اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٦

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٦

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٧٤

عن السمع أولى (١) واعلم أن الفرق بين قولك : سمعت حديث فلان وبين قولك : سمعت إلى حديثه أنّ قولك : سمعت حديثه يفيد الإدراك وسمعت إلى حديثه يفيد الإصفاء مع الإدراك (٢) ، وفي قوله : (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) قولان أشهرهما : أن تقدير الكلام لئلا يسمعوا ، فلما حذف الناصب صار كقوله : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : ١٧٦] وقوله : (رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) [النحل : ١٥]. قال الزمخشري : حذف (٣) اللام وإن كل واحد منهما جائز بانفراده وأما اجتماعهما فمن المنكرات التي يجب صون القرآن عنها ، قال الزمخشري : إنه كلام منقطع عما قبله وهو حكاية المسترقين السمع وأنهم لا يقدرون أن يسمعوا إلى كلام الملائكة ويستمعوا وهم مقذوفون بالشهب مدحورون عن المقصود (٤). والملأ الأعلى هم الملائكة الكتبة سكان السموات ومعنى يقذفون يرمون من كل جانب من آفاق السماء (٥).

قوله : «دحورا» العامة على ضم الدال. وفي نصبه أوجه :

أحدها : المفعول له أي (٦) لأجل الطرد.

الثاني : مصدر ليقذفون أي يدحرون دحورا أو يقذفون قذفا فالتجوز إما في الأول وإما (٧) في الثاني.

الثالث : أنه مصدر لمقدر أي يدحرون دحورا (٨).

الرابع : أنه في موضع الحال أي ذوي دحور أو مدحورين (٩). وقيل : هو جمع داحر نحو قاعد وقعود فيكون حالا بنفسه من غير تأويل (١٠). قال مجاهد : دحورا مطرودين. وروي عن أبي عمرو أنه قرأ ويقذفون مبنيا للفاعل (١١) وقرأ عليّ والسّلمّي وابن أبي عبلة دحورا بفتح (١٢) الدال وفيها وجهان :

__________________

(١) الرازي ٢٦ / ١٢٢.

(٢) الكشاف ٣ / ٣٣٦. والرازي ٢٦ / ١٢٢.

(٣) سبق أنه في ٣ / ٣٣٦.

(٤) المرجع السابق.

(٥) انظر : البغوي ٦ / ١٩ وزاد المسير لأبي الفرج ابن الجوزي ٧ / ٤٧ والقرطبي ١٥ / ٦٥.

(٦) هذا رأي الكشاف وصاحبه ٣ / ٣٣٦.

(٧) قاله أيضا صاحب الكشاف ونقله أبو حيان في البحر ٧ / ٣٥٢ قال صاحب الكشاف : أو لأنّ القذف والطرد متقاربان في المعنى فكأنه قيل : يدحرون (دحورا أو يقذفون) قذفا. الكشاف ٣ / ٣٣٦ وهذا رأي قال به أبو البقاء أيضا هو وسابقه. التبيان ١٠٨٨.

(٨) قاله في البيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ٣٠٣ وأما المشكل في الإعراب ٢ / ٢٣٥ فقد جعله مصدرا ليقذفون التوجيه السابق. وأورد هذا الرأي أيضا التبيان ١٠٨٨.

(٩) الكشاف والتبيان المرجعان السابقان.

(١٠) قاله أبو البقاء ١٠٨٨ وانظر في هذا كله السمين ٤ / ٥٤٠.

(١١) البحر ٧ / ٣٥٣ والسمين ٤ / ٥٤٠ ونسبها في المختصر إلى السّلميّ ١٢٨.

(١٢) المحتسب ٢ / ٢١٩ وابن خالويه ١٢٧ والكشاف ٣ / ٣٣٦ والفراء ٢ / ٣٨٣.

٢٨١

أحدهما : أنه صفة لمصدر مقدر أي قذفا دحورا. وهو كالصّبور والشّكور.

والثاني : أنه مصدر كالقبول والولوع (١) وقد تقدم أنه محصور في ألفاظ ، والدّحور قال المبرد : أشد الصغار (٢) والذل. وقال ابن قتيبة : دحرته دحورا ودحرا أي دفعته وطردته (٣). وتقدم في الأعراف عند قوله : (مَذْؤُماً مَدْحُوراً) [الأعراف : ١٨].

قوله : (وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ) دائم (٤) ، قال مقاتل : دائم إلى النفخة الأولى (٥). وتقدم في سورة النحل في قوله : (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) [النحل : ٥٢].

قوله : (إِلَّا مَنْ خَطِفَ) فيه وجهان :

أحدهما : أنه مرفوع المحل بدلا من ضمير (لا يَسَّمَّعُونَ)(٦) وهو أحسن لأنه غير موجب.

والثاني : أنه منصوب على أصل الاستثناء ، والمعنى : أن الشياطين لا يسمعون الملائكة إلا من خطف (٧) ، قال شهاب الدين : ويجوز أن يكون «من» شرطية وجوابها : «فأتبعه» (٨) أو موصولة(٩) وخبرها «فأتبعه». وهو استثناء منقطع وقد نصوا على أن مثل هذه الجملة تكون استثناء منقطعا كقوله: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ)(١٠) [الغاشية : ٢٢ ، ٢٣] ، والخطفة مصدر معرف بأل الجنسية أو العهدية (١١) ، وقرأ العامة خطف بفتح الخاء وكسر الطاء مخففة ، وقتادة والحسن بكسرهما وتشديد الطاء (١٢). وهي لغة تميم بن مرة وبكر بن وائل (١٣). وعنهما أيضا وعن عيسى : بفتح الخاء وكسر الطاء (١٤) مشددة وعن الحسن (أيضا) (١٥) خطف كالعامة (١٦). وأصل القراءتين اختطف

__________________

(١) قال بالوجهين الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٣٦ وبالثاني فقط ابن جني في المحتسب ٢ / ٢١٩ وأجاز الفراء وابن جني في نصبه أن يكون على نزع الخافض أي ويقذفون من كل جانب بداحر.

(٢) الرازي ٢٦ / ١٢٣.

(٣) غريب القرآن ٣٦٩.

(٤) قاله ابن قتيبة في غريب القرآن ٣٦٩ وأبو عبيدة في المجاز ٢ / ١٦٦ و ١٦٧.

(٥) البغوي ٦ / ١٩.

(٦) قال بذلك الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٣٦ والبحر ٧ / ٣٥٣ والسمين في الدر ٤ / ٥٤٠.

(٧) أي إن الاستثناء في تلك الحال متصل وفيه الوجهان المعهودان النصب على الاستثناء والرفع على البدلية أو الإتباع عامة إذا كان تاما منفيا كآيتنا هذه. وقال بالوجه الأول والأخير أيضا أبو البقاء في التبيان ١٠٨٨ وانظر : البحر والكشاف والدر المراجع السابقة أيضا.

(٨) فتكون في محل جزم.

(٩) مبتدأ.

(١٠) الدر المصون للسمين ٤ / ٥٤٠.

(١١) قاله أبو البقاء ٢ / ١٠٨٨.

(١٢) من الأربع فوق العشرة المتواترة انظر : الإتحاف ٣٦٨ والكشاف ٣ / ٣٣٦.

(١٣) البحر ٧ / ٣٥٣.

(١٤) البحر ٧ / ٣٥٣ والكشاف ٣ / ٣٣٦.

(١٥) سقط من ب.

(١٦) ابن خالويه ١٢٧ ويقصد بالقراءتين خطّف وخطّف السابقين وانظر تلك القراءات كلها في الدر المصون ٤ / ٥٤١.

٢٨٢

فلما أريد الإدغام سكنت التاء وقبلها الخاء ساكنة فكسرت الخاء لالتقاء الساكنين ثم كسرت الطاء إتباعا لحركة الخاء وهذه [الأولى] واضحة. وأما الثانية (١) فمشكلة جدّا لأن كسر الطاء إنما كان لكسر الخاء وهو مفقود. وقد وجه على التّوهّم وذلك أنهم لما أرادوا الإدغام نقلوا حركة التاء إلى الخاء ففتحت وهم يتوهمون أنها مكسورة لالتقاء الساكنين ـ كما تقدم تقريره ـ فأتبعوا الطاء لحركة (٢) الخاء المتوهمة ، وإذا كانوا قد فعلوا ذلك في مقتضيات الإعراب فلأن يفعلوه في غيره أولى. وبالجملة فهو تعليل شذوذ (٣) ، وقرأ ابن عبّاس خطف بكسر الخاء والطاء خفيفة (٤). وهو إتباع كقولهم : نعم بكسر النون والعين.

وقرىء فاتّبعه بالتشديد (٥).

