اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٦

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٦

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٧٤

فإنّهم قتلوا مؤمنا كان ينصحهم وأما الشهوة فلأنهم احتملوا العذاب الدائم بسبب استيفاء اللذات الخالية فإذن كانوا كالنار الموقدة لأنهم كانوا جبارين ومستكبرين كالنار ومن خلق منها (١). (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) ميّتون. قال المفسرون : أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة ثم صاح بهم صيحة واحدة فإذا هم خامدون ميتون.

قوله : (يا حَسْرَةً) العامة على نصبها. وفيه (٢) وجهان :

أحدهما : أنها منصوبة على المصدر والمنادى محذوف تقديره يا هؤلاء تحسّروا حسرة (٣).

والثاني : أنها منونة لأنها منادى منكر فنصبت على أصلها (٤) كقوله :

٤١٧٧ ـ فيا راكبا إمّا عرضت فبلّغا

نداماي من نجران أن لا تلاقيا (٥)

ومعنى النداء هنا على المجاز ، كأنه قيل : هذا أوانك فاحضري. وقرأ قتادة وأبيّ (٦) ـ في أحد وجهيه ـ يا حسرة بالضم (٧) جعلها مقبلا عليها وأبيّ أيضا وابن عباس وعلي بن الحسين (يا حَسْرَةً العبَادِ) بالإضافة فيجوز أن تكون الحسرة مصدرا مضافا لفاعله أي يتحسّرون على غيرهم لما يرون من عذابهم وأن يكون مضافا لمفعوله أي يتحسّر عليهم (من) (٩) غيرهم (١٠). وقرأ أبو الزناد (١١) وابن هرمز(١٢) وابن جندب (١٣)(يا حَسْرَةً) بالهاء

__________________

(١) انظر : الفخر الرازي المرجع السابق.

(٢) في «ب» وفيها.

(٣) قاله أبو البقاء في التبيان ١٠٨١ ونقلت في الدر المصون ٤ / ٥٠٧.

(٤) قال بذلك مكي في المشكل ٢ / ٢٢٤ والنحاس في الإعراب ٣ / ٣٩١ وأبو البقاء في التبيان ١٠٨١ ، والزمخشري في الكشاف ٢ / ٣٢٠ والسمين في الدر المصون ٤ / ٥٠٧ والزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٢٨٤ وابن الأنباري في البيان ٢ / ٢٩٤ ولكنه جعلها على النداء الشبيه بالمضاف ؛ والفراء في المعاني ٢ / ٣٧٥ ومجيزا فيه الرفع.

(٥) من بحر الطويل لعبد يغوث بن أبي وقاص من قصيدة قالها وهو في الأسر. والشاهد «يا راكبا» حيث نصب المنادى لأنه نكرة غير مقصودة لأنه لم يقصد راكبا بعينه كقول الأعمى : يا رجلا خذ بيدي.

ونجران مكان لقبيلة. وعرضت : بلغت العروض وهي مكة والمدينة وما حولها. وقد تقدم.

(٦) ابن كعب الصحابي الأنصاري سيّد القراء انظر : غاية النهاية ١ / ٣١.

(٧) من الشواذ غير المتواتر ، وانظر : مختصر ابن خالويه ١٢٥ ، والبحر المحيط ٧ / ٣٣٢ ، والدر المصون ٤ / ٥٠٨.

(٨) الكشاف ٣ / ٣٢١ والبحر ٧ / ٣٣٢ والمحتسب ٢ / ٢٠٨ ومختصر ابن خالويه ١٢٥ ومعاني الفراء ٢ / ٣٧٥ وهي من الشواذ.

(٩) زيادة من «أ» لا معنى لها.

(١٠) وانظر : المحتسب ٢ / ٢٠٨ والدر المصون ٤ / ٥٠٨.

(١١) هو ابن ذكوان وقد ترجم له.

(١٢) هو عبد الرحمن بن هرمز أحد البصريين الأوائل أبو داود المدني تابعيّ جليل. أخذ عن أبي هريرة وابن عباس. مات سنة ١١٧ ه‍. انظر : طبقات القراء ١ / ٣٨١.

(١٣) مسلم بن جندب أبو عبد الله الهذلي. مولاهم القاصّ تابعي مشهور. عرض على ابن عباس بن أبي ـ

٢٠١

(المهملة) (١) المبدلة من تاء التأنيث وصلا (٢) وكأنهم أجروا الوصل مجرى الوقف وله نظائر مرت (٣). وقال صاحب اللوامح (٤) وقفوا بالهاء مبالغة في التحسر لما في الهاء من التّاهة بمعنى التأوه ثم وصلوا على(٥) تلك الحال. وقرأ ابن عباس أيضا : يا حسرة بفتح التاء (٦) من غير تنوين ووجهها أن الأصل يا حسرتا فاجتزىء بالفتحة عن الألف كما اجتزىء بالكسرة عن الياء (٧) ومنه :

٤١٧٨ ـ ولست براجع ما فات منّي

بلهف ولا بليت ولا لو انّي (٨)

أي بلهفها (٩) بمعنى لهفي. وقرىء : يا حسرتا بالألف كالتي في الزمر (١٠). وهي شاهدة لقراءة ابن عباس وتكون التاء لله تعالى ، وذلك على سبيل المجاز دلالة على فرط هذه الحسرة وإلا فالله تعالى لا يوصف بذلك (١١). قوله : (ما يَأْتِيهِمْ) هذه الجملة لا محل لها لأنها مفسّره لسبب الحسرة عليهم (١٢). وهذا الضمير يجوز أن يكون عائدا إلى قوم حبيب أي ما يأتيهم من رسول من الرّسل الثلاثة. ويجوز أن يعود إلى الكفار المصرين (١٣). وقوله : (إِلَّا كانُوا) جملة حالية من مفعول «يأتيهم» (١٤).

__________________

ـ ربيعة عرض عليه نافع حدث عنه ابن ابنه وزيد بن أسلم وكان من وضحاء زمانه. مات سنة ١٣٠ ه‍ غاية النهاية ٢ / ٢٩٧.

(١) سقط من «ب».

(٢) من القراءة الشاذة نقلها ابن جني في المحتسب وابن خالويه في المختصر المرجعين السابقين وانظر : الكشاف ٣ / ٣٢١ والبحر ٧ / ٣٣٢.

(٣) كقوله تعالى : «لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ» الآية ١٥٦ آل عمران وكقوله : «يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها» الآية ٣١ من الأنعام.

(٤) أبو الفضل الرازي وسبق ترجمته.

(٥) البحر ٧ / ٣٣٢ والدر المصون ٤ / ٥٠٨.

(٦) المرجعان السابقان وانظر : المختصر ١٢٥.

(٧) البحر والدر المصون المرجعان السابقان.»

(٨) من الوافر ولم يعز فيما عثرت عليه من مراجع. وشاهده : حذف الألف من قوله : «لهف» اجتزاء بالفتحة عنها وهذه الألف منقلبة عن ياء المتكلم «لهفي» فقوله : «بالكسرة عن الياء» راجع إلى الأصل.

وانظر : المحتسب ١ / ٢٧٧ و ٣٢٣ والأمالي الشجرية ٢ / ٧٤ والإنصاف ٣٩٠ و ٤٤٩ و ٥٤٦ والتصريح ٢ / ١٧٧ والأشموني ٢ / ٢٨٢ و ٣ / ١٥٥ والخصائص ٣ / ١٣٥ ومعاني الأخفش ١ / ٦٥.

(٩) في «أ» بلهف.

(١٠) وهي قوله تعالى : «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ» ٥٦ من الزمر ولم يذكر في البحر من قرأ بها.

(١١) البحر المحيط السابق والدر المصون ٤ / ٥٠٩.

(١٢) التبيان ١٠٨١ والدر المصون ٤ / ٥٠٩.

(١٣) في «ب» والمغترين.

(١٤) الدر المصون ٤ / ٥٠٩.

٢٠٢

فصل

الألف واللام في العباد قيل : للعهد وهم الذين أخذتهم الصيحة فيا حسرة على أولئك. وقيل : لتعريف الجنس أي جنس الكفار المكذبين (١) وقيل : المراد بالعباد الرسل الثلاثة كأن الكافرين يقولون عند ظهور اليأس يا حسرة عليهم يا ليتهم كانوا حاضرين لنؤمن بهم ثانيا (٢) ، وهم قوم (حبيب) (٣). وفي التحسر وجوه :

الأول : لا متحسر (٤) أصلا في الحقيقة إذ المقصود بيان (أن) (٥) ذلك وقت طلب الحسرة حيث تحققت الندامة عن تحقق العذاب وههنا بحث لغوي وهو أن المفعول قد يرفض كثيرا إذا كان الغرض غير متعلق به يقال (٦) : فلان يعطي ويمنع ولا يكون هناك شيء معطى ولا شخص معطى ، إذ المقصود أن له المنع والإعطاء ، ورفض المفعول كثير وما نحن فيه رفض الفاعل وهو قليل. والوجه فيه أن ذكر التحسر (٧) غير مقصود وإنما المقصود أن الحسرة متحققة في خلال الوقت.

