اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٥

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٥

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦١٥

وعن الثاني : أنه وصف عرشها بالعظم بالنسبة إلى عروش أبناء جنسها من الملوك ، ووصف عرش الله بالعظم تعظيم له بالنسبة إلى سائر ما خلق من السموات والأرض (١).

قال المفسرون : العرش السرير الضخم كان مضروبا من الذهب مكلّلا بالدرّ والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر وقوائمه من الياقوت والزمرد ، وعليه سبعة أبواب على كل بيت باب مغلق (٢).

قال ابن عباس : كان عرشها ثلاثين ذراعا في ثلاثين ذراعا وطوله في السماء ثلاثون ذراعا (٣). واعلم أن قوله : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) إن قلنا : إنه من كلام الهدهد ، فالهدهد قد استدرك على نفسه ، واستقلّ عرشها بالنسبة إلى عظمة عرش الله ، وإن قلنا : إنه من كلام الله تعالى ، فالله رد عليه استعظامه لعرشها (٤).

فصل

طعنت الملاحدة في هذه القصة من وجوه :

أحدها : أنّ هذه الآيات اشتملت على أنّ النملة والهدهد تكلما بكلام لا يصدر ذلك إلّا عن العقلاء وذلك يجر إلى السّفسطة (٥) ، فإنّا لو جوّزنا ذلك لما أمنّا من النملة التي نشاهدها في زماننا هذا (٦) أن تكون أعلم بالهندسة من إقليدس (٧) ، وبالنحو من سيبويه ، وكذا القول في القملة والضئبان (٨) ، ولجوزنا أن يكون فيهم الأنبياء والمعجزات والتكاليف ، ومعلوم أنّ من جوّزه كان إلى الجنون (٩) أقرب.

وثانيها : أنّ سليمان ـ عليه‌السلام (١٠) ـ كان بالشام ، فكيف طار (١١) الهدهد في تلك اللحظة اللطيفة من الشام إلى اليمن ، ثم رجع إليه؟.

وثالثها : كيف خفي على سليمان (عليه‌السلام) (١٢) تلك المملكة العظيمة مع أنّ الجن والإنس كانوا في طاعته ، وأنه ـ عليه‌السلام (١٣) ـ كان ملك الدنيا كلها ، وكان

__________________

(١) انظر الكشاف ٣ / ١٣٩ ـ ١٤٠ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٩٠.

(٢) انظر البغوي ٦ / ٢٧٣ ـ ٢٧٤.

(٣) انظر البغوي ٦ / ٢٧٤.

(٤) انظر البحر المحيط ٧ / ٧٠.

(٥) السّفسطة : قياس مركب من الوهميات ، والغرض منه إفحام الخصم وإسكاته (من اليونانية). المعجم الوسيط (سفسط.

(٦) هذا : سقط من ب.

(٧) إقليدس وهو رياضي يوناني ، علم في الإسكندرية ، وضع مبادىء الهندسة المسطحة. المنجد في الأعلام (٥٨).

(٨) الضّئب : من دواب البحر. الضّؤبان من الجمال : السّمين الشديد. المعجم الوسيط (ضأب.

(٩) في ب : الجواب. وهو تحريف.

(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١١) في ب : صار.

(١٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

١٤١

تحت طاعة بلقيس ـ على ما يقال ـ اثنا عشر ألف تحت يد كل واحد منهم مائة ألف ، مع ما يقال إنه لم يكن بين سليمان وبين بلدة بلقيس حال طيران الهدهد إلّا مسيرة ثلاثة أيام؟ رابعها : من أين حصل للهدهد إنكار سجودهم للشمس وإضافته للشيطان وتزيينه؟ والجواب عن الأول : أنّ ذلك الاحتمال قائم في أول العقل ، وإنما يدفع ذلك بالإجماع (١). وعن البواقي : أنّ الإيمان بافتقار العالم إلى القادر المختار يزيل هذه الشكوك (٢).

فصل (٣)

قالت (٤) المعتزلة : قوله (يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) يدل على أنّ فعل العبد من جهته ، لأنه تعالى أضاف ذلك إلى الشيطان بعد إضافته إليهم ، وأورده مورد الذم ، وبين أنهم لا يهتدون.

والجواب من وجوه :

أحدها : أنّ هذا قول الهدهد فلا يكون حجة.

وثانيها : أنه متروك الظاهر ، فإنه (٥) قال : (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) ، وعندكم الشيطان ، فإنه ما صدّ الكافر عن السبيل ، إذ لو صدّه الشيطان عن السبيل لكان معذورا ممنوعا ، فيسقط عنه التكليف فلم يبق إلّا التمسك بالمدح والذم ، وجوابه قد تقدم (٦).

قوله : (أَلَّا يَسْجُدُوا) قرأ الكسائي بتخفيف «ألا» ، والباقون بتشديدها (٧) ، فأمّا قراءة الكسائي ، «ألا» فيها تنبيه واستفتاح ، و «يا» بعدها حرف نداء ، أو تنبيه أيضا على ما سيأتي ، و «اسجدوا» : فعل أمر ، فكان (٨) حق الخط على هذه القراءة أن يكون يا اسجدوا ، ولكن الصحابة أسقطوا ألف «يا» وهمزة الوصل من «اسجدوا» خطا لما سقط لفظا ، ووصلوا الياء بسين «اسجدوا» ، فصارت صورته «يسجدوا» كما ترى ، فاتحدت القراءتان لفظا وخطّا (٩) ، واختلفا تقديرا (١٠). واختلف النحويون في «يا» هذه ، هل هي حرف تنبيه أو للنداء والمنادى محذوف ، تقديره : يا هؤلاء اسجدوا ، وقد تقدم ذلك عند قوله في سورة النساء : (يا لَيْتَنِي)(١١) والمرجّح أن تكون للتنبيه (١٢) ، لئلّا يؤدي إلى حذف كثير من غير بقاء ما يدلّ على المحذوف ، ألا ترى أنّ جملة النداء حذفت ، فلو ادّعيت

__________________

(١) في ب : الإجماع.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٩٠ ـ ١٩١.

(٣) فصل : سقط من ب.

(٤) في ب : فإن قيل.

(٥) في ب : كأنه.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٩١.

(٧) السبعة (٤٨٠) ، الكشف ٢ / ١٥٦ ، النشر ٢ / ٣٣٧ ، الإتحاف (٣٣٦).

(٨) في ب : كان.

(٩) في ب : خطّا ولفظا.

(١٠) انظر الكشف ٢ / ١٥٧ ـ ١٥٨ ، البحر المحيط ٧ / ٦٨.

(١١) من قوله تعالى : «يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً» من الآية (٧٣).

