اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٥

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٥

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦١٥

وجدها. وقال عكرمة عن ابن عباس : كادت تقول : واابناه حين رأت الموج يرفع التابوت ويضعه.

وقال الكلبي : كادت تظهر أنه ابنها حين سمعت الناس يقولون : إنه ابن فرعون.

وقال السدي : لما أخذ من الماء كادت تقول : هو ابني ، فعصمها الله (١).

وقال بعضهم : الهاء (٢) عائدة إلى الوحي ، أي كادت تبدي بالوحي الذي أوحى الله إليها أنه يردّه عليها (٣).

قوله : (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا) جوابها محذوف ، أي لأبدت (٤) ، كقوله : (وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) [يوسف : ٢٤] والمعنى : لولا أن ربطنا على قلبها بالعصمة والصبر والتثبت. «و (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) متعلق ب «ربطنا» (٥) ، والمعنى : لتكون من المؤمنين المصدّقين بوعد الله ، وهو قوله : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) [القصص : ٧].

قوله : (وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ) أي : قصّي أثر موسى ، تتبّعي أمره حتى تعلمي خبره : وكانت أخته لأبيه وأمه واسمها مريم (٦). قال (فَبَصُرَتْ بِهِ) أي : أبصرته ، وقرأ قتادة «بصرت» بفتح الصاد وعيسى بكسرها (٧). قال المبرد : أبصرته وبصرت به بمعنى (٨) ، وتقدم معناه في طه (٩). و (عَنْ جُنُبٍ) في موضع الحال إمّا من الفاعل أي : بصرت به مستخفية كائنة عن جنب ، وإمّا من المجرور أي : بعيدا منها (١٠).

وقرأ العامة «جنب» بضمتين وهو صفة لمحذوف ، أي : عن مكان بعيد (١١) ، وقال أبو عمرو بن العلاء : أي : عن شوق ، وهي لغة جذام ، يقولون : جنبت إليك أي : اشتقت (١٢).

(وقرأ قتادة والحسن والأعرج وزيد بن علي بفتح الجيم وسكون النون) (١٣)(١٤) ، وعن قتادة أيضا بفتحهما (١٥) ، وعن الحسن «جنب» بالضم والسكون (١٦) ، وعن

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٠.

(٢) في ب : أنها. وهو تحريف.

(٣) انظر القرطبي ١٣ / ٢٥٦.

(٤) انظر التبيان ٢ / ١٠١٧ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٧.

(٥) انظر التبيان ٢ / ١٠١٧.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٠.

(٧) المختصر (١١٢).

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٠.

(٩) عند قوله تعالى : «قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ»[طه : ٩٦].

(١٠) انظر التبيان ٢ / ١٠١٧.

(١١) حكاه أبو حيان عن الكرماني. البحر المحيط ٧ / ١٠٧.

(١٢) انظر القرطبي ١٣ / ٢٥٧ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٧.

(١٣) انظر المختصر (١١٢) ، المحتسب ٢ / ١٤٩ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٧.

(١٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٥) انظر البحر المحيط ٧ / ١٠٧.

(١٦) المرجع السابق.

٢٢١

النعمان بن سالم (١) «عن جانب» وكلها بمعنى واحد. ومثله الجناب والجنابة (٢).

(وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) جملة حالية ، ومتعلق الشعور (٣) محذوف أي : أنها تقصّه ، أو (٤) أنه سيكون لهم عدوا وحزنا ، أو أنها أخته ، أو أنها ترقبه (٥).

قوله تعالى : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (١٢) فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(١٣)

قوله : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ)(٦) قيل : يجوز أن يكون جمع مرضع وهي المرأة ، وقيل : جمع مرضع بفتح الميم والضاد ، ثم جوّزوا فيه أن يكون مكانا أي : مكان الإرضاع وهو الثّدي وأن يكون مصدرا أي : الإرضاعات ، أن : أنواعها (٧) ، و (مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل قصّها أثره (٨) ، أو من قبل مجيء أخته ، ومن قبل ولادته في حكمنا وقضائنا (٩). والمراد من التحريم المنع ، لأن التحريم بالنهي تعبّد وذلك لا يصح ، فلا بدّ من فعل سواه ، فيحتمل أن ـ تعالى ـ غيّر طبعه عن لبن سائر النساء ، فلذلك لم يرتضع أو أحدث في لبنهن طعما ينفر عنه طبعه ، أو وضع في لبن أمه لذة تعود بها ، فكان يكره لبن غيرها (١٠).

فصل

قال ابن عباس : إن امرأة فرعون كان همّها من الدنيا أن تجد له مرضعة ، فكل ما أتوه بمرضعة لم يأخذ ثديها ؛ فذلك قوله عزوجل (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ)(١١) ، فلمّا رأت أخت موسى التي أرسلتها أمّه في طلبه ذلك «قالت (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ) أي : يرضعونه لكم (١٢) ويضمنونه ، وهي امرأة قد قتل ولدها فأحبّ شيء إليها أن تجد صغيرا ترضعه (١٣).

قوله : (وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) الظاهر أنه ضمير موسى ، وقيل لفرعون (١٤). قال ابن

__________________

(١) في النسختين : عن سالم. والتصويب من المحتسب ٢ / ١٤٩ ، تفسير ابن عطية ١١ / ٢٧٠ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٧. وهو النعمان بن سالم الطائفي ، روى عن أوس بن أوس ، وعبد الله بن عمر ، وروى عنه سماك ، وداود بن هند ، خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ٤٠٢٠.

(٢) جناب : مصدر جانبه مجانبة وجنابا صار إلى جنبه ، وجنابة مصدر جنب ، انظر اللسان (جنب) ، والبحر المحيط ٧ / ١٠٧.

(٣) أي : معمول الفعل.

(٤) في ب : و. وهو تحريف.

(٥) انظر البغوي ٦ / ٣٢٣.

(٦) في ب : «وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ».

(٧) انظر الكشاف ٣ / ١٥٩ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٧ ـ ١٠٨.

(٨) المرجعان السابقان.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٠.

(١٠) المرجع السابق.

(١١) انظر البغوي ٦ / ٣٢٣.

(١٢) لكم : سقط من ب.

(١٣) انظر البغوي ٦ / ٣٢٤.

(١٤) انظر البحر المحيط ٧ / ١٠٨.

٢٢٢

جريج والسّديّ : لما قالت أخت موسى (وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) استنكروا حالها وتفرّسوا أنها قرابته ، فقالت : إنّما أردت وهم للملك ناصحون ، فتخلّصت منهم (١) ، وهذا يسمى عند أهل البيان الكلام الموجّه (٢) ومثله : لما سئل بعضهم وكان بين أقوام بعضهم يحب عليّا دون غيره ، وبعضهم أبا بكر وبعضهم عمر وبعضهم عثمان ، فقيل له : أيهم أحبّ إلى رسول الله؟ فقال (٣) : من كانت ابنته تحته. وقيل لما تفرّسوا أنه قرابته قالت : إنما قلت هذا رغبة في سرور الملك ، واتصالنا به (٤). وقيل : إنها لما قالت : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ) ، قالوا لها : من؟ قالت : أمي. قالوا : ولأمك ابن؟ قالت: نعم ، هارون ، وكان هارون ولد في سنة لا يقتل فيها. قالوا : صدقت ، فائتينا بها ، فانطلقت إلى أمه فأخبرتها بحال ابنها ، وجاءت بها إليهم ، فلما وجد الصبي ريح أمه قبل ثديها وجعل يمصّه حتى امتلأ جنباه ريّا (٥).

والنصح : إخلاص العمل من سائر الفساد (٦).

قوله : (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) بردّ موسى إليها ، (وَلا تَحْزَنَ) عطف على «تقرّ» (٧) ، ودمعة الفرح قارّة ، ودمعة التّرح حارّة. قال أبو تمام (٨) :

٣٩٧٦ ـ فأمّا عيون العاشقين فأسخنت

وأمّا عيون الشّامتين فقرّت (٩)

وتقدم تحقيق هذا في مريم (١٠).

__________________

(١) انظر البغوي ٦ / ٣٤٤ ، القرطبي ١٣ / ٢٥٧ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٨.

(٢) المعروف في علم البديع أن مثل هذا يسمي التوجيه ، وهو إيراد الكلام محتملا لوجهين مختلفين كقول من قال لأعور يسمى عمرا :

خاط لي عمرو قباء

ليست عينيه سواء

وقيل : عبارة عن وجه ينافي كلام الخصم ، ومنه المثال الذي أتى به ابن عادل ، أما الموجّه فهو أن يمدح بشيء يقتضي المدح لشيء آخر. انظر الإيضاح (٣٨٧ ـ ٣٨٨).