الثاني : أن القائل يا حسرة هو الله على الاستعارة تعظيما للأمر وتهويلا له وحينئذ يكون كالألفاظ التي وردت في حق الله كالضّحك والسّخرية والتعجب والتّمنّي. أو يقال ليس معنى قوله يا حسرة أو يا ندامة أن القائل متحسر أو نادم (٨) بل المعنى أنه مخبر عن الوقوع وقوع الندامة ولا يحتاج إلى التجوز في كونه تعالى قائلا يا حسرة بل تجريه على حقيقته إلا في النداء فإن النداء مجاز والمراد الإخبار.

الثالث : أن المتلهفين من المسلمين والملائكة لما حكى عن حبيب أنه حين القتل كان يقول اللهم اهد قومي وبعد ما قتلوه وأدخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون فيجوز أن يتحسر المسلم للكافر ويتندم له وعليه. وقوله : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) هذا سبب الندامة (٩).

فصل

قال الزهري الحسرة لا تدعى ، ودعاؤها تنبيه للمخاطبين ، وقيل العرب تقول : يا حسرتا ويا عجبا على طريق المبالغة. والنداء عندهم بمعنى التنبيه فكأنه يقول : أيها العجب هذا وقتك وأيتها الحسرة هذا أوانك وحقيقة المعنى أن هذا زمان الحسرة والتّعجّب (١٠).

__________________

(١) قالهما الرازي في تفسيره ٢٦ / ٦٢.

(٢) السابق ٢٦ / ٦٣.

(٣) سقط من (ب).

(٤) في (ب) تحسر.

(٥) سقط من (ب).

(٦) في «ب» فيقال.

(٧) في «ب» المتحسر.

(٨) في «ب» متحسّرا أو نادما. بالنصب.

(٩) وانظر هذا كله في تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٦ / ٦٣.

(١٠) انظر : معالم التنزيل للبغوي ٦ / ٧ و ٨.

٢٠٣

قوله : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا) لما بين حال الأولين قال للحاضرين : ألم يروا الباقون ما جرى على من (١) تقدم منهم. قوله : (كَمْ أَهْلَكْنا) كم هنا خبرية (٢) فهي مفعول «بأهلكنا» تقديره كثيرا من القرون أهلكنا وهي معلّقة (٣) «ليروا» ذهابا (٤) بالخبرية مذهب الاستفهامية ، وقيل : بل «يروا» علمية و «كم» استفهامية كما سيأتي بيانه (٥) و (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) فيه أوجه :

أحدها : أنه بدل من «كم» (٦) قال ابن عطية و «كم» هنا خبريّة و «أنهم» بدل منها ، والرؤية بصرية (٧) قال أبو حيان وهذا لا يصح لأنها إذا كانت خبرية (كانت) (٨) في موضع نصب «بأهلكنا» ولا يسوغ فيها إلا ذلك وإذا كانت كذلك امتنع أن يكون «أنهم» بدلا منها لأن البدل على نية تكرار العامل ولو سلطت «أهلكنا (هم)» (٩) على «أنهم» لم يصح ألا ترى أنك لو قلت : أهلكنا انتفى رجوعهم أو أهلكنا كونهم لا يرجعون لم يكن كلاما لكنّ ابن عطية توهم أن (يروا) مفعولة «كم» فتوهم أن قوله : (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) بدل منه لأنه لا يسوغ أن يسلط عليه فتقول : ألم يروا أنهم إليهم لا يرجعون. وهذا وأمثاله دليل على ضعفه في (علم) (١٠) العربية (١١). قال شهاب الدين: وهذا (١٢) الإنحاء عليه تحامل عليه لأنه لقائل أن يقول : كم قد جعلها خبرية والخبرية يجوز أن تكون معمولة لما قبلها عند قوم فيقولون : «ملكت كم عبد» (١٣) فلم يلزم الصدر (١٤) فيجوز أن يكون بناء هذا التوجيه على هذه اللغة وجعل «كم» منصوبة «بيروا» و «أنهم» بدل منها. وليس هو ضعيفا في العربية (١٥) حينئذ.

__________________

(١) في «ب» ألم ير. وفي الرازي : أي الباقون لا يرون ما جرى على من تقدمهم.

(٢) قاله السمين في الدر ٤ / ٥٠٩ وأبو البقاء في التبيان ١٠٨١ وابن الأنباري في البيان ٢ / ٢٩٤ والزجاج في معانيه ٤ / ٢٨٥ ومكي في المشكل ٢ / ٢٢٥ والنحاس في الإعراب ٣ / ٣٩٣ و ٣٩٢ والقرطبي ١٥ / ٢٤.

(٣) الكشاف ٣ / ٣٢١.

(٤) في «ب» إذهابا.

(٥) وهو قول الفراء في معانيه ٢ / ٣٧٦ وقد أجاز الوجه الأول أيضا انظر : المرجع السابق.

(٦) معاني الفراء ٢ / ٣٧٦ ومعاني الزجاج ٤ / ٢٨٥ والبيان ٢ / ٢٩٤ والمشكل ٢ / ٢٢٥ والتبيان ١٠٨١ والكشاف ٣ / ٣٢١.

(٧) البحر المحيط ٧ / ٣٣٣.

(٨) سقط من «ب».

(٩) زيادة من «ب» على البحر و «أ».

(١٠) زيادة من «أ».

(١١) وانظر : البحر المحيط ٧ / ٣٣٣ مع اختلاف يسير في الألفاظ.

(١٢) الدر المصون ٥١٠ / ٤.

(١٣) فتكون مفعولا به كما ارتأى ابن عطية. وهذا الموقف من السمين يجعلنا نحكم بأنه أيد رأي ابن عطية وخالف رأي أستاذه أبي حيان.

(١٤) في «ب» المصدر تحريف.

(١٥) الحقيقة أن «كم» بنوعيها الخبرية والاستفهامية تلزم الصدر وقد رأى ابن عصفور فيما نقله عنه ابن هشام في المغني في : «أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ» و «أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ» رأى ـ

٢٠٤

الثاني : أن «أنّهم» بدل من الجملة قبله. قال الزجاج (١) : وهو بدل من الجملة والمعنى ألم يروا أن القرون التي أهلكناها أنهم لا يرجعون لأن عدم الرجوع والهلاك بمعنى. قال أبو حيان وليس بشيء لأنه ليس بدلا صناعيا وإنما فسر المعنى ولم يلحظ صناعة النحو (٢) قال شهاب الدين : بل هو بدل صناعي لأن الجملة في قوة المفسر إذ هي سادة مسد مفعولي «يروا» فإنها معلقة لها كما تقدم (٣).

الثالث : قال الزمخشري : ألم يروا ألم يعلموا وهو (٤) معلّق عن العمل في «كم» لأن «كم» لا يعمل فيها عامل قبلها سواه كانت للاستفهام (أو للخبر (٥) ، لأن أصلها الاستفهام) إلا أنّ معناها نافذ في الجملة كما نفذ في قولك : (ألم يروا (٦)) إن زيدا لمنطلق و «أن» لم يعمل في لفظه و (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) بدل من (كَمْ أَهْلَكْنا) على المعنى لا على اللفظ تقديره : ألم يروا كثرة إهلاكنا القرون من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم.

قال أبو حيان قوله «لأن كم (٧) لا يعمل فيها ما قبلها كانت للاستفهام أو للخبر» ليس على إطلاقه لأن إذا كان حرف جر أو اسما مضافا جاز أن يعمل فيها نحو : على كم جذع بيتك؟ وأين كم رئيس صحبت؟ كم فقير تصدّقت أرجو الثواب؟ وأين كم شهيد في سبيل الله أحسنت إليه. وقوله أو الخبرية (٨) الخبرية فيها لغة الفصيحة كما ذكر لا يتقدمها عامل إلا ما ذكرنا من الجار ، واللغة الأخرى حكاها الأخفش (٩) يقولون : ملكت كم غلام أي ملكت كثيرا من الغلمان فكما يجوز تقدم العامل على «كثيرا» (١٠) كذلك يجوز على «كم» لأنها بمعناها ، وقوله : لأنها (١١) أصلها الاستفهام والخبرية ليس أصلها الاستفهام بل كل واحدة أصل (١٢) ولكنهما لفظان مشتركان بين الاستفهام والخبر وقوله : لأن معناها نافذ في الجملة يعني معني «يروا» نافذ في الجملة لأنه جعلها معلّقة وشرح «يروا»

__________________

ـ أن «كم» معمولة لما قبلها من الفعل وقوله : «إن ذلك على لغة رديئة حكاها الأخفش عن بعضهم أنه يقول : «ملكت كم عبيد» فيخرجها عن الصدر. خطأ عظيم إذ خرّج كلام الله على هذه اللغة. بتصرف من المغني ١٨٤ و ١٨٣.

(١) معاني الزجاج وإعرابه ٤ / ٢٨٥ وإعراب القرآن المنسوب له ٥٤٧ والبحر ٧ / ٣٣٣.