(١٢) وهو قول الأخفش. انظر المعاني ٢ / ٦٤٩ ، ورجحه أبو حيان. البحر المحيط ٧ / ٦٩.

١٤٢

حذف المنادى كثر الحذف ، ولم يبق (١) معمول يدل على عامله ؛ بخلاف ما إذا جعلتها للتنبيه. ولكن عارضنا هنا أنّ قبلها حرف تنبيه آخر ، وهو «ألا» وقد اعتذر عن ذلك بأنه جمع بينهما تأكيدا ، وإذا كانوا قد جمعوا بين حرفين عاملين للتأكيد (٢) ، كقوله :

٣٩٥١ ـ فأصبحن لا يسألنني عن بما (٣) به (٤)

فغير العاملين أولى ، وأيضا فقد جمعوا بين حرفين عاملين متّحدي اللفظ (٥) والمعنى كقوله :

٣٩٥٢ ـ فلا والله لا يلفى لما بي

ولا للما بهم أبدا دواء (٦)

فهذا أولى ، وقد كثر مباشرة «يا» لفعل (٧) الأمر ، وقبلها «ألا» التي للاستفتاح ، كقوله :

٣٩٥٣ ـ ألا يا اسلمي ثمّ اسلمي ثمّت اسلمي

ثلاث تحيّات وإن لم تكلّم (٨)

وقوله :

٣٩٥٤ ـ ألا يا اسلمي يا دار ميّ على البلى

ولا زال منهلّا بجرعائك القطر (٩)

وقوله :

٣٩٥٥ ـ ألا يا اسلمي ذات الدّماليج والعقد

وذات اللثاث الحمّ والفاحم الجعد (١٠)

وقوله :

٣٩٥٦ ـ ألا يا اسلمي يا هند هند بني بكر

وإن كان حيّانا عدى آخر الدّهر (١١)

__________________

(١) يبق : سقط من ب.

(٢) انظر البحر المحيط ٧ / ٦٩.

(٣) في ب : با. وهو تحريف.

(٤) صدر من بيت من بحر الطويل ، وقد تقدم ؛ قاله الأسود بن يعفر ، وعجزه :

أصعّد في علو الهوى أم تصوّيا

(٥) في ب : الملفظ.

(٦) البيت من بحر الوافر. قاله مسلم بن معبد الوالبي ، وقد تقدم.

(٧) في ب : مباشرة بالفعل.

(٨) البيت من بحر الطويل ، ويعزى لحميد بن ثور الهلالي ، وهو في ملحق ديوانه (١١٣) ، ابن يعيش ٣ / ٣٩.

(٩) البيت من بحر الطويل ، قاله ذو الرمة وهو في ديوانه ٢٩٠ مجاز القرآن ٢ / ٩٤ ، معاني القرآن للأخفش ٢ / ٦٤٩ ، أمالي ابن الشجري ٢ / ١٥١ ، تفسير ابن عطية ١١ / ١٩٥ ، القرطبي ١٣ / ١٨٧ ، الإنصاف ١ / ١٠٠ ، البحر المحيط ٧ / ٦٩ ، المغني ١ / ٢٤٣ ، المقاصد النحوية ٢ / ٦ ، التصريح ١ / ١٨٥ ، الهمع ١ / ١١١ ، ٢ / ٤ ، ٧٠ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٦١٧ ، الأشموني ١ / ٣٧ ، ٢٢٨ ، الدرر ١ / ٨١ ، ٢ / ٢٣ ، ٨٦.

(١٠) البيت من بحر الطويل ، لم أهتد لقائله ، وهو في البحر المحيط ٧ / ٦٨.

(١١) البيت من بحر الطويل ، قاله الأخطل ، وهو في ديوانه ١٥٠ مجاز القرآن ٢ / ٩٤ ، معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٩٠ ، أمالي ابن الشجري ٢ / ١٥١ ، ١٥٣ ، تفسير ابن عطية ١١ / ١٩٥ ، اللسان (عدا) ، البحر المحيط ٧ / ٦٩ ، ابن يعيش ٢ / ٢٤.

١٤٣

وقوله :

٣٩٥٧ ـ ألا يا اسقياني قبل خيل أبي بكر

لعلّ منايانا قربن ولا ندري (١)

وقوله :

٣٩٥٨ ـ ألا يا اسقياني قبل غارة سنجال (٢)

[وقوله :

٣٩٥٩ ـ فقالت ألا يا اسمع أعظك بخطبة

وقلت سمعنا فانطقي وأصيبي (٣)](٤)

وقد جاء ذلك وإن لم يكن قبلها «ألا» ، كقوله :

٣٩٦٠ ـ يا دار هند يا اسلمي ثمّ اسلمي

بسمسم أو عن يمين سمسم (٥)

فعلم أن قراءة الكسائي قوية ، لكثرة دورها في لغتهم ، وقد سمع ذلك في النّثر ، سمع بعضهم يقول: ألا يا ارحموني ، ألا يا تصدّقوا علينا (٦) ، وأما قوله :

٣٩٦١ ـ يا لعنة الله والأقوام كلّهم

والصّالحين على سمعان من جار (٧)

فيحتمل أن تكون «يا» للنداء ، والمنادى محذوف ، وأن يكون للتنبيه ، وهو الأرجح لما مرّ. واعلم أنّ الوقف عند الكسائي على «يهتدون» تام (٨) ، وله أن يقف على «ألا يا» معا ، ويبتدىء «اسجدوا» بهمزة مضمومة. وله أن يقف على «ألا» وحدها (٩) ، وعلى «يا»

__________________

(١) البيت من بحر الطويل ، لم أهتد إلى قائله ، وهو في البحر المحيط ٧ / ٦٩.

(٢) صدر بيت من بحر الطويل ، قاله الشماخ بن ضرار ، وعجزه :

وقبل منايا قد حضرن وآجال

وهو في ملحق ديوانه (٤٥٦) برواية :

ألا يا أصيحابي قبل غارة سنجال

وقبل منايا باكرات وآجال

وهو في الكتاب ٤ / ٢٢٤ ، المقرب (٧٥) ، ابن يعيش ٨ / ١١٥ ، معجم البلدان (سنجل) ، اللسان (سنجل) ، البحر المحيط ٧ / ٦٨ ، المغني ٢ / ٣٧٣ ، شرح شواهده ٢ / ٧٩٦. سنجال : قرية بأرمينية ، وقيل : بأذربيجان.

