اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٥

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٥

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦١٥

فالمعنى : إنكم إنما اتخذتم هذه الأوثان مودة بينكم في الحياة الدنيا تتوادّون على عبادتها ، وتتواصلون عليها في الدنيا (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ) تتبرأ الأوثان من عبادة عابديها وتتبرأ السادة من الأتباع ، ويلعن الأتباع القادة. ومأواكم النار جميعا ، العابدون والمعبودون (وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ).

فإن قيل : (قال قبل هذا) (١) ومأواكم النار ، وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير على لفظ الواحد.

وقال هنا : (وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) على لفظ الجمع فما الحكمة فيه؟

فالجواب : أنهم لما أرادوا إحراق إبراهيم عليه (الصلاة و) (٢) السلام ، قالوا : نحن ننصر آلهتنا ، كما قال تعالى (عنهم) (٣) : حرّقوه وانصروا آلهتكم ، فقال : أنتم ادّعيتم أن لهؤلاء ناصرين فما لكم كلكم أي الأوثان وعبدتهما من ناصرين ، وأما هناك فلم يسبق منهم دعوى النصر فنفى الجنس بقوله : (وَلا نَصِيرٍ).

قوله تعالى : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)(٢٧)

قوله تعالى : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) أي صدقه ، وهو أول من صدق إبراهيم ، وكان ابن أخيه وقال إبراهيم : (إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) إلى حيث أمرني ربي بالتوجه إليه من «كوثا» وهو من سواد الكوفة إلى «حران ثم إلى الشام ومعه» لوط «وامرأته» سارة «وهو أول من هاجر». وقال مقاتل : هاجر إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) (٤) وهو ابن خمس وسبعين (٥) سنة. ثم قال : (إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ، عزيز يمنع أعدائي عن إيذائي بعونه ، و «حكيم» لا يأمرني إلا بما يوافق الحكمة.

(فإن قيل) (٦) : قوله (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) أي بعد ما رأى منه العجز القاهر ، ودرجة لوط كانت عالية فبقاؤه إلى هذه الوقت مما ينقص من الدرجة ، ألا ترى إلى (٧) أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ لما قبل دين محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان قبوله قبل الكل من غير سماع تكلم الحصى ، ولا رؤية انشقاق القمر.

فالجواب : أن لوطا لما رأى معجزته آمن برسالته ، وأما بالوحدانية فآمن من حيث سمع مقالته ، ولهذا قال : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) ، ولم يقل : «فآمن لوط».

__________________

(١) ساقط من ب.

(٢) ساقط من ب.

(٣) ساقط من ب.

(٤) زيادة من ب.

(٥) انظر : تفسير القرطبي ١٣ / ٣٣٩.

(٦) ساقط من ب.

(٧) في ب : ألا ترى أن أبا بكر.

٣٤١

فإن (١) قيل : ما وجه تعلق قوله : (وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) بما (٢) تقدم؟

فنقول : لما بالغ إبراهيم في الإرشاد ، ولم يهتد قومه وحصل اليأس الكلي ، ورأى القوم الآية الكبرى ولم يؤمنوا وجبت (٣) المهاجرة ، لأن الهادي إذا هدى قومه ولم ينتفعوا فبقاؤه فيهم مفسد ، لأنه إذا دام على الإرشاد كان اشتغالا بما لا ينتفع في علمه ، فيصير كمن يقول للحجر صدق ، وهو عبث والسكوت دليل الرضا فيقال : إنه صار منا ، ورضي بأفعالنا ، وإذا لم يبق للإقامة وجه وجبت المهاجرة.

فإن قيل : ما الحكمة في قوله : (إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) ولم يقل : «مهاجر إلى حيث أمرني ربي» مع أن المهاجرة إلى الرب توهم الجهة.

فالجواب : أن قول ه «إلى حيث أمرني ربّي» ليس في الإخلاص ، كقوله : (إِلى رَبِّي) لأن الملك إذا صدر منه أمر برواح الأجناد إلى موضع ثم إن واحدا منهم عاد إلى ذلك الموضع لغرض (في) (٤) نفسه يصيبه ، فقد هاجر إلى حيث أمره الملك ولكن لا مخلصا لوجهه ، وقال : (مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) يعني : توجهي إلى الجهة المأمور بالهجرة إليها ليس طلبا للجهة ، إنما طلب لله (٥).

قوله : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ) ، قيل : إن الله لم يبعث نبيا بعد «إبراهيم» إلا من نسله ، (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) وهو الثناء الحسن ، وكل الأديان يقولون به ، وقال السدي : هو الولد الصالح ، وقيل : إنه رأى (٦) مكانه في الجنة (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) أي في زمرة الصالحين قال ابن عباس : «مثل آدم ، ونوح» وفي هذه الآية لطيفة وهي أن الله تعالى بدّل جميع أحوال إبراهيم في الدنيا بأضدادها لما عذبه قومه بالنار كان وحيدا فريدا ، فبدل الله وحدته بالكثرة حتى ملأ الدنيا من ذريته ، ولما كانت أقاربه القريبة ضالين مضلين من جملتهم «آزر» بدل الله أقاربه بأقارب مهتدين هادين ، وهم ذريته الذين جعل فيهم النبوة والكتاب ، وكان أولا لا جاه له ، ولا مال ، وهم غاية اللذة في الدنيا آتاه الله أجره في المال والجاه وكثر ماله حتى كان له من المواشي ما علم الله عدده حتى قيل : إنه كان له اثنا عشر ألف كلب حارس بأطواق ذهب وأما الجاه فصار (بحيث تقرن) (٧) الصلاة عليه بالصلاة على سائر الأنبياء إلى يوم القيامة ، وصار معروفا وشيخ المرسلين بعد أن كان خاملا حتى قال قائلهم : (سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ)(٨) ، وهذا الكلام لا يقال إلا في مخمول من الناس.

فإن قيل : إنّ إسماعيل كان من أولاده الصالحين (وكان قد) (٩) سلم لأمر الله بالذبح ، وانقاد لحكم الله ولم يذكر.

__________________

(١) في ب : فصل بدلا من «فإن قيل».

(٢) في ب : مما تقدم.

(٣) في ب : وجب بالتذكير.

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

(٥) انظر : الفخر الرازي ٢٥ / ٥٥.

(٦) الكشاف ٣ / ٢٠٣ ، والبحر المحيط ٧ / ١٤٨.

(٧) ساقط من ب.

(٨) الأنبياء : ٦٠.

(٩) ساقط من أ.

٣٤٢

فالجواب : هو مذكور في قوله : (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) (و) (١) لكن لم يصرح باسمه ؛ لأنه كان بين فضله معه بهبته الأولاد والأحفاد ، فذكر من الأولاد واحدا وهو الأكبر ، ومن الأحفاد واحدا كما يقول القائل : إن السلطان في خدمته الملوك والأمراء ، والملك الفلاني ، والأمير الفلاني ، ولا يعدد الكل لأنه ذكر ذلك الواحد لبيان الجنس لا لخصوصه ، ولولا ذكر غيره لفهم منه التعديد ، واستيعاب الكل فيظنّ أنه ليس معه غير المذكور.

فإن قيل : إن الله تعالى لما جعل في ذريته النبوة أجابه لدعائه ، والوالد يجب أن يسوي بين ولده فكيف صارت النبوة في ولد «إسحاق» أكثر من النبوة في أولاد إسماعيل؟ فالجواب : أن الله تعالى قسم الزمان من وقت إبراهيم إلى (يوم) (٢) القيامة قسمين والناس أجمعين ، فالقسم الأول من الزمان بعث الله تعالى (فيه) (٢) أنبياء فيهم فضائل جمّة ، وجاءوا تترى واحدا بعد واحد ، ومجتمعين في عصر واحد كلهم من ورثة إسحاق عليه‌السلام (٣) ، (ثم في القسم الثاني من الزمان أخرج من ذرية ولده إسماعيل واحدا اجتمع فيه ما كان فيهم وأرسله إلى كافة الخلق وهو محمد عليه‌السلام) (٤) وجعله خاتم النبيين ، وقد دام الخلق على دين إسماعيل أكثر من أربعة آلاف سنة ، ولا (٥) يبعد أن يبقى الخلق على دين ذرية إسماعيل مثل ذلك المقدار.

