اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٥

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٥

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦١٥

و «لعل» هنا على بابها. وقيل : للتعليل. ويؤيده قراءة عبد الله : «كي تخلدون» (١).

وقيل : للاستفهام ، قاله زيد بن عليّ ، وبه قال الكوفيون. وقيل : معناها التشبيه ، أي : كأنكم تخلدون. ويؤيده ما في حرف أبيّ : «كأنّكم تخلدون» بضم التاء مخففا ومشددا (٢). وقرىء : «كأنّكم خالدون» (٣) ولم يعلم من نص عليها أنها تكون للتشبيه. والمعنى : كأنكم تبقون فيها خالدين. قوله : (وَإِذا بَطَشْتُمْ) أي : وإذا (٤) أردتم ، وإنما احتجنا إلى تقدير الإرادة لئلا يتحد الشرط والجزاء (٥) ، و «جبّارين» حال. واعلم أن اتخاذ الأبنية العالية يدل على حب الدنيا ، واتخاذ المصانع يدل على حب البقاء ، والجبارية تدل على حب التفرد بالعلو ، وهذه صفات الإلهية وهي ممتنعة الحصول للعبد (٦) ولما ذكر هود (٧) هذه الأشياء قال : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) زيادة في دعائهم إلى الآخرة ، وزجرا لهم عن حب الدنيا والاشتغال بالسرف والتجبر ، ثم وصل هذا الوعظ بما يؤكد القبول بأن نبههم على نعم الله تعالى عليهم فقال : (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ) أي : أعطاكم من الخير ما تعلمون ، ثم فصل ذلك الإعطاء فقال](٨) : (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)(٩) أي : بساتين وأنهار ، (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ).

قال ابن عباس : «إن عصيتموني» (١٠) عذاب يوم عظيم.

قوله : (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ) فيه وجهان :

أحدهما : أن الجملة الثانية بيان للأولى وتفسير لها (١١).

والثاني : أن (١٢) «بأنعام» بدل من قوله : (بِما تَعْلَمُونَ) بإعادة العامل (١٣) ، كقوله : (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ (أَجْراً))(١٤)(١٥) [يس : ٢٠ ـ ٢١].

قال أبو حيان : والأكثرون لا يجعلون هذا بدلا وإنما يجعلونه تكريرا (١٦) ، وإنما يجعلون بدلا بإعادة العامل إذا كان حرف جر من غير إعادة متعلقه نحو : «مررت بزيد بأخيك» ولا يقولون : «مررت بزيد مررت بأخيك» على البدل (١٧).

قوله : (أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) معادل لقوله : (أَوَعَظْتَ). وإنما أتى بالمعادل كذا

__________________

ـ البصرية ١ / ١٢٦ ، البحر المحيط ٧ / ٣٣. وأتى به استئناسا لقراءة التشديد ، ويعني بالمخلد المنعم المرفه الذي يلبس الخلد ، وهو السّوار أو القرط. الأوجال : جمع وجل ، وهو الفزع.

(١) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٢.

(٢) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٢.

(٣) انظر القرطبي ١٣ / ١٢٤ ، البحر المحيط ٧ / ٣٢.

(٤) في ب : أي إذا.

(٥) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٣.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٥٧.

(٧) في ب : ولما جرد ذكر.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٥٧.

(١٠) انظر البغوي ٦ / ٢٣٠.

(١١) انظر التبيان ٢ / ٩٩٩.

(١٢) أن : سقط من ب.

(١٣) في ب : القليل. وهو تحريف.

(١٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٥) [يس : ٢٠ ، ٢١] ، وانظر البحر المحيط ٧ / ٣٣.

(١٦) قال أبو حيان : ويسمى التتبع.

(١٧) البحر المحيط ٧ / ٣٣.

٦١

دون قوله : «أم لم تعظ» لتواخي الفواصل (١). وأبدى له الزمخشري معنى فقال : وبينهما فرق ، لأن المعنى : سواء علينا أفعلت هذا الفعل الذي هو الوعظ أم لم تكن أصلا من أهله ومباشريه ، فهو أبلغ في قلة اعتدادهم بوعظه من قولك : «أم لم تعظ» (٢).

وقرأ العامة : «أوعظت» (٣) بإظهار الظاء قبل التاء. وروي عن أبي عمرو والكسائي وعاصم ، وبها قرأ الأعمش وابن محيصن بالإدغام (٤). وهي ضعيفة (٥) ، لأن الظاء أقوى ، ولا يدغم الأقوى في الأضعف ، على أنه قد جاء من هذا في القرآن العزيز أشياء متواترة يجب قبولها نحو : (زُحْزِحَ عَنِ)(٦) و (لَئِنْ بَسَطْتَ)(٧).

فصل

لما وعظهم ورغبهم وخوفهم أجابوه بقولهم : (سَواءٌ عَلَيْنا) أي : مستو عندنا أوعظت أم لم تكن من الواعظين أظهروا قلة اكتراثهم بكلامه (٨) ، ثم قالوا : (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ). قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بفتح الخاء وسكون اللام ، أي : اختلاق الأولين وكذبهم ، كقوله : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً)(٩) والباقون بضمتين (١٠). فقيل : معناهما : الاختلاق ، وهو الكذب. وكذا قرأ ابن مسعود (١١). وقيل : عادة الأولين من قبلنا حياة وموت هو (١٢) خلق الأولين وعادتهم (١٣). وروى الأصمعي عن نافع ، وبها قرأ أبو قلابة ضم الخاء وسكون اللام (١٤) ، وهي تخفيف المضمومة. ثم قالوا : (وَما نَحْنُ

__________________

(١) في النسختين : القوافي. والأدق ما أثبته.

(٢) الكشاف ٣ / ١٢٢.

(٣) في ب : وعظت.

(٤) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٣.

(٥) حكم أبو حيان على هذه القراءة بأنها خلاف الأفصح ، فإنه قال في معرض حديثه عنها : (وإن كان غيرها هو أفصح وأقيس) البحر المحيط ٧ / ٣٣ ، وسبيويه ذكر أن مثل هذا الإدغام جائز فإنه قال : (وكذلك الظاء لأنهما إذا كانا منفصلين ، يعني الظاء وبعدها التاء ، جاز البيان ، ويترك الإطباق على حاله إن أدغمت ، فلما صارا في حرف واحد ازداد ثقلا ، إذ كانا يستثقلان منفصلين ، فألزموها ما ألزموا الصاد والتاء ، فأبدلوا مكانها أشبه الحروف بالظاء وهي الطاء ليكون العمل من وجه واحد) الكتاب ٤ / ٤٦٨ ، وظاهر هذا أنها تنطق : أوعطّ. والفراء ذكر أنهم قد يحولون الظاء تاء في قوله : «أوعت أم لم تكن من الواعظين». معاني القرآن ٢ / ٢٨٩. وظاهر كلام الفراء أن مثل هذا لغة من لغات العرب.

(٦) من قوله تعالى : «فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ»[آل عمران : ١٨٥].

(٧) من قوله تعالى : «لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ»[المائدة : ٢٨].

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٥٧.

(٩) من قوله تعالى : «إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً»[العنكبوت : ١٧].

(١٠) السبعة (٤٧٢) ، الكشف ٢ / ١٥١ ، النشر ٢ / ٣٣٥ ـ ٣٣٦ ، الإتحاف (٣٣٣).

(١١) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٣ ـ ٣٤.

(١٢) في ب : وهو.

(١٣) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٤.

(١٤) المختصر (١٠٧) ، تفسير ابن عطية ١١ / ١٣٧ ، البحر المحيط ٧ / ٣٤.

٦٢

بِمُعَذَّبِينَ) أظهروا بذلك تقوية نفوسهم فيما تمسكوا به من إنكار المعاد ، فعند هذا بين الله تعالى أنه أهلكهم ، وقد سبق بيان كيفية الهلاك (١).

قوله تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (١٤١) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٤٢) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٤٣) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٤٤) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٤٥) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (١٤٦) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٤٧) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (١٤٨) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (١٤٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (١٥٢) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣) ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٥٤) قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (١٥٥) وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥٦) فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ (١٥٧) فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٥٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٥٩)

قوله تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ) تقدم نظيره (٢).

وقوله : (أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا) أي : أتظنون أنكم تتركون](٣) في دياركم «آمنين» وتطعمون في أنه لا دار [للمجازاة](٤)(٥).

وقوله : (فِي ما هاهُنا) أي : في (٦) الذي استقر في هذا المكان من النعيم ، ثم فسّره [بقوله: (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)](٧)(٨).