فصل

ومعنى الخطف أي اختلس الكلمة من كلام الملائكة مسارقة «فأتبعه» أي لحقه شهاب ثاقب كوكب مضيء قوي لا يخطئه يقتله (٦) أو يحرقه ، قيل : سمي ثاقبا لأنه يثقب بنوره سبع (٧) سموات. وقال عطاء : سمي النجم الذي يرمى به الشياطين ثاقبا لأنه يثقبهم وإنما يعودون إلى استراق السمع مع علمهم بأنهم لا يصلون إليه طمعا في السلامة ونيل المراد كراكب البحر.

قوله : «فاستفتهم» يعني كفار مكة أي سلهم (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا) يعني السموات والأرض والجبال. وهو استفهام بمعنى التقرير أي هذه الأشياء أشد خلقا (٨) كقوله : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) [غافر : ٥٧] وقوله : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) [النازعات : ٢٧]. (وقيل (٩) : معنى) أمّن خلقنا (يعني (١٠)) : من الأمم الخالية لأن من تذكر لمن يعقل. والمعنى أن هؤلاء ليسوا بأحكم خلقا من غيرهم من الأمم وقد أهلكناهم في ذنوبهم فما الذي يؤمّن هؤلاء من العذاب (١١).

قوله : «أمن خلقنا» العامة على تشديد الميم. الأصل أم من وهي «أم» المتصلة

__________________

(١) يقصد بفتح الخاء وكسر الطاء مشددة خطّف.

(٢) في ب : بحركة.

(٣) قاله في البحر ٧ / ٣٥٣ والسمين في الدر ٤ / ٥٤١ والبناء في إتحاف فضلاء البشر ٣٦٨.

(٤) من القراءات الشاذة غير المتواترة وانظرها في مختصر ابن خالويه ١٢٧ والبحر ٧ / ٣٥٣ والسمين ٤ / ٥٤١ ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٤١٢.

(٥) لم يعزها كل من أبي حيان والزمخشري في مرجعيهما السابقين وقد عزاها صاحب الشواذ ـ شواذ القرآن ـ إلى قتادة والحسن وانظره ص ٢٠٥.

(٦) في ب : فيقتله.

(٧) رأي الرازي ٢٦ / ٢٤.

(٨) انظر : معالم التنزيل للبغوي ٦ / ١٩.

(٩ و ١٠) سقطا من نسخة ب.

(١١) نقله الإمام البغوي في تفسيره أيضا ٦ / ١٩ كما نقله الخازن في لباب التأويل عن البغوي ٦ / ١٩ أيضا.

٢٨٣

عطفت «من» على «هم» (١) وقرأ الأعمش بتخفيفها (٢) وهو استفهام ثان (٣) ، فالهمزة للاستفهام أيضا و «من» مبتدأ وخبره محذوف أي الذين خلقناهم أشد ، فهما جملتان مستقلتان (٤) ، وغلب من يعقل على غيره ولذلك أتى «بمن» (٥) قوله : (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) أي جيّد حر لاصق يعلق باليد. واللازب واللازم بمعنى (٦). وقد قرىء : لازم (٧) ، لأنه يلزم اليد ، وقيل : اللازب اللّزج (٨). وقال مجاهد والضحاك : منتن (٩) ، وأكثر أهل اللغة على أن الباء في اللازب بدل من الميم (١٠).

فصل

وجه النظم (١١) : أنه قد تقرر أن المقصود الأعظم من القرآن إثبات الأصول الأربعة وهي الإلهيّات والمعاد والنّبوّة وإثبات القضاء والقدر فافتتح تعالى هذه السورة بإثبات ما يدل على وجود الصانع وعلى علمه وقدرته وحكمته ووحدانيته وهو خالق السموات والأرض وما بينهما وربّ المشارق ، ثم فرع عليها إثبات الحشر والنشر والقيامة وهو أن من قدر على ما هو أصعب وأشق وجب أن يقدر على ما هو دونه وهو قوله : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا) فمن قدر على ما هو أشد وأصعب فبأن يكون قادرا على إعادة الحياة في هذه الأجساد كان أولى. وأيضا فقوله : (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) يعني أن هذه الأجساد قابلة للحياة إذ لو تكن قابلة للحياة لما صارت حية في المرة الأولى والمراد بقوله : (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) يعني أصلهم وهو آدم ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ روي أنّ القوم قالوا : كيف يعقل تولد الإنسان لا من أبوين ولا من نطفة؟ فكأنه تعالى قال لهم : إنكم لما أقررتم بحدوث العالم واعترفتم بأن السموات والأرض وما

__________________

(١) من قوله تعالى : «أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً».

(٢) أي أمن ولم ترو هذه القراءة عنه إلا في الشواذ فلم أجدها في الكتب المتواترة ونسبها إليه أبو حيان والسمين ولم ينسبها الزمخشري. انظر : البحر ٧ / ٣٥٤ والدر ٤ / ٥٤١ والكشاف ٣ / ٣٣٧.

(٣) يقصد بالأول : أهم أشدّ خلقا وبالثاني : أم من خلقنا.

(٤) قاله الزمخشري في المرجع السابق والسمين في الدر ٤ / ٥٤١.

(٥) المرجعين السابقين.

(٦) قاله أبو إسحاق الزجاج في المعاني ٤ / ٢٩٩.

(٧) نقلها صاحب الكشاف قراءة لا لغة انظر : الكشاف ٣ / ٣٣٧ وانظرها كقراءة في الدر المصون ٤ / ٥٤١.

(٨) نقله الرازي في تفسيره ٢٦ / ١٢٥.

(٩) السابق وانظر البغوي ٦ / ١٩.

(١٠) لتقارب المخارج وانظر مجاز القرآن ٢ / ١٦٧ وغريب القرآن ٣٦٩ والقرطبي ١٥ / ٦٨ و ٦٩. وحكى الفراء عن قيس أنهم يقولون لازب ولاتب. واللاتب الثابت. المعاني ٢ / ٣٨٤ وانظر : اللسان : «ل ز ب» ٤٠٢٦ و «ل ز م» ٤٠٢٧ ولزب أفصح من لزم.

(١١) قال بهذا الإمام الرازي في التفسير الكبير ٢٦ / ١٢٤.

٢٨٤

بينهما إنما حصل بتخليق الله تعالى وتكوينه فلا بد وأن يعترفوا بأن الإنسان الأول إنما حدث لا من الأبوين فإن اعترفتم به فقد سقط قولكم : إن الإنسان كيف يحدث من غير نطفة ومن غير الأبوين؟ وأيضا فقد اشتهر عند الجمهور أن آدم مخلوق من طين لازب ومن قدر على خلق الحياة من الطين اللازب كيف يعجز عن إعادة الحياة إلى هذه الذوات ويمكن أن يكون المراد (١) بقوله : (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) أي كل الناس ووجهه أن الحيوان إنما يتولد من المني ودم الطّمث والمني إنما يتولد من الدّم فالحيوان إنما يتولد من الدم والدم إنما يتولد من الغذاء ، والغذاء إما حيوانيّ وإما نباتيّ ، أما تولد الحيوان الذي صار غذاء فالكلام في كيفية تولده كالكلام في تولد الإنسان فثبت أن الأصل في الأغذية هو النبات والنبات إنما يتولد من امتزاج الأرض بالماء وهو الطين اللازب فظهر أن كل الخلق (منه) (٢) متولّدون من الطّين اللازب وهو قابل للحياة والله تعالى قادر عليها. وهذه القابلية والقادرية واجبة البقاء فوجب بقاء هذه الصفة في كل الأوقات. وهذه بيانات ظاهرة (٣).

قوله تعالى : (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (١٣) وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤) وَقالُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ)(١٨)

قوله : (بَلْ عَجِبْتَ) قرأ الأخوان بضم التاء والباقون بفتحها (٤) ، فالفتح ظاهر وهو ضمير الرسول أو كل من يصح منه ذلك. وأما الضم فعلى صرفه للمخاطب أي قل يا محمد بل عجبت أنا ، أو على إسناده للباري تعالى على ما يليق به (٥). وقد تقدم هذا في البقرة (٦) وما ورد منه في الكتاب والسنة. وعن شريح (٧) أنه أنكرها وقال : الله لا يعجب فبلغت إبراهيم النّخعيّ فقال : إنّ شريحا كان معجبا برأيه قرأها من هو أعلم (منه) (٨) ؛

__________________

(١) في ب : من قوله.

(٢) زيادة من «أ» لا معنى لها.

(٣) وانظر في هذا كله تفسير الرازي ٢٦ / ١٢٤ و ١٢٥.

(٤) من القراءات المتواترة. وانظر : النشر ٢ / ٣٥٦ والإتحاف ٣٦٨ ومعاني الفراء ٢ / ٣٨٤ والبحر ٧ / ٣٥٤ والسبعة ٦٤٧ وإبراز المعاني ٦٦٤ و ٦٦٥ وانظر : إعراب النحاس ٣ / ٤١٣. ولقد رجح الفراء قراءة الرفع قال : لأنها مروية عن عليّ وابن مسعود ، وهذا كله قد نقله الإمام شهاب الدين السمين في الدر ٤ / ٥٤١ و ٥٤٢.

