اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٥

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٥

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦١٥

فإن قيل : إنه ذكر الرسالة من قبل وذكر دليلها (وهو التنزيل الذي لا ريب (١) فيه وذكر الوحدانية وذكر دليلها وهو) خلق السماوات والأرض وخلق الإنسان من طين ، ولما ذكر إنكارهم الحشر لم يذكر الدليل؟

فالجواب : أنه ذكر دليله أيضا وهو أن خلق الإنسان ابتداء دليل على قدرته على الإعادة ولهذا استدل (تعالى) (٢) على إمكان الحشر بالخلق الأول كما قال : (ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم: ٢٧] وقوله : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) [يس : ٧٩] وأيضا خلق السماوات والأرض كما قال : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى) [يس : ٨١].

قوله : (إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) استفهام إنكاري أي إننا كائنون في خلق جديد أو واقعون فيه (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) إضراب عن الأول يعني ليس إنكارهم لمجرد الخلق ثانيا بل يكفرون بجميع أحوال الآخرة حتى لو صدقوا بالخلق الثاني لما اعترفوا بالعذاب والثواب. أو يكون المعنى لم ينكروا البعث لنفسه بل لكفرهم بلقاء الله فإنهم كرهوه فأنكروا المفضي إليه ، ثم بين لهم ما يكون (من الموت (٣) إلى العذاب) فقال : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ) يقبض أرواحكم (مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) أي وكل بقبض أرواحكم وهو عزرائيل ، (والتّوفّي) (٤) استيفاء العدد معناه أنه يقبض أرواحهم حتى لا يبقى أحد من العدد الذي كتب عليه الموت (٥).

فصل

روي أن ملك الموت جعلت له الدنيا مثل راحة اليد يأخذ منها صاحبها ما أحب من غير مشقة فهو يقبض أنفس الخلق من مشارق الأرض ومغاربها (٦) ، وله أعوان من ملائكة الرحمة وأعوان من ملائكة العذاب ، وقال ابن عباس : خطوة ملك الموت ما بين المشرق والمغرب ، وقال مجاهد : جعلت الأرض مثل طست (٧) يتناول منها حيث شاء.

قوله : (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) أي تصيرون إليه أحياء فيجزيكم بأعمالكم ، وقرأ العامة : ترجعون ببنائه للمفعول ، وزيد بن علي (٨) : ببنائه للفاعل.

قوله : (وَلَوْ تَرى) في «لو» هذه وجهان :

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من «ب».

(٢) ساقط من «ب».

(٣) ساقط من «ب».

(٤) ساقط من «ب».

(٥) انظر تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٧٦.

(٦) انظر : القرطبي ١٤ / ٩٣ وفي «ب» إلى مغاربها.

(٧) المرجع السابق.

(٨) ذكرها أبو حيان في بحره ٧ / ٢٠٠ والإتحاف ٣٥١.

٤٨١

أحدهما : أنها لما كان سيقع لوقوع غيره. وعبّر (١) عنها الزمخشري بامتناع لامتناع (٢) ، وناقشه أبو حيان في ذلك. وقد تقدم تحقيقه أول البقرة (٣) ، وعلى هذا جوابها محذوف أي لرأيت أمر فظيعا (٤).

والثاني : أنها للتمني. قال الزمخشري كأنه قيل : وليتك (٥) ترى. وفيها إذا كانت للتمنّي خلاف هل تقتضي جوابا أم لا (٦) ، وظاهر تقدير الزمخشري هنا أنه لا جواب لها.

قال أبو حيان : والصحيح أن لها جوابا (٧) وأنشد :

٤٠٦٥ ـ فلو نبش المقابر عن كليب

فيخبر بالذّنائب أيّ زير

بيوم الشّعثمين لقرّ عينا

وكيف لقاء من تحت القبور (٨)

قال الزمخشري : ولو تجيء في معنى التمني كقولك : «لو تأتيني فتحدثني» (كما تقول) (٩) : «ليتك تأتيني فتحدّثني» (١٠) قال ابن مالك : أن أراد به الحذف أي وددت لو تأتيني (١١) فتحدثني فصحيح وإن أراد أنها موضوعة له فليس بصحيح ، إذ لو كانت موضوعة له لم يجمع بينها وبينه كما لم يجمع بين «ليت» والتمني ، ولا «لعل وأترجّى» ، ولا «إلا» واستثني ، ويجوز أن يجمع بين «لو» وأتمنى تقول (تمنّيت (١٢) لو فعلت كذا) ، والمخاطب يحتمل أن يكون النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ شفاء لصدره ، فإنهم (١٣) كانوا يؤذونه بالتكذيب ، ويحتمل أن يكون عاما ، و «إذ» على بابها من المضي ؛ لأن «لو» (١٤) تصرف المضارع للمضي ، وإنما جيء هنا ماضيا لتحقق وقوعه نحو : (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١]. وجعله أبو البقاء (١٥) مما وقع فيه «إذ» موقع «إذا». ولا حاجة إليه. والمراد بالمجرمين المشركون.

__________________

(١) في «ب» وعرفها.

(٢) قال : «وأن تكون «لو» الامتناعية قد حذف جوابها وهو لرأيت أمرا فظيعا» الكشاف ٣ / ٢٤٢.

(٣) يقصد الآية ٢٠ من سورة «البقرة» وهي قوله تعالى : «وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».

(٤) ذكره الكشاف في المرجع السابق.

(٥) المرجع السابق.

(٦) ذكره ابن هشام في المغني ٢٦٧.

(٧) البحر المحيط لأبي حيان ٧ / ٢٠١.

(٨) بيتان من تمام الوافر من قصيدة لامرىء القيس بن ربيعة الملقب بمهلهل يذكر فيها ما وقع من أخذه بثأر أخيه و «الذنائب» موضع وكذا «الشعثمان» «وكليب» أخوه والشاهد حصول الجواب «للو» التي لتمني حصول شيء مستحيل. «فلو» هنا للتمني وجوابه ا «لقرّ عينا» وانظر : الأمالي للقالي ١ / ٤ و ٢ / ١٣١ والبحر المحيط ٧ / ٢١٠ ، والمغني ٢٦٧ ، ويس ٢ / ٢٥٩ والأصمعيات ١٥٤ و ١٥٥ ، والحماسة البصرية ١ / ٨٤ ، والأشموني ٤ / ٣٢ وتوضيح المقاصد ٤ / ٢٧٠ وشرح شواهد المغني للسيوطي ٦٥٤.

(٩) ساقط من «ب».

(١٠) انظر : شرح المفصل لابن يعيش ٩ / ١١.

(١١) نقله في شرح الكافية الشافية ٦٥ وكذلك نقله عنه في بحره أبو حيان ٧ / ٢٠١.

(١٢) ما بين القوسين ساقط من «ب».

(١٣) في «ب» : لأنّهم.

(١٤) في «ب» «لم» وهو تحريف.

(١٥) قال : و «إذ» هنا يراد بها المستقبل ، وقد ذكرنا مثل ذلك في البقرة والتقدير : يقولون ربنا ، انظر : التبيان ١٠٤٨.

٤٨٢

قوله : (ناكِسُوا) العامة على أنه اسم فاعل مضاف لمفعوله تخفيفا ، وزيد بن علي «نكسوا» (١) فعلا ماضيا «رؤوسهم» مفعول به ، والمعنى مطأطئو رؤوسهم.

قوله : «ربّنا» على إضمار القول ، وهو حال أي قائلين ذلك ، وقدره الزمخشري يستغيثون (٢) بقولهم ، وإضمار القول (٣) أكثر (٤).

قوله : (أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا) يجوز أن يكون المفعول مقدرا أي أبصرنا ما كنّا نكذب وسمعنا ما كنا ننكر. ويجوز أن لا يقدر أي صرنا بصراء سميعين فارجعن ا «(إلى الدنيا) نعمل صالحا» يجوز أن يكون «صالحا» مفعولا به ، وأن يكون نعت مصدر ، وقولهم : (إِنَّا مُوقِنُونَ) أي إنا آمنا في الحال ، ويحتمل أن يكون المراد أنهم ينكرون الشرك كقولهم : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣].