قوله تعالى : (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٢٨) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ)(٣٠)

قوله تعالى : (وَلُوطاً) إعرابه كإعراب إبراهيم (٦)(إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) أإنكم» قرأ أبو عمرو ، وحمزة والكسائي وأبو بكر «أئنّكم» بالاستفهام (٧) ، وقرأ الباقون (٨) بلا استفهام ، واتفقوا على استفهام الثانية (لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) وهو إتيان الرجال ، (ما سَبَقَكُمْ بِها) يجوز

__________________

(١) ساقط من ب.

(٢) ساقط من ب.

(٣) انظر : التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٥ / ٥٥ ، ٥٦.

(٤) ما بين المعقوفين ساقط من ب.

(٥) في ب : ولم يبعد «بلم الجازمة».

(٦) تقدم أن إعراب «إبراهيم» النصب عطفا على «نوحا» أو بإضمار «اذكر» أو عطفا على «هاء» أنجيناه أو الرفع على الابتداء وتقدير الخبر أي «ومن المرسلين إبراهيم» وعلى ذلك فكلمة «لوط» يجوز أن تعرب بالنصب ، أو الرفع ، بالنصب عطفا على «إبراهيم» ، أو بإضمار اذكر ، والرفع على الابتداء وتقدير الخبر.

(٧) انظر : السبعة لابن مجاهد ٥٠٠ ، والحجة لابن خالويه ٢٨٠ ، والنشر ٢ / ٣٤٣ ، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٢٥٥.

(٨) وهم ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر وحفص عن عاصم وكان ابن كثير يستفهم بغير مد ، وحفص عن ـ

٣٤٣

أن تكون (١) استئنافية جوابا لمن سأل عن ذلك وأن تكون حالية أي مبتدعين لها (٢).

فإن قيل : قال إبراهيم لقومه : (اعْبُدُوا اللهَ) ، وقال لوط لقومه هاهنا : «أإنكم (لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) ولم يأمرهم بالتوحيد ، فما الحكمة؟

فالجواب : أنه لما ذكر الله لوطا عند ذكر إبراهيم كان لوط في زمن إبراهيم فلم يذكر عن لوط أنه أمر قومه بالتوحيد مع أن الرسول لا بدّ أن يقول ذلك فحكاية لوط وغيرها هاهنا ذكرها الله على سبيل الاختصار فاقتصر على ما اختص به لوط وهو المنع من الفاحشة ، ولم يذكر عنه الأمر بالتوحيد ، وإن كان قاله في موضع آخر حيث قال : (اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ)(٣) ؛ لأن ذلك قد أتى به إبراهيم ، وسبقه فصار كالمختصّ به ، وأما المنع من عمل قوم «لوط» فكان مختصا «بلوط» فذكر كل واحد بما اختص به ، وسبق به غيره.

فصل

دلت الآية على وجوب الحد في اللّواطة ، لأنه سماها فاحشة ، وقد ثبت أن إتيان الفاحشة يوجب الحدّ ، وأيضا أن الله تعالى جعل عذاب من أتاها إمطار الحجارة عليه عاجلا وهو الرّجم. وتقدم الكلام على قوله : (ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ)(٤).

قوله : (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) ، قيل : كانوا يفعلون (٥) الفاحشة بمن يمرّ بهم من المسافرين فترك الناس الممرّ بهم ، وقيل : يقطعون سبيل النسل بإتيان الرجال (٦) ، كقوله : «أتاتون (الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ)(٧) ، (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) قال أبو العباس المقّريّ (٨) : ورد لفظ النادي في القرآن بإزاء معنيين :

الأول : النادي مجلس القوم المحدد (٩) فيه لهذه الآية.

والثاني : بمعنى الناصر ، كقوله تعالى : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) [العلق : ١٧] ، أي ناصره يعني أبا جهل.

__________________

ـ عاصم يهمز همزتين ، ويروى عن نافع المد واتفقوا جميعهم على الاستفهام في «أئنكم» الثانية ، انظر : السبعة لابن مجاهد ٤٩٩ ، والإتحاف ٣٤٥.

(١) انظر : الكشاف ٣ / ٢٠٤ فقد جعلها مستأنفة مقررة لفاحشة تلك الفعلة.

(٢) ذكره في البحر المحيط ٧ / ١٤٩.

(٣) هود : ٦١.

(٤) الأعراف : ٨٠.

(٥) حكاه ابن شجرة ، انظر : القرطبي ١٣ / ٣٤١.

(٦) قاله وهب بن منبه ، وانظر : المرجع السابق.

(٧) [الأعراف : ٨١] ، و [النمل : ٥٥] ، وتصحيحها «إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ» * و «أئنّكم لتأتون».

(٨) أبو العباس المقري : أحمد بن عبد الله بن عيسى بن موسى الهاشمي أبو العباس المقري ، قرأ على محمد بن أبي عمر الدوري ، وعليه محمد بن محمد بن فيروز. انظر : غاية النهاية ١ / ٧٤.

(٩) في ب : المتحدث فيه وهو الصواب.

٣٤٤

واعلم أن النادي (والنّديّ) (١) والمنتدى مجلس القوم ومتحدّثهم ، روى أبو صالح (٢) مولى أمّ هانىء بنت (٣) أبي طالب قالت : سألت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن قوله : (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) قلت : ما المنكر الذي كانوا يأتون؟ قال : كانوا يخذفون أهل الطرق ، ويسخرون منهم (٤).

وروي أنهم كانوا يجلسون في مجالسهم وعند كل رجل منهم قصعة فيها حصى ، فإذا مرّ بهم عابر (٥) سبيل حذفوه فأيهم أصابه كان أولى به. وقيل : إنه كان يأخذ ما معه وينكحه ويغرمه ثلاثة دراهم ، ولهم قاضي بذلك ، وقال القاسم بن محمد (٦) : كانوا يتضارطون في مجالسهم (٧).

وقال مجاهد : كان يجامع بعضهم بعضا في مجالسهم (٨). وعن عبد الله بن سلام : يبزق بعضهم على بعض (٩). وعن مكحول (١٠) قال : من أخلاق قوم لوط مضغ العلك (١١) ، وتطريق الأصابع بالحنّاء ، وحل الإزار ، والصّفير ، والخذف (١٢) ، واللّوطيّة.

(قوله) (١٣) : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) ، لما أنكر عليهم «لوط» ما يأتون به من القبائح

__________________

(١) ساقط من ب.

(٢) أبو صالح : هو باذام ، ويقال : باذان ، وكان لا يحسن أن يقرأ القرآن ، كان الشعبي يراه فيقعده ويقول له : تفسير القرآن ولا تحسن أن تقرأه نظرا. انظر : المعارف لابن قتيبة ٤٧٩.

(٣) اختلف في اسمها فمن قائل إنها فاضة ، ومن قائل إنها هند لها ستة وأربعون حديثا ، اتفق البخاري ومسلم على حديث وعنها ابن ابنها جعدة ، ومولاها أبو مرة ، وكرير ، أسلمت يوم الفتح. انظر : خلاصة الكمال ٥٠٠.

(٤) انظر : تفسير ابن كثير ٣ / ٤١١ و ٤١٢. وقد أخرج هذا الحديث أبو داود الطّيالسي في مسنده. وانظر : تفسير القرطبي ١٣ / ٣٤٢.

(٥) ذكر الثعلبي هذه الرواية نقلا عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ انظر : القرطبي ١٣ / ٣٤٢.

(٦) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التّيميّ أبو محمد المدني ، أحد الفقهاء السبعة ، وأحد الأعلام كان ثقة عالما كبيرا ، مات سنة ١٠٦ ه‍. انظر : خلاصة الكمال ٣١٣.

(٧) انظر : القرطبي ١٣ / ٣٤٢.

(٨) المرجع السابق.

(٩) انظر : القرطبي ١٣ / ٣٤٢. وعبد الله بن سلام بن الحرث الإسرائيلي اليوسفي أبو يوسف أسلم وشهد فتح بيت المقدس ، حدث عنه أبو هريرة ، وأنس ، مات سنة ٤٣ بالمدينة. انظر : خلاصة الكمال ٢٠٠.

(١٠) مكحول الدّمشقيّ عن كثير من الصحابة مرسلا. عن واثلة ، وأنس ، وعنه أيوب بن موسى ، وزيد بن واقد والأوزاعي ، كان عالما كبيرا ، مات سنة ١١٣ ه‍. انظر : خلاصة الكمال ٣٨٧.

(١١) قال ابن منظور في اللسان «والعلك ضرب من صمغ الشجر كاللّبان ، يمضغ فلا ينماع ، والجمع علوك ، وأعلاك». ثم قال : «والعلك والعلاك : شجر ينبت بالحجاز» وانظر : اللسان دار المعارف ٣٠٧٧ «علك».