(٢) البحر ٧ / ٣٣٣.

(٣) الدر ٤ / ٥١٠.

(٤) في «ب» إذ هو.

(٥) ما بين القوسين ساقط من (ب) وهو في الكشاف.

(٦) سقط من «ب». وقاله في الكشاف ٣ / ٣٢١.

(٧) من المناقشات التي ناقش فيها الإمام أبو حيان الزمخشري انظر الكشاف ٣ / ٣٢١ والبحر ٧ / ٣٣٣.

(٨) الأصح : أو للخبر كما يقتضيه السياق والحوار.

(٩) المغني ١٨٤ كما سبق.

(١٠) في البحر «كثير».

(١١) في «ب» لأنه.

(١٢) وفيها أصلها وهما يخالفان البحر.

٢٠٥

بيعملوا ، وقوله : كما نفذ في قولك : «ألم يروا إنّ زيدا لمنطلق» يعني أنه لو كان معمولا من حيث اللفظ لامتنع دخول اللام ولفتحت «أن» فإن «إن» التي في خبرها اللام من الأدوات المعلقة لأفعال القلوب ، وقوله : (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ) إلى آخر كلامه لا يصح أن يكون بدلا على اللفظ ولا على المعنى أما على اللفظ فإن زعم أن «يروا» معلقة فتكون كم استفهامية فهي معمولة «لأهلكنا» و «أهلكنا» لا يتسلط على (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) كما تقدم. وأما على المعنى فلا يصح أيضا لأنه قال تقديره : أي على (هذا) (١) المعنى ألم يروا كثرة إهلاكنا القرون من قبلهم كونهم غير (٢) راجعين إليهم. فكونهم غير كذا ليس كثرة الإهلاك فلا يكون بدل كل من كل وليس بعض الإهلاك فلا يكون (بدل بعض (٣) من كل ولا يكون) بدل اشتمال لأن بدل الاشتمال يصح أن يضاف إلى ما أبدل منه وكذلك بدل بعض من كل وهذا لا يصح هنا لا نقول : ألم يروا انتفاء رجوع كثرة إهلاكنا القرون من قبلهم وفي بدل الاشتمال نحو : أعجبتني الجارية ملاحتها وسرق (٤) زيد ثوبه يصح أعجبتني ملاحة الجارية وسرق ثوب زيد.

الرابع : أن يكون أنهم بدلا من موضع «كم أهلكنا» والتقدير ألم يروا أنهم إليهم قاله أبو البقاء(٥) ورده أبو حيان بأن «كم أهلكنا» ليس بمعمول (٦) «ليروا». قال شهاب الدين : وقد تقدم أنها معمولة لها على معنى أنه معلقة (٧) لها.

الخامس : وهو قول الفراء : أن يكون «يروا» عاملا في الجملتين من غير (٨) إبدال ولم يبين كيفية العمل وقوله الجملتين يجوز لأن «أنهم» ليس بجملة لتأويله بالمفرد إلا أنه مشتمل على مسند ومسند إليه.

السادس : (أن) (٩) «أنّهم» معمول لفعل محذوف دل عليه السّياق والمعنى تقديره : قضينا وحكمنا أنّهم إليهم لا يرجعون ويدل على صحة هذا قول (١٠) ابن عباس والحسن إنّهم بكسر الهمزة على الاستئناف (١١) والاستئناف قطع لهذه الجملة عما قبلها. فهما

__________________

(١) سقط من (ب).

(٢) وانظر : البحر ٧ / ٣٣٣.

(٣) ما بين القوسين سقط من «ب».

(٤) التصحيح من «ب» والبحر المحيط وفي «أ» شرق.

(٥) التبيان ١٠٨١.

(٦) البحر المحيط ٧ / ٣٣٣ بالمعنى.

(٧) الدر المصون ٤ / ٥١١.

(٨) قال في المعاني ٢ / ٣٧٦ : «وكم في موضع نصب من مكانين : أحدهما : أن توقع «يروا» على «كم» وهي قراءة عبد الله أو لم يروا من أهلكنا. فهذا وجه والآخر أن توقع أهلكنا على كم وتجعله استفهاما كما تقول : علمت كم ضربك غلامك وقال : وقوله : «أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ» فتحت ألفها لأن المعنى ألم يروا أنهم إليهم لا يرجعون.

(٩) سقط من «ب».

(١٠) في «ب» قراءة وهو الأقرب. وهذا الرأي السادس قاله أبو حيان في البحر ٧ / ٣٣٤.

(١١) من الشواذ وانظر المعاني للفراء ٢ / ٣٧٦ ومختصر ابن خالويه ١٢٥ والتبيان ١٠٨١ والكشاف ٣ / ٣٢١.

٢٠٦

مقولان تكون معمولة لفعل محذوف يقتضي انقطاعها عما قبلها والضمير في «أنهم» عائد على معنى كم(١) ، وفي «إليهم» عائد على ما عاد عليه واو «يروا». (وقيل (٢) : بل الأول عائد على ما عاد عليه واو يروا) والثاني عائد على المهلكين (٣).

فصل

المعنى ألم يخبروا أهل مكة كم أهلكنا قبلهم من القرون والقرن أهل كلّ عصر سموا بذلك لاقترانهم في الوجود أنّهم إليهم لا يرجعون أي لا يعودون إلى الدنيا أفلا يعتبرون (٤). وقيل : لا يرجعون أي الباقون لا يرجعون إلى المهلكين بنسب (٥) ولا ولادة أي أهلكناهم وقطعنا نسلهم ولا شك أنّ الإهلاك الذي يكون مع قطع النّسل أتم وأعم. والأول أشه نقلا والثاني أظهر عقلا (٦).

قوله : (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ) تقدم في هود (٧) تشديد «لمّا» وتخفيفها والكلام في ذلك ، وقال ابن الخطيب في مناسبة وقوع «لما» المشددة موقع «إلا» : إن لما كأنّها حرفا نفي جمعا وهما : «لم» و «ما» فتأكد النفي وإلا كأنها حرفا نفي : «إن ولا» فاستعمل أحدهما مكان الآخر انتهى (٨). وهذا يجوز أن يكون أخذه من قول الفراء في إلا في الاستثناء إنها مركبة من «إن ولا» إلا أنّ الفراء جعل إن مخففة من الثقيلة وجعلها نافية (٩). وهو قول ركيك ردّه عليه النحويون (١٠). وقال الفراء أيضا إنّ لما هذه أصلها لمما فخففت بالحذف وتقدم هذا كله موضّحا.

__________________

(١) الدر المصون ٤ / ٥١٢.

(٢) ما بين القوسين سقط من «ب».

(٣) المرجع السابق.

(٤) انظر : زاد المسير ٧ / ١٥.

(٥) في «ب» بسبب تحريف.

(٦) نقله الإمام فخر الدين الرازي في التفسير الكبير ٢٦ / ٦٤.

(٧) عند قوله تعالى : «وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ» من الآية ١١١ وبين هناك أنّ نافعا وابن كثير وأبا عمرو والكسائي قرأوا بتشديد : «لما» والباقون بالتخفيف وشدد «إن» ابن عامر وحفص وحمزة وخفف «إن» نافع وابن كثير ، وشددها وحدها أبو عمرو والكسائي وقرأ الزهري وسليمان بن أرقم وأن كلّا لما بتنوين كل ولما بمعنى وإنّ كلّا ملمومين أي مجموعين. وقرأ أبي : وإن كلّ لما على أن إن نافية ولما بمعنى إلا. وكما قرىء : وإن كلّا تخفيف إن من الثقيلة ، ونست لأبيّ وإن كل لما بتخفيف الميم وفتح الكاف.

(٨) تفسيره ٢٦ / ٦٤ و ٦٥.

(٩) وهو أحد وجهيه في المعاني ٢ / ٣٧٧ في تشديد وتخفيف «لمّا» قال : والوجه الآخر من التثقيل أن يجعلوا «لما» بمنزلة إلا مع «إن» خاصة فتكون في مذهبها بمنزلة إنما إذا. وضمت في معنى إلا كأنها «لم» ضمت إليها «ما» فصارا جميعا استثناء وخرجتا من حدّ الجحد. ثم يقول: ونرى أن قول العرب «إلا» إنما جمعوا بين «إن» التي تكون جحدا ـ أي نفيا ـ وضموا إليها «لا» فصارا جميعا حرفا واحدا وخرجا من حد الجحد إذ جمعتا فصارتا حرفا واحدا.