(٣) في ب : فقالت.

(٤) انظر البغوي ٦ / ٣٢٤.

(٥) المرجع السابق.

(٦) انظر الكشاف ٣ / ١٥٩.

(٧) انظر التبيان ٢ / ١٠١٨.

(٨) تقدم.

(٩) البيت من بحر الطويل ، قاله أبو تمام وهو في ديوانه ١ / ٣٠٠ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٨ والشاهد فيه أن قوله : (فأسخنت) دالّ على أن دمعة الحزن حارة ساخنة ، وقوله : (قرّت) من القرّ أو القرة : البرد ، والعين قارّة إذا كان دمعها باردا من فرح وسرور.

(١٠) عند قوله :«فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً»[مريم : ٢٦].

وذكر ابن عادل هناك : والعامة على فتح القاف من قرّي أمر من قرت عينه تقر بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع ، وقرىء بكسر القاف ، وهي لغة نجد ، يقولون قرت عينه تقر بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع ، وفي وصف العين بذلك تأويلان أحدهما : أنه مأخوذ من القر ، وهو البرد ، وذلك أن العين إذا فرح صاحبها كان دمعها قارا ، أي : باردا ، وإذا حزن كان دمعها حارا ولذلك قالوا في الدعاء عليه : أسخن الله عينه.

والثاني : أنه مأخوذ من الاستقرار والمعنى أعطاه الله ما يسكن عينه فلا تطمح إلى غيره. انظر اللباب ٥ / ٤١٢.

٢٢٣

(وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) بردّه إليها وكانت (١) عالمة بذلك ولكن ليس المخبر كالمعاين فتحققت بوجود الموعود (٢) ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أن الله وعدها ردّه إليها. قال الضحاك: لمّا قبل ثديها قال هامان : إنك لأمه ، قالت : لا ، قال : فما بالك قبل ثديك من بين النسوة (٣)؟ قالت : أيها الملك ، إني امرأة طيبة الريح ، حلوة اللبن ، فما شم ريحي صبيّ إلا أقبل (٤) على ثديي. قالوا: صدقت. فلم يبق أحد من آل فرعون إلا أهدى إليها وأتحفها بالذهب والجواهر (٥).

قوله تعالى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ)(١٧)

قوله : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) تقدم الكلام عليه (٦) ، (وَاسْتَوى) أي : بلغ أربعين سنة ـ (قاله ابن عباس ـ) (٧)(٨) وقيل : استوى : انتهى شبابه (٩) ، (آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) أي : الفقه والعقل والعلم في الدين ، فعلم موسى وحكم قبل أن يبعث نبيا (١٠) ، (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ، وهذا يدل على أنه ليس المراد بالحكم النبوة ، لأنه جعل إيتاءه الحكم والعلم مجازاة على إحسانه ، والنبوة لا تكون جزاء على العمل (١١).

قوله : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ) أي : ودخل موسى المدينة. قال السدي : مدينة منف من أرض مصر (١٢) ، وقال مقاتل : قرية تدعى حانين على (رأس) (١٣) فرسخين من مصر (١٤) ، وقيل : عين شمس (١٥) ، قوله : (عَلى حِينِ غَفْلَةٍ) في موضع الحال إمّا من الفاعل أي : كائنا على حين غفلة ، أي : مستخفيا ، وإمّا من المفعول (١٦) ، وقرأ أبو

__________________

(١) في ب : وقد كانت.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣١.

(٣) في ب : النساء.

(٤) في ب : قبل.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣١.

(٦) عند قوله تعالى : «وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً» [يوسف : ٢٢].

(٧) انظر البغوي ٦ / ٣٢٥ ، القرطبي ١٣ / ٢٥٨.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) انظر البغوي ٦ / ٣٢٥.

(١٠) المرجع السابق.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٣.

(١٢) انظر البغوي ٦ / ٣٢٥.

(١٣) رأس : سقط من ب.

(١٤) انظر البغوي ٦ / ٣٢٥ ، الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٣.

(١٥) وهو قول الضحاك. انظر البغوي ٦ / ٣٢٥ ، الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٣.

(١٦) انظر التبيان ٢ / ١٠١٨.

٢٢٤

طالب القارىء (١)(عَلى حِينِ) بفتح النون ، وتكلّف أبو حيان تخريجها على أنه حمل المصدر على الفعل في أنه إذا أضيف الظرف إليه جاز بناؤه على الفتح (٢) ، كقوله :

٣٩٧٧ ـ على حين عاتبت المشيب على الصّبا (٣)

و (مِنْ أَهْلِها) صفة ل «غفلة» ، أي : صادرة من أهلها.

فصل

اختلفوا في السبب الذي لأجله دخل موسى المدينة على حين غفلة من أهلها ، فقال السّدّيّ : إن موسى كان يسمى ابن فرعون ، فكان يركب في مراكب فرعون ، ويلبس مثل ملابسه ، فركب فرعون يوما وليس عنده موسى ، فلما جاء موسى قيل له : إن فرعون قد ركب ، فركب في أثره ، فأدركه المقيل بأرض منف ، فدخلها نصف النهار وليس في طرقها أحد ، فذلك (عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها)(٤). وقال ابن إسحاق : كان لموسى شيعة من بني إسرائيل يسمعون منه ويقتدون به ، فلما عرف ما هو عليه من الحق فارق فرعون وقومه وخالفهم في دينهم حتى ذكر ذلك منه ، وأخافوه وخافهم ، فكان لا يدخل قرية إلا خائفا مستخفيا (٥).

وقال ابن زيد : إنّ موسى ضرب رأس فرعون ونتف لحيته ، فأراد فرعون قتله ، فقالت امرأته : هو صغير ، جىء بجمرة فأخذها (٦) فطرحها في فيه ، فبها عقد لسانه ، فقال فرعون : لا أقتله ، ولكن أخرجوه عن الدار والبلد ، فأخرج ولم يدخل عليهم حتى كبر ، فدخل (عَلى حِينِ غَفْلَةٍ)(٧).

قوله «يقتتلان» صفة ل «رجلين» (٨) ، وقال ابن عطية : حال منهما (٩) ، وسيبويه ـ وإن كان جوّزها من النكرة مطلقا (١٠) ـ إلّا أنّ الأكثر يشترطون فيها ما يسوّغ الابتداء بها (١١).

__________________

(١) في النسختين : أبو طالب الفارسي ، والتصويب من المختصر (١١٢) ، البحر المحيط ٧ / ١٠٩. ولم أقف له على ترجمة.

(٢) قال أبو حيان : (ووجهه أنه أجرى المصدر مجرى الفعل كأنه قال : على حين غفل أهلها فبناه كما بناه حين أضيف إلى الجملة المصدرة بفعل ماض كقوله :

على حين عاتبت المشيب على الصبا

وهذا توجيه شذوذ) البحر المحيط ٧ / ١٠٩.

(٣) صدر بيت من بحر الطويل ، قاله النابغة الذبياني ، وعجزه :

وقلت ألمّا أصح والشّيب وازع

وقد تقدم.

(٤) انظر البغوي ٦ / ٣٢٥ ـ ٣٦٦ ، الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٣.

(٥) انظر البغوي ٦ / ٣٢٦.

(٦) فأخذها : مكرر في ب.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٣.

(٨) انظر البحر المحيط ٧ / ١٠٩.

(٩) قال ابن عطية : (وقوله تعالى : «يقتتلان» في موضع الحال ، أي : مقتتلين) تفسير ابن عطية ١١ / ٢٧٤.

(١٠) فإنه قال : (ومثل ذلك مررت برجل قائما ، وإذا جعلت المرور به في حال قيام) الكتاب ٢ / ١١٢.

(١١) انظر الهمع ١ / ٢٤٠ ، الأشموني ٢ / ١٧٤ ـ ١٧٦.

٢٢٥

وقرأ نعيم بن ميسرة (١) «يقتلان» بالإدغام (٢) ، نقل فتحة التاء الأولى إلى القاف وأدغم. قوله (هذا مِنْ شِيعَتِهِ) مبتدأ وخبر في موضع الصفة ل «رجلين» (٣) ، أو الحال من الضمير في «يقتتلان» وهو بعيد لعدم انتقالها.