قوله تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤) إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٧) أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (١٨) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٠) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ)(٢٢)

قوله : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) رشدها وتوفيقها للإيمان ، وهذا جواب عن قولهم : ربنا أبصرنا وسمعنا وذلك أن الله تعالى قال : إني لو رجعتكم إلى الإيمان لهديتكم في الدنيا ، ولما لم أهدكم في الدنيا تبين أني ما أردت وما شئت إيمانكم فلا أردكم ، وهذا صريح في الدلالة على صحة مذهب أهل السنة حيث قالوا إن الله تعالى ما أراد الإيمان من الكافر ، وما شاء منه (٥) إلا الكفر.

__________________

(١) ذكرها أبو حيان ٧ / ٢٠١.

(٢) الكشاف ٣ / ٢٤٢.

(٣) ما بين القوسين كله ساقط من «ب».

(٤) ذكره ابن الأنباري في غريبه ٢ / ٢٥٩ فقال : «تقديره : يقولون ربنا أبصرنا وسمعنا» فحذف القول وحذف القول كثير في كلامهم.

(٥) وبهذا الاعتبار اختار أهل النظر من العلماء أن سموا هذه المنزلة بين المنزلتين كسبا ، وأخذوا هذه ـ

٤٨٣

قوله : (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي) وجب القول (مني) (١) وهو قوله تعالى : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ). (فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ) قال مقاتل (٢) : إذا دخلوا النار قال لهم الخزنة : (فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ) أي تركتم الإيمان به في الدنيا. (لِقاءَ يَوْمِكُمْ) (يجوز(٣) فيه أوجه :

أحدها : أنها من التنازع لأن (٤) «ذوقوا» يطلب (لِقاءَ يَوْمِكُمْ) و «نسيتم» يطلبه أيضا أي ذوقوا عذاب لقاء يومكم) هذا بما نسيتم عذاب لقاء يومكم هذا ويكون من إعمال الثاني عند البصريين ومن إعمال الأول عند الكوفيين (٥) ، والأول أصح للحذف من الأول ؛ إذ لو عمل الأول لأضمر في (الثاني) (٦).

الثاني : أن مفعول «ذوقوا» محذوف أي ذوقوا العذاب بسبب نسيانكم لقاء يومكم (٧) ، (و «هذا» (٨) على هذين الإعرابين صفة «ليومكم».

الثالث : أن يكون مفعول (٩) «ذوقوا» «هذا» والإشارة به إلى العذاب ، والباء سببية أيضا أي فذوقوا هذا العذاب بسبب نسيانكم لقاء يومكم) (١٠) ، وهذا ينبو عنه الظاهر ، قال ابن الخطيب : «هذا» يحتمل ثلاثة أوجه : (١١) أن يكون إشارة إلى اللقاء (وأن (١٢) يكون إشارة إلى اليوم) ، وأن يكون إشارة إلى العذاب ، ثم قال : (إِنَّا نَسِيناكُمْ) تركناكم غير ملتفت إليكم (وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من الكفر والتكذيب.

قوله : (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً) سقطوا على وجوههم ساجدين (وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) ، قيل : سلموا بأمر ربهم (١٣). وقيل : قالوا سبحان الله وبحمده (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) عن الإيمان به والسجود له.

قوله : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) يجوز في «تتجافى» أن يكون مستأنفا (١٤) ،

__________________

ـ التسمية من كتاب الله العزيز وهو قوله تعالى : «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ». انظر القرطبي ١٤ / ٩٨.

(١) ساقط من «ب».

(٢) نقله في زاد المسير ٦ / ٣٣٧.

(٣) ما بين المعقوفين كله ساقط من (ب).

(٤) حكاه أبو البقاء في التبيان ٤٩. والبحر ٧ / ٢٠٢ والدر المصون ٤ / ٣٥٩.

(٥) التبيان ١٠٤٩ والدر المصون ٤ / ٣٦٠.

(٦) زيادة عن النسختين يقتضيها سياق الكلام.

(٧) ذكره في البحر المحيط ٧ / ٢٠٢.

(٨) المرجع السابق.

(٩) ذكره أبو البقاء في التبيان ١٠٤٩.

(١٠) ما بين القوسين كله ساقط من «ب».

(١١) انظر : التفسير الكبير للإمام الفخر الرازي ٢٥ / ١٨٠.

(١٢) ساقط من «ب» وهي في تفسير الفخر الرازي.

(١٣) تفسير القرطبي ١٤ / ٩٩.

(١٤) انظر : البيان ٢ / ٢٥٩.

٤٨٤

وأن يكون (١) حالا وكذلك «يدعون» (٢) إذا جعل «يدعون» حالا احتمل أن يكون حالا ثانية ، وأن يكون حالا من الضمير في «جنوبهم» ؛ لأن المضارع خبر (٣) ، والتجافي الارتفاع (٤) ، وعبر به عن ترك النوم ، قال ابن رواحة :

٤٠٦٦ ـ نبيّ تجافى جنبه عن فراشه

إذا استثقلت بالمشركين المضاجع (٥)

والمعنى يرتفع (وينبو) (٦) جنوبهم عن المضاجع جمع المضجع وهو الموضع الذي يضطجع عليه يعني الفراش وهم المتهجدون بالليل الذين يقيمون الصلاة ، قال أنس : نزلت فينا معشر الأنصار ، كنا نصلي المغرب الصلاة فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلّي العشاء مع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٧) ـ. (وعن أنس (٨) : أيضا قال : نزلت في أناس من أصحاب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٩)) كانوا يصلّون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء وهو قول أبي حازم (١٠) ، ومحمّد بن (١١) المنكدر ، وقال في صلاة الأوابين وهو مروي عن ابن عباس. وقال عطاء : هم الذين لا ينامون حتى يصلوا العشاء الآخرة والفجر في جماعة (١٢) ، (وقال (١٣) صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من صلّى العشاء في جماعة) (كان (١٤) كقيام نصف ليلة ومن صلى الفجر في جماعة) كان كقيام ليلة (١٥) ، والمشهور أن المراد منه صلاة الليل ، وهو قول (١٦) الحسن

__________________

(١) البيان ٢ / ٢٥٩ والتبيان ١٠٤٩ ومشكل الإعراب ٢ / ١٨٧.

(٢) المراجع السابقة.

(٣) هكذا تلك العبارة هنا وما في السمين : «لأن المضاف جر ويظهر ـ كما في التصريح ـ أن المراد أن المضاف جزء من المضاف إليه وهو أحد شروط مجيء الحال من المضاف». التصريح ١ / ٣٠٨.

(٤) ذكره في زاد المسير ٦ / ٣٣٩ ومجاز القرآن ٢ / ١٣٢.

(٥) بيت من بحر الطويل لعبد الله بن رواحة أحد أصحاب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وشاهده في «تجافى» فإن معناه الارتفاع بجسم رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن الفراش. وانظر : تفسير ابن كثير ٣ / ٤٥٩ والطبري ٢١ / ٦٤ والبحر المحيط ٧ / ٢٠٢ و ٣٤٥ ومجمع البيان للطبرسي ٧ / ١٧ والسراج المنير ٣ / ٢٠٨ والقرطبي ١٤ / ١٠٠.

(٦) تصحيح يقتضيه الكلام.

(٧) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير ٦ / ٣٣٩ والقرطبي ١٤ / ١٠١.

(٨) المرجعان السابقان.

(٩) ما بين القوسين ساقط من «ب».

(١٠) هو سلمة بن دينار مولى الأسود بن سفيان أبو حازم الأعرج التمّار المدني القاصّ الزاهد ، أحد الأعلام عن ابن عمر ، وابن عمرو ، وسهل بن سعد ، وابن المسيب وعنه ابنه عبد العزيز ومالك والسفيانان ؛ كان ثقة مات سنة ١٣٥. انظر : الخلاصة ١٤٨.