قوله : (فِي جَنَّاتٍ) بدل من (فِي ما هاهُنا)(٩) بإعادة العامل (١٠) ، فصّل بعدما أجمل كما في القصة قبلها (١١) ، و «ما» موصولة وظرف المكان (١٢) صلتها (١٣).

قوله : (وَنَخْلٍ) يجوز أن يكون من باب ذكر الخاص بعد العام ، لأن الجنات تشمل النخل. ويجوز (١٤) أن يكون تكريرا للشيء الواحد بلفظ آخر ، فإنهم يطلقون الجنة ولا يريدون إلا النخل (١٥) ، قال زهير :

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٥٨.

(٢) في فاتحة قصة نوح.

(٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٥٩.

(٥) ما بين القوسين في الأصل : للمحاجاة.

(٦) في : سقط من ب.

(٧) انظر الكشاف ٣ / ١٢٢ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٥٩.

(٨) ما بين القوسين تكملة من الكشاف والفخر الرازي.

(٩) في ب : فيما تفريعا.

(١٠) انظر التبيان ٢ / ٩٩٩ ، البحر المحيط ٧ / ٣٤.

(١١) أي : كما أجمل هود ـ عليه‌السلام ـ في قوله : «أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ» ثم فصّل في قوله : «أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ». انظر الكشاف ٣ / ١٢٢ ، البحر المحيط ٧ / ٣٤.

(١٢) في الأصل : العامل.

(١٣) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٤.

(١٤) ويجوز : سقط من ب.

(١٥) انظر الكشاف ٣ / ١٢٢ ، البحر المحيط ٧ / ٣٤.

٦٣

٣٩١٩ ـ كأنّ عينيّ في غربي مقتّلة

من النّواضح تسقي جنّة سحقا (١)

و «سحقا» : جمع سحوق ، ولا يوصف به إلا النخل. وقيل : المراد ب «الجنّات» غيرها من الشجر ، لأن اللفظ يصلح لذلك ، ثم يعطف عليها النخل (٢). والطلع الكفرى (٣) وهو : عنقود التمر قبل خروجه من الكم (٤). وقال الزمخشري : الطلع : هو الذي يطلع (٥) من النخلة كنصل السيف في جوفه شماريخ القنو (٦) والقنو : هو اسم للخارج من الجذع كما هو بعرجونه (٧) ، و «الهضيم» : قال ابن عباس : هو اللطيف (٨) ، ومنه قولهم : كشح (٩) هضيم. وروى عطية (١٠) عنه : يانع (١١). وقال عكرمة : اللين (١٢). وقيل : المتراكب. قال الضحاك ومقاتل : قد ركب بعضه بعضا حتى هضم بعضه بعضا ، أي : كسره (١٣).

وقال (١٤) أهل المعاني : هو المنضم بعضه إلى بعض في وعائه قبل أن يظهر (١٥). وقال (١٦) الأزهري : الهضيم (١٧) : هو الداخل بعضه في بعض من النضج والنعامة (١٨). وقيل : هضيم ، أي : هاضم يهضم الطعام ، وكل هذا للطافته (١٩).

قوله : (وَتَنْحِتُونَ). العامة على الخطاب وكسر الحاء. والحسن وعيسى وأبو حيوة بفتحها. وعن الحسن أيضا : «تنحاتون» بألف للإشباع. وعنه وعن أبي حيوة «ينحتون»

__________________

(١) البيت من بحر البسيط ، قاله زهير ، وهو في ديوانه (٣٧) ، الكشاف ٣ / ١٢٢ ، القرطبي ١٣ / ١٢٧ ، اللسان (سحق ، قتل) ، البحر المحيط ٧ / ٣٤ ، شرح شواهد الكشاف (٨٢). الغرب : الراوية التي يحمل عليها الماء ، أو دلو عظيم من مسك ثور. المقتلة : الناقة المذللة. النواضح : جمع ناضحة ، وهي الناقة التي يستقى عليها الماء. سحقا : جمع سحوق ، وهي النخلة الطويلة. وهو موطن الشاهد.

(٢) انظر الكشاف ٣ / ١٢٢ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٥٩.

(٣) في اللسان (كفر): (الكفر ، والكفرّى ، والكفرّى ، والكفرّى ، والكفرّى : وعاء طلع النخل ، وهو أيضا الكافور ، ويقال له : الكفرّى والجفرّى).

(٤) الكمّ كمّ الطّلع ، ولكل شجرة مثمرة كمّ ، وهو برعومته. اللسان (كمم).

(٥) في الكشاف : الطلعة هي التي تطلع.

(٦) القنو : العذق بما فيه من الرطب ، وجمعه أقناء وقنوان وقنيان. اللسان (قنا).

(٧) الكشاف ٣ / ١٢٢ ، العرجون : العذق عامة ، وقيل : هو العذق إذا يبس واعوج وقيل : هو أصل العذق الذي يعوج وتقطع منه الشماريخ. اللسان (عرجن).

(٨) انظر البغوي ٦ / ٢٣٢.

(٩) الكشح : ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف ، وهو من لدن السرة إلى المتن. اللسان (كشح).

(١٠) في النسختين : ابن عطية.

(١١) انظر البغوي ٦ / ٢٣٢.

(١٢) انظر البغوي ٦ / ٢٣٢.

(١٣) المرجع السابق.

(١٤) في ب : وقال هو.

(١٥) انظر البغوي ٦ / ٢٣٢ ، اللسان (هضم).

(١٦) في ب : قال.

(١٧) في ب : الهضم.

(١٨) التهذيب (هضم) ٦ / ١٠٥.

(١٩) انظر البغوي ٦ / ٢٣٢ ـ ٢٣٣.

٦٤

بالياء من تحت (١) ، وتقدم ذلك كله في الأعراف (٢).

قوله : «فارهين». قرأ الكوفيون (٣) وابن ذكوان : «فارهين» بالألف ، كما قرءوا : «حاذرون» (٤) بها. والباقون : «فرهين» بدون ألف (٥) ، كما قرءوا : «حذرون» بدونها(٦).

والفراهة : النشاط والقوة. وقيل : الحذق (٧) ، يقال دابة فاره ، ولا يقال : فارهة (٨) ، وقد فره يفره فراهة (٩) و «فارهين» حال من الناحتين (١٠).

فصل (١١)

من قرأ : «فرهين» قال ابن عباس : أشرين بطرين. وقال عكرمة : (ناعمين) (١٢). وقال مجاهد : شرهين. وقال قتادة : معجبين بصنيعكم. وقال السدي : متجبرين. وقال الأخفش : فرحين ، والعرب تعاقب بين الحاء والهاء مثل : مدحته ومدهته. وقال الضحاك : كيسين. (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ). قال ابن عباس : المشركين (١٣). وقال مقاتل : هم (١٤) التسعة الذين عقروا الناقة (١٥) (وهم الّذين) (١٦) يفسدون في الأرض (١٧) بالمعاصي (وَلا يُصْلِحُونَ) أي : ولا يطيعون الله فيما أمرهم به. فإن قيل : ما فائدة قوله : (وَلا يُصْلِحُونَ) مع قوله : (يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ)؟ فالجواب : أن فسادهم خالص ليس معه شيء من الصلاح كما يكون حال بعض المفسدين مخلوطة ببعض الصلاح (١٨). ثم إن القوم أجابوه بقولهم : (إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ). قال مجاهد

__________________

(١) المختصر (١٠٧) ، البحر المحيط ٧ / ٣٥.

(٢) عند قوله تعالى : «وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً» [٧٤]. وذكر هناك : وقرأ الحسن «ينحتون» بفتح الياء ، وزاد الزمخشري أنه قرأ «ينحاتون» بإشباع الفتحة ، وقرأ يحيى بن مصرف ، وأبو مالك بالياء من أسفل على الالتفات إلا أن أبا مالك فتح الحاء كقراءة الحسن. انظر الباب ٤ / ٦٤ ـ ٦٥.

(٣) وهم : عاصم ، وحمزة ، وابن عامر ، والكسائي.

(٤) في ب : حاذرين. [الشعراء : ٥٦].

(٥) السبعة (٤٧٢) ، الكشف ٢ / ١٥١ ، النشر ٢ / ٣٣٦ ، الإتحاف (٣٣٣).

(٦) تقدّم الكلام عليها.

(٧) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٨٢.

(٨) قال ابن منظور : (وفي حديث جريج : دابة فارهة ، أي : نشيطة حادة قوية) اللسان (فره) ، فنرى أنه جاء فيه التأنيث.

(٩) انظر اللسان (فره).