(١٢) الخذف : هو الرمي بالحصا أو نواة تؤخذ بين السّبّابتين ، انظر : اللسان دار المعارف ١١٧٨ «خذف» وانظر : رأي مكحول هذا في القرطبي ١٣ / ٣٤٢.

(١٣) ساقط من أ.

٣٤٥

إلا أن قالوا له استهزاء (ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أن العذاب نازل بنا فعند ذلك قال لوط : (رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ) بتحقيق قولي في العذاب.

فإن قيل : قال قوم «إبراهيم» اقتلوه أو حرّقوه ، وقال قوم لوط (ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ) وما هددوه (مع) (١) أن «إبراهيم» كان أعظم من «لوط» فإن لوطا كان من قومه.

فالجواب : أن إبراهيم كان يقدح في دينهم ويشتم آلهتهم ويعدد صفات نقصهم بقوله : «لا تبصر ، ولا تسمع ولا تنفع ، ولا تغني» والقدح في الدين صعب ، فجعلوا جزاءه القتل والتحريق (٢) ، ولوط كان ينكر عليهم فعلهم ، وينبههم إلى ارتكاب التحريم وهم ما كانوا يقولون إن هذا واجب من الدين فلم يصعب عليهم مثل ما صعب على قوم إبراهيم كلام إبراهيم وقالوا (٣) : إنك تقول : إن هذا حرام والله يعذب عليه ونحن نقول : لا نعذب (٤) فإن كنت صادقا فأتنا بالعذاب.

فإن قيل : إن الله (٥) قال في موضع آخر : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ)(٦).

وقال هنا : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا) فكيف الجمع؟

فالجواب : أن لوطا كان ثابتا (٧) على الإرشاد مكررا على النهي والوعيد فقالوا (أولا) (٨) ائتنا (ثم) (٩) لما كثر منه ولم يسكت عنهم قالوا : «أخرجوا». ثم إنّ لوطا لما يئس منهم طلب النّصرة من الله وذكرهم بما لا يحب الله فقال (رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ) (فإن (اللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)(١٠) حتى ينجز النّصر (١١).

واعلم أن كلّ نبي من الأنبياء ما طلب (١٢) هلاك قومه إلا إذا علم أن عدمهم خير من وجودهم ، كما قال نوح (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً)(١٣) ، يعني : أن المصلحة إما أن تكون فيهم حالا ، أو بسببها مآلا ولا مصلحة فيهما ، فإنهم ضالون في الحال وفي المآل فإنهم يوصون أولادهم من صغرهم بالامتناع عن الأتباع وكذلك لوط لما رأى أنهم يفسدون في الحال ، واشتغلوا بما لا يرجى منهم ولد صالح يعبد الله فطلب المصلحة حالا ومآلا ، فعدمهم صار خيرا ، وطلب العذاب.

__________________

(١) ساقط من ب.

(٢) في ب : بالتحريق.

(٣) في ب : فقالوا.

(٤) في ب : يعذب عليه.

(٥) في ب : «إن الله تعالى».

(٦) النمل : ٥٦.

(٧) في ب : تاما.

(٨) ساقط من ب وفيها «فقال ائتنا».

(٩) ساقط من ب.

(١٠) تكملة يقتضيها السياق من الفخر الرازي.

(١١) انظر : التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٥ / ٥٩.

(١٢) في ب : يطلب بالمضارعة.

(١٣) نوح : ٢٧.

٣٤٦

قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (٣١) قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٢) وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٣) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٣٤) وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٣٥)

قوله (تعالى) (١) : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى) من الله بإسحاق ويعقوب (قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) يعني قوم لوط (إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ). «قال» إبراهيم (إِنَّ فِيها لُوطاً) ، قالت الملائكة : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها) ويأتي بقية الكلام على ذلك.

قوله : (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ) تقدم (٢) نظيرها إلا أن هنا زيدت «أن» وهو مطّرد (٣) تأكيدا.

اعلم أنه لما دعا لوط على قومه بقوله : (رَبِّ انْصُرْنِي) استجاب الله دعاءه ، وأمره ملائكته بإهلاكهم وأرسلهم مبشرين ومنذرين فجاءوا إبراهيم وبشّروه بذرية طيبة وقالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية يعني أهل سدوم.

وفي الآية لطيفتان :

«إحداهما» : أن الله جعلهم مبشرين ومنذرين لكن البشارة إثر الرحمة والإنذار بالهلاك إثر الغضب ، ورحمته سبقت غضبه فقدم البشارة على الإنذار ، وقال : (جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى) ثم قال (٤) : (إِنَّا مُهْلِكُوا) ، «الثانية» : حين ذكروا البشرى ما هلكوا (٥) وقالوا : إنا نبشرك بأنك رسول ، أو لأنك مؤمن أو لأنك عادل ، وحين ذكروا الإهلاك هلكوا ، وقالوا : إن أهلها كانوا ظالمين لأن ذا الفضل لا يكون فضله بعوض ، والعادل لا يكون عذابه إلا على جرم.

فإن قيل : قال في قوم نوح : (فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ) (وقيل : إن ذلك إشارة إلى أنهم كانوا على ظلمهم حين أخذهم ولم يقل : وهم ظالمون) (٦).

فالجواب : لا فرق في الموضعين في كونهما مهلكين وهم مصرّون على الظلم لكن هناك الإخبار من الله عن الماضي حيث قال : «فأخذهم» وهم عند الوقوع في العذاب

__________________

(١) تكملة من ب.

(٢) يقصد [هود : ٧٧] «وهي وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ».

(٣) انظر البحر المحيط ٧ / ١٥٠ ، والكشاف ٣ / ٢٠٥ ، والمغني ١ / ٣٤ ، ٣٥.

(٤) في ب : قالوا بالجمع.

(٥) في كلتا النسختين «هلكوا» والصواب الذي يقتضيه السياق والمعنى : عللوا.

(٦) ما بين المعقوفين ساقط من ب.

٣٤٧

ظالمون وهاهنا الإخبار من الملائكة عن المستقبل حيث قالوا : إنا مهلكوا أهل هذه القرية ، والملائكة ذكروا ما يحتاجون (١) إليه في (إبانة) حسن الأمر من الله بالإهلاك فقالوا : (إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) ؛ لأن الله أمرنا ، وحال (ما) (٢) أمرنا كانوا ظالمين فحسن أمر الله عند كل أحد وأما نحن فلا تخبر بما لا حاجة لنا إليه فإن الكلام في (٣) الملك بغير إذنه سوء أدب فنحن ما احتجنا إلا إلى هذه القدر وهو أنهم كانوا ظالمين في وقتنا هذا ، وكونهم يبقون كذلك فلا حاجة لنا إليه ، ثم إن إبراهيم لما سمع كلامهم قال لهم : (إِنَّ فِيها لُوطاً) إشفاقا عليه ليعلم حاله (٤) ، قالت الملائكة : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ) قرأ حمزة والكسائيّ ويعقوب (٥) «لننجينه» ـ بالتخفيف (٦) ، وقرأ الآخرون بالتشديد (وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) أي الباقين في العذاب. وفي استعمال الغابر في المهلك وجهان ؛ لأن الغابر لفظ مشترك (٧) في الماضي ، وفي الباقي يقال : فيما غبر من الزّمان أي فيما مضى وقال عليه (الصلاة و) (٨) السلام لما سئل عن الماء من السباع فقال : «ولنا ماء غير (٩) طهور» أي بقي فعلى الأول إن ذكر الظالمين سبق في قولهم : إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين ، ثم جرى (ذكر) (١٠) لوط. وقول الملائكة : إنها من الغابرين أي الماضين ذكرهم لا من الذين نحن منهم ، أو نقول المهلك يفنى بمضي (١١) زمانه ، والناجي هو الباقي ، (ف) (١٢) قالو ا «إنها من الغابرين» أي من الرائحين الماضين ، لا من الباقين المستمرّين وأما على الثاني لما قضى الله على القوم بالهلاك كان الكل في الهلاك إلا من ينجى منه (١٣) ، فقالوا : إنا ننجّي لوطا وأهله ، وأما امرأته فهي من الباقين في الهلاك.