(٥) المرجع السابق.

(٦) عند قوله تعالى : «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» [البقرة : ٢٠٤]. وانظر : اللباب ٢ / ٢٣٥ ب.

(٧) هو شريح بن يزيد أبو حيوة الحضرميّ الحمصيّ ، صاحب القراءة الشاذة ومقرىء الشام ، له اختيار في القراءة. توفي سنة ٢٠٣ ه‍ انظر : غاية النهاية ١ / ٣٢٥.

(٨) سقط من ب.

٢٨٥

يعني عبد الله بن مسعود وابن عباس (١). والعجب من الله ليس كالتّعجّب من الآدميين كما قال : (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) [التوبة : ٧٩] وقال : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) [التوبة : ٦٧]. فالعجب من الآدميين إنكاره (٢) وتعظيمه والعجب من الله تعالى قد يكون بمعنى الإنكار والذّمّ وقد يكون بمعنى الاستحسان والرضا كما جاء في الحديث : «عجب ربّكم من شابّ ليست له صبوة» (٣) ، وقوله: «عجب ربّكم من إلّكم وقنوطكم وسرعة إجابته إيّاكم» (٤). وسئل جنيد (٥) عن هذه الآية فقال : إن الله لا يعجب من شيء ولكن الله وافق رسوله لمّا عجب رسوله وقال : (إِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) أي هو كما تقوله (٦).

قوله : (وَيَسْخَرُونَ) يجوز أن يكون استئنافا (٧) وهو الأظهر. وأن يكون حالا. والمعنى أي عجبت من تكذيبهم إياك وهم يسخرون من تعجبك (٨) ، وقال قتادة : عجب نبيّ الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من هذا القرآن حين أنزل وضلال بني آدم وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان يظن أن كل من يسمع القرآن يؤمن به فلما سمع المشركون القرآن فسخروا منه ولم يؤمنوا عجب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من ذلك فقال الله تعالى : (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) (وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ) أي إذا وعظوا بالقرآن لا يتّعظون(٩).

وقرأ (جناح) (١٠) بن حبيش «ذكروا» مخففا (١١) ، (وَإِذا رَأَوْا آيَةً) قال ابن عباس ومقاتل: يعني انشقاق القمر (١٢) «يستسخرون» يسخرون ويستهزئون ، وقيل : يستدعي بعضهم عن بعض السخرية (١٣) وقرىء «يستسحرون» بالحاء المهملة (١٤). (وَقالُوا إِنْ هذا

__________________

(١) الدر المصون ٤ / ٥٤٢ والقرطبي ١٥ / ٦٩.

(٢) في ب : إن كان تحريف ولحن.

(٣) أخرجه البغوي في تفسيره ٦ / ١٩ وقد أخرجه أبو داود السجستاني في باب الجهاد برقم ٣٦.

(٤) البغوي والخازن ٦ / ١٩ والقرطبي ١٥ / ٧٠ و «الإلّ» أشد القنوط.

(٥) إمام من الزاهدين المتصوفين. انظره في المرجعين السابقين.

(٦) السابقان.

(٧) قاله السمين في الدر ٤ / ٥٤٢ والقرطبي في الجامع ١٥ / ٧١.

(٨) جوزه السمين والقرطبي مع الوجه السابق. وانفرد به الكشاف في ٣ / ٣٣٧.

(٩) البغوي والخازن ٦ / ٢٠.

(١٠) سقط من ب.

(١١) من الشاذات غير المتواترات. ذكرها ابن خالويه في المختصر ١٢٧ كما ذكرها أبو حيان في البحر ٧ / ٣٥٥ والسمين في الدر المصون ٤ / ٥٤٢.

(١٢) زاد المسير ٧ / ٥١ ومعالم التنزيل ٦ / ٢٠.

(١٣) السابق. وقال ابن قتيبة : يقال سخر واستسخر كما يقال : قرّ واستقرّ. ومثله : عجب واستعجب.

الغريب ٣٧٠ والمجاز ٢ / ١٦٧.

(١٤) من السحر. ولم يحدد أبو حيان ومن بعده السمين من قرأ بها. البحر ٧ / ٣٥٥ والدر ٤ / ٥٤٢.

٢٨٦

إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (أي سحر (١) بيّن) يعني إذا رأوا آية ومعجزة سخروا منها لاعتقادهم أنها من باب السحر.

فصل

قال ابن الخطيب : والذي عندي في هذا الباب أن يقال : القوم كانوا يستبعدون الحشر والقيامة ويقولون من مات وصار ترابا وتفرقت أجزاؤه في العالم كيف يعقل عوده بعينه؟ وبقوا (٢) في هذا الاستبعاد إلى حيث كانوا يسخرون ممن يذهب إلى هذا المذهب وإذا كان كذلك ولا طريق إلى إزالة هذا الاستبعاد إلّا من وجهين :

أحدهما : أن يذكر لهم (٣) الدليل على صحة الحشر والنشر مثل أن يقال لهم : هل تعلمون أن القادر على الأصعب الأشق يجب أن يكون قادرا على الأسهل. فهذا الدليل وإن كان جليّا قويّا إلا أن (ذكر) (٤) أولئك المنكرين إذا عرض على قلوبهم هذه المقدمات لا يفهمونها ولا يقفون عليها وإذا ذكروا لم يتذكروها لشدة بلادتهم وجهلهم فلا جرم لم ينتفعوا بهذا الدليل.

والطريق الثاني : أن يثبت الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رسالته بالمعجزات ثم يقول : لما ثبت بالمعجزة كوني رسولا صادقا من عند الله فأنا أخبركم بأن البعث والقيامة حقّ ثم إنّ أولئك المنكرين لا ينتفعون بهذا الطريق أيضا لأنهم إذا رأوا معجزة قاهرة (٥) وآية باهرة حملوها على أنها سحر وسخروا منها واستهزأوا بها. وهذا هو المراد من قوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ).

قوله : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ)(٦) وهذا بيان للسّبب الذي حملهم على الاستهزاء بجميع المعجزات وهو اعتقادهم أن من مات وتفرقت أجزاؤه في العالم فما فيه من الأرض اختلط (بتراب) (٧) الأرض وما فيه من المائية والهوائية اختلط ببخارات العالم. فهذا الإنسان كيف يعقل عوده بعينه حيّا ثانيا؟!. ثم إنه تعالى لما حكى عنهم هذه الشبهة قال : قل (لهم) (٨) يا محمد (نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) أي نعم تبعثون وأنتم صاغرون ، والدخور أشد الصغار وإنما اكتفى تعالى بهذا القدر من الجواب لأنه ذكر في الآية المتقدمة البرهان القطعي (٩) على أنه (أمر) (١٠) ممكن وإذا ثبت الجواب القطعي فلا سبيل

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من ب.

(٢) في تفسيره وبلغوا.

(٣) كذا في (أ) والرازي. وفي ب : لهما. تحريف.

(٤) زيادة على تفسيره.

(٥) كذا في الرازي. وفي ب : ظاهرة.

(٦) وانظر تفسيره ٢٦ / ١٢٧ و ١٢٨.

(٧) سقط من ب.

(٨) زيادة من ب.

(٩) في «أ» القطع والرازي هنا موافق ل «ب».

(١٠) سقط من ب.

٢٨٧

إلى القطع بالوقوع إلا بأخبار المخبر (١) الصادق فلما قامت المعجزات على صدق محمد ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ كان واجب الصدق فكان مجرد قوله : «نعم» دليلا قاطعا على الوقوع (٢).

قوله : (أَوَآباؤُنَا) قرأ ابن عامر وقالون : بسكون الواو على أنها «أو» (٣) العاطفة المقتضية للشك والباقون بفتحها (٤) على أنها همزة استفهام دخلت على واو العطف ، وهذا الخلاف جار أيضا في «الواقعة» (٥) وتقدم مثل هذا في الأعراف في قوله : (أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى)(٦) ، فمن فتح الواو أجاز في : «آباؤنا» وجهين :

أحدهما : أن يكون معطوفا على محل إن واسمها (٧).

والثاني : أن يكون معطوفا على الضمير المستتر في : «لمبعوثون» (٨). واستغني بالفصل بهمزة الاستفهام ، ومن سكنها تعين فيما الأول دون الثاني على قول الجمهور لعدم الفاصل ، وقد أوضح هذا الزمخشريّ حيث قال : (أَوَآباؤُنَا) معطوف على محل إنّ واسمها أو على الضمير في : «لمبعوثون» ، والذي جوز العطف عليه الفصل بهمزة الاستفهام (٩). قال أبو حيان : أما قوله معطوف على محل «إنّ» واسمها فمذهب سيبويه خلافه (١٠) ، فإن قولك : «إنّ زيدا قائم وعمرو» وعمرو فيه مرفوع بالابتداء وخبره محذوف ، وأما قوله : أو على الضمير في لمبعوثون (الخ ... فلا يجوز أيضا ؛ لأن همزة

__________________

(١) في ب : للمخبر.