(١٠) وجدت في المغني لابن هشام ٢٨٢ قولا بهذا المعنى ولم يعقب عليه ، قال : وأما قراءة أبي بكر بتخفيف «إن» وتشديد «لما» فتحتمل وجهين : ـ

٢٠٧

و «كل» مبتدأ و «جميع» خبره و «محضرون» خبر ثان لا يختلف ذلك سواء شددت «لما» أم خففتها (١) ، لا يقال : إن جميعا تأكيد لا خبر (لأن) (٢) «جميعها» هنا فعيل بمعنى مفعول أي مجموعون فكل يدل على الإحاطة والشمول وجميع يدل على الاجتماع فمعناها حمل على لفظها (٣) ، كما في قوله : (جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) [القمر : ٤٤] وقدم «جميع» في الموضعين لأجل الفواصل (٤) و «لدينا» متعلق «بمحضرون» (٥). فمن شدد (٦) «فلما» بمعنى إلا وإن نافية كما تقدم والتقدير : وما كلّ إلّا جميع (٧) ، ومن خفّف «فإن» مخففة (من الثقيلة) واللام فارقة وما مزيدة (٨). هذا قول البصريين (٩) والكوفيون يقولون : إنّ «إن» نافية واللام بمعنى (١٠) إلا كما تقدم مرارا.

فصل

لما بين الإهلاك (١١) بين أن من أهلكه ليس بتارك له بل بعده جمع وحبس وحساب وعقاب ولو أن من أهلك ترك لكان الموت راحة ونعم ما قال القائل :

٤١٧٩ ـ ولو أنّا إذا ما متنا تركنا

لكان الموت راحة كلّ حيّ

__________________

ـ أحدهما : أن تكون مخففة من الثقيلة ويأتي في «لما» تلك الأوجه.

والثاني : أن تكون إن نافية و «كل» مفعول بإضمار أرى وما بمعنى إلا. وقد قال الفراء : «وأما من شدد لما فإنه ـ والله أعلم ـ أراد لمن ما ليوفينهم ـ هود آية ١١١ ـ فلما اجتمعت ثلاث ميمات حذفت واحدة فبقيت اثنتان» المعاني ٢ / ٢٩ ، وقال في تلك السورة : «وإن كلّ لمن ما جميع ثم حذفت إحدى الميمات لكثرتها». المعاني ٢ / ٣٧٧.

(١) قاله السمين في الدر ٤ / ٥١٣.

(٢) سقط من نسخة «ب».

(٣) هذا قول الزمخشري في الكشاف مع تغيير في بعض الكلم بالزيادة والتوضيح ٣٠٠ / ٣٢١.

(٤) البحر المحيط ٧ / ٣٣٤ والدر المصون ٤ / ٥١٣.

(٥) السابق.

(٦) التشديد لحفص وابن عامر وعاصم. وهي سبعية متواترة. الإتحاف ٣٦٤ والسبعة ٣٣٩ و ٣٤٠.

(٧) قاله ابن الأنباري في البيان ٢ / ٢٩٤ والنحاس في الإعراب ٣ / ٣٩٣ نقلا عن سيبويه ومكي في المشكل ٢ / ٢٢٥ وأبو البقاء في التبيان ٧١٦ والزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٢١ وأبو حيان في البحر ٧ / ٣٤.

(٨) فكل مبتدأ وجميع الخبر وانظر : المشكل ٢ / ٢٢٥ والإعراب ٤ / ٣٩٣ والبيان ٢ / ٢٩٤ والكشاف ٣ / والتبيان ٧١٦ والبحر ٧ / ٣٣٤.

(٩) انظر : المراجع السابقة.

(١٠) قال أبو إسحاق الزجاج في المعاني ٤ / ٢٨٦ : من قرأ بالتخفيف «لما» فما زائدة مؤكدة والمعنى إن كل لجميع لدينا محضرون ومعناه : وما كل إلا جميع لدينا. ويقرأ لما بالتشديد ومعنى ههنا إلا ، تقول : «سألتك لمّا فعلت». وقد نقلت رأي الفراء منذ قليل من المعاني ٢ / ٣٧٦ و ٣٧٧. وقد صرح الفراء في مكان آخر بأن اللام قد تكون بمعنى إلا فقال : ومعنى إن ضربت لزيدا كمعنى قولك : «ما ضربت إلّا زيدا». انظر : المعاني ٢ / ٣٩٥.

(١١) الرازي ٢٦ / ٦٥.

٢٠٨

ولكنّا إذا متنا بعثنا

ونسأل بعدها عن كلّ شيّ

قال الزمخشري : إن قال قائل (١) : «كل وجميع» بمعنى واحد فكيف جعل جميعا خبرا ل «كلّ» حيث أدخل اللام عليه إذ التقدير وإن كل لجميع؟ نقول معنى «جميع» مجموع ومعنى «كل» أي كل فرد مجموع مع الآخر مضموم إليه ويمكن أن يقال : «محضرون» يعني (٢) كما (٣) ذكره وذلك لأنه لو قال : وإن جميع لجميع محضرون لكان كلاما صحيحا. قال ابن الخطيب : ولم يوجد ما ذكره من الجواب بل الصحيح أنّ محضرون كالصفة للجمع فكأنه قال جميع جميع (٤) محضرون كما نقول : الرجل رجل عالم والنبيّ نبيّ مرسل. والواو في (وَإِنْ كُلٌّ) يعطف على الحكاية كأنه يقول : بيّنت لك ما ذكرت وأبين أن كلّا لدينا محضرون (٥).

قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٣٥) سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ)(٣٦)

قوله : «وآية» خبر مقدم و «لهم» صفتها أو متعلقة «بآية» ؛ لأنها (بمعنى) (٦) علامة. و «الأرض» مبتدأ (٧). وتقدم تخفيف «الميتة» وتشديدها (٨) في أول (آل) (٩) عمران (١٠).

ومنع أبو حيان أن يكون «لهم» صفة لآية ولم يبين (١١) وجهه ولا وجه له وأعرب أبو البقاء «آية» مبتدأ و «لهم» الخبر و «الأرض الميتة» مبتدأ وصفته و «أحييناها» خبره ، والجملة مفسرة «لآية» (١٢).

__________________

(١) الكشاف ٣ / ٣٢١.

(٢) في «ب» يغني.

(٣) في «ب» عما ذكره.

(٤) كذا هنا جمع جميع وفي الرازي : جميع جميع.

(٥) السابق.

(٦) سقط من «ب».

(٧) مشكل إعراب القرآن لمكي ٢ / ٢٢٦ وإعراب النحاس ٣ / ٣٩٣ والتبيان ١٠٨٢. وما ذكره أعلى من كون «آية» خبرا مقدما والأرض مبتدأ مؤخرا هو قول أبي حيان في البحر ٧ / ٣٣٤ والسمين في الدر ٤ / ٥١٤.

(٨) فقد شدد أبو جعفر ونافع وخفف الباقون. السبعة ٢٠٣ والإتحاف ٣٦٤.

(٩) سقطت من «ب».

(١٠) عند قوله : «وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ». وقال هناك إنها بمعنى المشدد والمخفف وظن البعض أنّ المخفف يطلق على من مات والمشدد يطلق عليه وعلى من لم يمت.

انظر : اللباب ١ / ٣٥٠ ب.

(١١) البحر المحيط ٧ / ٣٣٤.

(١٢) التبيان ١٠٨٢.

٢٠٩

وبهذا بدأ ثم قال (١) : وقيل ؛ فذكر الوجه الأول وكذلك حكى مكّيّ أعني أن تكون «آية» ابتداء (٢) و «لهم» الخبر وجوز مكي أيضا أن تكون «آية» مبتدأ (٣) و «الأرض» خبره وهذا ينبغي أن لا يجوز ؛ لأنه لا يترك المعرفة من الابتداء بها ويبتدأ بالنّكرة إلّا في مواضع للضّرورة (٤).

قوله : «أحييناها» تقدم أنه يجوز أن يكون خبر (٥) «الأرض» ويجوز أيضا أن يكون حالا من «الأرض» إذا جعلناها مبتدأ و «آية» خبر (٦) مقدم. وجوز الزمخشري في «أحييناها» وفي «نسلخ» أن يكونا صفتين للأرض والليل وإن كانا معرفين بأل لأنه تعريف بأل الجنسيّة فهما في قوة النكرة (٧) قال كقوله :

٤١٨٠ ـ ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني

 ..........(٨)

لأنه لم يقصد لئيما بعينه ، ورده أبو حيان بأن فيه هدما للقواعد من أنّه لا تنعت

__________________

(١) المرجع السابق.

(٢) في «ب» مبتدأ.

(٣) قاله في مشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٢٦.

(٤) بشرط أن تفيد وتحصل الفائدة بأحد أمور ذكرها ابن مالك في ستة أشياء وأوصلها غيره إلى نيف وثلاثين موضعا وأكثر من ذلك ، فمن هذه المواضع أن يتقدم الخبر عليها وهو ظرف أو جار مجرور نحو : في الدار وأن يتقدم عليها نفي نحو : ما خلّ لنا وأن توصف مثل : رجل من الكرام عندنا ، وأن تكون عاملة نحو : رغبة في الخير خير ، وأن تكون مضافة نحو : عمل برّ يزين. وقد جمعها ابن مالك في قوله :

ولا يجوز الابتداء بالنّكره

ما لم تفد كعند زيد نمره

وهل فتى فيكم؟ فما خلّ لنا

ورجل من الكرام عندنا

ورغبة في الخير خير وعمل

بزّ يزين ، وليقس ما لم يقل

وهناك مواضع أخرى ، انظرها في شرح ابن عقيل على الألفية ٩٧ : ٩٩.