قوله : (وَلَمَّا أَنْ (١٤) جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً) أي إنهم من عند إبراهيم جاءوا إلى لوط على صورة البشر فظنهم بشرا فخاف عليهم من قومه لأنهم كانوا في أحسن صورة والقوم كما عرف حالهم (سِيءَ بِهِمْ) أي جاءه ما ساءه وخاف ، ثم عجز عن تدبيرهم (١٥) فحزن (وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) كناية عن العجز في تدبيرهم قال الزمخشري : يقال : طال ذرعه وذراعه للقادر ، وضاق للعاجز ، وذلك لأن من طال ذراعه يصل إلى ما لا يصل إليه قصير الذراع والاستعمال يحتمل وجها آخر معقولا وهو أن الخوف والحزن يوجبان انقباض الروح ،

__________________

(١) انظر الرازي ٢٥ / ٥٩ ، ٦٠.

(٢) ساقط من ب.

(٣) في ب : عن الملك.

(٤) في ب : ليعلموا حاله.

(٥) تقدم.

(٦) انظر : حجة ابن خالويه ٢٨٠ والسبعة ٥٠٠.

(٧) يشترك في ب.

(٨) ساقط من ب.

(٩) أخرجه ابن ماجه في الطهارة وسنتها (١ / ١٧٣) عن أبي سعيد الخدري.

(١٠) في ب : جرى قوم لوط.

(١١) في ب : يبقى ويمضي.

(١٢) ساقط من ب.

(١٣) في ب» منهم.

(١٤) ساقط من ب.

(١٥) في ب : تذكيرهم.

٣٤٨

ويتبعه اشتمال القلب عليه فينقبض هو أيضا والقلب (١) هو المعتبر من الإنسان فكأن الإنسان انقبض وانجمع وما يكون كذلك يقل (٢) ذرعه ومساحته فيضيق ، ويقال في (٣) الحزين ضاق ذرعه والغضب والفرح يوجبان (٤) انبساط الرّوح فيبسط (٥) مكانه وهو القلب ، ويتسع فيقال : طال ذرعه ، ثم إن الملائكة لما رأوا أول الأمر ، وحزنه بسبب تدبيرهم في ثاني الأمر قالوا : لا تخف من قومك علينا ولا تحزن بإهلاكنا إياهم (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ) ، وإنا منزلون عليهم العذاب حتى يتبين له أنهم ملائكة فيطول ذرعه بطول روعه.

قوله : (إِنَّا مُنَجُّوكَ) في الكاف وما أشبهها مذهبان ، مذهب سيبويه : أنها في محل جر ، ومذهب الأخفش وهشام أنها في محل نصب. وحذف النون والتنوين لشدة اتّصال الضّمير.

وقد تقدمت قراءتا التخفيف والتثقيل في «لننجينه» منجّو ك «في الحجر».

قوله : (إِنَّا مُنْزِلُونَ) ، قرأ ابن عامر بالتشديد ، والآخرون بالتخفيف ، وقرأ ابن محيصن «رجزا» بضم الراء ، والأعمش وأبو حيوة «يفسقون» بالكسر.

(فإن قيل) (٦) : قال هنا : (إِنَّا مُنَجُّوكَ) وقال لإبراهيم : «لننجّينّه» ـ بصيغة الفعل فما الحكمة؟

فالجواب : ما من حرف ولا حركة في القرآن إلا وفيه فائدة ، ثم إن العقول البشرية تدرك بعضها ، ولا تصل إلى أكثرها ، وما أوتي البشر من العلم إلا القليل (٧) ، والذي يظهر (هاهنا) (٨) أن هناك لما قال لهم إبراهيم : (إِنَّ فِيها لُوطاً) وعدوه بالتنجية ووعد الكريم حتم ، وهاهنا لما قالوا للوط وكان ذلك بعد سبق الوعد مرة (قالوا) (٩) إنّا منجّوك أي ذلك واقع منا كقوله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ)(١٠) لضرورة وقوعه.

فإن قيل : ما مناسبة (١١) قوله : (إِنَّا مُنَجُّوكَ) لقوله : (لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ) فإن (١٢) خوفه ما كان على نفسه.

فالجواب : أن لوطا لما خاف عليهم وحزن لأجلهم قالوا : لا تخف علينا ولا تحزن لأجلنا فإنّنا ملائكة. ثم قالوا له يا لوط (١٣) خفت علينا وحزنت لأجلنا ففي مقابلة خوفك وقت الخوف نزيل خوفك وننجيك وفي مقابل حزنك نزيل حزنك (١٤) ، ولا نتركك تفجع في أهلك ، فقالوا : (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ).

__________________

(١) في ب : والقبض هو المعتبر.

(٢) في ب : يصل وهو تحريف.

(٣) في ب : في آخرين.

(٤) في ب : موجبان.

(٥) في ب : يبسط.

(٦) ساقط من ب.

(٧) في ب : إلا قليلا.

(٨) ساقط من ب.

(٩) سقط من ب.

(١٠) الزمر : ٣٠.

(١١) في ب : ما معنى قوله.

(١٢) في ب : وإن خوفه.

(١٣) في ب : إنا لوط. وهو تحريف.

(١٤) ما في أهو الصواب ـ كما في تفسير الفخر الرازي. وما في ب : ففي مقابلة خوفك علينا وحزنك لأجلنا وقت الحزن يزول خوفك ، وننجيك ، وفي مقابلة حزنك.

٣٤٩

فإن قيل : القوم عذبوا بسبب ما صدر منهم من الفاحشة وامرأته لم يصدر منها ذلك. فكيف كانت من الغابرين معهم؟

فالجواب : أن الدالّ على الشر كفاعل الشر كما أن الدال على الخير كفاعله (١) ، وهي كانت تدل القوم على ضيوف لوط حتى كانوا يقصدونهم فبالدلالة (٢) صارت كأحدهم ، ثم إنهم بعد بشارة «لوط» بالتنجية ذكروا أنهم منزلون على أهل هذه القرية العذاب (٣).

واختلفوا في ذلك ، فقيل : حجارة ، وقيل : نار ، وقيل : خسف ، وعلى هذا يكون قولهم : (رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) بمعنى أن الأمر من السماء بالخسف والقضاء به من السماء ، واعلم أن كلام الملائكة مع لوط جرى على (نمط) (٤) كلامهم مع إبراهيم ، فقدموا البشارة على إنزال العذاب ، فقالوا : (إِنَّا مُنَجُّوكَ) ثم قالوا : (إِنَّا مُنْزِلُونَ) ولم يعللوا التنجية ، فلم يقولوا : إنا منجوك لأنك نبي أو عابد ، وعللوا الإهلاك ، فقالوا : (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) كقولهم هناك : (إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ).

قوله : (وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً) فيها وجهان :

أحدهما : أن بعضها «باق» وهو آية باقية إلى اليوم ، والمعنى تركنا من قريات (قوم) (٥) لوط آية بيّنة عبرة ظاهرة.

الثاني : أن «من» مزيدة ، وإليه نحا الفراء (٦) أي تركناها آية كقوله

٤٠٢٩ ـ أمهرت منها جبّة وتيسا (٧)

أي أمهرتها ، وهذا يجيء على رأي الأخفش ، أي ولقد تركنا القرية. والقرية معلومة ، وفيها الماء الأسود وهي بين القدس والكرك.

فإن قيل : كيف جعل الآية في «نوح» و «إبراهيم» بالنجاة (٨) فقال : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ). وقال : (فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ)) ، وجعل ههنا الهلاك آية؟

__________________

(١) في ب : فالجواب أن الدال على الخير كفاعله والدال على الشر كفاعله.

(٢) في ب : فالدلالة. وهو تحريف.

(٣) في ب : بدل العذاب «رِجْزاً مِنَ السَّماءِ».

(٤) ساقط من ب.

(٥) زائد فيهما وهو خطأ.

(٦) لم يذكر الفراء شيئا عن هذه اللفظة «من» في سورة العنكبوت عند تعرضه لتلك السورة وتفسير معانيها. انظر المعاني ٢ / ٣١٤ ، ٣١٧.

(٧) رجز مجهول قائله ، والجبة : نوع من الثياب معروف ، والتّيس : ذكر الماعز والظباء ، ومعناه : أنه ساق مهرها هذين الشيئين. والشاهد فيه قوله: «فأمهرت منها» لأن المعنى : فأمهرتها وهذا على قياس رأي الأخفش لأنه ارتأى أن تراد «من» في المثبت أو الموجب ، وانظر : شرح الجمل ١ / ٤٨٦ ، والدر المصون ٤ / ٣٠٤.

(٨) في ب : النجاة.