وقوله : «هذا» (٤) و «هذا» على حكاية الحال الماضية ، فكأنهما حاضران (٥) ، أي : إذا نظر الناظر إليهما ، قال : هذا من شيعته وهذا من عدوه (٦). وقال المبرد : العرب تشير بهذا إلى الغائب ، وأنشد لجرير :

٣٩٧٨ ـ هذا ابن عمّي في دمشق خليفة

لو شئت ساقكم إليّ قطينا (٧)

فصل (٨)

(هذا مِنْ شِيعَتِهِ) من بني إسرائيل ، (وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) من القبط. قال مقاتل : كانا كافرين إلا أنّ أحدهما من القبط والآخر من بني إسرائيل ، لقول موسى عليه‌السلام (٩) له : (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ)(١٠) [القصص : ١٨]. والمشهور أنّ الإسرائيلي كان مسلما ، قيل : إنه السامري ، والقبطي طبّاخ فرعون (١١). قال سعيد (١٢) بن جبير عن ابن عباس : لمّا بلغ موسى أشده لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل بظلم حتى امتنعوا كل الامتناع. وكان بنو (١٣) إسرائيل قد عزوا بمكان موسى ، لأنهم كانوا يعلمون أنه منهم (١٤).

قوله «فاستغاثه» هذه قراءة العامة من الغوث أي طلب غوثه ونصره ، وقرأ سيبويه وابن مقسم والزعفراني بالعين المهملة والنون من الإعانة (١٥). قال ابن عطية : هي (١٦) تصحيف (١٧) وقال ابن جبارة صاحب الكامل : الاختيار قراءة ابن مقسم ، لأنّ الإعانة أولى

__________________

(١) هو نعيم بن ميسرة أبو عمرو الكوفي النحوي ، روى عن أبي عمرو بن العلاء وعاصم بن أبي النجود ، وروى عنه علي بن حمزة الكسائي. مات سنة ١٧٤ ه‍. طبقات القراء ٢ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣.

(٢) المختصر (١١٢).

(٣) انظر التبيان ٢ / ١٠١٨.

(٤) هذا : سقط من ب.

(٥) انظر البحر المحيط ٧ / ١٠٩.

(٦) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ١٣٦.

(٧) لم أجد ما قاله المبرد في المقتضب والكامل ، وهو في البحر المحيط ٧ / ١٠٩.

والبيت من بحر الكامل ، وهو في ديوانه ١ / ٣٨٨ ، والكامل ٣ / ١٠٧٤ ، ١٠٧٥ ، أمالي ابن الشجري ٢ / ٢٧٦ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٩ ، القطين : الخدم والمماليك والشاهد فيه استعمال (هذا) في الإشارة إلى غائب غير حاضر.

(٨) ما بين القوسين بياض في الأصل.

(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٣.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٣.

(١٢) في ب : عبيد. وهو تحريف.

(١٣) في ب : بني.

(١٤) انظر البغوي ٦ / ٣٢٦.

(١٥) انظر المختصر (١١٢) ، البحر المحيط ٧ / ١٠٩.

(١٦) في الأصل : هو.

(١٧) تفسير ابن عطية ١١ / ١٠٩.

٢٢٦

في هذا الباب (١) قال شهاب الدين : نسبة التصحيف إلى هؤلاء غير محمودة (كما أن تغالي) (٢) الهذلي في اختيار الشاذة غير محمود (٣).

قوله : «فوكزه» أي : دفعه بجميع كفّه (٤) ، والفرق بين الوكز واللّكز : أنّ الأول بجميع الكف والثاني : بأطراف الأصابع ، وقيل بالعكس ، وقيل : اللكز في الصدر ، والوكز في الظهر (٥) ، والنّكز كاللّكز قال :

٣٩٧٩ ـ يا أيّها الجاهل ذو التّنزّي

لا توعدني حبّة بالنّكز (٦)

وقرأ ابن مسعود «فلكزه» (٧) و «فنكزه» (٨) باللام والنون.

قوله : «فقضى» أي : موسى ، أو الله تعالى ، أو ضمير الفعل أي (٩) : الوكز (١٠)(فَقَضى عَلَيْهِ) أي : أماته ، وقتله ، وفرغ من أمره ، وكل شيء فرغت منه فقد قضيته وقضيت عليه ، فندم موسى ولم يكن قصده القتل ، فدفنه في الرمل (١١) ، و (قالَ : هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) فقوله : «هذا» إشارة إلى القتل الصادر منه ، و (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) أي : من وسوسته وتسويله.

فصل

احتج بهذه الآية من طعن في عصمة الأنبياء من وجوه :

أحدها : أن ذلك القبطي إما أن يكون مستحق القتل أو لم يكن كذلك ، فإن استحق القتل فلم قال : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ)؟ ولم قال : (ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ، فَغَفَرَ لَهُ)؟ وقال في سورة أخرى (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) [الشعراء : ٢٠]. وإن لم يستحق القتل كان قتله معصية وذنبا.

وثانيها : أنّ قوله : (هذا مِنْ عَدُوِّهِ) يدل على أنه كان كافرا حربيا ، فكان دمه مباحا ،

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٧ / ١٠٩.

(٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(٣) الدر المصون ٥ / ٢١٣.

(٤) انظر اللسان (وكز).

(٥) انظر الكشاف ٣ / ١٦٠ ، القرطبي ١٣ / ٢٦٠ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٣.

(٦) رجز قاله رؤبة ، وهو في ديوانه (٦٣) ، الكتاب ٢ / ١٩٢ ، المقتضب ٤ / ٢١٨ ، أمالي ابن الشجري ٢ / ١٢١ ، ابن يعيش ٦ / ١٣٨ ، اللسان (نكز) ، المقاصد النحوية ٤ / ٢١٩.

التنزي : خفة الجهل ، وأصل التنزي : التوثب. النكز : الضرب والدفع ، وهو موضع الشاهد هنا.

واستشهد به النحاة على أن (ذو التنزي) نعت الجاهل مرفوع مع أنه مضاف ، لأن الجاهل غير منادى فليس في موضع نصب حتى تنصب صفته على المحل.

(٧) انظر المختصر (١١٢) ، الكشاف ٣ / ١٦٠ ، تفسير ابن عطية ١١ / ٢٧٥ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٩.

(٨) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٢٧٥ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٩.

(٩) في ب : إلى. وهو تحريف.

(١٠) انظر البحر المحيط ٧ / ١٠٩.

(١١) انظر البغوي ٦ / ٣٢٧.

٢٢٧

فلم استغفر عنه؟ والاستغفار من الفعل المباح غير جائز لأنه يوهم في المباح كونه حراما.

وثالثها : أنّ الوكز لا يحصل عنه القتل ظاهرا. فكان ذلك قتل خطأ ، فلم استغفر منه؟

والجواب عن الأول : لم لا يجوز أن يقال إنه لكفره مباح الدم؟ وأما قوله (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) ففيه وجوه :

الأول : أنّ الله تعالى وإن أباح قتل (١) الكفار ، إلّا أنه كان الأولى تأخير قتلهم (٢) إلى زمان آخر ، فلما قتل ترك ذلك المندوب ؛ وهو قوله : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ).

الثاني : أنّ قوله : (هذا) إشارة إلى عمل المقتول لا إلى عمل نفسه.

(الثالث : أنّ قوله : «هذا» إشارة إلى المقتول) (٣). (يعني أنه من حزب الشيطان) (٤) وجنده ، يقال : فلان من عمل الشيطان أي من أحزابه (٥). وأما قوله (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) (فعلى نهج (٦) قول آدم عليه‌السلام) (٧)(رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) [الأعراف : ٢٣] والمراد أحد وجهين : إما على سبيل الانقطاع إلى الله ، والاعتراف بالتقصير عن القيام بحقوقه وإن لم يكن هناك ذنب قط أو من حيث حرم نفسه الثواب بترك المندوب.

وأما قوله (فَاغْفِرْ لِي) أي : فاغفر لي ترك هذا المندوب. وفيه وجه آخر ، وهو أن يكون المراد (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) حيث قتلت هذا الملعون ، فإنّ فرعون لو عرف ذلك لقتلني به ، (فَاغْفِرْ لِي) ، فاستره عليّ ولا توصل خبره إلى فرعون ، (فَغَفَرَ لَهُ) أي : ستره عن الوصول إلى فرعون ، ويدل على هذا قوله (رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) فلو (٨) كانت إعانة المؤمن هنا سببا للمعصية لما قال ذلك ، وأما قوله (٩) : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) [الشعراء : ٢٠] فلم يقل إني صرت بذلك ضالا ، بل اعترف أنه كان ضالا أي : متحيرا لا يدري ما يجب عليه.