(١٠) انظر معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٩٦ ، البيان ٢ / ٢١٥ ، التبيان ٢ / ١٠٠٠.

(١١) ينظر هذا الفصل في معالم التنزيل للبغوي ٦ / ٢٣٣.

(١٢) ما بين القوسين في ب : ناعهن. وهو تحريف.

(١٣) انظر البغوي ٦ / ٢٣٣.

(١٤) هم : سقط من الأصل.

(١٥) انظر البغوي ٦ / ٢٣٣.

(١٦) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٧) في ب : في الأمر. وهو تحريف.

(١٨) انظر الكشاف ٣ / ١٢٣ ، الفخر الرازي ٦ / ٢٣٤.

٦٥

وقتادة : من المسحورين : من المخدوعين ، أي : ممن سحر مرة بعد مرة (١). وروى أبو صالح عن ابن عباس : أي : من المخلوقين المعللين بالطعام والشراب (٢). قال المؤرج : المسحّر : المخلوق بلغة بجيلة (٣) ، يريد : أنك تأكل الطعام والشراب ، أي : لست (٤) بملك ، بل أنت بشر مثلنا.

والمعنى : (مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) أي : ممن له سحر ، وكل دابة تأكل فهي سحرة ، والسحر : أعلى البطن (٥). وعن الفراء : المسحّر : من له جوف ، أراد : وإنك تأكل الطعام والشراب (٦)(ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) فكيف تكون نبيا؟ (فَأْتِ بِآيَةٍ) على صحة ما تقول (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أنك رسول الله إلينا. فقال صالح : (هذِهِ ناقَةٌ لَها (٧) شِرْبٌ) يجوز أن يكون الوصف وحده الجار والمجرور ، وهو قوله : (لَها شِرْبٌ)(٨) و «شرب» فاعل به لاعتماده (٩). ويجوز أن يكون (لَها شِرْبٌ) صفة ل «ناقة».

وقرأ ابن أبي عبلة : «شرب» بالضم فيهما (١٠). والشّرب ـ بالكسر ـ النصيب من الماء كالسّقي ، وبالضم (١١) : المصدر (١٢).

فصل

روي أنهم قالوا : نريد ناقة عشراء تخرج من الصخرة فتلد سقبا (١٣). فتفكر صالح ، فقال له جبريل ـ عليه‌السلام (١٤) ـ صلّ ركعتين ، وسل ربك الناقة. ففعل ، فخرجت الناقة ، وبركت بين أيديهم ، وحصل سقب مثلها في (١٥) العظم (١٦) ، ثم قال لهم صالح : (هذِهِ ناقَةٌ (١٧) لَها شِرْبٌ) حظ ونصيب من الماء (وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ). قال قتادة : كانت يوم شربها تشرب ماءهم كلهم وشربهم في (١٨) اليوم (١٩) الذي لا (٢٠) تشرب (٢١) هي (٢٢). (وَلا

__________________

(١) انظر البغوي ٦ / ٢٣٣.

(٢) انظر البغوي ٦ / ٢٣٤.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦٠.

(٤) في ب : ليست. وهو تحريف.

(٥) السحر والسحر والسحر : ما التزق بالحلقوم والمريء من أعلى البطن. اللسان (سحر).

(٦) معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٨٢.

(٧) في ب : هذه ناقة الله.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) انظر البيان ٢ / ٢١٦.

(١٠) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ١٤١ ، البحر المحيط ٧ / ٣٥.

(١١) في ب : والضم.

(١٢) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٨٢.

(١٣) السقب : ولد الناقة ، وقيل : الذكر من ولد الناقة ، بالسين لا غير ، وقيل : هو سقب ساعة تضعه أمه.

اللسان (سقب).

(١٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٥) في ب : ثم في.

(١٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦٠.

(١٧) في ب : هذه ناقة الله.

(١٨) في : تكملة من الفخر الرازي.

(١٩) في ب : يومهم.

(٢٠) لا : سقط من الأصل.

(٢١) في ب : تشرب فيه.

(٢٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦٠.

٦٦

تَمَسُّوها بِسُوءٍ) بعقر أو ضرب أو غيرهما (فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ). روي أن مسطعا (١) ألجأها إلى مضيق فرماها بسهم ، فسقطت ، ثم ضربها قدار (٢). (فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ) على عقرها. فإن قيل : لم أخذهم العذاب وقد ندموا؟ فالجواب : أن ندمهم كان عند معاينة العذاب حين لا ينفع الندم. وقيل : لم يكن ندمهم ندم [التائبين ، لكن ندم](٣) [الخائفين](٤) من العقاب العاجل(٥). (أَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).

قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٦١) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٦٢) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٦٣) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٤) أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (١٦٦) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (١٦٧) قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (١٦٨) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (١٦٩) فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٧٠) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٧١) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٧٢) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٣) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ)(١٧٤) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٧٥)

قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ) الآيات.

قوله : (مِنَ الْعالَمِينَ). يحتمل عوده إلى الآتي ، أي : أنتم من جملة العالمين مخصوصون بهذه الصفة ، وهي إتيان الذكران. [ويحتمل عوده إلى المأتى ، أي : أنتم اخترتم الذكران](٦) من العالمين لا الإناث (٧) منهم (٨).

قوله : (مِنْ أَزْواجِكُمْ). يصلح أن يكون تبيينا ، وأن يكون للتبعيض ، ويراد بما خلق العضو المباح منهن ، وكانوا يفعلون مثل ذلك بنسائهم (٩). (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ). معتدون مجاوزون الحلال إلى الحرام ، والعادي : المعتدي في ظلمه.

والمعنى : أتركبون هذه المعصية على عظمها (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) في جميع المعاصي(١٠)(قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) أي : من جملة من أخرجناه من بلدنا ، ولعلهم كانوا يخرجون من أخرجوه على أسوأ الأحوال (١١).

__________________

(١) في الفخر الرازي : مصدعا.

(٢) انظر الكشاف ٣ / ١٢٣ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٦٠.

(٣) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.

(٤) في النسختين : الخائف.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦٠.

(٦) ما بين القوسين سقط من ب.

(٧) في ب : إلا الإناث. وهو تحريف.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦١.

(٩) انظر الكشاف ٣ / ١٢٣ ـ ١٢٤ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٦١.

(١٠) المرجعان السابقان.

(١١) انظر الكشاف ٣ / ١٢٤ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٦١.

٦٧

قوله : (لِعَمَلِكُمْ) كقوله : (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ)(١) [الأعراف : ٢١] وقد تقدم.

وقيل : (مِنَ الْقالِينَ) صفة (٢) لخبر محذوف ، هذا الجار متعلق به ، أي : إني قال (لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ)(٣). المبغضين. والقلى : البغض الشديد (٤) ، كأنه بغض يقلي الفؤاد والكبد(٥). وقوله : (مِنَ (٦) الْقالِينَ) أبلغ من أن يقول : إني لعملكم قال ، كما تقول : فلان من العلماء ، أبلغ من قولك : فلان عالم (٧).

ويجوز أن يراد : من الكاملين في قلاكم (٨). [والقالي : المبغض ، يقال : قلاه يقليه قلى ، ويقلاه ، وهي شاذة (٩) ، قال :

٣٩٢٠ ـ وترمينني بالطّرف أي أنت مذنب

وتقلينني لكنّ إيّاك لا أقلي (١٠)

وقال آخر :

٣٩٢١ ـ والله ما فارقتكم عن قلى لكم

ولكنّ ما يقضى فسوف يكون (١١)

واسم المفعول فيه : «مقليّ» والأصل : «مقلوى» فأدغم ك «مرميّ» قال :

٣٩٢٢ ـ ولست بمقليّ الخلال ولا قالي (١٢)

__________________

(١) [الأعراف : ٢١]. وذكر هناك : يجوز في «لكما» أن يتعلق بما بعده على أن (ال) معرفة لا موصولة ، وهي مذهب أبي عثمان المازني ، أو على أنها الموصولة ، ولكن تسومح في الظرف وعديله ما لا يتسامح في غيرها اتساعا فيهما لدورانهما في الكلام ، وهو رأي بعض البصريين ، أو أن ذلك جائز مطلقا ، وهو رأي الكوفيين ، أو أنه متعلق بمحذوف على البيان ، أي أعني لكما أو تعلق بمحذوف مدلول عليه بصلة (ال) ، أي: إني ناصح لكما ، ومثل هذه الآية الكريمة «إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ» ، وجعل ابن مالك ذلك مطردا في مسألة (ال) الموصولة إذا كانت مجرورة ب (من). انظر اللباب ٤ / ٢٠.

(٢) صفة : سقط من ب.