(٢) وانظر : التفسير الكبير للإمام الرازي ٢٦ / ١٢٨.

(٣) في ب : الواو.

(٤) من القراءات المتواترة. وانظر في ذلك السبعة ٢٨٧ و ٢٨٦ والإتحاف ٣٦٨ والنشر ٢ / ٣٥٧ والكشاف ٣ / ٣٣٧.

(٥) عند قوله تعالى : «أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ» الآية ١٠.

(٦) الآية ٩٨ منها : «أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ» فقرىء بأو وبالواو على العطف والاستفهام أيضا.

(٧) من قوله : «أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ» وانظر الكشاف ٣ / ٣٣٧ والسمين ٤ / ٥٤٢.

(٨) المرجع السابق وانظر : الكشاف ٣ / ٣٣٧.

(٩) المرجع السابق.

(١٠) فالزمخشري قد مشى في رحا الكوفيين وقليل من البصريين الذين لم يشترطوا المحرز وهو الطالب للمحل ، ولأن «إنّ» لم تعمل عندهم في الخبر شيئا بل هو مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخولها. وفي الكتاب لسيبويه أنه يجيز رأي الكوفيين هذا ولكنه رأي ضعيف ومفضول. قال : «هذا باب ما يكون محمولا على إنّ فيشاركه فيه الاسم الذي وليها ويكون محمولا على الأول فأما ما حمل على الابتداء فقولك : إنّ زيدا ظريف وعمرو ، وإنّ زيدا منطلق وسعيد فعمرو وسعيد يرتفعان لوجهين فأما الوجه الحسن فأن يكون محمولا على الابتداء وأما الوجه الآخر الضعيف فأن يكون محمولا على الاسم المضاف في المنطلق». الكتاب ٢ / ١٤٤.

٢٨٨

الاستفهام لا تدخل إلا على الجمل لا على المفرد ؛ لأنه إذا عطف على المفرد كان الفعل عاملا في المفرد بواسطة حرف العطف وهمزة الاستفهام لا يعمل ما قبلها فيما بعدها ، فقوله : (أَوَآباؤُنَا) مبتدأ محذوف الخبر لما ذكرنا (١). قلت (٢) : أما الرد الأول : فلا يلزم لأنه لا يلتزم (٣) مذهب سيبويه (٤) ، وأما الثاني : فإن الهمزة مؤكدة للأولى فهي داخلة في الحقيقة على الجملة إلا أنه فصل بين الهمزتين بإنّ واسمها وخبرها. ويدل على هذا ما قاله هو (٥) في سورة الواقعة فإنه قال : دخلت همزة الاستفهام على حرف العطف ، فإن قلت : كيف حسن العطف على المضمر في لمبعوثون) (٦) من غير تأكيد بنحن؟ قلت : حسن للفاصل الذي هو الهمزة كما حسن في قوله : (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) [الأنعام : ١٤٨] لفصل (لا) (٧) المؤكدة بالنفي انتهى (٨). فلم يذكر هنا غير هذا الوجه وتشبيهه بقوله لفصل (لا) (٩) المؤكدة للنفي لأن لا مؤكدة للنفي المتقدم بما إلا أن هذا مشكل بأن الحرف إذا كرر للتأكيد لم يعد في الأمر العام إلا بإعادة ما اتصل به أولا أو بضميره. وقد مضى القول فيه (١٠). وتحصل في رفع «آباؤنا» ثلاثة أوجه: العطف على محل «إنّ» واسمها ، والعطف على الضمير المستكن في «لمبعوثون». والرفع على الابتداء والخبر مضمر (١١) ، والعامل في «إذا» محذوف أي : أنبعث إذا متنا. هذا إذا جعلتها ظرفا غير متضمن لمعنى الشرط ، فإن جعلتها شرطية كان جوابها عاملا فيها (١٢) أي إذا متنا بعثنا أو حشرنا(١٣).

وقرىء «إذا» دون استفهام (١٤) ، وقد مضى القول فيه في الرعد (١٥).

__________________

(١) قاله في البحر ٧ / ٣٥٥.

(٢) هذا رد شهاب الدين فيما نقله عنه المؤلف ٤ / ٥٤٣.

(٣) في ب : لا يلزم.

(٤) بدليل أن سيبويه صرح بالرأيين الجائزين وفضل أحدهما على الآخر وهذا ما أميل إليه في تجويز الرأيين.

(٥) أي جار الله الزمخشري.

(٦) ما بين القوسين كله سقط من أالأصل.

(٧) زيادة من الكشاف من قول الزمخشري.

(٨) الكشاف ٤ / ٥٥.

(٩) زيادة لتوضيح السياق وتكميله.

(١٠) في الأنعام عند تلك الآية السابقة.

(١١) وهذا ما توحي به عبارة سيبويه في الكتاب المرجع السابق. والأولان قال بهما جار الله الزمخشري.

ونقلهما شهاب الدين السمين في الدر ٤ / ٥٤٢.

(١٢) ولذلك يقولون في إعراب «إذا» ظرف خافض لشرطه منصوب بجوابه.

(١٣) تفسير الإمام شهاب الدين السمين ٤ / ٥٤٣.

(١٤) من القراءات المتواترة السبعية فهي قراءة عبد الله بن عامر انظر : الإتحاف ٣٦٨. وفي السبعة لابن مجاهد لم يذكرها وانظر : البحر ٧ / ٣٥٥ والسمين ٤ / ٥٤٣.

(١٥) يشير إلى قوله تعالى : «أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ» الآية ٥. وبين هناك أن كل القراء يقرأون بالاستفهام فيهما : «أئذا ـ وأ ئنا» ، وأنّ ابن عامر قرأ وحده بالإخبار.

٢٨٩

قوله : (وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) جملة حالية العامل فيها الجملة القائمة مقامها «نعم» أي تبعثون(١) وأنتم صاغرون أذلّاء (٢). قال أبو حيان : وقرأ ابن وثّاب «نعم» بكسر العين (٣) وتقدم أن الكسائي قرأها كذلك حيث وقعت. وكلامه هنا موهم أن ابن وثاب منفرد بها (٤).

قوله تعالى : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩) وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢١) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (٢٣) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (٢٤) ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (٢٥) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ)(٢٦)

قوله : (فَإِنَّما هِيَ) قال الزمخشري : (فَإِنَّما هِيَ) جواب شرط مقدر تقديره إذا كان كذلك فما هي إلا زجرة واحدة (٥). قال أبو حيان : وكثيرا ما تضمّن جملة الشرط قبل فاء إذا ساغ تقديره ولا ضرورة تدعو إلى ذلك ولا يحذف الشرط ويبقى جوابه إلا إذا انجزم الفعل في الذي يطلق (٦) عليه أنه جواب للأمر والنهي وما ذكر معهما ، أمّا ابتداء فلا يجوز حذفه (٧).

فصل

«هي» ضمير البعثة المدلول عليها بالسّياق لما كانت بعثتهم ناشئة عن الزجرة جعلت إياها مجازا ، قال الزّمخشريّ «هي» مبهمة يوضحها خبرها ، قال أبو حيان : وكثيرا ما يقول هو (٨) وابن مالك(٩): إن الضمير يفسره خبره (١٠). ووقف أبو حاتم على (يا وَيْلَنا) وجعل

__________________

(١) هو قول الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٣٨ والسمين في الدر ٤ / ٥٤٤.

(٢) قاله في اللسان دخر ١٣٤٠ وغريب القرآن ٣٧٠ ومجازه ٢ / ١٦٨.

(٣) البحر ٧ / ٣٥٥ والإتحاف ٣٦٨ والسمين ٤ / ٣٤٤.

(٤) المرجع السابق وقد وقعت في [الأعراف : ٤٤ ، ١١٤] ، [الشعراء : ٤٢] ، [الصافات : ١٨].

(٥) الكشاف ٣ / ٣٣٨.

(٦) في ب : ينطلق وما هنا في «أ» موافق لما قاله أبو حيان في البحر ٧ / ٣٥٥ و ٣٥٦.

(٧) المرجع السابق هذا والمحذوف هو الشرط أو الجواب مع إن دون سائر الأدوات واختصت بذلك لأنها أم الباب ولأنه لم يرد في غيرها ولم يسمع أن حذف الجواب وحده والشرط وحده مع غير إن اللهم إلا ما أنشده ابن مالك في شرح الكافية :

متى تؤخذوا قسرا بظنّة عامر

ولا ينج إلّا في الصّبا يزيد

هذا ولا يجوز حذف الأداة وحدها ولو كانت «إن» وهناك من جوز ذلك ، بتصرف من الهمع ٢ / ٦٢ و ٦٣.