(١١) ابن عبد الله أبو عبد الله المدني أحد الأئمة الأعلام عن عائشة وأبي هريرة ، وأبي قتادة ، وجابر ، وعنه زيد بن أسلم ويحيى الأنصاري وخلق. مات سنة ١٣٠ ه‍. المرجع السابق ٣٦٠ وانظر رأيهما في القرطبي ١٤ / ١٠١.

(١٢) نقله الشوكاني في فتح القدير ٤ / ٢٥٣.

(١٣) ساقط من «ب».

(١٤) ساقط كذلك.

(١٥) نقله القرطبي في تفسيره ١٤ / ١٠١ مرويّ عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.

(١٦) الجامع لأحكام القرآن ١٤ / ١٠٠.

٤٨٥

وجماعة ومجاهد ، ومالك والأوزاعي (١) وجماعة لقوله عليه (الصلاة (٢) و) السلام : «أفضل الصّيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرّم ، وأفضل الصّلاة بعد الفريضة صلاة اللّيل» (٣) ، وقال عليه (الصلاة (٤) و) السلام ـ : «إن (٥) في الجنّة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدّها الله لمن ألان الكلام ، وأطعم الطّعام ، وتابع الصّيام ، وصلّى باللّيل والنّاس نيام».

(قوله) (٦) : (خَوْفاً وَطَمَعاً) إما مفعول من أجله وإمّا حالان (٧) ، (وإما) مصدران لعامل مقدر.

قال ابن عباس : خوفا من النار (٨) وطمعا في الجنة ، (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ). قيل : أراد به الصدقة المفروضة وقيل : عام في الواجب (٩) والتطوع.

قوله : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) قرأ حمزة «أخفي» فعلا مضارعا(١٠) مسندا لضمير المتكلم فلذلك سكنت ياؤه (لأنه) (١١) مرفوع ، ويؤيده (١٢) قراءة ابن مسعود : «ما نخفي» بنون العظمة (١٣) ، والباقون «أخفي» ماضيا مبنيا (١٤) للمفعول ، (فمن) (١٥) ثمّ فتحت ياؤه ، وقرأ محمد بن كعب (١٦) «أخفى» ماضيا مبنيا (١٧) للفاعل ، وهو الله تعالى ، يؤيدها قراءة الأعمش و [«ما](١٨) أخفيت» (١٩) مسندا للمتكلم. و «ما» يجوز أن تكون موصولة أي لا يعلم الذي أخفاه الله ، وفي الحديث : «ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» (٢٠) وأن تكون

__________________

(١) هو أبو عمرو وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي الإمام الفقيه الحجة الورع سمع من الزهري وعطاء.

وعنه أخذ الثوري وابن المبارك وخلق مات سنة ١٥٧ ه‍ انظر : الخلاصة ٢٣٢.

(٢) زيادة من «ب».

(٣) الحديث رواه الإمام أحمد ٢ / ٣٤٢ و ٣٤٤.

(٤) ساقط من «ب».

(٥) رواه الإمام أحمد في مسنده في ٢ / ١٧٣ و ٥ / ٣٤٣.

(٦) ساقط من «ب».

(٧) معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٢٠٧ ، والبيان ٢ / ٢٩٠.

(٨) ذكره الزجاج في : ٤ / ٢٠٧.

(٩) المرجع السابق.

(١٠) الإتحاف ٣٥٣ والسبعة ٥١٦ والنشر ٢ / ٣٤٧ وحجة ابن خالويه ٢٨٧ ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٢٠٧ وإعراب القرآن للنحاس ٤ / ٢٩٥.

(١١) في «أ» هنا وساقط من «ب».

(١٢) في «ب» ويؤيدها وهو الأقرب أي يؤيد القراءة.

(١٣) وهي قراءة شاذة ذكرها ابن خالويه في مختصره.

(١٤) المراجع السابقة.

(١٥) سقطت من «ب».

(١٦) هو : محمد بن كعب بن سليم أبو حمزة ويقال أبو عبد الله القرظي تابعيّ جليل روى عن فضالة بن عبيد وعائشة وأبي هريرة وغيرهم مات سنة ١٠٨ ه‍ انظر : طبقات القراء ٢ / ٢٣٣.

(١٧) الإتحاف ٣٥٢.

(١٨) زيادة من «أ».

(١٩) من القراءة الشاذة. انظرها في ابن خالويه ١١٧ و ١١٨.

(٢٠) رواه أبو هريرة انظر البخاري ٣ / ١٧٤.

٤٨٦

استفهامية (١) معلقة «لتعلم» فإن كانت متعدية لاثنين سدت مسدهما أو لواحد سدت مسده.

قوله : (مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) قرأ عبد الله ، وأبو الدرداء وأبو هريرة «من قرات أعين» جمعا (٢) بالألف والتاء ، و «جزاء» مفعول له ، أو مصدر (٣) مؤكد لمعنى الجملة قبله ، وإذا كانت «ما» استفهامية فعلى قراءة (من (٤) قرأ ما) بعدها فعلا ماضيا يكون في محل رفع بالابتداء ، والفعل بعدها الخبر ، وعلى قراءة من قرأ مضارعا يكون مفعولا مقدما (٥) و «من قرّة» حال (٦) من «ما» والمعنى ما يقرّ الله به أعينهم (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) قال ابن عباس (٧) : هذا مما لا تفسير له. قال بعضهم(٨) : أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم.

قوله : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً) نزلت في عليّ بن أبي طالب ، والوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان لأمه وذلك أنه كان بينهما تنازع فقال الوليد بن عقبة لعليّ : اسكت فإنك فاسق فأنزل الله عزوجل : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) ولم يقل لا يستويان لأنه لم يرد مؤمنا واحدا ولا فاسقا واحدا بل أراد جميع المؤمنين وجميع الفاسقين. وقوله : «لا يستوون» مستأنف ؛ روي أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان يعتمد الوقف على قوله «فاسقا» ثم يبتدىء : «لا يستوون».

قوله : (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) لما ذكر أن المؤمن (٩) والفاسق لا يستويان بطريق الإجمال بين عدم استوائهما على سبيل التفصيل فقال : (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى) قرأ (١٠) طلحة «جنة المأوى» بالإفراد (١١) ، والعامة بالجمع ، أي التي يأوي إليها المؤمنون. وقرأ أبو حيوة (١٢) نزلا ـ بضم وسكون ـ وتقدم تحقيقه آخر آل عمران (١٣) ، (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ) وهذا إشارة إلى حال الكافر ، واعلم أن العمل الصالح له مع الإيمان تأثير فلذلك قال : (آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ، وأما الكفر فلا التفات إلى الأعمال معه فلهذا لم يقل : (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا

__________________

(١) المراجع السابقة.

(٢) من الشواذ وانظر المختصر ١١٨ والمحتسب ٢ / ١٧٤ ومعاني الفراء ٢ / ٣٣٢.

(٣) ذكره أبو البقاء في التبيان ١٠٤٩.

(٤) ساقط من «ب».

(٥) الدر المصون ٤ / ٣٦١.

(٦) السابق.

(٧) القرطبي ١٤ / ١٠٤.

(٨) وهو الحسن ذكر الطبري في تفسيره ٢١ / ٦٨.

(٩) في «ب» الفاسق والمؤمن.

(١٠) طلحة هنا هو طلحة بن مصرف وقد تقدمت ترجمته.

(١١) انظر : مختصر ابن خالويه ١١٨ وهي من الشواذ غير المتواترة.

(١٢) ذكرها أبو حيان ٧ / ٢٠٣.

(١٣) يقصد قوله تعالى :«نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ» وهي الآية ٩٨ من سورة «آل عمران» وقد بين هناك أن الإسكان للتخفيف وأن النزل والنزل هو إعداد الضيف انظر اللباب ٢ / ٦٥٠ ب.

٤٨٧

وعملوا السيئات» ؛ لأن المراد من «فسقوا» كفروا ، ولو جعل العقاب في مقابلة الكفر والعمل لظن (أن) (١) مجرد الكفر (لا) (٢) عقاب عليه (٣).