(٣) البيت من بحر الطويل ، قال النمر بن تولب ، ويروى : (نعظك بخطة) بدل (أعظك بخطبة) ، (سميعا) بدل (سمعنا). وهو في معاني القرآن ٢ / ٤٠٢ ، ونوادر أبي زيد (١٩٢) ، الكشف ٢ / ١٥٨ ، الإنصاف ١ / ١٠٢ ، أمالي ابن الشجري ١ / ١٥١ ، تفسير ابن عطية ١١ / ١٩٦ البحر المحيط ٧ / ٦٩.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) رجز قاله العجاج ، وقيل : رؤبة. وروي : يا دار سلمى. وهو في مجاز القرآن ٢ / ٩٤ ، الخصائص ٢ / ١٦٩ ، الإنصاف ٢ / ١٠٢ ، ابن يعيش ١٠ / ١٣ ، اللسان (سمم) ، شرح شواهد الشافية ٤ / ٤٢٨.

(٦) قال الفراء : (وسمعت بعض العرب يقول : ألا يا ارحمانا ، ألا يا تصدقا علينا. قال : يعنيني وزميلي) معاني القرآن ٢ / ٢٩٠. وانظر البحر المحيط ٧ / ٦٩.

(٧) البيت من بحر البسيط مجهول القائل ، وقد تقدم.

(٨) انظر منار الهدي في بيان الوقف والابتداء (٢٨٤).

(٩) انظر الكشاف ٣ / ١٤٠.

١٤٤

وحدها ، لأنهما حرفان منفصلان ، وهذان الوقفان وقفا اختبار لا اختيار ، لأنهما حرفان لا يتم معناهما إلّا بما يتصلان به ، وإنما فعله القراء امتحانا وبيانا. فهذا (١) توجيه قراءة الكسائي (٢) ، والخطب فيها سهل. وأما قراءة الباقين فتحتاج إلى إمعان (٣) نظر ، وفيها أوجه كثيرة : أحدها : أنّ «ألّا» أصلها : أن لا ، فأن ناصبة للفعل بعدها ، ولذلك سقطت نون الرفع ، و «لا» بعدها حرف نفي ، وأن وما بعدها في موضع مفعول «يهتدون» على إسقاط الخافض أي : إلى أن لا يسجدوا ، و «لا» مزيدة(٤) كزيادتها في : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) [الحديد : ٢٩] ، والمعنى : فهم لا يهتدون إلى أن يسجدوا.

الثاني (٥) : أنه بدل من «أعمالهم» (٦) وما بينهما اعتراض (٧) تقديره : وزيّن لهم الشيطان عدم السجود لله.

الثالث : أنه بدل من «السّبيل» على زيادة «لا» أيضا ، والتقدير : فصدّهم عن السجود لله(٨).

الرابع : أنّ (٩)(أَلَّا يَسْجُدُوا) مفعولا له ، وفي متعلّقه وجهان :

أحدهما : أنه «زيّن» أي : زيّن لهم لأجل ألّا يسجدوا.

والثاني : أنها متعلق ب «صدّهم» ، أي : صدّهم لأجل أن لا يسجدوا ، وفي «لا» حينئذ وجهان :

أحدهما : أنها ليست مزيدة (بل باقية على معناها من النفي.

والثاني : أنها مزيدة) (١٠) والمعنى : وزيّن لهم لأجل توقعه سجودهم ، أو لأجل خوفه من سجودهم ، وعدم الزيادة أظهر (١١).

الخامس : أنه خبرأ مبتدأ مضمر ، وهذا المبتدأ إما أن يقدّر ضميرا عائدا على «أعمالهم» ، التقدير هي ألا يسجدوا (١٢) ، فتكون (١٣) «لا» على بابها من النفي ، وإما أن

__________________

(١) في ب : فهنا.

(٢) انظر إبراز المعاني (٤٢٣ ـ ٤٢٤).

(٣) في ب : ادوان. وهو تحريف.

(٤) انظر الكشف ٢ / ١٥٧ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٤٧ ، البيان ٢ / ٢٢١ ، التبيان ٢ / ١٠٠٧ ، البحر المحيط ٧ / ٦٨.

(٥) في ب : والثاني.

(٦) انظر الكشف ٢ / ١٥٧ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٤٧ ، البيان ٢ / ٢٢١ ، التبيان ٢ / ١٠٠٧ ، البحر المحيط ٧ / ٦٨.

(٧) انظر البحر المحيط ٧ / ٦٨.

(٨) انظر الكشف ٢ / ١٥٨ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٤٧ ، البيان ٢ / ٢٢١ ، التبيان ٢ / ١٠٠٧.

(٩) أن : سقط من ب.

(١٠) ما بين القوسين سقط من ب.

(١١) انظر البحر المحيط ٧ / ٦٨.

(١٢) انظر البيان ٢ / ١٠٠٧.

(١٣) في ب : فكيف يكون. وهو تحريف.

١٤٥

يقدّر ضميرا عائدا على «السّبيل» ، التقدير : هو أن لا يسجدوا ، فتكون «لا» مزيدة ـ على ما تقدم ـ ليصح المعنى.

وعلى الأوجه الأربعة المتقدمة لا يجوز الوقف على «يهتدون» ، لأنّ ما بعده إمّا معمول له أو لما قبله من «زيّن» و «صدّ» ، أو (١) بدل مما قبله أيضا من «أعمالهم» أو من «السّبيل» على ما قرّر ، بخلاف الوجه الخامس ، فإنه (٢) مبنيّ على مبتدأ مضمر ، وإن كان ذلك الضمير مفسرا بما سبق قبله ، وقد كتبت «ألّا» موصولة غير مفصولة ، فلم تكتب «أن» منفصلة من «لا» ، فمن ثمّ : امتنع أن يوقف هؤلاء في الابتلاء والامتحان على «أن» وحدها ، لاتصالها بلا في الكتابة (٣) ، بل يوقف لهم على «ألّا» بجملتها ، كذا قال القرّاء والنحويون متى سئلوا (٤) عن مثل ذلك (٥) وقفوا لأجل البيان على كل كلمة على حدتها ، لضرورة البيان ، وكونها كتبت متصلة ب «لا» غير مانع من ذلك. ثمّ قول القرّاء : كتبت (٦) متصلة فيه تجوّز وتسامح ، لأنّ حقيقة هذا أن يثبتوا صورة نون ويصلونها بلا ، فيكتبونها «أنلا» ، ولكن لما أدغمت فيما بعدها لفظا ، وذهب لفظها إلى لفظ ما بعدها قالوا ذلك تسامحا. وقد رتّب أبو إسحاق على القراءتين حكما ، وهو وجوب سجود التلاوة وعدمه ، فأوجبه مع قراءة الكسائي ، وكأنه (٧) لأجل الأمر به ، ولم يوجبه في قراءة الباقين لعدم وجود الأمر فيها (٨) ، إلّا أنّ الزمخشري لم يرتضه منه (٩) ، فإنه قال : فإن قلت : أسجدة التلاوة واجبة في القراءتين جميعا أو في واحدة منهما؟ قلت : هي واجبة فيهما (١٠) ، وإحدى القراءتين أمر بالسجود والأخرى ذم للتارك (١١) ، وما ذكره الزجاج من وجوب السجدة مع التخفيف دون التشديد مرجوع (١٢) إليه.