(٨) فقد قال في الكشاف عند [المؤمنون : ٣٧] : «هذا ضمير لا يعلم ما يعنى به إلا بما يتلوه من بيانه ، ثم وضع «هي» موضع الحياة لأن الخبر يدل عليها ويبينها». الكشاف ٣ / ٣٢.

(٩) قال في التسهيل ص ٢٨ : «ضمير الشأن عند البصريين وضمير المجهول عند الكوفيين ولا يفسر إلا بجملة خبرية مصرح بجزئيها».

(١٠) البحر ٧ / ٣٥٦.

٢٩٠

مع ما بعده من قول الباري تعالى (١) ، وبعضهم جعل (هذا يَوْمُ الدِّينِ) من كلام الكفار الكفرة فيقف عليه ، وقوله : (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) من قول الباري تعالى. وقيل : الجميع من كلامهم. وعلى هذا فيكون قوله : «تكذّبون» إما التفاتا من التكلم إلى الخطاب وإما مخاطبة بعضهم لبعض (٢).

فصل

لما بين في الآية المتقدمة ما يدل على إنكار البعث والقيامة وأردفه بما يدل على وقوع القيامة ذكر في هذه الآيات بعض تفاصيل أحوال القيامة فمنها قوله : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) أي صيحة واحدة وهي نفخة البعث فإذا هم ينظرون أي أحياء ينظر بعضهم إلى بعض ، وقيل : ينتظرون ما يحدث لهم أو ينظرون إلى البعث الذي كذبوا به والزجرة هي الصيحة التي يزجرها كالزجرة بالنّعم والإبل عند الحثّ ، ثمّ كثر استعمالها حتى صارت بمعنى الصيحة ، قال ابن الخطيب : ولا يبعد أن يقال تلك الصيحة إذا سميت زجرة لأنها تزجر الموتى عن الرقود في القبور وتحثهم على القيام من القبور إلى الحضور في موقف القيامة.

فإن قيل : فما الفائدة في هذه الصيحة للأموات وهذه النفخة جارية مجرى السبب لحياتهم فتكون مقدمة (٣) على حياتهم فلزم أن هذه الصيحة إنما تكون حالا لكونهم أمواتا فتكون الصيحة عديمة الفائدة فهي عبث والعبث لا يجوز في فعل الله؟

فالجواب : على قول أهل السنة يفعل الله ما يشاء وأما المعتزلة فقال القاضي : فيه وجهان :

الأول : أن يعتبر بها الملائكة.

والثاني : أن تكون فائدتها التخويف والإرهاب. (انتهى) (٤). وهذه الصيحة لا تأثير لها في الحياة بدليل أن الصيحة الأولى استعقبها الموت والثانية الحياة وذلك يدل على أن الصيحة لا أثر لها في الموت ولا في الحياة بل خالق الموت (٥) والحياة هو الله (وذلك يدل على (٦) أن الصيحة لا أثر لها) كما قال : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) [الملك : ٢] روي أن الله تعالى يأمرنا سرا قيل فينادى أيّتها العظام النّخرة ، والجلود البالية والأجزاء المتفرقة اجتمعوا بإذن الله تعالى. الحالة الثانية من تفاصيل أحوال القيامة قولهم بعد القيام من القبور : (يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ) أي يوم الحساب ويوم الجزاء. قال الزجاج : الويل كلمة

__________________

(١) انظر : البحر المحيط ٧ / ٣٥٦ والدر المصون ٤ / ٥٤٤.

(٢) المرجعان السابقان.

(٣) في ب : متقدمة وكذا هي في الرازي كما في «أ» وانظر : تفسير الرازي ٢٦ / ١٢٩.

(٤) زيادة من ب ، عن «أ».

(٥) في «أ» السموات وما في ب هنا هو الموافق للمعنى وللرازي.

(٦) زيادة من «أ» عن الرازي و «ب».

٢٩١

يقولها القائل وقت الهلكة (١) ، ويحتمل أن يكون المراد بقولهم : (هذا يَوْمُ الدِّينِ) أي يوم الحساب القيامة المذكور في قوله : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) أي لا مالك في ذلك اليوم إلا الله تعالى وأما قوله : (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) تقدّم الكلام على قائله هل هو من كلام الله تعالى أو من كلام الملائكة أو من كلام المؤمنين أو من كلام الكفار.

قوله : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا) هذا من كلام الملائكة والمراد اجمعوا الذين أشركوا إلى الموقف للحساب والجزاء.

فإن قيل : ما معنى احشروا مع أنهم قد حشروا من قبل وحضروا محفل القيامة وقالوا : هذا يوم الدين وقالت الملائكة لهم : بل هذا يوم الفصل؟

أجاب القاضي (٢) عنه وقال : المراد احشروهم إلى دار الجزاء وهي النار ، ولذلك قال بعده : (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) أي دلّوهم على ذلك الطريق ، ثم سأل نفسه وقال : كيف يصح ذلك وقد قال بعده (٣) : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) ومعلوم أن (م) (٤) حشرهم إلى الجحيم إنما يكون بعد المسألة وأجاب بأنه ليس في العطف بحرف الواو ترتيب ولا يمتنع أن يقال احشروهم وقفوهم مع أنا بعقولنا نعلم أن الوقوف كان قبل الحشر. قال ابن الخطيب : وعندي فيه وجه آخر وهو أن يقال : إنهم إذا قاموا من قبورهم لم يبعد أن يقفوا هناك لحيرة تلحقهم لمعاينتهم أهوال القيامة ، ثم إن الله تعالى يقول للملائكة : احشروا الذين ظلموا واهدوهم إلى صراط الجحيم ، أي سوقوهم إلى طريق جهنم وقفوهم هناك ويحصل السؤال هناك ثمّ (من) هنا (ك) (٥) يساقون إلى النار.

قوله : (وَأَزْواجَهُمْ) العامة على نصبه وفيه وجهان :

أحدهما : العطف على الموصول.

والثاني : أنه مفعول معه (٦). قال أبو البقاء : وهو في المعنى أقوى (٧) ، وإنما قال في المعنى لأنه في الصناعة ضعيف لأنه أمكن العطف فلا يعدل عنه (٨) ، وقرأ عيسى بن سليمان الحجازيّ (٩) بالرفع عطفا على ضمير «ظلموا» (١٠). وهو ضعيف لعدم

__________________

(١) قاله في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٠١.

(٢) سبق التعريف به أنه كبير المعتزلة.

(٣) وانظر في هذا كله تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ١٢٩ و ١٣٠.

(٤) زيادة من أ.

(٥) ما بين الأقواس زيادة من ب. وكذا هي في الرازي.

(٦) قاله أبو البقاء العكبري في التبيان ١٠٨٩ والسمين في الدر ٤ / ٥٤٤ وقال أبو جعفر في الإعراب بالأول فقط الإعراب ٤ / ٤١٥.

(٧) التبيان المرجع السابق.

(٨) الدر ٤ / ٥٤٤.

(٩) أبو موسى الحجازي المعروف بالشيزري الحنفي مقرىء عالم نحوي معروف أخذ القراءة عرضا وسماعا عن الكسائي وله عنه انفرادات وأخذ عنه خلق كثير. انظر : الغاية ١ / ٦٠٩.

(١٠) من القراءات الشاذة انظرها في مختصر ابن خالويه ١٢٧.

٢٩٢

العامل (١) ، وقوله : (وَما كانُوا يَعْبُدُونَ) لا يجوز فيه هذا لأنه لا ينسب إليهم ظلم إن لم يرد (٢) بهم الشياطين وإن أريد بهم ذلك جاز فيه الرفع أيضا على ما تقدم (٣).

قوله : (إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) العامة على الكسر على الاستئناف المفيد (٤) للعلة ، وقرىء بفتحها(٥) على حذف لام العلة أي قفوهم لأجل سؤال الله إيّاهم.

فصل

المراد (بالأزواج أشباههم وأمثالهم وأتباعهم). قال قتادة والكلبي : كل من عمل مثل عملهم فأهل الخمر مع أهل الخمر وأهل الزنا مع أهل الزنا واليهوديّ مع اليهوديّ والنّصرانيّ مع النصراني لقوله تعالى : (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) [الواقعة : ٧] أي أشكالا وأشباها ، وتقول «عندي من هذا أزواج» أي أمثال ، وتقول : زوجان من الخفّ لأن كل واحد منهما نظير الآخر وكذلك الرجل والمرأة يسمّيان زوجين متشابهين ، وكذلك العدد الزوج (٦) ، وقال الضحاك ومقاتل قرناؤهم من السوء الشياطين كل كافر مع شيطانه في سلسلة. وقال الحسن : أزواجهم : المشركات (٧) ، وما كانوا يعبدون من دون الله في الدنيا يعني الأوثان والطواغيت. وقال مقاتل : يعني إبليس وجنوده لقوله : (أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ). فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) ، قال ابن عباس : دلوهم إلى طريق (٨) النّار. وقال ابن كيسان والأصمّ(٩): قدموهم (١٠) والعرب تسمي السابق هاديا. قال الواحدي (١١) : وهذا وهم لأنه يقال هدى إذا تقدم ومنه الهادية والهوادي ، وهاديات الوحش ، ولا يقال هدى بمعنى قدم. «وقفوهم» يقال وقفت الدّابة أقفها وقفا فوقفت هي وقوفا (١٢). قال المفسرون : لما سيقوا إلى النار حبسوا عند الصراط لأن السؤال عند الصراط فقال (١٣) : (قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ). قال ابن عباس : عن أقوالهم وأفعالهم(١٤).