قوله : (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ) صفة لعذاب (٤) ، وجوز أبو البقاأ أن يكون صفة للنار قال : وذكر على معنى الجحيم والحريق (٥).

قوله : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ) قال أبي بن كعب والضحاك والحسن وإبراهيم (٦) : العذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها (٧) وهو (٨) روآية الوالبي (٩) عن ابن عباس ، وقال عكرمة عنه : الحدود (١٠) ، وقال مقاتل : الجوع (١١) سبع سنين بمكة حتى أكلوا الجيف والعظام والكلاب. وقال ابن مسعود (١٢) : هو القتل بالسيف يوم بدر وهو قول قتادة والسدي. وأما العذاب الأكبر وهو عذاب الآخرة فإن عذاب الدنيا لا نسبة له إلى عذاب الآخرة (١٣).

فإن قيل : ما الحكمة في مقابلته «الأدنى» «بالأكبر» ، «والأدنى» إنما هو في مقابلة «الأقصى» «والأكبر» إنما هو في مقابلة «الأصغر»؟

فالجواب : أنه حصل (١٤) في عذاب الدنيا أمران : أحدهما : أنه قريب والآخر : أنه قليل صغير ، وحصل (١٥) في عذاب الآخرة أيضا أمران ، أحدهما : أنه بعيد والآخر أنه عظيم كبير لكن العرف (١٦) في عذاب الدنيا هو (١٧) أنه الذي يصلح التخويف به فإن العذاب العاجل وإن كان قليلا فلا يحترز عنه بعض الناس أكثر مما يحترز من (١٨) العذاب الشديد إذا كان آجلا ، وكذا الثواب العاجل قد يرغب فيه بعض الناس ويستبعد الثواب العظيم الآجل. وأما في عذاب الآخرة فالذي يصلح للتخويف هو العظيم والكبير (لا) (١٩) البعيد لما بينا فقال في عذاب الدنيا الأدنى ليحترز العاقل (٢٠) عنه ولو قال : «ولنذيقنهم

__________________

(١) ساقط من «ب».

(٢) ساقط من «ب».

(٣) انظر تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٨٢.

(٤) الدر المصون ٤ / ٣٦١ والتبيان ١٠٥٠.

(٥) المرجع السابق الأخير.

(٦) هو النخعي وقد سبق ترجمته.

(٧) القرطبي ١٤ / ١٠٧.

(٨) في «ب» وهي.

(٩) الوالبي : علي بن ربيعة بن نضلة الوالبي أبو المغيرة الكوفي عن علي وسلمان ، وعنه الحكم وأبو إسحاق له في البخاري ومسلم حديث. انظر : خلاصة الكمال ٢٧٤.

(١٠) المرجع السابق.

(١١) فتح القدير ٤ / ٢٥٦ والمرجع السابق أيضا.

(١٢) زاد المسير ٦ / ٣٤١.

(١٣) المرجع السابق.

(١٤) في «ب» جعل بدلا من حصل.

(١٥) في «ب» جعل بدلا من حصل.

(١٦) في «ب» لكن الفرق وفي تفسير الفخر الرازي «لكن القرب» وهو الأقرب.

(١٧) في «ب» وهو بزيادة واو.

(١٨) في «ب» عن.

(١٩) هكذا هي هنا وفي تفسير الفخر الرازي ولكنها ساقطة من «ب».

(٢٠) في «ب» العاجل.

٤٨٨

من العذاب الأصغر» ما كان يحترز عنه لصغره وعدم فهم كونه عاجلا ، وقال في عذاب الآخرة الأكبر لذلك المعنى ولو قال : من العذاب الأبعد الأقصى (لما حصل) (١) التخويف به مثل ما يحصل (٢) بوصفه بالكبر.

قوله : (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) إلى الإيمان يعني من بقي منهم بعد «بدر».

فإن قيل : ما الحكمة في هذا الترجي وهو على الله تعالى محال؟

فالجواب : فيه وجهان :

أحدهما : معناه لنذيقنهم إذاقة الراجين كقوله : (إِنَّا نَسِيناكُمْ) يعني تركناكم كما يترك الناسي (حيث لا يلتفت (٣) إليه) أصلا كذلك هاهنا.

والثاني : نذيقهم العذاب إذاقة يقول القائل : لعلهم يرجعون بسببه.

قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ) (أي من (٤) ذكر بآيات الله) من النعم أولا ، والنقم ثانيا ولم يؤمنوا ، فلا أظلم منهم أحد.

قوله : (ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها) هذه أبعد (٥) ما بين الرتبتين معنى (٦) ، وشبهها الزمخشري بقوله :

٤٠٦٧ ـ وما يكشف الغماء إلا ابن حرة

يرى غمرات الموت ثم يزورها (٧)

قال : استبعد (أن يزور) (٨) غمرات الموت بعد أن رآها وعرفها ، واطلع على شدتها (٩).

قوله : (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) (يعني المشركين) (١٠) «منتقمون».

قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٢٣) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (٢٤) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٢٥) أَوَلَمْ

__________________

(١) ساقط من «ب».

(٢) في «ب» ما يحترز.

(٣) ساقط من «ب».

(٤) كذلك.

(٥) في «ب» لبعد.

(٦) الدر المصون ٤ / ٣٦١.

(٧) وفي الكشاف : «لا يكشف» وفي البح ر «ولا يكشف» والغماء : الشدة المظلمة والبيت من بحر الطويل وهو لجعفر بن علبة الحارثي ومعناه : أن تلك الغمة لا يزيلها إلا إنسان شجاع ابن حرة يجيد الهلاك في الإقدام ومع ذلك يقدم عليه وشاهده أن «ثم» هنا تفيد التراخي بين رتبتين متباينتين رتبة النكوص ورتبة الإقدام وعلى ذلك صح التنظير بالآية. وانظر : البحر المحيط ٧ / ٢٠٤ والحماسة البصرية ١ / ١٥٠ والكشاف ٣ / ٢٤٦ وشرح شواهده ٤ / ٤١٧ والسراج المنير ٣ / ٢١٣ والبيضاوي ٢ / ١٢٦.

(٨) ساقط من «ب».

(٩) الكشاف ٣ / ٢٤٦.

(١٠) ساقط من «ب».

٤٨٩

يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (٢٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (٢٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٨) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٢٩) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ)(٣٠)

قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) لما قرر الأصول الثلاثة عاد إلى الأمثل الذي بدأ به وهو الرسالة المذكورة في قوله : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ) وقال : إنك لست بدعا من الرسل بل كان قبلك رسل مثلك ، وذكر موسى لقربه (من) (١) النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ووجود من كان على دينه إلزاما لهم ، وإنما لم يختر عيسى ـ عليه (الصلاة و) (٢) السلام (للذكر) (٣) والاستدلال لأن اليهود ما كانوا يوافقون على نبوته ، وأما النصارى فكانوا يعترفون بنبوة عيسى (٤) عليه‌السلام فتمسك بالمجمع عليه (٥).

قوله : (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ) قرأ الحسن (٦) بالضم وهي لغة ، وقوله : (مِنْ لِقائِهِ) في الهاأ أقوال :

أحدها : أنها عائدة على «موسى» والمصدر مضاف لمفعوله أي من لقائك موسى ليلة الإسراء. وامتحن المبرد الزجاج في هذه المسألة فأجاب بما ذكر ، قال ابن عباس وغيره : المعنى فلا تكن في شك من لقاء موسى فإنك تراه وتلقاه (٧) ، روى ابن عباس عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : رأيت ليلة أسري (٨) بي موسى (٩) رجلآدم (١٠) طوالا جعدا (١١) كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى رجلامربوعا (١٢) إلى الحمرة والبياض سبط (١٣) الرأس ، ورأيت مالكا خازن النار والدجال في آيات أراهني الله إياه.