(٥) في قول أبي البقاء السابق.

(٦) ذكره الإمام أبو حيان في بحره ٧ / ٣٣٤ ونقله عنه السمين في الدر ٤ / ٥١٤.

(٧) الكشاف ٣ / ٣٢١ قال : «لأنه أريد بهما الجنسان مطلقين لا أرض وليل بأعيانهما فعوملا معاملة النّكرات في وصفهما بالأفعال.

(٨) صدر بيت من الكامل عجزه :

 ..........

فمضيت ثمّت قلت : لا يعنيني

لرجل من سلول ويعزى لعميرة بن جابر الحنفيّ. وشاهده «اللئيم يسبني» حيث جعل جملة «يسبني» وصفا للئيم وهو معرف بأل لأنه مقصود به الجنس فلم يقصد لئيما بعينه فساوى النكرة وهو وصف في المعنى حال على اللفظ. وانظر : الكشاف ٣ / ٣٢١ والكتاب ٣ / ٢٤ والخصائص ٣ / ٣٣٠ ودلائل الإعجاز ٢١٩ وابن الشجري ٢ / ٢٠٣ والمغني ١٠٢ وشرح شواهده للسيوطي ٣١٠ و ٨٤١ والتصريح ٢ / ١١١ والهمع ١ / ٩ و ٢ / ٤٠ والأشموني ١ / ١٨٠ و ٣ / ٦٠ و ٦٣ ومعاني الأخفش ١٣٩ والدر المصون ٤ / ٥١٤.

٢١٠

المعرفة بنكرة (١). قال : وقد تبعه ابن مالك (٢) ثم خرج أبو حيان الحمل على الحال أي الأرض محياة والليل منسلخا منه النهار واللئيم شاتما لي (٣) ، قال شهاب الدين : وقد اعتبر النحاة (٤) ذلك في مواضع فاعتبروا معنى المعرف بأل الجنسية دون لفظه فوصفوه بالنّكرة الصّريحة ، نحو : يا لرجل خير منك على أحد الأوجه. وقوله : (إِلَّا الَّذِينَ) [العصر : ٢] بعد (إِنَّ الْإِنْسانَ) [العصر : ٣] وقوله : (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا) [النور : ٣١] و «أهلك النّاس الدّينار الحمر والدّرهم البيض» (٥). كل هذا ما روعي فيه المعنى دون اللفظ ، وإن اختلف نوع المراعاة ، ويجوز أن يكون «أحييناها» استئنافا بين (٦) به كونها آية.

فصل

وجه التعلق بما قبله من وجهين :

أحدهما : أنه لما قال : (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ) كان ذلك (إشارة) (٧) إلى الحشر فذكر ما يدل على إمكانه قطعا لإنكارهم واستبعادهم وإصرارهم وعنادهم فقال : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها) كذلك يحيي الموتى (٨).

وثانيهما : أنه لما ذكر حال المرسلين وإهلاك المكذّبين وكان شغلهم التوحيد ذكر ما يدل عليه وبدأ بالأرض لكونها مكانهم لا مفارقة لهم منها عند الحركة (٩) والسكون.

فإن قيل : الأرض آية مطلقة فلم خصها بهم حيث قال : (وَآيَةٌ لَهُمُ)؟.

فالجواب : الآية تعدد وتردد (١٠) لمن لم يعرف الشيء بأبلغ الوجوه أما من عرف الشيء بطريق الرؤية لا يذكر له دليل فالنبي ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ وعباد الله المخلصين عرفوا الله قبل الأرض والسماء فليست الأرض معرفة لهم وهذا كما قال الله تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ) [فصلت : ٥٣] وقال : (أَوَلَمْ

__________________

(١) البحر ٧ / ٣٣٤ و ٣٣٥.

(٢) قال في التسهيل : «المنعوت به مفردا أو جملة كالموصول بها منعوتها نكرة أو معرف بأل الجنسية» وانظر : التسهيل ١٦٧.

(٣) بالمعنى من بحره ٧ / ٣٣٤ و ٣٣٥.

(٤) الدر المصون ٤ / ٥١٥.

(٥) فالذين في «العصر والنور» والحمر والبيض كلها صفات روعي فيها المعنى دون اللفظ.

(٦) البحر والدر المصون المرجعان السابقان والكشاف ٣ / ٣٢١ كما جعل الزمخشري : «نسلخ» استئنافا كذلك.

(٧) سقط من «ب».

(٨) ولذلك يقول الله : «إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ».

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٦ / ٦٥.

(١٠) في «ب» تسرّد. وهو موافق لما في «ب» وهو الأصح.

٢١١

يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت : ٥٣] يعني أنت كفاك الله معرفا به عرفت كل شيء فهو شهيد لك على كل شيء وأما هؤلاء نبين (١) لهم الحق بالآفاق والنفس وكذلك ها هنا الأرض آية لهم ، فإن قيل : إن قلنا الآية مذكورة للاستدلال على جواز إحياء الموتى فيكفي قوله : «أحييناها» ولا حاجة إلى قوله : (وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا) وغير ذلك وإن قلنا : إنه للاستدلال على وجود الإله ووحدانيته فلا فائدة في قوله : (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) فقوله : (الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها) كاف في التوحيد فما فائدة قوله : (وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا)؟ فالجواب : هي مذكورة للاستدلال عليها ولكلّ ما ذكره الله تعالى فائدة أما فائدة قوله : (وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا) فهو بالنسبة إلى بيان إحياء الموتى لأنه لما أحيا الأرض وأخرج منها حبا كان ذلك إحياء تامّا لأن الأرض المخضرّة التي (٢) لا تنبت الزرع ولا تخرج الحبّ دون ما تنبته الحياة ، فكأنه تعالى قال : الذي أحيا الأرض إحياء كاملا منبتا للزّرع يحيي الموتى إحياء كاملا بحيث يدري الأمور وأما بالنسبة إلى التوحيد فلأن فيه تقرير النعمة ، كأنه يقول : آية لهم الأرض فإنها مكانهم ومهدهم الذي فيه تحريكهم وإسكانهم والأمر الضروري الذي عنده وجودهم وإمكانهم وسواء كانت ميتة أو لم تكن فهي مكان لهم لا بد لهم منها في نعمة ثم إحياؤها نعمة ثانية فإنها تصير أحسن (٣) وأنزه ثم إخراج الحبّ منها نعمة ثالثة فإن قوتهم تصير في مكانهم وكان يمكن أن يجعل رزقهم في السماء أو الهواء فلا يحصل لهم الوثوق ثم جعل الحياة منها نعمة رابعة لأن الأرض تنبت الحبّ في كل سنة والأشجار (٤) بحيث يوجد (٥) منها الثّمار فيكون بعد الحبّ وجودا ثم فجر منها العيون ليحصل لهم الاعتمال بالحصول ولو كان ماؤها من السماء لحصل ولكن لم يعلم أنها أين تغرس (٦) وأين (يقع) (٧) المطر.

فصل

المعنى «أحييناها» بالمطر (وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا) يعني الحنطة والشعير وما أشبههما (فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) أي من الحب (وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ) بساتين (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها) في الأرض (مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) الحاصل بالماء (٨).

قوله : (وَفَجَّرْنا) العامة على التشديد تكثيرا لأنها (٩) مخففة متعدّية ، وقرأ جناح بن

__________________

(١) في «ب» والفخر : تبين.

(٢) في (ب) السقي. وما في الفخر موافق لما هنا في «أ».

(٣) وانظر : تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٦ / ٦٨ و ٦٩.

(٤) في الرازي : وأما الأشجار.

(٥) وفيه : تؤخذ منها الثمار.

(٦) كذا هي هنا وفي الرازي وفي «ب» : الغرس.

(٧) سقط من «ب». وانظر : الرازي ٢٦ / ٦٦.

(٨) وانظر هذه التفسيرات في القرطبي ١٥ / ٢٥.

(٩) أي «فجر».

٢١٢

حبيش بالتخفيف (١) ، والمفعول محذوف على كلتا القراءتين أي ينبوعا كما في آية : (سُبْحانَ)(٢).

قوله : (مِنْ ثَمَرِهِ) قيل : الضمير عائد على النخيل ؛ لأنه أقرب مذكور وكان من حق الضمير أن يثنى (٣) على هذا لتقدم (٤) شيئين وهما الأعناب والنّخيل إلا أنه اكتفى بذكر أحدهما ، وقيل يعود (٥) على جنات وعاد بلفظ (٦) المفرد ذهابا بالضمير مذهب اسم الإشارة (٧) كقول رؤبة :

٤١٨١ ـ فيها خطوط من سواد وبلق

كأنّه في الجلد توليع البهق (٨)

فقيل له (٩) ، فقال : أردت كأن ذاك وتلك ، وقيل : عائد على الماء المدلول عليه بعيون (١٠). وقيل : بل عاد عليه لأنه مقدر أي من العيون. ويجوز أن يعود على العيون. ويعتذر عن إفراده بما تقدم في عوده على جنات ، ويجوز أن يعود على الأعناب والنخيل معا ويعتذر عنه بما تقدم (١١) أيضا. وقال الزمخشري وأصله من «ثمرنا» لقوله (١٢) : (وَفَجَّرْنا) و «أيدينا» (١٣) فنقل الكلام من التكلم إلى الغيبة على طريق الالتفات (١٤). والمعنى ليأكلوا مما خلقه الله من الثمر. فعلى هذا يكون الضمير عائدا على الله تعالى ولذلك فسر معناه بما ذكر (١٥) ، وتقدمت هذه القراءات في هذه اللفظ في سورة (١٦) الأنعام.