(٣) انظر التبيان ٢ / ١٠٠٠.

(٤) الشديد : سقط من ب.

(٥) انظر الكشاف ٣ / ١٢٤ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٦١.

(٦) في ب : مثل. وهو تحريف.

(٧) قال الزمخشري : (لأنك تشهد له بكونه معدودا في زمرتهم ومعرفة مساهمته لهم في العلم) الكشاف ٣ / ١٢٤.

(٨) انظر الكشاف ٣ / ١٢٤ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٦١.

(٩) انظر اللسان (قلا) وفيه : (ويقلاه لغة طيىء).

(١٠) البيت من بحر الطويل ، مجهول القائل ، وهو في ابن يعيش ٨ / ١٤٠ ، المغني ١ / ٧٦ ، ٢ / ٤٠٠ ، ٤١٣ ، الهمع ٢ / ٧١ ، شرح شواهد المغني ١ / ٢٣٤ ، ٢ / ٨٢٨ ، الخزانة ١١ / ٢٢٥ ، الدرر ٢ / ٨٧.

ترمينني : تشيرين إليّ. الطرف : البصر. تقلينني ، يقال : قلاه يقليه قلى. ويقلاه لغة طيىء.

(١١) البيت من بحر الطويل. قاله الأفوه الأودي ، وليس في ديوانه ، وهو في المقاصد النحوية ٢ / ٣١٥ ، التصريح ١ / ٢٢٥ ، الهمع ١ / ١١٠ ، الأشموني ١ / ٢٢٥ ، ٢٨٤ ، الدرر ١ / ٨٠. والشاهد فيه قوله : «عن قلى» أي : عن بغض.

(١٢) عجز بيت من بحر الطويل ، قاله امرؤ القيس ، وصدره :

صرفت الهوى عنهنّ من خشية الرّدى

وهو في ديوانه (٣٥) ، القرطبي ١٣ / ١٣٣ ، البحر المحيط ٧ / ٣٦. والشاهد فيه قوله : (مقليّ) فإنه اسم ـ

٦٨

وغلط بعضهم فجعل ذلك من قولهم : قلى اللّحم ، أي شواه ، فكأنه قلى كبده بالبغض ووجه الغلط أن هذا من ذوات الياء ، وذاك من ذوات الواو.

يقال : قلى اللحم يقلوه قلوا ، فهو قال كغاز ، و «مقلوّ» (١) كما تقدم](٢). ثم دعا فقال : (رَبِ (٣) نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ) من العمل الخبيث.

قال الله تعالى : (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ) من عقوبة عملهم (إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ) وهي امرأة لوط ، بقيت في الهلاك والعذاب. فإن قيل : (فِي الْغابِرِينَ) صفة لها ، كأنه قيل : إلّا عجوزا [غابرة ، وإن لم يكن الغبور صفتها وقت تنجيتهم؟ فالجواب : معناه : إلّا عجوزا](٤) مقدرا غبورها. قيل: إنما هلكت مع من خرج من القرية بما أمطر من الحجارة (٥). (ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ) أي : أهلكناهم (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) والمخصوص بالذم محذوف ، أي : (مطرهم) (٦)(٧) قال وهب بن منبه : الكبريت والنار (٨). (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).

فصل

قال القاضي عبد الجبار في تفسير قوله : (وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ) دليل على بطلان الجبر من وجوه :

الأول : أنه لا يقال : «تذرون» إلّا مع القدرة على خلافه ، ولذلك لا يقال للمرء : لم تذر الصعود إلى السماء ، كما يقال : لم تذر (الدخول و) (٩) الخروج.

الثاني : أنه قال : (ما خَلَقَ لَكُمْ) ولو كان الفعل لله تعالى لكان الذي خلقه لهم ما خلقه فيهم وأوجبه لا ما لم يفعلوه.

الثالث : قوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) فإن كان تعالى خلق فيهم ما كانوا يعملون ، فكيف ينسبون إلى أنهم تعدوا؟ وهل يقال للأسود : إنك متعد في لونك؟ وأجيب بأن حاصل هذه الوجوه يرجع إلى أن العبد لو لم يكن موجدا لأفعال نفسه لما

__________________

ـ مفعول من (قلى) والأصل : مقلوي. قلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء في الياء ، وكسر ما قبل الياء للمناسبة ، لأنه إذا اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون تقلب الواو ياء ، وتدغم الياء في الياء.

(١) قال أبو حيان : (ولا يكون (قلى) بمعنى أبغض وقلا من الطبخ والشيّ من مادة واحدة لاختلاف التركيب ، فمادة (قلا) من الشيّ من ذوات الواو ، تقول : قلوت اللحم فهو مقلو ، ومادة (قلى) من البغض من ذوات الياء ، قليت الرجل فهو مقليّ قال الشاعر : ولست بمقليّ الخلال ولا قال) البحر المحيط ٧ / ٣٦.

(٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(٣) رب : سقط من ب.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦١.

(٦) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٧.

(٧) ما بين القوسين في ب : أمطرنا عليهم.

(٨) انظر البغوي ٦ / ٢٣٥.

(٩) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.

٦٩

توجه المدح والذم والأمر والنهي عليه ، (وليس لهذه) (١) الآية في هذا المعنى خاصية أزيد مما ورد من الأمر والنهي والمدح والذم في قصة إبراهيم وموسى ونوح وسائر القصص ، فكيف خصّ هذه القصة بهذه الوجوه دون سائر القصص. وإذا (٢) ثبت أن هذه الوجوه هي ذلك الوجه المشهور فالجواب عنها هما (٣) الجوابان المشهوران :

الأول : أنّ الله تعالى لمّا علم وقوع هذه الأشياء ، فعدمها محال ، لأنّ عدمها يستلزم انقلاب العلم جهلا ، وهو محال ، والمفضي إلى المحال محال ، وإن كان عدمها محالا كان التكليف بالترك تكليفا بالمحال.

الثاني : أنّ القادر لما كان قادرا على الضدين امتنع أن يرجح أحد المقدورين على الآخر لا لمرجح ، والمرجح : هو الداعي والإرادة ، وذلك المرجح مرجح محدث ، فله مؤثر ، وذلك المؤثر إن كان هو العبد لزم التسلسل ، وهو محال ، وإن كان هو الله تعالى فذاك الجبر على قولك ، فثبت بهذين البرهانين القاطعين سقوط ما قاله (٤).

قوله تعالى : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٧٧) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٧٨) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٧٩) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٠) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (١٨٤) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥) وَما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (١٨٦) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (١٨٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)(١٩١)

قوله تعالى : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ).

قرأ نافع وابن كثير وابن عامر : «ليكة» بلام واحدة وفتح التاء ، جعلوه اسما غير معرّف ب «أل» مضافا إليه «أصحاب» هنا وفي «ص» (٥) خاصة.

والباقون : «الأيكة» معرفا ب «أل» موافقة لما أجمع (٦) عليه في الحجر (٧) وفي «ق» (٨)

__________________

(١) ما بين القوسين في الفخر الرازي : ولهذه.

(٢) في ب : إذا.

(٣) في ب : هو. وهو تحريف.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦١ ـ ١٦٢.

(٥) وهو قوله تعالى : «وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ» [١٣].

(٦) في ب : اجتمع.

(٧) وهو قوله تعالى : «وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ» [٧٨].

(٨) وهو قوله تعالى : «وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ» [١٤]. وانظر السبعة (٣٦٨ ، ٤٧٣) ، الكشف ٢ / ٣٢ ، النشر ٢ / ٣٣٦ ، الإتحاف (٣٣٣).

٧٠

وقد اضطربت أقوال الناس في القراءة الأولى ، وتجرأ (١) بعضهم على قارئها.

ووجهها على ما قال أبو عبيد : أن (ليكة) اسم للقرية التي كانوا (٢) فيها و (الأيكة) : اسم للبلد كلّه. قال أبو عبيد : لا أحب مفارقة الخط في شيء من القرآن إلّا ما يخرج من كلام العرب وهذا ليس بخارج (٣) من كلامها مع صحة المعنى في هذه الحروف ، وذلك أنّا وجدنا في بعض التفاسير الفرق بين «ليكة» ، و «الأيكة» ، فقيل : «ليكة» هو (٤) اسم للقرية التي كانوا فيها. والأيكة : البلاد كلها ، فصار الفرق بينهما شبيها بما بين (مكّة ، وبكّة) ورأيتهن مع هذا في الذي يقال : إنه الإمام ـ مصحف عثمان ـ مفترقان ، فوجدت التي في «الحجر» والتي في «ق» : «الأيكة» ، ووجدت التي في «الشعراء» والتي في «ص» «ليكة» ثم اجتمعت عليها مصاحف الأمصار (٥) بعد ، فلا نعلمها إذا اختلفت (٦) فيها ، وقرأ أهل المدينة على هذا اللفظ الذي قصصنا ، يعني : بغير ألف ولام (٧) ، ولا(٨) إجراء (٩). انتهى ما قاله أبو عبيد (١٠). قال أبو شامة (١١) بعد نقله كلام أبي عبيد : هذه عبارته ، وليست سديدة ، فإن اللام موجودة في «ليكة» وصوابه : بغير ألف وهمزة (١٢). قال شهاب الدين : بل هي سديدة ، فإنه يعني بغير ألف ولام معرفة لا مطلق لام في الجملة (١٣).