والثاني : أن الضمير يعود على «الكتاب» وحينئذ يجوز أن تكون الإضافة للفاعل أي من لقاء الكتاب لموسى (١٤) أو للمفعول أي من لقاء موسى (١٥) الكتاب لأن اللقاء يصح نسبته إلى كل منهما ، لأن من لقيك فقد لقيته.

__________________

(١) ساقط من «ب».

(٢) زيادة من «ب».

(٣) ساقط من «ب».

(٤) هكذا هي هنا.

(٥) انظر : التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٥ / ١٨٥ و ١٨٦.

(٦) ذكرها أبو حيان ٧ / ٢٠٥.

(٧) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير ٦ / ٣٤٣.

(٨) في «ب» الإسراء.

(٩) الحديث رواه السيوطي في جامع الأحاديث ٤ / ١٩٤.

(١٠) أي لأدمة فيه.

(١١) أي مجتمع بعض على بعض.

(١٢) أي لا بالطويل ولا بالقصير.

(١٣) أي مسترسل غير جعد.

(١٤) وهو رأي الزجاج. انظره في معاني القرآن ٤ / ٢٠٩.

(١٥) وهو رأي أبي علي الفارسي ، انظر : زاد المسير ٦ / ٣٤٣.

٤٩٠

قال السدي المعنى فلا تكن في مرية من لقائه أي تلقى موسى كتاب الله بالرضا والقبول (١).

الثالث : أي يعود (٢) على الكتاب على حذف مضاف أي من لقاء مثل كتاب موسى (٣).

الرابع : أنه عائد (٤) على ملك الموت لتقدم ذكره.

الخامس : عوده (٥) على الرجوع المفهوم من قوله : (إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) أي لأنك في مرية من لقاء الرجوع.

السادس : أنه يعود (٦) على ما يفهم من سياق الكلام مما ابتلي به موسى من البلاء والامتحان ، قاله الحسن (٧). أي لا بد أن يلقى ما لقي موسى من قومه فاختار موسى عليه‌السلام لحكمة وهي أن أحدا من الأنبياء لم يؤذه من قومه إلا الذين لم يؤمنوا ، وأما الذين آمنوا به فلم يخالفوه غير قوم موسى عليه‌السلام فإن من لا آمن به آذاه كفرعون (وغيره) (٨) ومن آمن به من بني إسرائيل أيضا (آذاه) (٩) بالمخالفة وطلب أشياء مثل رؤية الله جهرة وكقولهم : «اذهب (أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا). وأظهر هذه الأقوال أن الضمير إما لموسى وإما للكتاب ، ثم بين (أن (١٠) له هدآية غير عادية عن المنفعة كما أنه لم تحل هدآية موسى حيث جعل الله كتاب موسى هدى) وجعل منهم أئمة يهدون كذلك يجعل (١١) كتابك هدى ويجعل (١٢) من أمتك صحابة (١٣) يهدون كما قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم(١٤) اهتديتم» ، ثم بين أن ذلك يحصل بالصبر فقال : (لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ).

فصل

(لَمَّا صَبَرُوا) قرأ الأخوان (١٥) بكسر اللام وتخفيف الميم ، على أنها لائم الجر و («ما») (١٦) مصدرية ، والجار متعلق بالجعل أي جعلناهم كذلك لصبرهم ولإيقانهم (١٧) ، والباقون بفتحها وتشديد الميم. وهي «لما» التي تقتضي جوابا وتقدم فيها

__________________

(١) المرجع السابق.

(٢) السابق والقرطبي ١٤ / ١١١.

(٣) السابق والقرطبي ١٤ / ١١١.

(٤) السابق والقرطبي ١٤ / ١١١.

(٥) السابق والقرطبي ١٤ / ١١١.

(٦) السابق والقرطبي ١٤ / ١١١.

(٧) المراجع السابقة.

(٨) سقط من «ب».

(٩) سقط من «ب».

(١٠) ما بين الأقواس ساقط من «ب».

(١١) في «ب» جعل.

(١٢) في «ب» جعل.

(١٣) في «ب» أصحابا.

(١٤) الحديث في الفخر الرازي ٢٥ / ١٨٦.

(١٥) وهي قراءة رويس أيضا النشر ٢ / ٣٤٧ وتقريبه ١٦٠ والسبعة ٥١٦.

(١٦) ساقط من «ب».

(١٧) في «ب» وليقينهم وانظر : الدر المصون ٤ / ٣٦٢.

٤٩١

قولا سيبويه (١) والفارسي ، والمعنى حين صبروا على دينهم وعلى البلاء من عدوهم بمصر.

قوله : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) هذا يصلح أن يكون جوابا لسؤال وهو أنه تعالى لما قال : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ) فكان لقائل أن يقول : كيف يهدون وهم اختلفوا وصاروا فرقا والحق واحد؟ فقال (الله) (٢) يبين المبتدع من المتبع كما يبين المؤمن من الكافر يوم القيامة.

قوله : (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) يتبين لهم (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) لما أعاد ذكر الرسالة أعاد ذكر التوحيد وقال : (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ) وقوله (يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) أي مساكن المهلكين (دلالة على (٣) حالتهم) وأنتم تمشون فيها وتبصرونها (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ) آيات الله وعظاته واعتبر السمع لأنهم ما كان لهم قوة الإدراك بأنفسهم والاستنباط بعقولهم فقال : (أَفَلا يَسْمَعُونَ) (يعني) (٤) ليس لكم درجة المتعلم الذي يسمع الشيء ويفهمه.

قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ) قرى (٥) الجرز ـ بسكون الراء ـ وتقدم أول الكهف (٦). وهي الأرض اليابسة (٧) الغليظة التي لا نبات فيها ، قال ابن عباس : هي أرض باليمن (٨) ، وقال مجاهد : هي أرض بأنين (٩). والجرز هو القطع فكأنها المقطوع عنها الماء والنبات. لما بين الإهلاك وهو الإماتة بين الإحياء ليكون إشارة إلى أن الضرر والنفع بيد الله ثم قال : (فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ) من العشب والتبن (وَأَنْفُسُهُمْ) من الحبوب والأقوات ، وقدم الأنعام على الأنفس في الأكل لوجوه :

الأول : أن الزرع أول ما ينبت للدواب ولا يصلح للإنسان.

الثاني : أن الزرع غذاء للدواب لا بد منه وأما غذاء الإنسان فقد يصلح للحيوان فكان الحيوان يأكل الزرع ثم الإنسان يأكل من الحيوان (١٠).

قوله : (أَفَلا يُبْصِرُونَ) قرأ العامة بالغيبة ، (وابن مسعود) (١١) بالخطاب (١٢) التفاتا.

__________________

(١) انظر الكتاب ٤ / ٢٣٤.

(٢) ساقط من «ب».

(٣) سقط كذلك من «ب».

(٤) ساقط من «ب».

(٥) ذكرت في البحر المحيط ٧ / ٢٠٥ وهي من الشواذ.

(٦) يقصد قول الله : «وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً» وهي الآية (٨).

(٧) انظر : مجاز القرآن ٢ / ١٣٢ وغريب القرآن ٣٤٧ ومعاني القرآن للفراء ٢ / ٣٣٣ واللسان جرز.

(٨) تفسير القرطبي ١٤ / ١١٠.

(٩) تفسير القرطبي ١٤ / ١١٠ وقال عكرمة : هي الأرض الظمأى. وقال الضحاك : هي الأرض الميتة العطشى.

(١٠) تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٨٧.

(١١) ساقط من «ب».

(١٢) ذكرها أبو حيان في البحر ٧ / ٢٠٥ والدر المصون ٤ / ٣٦٢.

٤٩٢

وقال تبصرون لأن الأمر (يرى) (١) بخلاف حال الماضي (٢) فإنها (٣) كانت مسموعة.