٣٥٠

فالجواب : أن الآية في إبراهيم كانت في النجاة لأن في ذلك الوقت لم يكن إهلاك (١) ، وأما في نوح فلأن الإنجاء من الطوفان الذي على أعلى (٢) الجبال بأسرها أمر عجيب إلهي وما به النجاة وهو السفينة كان باقيا ، والغرق لم يبق لمن بعده أثره (٣) ، فجعل الباقي آية ، وأما ههنا فنجاة «لوط» لم يكن بأمر يبقى أثره للحس والهلاك أثره محسوس في البلاد ، فجعل الآية ههنا البلاد ، وهناك السفينة ، وهنا لطيفة وهي أن الله تعالى آية قدره (٤) موجودة في الإنجاء والإهلاك ، فذكر من كل باب آية ، وقدم آيات الإنجاء لأنها أثر الرحمة ، وأخر آيات الإهلاك لأنها أثر الغضب ، ورحمته سابقة.

فإن قيل : ما الحكمة في قوله في السفينة (جَعَلْناها آيَةً) ، ولم يقل بينة وقال ههنا آية بينة؟

فالجواب : أنّ الإنجاء بالسفينة أمر يسع له كل العقل (٥) وقد يقع في ذهن جاهل أن الإنجاء لا يفتقر إلى أمر آخر ، وأما الآية ههنا الخسف ، وجعل ديارهم المعمورة عاليها سافلها ، وهو ليس بمعتاد وإنما ذلك بإرادة قادر مخصصة (٦) بمكان دون مكان وفي زمان دون زمان فهي بينة لا يمكن لجاهل (٧) أن يقول هذا أمر يكون كذلك ، وكان (٨) له أن يقول في السفينة أمرها يكون كذلك ، فيقال له : فلو دام الماء حتى ينفد زادهم كيف كان حصل (٩) لهم النجاة؟ ولو سلط الله عليهم الريح العاصفة ، وكيف تكون أحوالهم (١٠)؟

فإن قيل : ما الحكمة في قوله هناك : «للعالمين» ، وفي قوله ههنا : (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)؟

فالجواب : أن السفينة (موجودة) (١١) معلومة في جميع أقطار العالم فعند كل قوم مثال السفينة يتذكرون (١٢) بها حالة نوح ، وإذا ركبوها يطلبون من الله النجاة ، فلا (١٣) يثق أحد بمجرد السفينة ، بل يكون دائما مرتجف القلب متضرعا إلى الله تعالى طالبا النجاة (١٤) ، وأما أثر الهلاك في بلاد لوط ففي موضع مخصوص لا يطلع عليها إلا من مرّ بها (١٥) ، ويصل إليها (١٦) ويكون له عقل يعلم أن ذلك من الله فإرادته (١٧) بسبب اختصاصه بمكان دون مكان ووجوده في زمان دون زمان ، قال ابن عباس : الآية البينة : آثار منازلهم الخربة (١٨). وقال قتادة : هي الحجارة (١٩) التي أهلكوا بها أبقاها الله (تعالى) (٢٠) حتى

__________________

(١) في ب : هلاك.

(٢) في ب : من علا.

(٣) في ب : له بعده أثر.

(٤) في ب : قدرته.

(٥) في ب : عقل بدون أل.

(٦) في ب : يخصصه.

(٧) في ب : الجاهل.

(٨) في ب : كان بدون واو.

(٩) في ب : يحصل.

(١٠) في ب : احتمالهم.

(١١) ساقط من ب.

(١٢) في ب : يتكلمون.

(١٣) في ب : ولا.

(١٤) في ب : طالب النجاة.

(١٥) في ب : يمر به.

(١٦) في ب : إليه.

(١٧) في ب : وإرادته بالواو.

(١٨) انظر : القرطبي ١٣ / ٣٤٣.

(١٩) وهذا رأي أبي العالية أيضا ، انظر : القرطبي ١٣ / ٣٤٣.

(٢٠) ساقط من ب.

٣٥١

أدركها أوائل هذه الأمة. وقال مجاهد : هي ظهور الماء الأسود على وجه (١) الأرض.

قوله تعالى : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) (٣٧)

قوله تعالى : (وَإِلى مَدْيَنَ) أي وأرسلنا ، أو بعثنا إلى مدين أخاهم «شعيبا» بدل ، أو بيان ، أو بإضمار : أعني (٢) ، قيل : مدين : اسم رجل في الأصل وجهل وله ذرية فاشتهر في القبيلة ، كتميم ، وقيس وغيرهما ، وقيل : اسم ما نسب القوم (٣) إليه فاشتهر في القوم ، والأول أظهر ، لأن الله تعالى أضافه (٤) إلى مدين بقوله : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) ولو كان اسم الماء لكانت الإضافة غير صحيحة أو غير حقيقية فالأصل في الإضافة التغاير حقيقة (٥) وقوله : «أخاهم» ، قيل : لأن شعيبا كان منهم نسبا.

فإن قيل : قال الله (تعالى) (٦) في «نوح» : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) فقدم (٧) نوحا في الذّكر وعرف القوم بالإضافة إليه وكذلك في إبراهيم ، ولوط ، وههنا ذكر القوم أولا ، وأضاف إليهم أخاهم «شعيبا» فما الحكمة؟

فالجواب : أن الأصل في الجميع أن يذكر القوم ثم يذكر رسولهم (٨) لأن الرسل لا تبعث إلا (٩) غير معينين ، وإنما تبعث الرسل إلى قوم محتاجين إلى الرسل فيرسل إليهم من يختاره (١٠) ، غير أن قوم نوح وإبراهيم ولوط لم يكن لهم (١١) اسم خاص ، ولا نسبة مخصوصة يعرفون بها ، فعرفوا بالنبي ، فقيل : قوم نوح ، وقوم لوط ، وأما قوم «شعيب» و «هود» و «صالح» فكان لهم نسب معلوم اشتهروا به عند الناس فجرى الكلام على أصله ، وقال (١٢) الله : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) ، (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) فإن قيل : لم يذكر عن «لوط» أنه أمر قومه بالعبادة والتوحيد ، وذكر عن شعيب ذلك.

فالجواب قد تقدم وهو أن «لوطا» كان من قوم «إبراهيم» ، وفي زمانه ، وكان

__________________

(١) المرجع السابق.

(٢) انظر : البيان ٢ / ٢٤٤ ، والدر المصون للسمين ٤ / ٣٠٤ ، وقد أعرب أبو البقاء «شعيبا» معطوفا على «نوحا» ، انظر : التبيان ٢ / ١٠٣٣.

(٣) في ب : الماء.

(٤) في ب : أضاف بدون ضمير.

(٥) فهي لغة مطلق الإسناد ، واصطلاحا : إسناد اسم آخر على تنزيل الاسم الثاني من الأول منزلة تنوينه ، أو ما يقوم مقام التنوين في تمام الكلمة ، أو هي نسبة تقييدية بين اسمين تقتضي أن يكون ثانيهما مجرورا فالنسبة هي الإسناد والحكم ، ومعنى هذا كله أن هناك تغايرا وفرقا بين كلمتين.

(٦) ساقط من أ.

(٧) في ب : قدم.

(٨) في ب : رسولا لهم.

(٩) في ب : إلى غير معينين.

(١٠) في ب : اختاره.

(١١) في ب : ولم يكن.

(١٢) في ب : فقال.

٣٥٢

إبراهيم سبقه بذلك ، واجتهد فيه حتى اشتهر الأمر بالتوحيد عند (١) الخلق عن «إبراهيم» فلم يحتج (٢) «لوط» إلى ذكره ، وإنما ذكر ما اختص به من المنع من الفاحشة وغيرها ، وإن كان هو بدأ يأمر بالتوحيد ، (إذ ما من رسول إلا ويكون أكثر كلاما في التوحيد ، وأما «شعيب» فكان بعد انقراض ذلك الزمان ، وذلك القوم ، فكان هو أصلا في التوحيد) (٣) فبدأ به وقال (٤) اعبدوا الله.

قوله : (وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ) ، قال الزمخشري (٥) : معناه افعلوا فعل من يرجو اليوم الآخر ؛ إذ يقول القائل لغيره : كن عاقلا ويكون معناه افعل فعل من يكون عاقلا ، فقوله : (وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ) بعد قوله : (وَاعْبُدُوا اللهَ) يدل علي التفضل لا على الوجوب.

قوله : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) ، تقدم الكلام عليه (٦) ، ونصب «مفسدين» على المصدر ، كقول القائل : اجلس قعودا.

قوله : (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ).