وأما قوله : إن كان كافرا حربيا فلم استغفر من قتله؟ قلنا : كون الكافر مباح الدم أمر يختلف باختلاف الشرائع ، فلعلّ قتلهم كان حراما في ذلك الوقت ، أو (١٠) كان مباحا لكن الأولى تركه على ما قررناه.

وأما قوله : كان قتل خطأ ، قلنا : لا نسلم ، فلعل الرجل إن كان ضعيفا ، وموسى عليه‌السلام (١١) كان في نهاية الشدة فوكزه (١٢) كان قاتلا قطعا ، ثم إن سلمنا

__________________

(١) في ب : عن قتل.

(٢) في ب : قتله.

(٣) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٤.

(٦) نهج : تكملة من الفخر الرازي.

(٧) ما بين القوسين في ب : فقيل قول موسى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

(٨) في ب : فلما.

(٩) فعلتها : سقط من ب.

(١٠) في ب : و.

(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٢) في ب : فوكزه موسى.

٢٢٨

ذلك (١) ولكنه ـ عليه‌السلام (١) ـ كان يمكنه أن يخلص الإسرائيلي من يده بدون الوكز الذي كان الأولى تركه ، فلهذا أقدم على الاستغفار. على أنّا وإن سلمنا دلالة هذه الآية على صدور المعصية ، لكنّا بيّنّا أنه لا دلالة البتة فيه ، لأنه لم يكن رسولا في ذلك الوقت فيكون ذلك قبل النبوة لا نزاع فيه (٢).

فصل

قالت المعتزلة : الآية تدل على بطلان قول من نسب المعاصي إلى الله ، لأنه ـ عليه‌السلام (٣) ـ قال: (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) ، فلو كانت بخلق الله لكانت من الله لا من الشيطان ، وهو كقول يوسف ـ عليه‌السلام (٤) ـ (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) [يوسف : ١٠٠] ، وقول فتى موسى (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ) [الكهف : ٦٣] ، وقوله تعالى : (لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ)(٥) [الأعراف : ٢٧] ، وتقدم الكلام على ذلك.

قوله : (بِما أَنْعَمْتَ) يجوز في الباء أن تكون (قسما و) (٦) الجواب مقدرا : لأتوبنّ ، وتفسيره : فلن أكون (٧) ، قال القفال : كأنه أقسم بما أنعم الله عليه أن لا يظاهر مجرما ، أي : بنعمتك عليّ (٨) ، وأن تكون متعلقة بمحذوف ومعناها السببية ، أي : اعصمني بسبب ما أنعمت به (٩) عليّ(١٠) ، ويترتب عليه قوله : (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً) ، و «ما» مصدرية أو بمعنى الذي ، والعائد محذوف ، وقوله : «فلن» نفي على حقيقته (١١) ، وهذا يدل على أنه قال : لم (١٢) أنعمت عليّ بهذا الإنعام فإني لا أكون معاونا لأحد من المجرمين بل أكون معاونا للمسلمين ، وهذا يدلّ على أنّ ما أقدم عليه من إعانة الإسرائيلي على القبطي كان طاعة لا معصية ، إذ لو كان معصية لنزل الكلام منزلة قوله : «إنك لما أنعمت علي بقبول (١٣) توبتي من تلك المعصية» (١٤).

وقال الكسائي (١٥) والفراء (١٦) : إنه خبر ومعناه الدعاء ، وإنّ «لن» واقعة موقع «لا» ،

__________________

(١) ذلك : تكملة من الفخر الرازي.

(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥.

(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٥.

(٦) ما بين القوسين في الأصل : فيها.

(٧) انظر الكشاف ٣ / ١٦٠ ، التبيان ٢ / ١٠١٨ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٩.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٥.

(٩) به : سقط من ب.

(١٠) انظر الكشاف ٣ / ١٦٠ ، التبيان ٢ / ١٠١٨ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٩ ـ ١١٠.

(١١) قال الأخفش : (وقال : «فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً» كما تقول : لن يكون فلان في الدار مقيما ، أي : لا يكونن مقيما) معاني القرآن ٢ / ٦٥٢.

(١٢) في ب : لما.

(١٣) بقبول : تكملة من الفخر الرازي.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٥.

(١٥) انظر إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٢٣٢.

(١٦) معاني القرآن ٢ / ٣٠٤.

٢٢٩

كأنه قال : ولا تجعلني ظهيرا ، قال الفراء : في حرف عبد اللّ ه «ولا تجعلني ظهيرا» (١) قال الشاعر :

٣٩٨٠ ـ لن تزالوا كذلكم ثمّ لا زل

ت لهم خالدا خلود الجبال (٢)

قال شهاب الدين : وليس في الآية والبيت دلالة على وقوع «لن» موقع «لا» ، لظهور النفي فيهما من غير تقدير دعاء (٣).

فصل

قال ابن عباس : (بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ) بالمغفرة ، (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً) عونا «للمجرمين» ، أي : للكافرين وهذا يدل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى كان كافرا ، وهو قول مقاتل ، وقال قتادة : لن أعين بعدها على خطيئة.

قال ابن عباس : لم يستثن فابتلي به في اليوم الثاني (٤) ، (وهذا ضعيف ، لأنه في اليوم الثاني ترك الإعانة ، وإنما خاف منه ذلك العدو ، فقال : (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً) [القصص : ١٩] إلّا أنه لم يقع منه) (٥)(٦).

قوله تعالى : (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨) فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩) وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(٢١)

قوله : (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ) التي قتل فيها القبطي «خائفا» الظاهر أنه خبر «أصبح» ، و (فِي الْمَدِينَةِ) مفعول به ، ويجوز أن يكون حالا ، والخبر (فِي الْمَدِينَةِ)(٧) ، ويضعف تمام «أصبح» أي : دخل في الصباح.

__________________

(١) المرجع السابق.

(٢) البيت من بحر الخفيف قاله الأعشى وهو في ديوانه ١٦٩ ، البحر المحيط ٧ / ١١٠ ، المغني ١ / ٢٨٤ ، شرح التصريح ٢ / ٢٣٠ ، الهمع ١ / ١١١ ، ٤١٢ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٦٨٤ ، الأشموني ٣ / ٢٧٨ ، الدرر ١ / ٨٠. والشاهد فيه أن (لن) أتت للدعاء كما أن (لا) كذلك والدليل عطف الدعاء عليه ، وهو قوله : (ثم لا زلت ...) وفاقا لجماعة منهم ابن السراج وابن عصفور ، والأكثرون أن (لن) تفيد النفي فقط ، فالكلام معها على الإخبار.

(٣) الدر المصون ٥ / ٣١٤.

(٤) انظر البغوي ٦ / ٢٢٧.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٥.

(٦) ما بين القوسين سقط من ب.

(٧) انظر البيان ٢ / ٢٣٠.

٢٣٠

قوله : «يترقّب» يجوز أن يكون خبرا ثانيا ، وأن يكون حالا ثانية ، وأن يكون بدلا من الحال (الأولى) (١)(٢) ، أو الخبر الأول ، أو حالا من الضمير في «خائفا» (٣) فتكون متداخلة ، ومفعول «يترقّب» محذوف ، أي : يترقب المكروه ، أو الفرج ، أو الخبر : هل وصل لفرعون أم لا؟ (٤) قوله : (فَإِذَا الَّذِي) «إذا» فجائية ، و «الّذي» مبتدأ وخبره إمّا «إذا» ف «يستصرخه» حال ، وإمّا «يستصرخه» ف «إذا» فضلة على بابها (٥) ، و «بالأمس» معرب ، لأنه متى دخلت عليه «ال» أو (٦) أضيف أعرب ، ومتى عري منها فحاله معروف ، الحجاز (٧) يبنونه ، والتميميون يمنعونه الصرف (٨) ، كقوله :

٣٩٨١ ـ لقد (٩) رأيت عجبا مذ أمسا (١٠)

على أنه قد بني مع «ال» ندورا ، كقوله :

٣٩٨٢ ـ وإنّي حبست اليوم والأمس قبله

إلى الشّمس حتّى كادت الشّمس تغرب (١١)

يروى بكسر السين.