__________________

(١) ليس كذا في النسختين وإنما فيهما : الفاعل وما أثبته هو الأصح. وقراءة النصب أسلم لسلامتها من التقدير.

(٢) في ب : ترد بالتاء وإذا لم يرد بهم الشياطين يراد بهم الأصنام.

(٣) الدر ٤ / ٥٤٥.

(٤) في ب : المقيد.

(٥) نسبها القرطبي إلى القرظيّ والكلبي. انظر : القرطبي ١٥ / ٧٢ وقد نسبت إلى عيسى بن عمر والكسائي. البحر ٧ / ٣٥٦ وابن خالويه ١٢٧ والقرطبي المرجع السابق.

(٦) القرطبي ١٥ / ٧٣ والرازي ٢٦ / ١٣١ و ١٣٢.

(٧) في ب : الشركاء. وانظر : زاد المسير ٧ / ٥٢.

(٨) البغوي ٦ / ٢٠.

(٩) هو محمد بن يعقوب بن يوسف الأموي مولاهم المعقلي النيسابوري الإمام الثقة محدّث المشرق مات سنة ٤٦ ه‍ انظر : تذكرة الحفاظ ٣ / ٨٦٠ ـ ٨٦٣.

(١٠) الرازي ٢٦ / ١٣٢

(١١) الرازي ٢٦ / ١٣٢ واللسان : «هدى» ٤٦٤١.

(١٢) المرجع السابق «وقف» ٤٨٩٨.

(١٣) في ب : فيقال.

(١٤) البغوي ٦ / ٢٠.

٢٩٣

وقيل : تسألهم الخزنة (١) : «ألم يأتكم نذير رسل منكم» ، (رسل) (٢) بالبينات قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين. ويجوز أن يكون هذا السؤال (٣) هو قوله بعد ذلك : (ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ) (أي لا تسألون) (٤) (توبيخا لهم (٥) فيقال) : ما لكم لا تناصرون قال ابن عباس : لا ينصر بعضكم بعضا كما كنتم في الدنيا وذلك أن أبا جهل قال يوم بدر : نحن جميع منتصر فقيل لهم يوم القيامة : ما لكم لا تناصرون ، وقيل : يقال للكفار : ما لشركائكم لا يمنعونكم من العذاب(٦).

قوله : (ما لَكُمْ) يجوز أن يكون منقطعا عما قبله والمسؤول عنه غير مذكور ولذلك قدره بعضهم عن أعمالهم (٧) ، ويجوز أن يكون هو المسؤول عنه في المعنى فيكون معلقا للسؤال و (لا تَناصَرُونَ) جملة حالية العامل فيها الاستقرار في «لكم» (٨). وقيل : بل هي على حذف حرف الجرّ وأن الناصبة فلما حذفت «أن» ارتفع الفعل. والأصل في أن لا (٩). وتقدمت قراءة البزّي لا تناصرون بتشديد التاء (١٠). وقرىء تتناصرون على الأصل (١١).

قوله (تعالى) (١٢) : (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) قال ابن عباس (١٣) : خاضعون. وقال الحسن منقادون ، يقال استسلم للشيء إذا انقاد له وخضع. والمعنى هم اليوم أذلّاء منقادون لا حيلة لهم في دفع تلك المضارّ.

قوله تعالى : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (٣٠) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (٣١) فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (٣٢) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣) إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (٣٤) إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ

__________________

(١) نقله الرازي في تفسيره ٢٦ / ١٣٢.

(٢) سقط من ب ، فهو زيادة من «أ».

(٣) المرجع السابق.

(٤) سقط من ب.

(٥) سقط أيضا من ب.

(٦) الرازي ٢٦ / ١٣٢ و ١٣٣ وانظر : البغوي ٦ / ٢١.

(٧) كما قاله ابن عباس والكلبي ومحمد بن كعب. وانظر : البحر المحيط ٧ / ٣٥٦ و ٣٥٧ والسمين ٤ / ٥٤٥.

(٨) التبيان ١٠٨٩ والبيان ٢ / ٣٠٣ والمشكل ٢ / ٢٣٥.

(٩) قاله العكبري في المرجع السابع وانفرد به.

(١٠) القرطبي ١٥ / ٧٤ والسمين ٤ / ٥٤٥ والكشاف ٣ / ٣٣٨.

(١١) المرجعان الأخيران.

(١٢) زيادة من ب.

(١٣) انظر : زاد المسير ٧ / ٥٣ والبغوي ٦ / ٢٠ و ٢١.

٢٩٤

إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ)(٣٧)

قوله : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) قيل : الأتباع والرؤساء يتساءلون متخاصمون. وقيل : هم والشياطين يقولون إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين أي من قبل الدين فتضلوننا عنه. قاله الضحاك ، وقال مجاهد : من الصراط الحق واليمين عبارة عن الدّين والحق كما أخبر الله عن إبليس : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) [الأعراف : ١٧] فمن (١) أتاه الشيطان من قبل اليمين أتاه من قبل الدين فليس عليه الحق (٢) ، واليمين ههنا استعارة عن الخيرات والسعادات لأن الجانب الأيمن أفضل من الجانب الأيسر إجماعا ، ولا تباشر الأعمال الشريفة إلا باليمين ويتفاءلون بالجانب الأيمن ويسمونه البارح (٣) وكان ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ يحب التيامن في شأنه كله وكاتب الحسنات من الملائكة على اليمين ووعد الله المحسن أن يعطيه الكتاب باليمين. وقيل: إن الرؤساء كانوا يحلفون للمستضعفين أن ما يدعونهم إليه هو الحق فوثقوا بأيمانهم ، وقيل : عن اليمين أي عن القوة والقدرة كقوله : (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) [الحاقة : ٤٥].

قوله : (عَنِ الْيَمِينِ) حال من فاعل : «تأتوننا». واليمين إما الجارحة عبّر بها عن القوة وإما الحلف لأن المتعاقدين بالحلف يمسح كل منهما يمين الآخر فالتقدير على الأول وتأتوننا أقوياء وعلى الثاني مقسمين حالفين (٤).

قوله : (بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) وهذا جواب الرؤساء للأتباع أي ما كنتم موصوفين بالإيمان حتى يقال : إنا أزلناكم عنه وإنما الكفر من قبلكم (وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) من قوة وقدرة حتى نقهركم ونجبركم (بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ) ضالين (فَحَقَّ عَلَيْنا)(٥) وجب علينا جميعا (قَوْلُ رَبِّنا) يعني كلمة العذاب وهو قوله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [هود : ١١٩].

قوله : «إنا لذائقوا العذاب» الظاهر أنه من إخبار الكفرة المتبوعين أو الجن بأنهم ذائقون العذاب. ولا عدول في هذا الكلام (٦). وقال الزمخشري : ولزمنا قول ربنا إنا لذائقون يعني وعيد الله بأنا لذائقون لعذابه لا محالة ولو حكى الوعيد كما هو لقال إنكم

__________________

(١) المرجعان السابقان.

(٢) المرجع السابق.

(٣) قال ابن منظور في اللسان : والبارح ما مر من الطير والوحش من يمينك إلى يسارك والعرب تتطير به لأنه لا يمكنك أن ترميه حتى تنحرف والسّانح : ما مر بين يديك من جهة يسارك إلى يمينك والعرب تتيمن به لأنه أمكن للرمي والصيد. وفي المثل : «من لي بالسّانح بعد البارح». انظر : اللسان برح ٢٤٦.

(٤) البحر ٧ / ٣٥٧ والسمين ٤ / ٥٤٥.

(٥) البغوي ٦ / ٢١.

(٦) البحر والدر المرجعان السابقان.

٢٩٥

لذائقون ولكنه عدل به إلى لفظ المتكلم لأنهم متكلمون بذلك عن أنفسهم ونحوه قول القائل :

٤١٩١ ـ لقد علمت(١)هوازن قلّ مالي

 ..........(٢)

ولو حكى قولها لقال : قلّ مالك ، ومنه قول المحلف للحالف احلف (لأخرجنّ) (٣) ولتخرجنّ(٤) ، الهمزة لحكاية الحالف ، والتاء لإقبال المحالف (٥) على المحلف (٦).