قال شهاب الدين : وكأن الزجاج أخذ بظاهر الأمر ، وظاهره الوجوب وهذا لو خلينا

__________________

(١) أو : سقط من ب.

(٢) في ب : أنه.

(٣) في ب : الكفارة. وهو تحريف.

(٤) في ب : بيبسلوا. وهو تحريف.

(٥) انظر إبراز المعاني (٤٢٢ ـ ٤٢٣).

(٦) كتبت : سقط من ب.

(٧) في ب : كأنه.

(٨) قال الزجاج : (ومن قرأ بالتخفيف فهو موضع سجدة من القرآن ، ومن قرأ «ألا يسجدوا» ـ بالتشديد ـ فليس بموضع سجدة) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ١١٥ ، وسبق إلى ذلك الفراء فإنه قال : (ومن قرأ «ألا يسجدوا» فشدد فلا ينبغي لها أن تكون سجدة ، لأن المعنى : زين لهم الشيطان ألا يسجدوا ، والله أعلم بذلك) معاني القرآن ٢ / ٢٩٠.

(٩) في ب : فيه.

(١٠) في الكشاف : فيهما جميعا ، لأن مواضع السجدة إما أمر بها ، أو مدح لمن أتى بها أو ذم لمن تركها.

(١١) الكشاف ٣ / ١٤٠ ، وبين هذه العبارة والعبارة التالية في الكشاف : وقد اتفق أبو حنيفة والشافعي رحمهما‌الله على أن سجدات القرآن أربع عشرة ، وإنما اختلف في سجدة (ص) فهي عند أبي حنيفة سجدة تلاوة وعند الشافعي سجدة شكر ، وفي سجدتي سورة الحج.

(١٢) الكشاف ٣ / ١٤٠.

١٤٦

الآية لكان السّجود واجبا ، ولكن دلّت السنة على استحبابه دون وجوبه ، على أنّا نقول : هذا مبنيّ على نظر آخر ، وهو أنّ هذا الأمر من كلام الله تعالى أو من كلام الهدهد محكيّا عنه ، فإن كان من كلام الله تعالى فيقال : يقتضي الوجوب إلّا أن يجيء دليل يصرفه عن ظاهره ، وإن كان من كلام الهدهد ـ وهو الظاهر ـ ففي انتهاضه دليلا نظر (١) ، وهذا الذي ذكروه ليس بشيء ، لأنّ المراد بالسجود ههنا عبادة الله لا عبادة الشمس ، وعبادة الله واجبة وليس المراد من الآية سجود التلاوة ، وأين (٢) كانت التلاوة في زمن سليمان عليه‌السلام (٣) ولم يكن ثم قرآن.

وقرأ الأعمش «هلّا» و «هلا» بقلب الهمزة هاء مع تشديد «لا» وتخفيفها ، وكذا هي في مصحف عبد الله (٤) ، (وقرأ عبد الله) (٥) «تسجدون» بتاء الخطاب ونون الرفع (٦) ، وقرىء كذلك بالياء من تحت (٧) ، فمن أثبت نون الرفع ف «ألّا» بالتشديد أو التخفيف للتحضيض ، وقد تكون المخففة للعرض (٨) أيضا نحو ألا تنزل عندنا فتحدّث ، وفي حرف عبد الله أيض ا «ألا هل تسجدون» بالخطاب (٩). قوله : (الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ) يجوز أن يكون مجرور المحل نعتا «لله» أو بدلا منه أو بيانا ، و (١٠) منصوبة على المدح ، ومرفوعة على خبر ابتداء مضمر. و «الخبء» مصدر خبأت الشيء أخبؤه خبئا أي : سترته (١١) ، ثم أطلق على الشيء المخبوء ونحوه (هذا خَلْقُ اللهِ)(١٢) [لقمان : ١١] قال المفسرون : الخبء في السّموات المطر ، وفي الأرض النبات (١٣) ، والخابية (١٤) من هذا إلّا أنّهم التزموا فيها ترك الهمزة كالبريّة والذّريّة عند بعضهم (١٥). وقيل : الخبء الغيب أي : يعلم

__________________

(١) الدر المصون ٥ / ١٩٠.

(٢) في ب : وأن. وهو تحريف.

(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٤) المختصر (١٠٩) ، الكشاف ٣ / ١٤٠ ، تفسير ابن عطية ١١ / ١٩٦ ـ ١٩٧ ، البحر المحيط ٧ / ٦٨.

(٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(٦) معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٩٠ ، الكشاف ٣ / ١٤٠ ، البحر المحيط ٧ / ٦٨.

(٧) وهي قراءة الأعمش. انظر البحر المحيط ٧ / ٦٨.

(٨) والعرض والتحضيض معناهما : طلب الشيء ، لكن العرض طلب بلين ، والتحضيض طلب بحث ، وتختص (ألا) هذه بالفعلية. انظر المغني ١ / ٦٩ ، ٧٤.

(٩) تفسير ابن عطية ١١ / ١٩٧ ، البحر المحيط ٧ / ٦٨.

(١٠) في ب : أو.

(١١) انظر اللسان (خبأ).

(١٢) أي : مخلوقة ، فالمصدر بمعنى اسم المفعول.

(١٣) انظر البغوي ٦ / ٢٧٤.

(١٤) الخابية : الحبّ ، أصلها الهمز من خبأت ، إلا أن العرب تركت همزه ، قال أبو منصور : تركت العرب الهمز في أخبيت وخبّيت وفي الخابية ، لأنها كثرت في كلامهم ، فاستثقلوا الهمز فيها. انظر اللسان (خبأ).

(١٥) انظر لسان العرب (برأ).

١٤٧

غيب السموات والأرض (١) ، وقرأ أبيّ وعيسى «الخب» (٢) بنقل حركة الهمزة إلى الباء وحذف الهمزة فيصير نحو : رأيت لب (٣) ، وقرأ عبد الله وعكرمة ومالك بن دينار «الخبا» بألف صريحة (٤) ، وجهها أنه أبدل الهمزة ألفا فلزم تحريك الباء ، وذلك على لغة من يقف من العرب بإبدال الهمزة حرفا يجانس حركتها ، فيقول : هذا الخبو (٥) ، ورأيت الخبا ، ومررت بالخبي (٦) ، ثم أجري الوصل مجرى الوقف (٧) ، وقيل : إنه لمّا نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها لم (٨) يحذفها بل تركها ، فسكنت بعد فتحة فدبرت بحركة ما قبلها ، وهي لغة ثابتة ، يقولون : المراة والكماة بألف مكان الهمزة بهذه الطريقة (٩). وقد طعن أبو حاتم على هذه القراءة وقال (١٠) : لا يجوز في العربية ، لأنّه إن حذف الهمزة ألقى (١١) حركتها على الباء ، فقال الخب ، وإن حوّلها قال الخبي ، بسكون الباء وياء بعدها (١٢).