قوله : (قالَ لَهُ مُوسى) الضمير قيل للإسرائيلي ، لأنه كان سببا في الفتنة الأولى ، وقيل للقبطي (١٢) ، وذلك أنّ موسى لما أصبح خائفا من قتل القبطي «يترقّب» ينتظر سوءا ، والترقب انتظار المكروه. قال الكلبي : ينتظر متى يؤخذ به ، (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) يستغيثه ويصيح به من بعد (١٣) ، قال ابن عباس : أتى فرعون فقيل له : إنّ بني

__________________

(١) انظر التبيان ٢ / ١٠١٨.

(٢) ما بين القوسين في ب : الأول.

(٣) انظر التبيان ٢ / ١٠١٨.

(٤) انظر البحر المحيط ٧ / ١٠١.

(٥) انظر البيان ٢ / ٢٣٠ ـ ٢٣١ ، التبيان ٢ / ١٠١٨.

(٦) في ب : و.

(٧) في ب : أهل الحجاز.

(٨) انظر الكتاب ٣ / ٣٨٣ ـ ٢٨٥ ، ابن يعيش ٤ / ١٠٦ ـ ١٠٧ ، شرح التصريح ٢ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ، الهمع ١ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩.

(٩) لقد : سقط من الأصل.

(١٠) رجز ينسب للعجاج وهو في الكتاب ٣ / ٢٨٥ ، أمالي ابن الشجري ٢ / ٢٦٠ ، ابن يعيش ٤ / ١٠٦ ، شذور الذهب ٩٩ ، المقاصد النحوية ٤ / ٣٥٧ ، شرح التصريح ٢ / ٢٢٦ ، الهمع ١ / ٢٠٩ ، الخزانة ٧ / ١٦٧ ، الدرر ١ / ١٧٥. والشاهد فيه أعراب (أمس) مع منعها من الصرف للعلمية والعدل عن (الأمس) عند بني تميم.

(١١) البيت من بحر الطويل ، قاله نصيب بن رباح ، شاعر إسلامي ، وهو في الخصائص ٣ / ٥٧ ، المحتسب ٢ / ١٩٠ ، الإنصاف ١ / ٣٢٠ ، اللسان (أمس) ، شذور الذهب ١٠١ ، الهمع ١ / ٢٠٩ الدرر ١ / ١٧٥.

والشاهد فيه قوله : (الأمس) بكسر السين ، فهو مبني ، والأصل فيه الإعراب لأنه اقترن ب (أل) فكان الواجب فيه النصب إعرابا.

وروي بفتح السين على الأصل ، لأنه معطوف على (اليوم) وهو منصوب ، والمعطوف على المنصوب منصوب.

(١٢) انظر البحر المحيط ٧ / ١١٠.

(١٣) انظر البغوي ٦ / ٣٢٧.

٢٣١

إسرائيل قتلوا منّا رجلا فخذ لنا بحقنا ، فقال ابغوا (١) لي قاتله ومن يشهد عليه (فلا تنسبوني أن أقضي) (٢) بغير بينة ، فبينما هم يطوفون لا يجدون بيّنة إذ مرّ موسى من الغد ، فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونيا ، فاستغاثه على الفرعوني ، فصادف موسى وقد ندم على ما كان منه بالأمس من قتل القبطي ، فقال موسى للإسرائيلي : «إنك لمغوي مبين» (أي : ظاهر الغواية) (٣)(٤). قال أهل اللغة : «لغويّ» يجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعل ، أي : إنّك لمغويّ ، فإنّي وقعت بالأمس فيما وقعت فيه بسببك ، ويجوز أن يكون بمعنى الغاوي (٥) : قاتلت رجلا بالأمس فقتلته بسببك ، وتقاتل اليوم آخر ، وتستغيثني عليه ، وقيل : إنما قال موسى للفرعوني : (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) بظلمك ، والأكثرون على الأول (٦).

قوله : (فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ) الظاهر أنّ الضميرين (٧) لموسى ، وقيل للإسرائيلي (٨) ، والعدو : هو القبطي ، والضمير في (قالَ يا مُوسى) للإسرائيلي ، كأنه توهم من موسى مخاشنة ، فمن ثمّ قال ذلك ، وبهذا فشا خبره وكان مشكوكا في قاتله (٩).

و «أن» تطرد زيادتها في موضعين :

أحدهما : بعد لمّا كهذه.

والثاني : قبل «لو» مسبوقة بقسم كقوله :

٣٩٨٣ ـ أما والله أن لو (١٠) كنت حرا(١١)

٣٩٨٣ م ـ فأقسم أن لو التقينا وأنتم

لكان لكم يوم من الشّرّ مظلم (١٢)

والعامة على «يبطش» بالكسر ، وضمّها أبو جعفر (١٣) ، وقيل : إن القائل «يا موسى» هو القبطي ، وكان قد عرف القصة من (١٤) الإسرائيلي. قال ابن الخطيب : وهذا هو الظاهر ، لقوله : (فَلَمَّا (١٥) أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى) ، فهذا

__________________

(١) يريد : اطلبوا إلى.

(٢) ما بين القوسين في الأصل : لن يقضي.

(٣) انظر البغوي ٦ / ٣٢٧.

(٤) ما بين القوسين مكرر في ب.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٦.

(٦) انظر البغوي ٦ / ٣٢٧ ـ ٣٢٨.

(٧) في ب : الضمير. وهو تحريف.

(٨) انظر البحر المحيط ٧ / ١١٠.

(٩) انظر القرطبي ١٣ / ٢٦٥.

(١٠) في ب : لو أن. وهو تحريف.

(١١) صدر بيت من بحر الوافر لم أهتد إلى قائله ، وعجزه :

وما بالحر أنت ولا العتيق

وهو في الإنصاف ١ / ٢٠٠ ، المقرب ٢٢٥ ، المغني ١ / ٣٣ ، شرح شواهده ١ / ١١١ ، شرح التصريح ٢ / ٢٣٣ ، الخزانة ٤ / ١٤١ ، ١٤٣ ، الحر : يطلق على ضد الرقيق وعلى الكريم ، وكذلك العتيق.

والشاهد فيه زيادة (أن) بعد القسم ، وبعدها (لو).

(١٢) البيت من بحر الطويل ، قاله المسيب بن علس. والشاهد فيه زيادة (أن) بعد القسم وبعدها (لو) وقد تقدم.

(١٣) انظر البحر المحيط ٧ / ١١٠ ، الإتحاف ٣٤٢.

(١٤) من : سقط من ب.

(١٥) فلما : سقط من ب.

٢٣٢

القول منه لا من غيره ، وأيضا قوله : (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ) لا يليق إلا بقول الكافر (١) ، والجبار : هو الذي يفعل ما يريده من الضرب والقتل بظلم ، ولا ينظر في العواقب ، وقيل : المتعظم (٢) ، (وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) ، قال المفسرون : فلما سمع القبطي قول الإسرائيلي علم أنّ موسى هو الذي قتل ذلك الفرعوني ، فانطلق إلى فرعون فأخبره بذلك ، وأمر (٣) فرعون بقتل موسى. قال ابن عباس : أرسل فرعون الذباحين لقتل موسى فأخذوا الطريق الأعظم (٤). قوله : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى) ، أي : من آخر المدينة اسمه : حزقيل مؤمن آل فرعون ، وقيل اسمه (٥) شمعون ، وقيل : (شمعان) (٦)(٧) : «يسعى» قال الزمخشري : «يسعى» يجوز ارتفاعه وصفا ل «رجل» وانتصابه حالا عنه ، لأنه قد تخصص بالوصف بقوله : (مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) ، فإن جعلت (مِنْ أَقْصَى) متعلقا ب «جاء» ف «يسعى» صفة ليس إلا (٨). وهذا بناء منه على مذهب الجمهور ، وقد تقدّم أنّ سيبويه يجيز ذلك من غير شرط (٩).

وفي آية يس (١٠) قدّم (مِنْ أَقْصَى) على «رجل» ، لأنه لم يكن من أقصاها وإنما جاء منها(١١) وهنا وصفه بأنه من أقصاها ، وهما رجلان مختلفان وقضيتان متباينتان.