__________________

(١) ذكرها ابن خالويه في المختصر ١٢٥ وهي من الشواذ ، كما ذكرها الزّمخشريّ في كشافه بدون نسبة.

الكشاف ٣ / ٣٢١.

(٢) يشير إلى الآية ٩٠ من سورة الإسراء : حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً فينبوعا في الإسراء مفعول «لتفجر» المضارع الثلاثي.

(٣) في «ب» ينبني.

(٤) وفيها : التقدير بشيئين.

(٥) ذكر هذين الرأيين أبو حيان في البحر ٧ / ٣٣٥ والسمين في الدر ٤ / ٥١٥ والزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٢٢ وجعلها القرطبي عائدا على ماء العيون. القرطبي ٤٥ / ٢٤.

(٦) في «ب» لفظ.

(٧) المراجع السابقة.

(٨) من الرجز والبلق سواد وبياض في الجلد. والفعل منه بلق كفرح. والتّوليع استطالة البلق. وشاهده : وضع اسم الإشارة موضع الضمير. وقد نوقش رؤبة في هذا فقال : أردت كأن ذاك وقد تقدم.

(٩) في البحر المحيط : «كيف قلت : كأنه والذي تقدم خطوط فقال : أردت الخ ...» البحر ٧ / ٣٣٥ وثبت عن أبي عبيدة : فقلت لرؤبة : إن كانت خطوطا فقل : كأنها وإن كان سواد وبلق فقل : كأنهما. فقال :

كأن ذاك ويلك توليع البهق. اللسان : «ول ع» ٤٩١٧.

(١٠) نقله القرطبي ١٥ / ٢٥.

(١١) وانظر هذه الأقوال كلها في الدر المصون ٤ / ٥١٦.

(١٢) كذا هو الأصح من «ب» وما في «أ» كقوله.

(١٣) كذا في النسختين وما في الكشاف : «وجعلنا» بدلا من «أيدينا».

(١٤) الكشاف ٣ / ٣٢٢.

(١٥) قاله السمين في الدر المصون ٤ / ٥١٦.

(١٦) يشير إلى قوله : «كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ» الآية ١٤١. وقراءة حمزة والكسائي ـ

٢١٣

قوله : «وما عملت أيديهم» في «ما» هذه أربعة أوجه :

أحدها : أنها موصولة (١) أي ومن الذي عملته أيديهم من الغرس والمعالجة. وفيه تجوز (٢) على هذا.

والثاني : أنها نافية (٣) أي لم يعلموه هم بل الفاعل له هو الله سبحانه وتعالى ، أي وجدوها معمولة ولا صنع لهم فيها. وهو قول الضحاك ومقاتل. وقيل : أراد العيون والأنهار التي لم تعملها يد (٤) خلق مثل الدّجلة والفرات والنيل ونحوها. وقرأ الأخوان وأبو بكر بحذف الهاء (٥). والباقون : وما عملته بإثباتها. فإن كانت «ما» موصولة فعلى قراءة الأخوين وأبي بكر حذف العائد كما حذف في قوله : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) [الفرقان : ٤١] بالإجماع وعلى قراءة غيرهم جيء به على الأصل ، وإن كانت نافية فعلى قراءة الأخوين وأبي بكر لا ضمير مقدر ولكن المفعول محذوف أي ما عملت أيديهم شيئا من (٦) ذلك وعلى قراءة غيرهم الضمير يعود على «ثمره» وهي مرسومة بالهاء في غير مصاحف الكوفة وبحذفها فيما (٧) عداها ، فالأخوان (٨) وأبو بكر وافقوا مصاحفهم والباقون غير حفص وافقو (ها) (٩) أيضا وحفص خالف مصحفه وهذا يدل على أن القراءة متلقاة من أفواه الرجال فيكون عاصم قد أقرأها لأبي (بكر) (١٠) بالهاء ولحفص بدونها.

الثالث : أنها (١١) نكرة موصوفة (١٢) والكلام فيها كالكلام (١٣) في الموصولة.

والرابع : أنها مصدرية أي ومن عمل (١٤) أيديهم والمصدر واقع موقع المفعول

__________________

ـ وآخرين بضم الثاء «ثمره» والميم أيضا والباقون بالفتح. الإتحاف ٣٦٥ و ٢١٩ والكشاف ٣ / ٣٢١.

(١) قيلت في : «معاني القرآن وإعرابه» ٤ / ٢٨٦ ومعاني الفراء ٢ / ٣٧٧ والإعراب للنحاس ٣ / ٣٩٤ ومشكل الإعراب ٢ / ٢٢٦ والبيان للأنباري ٢ / ٢٩٥ والتبيان ١٠٨٢ والدر المصون ٤ / ٥١٦ والكشاف ٣ / ٣٢٢ والبحر ٧ / ٣٣٥.

(٢) يقصد المجاز المرسل الذي علاقته اعتبار ما سيكون كقوله : «إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً».

(٣) الكشاف والتبيان وبقية المراجع السابقة وانظر : القرطبي ١٥ / ٢٥.

(٤) في «ب» يدخلونها. تحريف.

(٥) زاد المسير ٧ / ١٦ والقرطبي ١٥ / ٢٥ والسبعة ٥٤٠ والإتحاف ٣٦٥ ومعاني الفراء ٢ / ٣٧٧.

(٦) ولم يرجّح ابن الأنباري هذا الوجه قال : «أن تكون نافية في قراءة من قرأ : «عملت» بغير هاء. والوجه الأول ـ يقصد الموصول ـ أوجه الوجهين ؛ لأنها إذا كانت نافية افتقرت إلى تقدير مفعول لعملت».

انظر : البيان ٢ / ٢٩٥.

(٧) قاله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٢٢.

(٨) في «ب» لأن الأخوان. بتحريف نحويّ.

(٩) لفظ «ها» سقط من «ب».

(١٠) سقط من «ب» عجز المضاف إليه. وانظر : الدر المصون ٤ / ٥١٧.

(١١) في «ب» أنهما تحريف.

(١٢) التبيان لأبي البقاء ١٠٨٢ والسمين ٤ / ٥١٧.

(١٣) في كونهما في موضع جر عطفا على ثمره ويجوز أن يكون نصبا على موضع من ثمره.

(١٤) في «ب» أي وما عملت خطأ.

٢١٤

به فيعود المعنى إلى معنى الموصولة (١) أو الموصوفة.

فصل

إذا قلنا : «ما» موصولة يحتمل أن يكون المعنى وما عملته أيديهم بالتّجارة كأنه ذكر نوعي ما يأكل الإنسان وهما الزراعة والتجارة (أ) و (٢) من النبات ما يؤكل من غير عمل الأيدي كالعنب والتّمر وغيرهما ومنه ما يعمل فيه عمل فيؤكل كالأشياء التي لا تؤكل إلا مطبوخة أو كالزيتون الذي لا يؤكل إلا بعد إصلاح (٣) ثم لما عدد النعم أشار إلى الشكر بقوله : (أَفَلا يَشْكُرُونَ) وذكر بصيغة الاستفهام لما تقدم في فوائد الاستفهام (٤). قوله : (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) أي الأصناف و «سبحان» علم دال على التسبيح تقديره : سبّح تسبيح الّذي خلق الأزواج. ومعنى (سبح) (٥) نزّه. (و) (٦) وجه تعلق الآية بما قبلها هو أنه تعالى لما قال : (أَفَلا يَشْكُرُونَ) وشكر الله بالعبادة وهم تركوها وعبدوا غيره فقال : سبحان الذي خلق الأزواج كلها وغيره لم يخلق شيئا. أو يقال : لما بين أنهم أنكروا الآيات ولم يشكروا (بين) (٧) ما ينبغي عليه أن يكون عليه العامل (٨) فقال (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ) تنزّه عن أن يكون له شريك أو يكون عاجزا عن إحياء الموتى.

قوله : (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) من الثّمار والحبوب والمعادن ونحوها ، (وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ) يعني الذكور والإناث والدلائل النفسية (وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) يدخل فيه ما في أقطار السموات وتخوم الأرض.

قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨) وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)(٤٠)

قوله : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ) كقوله : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ) و «نسلخ» استعارة بديعة (٩) شبه انكشاف ظلمة الليل بكشط الجلد عن الشّاة لما استدل تعالى بأحوال الأرض وهو المكان

__________________

(١) ذكر هذا الوجه أبو حيان في البحر ٧ / ٣٣٥ ومن بعده السمين ٤ / ٥١٧.