وقد تعقّب (١٤) قول (١٥) أبي عبيد وأنكروا عليه ، فقال أبو جعفر (١٦) : أجمع القراء على خفض التي في «الحجر» و «ق» فيجب أن يردّ ما اختلف فيه إلى ما اتفق عليه إذ كان المعنى واحدا ، فأما ما حكاه أبو عبيد من «ليكة» : اسم القرية (١٧) ، وأنّ «الأيكة» : اسم البلد (١٨) كله ، فشيء لا يثبت ولا يعرف من قاله ولو عرف لكان فيه نظر ، لأنّ أهل العلم جميعا من المفسرين والعالمين (١٩) بكلام العرب على خلافه ، ولا نعلم خلافا بين أهل اللغة أن «الأيكة» الشجر الملتفّ.

فأما احتجاج بعض من احتج لقراءة من قرأ في هذين الموضعين بالفتح ، لأنه في السواد (٢٠) «ليكة» فلا حجة فيه ، والقول فيه : إن أصله : «الأيكة» ثم خففت الهمزة ،

__________________

(١) في ب : تجزأ.

(٢) في ب : يكون. وهو تحريف.

(٣) في ب : عن.

(٤) هو : سقط من ب. وفي إبراز المعاني : هي.

(٥) في ب : الأعصار. وهو تحريف.

(٦) في الأصل : اختلف.

(٧) في ب : فلام. وهو تحريف.

(٨) ولا : سقط من ب.

(٩) يعني بالإجراء الصرف ، وقوله : بلا إجراء ، أي : بالمنع من الصرف.

(١٠) انظر إعراب القرآن للنحاس ٢ / ٤٩٨ ـ ٤٩٩ ، إبراز المعاني (٤١٨).

(١١) تقدم.

(١٢) إبراز المعاني (٤١٨).

(١٣) الدر المصون ٥ / ١٦٥.

(١٤) في ب : تعقبوا.

(١٥) في الأصل : أقوال.

(١٦) يعني النحاس.

(١٧) في ب : للقرية.

(١٨) في ب : للبلد.

(١٩) في ب : والقائلين.

(٢٠) يعني بالسواد : الخط.

٧١

فألقيت حركتها على اللام فسقطت واستغنت عن ألف الوصل ، لأنّ اللام قد تحركت فلا يجوز على هذا إلّا الخفض ، كما تقول : «مررت بالأحمر» على تحقيق الهمزة ثم تخففها فتقول : «بلحمر» ، فإن شئت كتبته (١) في الخط على ما كتبته (١) أولا ، وإن شئت كتبته (١) بالحذف ، ولم يجز إلّا الخفض ، فلذلك (٢) لا يجوز في «الأيكة» إلّا الخفض ، قال سيبويه : واعلم أنّ كل ما لم ينصرف إذا دخلته (٣) الألف واللام أو أضفته (٤) (انصرف) (٥)(٦). ولا نعلم أحدا خالف سيبويه في هذا (٧) وقال المبرّد في كتاب الخط : كتبوا في بعض المواضع : «كذّب أصحاب ليكة» بغير ألف ، لأن الألف تذهب في الوصل ، ولذلك (٨) غلط القارىء بالفتح فتوهم أن «ليكة» اسم شيء ، وأن اللام أصل فقرأ : (أَصْحابُ الْأَيْكَةِ)(٩).

وقال الفراء : نرى ـ والله أعلم ـ أنها كتبت في هذين الموضعين بترك الهمز (١٠) ، فسقطت الألف لتحريك اللام (١١). قال مكيّ : تعقّب ابن قتيبة على أبي عبيد فاختار «الأيكة» بالألف والهمزة والخفض ، وقال : إنّما (١٢) كتبت بغير ألف على تخفيف الهمز ، قال : وقد أجمع الناس على ذلك ، يعني : في «الحجر» و «ق» فوجب أن يلحق ما في «الشعراء» و «ص» (١٣) بما (١٤) أجمعوا عليه ، فما أجمعوا عليه شاهد لما اختلفوا فيه (١٥). وقال (١٦) أبو إسحاق (١٧) : القراءة بجرّ ليكة وأنت تريد «الأيكة» (١٨) أجود من أن تجعلها «ليكة» وتفتحها ؛ لأنّها لا تتصرف لأن «ليكة» لا تعرّف(١٩) ، وإنما هي «أيكة» للواحد ،

__________________

(١) في ب : كتبت.

(٢) في ب : فكذلك. وهو تحريف.

(٣) في ب : دخلت.

(٤) أو أضفته : سقط من ب.

(٥) قال سيبويه : (وجميع ما لا ينصرف إذا أدخلت عليه الألف واللام أو أضيف انجر ، لأنها أسماء أدخل عليها ما يدخل على المنصرف ، وأدخل فيها الجر كما يدخل في المنصرف) الكتاب ١ / ٢٢ ـ ٢٣.

وقال : (واعلم أن كل اسم لا ينصرف فإن الجر يدخله إذا أضفته أو أدخلت فيه الألف واللام ، وذلك أنهم أمنوا التنوين وأجروه مجرى الأسماء) الكتاب ٣ / ٢٢١.

(٦) ما بين القوسين في ب : الصرف.

(٧) إعراب القرآن ٣ / ١٨٩ ـ ١٩٠ ، وانظر أيضا إبراز المعاني (٤١٩).

(٨) في ب : وكذلك.

(٩) انظر إعراب القرآن للنحاس ٢ / ٤٩٨ ـ ٤٩٩ ، إبراز المعاني (٤١٩).

(١٠) في ب : الهمزة.

(١١) معاني القرآن ٢ / ٩١ ، وانظر أيضا إبراز المعاني (٤١٩).

(١٢) في ب : إنها.

(١٣) في الأصل : وصاد.

(١٤) في ب : وبما.

(١٥) الكشف ١ / ٣٢ ـ ٣٣. وانظر أيضا إبراز المعاني (٤١٩).

(١٦) في ب : قال.

(١٧) يعني الزجاج.

(١٨) الأيكة : سقط من ب.

(١٩) في ب : لا تصرف.

٧٢

و «أيك» للجمع ، مثل : أجمة وأجم. والأيك : الشجر الملتف ، فأجود القراءة فيها الكسر وإسقاط الهمزة لموافقة المصحف ؛ ولا أعلمه إلا قد قرىء به (١).

وقال الفارسي : قول من قال : «ليكة» بفتح التاء مشكل ، لأنه فتح مع لحاق اللام (٢) الكلمة ، وهذا في الامتناع كقول من قال : مررت بلحمر. فيفتح الآخر مع لحاق لام المعرفة ، وإنما كتبت «ليكة» على تخفيف الهمز (٣) ، والفتح لا يصح في العربية لأنه فتح حرف الإعراب في موضع الجرّ مع لام المعرفة ، فهو على قياس قول من قال : مررت بلحمر ، ويبعد أن يفتح نافع ذلك مع ما قال عنه ورش (٤). يعني أنّ ورشا نقل عن نافع نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها حيث وجد بشروط مذكورة ، ومن جملة ذلك ما في سورة «الحجر» و «ق» من لفظ «الأيكة» ، فقرأ على قاعدته في السورتين بنقل الحركة وطرح الهمز وخفض التاء (٥) ، فكذلك ينبغي أن يكون الحكم في هذين الموضعين أيضا (٦).

وقال الزمخشري : قرىء (أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) بالهمزة وبتخفيفها وبالجر على الإضافة ، وهو الوجه ، ومن قرأ بالنصب وزعم أنّ «ليكة» بوزن : «ليلة» (٧) ـ اسم بلد ـ فتوهّم قاد إليه خط المصحف (٨) .. وإنما كتبت على حكم لفظ اللافظ ، كما يكتب أصحاب (النحو) (٩) لان ولاولى(١٠) على هذه الصورة لبيان لفظ المخفف. وقد كتبت في سائر القرآن على الأصل والقصة واحدة ، على «أنّ ليكة» اسم لا يعرف ، وروي أنّ (أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) كانوا أصحاب شجر ملتفّ ، وكان شجرهم الدّوم (١١) ، وهو شجر المقل (١٢). يعني أن مادة (ل ي ك) مفقودة في لسان العرب. كذا قال الثقات ممن تتبّع ذلك.