(قوله) (١٢) «يأتمرون» أي : يتآمرون بمعنى يتشاورون ، كقول النمر بن تولب :

٣٩٨٤ ـ أرى النّاس قد أحدثوا شبهة

وفي كلّ حادثة مؤتمر (١٣)

وعن ابن قتيبة : يأمر بعضهم بعضا (١٤). أخذه من قوله تعالى (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) [الطلاق : ٦]. (قوله) (١٥) «فاخرج» أي : من المدينة ، (إِنِّي لَكَ مِنَ (١٦) النَّاصِحِينَ) في الأمر بالخروج ، فقوله «لك» ، يجوز أن يتعلق بما يدلّ «النّاصحين» عليه ، أي ؛ ناصح لك من الناصحين ، أو بنفس «النّاصحين» للاتساع في الظرف ، أو على جهة البيان أي : أعني

__________________

(١) الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٧.

(٢) المرجع السابق.

(٣) في ب : فأمر.

(٤) انظر البغوي ٦ / ٣٢٨.

(٥) اسمه : سقط من ب.

(٦) انظر البغوي ٦ / ٣٢٨.

(٧) ما بين القوسين في ب : يسمعون. وهو تحريف.

(٨) الكشاف ٣ / ١٦١ ، وفيه : وإذا جعل صلة ل «جاء» لم يجز في (يسعى) إلا الوصف.

(٩) تقدم قريبا.

(١٠) يشير إلى قوله تعالى :«وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ» [يس : ٢٠]. وفي ب : ليس. وهو تحريف.

(١١) في النسختين : منه.

(١٢) ما بين القوسين بياض في الأصل.

(١٣) البيت من بحر المتقارب قاله النمر بن تولب ، شاعر مخضرم ، وهو في مجاز القرآن ٢ / ١٠٠ ، تفسير ابن عطية ١١ / ٢٨٠ ، القرطبي ١٣ / ٢٦٦ ، البحر المحيط ٧ / ١١١.

(١٤) تفسير غريب القرآن (٣٣٠ ـ ٣٣١).

(١٥) ما بين القوسين بياض في الأصل.

(١٦) في الأصل : لمن. وهو تحريف.

٢٣٣

لك (١). (فَخَرَجَ مِنْها) موسى (خائِفاً يَتَرَقَّبُ) هدايته وغوث الله إيّاه ، (قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي ؛ الكافرين وهذا يدلّ على أن قتله لذلك القبطي لم يكن ذنبا وإلا لكان هو الظالم لهم ، وما كانوا ظالمين له بسبب طلبهم له ليقتلوه قصاصا (٢).

قوله تعالى : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ)(٢٨)

قوله : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) أي : قصد نحوها ماضيا إليها ، يقال : داره تلقاء دار فلان ، إذا كانت محاذيتها وأصله من اللقاء. قال الزجاج : أي : سلك الطريق الذي تلقاء مدين فيها (٣). قال ابن عباس : خرج وما قصد مدين ولكنه سلم نفسه إلى الله ومشى من غير معرفة فأسلمه الله إلى مدين (٤) ، وقيل : وقع في نفسه أن بينهم وبينه قرابة ؛ لأنهم من ولد مدين بن إبراهيم وكان من بني إسرائيل ، سميت البلدة باسمه فخرج ولم يكن له علم بالطريق بل اعتمد على الله (٥) ، وقيل : جاءه (٦) جبريل عليه‌السلام ، وعلمه الطريق (٧).

قال ابن إسحاق : خرج من مصر إلى مدين خائفا (٨) بلا زاد ولا ظهر وبينهما مسيرة ثمانية أيام ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر (٩). (قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) ، أي : قصد الطريق إلى مدين.

قوله : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) وهو الماء الذي يستقون منه وهو بئر ، ووروده : مجيئه ، والوصول إليه ، (وَجَدَ عَلَيْهِ) أي : على شفيره («أمّة» جماعة كثيفة العدد (مِنَ

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٧ / ١١١.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٧.

(٣) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ١٣٨.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٨.

(٥) المرجع السابق.

(٦) في ب : جاءهم.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٨.

(٨) في الأصل : حافيا.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٨.

٢٣٤

النَّاسِ) مختلفين «يسقون» منها مواشيهم) (١) ، (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ) أي : سوى الجماعة ، وقيل : في مكان أسفل من مكانهم (٢).

قوله : (امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) ف «تذودان» صفة ل «امرأتين» لا مفعول ثان ، لأنّ «وجد» بمعنى : لقي ، والذّود : الطرد (٣) والدفع (٤) ، قال :

٣٩٨٥ ـ فقام يذود النّاس عنها بسيفه (٥)

وقيل : حبس (٦) ، ومفعوله محذوف ، أي : يذودان النّاس عن غنمهما (٧) ، أو عن مزاحمة الناس (٨) ، وقال (٩) الزمخشري : لم ترك المفعول غير مذكور في «يسقون» و «تذودان» و (لا نَسْقِي) ، قلت : لأنّ الغرض هو الفعل لا المفعول ، وكذلك قولهما : (لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) المقصود منه السّقي لا المسقيّ (١٠).

فصل

واختلفوا في السبب المقتضي لذلك الحبس ، فقال الزجاج : لئلا تختلط أغنامهما بأغنامهم (١١) ، وقيل : لئلا يختلطن بالرجال ، وقيل : كانتا تذودان عن وجوههما نظر الرجال لتسترهما (١٢) ، وقيل : تذودان الناس عن غنمهما (١٣) ، وقال الفراء : يحبسانها لئلا تتفرق وتتسرب (١٤) ، وقيل : تذودان أي : معهما قطيع من الغنم ، والقطيع من الغنم يسمى : ذودا ، وكذلك قطيع البقر وقطيع الإبل. قال عليه‌السلام : «ليس فيما دون خمس ذود صدقة» (١٥) وقال الشاعر :

٣٩٨٦ ـ ثلاثة أنفس ، وثلاث ذود

لقد جار الزّمان على عيالي (١٦)) (١٧)

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من ب.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٩.

(٣) في ب : الطرف. وهو تحريف.

(٤) انظر الكشاف ٣ / ١٦١.

(٥) صدر بيت من بحر الطويل ، لم أهتد إلى قائله ، وعجزه :

وقال ألا لا من سبيل إلى هند

وقد تقدم.

(٦) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٣٠٥.

(٧) وهو قول قتادة. انظر القرطبي ١٣ / ٢٦٨.

(٨) وهو قول ابن عباس. المرجع السابق.

(٩) في الأصل : قال.

(١٠) الكشاف ٣ / ١٦٢.

(١١) لم أجد ما قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه وهو في الفخر الرازي غير منسوب.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣٩.

(١٣) وهو قول قتادة. القرطبي ١٣ / ٢٦٨.

(١٤) معاني القرآن ٢ / ٣٠٥.

(١٥) أخرجه البخاري (زكاة) ١ / ٢٥١ ، ٢٥٤ ، ٢٥٩ ، ومسلم (زكاة) ٢ / ٦٧٤ ـ ٦٧٥.

(١٦) البيت من بحر الوافر ، قاله الحطيئة ، وتقدم تخريجه.

(١٧) ما بين القوسين سقط من ب.

٢٣٥

قوله : (ما خَطْبُكُما) تقدم في طه (١) ، وقال الزمخشري : هنا حقيقته : ما مخطوبكما؟ أي : ما مطلوبكما من الذياد؟ فسمي المخطوب خطبا كما سمي المشئون شأنا في قولك : ما شأنك؟ يقال : شأنك شأنه ، أي : قصدت قصده (٢). وقال ابن عطية : السؤال بالخطب (٣) إنما هو في مصاب أو مضطهد أو من يشفق عليه أو يأتي بمنكر من الأمر (٤). وقرأ شمر (٥) «خطبكما» بالكسر أي : ما زوجكما؟ أي : لم تسقيان ولم يسق زوجكما؟ وهي شاذة جدا (٦).