فإن قيل : (ما الحكمة) (٧) فيما حكاه الله عن شعيب من أمر ونهي ، فالأمر لا يكذب ، ولا يصدق ، فإن قال لغيره اعبد الله لا يقال له : كذبت؟

فالجواب : كان شعيب يقول : الله واحد فاعبدوه ، والحشر كائن فارجوه ، والفساد محرم فلا تقربوه ، وهذه فيها إخبارات ، فكذبوه بما أخبر به.

(فإن قيل (٨) هنا) قال في الأعراف : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) وقال في هود : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) والحكاية واحدة.

(فالجواب) (٩) : لا تعارض بينهما ، فإن الصيحة كانت سببا للرجفة ، قيل : إن جبريل صاح فتزلزت الأرض من صيحته ، فرجفت قلوبهم ، والإضافة إلى السبب لا تنافي الإضافة إلى سبب السبب.

فإن قيل : ما الحكمة في أنه حيث قال : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) قال : (فِي دِيارِهِمْ) وحيث قال : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) قال في «دارهم»؟

__________________

(١) في ب : فإن قيل : إنه.

(٢) في ب : قد يحتج إلى لوط إلى ذكره.

(٣) ساقط من ب.

(٤) في «ب» فقال.

(٥) انظر : الكشاف ٣ / ٢٠٥.

(٦) يقصد أن هذه الآية مكررة في البقرة ، والأعراف ، وهود ، والشعراء بأرقام ٦٠ و ٧٤ و ٨٥ و ١٨٣ وقد فهم من هذه الآيات عند التعرض لها أن هؤلاء القوم كانوا يفعلون ذلك مع توليهم أنواع الفساد فنهوا عن ذلك ، ويقال : عثا في الأرض وعثي وعاث وذلك نحو قطع الطريق والإغارة وإهلاك الزروع.

انظر : اللباب البقرة ميكروفيلم.

(٧) زائد من «ب» فأما ما في «أ» فهو فإن قيل ما حكاه الله الخ ...

(٨) في «ب» فصل : قال ههنا.

(٩) ساقط من «ب».

٣٥٣

فالجواب : أنّ المراد من الدار هو الديار ، والإضافة إلى الجمع يجوز أن تكون بلفظ الجمع ، وأن تكون بلفظ الواحد إذا أمن (من) (١) الالتباس ، وإنما اختلف اللفظ للطيفة وهي أن اللطيفة (٢) هائلة في نفسها ، فلم يحتج إلى تهول بها ، وأما الصيحة فغير هائلة في نفسها ولكن تلك الصيحة لما كانت عظيمة حتى أحدثت الزلزلة في الأرض ذكر الديار بلفظ الجمع حتى يعلم هيئتها ، والرجفة بمعنى الزلزلة عظيمة عند كل أحد فلم يحتج إلى معظّم (٣) لأمرها ، وقيل : إن الصيحة كانت أعظم حيث عمت الأرض والجو والزلزلة لم تكن إلا في الأرض فذكر الديار هنا (٤) ، وهذا ضعيف لأن الدار والديار موضع الجثوم لا موضع الصيحة والرجفة فهم ما أصبحوا جاثمين إلا في ديارهم أو دارهم (٥).

قوله تعالى : (وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨) وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (٣٩) فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(٤٠)

قوله تعالى : (وَعاداً وَثَمُودَ) نصب «بأهلكنا» مقدرا (٦) ، أو عطف على مفعول «فأخذتهم» (٧) أو على منصوب (٨)(وَلَقَدْ فَتَنَّا) أول السورة ، وهو قول الكسائي. وفيه بعد كثير وتقدم تنوين «ثمود» ، وعدمه (٩) في هود ، وقرأ ابن (١٠) وثاب : «وعاد وثمود» بالخفض عطفا على(١١) «مدين» عطف لمجرد الدلالة ، وإلا (١٢) يلزم أن يكون شعيب مرسلا إليهما ، وليس كذلك.

قوله : (وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ) أي ما حلّ بهم وقرأ الأعمش : «مساكنهم»

__________________

(١) زيادة من «ب».

(٢) في «ب» الرجفة وهو الأقرب والصواب.

(٣) في «ب» تعظيم.

(٤) في «ب» هناك.

(٥) انظر : التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٥ / ٦٦.

(٦) انظر : البيان لابن الأنباري ٢ / ٢٤٤ ، والبحر المحيط ٧ / ١٥٢ ، والدر المصون ٤ / ٣٠٥.

(٧) المراجع السابقة.

(٨) المراجع السابقة.

(٩) المراجع السابقة.

(١٠) ابن وثاب : يحيى بن وثاب الأسدي الكوفي القارىء العابد أحد الأعلام ، مولى بني أسد ، روى عن ابن عباس ، وابن عمر وعن مسروق وقرأ عليه الأعمش ، وطلحة بن مصرف ، مات سنة ١٠٣ ه‍.

انظر : معرفة القراء الكبار للذهبي ١ / ٦٢ : تهذيب الكمال ٢٤٩ ، تذكرة الحفاظ ١ / ١٠٦.

(١١) انظر : البحر المحيط ٧ / ١٥٢.

(١٢) في «ب» ولا يلزم.

٣٥٤

بالرفع على الفاعلية (١) بحذف «من». ثم (بين) (٢) سبب (ما) (٣) جرى عليهم فقال : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) أي عن سبيل الحق ، وهو عبادة الله (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) قال مقاتل والكلبي (٤) وقتادة كانوا معجبين (٥) في دينهم وضلالتهم يحسبون أنهم على هدى ، وكانوا على الباطل ، والمعنى أنهم كانوا (٦) عند أنفسهم مستبصرين وقال الفراء (٧) : كانوا عقلاء ذوي بصائر. وقيل : كانوا مستبصرين (٨) بواسطة الرسل ، يعني لم يكن لهم في ذلك عذر لأن الرسل أوضحوا السبل.

قوله : (وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ) عطف على (عاداً وَثَمُودَ)(٩) أو على مفعول : «فصدهم» ، أو بإضمار (١٠) : اذكروا ، (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ) بالدلالات كما قال في عاد وثمود (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) أي بالرسل. (فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ) أي عن عبادة الله ، فقوله : (فِي الْأَرْضِ) إشارة إلى قلة عقلهم في استكبارهم ، لأن من في الأرض أضعف (١١) أقسام المكلفين ، ومن في السماء أقواهم ، ثم إن (مَنْ فِي السَّماءِ) لا يستكبرون على الله بالعبادة فكيف (مَنْ فِي الْأَرْضِ) ، (وَما كانُوا سابِقِينَ) أي فائتين من عقابنا.

قوله : (فَكُلًّا) منصوب «بأخذنا» (١٢) و «بذنبه» أي بسببه أو مصاحبا لذنبه ، (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً) وهم قوم لوط والحاصب : الريح التي تحمل الحصباء وهي الحصا الصّغار وقيل : كانت حجارة محميّة (١٣) تقع على واحد منهم وتنفذ من (١٤) الجانب الآخر ، (وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ) يعني ثمود (١٥)(وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ) وهم «قارون» وأصحابه ، (وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) يعني قوم نوح وفرعون وقومه.

وقوله : (مَنْ أَغْرَقْنا) عائده محذوف لأجل سنة الفاصلة ، ثم قال : (وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) يعني لم يظلمهم بالهلاك وإنما ظلموا أنفسهم بالإشراك.

قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ

__________________

(١) وهي قراءة شاذة ، انظر : المرجع السابق ٧ / ١٥٢.

(٢) ساقط من «ب».

(٣) ساقط من «ب».

(٤) تقدم.

(٥) انظر : فتح القدير ٤ / ٢٠٢.

(٦) المرجع السابق.

(٧) انظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٣١٧.

(٨) المرجع السابق.

(٩) البيان ٢ / ٢٤٥ والتبيان ١٠٣٣.

(١٠) المراجع السابقة.

(١١) في «ب» أضعاف.

(١٢) التبيان لأبي البقاء ١٠٣٣ ، والدر المصون للسمين ٤ / ٣٠٥.

(١٣) انظر : القرطبي ١٣ / ٣٤٣ وغريب القرآن لابن قتيبة ٣٣٨.

(١٤) انظر : القرطبي ١٣ / ٣٤٤ وفي «ب» يعني وهو الأصح.

(١٥) ساقط من «ب».