قال (١٣) : وهذا كما نصّوا على أنّ الخاء والذال المعجمتين لم يجامعا الجيم في لغة

__________________

(١) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٩٨. وانظر أيضا إبراز المعاني (٤١٩).

(٢) في ب : التاء. وهو تحريف.

(٣) في ب : الهمزة.

(٤) الحجة لأبي علي الفارسي ٦ / ٤٥ ـ ٤٦ وانظر أيضا إبراز المعاني (٤١٩).

(٥) قال ابن مجاهد : (غير أن ورشا روى عن نافع : «الأيكة» ههنا وفي (ق) متروكة الهمزة مفتوحة اللام بحركة الهمزة ، والهمزة ساقطة) السبعة (٣٦٨).

(٦) انظر إبراز المعاني (٤١٩).

(٧) في ب : ليكة. وهو تحريف.

(٨) هنا سقط في عبارة الزمخشري بين قوله : (خط المصحف) وقوله : (إنما كتبت على حكم لفظ اللافظ) ، وهو : (حيث وجدت مكتوبة في هذه السورة ، وفي سورة (ص) بغير ألف ، وفي المصحف أشياء كتبت على خلاف قياس الخط المصطلح عليه ، وإنما كتبت في هاتين السورتين) الكشاف ٣ / ١٢٥.

(٩) النحو : تكملة من الكشاف.

(١٠) يريد : الآن والأولى ، فلما خففت بحذف الهمزة تحركت اللام قبلها لئلا يلتقي ساكنان ، وسقطت همزة الوصل لعدم الاحتياج لها.

(١١) الكشاف ٣ / ١٢٥.

(١٢) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٩٧ ، إعراب القرآن للنحاس ٣ / ١٩٠.

(١٣) أي : أبو شامة شارح الشاطبية.

٧٣

العرب ، ولذلك (١) لم يذكرها صاحب «الصحاح» (٢) مع ذكره التفرقة المتقدمة عن أبي عبيد ، ولو كانت موجودة في اللغة لذكرها مع ذكره التفرقة المتقدمة لشدة الاحتياج إليها (٣). وقال الزجاج أيضا : أهل المدينة يفتحون على ما جاء في التفسير أنّ اسم المدينة التي كان فيها شعيب («ليكة» (٤)) (٥).

قال أبو علي : لو صح هذا فلم أجمع (٦) القراء على الهمز في قوله : (وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) [الحجر : ٧٨] في «الحجر» ، و «الأيكة» التي ذكرت هاهنا هي «الأيكة» التي ذكرت هناك ، وقد قال ابن عباس : الأيكة : الغيضة (٧) ولم يفسرها بالمدينة ولا البلد (٨). قال شهاب الدين : وهؤلاء كلّهم كأنهم زعموا أنّ هؤلاء الأئمة الأثبات إنما أخذوا هذه القراءة من خط المصاحف دون أفواه الرجال ، وكيف يظنّ بمثل (٩) أسنّ القرّاء وأعلاهم إسنادا ، والآخذ القرآن (١٠) عن جملة من (جلّة) (١١) الصحابة أبي الدّرداء وعثمان بن عفان وغيرهما ، وبمثل (٩) إمام مكّة (١٢) ـ شرّفها الله تعالى ـ وبمثل إمام المدينة (١٣) ، وكيف ينكر على أبي عبيد قوله أو يتّهم في نقله؟ ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ؛ والتواتر قطعيّ فلا يعارض بالظني ، وأما اختلاف القراءة مع اتحاد القصة فلا يضر (١٤) ذلك ، عبّر عنها تارة بالقرية خاصة وتارة بالمصر الجامع للقرى كلها ، الشامل هو لها ، وأما تفسير ابن عباس فلا ينافي ذلك ، لأنّه عبر عنها بما كثر فيها (١٥).

قوله : (إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ) ولم يقل : أخوهم ؛ لأنه لم يكن من أصحاب الأيكة في النسب ، فلما ذكر مدين قال : «أخاهم» (١٦) لأنه كان منهم ، وكأن (١٧) الله تعالى بعثه إلى قومه ـ أهل مدين ـ وإلى أصحاب الأيكة (١٨).

وفي الحديث : «إنّ شعيبا أخا مدين أرسل إليهم وإلى أصحاب الأيكة» (١٩).

__________________

(١) في ب : وكذلك.

(٢) وقد تقدمت ترجمته.

(٣) إبراز المعاني (٤١٩).

(٤) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٩٨ ، وانظر أيضا إبراز المعاني (٤١٩).

(٥) ما بين القوسين في ب : أيكة.

(٦) في ب : الجمع. وهو تحريف.

(٧) الغيضة : مغيض ماء يجتمع فينبت فيه الشجر ، وجمعها غياض. اللسان (غيض).

(٨) الحجة لأبي علي الفارسي ٦ / ٤٦ ـ ٤٨. وانظر أيضا إبراز المعاني ٤١٩ ـ ٤٢٠.

(٩) في ب : مثل.

(١٠) في ب : للقرآن.

(١١) جلة : تكملة من الدر المصون.

(١٢) يريد : ابن كثير ، أحد القراء السبعة.

(١٣) يريد : نافعا ، أحد القراء السبعة.

(١٤) في ب : فلا يضمن. وهو تحريف.

(١٥) الدر المصون ٥ / ١٦٦.

(١٦) من قوله تعالى : «وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً»[الأعراف : ٨٥].

(١٧) في الأصل : فكان.

(١٨) انظر البغوي ٦ / ٢٣٦.

(١٩) انظر الكشاف ٣ / ١٢٥ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٦٣.

٧٤

[قال ابن كثير : ومن زعم من المفسرين كقتادة وغيره أنّ أصحاب الأيكة أمة أخرى غير أهل مدين فقول ضعيف (١) ، وإنما عمدتهم شيئان :

أحدهما : أنه قال : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ) ولم يقل : «أخوهم» كما قال : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) [الأعراف : ٨٥].

والثاني : أنه ذكر عذابهم ب (يَوْمِ الظُّلَّةِ) وذكر في أولئك «الرجفة (٢) والصيحة» (٣) والجواب عن الأول : أنه لم يذكر الأخوة بعد قوله : (أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) لأنه وصفهم بعبادة الأيكة ، فلا يناسب ذكر الأخوة هاهنا ، ولما نسبهم إلى القبيلة ساغ ذكر شعيب بأنه أخوهم. وأما احتجاجهم ب (يَوْمِ الظُّلَّةِ) فإن كان دليلا على أنهم أمة أخرى فليكن تعداد «الرجفة ، والصيحة» دليلا على أنهما أمتان ، ولا يقوله أحد.

وأيضا فقد ذكر الله عن أهل الأيكة من المذمة ما ذكره عن أهل مدين من التطفيف في المكيال والميزان ، فدلّ على أنهم أمة واحدة أهلكوا بأنواع من العذاب ، وذكر في كل موضع ما يناسب ذلك الخطاب ، فاجتمعوا تحت الظلّة ، ورجفت بهم الأرض من تحتهم ، وجاءتهم صيحة من السماء](٤).

قوله : (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) الناقصين لحقوق الناس بالكيل والوزن. واعلم أنّ الكيل على ثلاثة أضرب : واف ، وطفيف ، وزائد. فأمر بالواجب الذي هو الإيفاء بقوله : (أَوْفُوا الْكَيْلَ) ونهى عن المحرم الذي هو التطفيف بقوله : (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) ، ولم يذكر الزائد ، لأنه إن (٥) فعله فقد أحسن ، وإن لم يفعله (٦) فلا إثم عليه. ثم (٧) لما أمر بالإيفاء بين كيف يفعل ، فقال : (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ)(٨). قرىء : «بالقسطاس» مضموما ومكسورا (٩) ، وهو : الميزان وقيل : القرسطون (١٠)(وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ). يقال بخسه حقه : إذا نقصه إياه (١١) ، وهذا عام في كل

__________________

(١) انظر تفسير ابن كثير ٣ / ٣٤٥.

(٢) قال الله تعالى : «فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ»[الأعراف : ٩١].

(٣) قال الله تعالى : «وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ»[هود : ٩٤].