قوله : (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) قرأ أبو عمرو وابن عامر وأبو جعفر بفتح الياء وضم الدال من صدر يصدر وهو قاصر ، أي : حتى يرجع الرعاء : أي (٧) : يرجعون بمواشيهم ، والباقون (٨) بضم الياء وكسر الدال مضارع أصدر (٩) معدّى بالهمزة ، والمفعول محذوف ، أي : يصدرون مواشيهم (١٠) ، والعامة على كسر الراء (١١) من «الرّعاء» ، وهو جمع تكسير غير مقيس لأنّ فاعلا الوصف المعتل اللام كقاض قياسه (فعلة) نحو قضاة ورماة (١٢). وقال الزمخشري (١٣) : وأما الرّعاء بالكسر فقياس كصيام وقيام (١٤). وليس كما ذكر (لما ذكرناه) (١٥). وقرأ أبو عمرو ـ في رواية (١٦) ـ بفتح الراء. قال أبو الفضل : هو مصدر

__________________

(١) يريد قوله تعالى : «قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُ» [طه : ٩٥]. ولم يذكر هناك معنى الخطب وإنما ذكره عند قوله تعالى :«قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ»[يوسف : ٥١] وذكر هناك : والخطب الأمر والشأن الذي فيه خطر ، وهو في الأصل مصدر خطب يخطب وإنما يخطب في الأمور العظام. انظر اللباب ٥ / ٤٢.

(٢) الكشاف ٣ / ١٦١.

(٣) في الأصل : بالخطاب.

(٤) تفسير ابن عطية ١١ / ٢٨٥.

(٥) هو شمر بن حمدويه الهروي ، أبو عمرو اللغوي ، الأديب ، أخذ عن الفراء والأصمعي وأبي حاتم وغيرهم ، ألف كتابا كبيرا في اللغة لم ينسخ في حياته ففقد بعد موته إلا يسيرا. بغية الوعاة ٢ / ٤ ـ ٥.

(٦) انظر البحر المحيط ٧ / ١١٣.

(٧) في ب : أو.

(٨) في ب : والثاني. وهو تحريف.

(٩) السبعة (٤٩٢) ، الكشف ٢ / ١٧٢ ـ ١٧٣ ، النشر ٢ / ٣٤١ ، الإتحاف (٣٤٢).

(١٠) انظر البيان ٢ / ٢٣١.

(١١) الراء : سقط من ب.

(١٢) انظر الأشموني ٤ / ١٣٢.

(١٣) الزمخشري : سقط من ب.

(١٤) أي : جمع صائم وقائم. الكشاف ٣ / ١٦١. ورد أبو حيان على الزمخشري في هذه المسألة ، قال : (وليس بقياس لأنه جمع راع ، وقياس (فاعل) الصفة التي للعاقل أن تكسر على (فعلة) كقاض وقضاة ، وما سوى جمعه هذا فليس بقياس) البحر المحيط ٧ / ١١٣ ، وقد جاء في اللسان ما يوافق قول الزمخشري ، قال ابن منظور : (وراعي الماشية حافظها. صفة غالبة غلبة الاسم والجمع رعاة ، مثل قاض وقضاة ، ورعاء مثل جائع وجياع ، ورعيان مثل شابّ وشبّان كسّروه تكسير الأسماء كحاجر وحجران ، لأنها صفة غالبة ، وليس في الكلام اسم على فاعل يعتور عليه فعلة وفعال إلا هذا ، وقولهم : آس وأساة وإساء) اللسان (رعى).

(١٥) ما بين القوسين في ب : كما ذكرنا.

(١٦) في رواية عياش. حكاها أبو حيان عن أبي الفضل الرازي. انظر البحر المحيط ٧ / ١١٣.

٢٣٦

أقيم مقام الصفة فلذلك استوى فيه الواحد والجمع أو على حذف مضاف (١) ، وقرىء بضمها (٢) ، وهو اسم جمع كرخال (٣) وثناء (٤). وقرأ ابن مصرف «لا نسقي» بضم النون (٥) من أسقى ، وتقدم الفرق بين سقى وأسقى في النحل (٦) ، والمعنى لا نسقي حتى يرجع الرّعاء عن الماء ، والرّعاء جمع راع مثل تاجر وتجّار (٧) ، أي : نحن امرأتان لا نطيق أن نزاحم الرجال فإذا صدروا سقينا مواشينا ما أفضلت مواشيهم في الحوض ، و (أَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) لا يقدر أن يسقي مواشيه ولذلك احتجنا نحن إلى سقي الغنم (٨).

فصل

قال مجاهد والضحاك والسدي والحسن : أبوهما (٩) هو شعيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٠). (وإنه عاش عمرا طويلا بعد هلاك قومه حتى أدركه موسى عليه‌السلام ، وتزوج بابنته) (١١). وقال وهب وسعيد بن جبير : هو يثرون ابن أخي شعيب (وكان شعيب) (١١) قد مات بعد (١٢) ذلك بعد ما كف بصره فدفن بين المقام وزمزم (١٣). وقيل : رجل ممن آمن بشعيب (١٤). قالوا : فلما سمع (١٥) قولهما رحمهما فاقتلع صخرة من رأس بئر أخرى كانت بقربهما لا يطيق رفعها إلا جماعة من الناس (١٦) ، وقال ابن إسحاق : إنّ موسى زاحم القوم ونحاهم عن رأس البئر فسقى غنم المرأتين (١٧). وروي أن القوم لمّا رجعوا بأغنامهم غطوا رأس البئر بحجر لا يرفعه إلا عشر (١٨) نفر ، فجاء موسى فرفع الحجر وحده ، وسقى غنمهما (١٩) ، ويقال : إنه نزع ذنوبا واحدا ودعا فيه بالبركة فروي منه جميع الغنم (٢٠).

قوله : (فَسَقى لَهُما) مفعوله محذوف أي : غنمهما لأجلهما (٢١) ، (ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ) أي : إلى ظل شجرة فجلس في ظلها من شدة الحر وهو جائع. قال الضحاك : لبث سبعة أيام لم يذق طعاما إلا بقل الأرض (٢٢).

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٧ / ١١٣.

(٢) انظر المختصر (١١٢) ، الكشاف ٣ / ١٦١.

(٣) الرّخال : جمع رخل ، الأنثى من أولاد الضأن. اللسان (رخل).

(٤) ثناء : جمع ثنية ، وهي الناقة التي ولدت بطنين. اللسان (ثنى).

(٥) انظر المختصر (١١٢).

(٦) عند قوله تعالى :«وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ» من الآية (٦٦).

(٧) انظر القرطبي ١٣ / ٢٦٩. وفي ب : وتجار أي تجار.

(٨) انظر البغوي ٦ / ٣٣٠.

(٩) في ب : وأبوهما.

(١٠) انظر البغوي ٦ / ٣٣٠.

(١١) ما بين القوسين سقط من ب.

(١١) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٢) في ب : قبل.

(١٣) انظر البغوي ٦ / ٣٣٠.

(١٤) المرجع السابق.

(١٥) في ب : أسمع.

(١٦) انظر البغوي ٦ / ٣٣٠.

(١٧) المرجع السابق.

(١٨) في ب : عشرة.

(١٩) انظر البغوي ٦ / ٣٣٠.

(٢٠) المرجع السابق.

(٢١) انظر البحر المحيط ٧ / ١١٣.

(٢٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٠.

٢٣٧

فصل

(لِما أَنْزَلْتَ) متعلق ب «فقير» قال الزمخشري : عدّي فقير (١) باللام لأنه ضمن معنى سائل وطالب ويحتمل إني فقير من الدنيا لأجل ما أنزلت إليّ من خير (٢) الدين ، وهو النجاة من الظالمين(٣). يعني أن افتقر يتعدى ب «من» ، فإمّا أن نجعله من باب التضمين ، وإمّا أنّ (٤) متعلقه محذوف و «أنزلت» قيل ماض على أصله ، ويعني بالخير ما تقدم من خير الدين ، وقيل : بمعنى المستقبل (٥). قال أهل اللغة : اللام بمعنى إلى ، يقال : فقير له ، وفقير إليه ، فإن قيل : كيف ساغ بنبي الله شعيب أن يرضى لابنتيه (٦) السعي بالماشية فالجواب : أنّ الناس اختلفوا فيه : هل هو شعيب أو غيره كما تقدم ، وإن سلمنا أنه شعيب (٧) لكن لا مفسدة فيه ، لأن الدين لا يأباه ، وأحوال أهل (٨) البادية غير أحوال أهل الحضر (٩) سيما إذا كانت الحالة حالة (١٠) ضرورة (١١).