قال المبرد : كان أبو حاتم دون أصحابه في النحو ، لم يلحق بهم إلّا أنه إذا خرج من بلدهم لم يلق أعلم منه (١٣).

قوله : (فِي السَّماواتِ) فيه وجهان :

أحدهما : أنه متعلق ب «الخبء» ، أي ؛ المخبوء في السموات (١٤).

والثاني : أنه متعلق ب «يخرج» على أنّ معنى (في) بمعنى (من) ، أي : يخرجه من السموات ، و «من» و «في» يتعاقبان (١٥) ، يقول العرب : لأستخرجن العلم فيكم ، أي منكم ـ قاله الفراء(١٦) ـ ، وقرأ عبد الله : «يخرج الخبءء من السماوات» (١٧).

قوله : (ما تُخْفُونَ) قرأ الكسائي وحفص بالتاء من فوق فيهما (١٨) ، والباقون بالياء

__________________

(١) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٩١ ، البغوي ٦ / ٢٧٤.

(٢) المختصر (١٠٩) ، تفسير ابن عطية ١١ / ١٩٧ ، البحر المحيط ٧ / ٦٩.

(٣) في النسختين : الأب.

(٤) المختصر (١٠٩) ، تفسير ابن عطية ١١ / ١٩٧ ، البحر المحيط ٧ / ٦٩.

(٥) في ب : الخبأ. وهو تحريف.

(٦) انظر شرح الشافية ٢ / ٣١٢ ـ ٣١٣.

(٧) انظر الكشاف ٣ / ١٤٠ ، البحر المحيط ٧ / ٤٨.

(٨) في ب : ولم.

(٩) انظر الكتاب ٣ / ٥٤٥ ، وشرح الشافية ٣ / ٤١ ، والبحر المحيط ٧ / ٦٩.

(١٠) في ب : فقال.

(١١) في ب : التي. وهو تحريف.

(١٢) انظر إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٢٠٧ ، القرطبي ١٣ / ١٨٨ ، البحر المحيط ٧ / ٦٩.

(١٣) المراجع السابقة.

(١٤) واستظهره أبو حيان. انظر البحر المحيط ٧ / ٦٩.

(١٥) في ب : متعاقبان يخرج.

(١٦) قال الفراء : (وهي في قراءة عبد الله «يخرج الخبء من السّموات» وصلحت (في) مكان (من) لأنك تقول : لأستخرجن العلم الذي فيكم منكم ، ثم تحذف أيهما شئت أعني : (من) و (في) فيكون المعنى قائما على حاله) معاني القرآن ٢ / ٢٩١.

(١٧) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٩١.

(١٨) في ب : فيها. والمقصود بقوله (فيهما): «تخفون ، وتعلنون».

١٤٨

من تحت (١) ، فالخطاب ظاهر على قراءة الكسائي ، لأن ما قبله أمرهم بالسجود وخطابهم به والغيبة على قراءة الباقين غير حفص ظاهرة أيضا ، لتقدم الضمائر الغائبة في قوله : «لهم» ، و «أعمالهم» و «صدّهم» و «فهم» وأما قراءة حفص فتأويلها أنه خرج إلى خطاب الحاضرين بعد أن أتمّ قصة أهل سبأ ، ويجوز أن يكون التفاتا على أنه نزل الغائب منزلة الحاضر ، فخاطبه ملتفتا إليه (٢).

وقال ابن عطية : القراءة بياء الغيبة تعطي أنّ الآية من كلام الهدهد ، وبتاء الخطاب تعطي أنها من خطاب الله لأمّة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣) ـ وقد تقدم أن الظاهر أنه (٤) من كلام الهدهد مطلقا ، وكذلك الخلاف في :

قوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦) قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ (٢٨) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ)(٢٩)

قوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) هل هو من كلام الهدهد استدراكا منه لمّا وصف عرش بلقيس بالعظم ، أو من كلام الله تعالى ردّا عليه في وصفه عرشها بالعظم. والعامة على جر «العظيم» تابعا للجلالة ، وابن محيصن (٥) بالرفع (٦) وهو يحتمل وجهين : أن يكون نعتا للربّ ، وأن يكون مقطوعا عن تبعيّة «العرش» إلى الرفع بإضمار مبتدأ (٧).

فصل

دلّ قوله : (يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (على كمال القدرة ، وسمي المخبوء بالمصدر ليتناول جميع الأرزاق والأموال ، فدلّ قوله : (وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ)(٨) على كمال العلم ، وإذا كان قادرا على كل المقدرات عالما بكل المعلومات ، وجب (٩) أن يكون إلها ، والشمس ليست كذلك ، فلا تكون إلها ، وإذا لم تكن إلها ، لم تستحق العبادة (١٠). فإن قيل : إنّ إبراهيم وموسى عليهما‌السلام (١١) قدما دلالة الأنفس على دلالة الآفاق ، فإنّ (١٢) إبراهيم قال : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) [البقرة : ٢٥٨] ، ثم

__________________

(١) السبعة (٤٨١) ، الكشف ٢ / ١٥٨ ، النشر ٢ / ٣٣٧ ، الإتحاف (٣٣٦).

(٢) انظر الكشف ٢ / ١٥٨ ـ ١٥٩ ، البحر المحيط ٧ / ٦٩ ـ ٧٠.

(٣) تفسير ابن عطية ١١ / ١٩٨.

(٤) أنه : سقط من ب.

(٥) في ب : وابن عمر. وهو تحريف.

(٦) المختصر (١٠٩) ، البحر المحيط ٧ / ٧٠ ، الإتحاف (٣٣٦).

(٧) وعليه تستوي قراءته وقراءة الجمهور في المعنى. انظر البحر المحيط ٧ / ٧٠.

(٨) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(٩) في ب : ويجب.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٩٢.

(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٢) في ب : قال.

١٤٩

قال (١) : (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ) [البقرة : ٢٥٨] ، وموسى ـ عليه‌السلام (٢) ـ قال (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) [الشعراء : ٢٦] ، ثم قال : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) [الشعراء : ٢٨] وههنا قدم خبأ السموات على خبء الأرض ، فجوابه : أن إبراهيم وموسى ناظرا من ادعى إلهية البشر ، فابتدءا بإبطال إلهية البشر ، ثم انتقلا إلى إلهية السماء ، وههنا الكلام مع (٣) من ادعى إلهية الشمس ، لقوله (٤)(وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ) [النمل : ٢٤] فلا جرم ابتدأ بذكر السماويات ، ثم بالأرضيات (٥).