ثم لما بين الرسالة والتوحيد بين الحشر فقال : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) قيل : أراد بيوم الفتح يوم القيامة الذي فيه الحكم بين العباد (٤) قال قتادة : قال أصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ للكفار : إن لنا يوما ننعم (٥) فيه ونستريح ويحكم الله بيننا وبينكم فقالوا استهزاء (٦) : (مَتى هذَا الْفَتْحُ) أي القضاء والحكم. وقال الكلبي : يعني فتح مكة (٧) ، وقال السدي : يوم بدر لأن (٨) أصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كانوا يقولون لهم إن الله ناصرنا ومظهرنا عليكم فيقولون متى هذا الفتح.

فصل

(يَوْمَ الْفَتْحِ) منصو ب «بلا ينفع» و «لا» غير مانعة من ذلك (٩). وقد تقدم فيها مذاهب والمعنى يوم الفتح يوم القيامة لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ، ومن حمل الفتح على فتح مكة والقتل يوم بدر قال معناه لا ينفع الذين كفروا إيمانهم إذا جاءهم العذاب وقتلوا (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) أي لا يمهلون (١٠) بالإعادة إلى الدنيا ليؤمنوا ، ثم لما بين أن الدلائل لم تنفعهم قال : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) قال ابن عباس : نسختها آية القتال (١١).

قوله : (وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) العامة على كسر الظاء من «منتظر» اسم فاعل ، والمفعول من «انتظر» ومن «منتظرون» (١٢) محذوف أي انتظر ما يحلّ بهم إنهم منتظرون (على زعمهم (١٣) ما يحل بك. وقرأ اليمانيّ (١٤) : «منتظرون») اسم (١٥) مفعول.

قيل : المعنى انتظر موعدي (١٦) لك بالنصر إنهم منتظرون بك حوادث الزمان.

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق من الفخر الرازي ٢٥ / ١٨٧.

(٢) وفيه الماضين.

(٣) في «ب» كأنها.

(٤) وهو رأي مجاهد أيضا نقله في زاد المسير ٦ / ٣٤٤.

(٥) في «ب» نتنعم.

(٦) نقله القرطبي في ١٤ / ١١١.

(٧) وهو رأي ابن السائب والفراء وابن قتيبة. نقله الإمام ابن الجوزي في الزاد ٦ / ٣٤٤.

(٨) المرجع السابق.

(٩) نقله في البحر المحيط ٧ / ٢٠٦ والدر المصون ٤ / ٣٦٢.

(١٠) نقله الفخر الرازي ٢٥ / ١٨٨.

(١١) ذكره الإمام أبو الفرج بن الجوزي في الزاد ٦ / ٣٤٦ وقيل : الآية غير منسوخة. انظر : القرطبي ١٤ / ١١٢.

(١٢) ذكره أبو حيان في البحر ٧ / ٢٠٦ والدر المصون ٤ / ٣٦٢.

(١٣) ما بين القوسين ساقط من «ب».

(١٤) هو ابن السّميقع وقد عرفته.

(١٥) وهي قراءة شاذة انظر : المحتسب ٢ / ١٧٥ وابن خالويه ١١٨ والبحر المحيط ٧ / ٢٠٦ ، والقرطبي ١٤ / ١١٢.

(١٦) المرجع الأخير السابق.

٤٩٣

وقيل : انتظر (١) عذابنا فيهم إنهم منتظرون ذلك وعلى هذا فلا فرق بين الانتظار ، وقيل : انتظر عذابهم(٢) بنفسك إنهم منتظرونه بلفظهم استهزاءا كما قالوا : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) [الأعراف : ٧٠].

فصل

روى أبو هريرة قال : كان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقرأ في الفجر يوم الجمعة (الم. تَنْزِيلُ) و (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ)(٣).

وعن جابر قال : كان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لا ينام حتى يقرأ تبارك. والم. تنزيل ، ويقول : هما يفضلان على كلّ سورة في القرآن سبعين سنة ، ومن قرأهما كتب له سبعون حسنة ، ومحي عنه سبعون سيّئة ، ورفع له سبعون درجة (٤).

وروى الثعلبي عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : من قرأ سورة (الم. تَنْزِيلُ) أعطي من الأجر كمن أحيا ليلة القدر (٥). والله أعلم.

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ١٨٨.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ١٨٨.

(٣) أخرجه الشوكاني في فتح القدير ٤ / ٢٤٦.

(٤) المرجع السابق.

(٥) السابق بلفظ : من قرأ «تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ» و «الم. تنزيل السجدة» بين المغرب والعشاء الآخرة فكأنّما قام ليلة القدر. وانظر : السراج المنير ٣ / ٢١٦ ، والبيضاوي ٢ / ١٢٦ ، والكشاف ٣ / ٢٤٧.

٤٩٤

سورة الأحزاب

مكية (١) نزلت بعد آل عمران ، وهي ثلاث وسبعون آية ومائتان وثمانون كلمة وخمسة آلاف وسبعمائة حرف.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٢) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (٣) ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤) ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)(٥)

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) اعلم أن الفرق بين نداء المنادى بقوله : «يا رجل» ويأيّها الرّجل ، أن قوله : «يا رجل» يدل على النداء ، وقوله : «يا أيها الرجل» يدل على ذلك وينبىء عن خطر المنادى له أو غفلة المنادى فقوله : «يأيها» لا يجوز حمله على غفلة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لأن قوله : «النبي» ينافي الغفلة ؛ لأن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ خبير ، فلا يكون غافلا ، فيجب حمله على خطر الخطب (٢).

فإن قيل : الأمر بالشيء (٣) لا يكون إلا عند عدم اشتغال المأمور بالمأمورية إذ لا يصلح أن (يكون) (٤) يقال للجالس : اجلس وللساكت (٥) اسكت والنبي ـ عليه

__________________

(١) نقل الإمام الشوكاني في فتح القدير أنها مدنية ، ونزلت بالمدينة وانظر : فتح القدير ٤ / ٢٥٩. وذكر ابن الجوزي كذلك في زاد المسير ٦ / ٣٤٧ ، والإمام القرطبي في الجامع ١٤ / ١١٣.

(٢) وانظر هذا في تفسير الإمام الفخر ٢٥ / ١٨٩ ، قال : ونحن نقول : قول القائل : يا رجل يدل على النداء ، وقوله : يأيها الرجل يدل على ذلك أيضا وينبىء عن خطر خطب المنادى له أو غفلة المنادى.

(٣) هكذا هي هنا وفي «ب» بالنبي وهو تحريف.

(٤) زيادة لا معنى لها.

(٥) في (ب) ولا للساكت.

٤٩٥

الصلاة والسلام (١) ـ كان متقيا فما الوجه في قوله (اتَّقِ اللهَ)؟.

فالجواب : أنه أمر (بالمدينة (٢)) بالمداومة فإنه يصح أن يقال للجالس : اجلس ههنا إلى أن يأتيك ويقال للساكت قد أصبت فاسكت تسلم أي دم على ما أنت عليه ، وأيضا من جهة العقل أن الملك يتقي منه عباده على ثلاثة أوجه بعضهم يخاف من عقابه وبعضهم يخاف من قطع ثوابه وثالث يخاف من احتجابه فالنبي ـ عليه (الصلاة (٣) و) السلام لم يؤمر بالتقوى بالأول ولا بالثاني ، وأما الثالث: فالمخلص لا يأمنه ما دام في الدنيا فكيف والأمور البدنية شاغلة فالآدميّ في الدنيا تارة مع الله والأخرى مقبل على ما لا بد منه وإن كان معه الله وإلى هذا أشار بقوله : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ) [الكهف : ١١٠] يعني (٤) برفع الحجاب عني وقت الوحي ثم أعود إليكم كأني منكم فأمر بتقوى توجب استدامة الحضور ، وقال المفسرون : نزلت في أبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبي الأعور (٥) عمرو بن أبي (رأس المنافقين) بعد قتال أحد وقد أعطاهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الأمان على أن يكلموه فقام (معهم (٦)) عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وطعمة بن أبيرق فقالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وعنده عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزّى ومناة وقل إن لها شفاعة لمن عبدها وندعك وربّك فشق على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قولهم فقال عمر : يا رسول الله ائذن لي في قتلهم (٧). فقال : إني قد أعطيتهم الأمان. فقال عمر : اخرجوا في لعنة الله وغضبه وأمر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عمر أن يخرجهم من المدينة فأنزل الله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) أي دم على التقوى كما يقول الرجل لغيره وهو قائم : «قم (٨) قائما» أي اثبت (٩) قائما ، وقيل : الخطاب مع (١٠) النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والمراد الأمة ، وقال الضحاك معناه : اتق الله ولا تنقض العهد الذي بينك وبينهم.

