو قول ابن تيمية. وعن ابن أبي الدنيا : أنه من قول مالك بن دينار. ومن قائل : إنه من قول عيسى ابن مريم وقال البيهقي وأبو نعيم في الحلية إنه للثوري. وانظر : المقاصد الحسنة ١٨٢ و ١٨٣.

(٤) في ب : الحسيف لحن.

٤١٨

(الصلاة و) السلام ـ أتى في هذه القصة بالأعمال الفاضلة والأخلاق الحميدة وصبر على طاعة الله تعالى وأعرض عن الشهوات واللذات ، فلو كان المقصود من قصة سليمان في هذا الموضع أنه أقدم على الكبائر العظيمة والذنوب لم يكن ذكر هذه القصة لائقا. والصواب أن نقول : إن رباط الخيل كان مندوبا إليه في دينهم كما هو في دين محمد عليه (الصلاة و) السلام ؛ ثم إنّ سليمان ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ احتاج إلى الغزو فجلس وأمر بإحضار الخيل وأمر بإجرائها ، وذكر أني لا أجريها لأجل الدنيا ونصيب النفس وإنما حبها لأمر الله وطلب تقوية دينه وهو المراد من قوله : (عَنْ ذِكْرِ رَبِّي). ثم إنه ـ عليه‌السلام ـ أمر بإجرائها وسيّرها حتى توارت بالحجاب أي غابت عن بصره ، ثم إنه أمر الرابضين(١) بأن يردوها فردوا تلك الخيل إليه فلما عادت إليه طفق يمسح سوقها وأعناقها. والغرض من ذلك أمور:

الأول : تشريفا لها وإبانة لعزتها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو.

الثاني : أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة والملك يتّضع إلى حيث يباشر أكثر الأمور بنفسه.

الثالث : أنه كان أعلم بأحوال الخيل ومراميها وعيوبها فكان يمسحها ويمسح سوقها وأعناقها حتى يعلم هل فيها ما يدل على (٢) المرض. فهذا التفسير هو الذي ينطبق عليه لفظ القرآن ولا يلزم منه نسبة شيء من تلك المنكرات إلى سليمان عليه ـ (الصلاة و) السلام ـ والعجب منهم كيف قبلوا هذه الوجوه السخيفة مع أن العقل والنقل يردها وليس لهم في إثباتها شبهة فضلا عن حجة؟

فإن قيل : فالجمهور فسروا الآية بتلك الوجوه.

فالجواب : أن نقول لفظ الآية لا يدل على شيء من تلك الوجوه التي يذكرونها لما ذكرنا ، وأيضا فإن الدلائل الكثيرة قامت على عصمة الأنبياء ـ عليهم (الصلاة و) السلام ـ ولم يدل على صحة هذه الحكايات دليل قاطع ، ورواية الآحاد لا تصلح معارضة للدلائل القوية فكيف الحكايات عن أقوام لا نلتفت (٣) إلى أقوالهم؟ والذي ذهبنا إليه قول الزهري وابن كيسان.

قوله : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ) قال بعض المفسرين : إن سليمان ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ بلغه خبر مدينة في البحر يقال لها : صيد ، فخرج إليها بجنوده فأخذها وقتل (٤) ملكها وأخذ بنتا له اسمها : «جرادة» من أحسن الناس وجها فاصطفاها لنفسه وأسلمت فأحبّها فكانت تبكي على أبيها ، فأمر سليمان الشيطان فمثل لها صورة أبيها فكستها مثل

__________________

(١) كذا في النسختين وفي الرازي الرائضين.

(٢) في ب : عن.

(٣) في ب : يلتفت.

(٤) في ب وقيل. وانظر : الرازي ٢٦ / ٢٠٦.

٤١٩

كسوته وكانت تذهب إلى تلك الصورة بكرة وعشيّا مع جواريها يسجد (و) (١) ن لها فأخبر «آصف» سليمان بذلك فكسر الصورة وعاقب المرأة وخرج وحده إلى فلاة ففرش الرّماد وجلس عليه تائبا (٢) لله تعالى ، وكانت له أم ولد يقال لها : الأمينة إذا دخل للطهارة أو لإصابة امرأة وضع خاتمه عندها وكان ملكه فيه موضعه عندها يوما فأتاها الشيطان صاحب البحر واسمه صخر على صورة «سليمان» وقال لها يا أمينة : خاتمي فناولته الخاتم فتختّم به وجلس على كرسي سليمان فعكفت عليه الطير والجن والإنس وتغيرت هيئة سليمان فأتى الأمينة لطلب الخاتم فأنكرته فعلم (٣) أن الخطيئة قد أدركته فكان يدور على البيوت يتكفف ، وإذا قال : أنا سليمان حثوا عليه التراب وسبّوه ، وأخذ ينقل السمك للسّماكين فيعطونه (٤) كل يوم سمكتين فمكث على هذه الحالة أربعين يوما عدد (٥) ما عبد الوثن في بيته فأنكر آصف وعظماء بني إسرائيل حكم الشيطان وسأل آصف نساء سليمان فقلن : ما يدع امرأة (منا) (٦) في دمها ولا تغتسل من جنابة ، وقيل : (بل) (٧) نفذ حكمه في كل شيء إلا فيهن ، ثم طار الشيطان وقذف الخاتم في البحر فابتلعته سمكة ، ووقعت السمكة في يد سليمان فبقر بطنها فإذا هو بالخاتم فتختم به ووقع ساجدا لله تعالى ورجع إليه ملكه وأخذ ذلك الشيطان فحبسه في صخرة وألقاها في البحر.

وقيل : إن تلك المرأة لما أقدمت (٨) على عبادة تلك الصورة افتتن سليمان فكان يسقط الخاتم من يده ولا يتماسك فيها فقال له آصف إنك لمفتون بذنبك فتب إلى الله تعالى.

وقيل : إن سليمان قال لبعض الشياطين : كيف تفتنون الناس ، فقال : أرني خاتمك أخبرك ، فلما أعطاه إياه نبذه في البحر ، وذهب ملكه وقعد هذا الشيطان على كرسيه ثم ذكر الحكاية إلى آخرها فقالوا : المراد من قوله : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ) أن الله تعالى ابتلاه (٩) ، وقوله : (وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً) عقوبة له. قال ابن الخطيب : واستبعد أهل التحقيق هذا الكلام من وجوه :

الأول : أن الشيطان لو قدر على أن يتشبه في الصورة والخلقة بالأنبياء فحينئذ لا يبقى اعتماد على شيء من ذلك فلعل هؤلاء الذين رآهم الناس على صورة محمد وعيسى

__________________

(١) الواو زيادة على النسختين فكانت «يسجدن».

(٢) في ب ثانية.

(٣) في ب : فعرف.

(٤) في ب فيعطوه.

(٥) في ب عدّة.

(٦ و ٧) ما بين الأقواس زيادة من الرازي.

(٦ و ٧) ما بين الأقواس زيادة من الرازي.

(٨) في ب لما أقبلت. وقد أخرج البغوي في تفسيره أن هذه الرواية عن ابن إسحق عن وهب بن منبه.

انظر : البغوي ٦ / ٥٦ و ٥٧ و ٥٨ وانظر : الرازي ٢٦ / ٢٠٧ و ٢٠٨.

(٩) المراجع السابقة وانظر أيضا زاد المسير في علم التفسير ٧ / ١٣٣ : ١٣٦. وهذه الأقوال في سبب ابتلاء سليمان كلها من الإسرائيليات وهي لا تتفق وجلال هؤلاء المصطفين الأخيار. فالله أعلم بصحة هذه الأقوال.

٤٢٠