فصل

قال ابن عباس : سأل الله تعالى فلقة خبز يقيم بها صلبه (١٢). قال الباقر (١٣) : لقد قالها وإنه لمحتاج إلى شق تمرة (١٤) ، وقال سعيد بن جبير : قال (١٥) ابن عباس : لقد قال (١٦)(رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) وهو أكرم خلقه عليه ، ولقد افتقر إلى شق تمرة (١٧) ، وقيل : إنما قال ذلك في نفسه مع ربه ، وهو اللائق بموسى عليه‌السلام (١٨). فلما رجعتا إلى أبيهما سريعا قبل الناس وأغنامهما حفّل بطان (١٩) قال لهما : ما أعجلكما؟ قالتا : وجدنا رجلا صالحا رحيما فسقى لنا أغنامنا ، فقال لإحداهما: اذهبي فادعيه لي (٢٠) ، قوله (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما) قرأ ابن محيصن : «فجاءته حداهما» بحذف الهمزة تخفيفا (٢١) على غير قياس ، كقولهم : يا با فلان ، وقوله :

__________________

(١) في ب : فقيرا.

(٢) في ب : من خير فقير.

(٣) الكشاف ٣ / ١٦٢.

(٤) في ب : وإما أن يكون.

(٥) انظر القرطبي ١٣ / ٢٧٠.

(٦) لابنته : سقط من ب.

(٧) في ب : لا شعيب. وهو تحريف.

(٨) في ب : أهلي. وهو تحريف.

(٩) في ب : و. وهو تحريف.

(١٠) في ب : حال.

(١١) انظر الكشاف ٣ / ١٦٢ ، الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٠.

(١٢) انظر البغوي ٦ / ٣٣٠ ـ ٣٣١.

(١٣) هو محمد بن علي زين العابدين الباقر الإمام الخامس للشيعة ولد وتوفي بالمدينة. مات سنة ١١٤ ه‍.

المنجد ١٠٦ ـ ١٠٧.

(١٤) انظر البغوي ٦ / ٣٣١.

(١٥) في ب : عن.

(١٦) في ب : لقد قال موسى.

(١٧) انظر البغوي ٦ / ٣٣١.

(١٨) المرجع السابق.

(١٩) أي : ممتلئة البطن.

(٢٠) انظر الكشاف ٣ / ١٦٢.

(٢١) انظر المحتسب ٢ / ١٥٠ ، البحر المحيط ٧ / ١١٤.

٢٣٨

٣٩٨٧ ـ يا با المغيرة ربّ أمر معضل

فرّجته بالنّكر عنّي والدّها (١)

وويلمّه أي : ويل لأمّه. قال :

٣٩٨٨ ـ ويلمّها حاله (٢) لو أنّها صدقت (٣)

و «تمشي» حال ، و «استحياء» حال أخرى ، إما من «جاءت» وإما من «تمشي»(٤).

فصل

قال عمر بن الخطاب : ليست بسلفع (٥) من النساء خرّاجة ولّاجة ، ولكن جاءت مستترة وضعت كم درعها على وجهها استحياء (٦). (قالَتْ (٧) إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) صرحت (٨) بهذا لئلا يوهم كلامها ريبة ، وهذا من تمام حيائها وصيانتها ، وقيل : ماشية على بعد ، مائلة عن الرجال (٩). وقال عبد العزيز بن أبي حازم (١٠) : على إجلال له (١١) ، ومنهم من يقف على قوله «تمشي» ، ثم يبتدىء (عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ)(١٢) أي: إنها على استحياء قالت هذا القول ، لأن الكريم إذا دعا (١٣) غيره إلى الضيافة يستحي لا سيما المرأة(١٤). قال ابن إسحاق : اسم الكبرى صفورا والصغرى لبنا ، وقيل ليا (١٥) ، وقال غيره : صفورا وصفيرا(١٦). وقال الضحاك : صافورا (١٧) ، قال

__________________

(١) البيت من بحر الكامل ، ونسبه في التصريف الملوكي (٣٨) إلى أبي الأسود الدؤلي ، وليس في ديوانه.

والشاهد فيه حذف الهمزة في قوله (يا با) ، وهذا الحذف للتخفيف وليس بقياس. وفيه أيضا قصر (الدها) والأصل فيه المد.

(٢) في ب : حال.

(٣) لم أعثر على تتمة لهذا البيت ، ولا قائله ، والشاهد فيه قوله (ويلمها) الأصل : ويل لأمها فحذفت الهمزة من الأم تخفيفا ، ثم تبعتها لام الجر المعدية للمصدر حتى لا تلتقي مع اللام قبلها.

(٤) انظر البيان ٢ / ٢٣١.

(٥) السلفع من النساء : الجريئة على الرجال.

(٦) انظر البغوي ٦ / ٣٣١ ، الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٠.

(٧) في ب : وقالت.

(٨) في ب : خرجت.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٠.

(١٠) هو عبد العزيز بن أبي حازم ، يكنى أبا تمام. مات بالمدينة فجأة سنة ١٨٤ ه‍. المعارف لابن قتيبة ٤٧٩.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٠.

(١٢) لعله جعل قوله «عَلَى اسْتِحْياءٍ» حالا مقدمة من «قالت» ، أي : قالت مستحيية ، لأنها كانت تريد أن تدعوه إلى ضيافتها ، وما تدري أيجيبها أم لا ، وهو وقف جيد ، والأجود وصله. انظر منار الهدى في الوقف والابتدا (٢٩٠).

(١٣) في الأصل : دعاه.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٠.

(١٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٠.

(١٦) المرجع السابق.

(١٧) المرجع السابق.

٢٣٩

الأكثرون : التي جاءت إلى موسى الكبرى (١). وقال الكلبي : هي الصغرى (٢). قال ابن الخطيب : وفي الآية إشكالات.

أحدها : كيف ساغ لموسى عليه‌السلام (٣) أن يعمل بقول امرأة ، (وأن يمشي معها) (٤) وهي أجنبية ، فإن ذلك يورث التهمة العظيمة؟ وقال (٥) صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اتقوا مواضع التهم».

وثانيها (٦) : أنه سقى أغنامها تقربا إلى الله تعالى (٧) ، فكيف يليق به أخذ الأجرة عليه ، وذلك غير جائز في الشريعة؟.

وثالثها : أنه عرف فقرهنّ ، وفقر أبيهنّ ، وأنه عليه‌السلام (٨) كان في نهاية القوة بحيث يمكنه الكسب بأقل سعي ، فكيف يليق بمروءة مثله طلب الأجرة على ذلك القدر من الشيخ الفقير والمرأة الفقيرة؟

ورابعها : كيف يليق بالنبي شعيب عليه‌السلام (٩) أن يبعث ابنته الشابة إلى رجل شابّ قبل العلم بكون الرجل عفيفا أو فاسقا؟

والجواب عن الأول : أما (٩) العمل بقول امرأة فإن الخبر يعمل فيه بقول الواحد حرا كان أبو عبدا ذكرا كان أو أنثى ، وهي ما كانت إلّا مخبرة عن أبيها.

وأما المشي مع المرأة فلا بأس به مع الاحتياط والتورع.

وعن الثاني : أن المرأة لما قالت ذلك ، فموسى عليه‌السلام (١٠) ما ذهب إليهم طالبا للأجرة ، بل للتبرك بذلك الشيخ ، لما روي أنه لما دخل على شعيب إذا هو بالعشاء تهيّأ ، فقال : اجلس يا شاب فتعش ، فقال موسى : أعوذ بالله ، فقال شعيب : ولم ذلك؟ ألست بجائع؟ فقال : بلى ، ولكن أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لهما ، وأنا من أهل بيت لا نطلب على عمل من أعمال الآخرة عوضا من الدنيا ، وفي رواية : لا نبيع ديننا بالدّنيا ، ولا نأخذ بالمعروف ثمنا. فقال شعيب : لا والله يا شاب ولكنها عادتي وعادة آبائي نقري الضيف ، ونطعم الطعام ، فجلس موسى (١١) ، فأكل. وأيضا فليس بمنكر أن الجوع قد بلغ به إلى حيث ما كان يطيق تحمله ، فقبل ذلك اضطرارا (١٢) ، وهو الجواب عن الثالث ، فإن الضرورات تبيح المحظورات.

وعن الرابع : لعله عليه‌السلام (١٣) كان قد علم بالوحي طهارتها وبراءتها ، فكان يعتمد عليها (١٤).

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٠ ـ ٢٤١.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤١.

(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) في ب : قال.

(٦) في ب : وثالثها. وهو تحريف.

(٧) تعالى : سقط من ب.

(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٩) أما : سقط من ب.

(٩) أما : سقط من ب.

(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١١) في ب : موسى عليه الصلاة والسلام.

(١٢) في ب : يقبل ذلك أضرار.

(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٤) الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤١.

٢٤٠