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) في ب : لأن إنه.

(٦) في ب : يفعل.

(٧) ثم : سقط من ب.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦٣.

(٩) فقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم في رواية أبي بكر «بالقسطاس» بضم القاف وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «بالقسطاس» بكسر القاف. السبعة (٣٨٠) الكشف ٢ / ٤٦.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦٣. في لسان العرب : (قسطس) : القسطاس والقسطاس أعدل الموازين وأقومها ... الزجاج : قيل : القسطاس : القرسطون ، وقيل : هو القبان.

(١١) البخس : النقص ، بخسه حقّه يبخسه بخسا إذا نقصه. اللسان (بخس).

٧٥

حق (١). (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) وقد تقدم (٢).

قوله : (وَالْجِبِلَّةَ) العامة على كسر الجيم والباء وشد اللام. وأبو حصين (٣) والأعمش والحسن بضمّهما (٤) وشد اللام (٥). والسّلمي بفتح الجيم أو كسرها مع سكون الباء (٦) وهذه لغات في هذا الحرف ، ومعناه : الخلق المتّحد الغليظ ، مأخوذ من الجبل (٧) قال الشاعر :

٣٩٢٣ ـ والموت أعظم حادث

ممّا يمرّ على الجبلّه (٨)

وقال الهروي (٩) : الجبلّ والجبلّ (١٠) والجبل لغات ، وهو الجمع الكثير العدد من الناس (١١). وقيل : «الجبلّة» من قولهم : جبل على كذا ، أي : خلق وطبع عليه (١٢) ، وسيأتي في «يس» إن شاء الله تعالى تمام الكلام على ذلك عند قوله : (جِبِلًّا كَثِيراً)(١٣). والمراد ب (الْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ): الأمم المتقدمين ، أي : أنه المنفرد بخلقهم وخلق من تقدمهم.

قوله : (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا). جاء في قصة هود (١٤) «ما أنت» (١٥) بغير واو ، وهاهنا بالواو. فقال الزمخشري : إذا دخلت الواو فقد قصد معنيان كلاهما مخالف للرسالة عندهم : التّسحير والبشرية ، وأنّ الرسول لا يجوز أن يكون مسحّرا ولا بشرا ، وإذا تركت الواو فلم يقصد إلا معنى واحد ، وهو كونه مسحّرا ،

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦٣.

(٢) في سورة هود عند قوله تعالى : «وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ» [٨٥].

انظر اللباب ٤ / ٣٦٤.

(٣) ذكر ابن الجزري في طبقات القراء أن أبا حصين ممن أخذ عنه الأعمش ولم يترجم له. انظر طبقات القراء ١ / ٣١٥.

(٤) في ب : بضمها. وهو تحريف.

(٥) المختصر (١٠٧) ، المحتسب ٢ / ١٣ ، البحر المحيط ٧ / ٣٨.

(٦) نقلها بالفتح عنه ابن خالويه : المختصر (١٠٧) ، وقال أبو حيان : (وقرأ السلمي «والجبلة» بكسر الجيم وسكون الباء ، وفي نسخة عنه فتح الجيم وسكون الباء ، وهي من جبلوا على كذا ، أي : خلقوا) البحر المحيط ٧ / ٣٨.

(٧) انظر اللسان (جبل).

(٨) البيت من الكامل ، لم أهتد إلى قائله ، وهو في تفسير غريب القرآن (٣٢٠) ، تفسير ابن عطية ١١ / ١٤٦ ، القرطبي ١٣ / ١٣٦ ، البحر المحيط ٧ / ٣٠.

(٩) تقدم.

(١٠) في ب : الجبل.

(١١) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٠.

(١٢) انظر اللسان (جبل).

(١٣) من قوله تعالى : «وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ»[يس : ٦٢].

(١٤) كذا في النسختين. والصواب أن هذا في قصة ثمود. انظر الكشاف ٣ / ١٢٥.

(١٥) من قوله تعالى : «ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ»[الشعراء : ١٥٤].

٧٦

ثم (قرر) (١) بكونه بشرا (٢). ثم قالوا : (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) ومعناه ظاهر. ثم إنّ شعيبا ـ عليه‌السلام (٣) ـ كان يتوعدهم بالعذاب (٤) إن لم يؤمنوا فقالوا : (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ)(٥) وقد تقدم الكلام في «كسفا» واشتقاقه في الإسراء (٦). وإنما طلبوا ذلك لاستبعادهم وقوعه فقال شعيب : (رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) أي : من نقصان الكيل والوزن ، وهو مجازيكم بأعمالكم ، وليس العذاب إليّ ، وما عليّ إلا الدعوة ، فلم يدع عليهم ، بل فوض الأمر فيه إلى الله تعالى.

قوله : (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ). وذلك أنّه أخذهم حرّ شديد ، فكانوا يدخلون الأسراب فيجدونها أشد حرّا ، فخرجوا ، فأظلتهم (٧) سحابة ، وهي الظّلّة ، فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا (٨). فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : إنّ العذاب النازل بعاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ما كان بسب كفرهم ، بل بسبب تأثيرات الكواكب واتصالاتها على ما اتفق عليه المنجمون؟ وإذا قام هذا الاحتمال لم يحصل (٩) الاعتبار بهذه (١٠) القصص ، لأنّ الاعتبار إنما يحصل إذا علمنا أنّ نزول العذاب كان بسبب كفرهم ، وأيضا فيحتمل أن ينزل العذاب محنة للمكلّفين (١١) كما قال : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) [محمد : ٣١] وقد ابتلي المؤمنون بالبلاء العظيم في مواضع كثيرة ، وإذا كان كذلك لم يدلّ نزول البلاء بهم على كونهم مبطلين؟ فالجواب (١٢) : هذا سؤال باطل ، لأنه يقال : ما الاتصالات التي أوجبت نجاة بني إسرائيل من البحر وأغرقت فرعون وقومه في ساعة واحدة ، وما (١٣) الاتصالات التي أوجبت الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم على القبط دون بني إسرائيل وهم معهم في بلد واحد ، وما (١٤) الاتصالات التي نجّت لوطا ومن معه وأهلكت قومه وهم قريب منهم ، وما الاتصالات التي أوجبت حمل الطير الأبابيل حجارة من سجيل ورمت بها أصحاب الفيل دون غيرهم ، وما الاتصالات التي فرقت البحر اثني عشر فرقا بعدد (١٥) أسباط بني إسرائيل ، وقلبت العصا حية تسعى ، وتلقفت (١٦) ما صنعته السحرة ، ونتقت الجبل فوق بني إسرائيل كأنه ظلّة ، وأخرجت الناقة من الحجر ، وأطفأت نار إبراهيم ، وكل ذلك ثابت بالتواتر لا يمكن إنكاره.

__________________

(١) كذا في الكشاف ، وفي النسختين : قدره.

(٢) الكشاف ٣ / ١٢٥.

(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٤) بالعذاب : سقط من ب.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦٤.

(٦) عند قوله تعالى :«أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً» من الآية ٩٢.

(٧) في ب : فأظلهم.

(٨) انظر البغوي ٦ / ٣٣٨ ـ ٣٣٩.

(٩) لم يحصل : سقط من ب.

(١٠) في ب : بهذا.

(١١) في ب : للكافرين. وهو تحريف.

(١٢) في ب : والجواب.

(١٣) في ب : وهما. وهو تحريف.

(١٤) في ب : وأما.

(١٥) في ب : بعد. وهو تحريف.

(١٦) في ب : وتلقف.

٧٧

وأيضا فإنّ الله تعالى أنزل هذه القصص على محمد ـ عليه‌السلام (١) ـ تسلية له وإزالة للحزن عن قلبه. فلما أخبر الله تعالى محمدا أنه هو الذي أنزل العذاب عليهم جزاء على كفرهم علم أنّ الأمر كذلك ، وحينئذ حصل له التسلي (٢).

قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) (١٩٦)

قوله تعالى (٣) : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ). الهاء تعود على القرآن وإن لم يجر له ذكر للعلم به (٤). و «تنزيل» بمعنى منزّل (٥) ، أو على حذف مضاف أي : ذو تنزيل ، وقوله : «نزل» قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص : «نزل» مخففا ، و (الرُّوحُ الْأَمِينُ) مرفوعان على إسناد الفعل ل «الروح» و «الأمين» نعته ، والمراد به جبريل.