٣٥٥

ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ)(٤٣)

قوله (تعالى) (١) : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ (أَوْلِياءَ)) (٢) يعني الأصنام يرجون نصرها ونفعها (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ) لنفسها «بيتا» تأوي إليه ، وإن بيتها في غاية الضعف والوهي (٣) لا يدفع عنها حرا ولا بردا كذلك الأوثان لا تملك لعابدها نفعا ولا ضرّا (٤)(وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا (٥) يَعْلَمُونَ). واعلم أنه تعالى مثل اتخاذهم الأوثان أولياء باتخاذ العنكبوت) نسجه بيتا ولم يمثل «نسجه» لأن «نسجه» له (٦) فائدة لولاه لما (٧) حصل ، وهو اصطيادها الذباب من غير أن يفوته ما (هو) (٨) أعظم منه واتخاذهم الأوثان يفيدهم ما هو أقل من الذباب من متاع الدنيا ولكن يفوتهم ما هو أعظم منها وهو الدار الآخرة (التي) (٩) هي خير وأبقى ، فليس اتخاذهم كنسج العنكبوت. وقوله : (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) إشارة إلى ما بينا أن كل بيت ففيه إما فائدة الاستظلال أو غير ذلك ، وبيته يضعف عن إفادة ذلك لأنه يخرب بأدنى شيء ، ولا يبقى منه عين ولا أثر ، فكذلك عملهم ، (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ). (و) (١٠) العنكبوت معروف ، ونونه أصلية. والواو والتاء مزيدتان بدليل جمعه على «عناكب» وتصغيره عنيكب ويذكر ويؤنث ، فمن التأنيث قوله : (اتَّخَذَتْ بَيْتاً) ومن التذكير قوله :

٤٠٣٠ ـ على هطّالهم منهم بيوت

كأنّ العنكبوت هو ابتناها (١١)

وهذا مطرد في أسماء الأجناس يذكر ويؤنث.

قوله : (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) جوابه محذوف أي لما اتخذوا من يضرب له (١٢) بهذه الأمثال لحقارته ومتعلق يعلمون لا يجوز أن يكون من جنس قوله : (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ)

__________________

(١) ساقط من (ب).

(٢) ساقط من (ب).

(٣) في (ب) والوهن.

(٤) في (ب) ضرا ولا نفعا.

(٥) ما بين القوسين ساقط من (ب).

(٦) في (ب) فيه.

(٧) في (ب) ما حصل.

(٨) ساقط من (ب).

(٩) ساقط من (ب).

(١٠) ساقط من (ب).

(١١) البيت من تمام الوافر ولم أعرف قائله ، والهطال : اسم جبل ، والمعنى أنهم في متناول يد أعدائهم لضعف بيوتهم وذلك كناية عن قلة المدافعين عنها فأشبهت بيت العنكبوت في ضعفها ووهنها. وجيء بالبيت استشهادا على أن العنكبوت مذكر ، وهو مذهب لناس من العرب وكأنه ذهب إلى الجنس. (انظر معاني الفراء ٢ / ٣١٧ ، واللسان «عنكب» ٣١٣٨ و «هطل» ٤٧٦٥ ، وإعراب القرآن للنحاس ٣ / ٢٥٧ والمذكر والمؤنث للفراء ١٠٢ ، والمذكر والمؤنث لابن الأنباري ١ / ٤٢٦ ، ومعجم البلدان ٥ / ٤٠٨ ، ومجمع البيان ٧ / ٤٤٦ ، والبحر المحيط ٧ / ١٥٢ ، والقرطبي ١٣ / ٣٤٥ ، والسراج المنير ٣ / ١٤٣ والخزانة ٢ / ٣٢٢ والمخصص والتاج «هطل».

(١٢) في «ب» به.

٣٥٦

لأن كل أحد يعلم ذلك ، وإنما متعلّقه مقدر من جنس ما يدل عليه السياق أي لو كانوا يعلمون أن هذا مثلهم.

قوله : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ) ، قرأ أبو عمرو وعاصم «يدعون» (١) بياء الغيبة ، والباقون بالخطاب. و «ما» يجوز أن تكون موصولة منصوبة (٢) ب «يعلم» أي يعلم الذين يدعونهم(٣) ويعلم أحوالهم ، و (مِنْ شَيْءٍ) مصدر ، وأن تكون استفهامية (٤) ، وحينئذ يجوز فيها وجهان أن تكون هي وما عملت فيها معترضا بين قوله : «يعلم» وبين قوله : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) كأنه قيل: أيّ شيء تدعون من دون الله (٥) :

والثاني : أن تكون متعلقة «ليعلم» فتكون في موضع نصب بها ، وإليه ذهب الفارسي (٦) وأن تكون نافية و «من» في «من شيء» مزيدة في المفعول به كأنه قيل : ما تدعون من (٧) دون الله ما يستحق أن يطلق عليه شيء.

قال الزمخشري : هذا زيادة توكيد على التمثيل حيث إنهم لا يدعون من دونه (٨) من شيء يعني ما يدعون ليس بشيء ، وهو عزيز حكيم ، فكيف يجوز للعاقل أن يترك القادر الحكيم ويشتغل بعبادة ما ليس بشيء أصلا وهذا يفهم منه أنه (٩) جعل «ما» نافية ، والوجه فيها حينئذ أن تكون الجملة معترضة كالأول من وجهي الاستفهامية ، وأن تكون مصدرية ، قال أبو البقاء (١٠) : و «شيء» مصدر ، وفي هذا نظر ، إذ يصير التقدير يعلم دعاءكم في شيء من الدعاء.

قوله : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ) يجوز أن يكون (١١) «نضربها» خبر «تلك الأمثال» و «الأمثال» نعت أو بدل ، أو عطف بيان ، وأن يكون «الأمثال» خبرا ، و «نضربها» حال ، وأن يكون خبرا ثانيا (١٢).

__________________

(١) الإتحاف ٣٤٦ والسبعة ٥٠١ وهو المفضل قال في الكشاف : لأن في الكلام معنى التهديد والوعيد والتوبيخ لهم ، فإذا جرى الكلام على لفظ الخطاب كان أبلغ في الوعظ والزجر لهم ، وهو الاختيار لأن الأكثر عليه ، انظر : الكشاف ٢ / ١٧٩.

(٢) نقله في البيان ٢ / ٢٤٥.

(٣) في (ب) يدعونه وهو خطأ.

(٤) البيان ٢ / ٢٤٥ والدر ٤ / ٣٠٦.

(٥) المرجعان السابقان.

(٦) الفارسي : الحسن بن أحمد بن عبد الغفار أبو علي أخذ عن أبي بكر بن السراج وأبي إسحاق الزجاج كان من أكابر أئمة النحويين ، مات سنة ٣٧٧ ه‍ ، انظر : نزهة الألباء ٢٠٩ و ٢١٠.

(٧) البحر المحيط ٧ / ١٥٢ ، وقد قال الفارسي «ما استفهام موضعه نصب بتدعون ، ولا يجوز أن تكون نصبا «بيعلم» ولكن صار الجملة التي هي فيها في موضع نصب بيعلم والتقدير : أن الله يعلم أوثانا تدعون من دونه» الحجة ٦ / ١٠٨ بلدية.

(٨) انظر : الكشاف ٣ / ٢٠٦.

(٩) في «ب» يجعل.

(١٠) أبو البقاء سبق التعريف به.

(١١) انظر : التبيان ١٠٣٣ والبيان ٢ / ٢٤٥.

(١٢) التبيان ١٠٣٣ والدر المصون ٤ / ٣٠٧.

٣٥٧

فصل

وتلك الأمثال : الأشباه. والمثل : كلام سائغ (١) يتضمن تشبيه الآخر بالأول ، يريد أمثال القرآن التي شبه بها أحوال الكفار (٢) هذه الأمة بأحوال كفار الأمم المتقدمة «نضربها» تنبيها للناس ، قال مقاتل (٣) : لكفار مكة (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) أي ما يعقل الأمثال إلا العلماء الذين يعقلون عن الله. روى جابر (٤) أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ تلا هذه الآية (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) قال : «العالم (٥) من عقل عن الله فعمل بطاعته ، واجتنب سخطه».

فصل

روي أن الكفار قالوا : كيف يضرب خالق الأرض والسموات الأمثال بالهوامّ والحشرات كالبعوض والذباب والعنكبوت ، فقيل : الأمثال نضربها للناس إذ لم يكونوا كالأنعام يحصل لكم منه إدراك ما يوجب نفرتكم مما أنتم فيه لأن التشبيه يؤثر في النفس تأثيرا مثل تأثير الدليل (٦) ، فإذا قال الحكيم لمن يغتاب (بالغيبة) (٧) كأنك تأكل لحم ميت لأنك (٨) وقعت في هذا الرجل الغائب وهو غائب لا يفهم ما تقول ولا يسمع حتى يجيبك كمن يقع في ميت يأكل كما ينفر (٩) إذا قال له : إنك توجب العقاب ويورث العتاب.