قوله : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) أي من أهل مكة يعني أبا سفيان ، وعكرمة وأبا الأعور ، والمنافقين من أهل المدينة عبد الله بن أبي ، وطعمة (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً)(١١)) بخلقه قبل أن يخلقهم حكيما فيما دبره لهم.

فإن قيل : لم خص الكافر (١٢) والمنافق بالذكر مع أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ينبغي أن لا يطع أحدا غير الله؟.

فالجواب من وجهين :

__________________

(١) في «ب» صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومجد وشرف وكرم وبجل وعظم.

(٢) زيادة لا معنى لها.

(٣) زيادة من «ب».

(٤) في «ب» أي.

(٥) أسباب النزول للسيوطي ١٣٦.

(٦) ساقط من «ب».

(٧) في «ب» أضرب عنقهم.

(٨) في «ب» أقم ها هنا.

(٩) تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٨٩.

(١٠) القرطبي ١٤ / ١١٥.

(١١) ساقط من «ب».

(١٢) في «ب» الكافرين والمنافقين بصيغة الجموع.

٤٩٦

الأول : أن ذكر الغير لا حاجة إليه لأن غيرهما لا يطلب من النبي ـ عليه‌السلام (١) ـ الاتّباع ولا يتوقع أن يصير النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مطيعا له بل يقصد اتباعه ولا يكون عنده إلا مطاعا.

الثاني : أنه (تعالى (٢)) لما قال : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) منعه (من (٣)) طاعة الكل لأن كل من طلب من النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ طاعته فهو كافر أو منافق لأن من يأمر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يأمر إيجاب معتقدا (٤) أنه لو لم يفعله يعاقبه (٥) بحق يكون (٦) كافرا.

قوله : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) وهذا يقدر ما ذكره أولا من أنه عليم حكيم فاتباعه واجب (٧).

قوله : (بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) وبعده (بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) قرأهما أبو عمرو بياء الغيبة (٨) ، والباقون بتاء الخطاب أما الغيبة (في الأولى (٩)) فلقوله : (الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) وأما الخطاب فلقوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ) لأن المراد هو وأمته وخوطب بالجمع تعظيما (له (١٠)) كقوله :

٤٠٦٨ ـ فإن شئت حرّمت النّساء سواكم

 ............ (١١)

وجوز أبو حيان أن يكون التفاتا يعني (عن (١٢)) الغائبين (و (١٣)) الكافرين والمنافقين (وهو بعيد (١٤)) وأما (الغيبة (١٥)) في الثاني فلقوله (إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) وأما الخطاب فلقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا). قوله : (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أي ثق بالله يعني إن توهمت من أحد فتوكل على الله فإنه (١٦) كافيك (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) حافظا لك ، وقيل : كفيلا برزقك. قوله (ما

__________________

(١) في «ب» صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) سقط من «ب».

(٣) كذلك.

(٤) في «ب» يعتقد.

(٥) في «ب» لعاقبة.

(٦) نقله في التفسير الكبير ٢٥ / ١٩٠.

(٧) المرجع السابق.

(٨) وهي قراء ابن أبي إسحاق والسلمي أيضا على الخبر وانظر : القرطبي ١٤ / ١١٥ والبحر ٧ / ٢١٠ ، والسبعة ١٨ ، والإتحاف ٣٥٢.

(٩) ساقط من «ب».

(١٠) كذلك.

(١١) هذا صدر بيت من الطويل وعجزه :

 .............

وإن شئت لم أطعم نقاحا ولا بردا

وينسب لعبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان والصواب أنه لعمر بن أبي ربيعة ، وهو بديوانه ٥١ والنقا : الماء ، والبرد : النوم وشاهده يكمن في «سواكم» فإنه يخاطب فردا ولكن جمع تعظيما له وهكذا الآية كذلك وانظر : اللسان : «ب ر د» ٢٤٩ ونقح ٤٥١٧ وشرح شواهد الكشاف ٤ / ٣٦٩ و ١ / ٣٨١ من الكشاف.

(١٢ و ١٣ و ١٤) سواقط من «ب» وانظر البحر المحيط ٧ / ٢١٠.

(١٥) سقط من «ب».

(١٦) في «ب» أنه.

٤٩٧

جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) نزلت في أبي يعمر (١)(٢)) جميل بن معمر الفهري وكان رجلا لبيبا حافظا لما يسمعه (٣) فقالت قريش : ما حفظ أبو معمر هذه الأشياء إلا وله قلبان وكان يقول : لي قلبان (٤) أعقل بكلّ واحد منهما أفضل من عقل محمد فلما هزم الله المشركين يوم بدر انهزم أبو معمر فلقيه أبو سفيان وإحدى نعليه بيده والأخرى في رجله فقال له : يا أبا معمر ما حال الناس؟ قال : انهزموا قال فما لك إحدى نعليك (في يدك (٥)) والأخرى في رجلك. قال أبو معمر : ما شعرت إلا أنهما في رجلي فعلموا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده (٦).

وقال الزّهريّ ومقاتل : هذا (٧) مثل ضربه الله للمظاهر من امرأته والمتبنيّ ولد (٨) غيره يقول (٩) : فكما لا يكون لرجل قلبان فكذلك (١٠) لا يكون امرأة المظاهر أمه حتى يكون لها ابنا ولا يكون ولدا واحدا من (١١) رجلين. (قال الزّمخشري (١٢)) : قوله : (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ) أي ما جعل الله لرجل قلبين كما لم يجعل لرجلين أمين ولا لابن أبوين (١٣) ، (وقوله : (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي)) (١٤) قرأ الكوفيون وابن عامر اللائي ههنا وفي سورة الطلاق بياء (١٥) ساكنة بعد همزة مكسورة وهذا هو الأصل في هذا اللفظة لأنه جمع «التي» معنى وأبو عمرو والبزّيّ (١٦) اللائي بياء ساكنة وصلا بعد ألف محضة في أحد وجهيها ، ولهما وجه آخر سيأتي ، ووجه هذه القراءة أنهما حذفا الياء بعد الهمزة تخفيفا ثم أبدلا الهمزة ياء وسكناها لصيرورتها ياء مكسورا ما قبلها (١٧) (إلّا أنّ هذا ليس بقياس وإنما القياس (١٨) جعل الهمزة بين بين).

__________________

(١) في «ب» معمر وهو الأصح.

(٢) زيادة من «أ» لا معنى لها.

(٣) في «ب» لما يسمع بدون عائد.

(٤) في «ب» إن لي قلبين.

(٥) سقط من «ب».

(٦) القرطبي ١٤ / ١١٦.

(٧) المرجع السابق.

(٨) في «ب» وللمتمني ولد غيره.

(٩) في «ب» معقول بدلا من «يقول» وهو تحريف.

(١٠) في «ب» كذلك.

(١١) في «ب» ابن رجلين.

(١٢) ساقط من «ب».

(١٣) انظر : الكشاف ٣ / ٢٩٤.

(١٤) ساقط من «ب».

(١٥) انظر : الكشاف ٣ / ٢٤٦ والإتحاف ٣٥٢ والسبعة ٥١٨ وإبراز المعاني ٦٤٤ وهي قراءة حمزة والكسائي وعاصم أيضا وهذا الاتفاق يجيء في سورة المجادلة أيضا.

(١٦) هو : أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بزة أبو الحسن البزّي المكّي المقرىء قارىء ومؤذن المسجد الحرام مات سنة ٢٥٠ ه‍ ، غاية النهاية ١ / ١١٩ وكذلك معرفة القراء الكبار ١ / ١٧٣.