(٢) بهمزة زيادة على الفخر الرازي وفي «ب» إذ من النبات.

(٣) انظر : الرازي ٢٦ / ٦٨.

(٤) لأن الغرض الانتفاع بما هو بين أيديهم والشكر من جهة التدبر فلما لم ينتفعوا قيل لهم ذلك.

(٥) سقط من «ب».

(٦) زيادة من «أ» عن «ب» أيضا.

(٧) سقط كذلك من «ب».

(٨) في «ب» العاقل.

(٩) ذكرها الزمخشري في كشافه ٣ / ٣٢٢ وأبو حيان في بحره ٧ / ٣٣٥ والسمين في دره المصون ٤ / ٥١٧.

٢١٥

الكلّيّ استدل بالليل والنهار وهو الزمان الكلّيّ ؛ فإن دلالة الزمان والمكان متناسبة (١) ؛ لأن المكان لا يستغني عنه الجواهر والزمان لا يستغني عنه الأعراض لأن كل عرض فهو في زمان.

فإن قيل : إذا كان المراد منه الاستدلال بالزمان فلم خصّ الدليل؟!.

فالجواب : أنه لما استدل بالمكان المظلم وهو الأرض استدل بالزّمان المظلم وهو الليل. ووجه آخر وهو أن اللّيل فيه سكون (الناس) (٢) وهدوء الأصوات وفيه النّوم وهو الموت الأصغر فيكون بعد طلوع الفجر كالنفخ في الصور فيتحرك الناس فذكر الموت كما قال في الأرض : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) وذكر من الزمان (٣) أشبههما (٤) بالموت كما ذكر في المكان (٥) أشبههما بالموت.

فإن قيل : الليل بنفسه آية فأيّ حاجة إلى قوله : (نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ)؟.

فالجواب : أن الشيء تتبين بضده منافعه ومحاسنه ولهذا لم يجعل الله الليل وحده آية في موضع من المواضع إلا وذكر آية النهار معها.

قوله : (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) أي داخلون في الظلام كقوله : «مصبحين» (٦). و «إذا» للمفاجأة ؛ أي ليس لهم بعد ذلك أمر لا بد لهم من الدخول فيه.

قوله : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) يحتمل أن تكون الواو للعطف على «اللّيل» تقديره: (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ وَالشَّمْسُ تَجْرِي وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ) فهي كلها آية وقوله : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي) إشارة إلى سبب سلخ النهار فإنها تجري لمستقر لها بأمر الله فمغرب الشمس سالخ النّهار فذكر السبب بين صحة الدعوة ويحتمل أن يقال بأن قوله : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) إشارة إلى نعمة النهار بعد الليل كأنه تعالى لما قال : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) ذكر أن الشمس تجري فتطلع عند انقضاء الليل فيعود النهار لمنافعه (٧).

قال المفسرون : إن الأصل هي الظلمة والنهار داخل عليها فإذا غربت الشمس سلخ النهار من الليل فتظهر الظلمة (٨).

قوله : «لمستقر» قيل : في الكلام حذف مضاف تقديره تجري لمجرى (٩) مستقرّ لها

__________________

(١) في الرازي مناسبة وكلاهما قريبان وانظر : الفخر الرازي ٢٦ / ٦٨ و ٦٩ والبحر المحيط ٧ / ٣٣٥ وزاد المسير ٧ / ٢٦ و ١٧ والجامع لأحكام القرآن ١٥ / ٢٦.

(٢) سقط من نسخة «ب».

(٣) كذا في النسختين وفي الرازي : فذكر من الزّمانين بالتّثنية.

(٤) في «ب» أشبهه.

(٥) في الرازي : المكانين.

(٦) الآية ٦٦ من الحجر و ٨٣ منها و ١٣٧ من الصافات و ١٧ من القلم و ٢١ منها.

(٧) في «ب» بمنافعه وهو الموافق لما في الرازي.

(٨) وانظر هذا كله في تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٦ / ٧٠ و ٧١.

(٩) كذا هنا من «ب» وفي «أ» مجرى. وهذا الكلام نقله المؤلف عن أبي حيان الذي نقله عن أبي عبد الله الرازي. انظر : البحر ٧ / ٣٣٦ والدر المصون ٤ / ٥١٧.

٢١٦

وعلى هذا فاللام للعلة أي لأجل جري مستقر لها. والصحيح أنه (١) لا حذف وأن اللام بمعنى «إلى» (٢). ويدل على ذلك قراءة بعضهم «إلى مستقرّ» (٣). وقرأ عبد الله وابن عباس وعكرمة وزين العابدين(٤) وابنه الباقر (٥) والصّادق (٦) ابن الباقر : لا مستقرّ بلا النافية للجنس وبناء «مستقرّ» على الفتح و «لها» الخبر (٧). وابن عبلة لا مستقرّ بلا العاملة عمل ليس «فمستقر» اسمها و «لها» في محل نصب خبرها (٨) ، كقوله :

٤١٨٢ ـ تعزّ فلا شيء على الأرض باقيا

ولا وزر ممّا قضى الله واقيا (٩)

والمراد (بذلك) أنها لا تستقر في الدنيا بل هي دائمة الجريان وذلك إشارة إلى جريها المذكور.

فصل

قيل : المراد بالمستقر يوم القيامة فعندها تستقر ولا يبقى لها حركة (١٠). وقيل : تسير حتّى تنتهي إلى أبعد مغاربها فلا تتجاوزه ثم ترجع (١١). وقيل : الليل (١٢). وقيل : نهاية ارتفاعها (١٣) في الصيف ونهاية هبوطها في الشتاء. وروى أبو ذرّ قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لأبي ذر حين غربت الشمس : «تدري أين تذهب»؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : فإنها (١٤) تذهب حت تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل (منها) (١٥) وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها : ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها

__________________

(١) في «ب» أن لا حذف بدون ضمير.

(٢) المرجع الأخير السابق.

(٣) نقلها صاحب الكشاف في كشافه ٣ / ٣٢٢ بدون نسبة وكذلك أبو حيان في بحره ٧ / ٣٣٦ وانظر كذلك مختصر ابن خالويه ١٢٦. قال : «والشمس تجري إلى مستقرها» في بعض المصاحف.

(٤) علي بن الحسين بن علي عرض على أبيه الحسين وعرض عليه ابنه الحسين. غاية النهاية ١ / ٥٣٤.

(٥) محمد بن عليّ السابق أبو جعفر عرض على أبيه. توفي سنة ١١٨ ه‍. الغاية ٢ / ٢٠٢.

(٦) جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي عرض على آبائه. توفي سنة ١٤٨ ه‍. المرجع السابق ١ / ١٩٦ ـ ١٩٧.

(٧) الكشاف والبحر المرجعان السابقان. وانظر المحتسب ٢ / ٢١٢ وهي من الشواذّ وحسنها الفراء وقال : «من قال : لا مستقرّ لها أو لا مستقرّ لها فهما وجهان حسنان». المعاني ٢ / ٣٧٧.

(٨) المراجع السابقة.

(٩) من الطويل وهو مما جهل شاعره. والوزر الملجأ. والشاهد «فلا شيء» و «لا وزر» حيث أعمل لا عمل ليس في الموضعين. وقد تقدم.

(١٠) هذا قول مقاتل.

(١١) وهذا قول مجاهد. وانظر : زاد المسير ٧ / ١٧ و ١٨.

(١٢ و ١٣) قالهما الرازي ٢٦ / ٧١.

(١٤) كذا كما رواه التّرمذيّ وحسّنه فيما نقله عنه الإمام القرطبي في الجامع ١٥ / ٢٧ فإنها وفي «أ» إنها فالتصحيح من الحديث و «ب».

(١٥) سقط من «ب».

٢١٧

فذلك قوله : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ). وروى عمرو بن (١) دينار عن ابن عباس والشمس (تجري) (٢) لا مستقرّ لها أي لا قرار لها ولا وقوف وهي جارية أبدا.

قوله : «ذلك» إشارة إلى جري الشّمس أي ذلك الجري تقدير الله ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى المستقر أي ذلك المستقر تقدير الله العزيز الغالب والعليم الكامل العلم أي قادر على إجرائها على الوجه الأنفع وذلك من وجوه :

الأول : أن الشمس لو مرّت كل يوم على مسامتة (٣) واحدة لاحترقت (الأرض) (٤) التي تسامتها بمرورها عليها كل يوم وبقي الجمود مستوليا على الأماكن الأخر فقدر الله لها بعدا لتجمع (٥) الرطوبات في باطن الأرض والإسخان في زمان الشتاء ثم قدر قربها بتدريج ليخرج النبات والثمار من الأرض والشجر وينضج ويجفّ.

الثاني : قدر لها في كل يوم طلوعا وفي كل ليلة غروبا ، لئلا تكلّ القوى والأبصار بالسهر والتعب ولئلا يخرب العالم بترك العمارة (٦) بسبب الظلمة الدائمة.