قوله تعالى : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤) اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ)(٤٥)

قوله تعالى : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) بالحق (١٠) وإظهار الحق (إِنَّ فِي ذلِكَ) إن في خلقها (لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) على قدرته وتوحيده ، فإن قال قائل كيف خص

__________________

(١) في «ب» كلام سائر.

(٢) في «ب» كفار بدون «أل» وهو الصواب.

(٣) انظر : القرطبي ١٣ / ٣٤٦.

(٤) هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي أبو عبد الرحمن ، أو أبو عبد الله ، أو أبو محمد المدني صحابي ، مشهور ، له ألف وخمسمائة حديث وأربعون حديثا. عنه بنوه وطاوس والشعبي وعطاء وخلف مات سنة ٧٨ ، انظر : خلاصة الكمال ٥٩.

(٥) انظر : تفسير الزمخشري ٣ / ٢٠٧ ، والقرطبي ١٣ / ٣٤٦.

(٦) انظر : تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٦٩.

(٧) ساقط من «ب».

(٨) في «ب» فإنك.

(٩) العبارة في تفسير الفخر الرازي ... ولا يسمع حتى يجيب كمن يقع في ميت يأكل منه وهو يعلم ما يفعله ولا يقدر على دفعه إن كان يعلمه فينفر طبعه منه كما ينفر إذ قال له إنه يوجب العذاب ، ويورث العقاب.

(١٠) في «ب» للحق.

٣٥٨

الآية (١) في خلق السماوات والأرض بالمؤمنين مع أن في خلقها (٢) آية لكل عاقل كما قال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ)(٣) وقال تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ) لقوم يعقلون» (٤).

فالجواب : خلق السموات والأرض آية لكل عاقل ، وخلقهما بالحق آية للمؤمنين فحسب ويدل عليه النقل والنقل ، أما النقل فقوله تعالى : (ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(٥) أخرج أكثر الناس عن العلم بكونه خلقهما بالحق مع أنه أثبت للكل بأنه خلقهما بقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) وأما العقل ف (هو أنّ) (٦) العاقل أول ما ينظر إلى خلق السماوات والأرض يعلم أن لها خالقا وهو الله ، ثم (من) (٧) يهديه الله لا يقطع النظر عنهما عند مجرد ذلك بل يقول : إنه خلقهما متقنا محكما وهو المراد من قوله : «بالحق» لأن ما لا يكون محكما يفسد ويبطل فيكون باطلا ، وإذا علم أن خالقهما متقنا يقول : إنه قادر كامل ، حيث خلق ، فأحكم ، وعالم علمه شامل حيث أتقن فيقول : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ) ولا يعزب عن علمه أجزاء الموجودات في الأرض ولا في السماوات ، ولا يعجز عن جمعهما كما جمع أجزاء الكائنات والمبدعات فيجوز بعث من في القبور ، وبعثة الرسل ، وهما بالخلق موجودان فيحصل له الإيمان بتمامه من خلق ما خلقه الله على أحسن نظامه.

قوله تعالى : (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) يعني القرآن لتعلم أن «نوحا» و «لوطا» وغيرهما كانوا على (٨) ما أنت عليه بلغوا الرسالة ، وبالغوا في إقامة الدلالة ، ولم ينقذوا قومهم من الضلالة ، وهذا تسلية للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وشرّف وكرّم) (٩).

قوله : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) الفحشاء : ما قبح من الأعمال ، والمنكر ما لا يعرف في الشرع. قال ابن مسعود (١٠) ، وابن عباس : في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله فمن لم تأمره صلاته بالمعروف ، ولم تنهه عن المنكر لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدا (١١) ، وقال الحسن وقتادة (١٢) : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء

__________________

(١) في «ب» ختم الآية.

(٢) في «ب» خلفهما.

(٣) الزمر : ٣٨.

(٤) البقرة : ١٦٤.

(٥) الدخان : ٣٩.

(٦) ساقط من «ب».

(٧) ساقط من «ب».

(٨) في «ب» مما أنت فيه.

(٩) زيادة في «ب» وانظر : تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٦٩ و ٧٠.

(١٠) ابن مسعود : عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب أبو عبد الرحمن الكوفي أحد السابقين الأولين روى ثمانمائة حديث وثمانية وأربعين ، روى عنه خلق من الصحابة ومن التابعين علقمة ، ومسروق ، والأسود مات سنة ٣٢ ه‍ ، انظر خلاصة الكمال ٢١٤.

(١١) القرطبي ١٣ / ٣٨٤.

(١٢) لم أجده في القرطبي ١٣ / ٣٤٨ ، ولا في فتح القدير ٤ / ٢٠٥ ولا في ابن كثير ٣ / ٤١٤ وقد اعتبر ابن ـ

٣٥٩

والمنكر فصلاته وبال عليه ، وروي عن أنس بن مالك (١) قال : كان فتى من الأنصار يصلي الصلوات مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ثم (لا) (٢) يدع شيئا من الفواحش إلا ركبه فوصف لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حاله فقال : «إنّ صلاته تنهاه يوما» فلم يلبث أن تاب (٣) وحسن حاله ، وقال ابن عون (٤) : معنى الآية : إن الصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر ما دام (٥) فيها ، وقيل : المراد بالصلاة القرآن كما قال : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها)(٦) ، أي بقراءتك ، وأراد أنه يقرأ القرآن في الصلاة ، فالقرآن ينهاه عن الفحشاء والمنكر.

قوله : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) أي ذكر الله أفضل الصناعات ، قال عليه (الصلاة و) (٧) السلام : «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير من إعطاء الذهب والفضة وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم» قالوا : ماذا (٨) يا رسول الله؟ قال : ذكر الله (٩) وسئل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أيّ العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال : الذّاكرون الله كثيرا ، قالوا يا رسول الله : ومن الغازي (١٠) في سبيل الله ، فقال : لو ضرب بسيفه الكفار والمشركين حتى ينكسر أو يختضب (١١) دما لكان الذاكرون الله كثيرا أفضل منه (١٢). وروى أبو هريرة قال : كان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يسير في طرق مكة فمرّ على جبل يقال له : حمدان ، فقال : سيروا هذا حمدان (١٣). سبق المفردون ، قالوا : وما المفردون يا رسول الله؟ قال : الذاكرون الله كثيرا والذاكرات.

قيل : معنى قوله : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) أي ذكر الله إياكم أفضل من ذكركم إياه

__________________

ـ كثير كثيرا من هذه الأشياء المروية موقوفة قال : «والأصح في هذا كله الموقوفات عن ابن مسعود ، وابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، والأعمش وغيرهم والله أعلم» ، انظر : تفسير ابن كثير ٣ / ٤١٤.

(١) تقدم.

(٢) ساقط من (ب).

(٣) انظر : تفسير القرطبي ١٣ / ٣٤٨ فتح القدير ٤ / ٢٠٥.

(٤) ابن عون هو عبد الله بن عون أبو عون الخراز البصري رأى أنس بن مالك مات سنة ١٥١ ه‍ تهذيب التهذيب ٥ / ٣٤٦.

(٥) المراجع السابقة.

(٦) الإسراء : ١١٠.

(٧) ساقط من «ب».

(٨) الحديث أخرجه ابن جرير ، وابن أبي شيبة عن أبي الدرداء. انظر : روح المعاني للألوسي ٢٠ / ٦٥ وجامع الأحاديث للسيوطي ٣ / ٣١٣ ، وفي «ب» ما ذاك.

(٩) في «ب» ذكر لله.

(١٠) في «ب» المغازي بالميم.

(١١) في «ب» والتخضب.

(١٢) أخرجه أحمد في الزهد وابن المنذر عن معاذ بن جبل. انظر : روح المعاني للألوسي ٢٠ / ١٦٥.

(١٣) أخرجه الترمذي وحسنه ، وابن مردويه عن أبي هريرة وأبي الدرداء «سيروا سبق المفردون قيل يا رسول الله ومن المفردون؟ قال : الذين يهتزون في ذكر الله يضع الذكر عنهم أثقالهم فيأتون يوم القيامة خفافا». انظر : تفسير الدر المنثور ٦ / ٤٥٥.

٣٦٠