قوله : (أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ) الجملة الاستفهامية في محل نصب ب «ننظر» (٦) ، لأنّها معلّقة لها ، و «أم» هنا متصلة ، وقوله : (أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) أبلغ من قوله : «أم كذبت» ـ وإن كان هو الأصل ـ لأنّ المعنى من الذين اتصفوا وانخرطوا في سلك الكاذبين (٧). وقوله : «سننظر» من النظر الذي هو التأمل. قوله : «هذا» يجوز أن يكون صفة ل «كتابي» أو بدلا منه أو بيانا له.

قال المفسرون : إن سليمان ـ عليه‌السلام (٨) ـ كتب كتابا فيه : «من عند سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ ، بسم الله الرحمن الرحيم ، السّلام على من اتّبع الهدى ، أما بعد ، ألّا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين» (٩). قال ابن جريج : لم يزد سليمان على ما قصّه الله (١٠) في كتابه ، ثم ختمه بخاتمه ، ثم قال للهدهد : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ)(١١).

قوله : «فألقه» ، قرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر بإسكان الهاء ، وقالون بكسرها فقط من غير صلة بلا خلاف عنه ، وهشام عنه وجهان : القصر والصلة (١٢) ، والباقون بالصلة بلا خلاف ، وتقدم توجيه ذلك في «آل عمران» و «النساء» وغيرهما (١٣) ، عند (يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) [آل عمران : ٧٥] و (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى)(١٤). وقرأ مسلم بن جندب (١٥) بضم الهاء موصولة بواو «فألقهو إليهم» (١٦) ، وقد تقدم أن الضم الأصل ، وقال «إليهم» ـ على لفظ

__________________

(١) في ب : أن.

(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٣) في ب : بسع. وهو تحريف.

(٤) في النسختين : رأيتها. والصواب ما أثبته.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٩٢ ـ ١٩٣.

(٦) لأنه من النظر الذي هو التأمل والتصفح. انظر البحر المحيط ٧ / ٧٠.

(٧) انظر الكشاف ٣ / ١٤١.

(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٩) انظر البغوي ٦ / ٢٧٥.

(١٠) لفظ الجلالة سقط من ب.

(١١) انظر البغوي ٦ / ٢٧٥.

(١٢) المراد بالصلة : إشباع حركة الهاء. السبعة (٤٨١) ، الكشف ٢ / ١٥٩ ، الإتحاف (٣٣٦).

(١٣) في سورة النور عند قوله تعالى : «وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ» [النور : ٥٢].

(١٤) من قوله تعالى : نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ [النساء : ١١٥]. انظر اللباب ٣ / ١٦٠.

(١٥) هو مسلم بن جندب أبو عبد الله الهذلي مسولاهم ، المدني القاصّ ، تابعي مشهور ، عرض على عبد الله بن عياش وعرض عليه نافع وغيره ، مات حوالي سنة ١١٠ ه‍. طبقات القراء ٢ / ٢٩٧.

(١٦) المختصر (١٠٩) ، البحر المحيط ٧ / ٧٠.

١٥٠

الجمع ـ لأنه قال : (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ) [النمل : ٢٤] والمعنى : فألقه إلى الذين هذا دينهم (١).

قوله : (ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ) ، زعم أبو علي وغيره أن في الكلام تقديما ، وأن الأصل : فانظر ماذا يرجعون ، ثم تول عنهم (٢). ولا حاجة إلى هذا ، لأن المعنى بدونه صحيح ، أي : قف قريبا منهم(٣) لتنظر (٤) ماذا يكون (٥).

قوله : (ما ذا يَرْجِعُونَ) إن جعلنا (انظر) بمعنى : تأمل وتفكر كانت «ما» استفهامية ، وفيها حينئذ وجهان :

أحدهما : أن يجعل مع «ذا» بمنزلة اسم واحد ، وتكون مفعولة ب «يرجعون» تقديره : أي شيء ترجعون.

والثاني : أن يجعل «ما» مبتدأ ، و «ذا» بمعنى الذي ، و «يرجعون» صلتها ، وعائدها محذوف تقديره : أي شيء الذي يرجعونه ، وهذا الموصول هو خبر ما الاستفهامية ، وعلى التقديرين فالجملة الاستفهامية معلّقة ل «انظر» ، فمحلّها النصب على إسقاط الخافض أي : انظر في كذا وفكر فيه وإن جعلناه بمعنى انتظر من قوله (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) [الحديد : ١٣] كانت «ماذا» بمعنى الذي ، (و «يرجعون» صلتها وعائدها محذوف) (٦) ، والعائد مقدّر كما تقرر وهذا الموصول مفعول به ، أي : انتظر الذي يرجعون. قال (٧) أبو حيان : و «ماذا» (٨) إن كان معنى (٩) «فانظر» معنى التأمل بالفكر كان انظر معلقا ، و «ماذا» إما (١٠) أن يكون كلمة (١١) استفهام في موضع نصب ، وإما أن يكون «ما» استفهاما ، و «ذا» موصولة بمعنى الذي ، فعلى الأول يكون «يرجعون» خبرا عن «ماذا» ، وعلى الثاني يكون «ذا» هو الخبر ، و «يرجعون» صلة (١٢) انتهى.

وهذا غلط إما من الكاتب ، وإما من غيره ؛ وذلك أن قوله : «فعلى الأول» يعني به أن «ماذا» كلمة (١٣) استفهام في موضع (١٤) نصب يمنع قوله : «يرجعون» خبرا (١٥) عن «ماذا» ، كيف يكون خبرا عنه وهو منصوب به كما تقرر ، وقد صرّح هو بأنه منصوب يعني

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٩٣.

(٢) نقله أبو حيان عن ابن زيد وأبي علي. انظر البحر المحيط ٧ / ٧٠.

(٣) منهم : سقط من ب.

(٤) في ب : انتظر.

(٥) انظر البحر المحيط ٧ / ٧٠.

(٦) ما بين القوسين في ب : و «يرجعون» صلة.

(٧) في ب : وقال.

(٨) في ب : وما. وهو تحريف.

(٩) في ب : بمعنى.

(١٠) إما : سقط من ب.

(١١) في الأصل : كله.

(١٢) البحر المحيط ٧ / ٧٠ ـ ٧١.

(١٣) في الأصل : كله.

(١٤) في ب : محل.

(١٥) في ب : بهمز. وهو تحريف.