قوله : (فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ) أي إنما أقدمنا (٧) إغوائكم لأنا كنا موصوفين في أنفسنا بالغواية. وفيه دقيقة أخرى كأنهم قالوا : إن اعتقدتم أن غوايتكم (٨) بسبب إغوائنا فغوايتنا إن كانت بسبب إغواء غاو آخر لزم التسلسل. وذلك محال فعلمنا أن حصول الغواية والرشاد ليس من قبلنا بل من قبل غيرنا. وذلك الغير هو الذي ذكره فيما قبل وهو قوله : (فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا)(٩). ثم قال تعالى بعده : (فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) يعني الرؤساء والأتباع يومئذ يسألو (ن) (١٠) ويراجعو (ن) الكلام فيما بينهم ثم قال : (إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) أي الكفار. قال ابن عباس : الذين جعلوا لله شركاء ثم وصفهم بأنهم (إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ) يتكبرون عن كلمة التوحيد ويمتنعون منها (وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ) يعني النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١١) ـ وقرأ ابن كثير أينا لتاركوا بهمزة وياء بعدها خفيفة وألف ساكنة بلا مدة (١٢). وقرأ نافع في رواية قالون وأبو عمرو كذلك ، ويمدان. والباقون بهمزتين (١٣) بلا مد ، ثم إنه تعالى كذبهم في ذلك الكلام بقوله : (بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ) أي جاء بالدين الحق.

قوله : (وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ) أي صدقهم محمد ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ يعني

__________________

(١) في الكشاف زعمت.

(٢) من تمام الوافر وذلك صدر بيت وعجزه :

 ..........

وهل لي غير ما أنفقت مال

ويروى : ألا زعمت. وهو مجهول القائل وجيء به شاهدا للعدول والالتفات من الخطاب إلى التكلّم فكان مسار الكلام وحكاية قولها وهي هوازن قل مالك ، وانظر : البحر ٧ / ٣٥٧ والدر المصون ٤ / ٥٤٦ والكشاف ٣ / ٣٣٩ وشرح شواهده ٥٠٠.

(٣) زيادة من أوالكشاف عن ب.

(٤) في ب : ليخرجن بالياء.

(٥) تصحيح من الكشاف عن النسختين ففيهما المحلف.

(٦) انظر الكشاف ٣ / ٣٣٩.

(٧) في ب : قدمنا.

(٨) في ب : إغوائكم وما هنا موافق للرازي.

(٩) الرازي ٢٦ / ١٣٥.

(١٠) تصحيح لغوي لا بد منه على النسختين.

(١١) انظر : معالم البغوي ٦ / ٢١.

(١٢) من القراءات الأربع فوق العشرة. انظر : الإتحاف ٣٦٩ والرازي ٢٦ / ١٣٥.

(١٣) المرجعان السابقان ، الإتحاف والرازي.

٢٩٦

صدقهم في مجيئهم بالتوحيد ، وقرأ عبد الله (١) صدق خفيف الدال «المرسلون» فاعلا به أي صدقوا فيما جاؤوا به (٢). ثم التفت من الغيبة إلى الحضور فقال : (إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ).

قوله تعالى : (إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَما تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (٤١) فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (٤٢) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٤٣) عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٤) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (٤٥) بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (٤٦) لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (٤٧) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (٤٨) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ)(٤٩)

قوله : (لَذائِقُوا الْعَذابِ) العامة على حذف النون والجر. وقرأ بعضهم بإثباتها (٣) والنصب هو الأصل. وقرأ أبان بن تغلب (٤) ـ عن عاصم وأبو السّمّال في رواية ـ بحذف النون والنصب (٥) أجرى النون مجرى التنوين في حذفها لالتقاء الساكنين كقوله : (أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ) [الإخلاص : ١ ـ ٢] (و) :

٤١٩٢ ـ ولا ذاكر الله إلّا قليلا (٦)

وقال أبو البقاء : قرىء شاذا بالنصب. وهو سهو من قارئه لأن اسم الفاعل يحذف منه النون وينصب إذا كان فيه (٧) الألف واللام ، قال شهاب الدين : وليس بسهو لما تقدم (٨) ، وقرأ أبو السمال أيضا لذائق بالإفراد والتنوين العذاب نصبا (٩). وتخريجه (١٠)

__________________

(١) ونسبت أيضا للحسن وهي من الأربع فوق العشرة. انظر : الإتحاف ٣٦٩ ومختصر ابن خالويه ١٢٨ والسمين ٤ / ٥٤٦ والبحر المحيط ٧ / ٣٥٨.

(٢) من بشارتهم به عليه‌السلام.

(٣) لم ينسبها أبو حيان في البحر المرجع السابق ولا الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٣٩ وقد نسبها صاحب الشواذ شواذ القرآن إلى الضّحاك. انظره (٢٠٥).

(٤) الرّبعي أبو سعد. ويقال : أبو أميمة الكوفي النحويّ. قرأ على عاصم أخذ عنه محمد بن صالح الكوفي مات سنة ٥٣٤ ه‍ غاية النهاية ١ / ٤.

(٥) البحر والكشاف والمختصر السابقة وانظر : السمين ٤ / ٥٤٦.

(٦) مضى هذا الشاهد ومضى القول فيه بالتفصيل.

(٧) التبيان له ١٠٨٩ وقد شنع الناس على قراءة أبان هذه التي تنسب لأبي السمال. قال ابن الأنباري : وهو رديء في القياس ولذاك قال أبو عثمان لحن أبو السمال بعد أن كان فصيحا. البيان ٢ / ٣٠٤.

(٨) في الدر : «لما ذكرته لك». وقد ذكر عن قرب أنه حذف النون وأجراها مجرى التنوين في الحذف لالتقاء الساكنين. الدر ٤ / ٥٤٦.

(٩) نقلها أبو حيان في بحره عن ابن عطية. البحر ٧ / ٣٥٨ وانظر الدر المصون ٤ / ٥٤٦.

(١٠) في ب : ويخرجه.

٢٩٧

على حذف اسم جمع هذه صفته أي إنكم لفريق أو لجمع ذائق ليتطابق (١) الاسم والخبر في الجمعيّة (٢). ثم كأنه قيل : فكيف يليق بالرحيم الكريم المتعالي عن النفع والضر أن يعذب عباده؟ فأجاب بقوله : (وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي «إلا جزاء ما كنتم تعملون» (٣).

قوله : (إِلَّا عِبادَ اللهِ) استثناء منقطع (٤) أي لكن عباد الله المخلصين الموحدين ، وقوله : (أُولئِكَ لَهُمْ) بيان لحالهم ، وقد تقدم في فتح اللام وكسرها من المخلصين (٥) قراءتان فمن قرأ بالفتح(٦) فالمعنى أن الله تعالى أخلصهم واصطفاهم بفضله. والكسر (٧) هو أنهم أخلصوا الطاعة لله تعالى (٨). والرزق المعلوم قيل : بكرة وعشيّا لقوله : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [مريم : ٦٢] فيكون المراد منه معلوم الوقت وهو مقدار غدوة أو عشوة وإن لم يكن ثم بكرة ولا عشية. وقيل : ذلك الرزق معلوم الصفة أي مخصوصا بصفات من طيب طعم ولذة وحسن منظر. وقيل معناه أنهم يتيقنون دوامه لا كرزق الدنيا الذي لا يعلم متى يحصل ومتى ينقطع وقيل : معلوم القدر الذي يستحقونه بأعمالهم من ثواب الله وقد (بين (٩) أنه) تعالى يعطيهم غير ذلك تفضّلا (١٠).

قوله : «فواكه» يجوز أن يكون بدلا من «رزق» وأن يكون خبر ابتداء مضمر أي ذلك الرزق فواكه (١١) ، وفي الفواكه قولان :

أحدهما : أنها عبارة عما يؤكل للتلذذ لا للحاجة وأرزاق أهل الجنة كلها فواكه لأنهم مستغنون عن حفظ الصحّة بالأقوات فإن أجسامهم محكومة ومخلوقة للأبد فكل ما يأكلونه فهو على سبيل التلذذ.

والثاني : أن المقصود بذكر الفاكهة التنبيه بالأدنى على الأعلى ، لما كانت الفاكهة حاضرة أبدا كان المأكول للغذاء أولى بالحضور (١٢).

__________________

(١) في ب : لتطابق.

(٢) هذا معنى قول أبي حيان في البحر المرجع السابق. وانظر : الدر أيضا السابق.

(٣) الرازي ٢٦ / ١٣٥.

(٤) السمين ٤ / ٥٤٦.

(٥) يشير إلى الآية ٢٤ من يوسف و ٤٠ من الحجر.

(٦) وهم نافع وعاصم وحمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف ، والباقون بالكسر انظر : الإتحاف ٣٦٩.