(١٧) كياء الغازي والقاضي وانظر : حجة ابن خالويه ٢٨٨ والكشف عن وجوه القراءات ٢ / ١٩٣.

(١٨) تكملة وزيادة من «ب».

٤٩٨

(قال أبو علي (١) : لا يقدم على مثل هذا البدل إلا أن يسمع) (٢). قال شهاب (٣) الدين : قال أبو عمرو بن العلاء إنها لغة قريش التي أمر الناس أن يقرءوا بها. وقال بعضهم : لم يبدلوا وإنما كتبوا فعبر عنهم القرآن (٤) بالإبدال. وليس بشيء. وقال أبو علي : «أو غير بإظهار أبي عمرو اللّائي يئسن يدل على أنه يشهد (٥) ولم يبدل» وهذا غير لازم لأن البدل عارض فلذلك لم يدغم وقرأها ورش بهمزة مسهلة بين بين (٦) ، وهذا الذي زعم بعضهم أنه لم يصح عنهم غيره وهو تخفيف قياسي ، وإذا وقفوا سكنوا الهمزة ومتى سكنوها استحال تسهيلها بين بين لزوال حركتها فتقلب ياء لوقوعها ساكنة بعد كسرة وليس (هذا) (٧) من مذهبهم تخفيفها (٨) فتقر همزة ، وقرأ قنبل وورش بهمزة (٩) مكسورة دون ياء ، حذف الياء واجتزأ عنها بالكسرة وهذا الخلاف بعينه جار في المجادلة (١٠) أيضا والطلاق (١١).

قوله : «تظاهرون» قرأ عاصم تظاهرون بضم التاء وكسر الهاء بعد ألف ، مضارع «ظاهر» وابن عامر «تظّاهرون» بفتح التاء والهاء وتشديد الظاء مضارع «تظاهر» والأصل «تتظاهرون» بتاءين فأدغم (١٢). والأخوان (١٣) كذلك إلا أنهما خففا الظاء والأصل أيضا بتاءين (إلا أنهما (١٤)) حذفا إحداهما ، وهما طريقان في تخفيف هذا النحو إما الإدغام وإما الحذف وقد تقدم تحقيقه في نحو تذّكر وتذّكّرون (١٥) مخففا ومثقلا وتقدم نحوه في البقرة أيضا. والباقون «تظّهرون» بفتح التاء والحاء (وتشديد الظاء) (١٦) والهاء دون ألف ، والأصل «تتظهّرون» بتاءين فأدغم نحو «تذكرون» وقرأ الجميع (١٧) في المجادلة كقراءتهم

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من «أ». وهو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن محمد بن سليمان الإمام أبو علي المشهور واحد زمانه في العربية أخذ عن الزجاج وابن السراج وعنه الربعي وله مصنفات نافعة في القراءات والنحو وغيرها كالحجة والمسائل الحلبية ، والبغدادية وغيرها مات سنة ٣٧٧ ، بغية الوعاة للسيوطي ١ / ٤٩٦.

(٢) الحجة في القراءات ٦ / ١٤٥.

(٣) الدر المصون ٤ / ٣٦٣ و ٣٦٤.

(٤) المرجع السابق وفي «ب» القراء.

(٥) في الحجة له : «يسهل» وهو الأصح وانظر : الحجة ٦ / ١٤٥ وإبراز المعاني للإمام أبي شامة فقد نقل قول أبي على ومعناه دون تعيين ص ٤٧ و ٦٤٤.

(٦) الإتحاف ٣٥٢ والسبعة ٥١٨.

(٧) ساقط من «ب».

(٨) في «ب» فتقلب وينظر : إبراز المعاني ٦٤٤ والدر المصون ٤ / ٣٦٤.

(٩) المراجع السابقة.

(١٠) الآية من المجادلة «٢».

(١١) الآية ٤ من الطلاق.

(١٢) المراجع السابقة.

(١٣) هما حمزة والكسائي. المراجع السابقة.

(١٤) سقط من «ب».

(١٥) وردت في آيات كثيرة إلا أن الأسبق آية الأعراف والأنعام الآية ١٥٢ من الأنعام والآية ٣ من الأعراف وقد قيل فيهما مثل ما قال أعلى.

(١٦) ما بين القوسين ساقط من «ب».

(١٧) في «ب» وقراءة بصيغة الاسم.

٤٩٩

في قوله : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) إلا الأخوين ، فإنهما خالفا أصلهما هنا فقراء في المجادلة بتشديد الظاء كقراءة ابن عامر. والظهار مشتق من الظّهر ، وأصله أن يقول الرجل لامرأته (١) : «أنت علي كظهر أمي» وإنما لم يقرأ الأخوان بالتخفيف في المجادلة لعدم المسوّغ (٢) له وهو الحذف ؛ لأن الحذف إنما كان لاجتماع مثلين وهما التاءان وفي المجادلة ياء من تحت وتاء من فوق فلم يجتمع مثلان فلا حذف فاضطر إلى الإدغام وهذا ما قرىء به متواترا (٣) ، وقرأ ابن وثاب «تظهّرون» بفتح التاء والظاء مخففة وتشديد (٤) الهاء والأصل : تتظهّرون مضارع «تظهّر» مشددا ، فحذف إحدى التاءين ، وقرأ الحسن «تظهّرون» بضم التاء وفتح الظاء مخففة وتشديد الهاء مكسورة مضارع «ظهّر» مشددا (٥) وعن أبي عمرو «تظهرون» بفتح التاء والهاء وسكون الظاء مضارع «ظهر» مخففا (٦) وقرأ أبيّ ـ وهي في مصحفه كذلك ـ تتظهّرون ـ بتاءين (٧) فهذه تسع قراءات ، أربع متواترة ، وخمس شاذة ، وأخذ هذه الأفعال من لفظ «الظّهر» كأخذ «لبّى» من التّلبية ، و «أفف» من أفّ. وإنما عدي «بمن» لأنه ضمن معنى التباعد كأنه قيل : يتباعدون من نسائهم بسبب الظهار كما تقدم في البقرة في تعدية الإيلاء (بمن (٨)).

فصل

الظهار أن يقول الرجل لامرأته : أنت عليّ كظهر أمي ، فقال الله تعالى : ما جعل الله نساءكم اللاتي تقولون لهم هذا في التحريم كأمهاتكم ولكنه منكر وزور. وفيه كفارة يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى في سورة المجادلة.

قوله : (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) (يعني) (٩) ما جعل من تبنّيتموهم أبناءكم ، (نسخ (١٠)) التبني (١١) ، وذلك أن الرجل في الجاهلية كان يتبنى الرجل فيجعله كالابن يدعوه الناس إليه ويرث ميراثه ، وكان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أعتق زيد بن حارثة بن شراحيل

__________________

(١) في «ب» لزوجته.

(٢) في «ب» لعدم مثل له.

(٣) نقله السمين في الدر المصون ٤ / ٣٦٤.

(٤) انظر : البحر ٧ / ٢١١ وقد نقل عنه أيضا أنه قرأ «تظهرون» بضم التاء وكسر الهاء وسكون الظاء من «أظهر» وكلتا القراءتين شاذتان ، انظر : بحر أبي حيان ٧ / ٢١١.

(٥) من القراءت الشاذة أيضا غير المتواترة ذكرها ابن خالويه في مختصره ١١٨ والإتحاف ٣٥٣ ومعاني القرآن للفراء ٢ / ٣٣٤.

(٦) ابن خالويه ١١٨ والبحر المحيط ٧ / ٢١١ والدر المصون ٤ / ٣٦٤.

(٧) المرجعان السابقان.

(٨) يشير إلى الآية ٢٢٦ وهي قوله تعالى : «لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ» وقد ذكر هناك أن الإيلاء عدي بمن أي يبعدون من نسائهم ، انظر : اللباب ١ / ٤٠٢ ب.

(٩) سقط من «ب».

(١٠) سقط من «ب».

(١١) في «ب» التبين وهو تحريف.

٥٠٠