١٥١

بما بعده ولا يعمل فيه ما قبله ، وهذا نظير ما تقدم في آخر السورة قبلها في قوله : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء : ٢٢٧] في كون اسم الاستفهام معمولا لما بعده ، وهو معلق لما قبله ، فكما حكمت على الجملة من «ينقلبون» (١) وما اشتملت عليه من اسم الاستفهام المعمول لها بالنصب على سبيل التعليق ، كذلك يحكم على «يرجعون» فكيف تقول : إنها خبر؟

قوله تعالى : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ)(٣٣)

قوله : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ) العامة على كسر الهمزتين على الاستئناف جوابا لسؤال قومها ، كأنهم قالوا : ممن الكتاب؟ وما فيه؟ فأجابتهم بالجوابين (٢). وقرأ عبد الله : «وإنه من سليمان» بزيادة واو عاطفة (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) على قوله : (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ)(٣). وقرأ عكرمة وابن أبي عبلة بفتح الهمزتين ، صرح بذلك الزمخشري (٤) وغيره (٥). ولم يذكر أبو البقاء إلا الكسر في (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) وكأنه سكت عن الثانية ، لأنها معطوفة على الأولى (٦) ، وفي تخريج الفتح فيهما أوجه :

أحدهما : أنه بدل من «كتاب» (٧) بدل اشتمال ، أو بدل كلّ من كلّ ، كأنه قيل : ألقي إليّ أنه من سليمان (٨) ، وأنه كذا وكذا ، وهذا هو الأصح.

والثاني : أنه مرفوع ب «كريم» ذكره أبو البقاء (٩).

الثالث : أنه على إسقاط حرف العلة.

قال الزمخشري : ويجوز أن يريد لأنه من سليمان ولأنه ، كأنها عللت كرمه بكونه

__________________

(١) في ب : منقلبون. وهو تحريف.

(٢) انظر الكشاف ٣ / ١٤١.

(٣) انظر الكشاف ٣ / ١٤١ ، البحر المحيط ٧ / ٧٢.

(٤) نص على ذلك الزمخشري دون عزو إلى قارىء معين فإنه قال : (وقرىء «إنه من سليمان وأنه» بالفتح) الكشاف ٣ / ١٤١.

(٥) انظر المختصر لابن خالويه (١٠٩) حيث عزاها إلى عكرمة فقط ، وعزاها أبو حيان إلى من نص عليه ابن عادل. البحر المحيط ٧ / ٧٢ ، وأجاز الفراء الفتح ولم ينص على أنها قراءة ، معاني القرآن ٢ / ٢٩١.

(٦) قال أبو البقاء : (قوله تعالى : «إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ» بالكسر على الاستئناف وبالفتح بدلا من «كتاب» أو مرفوع ب «كريم») التبيان ٢ / ١٠٠٨.

(٧) انظر الكشاف ٣ / ١٤١ ، التبيان ٢ / ١٠٠٨.

(٨) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٩١.

(٩) انظر التبيان ٢ / ١٠٠٨.

١٥٢

من سليمان وتصديره باسم الله (١). وقال مكي : وأجاز الفراء الفتح فيهما في الكلام ، كأنه لم يطلع على أنها قراءة (٢) وقرأ أبيّ : أن من سليمان وأن بسم الله بسكون النون فيهما (٣) ، وفيها وجهان :

أظهرهما : أنها «أن» المفسرة ، لتقدم ما هو بمعنى القول (٤).

والثاني : أنها المخففة (٥) واسمها محذوف ، وهذا لا يتمشى على أصول البصريين ؛ لأن اسمها لا يكون إلا ضمير شأن وضمير الشأن لا يفسر إلا بجملة مصرح بجزئيها (٦).

فصل

قال المفسرون : أخذ الهدهد هذا الكتاب ، وأتى به إلى (٧) بلقيس ، وكان بأرض يقال لها : «مأرب» من صنعاء ، فرمى بالكتاب (٨) إليها ، فأخذته بلقيس ، وكانت قارئة ، ومن ثم اتخذ (٩) الناس البطائق ، فلما رأت الخاتم أرعدت وخضعت ، لأن ملك سليمان كان في خاتمه ، وعرفت أن الذي أرسل الكتاب أعظم ملكا منها ، لطاعة الطير وهيبة الخاتم ، فقرأت (١٠) الكتاب وتأخر الهدهد غير بعيد ، فقعدت على سرير ملكها ، وجمعت الملأ من قومها ، وقالت لهم : (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ)(١١). قال عطاء والضحاك : سمته كريما ، لأنه كان مختوما (١٢).

وروى (١٣) ابن عباس عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : «كرمه ختمه» (١٤). وقال مقاتل والزجاج : كريم أي : حسن ما فيه (١٥) ، وروي عن ابن عباس أي : شريف لشرف صاحبه (١٦).

وقيل سمته كريما ، لأنه مصدر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(١٧) ، ثم بينت ممن الكتاب ، فقالت : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) ، وبينت المكتوب فقالت : (وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). فإن قيل : لم قدم سليمان اسمه على قوله : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)؟

__________________

(١) الكشاف ٣ / ١٤١ ، وقال الفراء : (وإن شئت كانتا في موضع نصب لسقوط الخافض منهما) معاني القرآن ٢ / ٢٩١.

(٢) مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٤٨.

(٣) معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٩١ ، المختصر (١٠٩) ، الكشاف ٣ / ١٤١ ، البحر المحيط ٧ / ٧٢.

(٤) انظر الكشاف ٣ / ١٤١ ، البحر المحيط ٧ / ٧٢.

(٥) انظر البحر المحيط ٧ / ٧٢.

(٦) انظر الهمع ١ / ١٤٢.

(٧) إلى : سقط من ب.

(٨) في ب : الكتاب.

(٩) في ب : أخذ.

(١٠) في ب : فقرأ. وهو تحريف.

(١١) انظر البغوي ٦ / ٢٧٦.

(١٢) المرجع السابق.

(١٣) في ب : وروى عن.

(١٤) انظر البغوي ٦ / ٢٧٦.

(١٥) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ١١٧.

(١٦) انظر البغوي ٦ / ٢٧٦.

(١٧) المرجع السابق.

١٥٣

فالجواب : حاشاه من ذلك ، بل ابتدأ الكتاب ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، وإنما كتب اسمه عنوانا بعد ختمه ، لأن بلقيس إنما عرفت كونه من سليمان بقراءة عنوانه كما هو المعهود ، ولذلك قالت (١) : (إِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، أي : إنّ (٢) الكتاب ... فالتقديم واقع في حكاية الحال (٣). واعلم أن قوله : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) مشتمل على إثبات الصانع سبحانه ، وإثبات كونه عالما قادرا (٤) حيا مريدا حكيما (٥) رحيما (٦).