(٧) في ب : بالكسر.

(٨) الرازي ٢٦ / ١٣٦.

(٩) بياض في ب ، وتكملة من أوفي الرازي بين الله تعالى.

(١٠) الرازي المرجع السابق.

(١١) قاله السمين في الدر ٤ / ٥٤٦ وأبو البقاء في التبيان ١٠٨٩ وقال ابن الأنباري في البيان بالأول ٢ / ٣٠٤.

(١٢) الرازي ٢٦ / ١٣٦ و ١٣٧.

٢٩٨

قوله : (وَهُمْ مُكْرَمُونَ) قرأ العامة مكرمون خفيفة الراء. و (ابن) (١) مقسم بتشديدها (٢). والمعنى وهم مكرّمون بثواب الله في جنات النعيم لما ذكر مأكولهم ذكر مسكنهم. وقوله (فِي جَنَّاتِ) يجوز أن يتعلق «بمكرمون» وأن يكون خيرا ثانيا وأن يكون حالا (٣).

قوله : (عَلى سُرُرٍ) العامة على ضم الراء. وأبو السّمّال بفتحها (٤). وهي لغة بعض كلب (٥) ، وتميم يفتحون عين «فعل» جمعا إذا كان اسما مضاعفا. وأما الصفة نحو : ذلل ففيها خلاف. والصحيح أنه لا يجوز لأنّ السماع ورد في الجوامد دون الصفات (٦). و (عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) حال ، ويجوز أن يتعلق (عَلى سُرُرٍ) بمتقابلين و «يطاف» صفة «لمكرمون» أو حال من الضمير في : «متقابلين» أو من الضمير في أحد الجارّين إذا جعلناه حالا (٧).

ومعنى متقابلين لا يرى بعضهم قفا بعض (٨) ، ولما ذكر المأكل والمسكن ذكر بعده صفة المشرب فقال : (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ). والكأس من الزجاج ما دام فيها شراب وإلا فهو قدح. وقد يطلق الكأس على الخمر نفسها وهو مجاز سائغ (٩) وأنشد :

٤١٩٣ ـ وكأس شربت على لذّة

وأخرى تداويت منها بها (١٠)

و (مِنْ مَعِينٍ) صفة «لكأس» (١١). والمعين معناه الخمر الجارية في الأنهار ، أي ظاهرة تراها العيون وتقدم الكلام في معين (١٢). وعن الأخفش : كل كأس في القرآن فهي

__________________

(١) تصحيح على النسختين ففيهما أبو. والصحيح ما أثبت أعلى ، محمد بن الحسين بن يعقوب بن الحسن بن الحسين بن مقسم أبو بكر البغدادي الإمام المقرىء النحوي أخذ عن إدريس بن عبد الكريم وداود بن سليمان روى عنه ابن مهران وغيره. مات سنة ٣٥٤ ه‍ ، الغاية ٢ / ١٢٣ : ١٢٥.

(٢) نقلها أبو حيان في بحره ٧ / ٣٥٩ وكذلك صاحب التبيان ١٠٨٩ ولكن بدون عزو.

(٣) ذكر الأوجه الثلاثة العكبري في تبيانه ١٠٨٩ كما ذكرها صاحب الدر ٤ / ٥٤٧.

(٤) ذكرها أبو حيان والسمين المرجعان السابقان.

(٥) البحر المرجع السابق.

(٦) المرجعان السابقان. وانظر المجاز لأبي عبيدة ٢ / ١٦٩ وشرح الشافية للإمام الرضي ٢ / ١٣١ و ١٣٢.

(٧) ذكر هذه الأوجه كلها أيضا العكبري في التبيان وزادها إيضاحا وكثرة السمين في الدر ٤ / ٥٤٧.

(٨) قاله أبو إسحاق الزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٠٣ وأبو حيان في البحر ٧ / ٣٥٨ والكشاف ٣ / ٣٤٠.

(٩) قاله الرازي ٢٦ / ١٣٧ والنحاس في الإعراب ٣ / ٤١٩ والزجاج في المعاني ٤ / ٣٠٣.

(١٠) البيت من المتقارب وهو للأعشى ميمون وقد ذكره الرازي في ٢٦ / ١٣٧ والبحر في ٧ / ٣٥٩ ، والبيضاوي ٢ / ٥٦ والزمخشري في ٣ / ٣٤٠ وشرح شواهده ٥٦١ وديوانه ٢٤ دار صادر بيروت.

(١١) قاله السمين ٤ / ٥٤٨.

(١٢) عند قوله : «وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ» ، [المؤمنون : ٥٠] وقال هناك المعين الماء الظاهر الجاري ولنا أن نجعل ميمها أصلية ونجعلها فعيلا من الماعون أو مفعولا من العيون وانظر : اللباب ميكروفيلم.

٢٩٩

الخمر (١) ، وقوله : (مِنْ مَعِينٍ) أي من شراب معين أو من نهر معين. المعين مأخوذ من عين الماء أي يخرج من العيون كما يخرج الماء ، وسمي (م) (٢) عينا لظهوره ، يقال : عان الماء إذا ظهر جاريا ، (قاله (٣) ثعلب) فهو مفعول من العين نحو : مبيع ومكيل ، وقيل : سمي معينا لأنه يجري ظاهر العين كما تقدم. ويجوز أن يكون فعيلا من المعين وهو الماء الشديد الجري ، ومنه أمعن في الجري إذا اشتد فيه (٤).

قوله : «بيضاء» صفة لكأس (٥). وقال أبو حيان : صفة «لكأس» أو «للخمر» (٦) ، قال شهاب الدين : لم يذكر الخمر اللهم إلا أن يعني بالمعين الخمر. وهو بعيد جدا. ويمكن أن يجاب بأن الكأس إنما سميت كأسا إذا كان فيها الخمر (٧).

وقرأ عبد الله : صفراء (٨) وهي مخالفة للسواد ، إلا أنه جاء وصفها بهذا اللون وأنشد لبعض المولدين :

٤١٩٤ ـ صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها

لو مسّها حجر مسّته سرّاء (٩)

و «لذة» صفة أيضا وصفت بالمصدر مبالغة كأنها نفس اللذة وعينها كما يقال : فلان جود وكرم إذا أرادوا المبالغة (١٠).

وقال الزجاج : أو على حذف المضاف أي ذات (١١) لذّة ، أو على تأنيث «لذّ» بمعنى لذيذ فيكون وصفا على «فعل» كصعب (١٢) يقال : لذّ الشّيء يلذّ لذّا فهو لذيذ ولذّ وأنشد :

٤١٩٥ ـ بحديثها اللّذّ الّذي لو كلّمت

أسد الفلاة به أتين سراعا (١٣)

__________________

(١) نقله عنه الرازي والكشاف المراجع السابقة.

(٢) الميم سقط من ب.

(٣) سقط من «ب» و «أ» أيضا فهو تصحيح من الرازي واللسان. وانظر : اللسان : «م ع ن» ٤٢٣٧ فقد نقل الهرويّ في فصل «عين» عن ثعلب أنه قال : عان الماء يعين إذا جرى ظاهرا. اللسان المرجع السابق.

(٤) اللسان والرازي السابقان.

(٥) التبيان ١٠٨٩ والسمين ٤ / ٥٤٨.

(٦) البحر ٧ / ٣٥٩.

(٧) الدر المصون ٤ / ٥٤٨.

(٨) وقد وافقه الحسن والضحاك وانظر المختصر لابن خالويه ١٢٨ ، وانظر : البحر المحيط ٧ / ٣٥٩ والدر المصون ٤ / ٥٤٨. وهي شاذة غير متواترة كما هو واضح.

(٩) من البسيط وهو لأبي نواس الحسن بن هانىء الشاعر الحكميّ. وأتى بالبيت حتى يدلنا على أن الصفراء صفة من صفات الخمر وأيدت تلك قراءة عبد الله بن مسعود. وانظر : الديوان ٦ ، والبحر المحيط ٧ / ٣٥٩ والدر المصون ٤ / ٥٤٨.

(١٠) نقله الرازي ٢٦ / ١٣٧ والسمين ٤ / ٥٤٨ والبحر المحيط ٧ / ٣٥٩ والكشاف ٣ / ٣٤٠.

(١١) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٠٣ وانظر أيضا إعراب النحاس ٣ / ٤١٩ وانظر أيضا المراجع السابقة.

(١٢) الكشاف والبحر والدر والرازي المراجع السابقة.

(١٣) من الكامل ، ولم أعثر على قائله وشاهده : أن اللذ مصدر للذّ. ويروي : بحديثك اللذ. على الخطاب.

يقول : إن سحر حديثها يجذب أي إنسان حتى ولو كان أسد الغاب وذلك مبالغة. وانظر : الدر المصون ٤ / ٤٥٨ والبحر ٧ / ٣٥٠ وفتح القدير ٤ / ٣٩٣.

٣٠٠