وباقي السبعة : بالتشديد مبنيا للفاعل ، وهو الله تعالى ، و (٦) (الرُّوحُ الْأَمِينُ) منصوبان (٧) على المفعول به ، و «الأمين» صفته أيضا. وقرىء : «نزّل» مشددا مبنيا للمفعول (٨) ، و (الرُّوحُ الْأَمِينُ) مرفوعان على ما لم يسم فاعله. و «به» إمّا متعلق ب «نزل» أو بمحذوف على أنه حال(٩).

قوله : (عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ). قال أبو حيان : الظاهر تعلّق (عَلى قَلْبِكَ) و «لتكون» ب «نزل» (١٠). ولم يذكر ما يقابل هذا الظاهر. وأكثر ما يتخيّل أنه يجوز أن يتعلقا ب «تنزيل» أي : وإنه لتنزيل ربّ العالمين على قلبك لتكون ، ولكن فيه ضعف من حيث الفصل بين المصدر ومعموله بجملة : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ).

وقد يجاب عنه بوجهين :

أحدهما : أنّ هذه الجملة اعتراضية ، وفيها تأكيد وتشديد ، فليست بأجنبية.

والثاني : الاغتفار في الظرف وعديله. وعلى هذا فلا يبعد أن يجيء في المسألة باب (١١) الإعمال(١٢) ، فإن كلّا من «تنزيل» و «نزل» يطلب هذين الجارين.

__________________

(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦٤.

(٣) تعالى : سقط من ب.

(٤) انظر التبيان ٢ / ١٠٠٠.

(٥) المرجع السابق.

(٦) و : تكملة ليست في المخطوط.

(٧) السبعة (٤٧٣) ، الكشف ٢ / ١٥١ ـ ١٥٢ ، النشر ٢ / ٣٣٦ ، الإتحاف (٣٣٤).

(٨) قال أبو البقاء : (وعلى ترك التسمية والتشديد) التبيان ٢ / ١٠٠٠ ولم أعثر عليها عند غيره ، ولم يعزها إلى من قرأ بها.

(٩) انظر الكشاف ٣ / ١٢٦ ، تفسير ابن عطية ١١ / ١٤٨.

(١٠) البحر المحيط ٧ / ٤٠.

(١١) في الأصل : من باب.

(١٢) وهو التنازع.

٧٨

فصل

لما ذكر قصص الأنبياء لمحمد ـ عليه‌السلام (١) ـ أتبعه بما يدل على نبوته فقال : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) لأنه (٢) لفصاحته معجز فيكون من رب العالمين. وأيضا فلأنه إخبار عن الأمم الماضية من غير تعلم ألبتة ، وذلك لا يكون إلّا بوحي من الله تعالى. وأيضا فقوله : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) مؤكد لما ذكرنا ، لأن ذكر هذه القصص على ما هي في زبر الأولين من غير تفاوت أصلا مع أنه لم يشتغل بالتعلم والاستفادة دليل على أنه ليس إلا من عند الله (٣) ، (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ)(٤) على قلبك يا محمد ، أي (٥) : فهمك إياه وأثبته في قلبك كي لا تنساه كقوله : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) [الأعلى : ٦] (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) : المخوّفين. وسمي جبريل روحا ، لأنه خلق من الروح. وقيل: لأنه نجاة الخلق في باب الدين ، فهو كالروح التي تستتبع الحياة. وقيل : لأنه روح كله ، لا كالناس في أبدانهم روح (٦). وسماه أمينا لأنه مؤتمن على ما يؤديه للأنبياء ـ (عليهم‌السلام (٧)) (٨) ـ.

فصل

روي أنّ جبريل ـ عليه‌السلام ـ نزل على آدم ـ عليه‌السلام (٩) ـ اثنتا عشرة مرة ، وعلى إدريس أربع مرات ، وعلى نوح خمسين مرة ، وعلى إبراهيم اثنتين وأربعين مرة ، وعلى موسى أربعمائة مرة ، وعلى عيسى عشر مرات وعلى محمد ـ عليه‌السلام ـ أربع عشرة ألف مرة. فإن قيل : لم قال : (عَلى قَلْبِكَ) وهو إنما أنزل عليه؟

فالجواب : ليؤكد أنّ ذلك المنزل محفوظ للرسول (١٠) متمكن من قبله لا يجوز عليه التغيير ، ولأنّ القلب هو المخاطب في الحقيقة لأنه موضع التمييز والاختيار ، وأما سائر الأعضاء فمسخّرة له ، ويدل على ذلك القرآن والحديث والمعقول ، أما القرآن فقوله تعالى : (نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ) [البقرة : ٩٧] ، (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) ، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) [ق : ٣٧] واستحقاق الجزاء ليس إلّا على ما في القلب ، قال تعالى (١١) : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) [البقرة : ٢٢٥] (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) [الحج : ٣٧] والتقوى في القلب لقوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) [الحجرات : ٣] وقوله : (وَحُصِّلَ ما فِي

__________________

(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٢) في ب : لأن.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦٥.

(٤) الأمين : سقط من ب.

(٥) أي : سقط من ب.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦٦.

(٧) المرجع السابق.

(٨) ما بين القوسين في ب : عليهم الصلاة والسلام.

(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٠) كذا في الفخر الرازي ، وفي الأصل : والمرسل ، وفي ب : والرسول.

(١١) في ب : قال الله تعالى.

٧٩

الصُّدُورِ) [العاديات : ١٠]. وحكى عن أهل النار قولهم : (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) [الملك : ١٠] والعقل في القلب ، والسمع منفذ إليه ، وقال : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) [الإسراء : ٣٦] والسمع والبصر لا يستفاد منهما إلا ما يؤديانه إلى القلب ، وقال : (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر : ١٩] ولم تخن الأعين إلا بما تضمر القلوب إلى غير ذلك من الآيات.

وأما الحديث فقوله ـ عليه‌السلام (١) ـ : «ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه ، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه ، ألا وهي القلب» (٢).

وأما المعقول فإنّ القلب إذا غشي عليه ، فإذا قطع سائر الأعضاء لم يحصل به الشعور ، وإذا أفاق (٣) القلب شعر بجميع ما ينزل بالأعضاء من الآفات.

وأيضا فإذا فرح القلب أو حزن فإنه يتغير حال الأعضاء عند ذلك. وأيضا فإن القلب منبع المشيئات الباعثة على الأفعال الصادرة عن سائر الأعضاء (٤).

قوله : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ)(٥). يجوز أن يتعلق ب «المنذرين» أي : لتكون من الذين أنذروا بهذا اللسان العربي ، وهم : هود ، وصالح ، وشعيب ، وإسماعيل ، ومحمد ـ صلى الله عليه وعليهم وسلّم(٦) ـ (و) (٧) يجوز أن يتعلق ب «نزل» أي : نزل باللسان العربي لتنذر به ، لأنه لو نزل بالأعجمي لقالوا : لم نزل علينا ما لا نفهمه (٨)؟ وجوز أبو البقاء أن يكون بدلا من «به» بإعادة العامل ، قال : أي نزل بلسان عربي ، أي : برسالة أو لغة (٩). قال ابن عباس : بلسان قريش ليفهموا ما فيه (١٠).

قوله : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ). أي : وإن القرآن. وقيل : وإن (١١) محمدا ونعته (لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) أي : كتب الأولين. وقيل : المراد وجوه (١٢) التخويف ، لأن ذكر هذه الأشياء بأسرها قد تقدم (١٣) ، وفيه التفات (١٤) ، إذ لو جرى على ما تقدم لقيل : «وإنك لفي زبر». وقرأ الأعمش : «زبر» بسكون الباء ، وهي مخففة من المشهورة (١٥).

__________________

(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٢) أخرجه البخاري (إيمان) ١ / ١٩ ـ ٢٠ ، ومسلم (مساقاة) ٣ / ١٢١٩ ، وابن ماجه (فتن) ٢ / ١٣١٨ ـ ١٣١٩ ، الدارمي (بيوع) ٢ / ٢٤٥ ، أحمد ٤ / ٢٧٠.

(٣) في ب : فاق.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦٦ ـ ١٦٧.

(٥) عربي : سقط من ب.

(٦) في ب : صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٧) و : سقط من الأصل.

(٨) انظر الكشاف ٣ / ١٢٦ ـ ١٢٧.

(٩) التبيان ٢ / ١٠٠١.

(١٠) انظر البغوي ٦ / ٢٤٠.

(١١) في ب : إن.

(١٢) في الأصل : وجود.

(١٣) انظر الكشاف ٣ / ١٢٦ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٦٩.

(١٤) انظر البحر المحيط ٧ / ٤١.

(١٥) أي أنها مخففة من (زبر) جمع (زبور). انظر تفسير ابن عطية ١١ / ١٤٩ ، البحر المحيط ٧ / ٤١.

٨٠