الثالث : جعل سيرها أبطأ من سير القمر وأسرع من سير زحل لأنها كاملة النور فلو كانت بطيئة السير لدامت زمانا كثيرا في مسامتة شيء واحد فتحرقه ولو كانت سريعة السير لما حصل لها لبث بقدر ما ينضج (٧) من الثمار في بقعة واحدة (٨).

قوله : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ) قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو برفع «القمر». والباقون بنصبه (٩). فالرفع على الابتداء (١٠) والنصب بإضمار فعل على الاشتغال (١١). والوجهان مستويان لتقدم جملة ذات وجهين وهي قوله : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي). فإن راعيت صدرها

__________________

(١) هو قهرمان آل الزبير شعيب أبو يحيى البصريّ عن سالم وعن جعفر بن سليمان. انظر : خلاصة الكمال ٢٨٨.

(٢) سقط من «ب».

(٣) أي طريقة. وفي الرازي : تمرّ على مسامتة شيء لم تمر من أمسها على تلك المسامتة ولو قدر الله مرورها على مسامتة واحدة لاحترقت.

(٤) سقط من «ب».

(٥) في «أ» لتجتمع وما هنا في «ب» موافق للرّازي.

(٦) في «ب» العبادة.

(٧) في «ب» يتضح.

(٨) وانظر : تفسير الإمام الفخر ٢٦ / ٧٢.

(٩) من القراءات السبعية المتواترة وانظر : الكشف ٢ / ٢١٦ وحجة ابن خالويه ٢٩٨ والنشر ٢ / ٣٥٣ والسبعة ٥٤٠ والإتحاف ٣٦٥.

(١٠) ورجحه مكي في الكشف فقال «وحجة من رفع وهو الاختيار لأن عليه أهل الحرمين وأبا عمرو وأنه قطعه مما قبله وجعله مستأنفا فرفعه بالابتداء وقدرناه الخبر».

(١١) المرجعان السابقان وقد رجح الفراء الرفع أيضا فقال : «الرفع فيه أعجب إليّ من النصب». وانظر : النحاس ٤ / ٣٩٤ ومعاني الفراء ٢ / ٣٧٨ ومعاني الزجاج ٤ / ٢٨٧ والتبيان ١٠٨٢ والبيان ٢ / ٢٩٥ ومشكل الإعراب ٢ / ٢٢٦.

٢١٨

رفعت لتعطف جملة اسمية على مثلها وإن راعيت عجزها نصبت لتعطف فعلية على مثلها (١). وبهذه الآية يبطل (قول) (٢) الأخفش : إنه لا يجوز النصب (٣) في الاسم إلا إذا كان في جملة الاشتغال ضمير يعود على الاسم الذي تضمنته جملة ذات وجهين قال : لأن المعطوف على الخبر خبر فلا بد من ضمير يعود على المبتدأ فيجوز : «أزيد قام (٤) وعمرا أكرمته في داره» ولو لم يقل «في داره» لم يجز ووجه الردّ من هذه الآية أن أربعة (٥) من السبعة نصبوا وليس في جملة الاشتغال ضمير يعود على الشمس وقد أجمع على النصب في قوله تعالى : (وَالسَّماءَ رَفَعَها) [الرحمن : ٧] بعد قوله : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) [الرحمن : ٦].

قوله : «منازل» فيه أوجه :

أحدها : أنه مفعول ثان لأن «قدّرنا» بمعنى صيّرنا (٦).

الثاني : أنّه حال ولا بد من حذف مضاف قبل منازل تقديره : ذا منازل (٧) قال الزمخشري : لا بدّ من تقدير لفظ يتم به معنى الكلام ، لأن القمر لم يجعل نفسه منازل (٨).

الثالث : أنه ظرف أي قدرنا مسيره في منازل (٩). وتقدم نحوه أول يونس (١٠).

قوله : (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ) العامة على ضم العين والجيم. وفي وزنه وجهان :

أحدهما : أنه فعلول. فنونه أصلية وهذا هو المرجح (١١).

__________________

(١) الدر المصون ٤ / ٤١٨.

(٢) سقط من «ب».

(٣) نقل رأيه هذا ابن مالك في التسهيل ٨١ وقد وافق الأخفش صاحب المفصل وشارحه. انظر : شرح المفصل لابن يعيش ٢ / ٣٢ و ٣٣.

(٤) في «ب» وعمرو خطأ.

(٥) وهم : حمزة والكسائي وعاصم وابن عامر وهي القراءة المعهودة عندنا.

(٦) التبيان ١٠٨٣ والبيان ٢ / ٢٩٥ ومشكل الإعراب ٢ / ٢٢٦.

(٧) المشكل والبيان والتبيان السوابق.

(٨) الكشاف ٣ / ٣٢٣.

(٩) السابق.

(١٠) عند قوله : «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ» «الآية ٥». اللباب ٤ / ٢٠.

(١١) ووزن فعلول بضم الفاء واللام كثير في كلامهم جدا وقد ثبتت النون في الفعل الماضي فقالوا : عرجنه بالعصا ضربه وعرجنه : ضربه بالعرجون ، وعرجن الثوب : صوّر فيه صور العراجين وقال رؤبة :

في خدر ميّاس الدّمى معرجن

اللسان : «ع ر ج» ٢٨٧١ و ٢٨٧٢ وانظر : التبيان ١٠٨٣ وابن الأنباري ٢ / ٢٩٥.

وقد جوز أبو البقاء الوجهين الأصل والزيادة بينما اعترض ابن الأنباري فقال : «ولا يكون وزنه على فعلون ، لأنه ليس في كلامهم ما هو على فعلون. وقد زعم بعضهم أن وزنه على فعلون من الانعراج والنون زائدة كما قالوا : فرسن ووزنه فعلن من الفرس وليس في الكلام فعلن غيره».

٢١٩

والثاني : وهو قول الزجاج : أن نونه مزيدة ووزنه فعلون (١) مشتقا من الانعراج ، وهو الانعطاف وقرأ سليمان (٢) التّيميّ بكسر العين وفتح الجيم وهما لغتان كالبزيون والبزيون (٣). والعرجون عود العذق ما بين الشماريخ إلى منبته من النخلة (٤) وهو تشبيه بديع شبه به القمر في ثلاثة أشياء دقّته واستقواسه واصفراره لأن العذق الذي عليه الشماريخ إذا قدم وعتق دقّ وتقوّس واصفرّ (٥). والقديم ما تقادم عهده بحكم العادة ولا يشترط في جواز إطلاق لفظ القديم عليه مدة بعينها بل إنما يعتبر العادة حتى لا يقال لمدينة بنيت من سنة أو سنتين لبنائها قديم أو هي مدينة قديمة ويقال لبعض الأشياء : إنّه قديم وإن لم يكن له سنة (واحدة) ولهذا جاز أن يقال : بيت قديم وبناء قديم ولم يجز (أن يقال) (٦) في العالم : إنه قديم ؛ لأن القدم في البيت والبناء يثبت بحكم تقادم العهد ومرور السنين عليه وإطلاق القديم على العالم بتمادي الأزمنة عند من (لا) (٧) يعتقد أنه لا أول له ولا سابق عليه (٨).

قوله : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) أي لا يدخل على الليل قبل انقضائه ولا يدخل الليل على النهار قبل انقضائه (٩) وهو معنى قوله : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) أي يتعاقبان (١٠) بحساب معلوم لا يجيء أحدهما قبل وقته. وقيل : لا يدخل أحدهما في سلطان الآخر لا تطلع الشمس بالليل ولا (يطلع) (١١) القمر (١٢) بالنهار وله ضوء فإذا اجتمعا وأدرك كلّ (واحد) (١٣) منهما صاحبه قامت القيامة. وقيل : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) لا تجتمع معه في فلك واحد (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) أي لا يتصل ليل بليل لا يكون بينهما نهار فاصل.

فإن قيل : ما الفائدة في قوله تعالى : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) بصيغة الفعل وقوله : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ) بصيغة اسم الفاعل ولم يقل ولا الليل «سبق» (١٤) ولا قال : لا الشّمس مدركة للقمر؟.

__________________

(١) معاني القرآن وإعرابه له ٤ / ٢٨٨.

(٢) سليمان بن قتة وهي أمة التيمي البصري عرض على ابن عباس وعرض عليه الجحدريّ. انظر : طبقات القراء ١ / ٣١٤.

(٣) الديباج الرقيق أو السندس.

(٤) وانظر : مجاز القرآن ٢ / ١٦١ وغريب القرآن ٣٦٥ وفسراه بالإهان إهان العذق الذي في أعلاه العثاكيل و «عود الكباسة». وانظر : معاني الفراء ٢ / ٣٧٨ والرازي ٢٦ / ٧٢.

(٥) الكشاف ٣ / ٣٢٣.

(٦ و ٧) ساقطتان من «ب».

(٨) قاله الرّازيّ في المرجع السّابق.

(٩) معاني الفراء ٢ / ٣٧٨.

(١٠) في «ب» متعاقبان.

(١١) سقط من «ب».

(١٢) في «ب» في النهار.

(١٣) سقط من «ب».

(١٤) في «ب» يسبق بالمضارعة.

٢٢٠