فصل(٧)

وقد استنبط الشيخ الإمام العالم شرف الدين محمد بن سعيد الشهير بالبوصيري (٨) من أسرار البسلمة ما أبطل به مذهب النصارى ، فقال : بلغني أن بعض النصارى انتصر لدينه ، وانتزع من البسلمة الشريفة دليلا على تقوية اعتقاده في المسيح وصحة يقينه فقلب حروفها ونكر (٩) معروفها وفرق مألوفها وقدم فيها وأخر وفكّر وقدر فقتل كيف قدر ، ثم عبس وبسر ، ثم أدبر واستكبر ، فقال : قد انتظم من البسملة : «المسيح ابن الله المحرر» ، وظن (١٠) ذلك سرا في قلب البسملة مضمرا ، وعلى جبين الكتاب العزيز مسطرا ، فنظرت إلى ما عزاه إلى البسملة واستخرجه من حروفها المستعملة والمهملة فإذا هو : «لا ما المسيح ابن الله محرر» ، فأسقط في يده (١١) ، ونكص على عقبيه ، وقامت حجته من لسانه عليه ، ثم عاد إليّ رسوله يخبر أن الذي صح له نظمه وتمت (١٢) عنده منها حكمه : «ألم المسيح ابن الله محررا» ، فقلت : ورسل الله كلهم ألموا وأنبياؤه ، فأي خصوصية لربك بالنبوة ، وأي رتبة زدته بها على النبوة ، فقال : أردت بالألم إثبات ما أنكرته من الصلب ، ونفيته عنه من ألم الطعن والضرب ، وقد شهدت به كتب الله المنزلة ، وشافهتك به حروف البسملة ، فقلت : وهل شهدت لك إلا بالنقيض ، ورحت منها بأخيب قداح المفيض (١٣) ، وحيث رضيت البسملة بيننا وبينك حكما وجوزت منها أحكاما عليك وحكما ، فلتنصرن البسملة الأخيار منا على الأشرار ، ولتفضلن أصحاب الجنة على أصحاب النار ، وحيث كان مقصودك من ذكر الألم الإفصاح عما أردته من الصلب والطعن والضرب والثلب

__________________

(١) في ب : قال. وهو تحريف.

(٢) إن : سقط من ب.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٩٤.

(٤) في ب : قادرا عالما.

(٥) في ب : حكما.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٩٤.

(٧) في الأصل : قوله.

(٨) محمد بن سعيد بن حماد بن عبد الله الصنهاجي البوصيري المصري شرف الدين شاعر حسن الديباجة مليح المعاني نسبته إلى بوصير له ديوان شعر وأشهر شعره البردة ، والهمزية. مات سنة ٦٩٦ ه‍ بالاسكندرية. الاعلام ٦ / ١٣٩.

(٩) في ب : وأنكر.

(١٠) في النسختين : وظن أن ، والصواب ما أثبت.

(١١) في ب : يديه.

(١٢) في ب : ثبت.

(١٣) أفاض الرجل بالقداح إفاضة : ضرب بها لأنها تقع منبثة متفرقة. اللسان (فيض).

١٥٤

وسقيه من الخل الممزوج بالمرار بئس الشراب فخذ الجواب عنه ، والله الموفق (١) للصواب : أما دعواك النبوة فقد قالت لك البسملة بلسان حالها : لا ما المسيح ابن الله محرر ، وألحقته بقولها : الحلم ربح رأس المال ، لحملة الإيمان ، الحلم (٢) ربح رأس مال (٣) الإيمان ، ليس برّا من أحلّ ما حرم الله ، المسلم له نبي حرم الراح لنبيه (٤) ، سلم بالله من يحرم الراح ، لله نبي مسلم حرم الراح ، المسلم للرحمانية رابح ، لا مرحمة للئام أبناء السحرة (٥) ، رحم حر مسلم أناب إلى الله ، إنما الله رب للمسيح راحم. وزعمت أنه ربك ، فقالت : حرم من لا رب له إلا المسيح ، وقالت أيضا : النحر لأمم لها المسيح رب ، وقلت : إنه حمل الله ، فقالت : أسمي لله (٦) ابن المحرر حملا ، وقالت ما أسلم الرب حمله يسخر ، وقالت : ألا يحرس الرب حمله من ألم؟ وقلت (٧) : إنه ألم ، فقالت المحرر من ربه حل الألم ، وقالت : سل حمرنا أربهم يحل الألم؟ وقالت : حرم حمار ينسب لله الألم ، وقلت : إنه طعن بالحربة مسمرا ، فقالت : من رأى المسيح ألم للحربة ، وقالت : إن ربّا حلل مسمره لحليم ، وقالت : أحالل ربنا الحليم مسمره؟ وقالت : أمحالل الرب الحي من سمره ، وقلت : إنه (٦) إله يحلل ويحرم ، فقالت : ابن سليل رحم لا إله محرم ، وقالت : سل ابن مريم أحل الحرام ، وقالت : أمحلل (٨) لم حرمه رب الناس ، وإن قلت : إنه رسول صدقتك ، وقالت : أيل أرسل الرحمة من بلحم ويرحمه ؛ أيل اسم من أسماء الله تعالى بلسان كتبهم وترجمة بلحم «بيت لحم» الذي ولد في المسيح. وقلت : إنه ركب الحمار ، فقالت : سلم أن الرب لا يحمله حمار ، وقالت للناس : رب لم يحمله حمار ، وباهيتها ببسملتك التي لفقها الفلاسفة للأساقفة ، فقالت لم نر أحبار الملة المسيح ، وقالت : أحبار الملة (٩) محل مرسلين ، وقالت : ما حرر إلا (١٠) المسيح الأمانة وقلت : إن النصارى لا تمسهم النار ، فقالت : حر لهب النار لأمم المسيح ، وكرهت الإسلام ، فقالت للإسلام بحر ما أحلى نميره ، الإسلام بحر حلالي منهمر ، حلا الإسلام لمحرره بإيمان ، وقالت : من حرم الإسلام لا ربح له ، وقال : إن المسلم لحري بالرحمة ، وقالت : ما برح الله راحم المسلمين ، وقالت : إن ملة الإسلام لحرم رحيب ، وقالت : لا راحة لمحارب المسلمين ، وقالت : الإسلام حرم لا رأي لمحاربه. وقالت : المسلم حرب للنار الحامية ، وقالت : حن المسلم إلى رحمة الرب ، وقالت : الأحبار رحمة للمسلمين ، وقالت : المحراب راحة للمسلمين ، ونقمت قيام الدين بالسيف ، فقالت : أم الحسام للنبي الرحمة ، وأثنت البسملة على نفسها فقالت : البسملة لأرحم

__________________

(١) في ب : الموافق.

(٢) في ب : الحكم.

(٣) في ب : ماله.

(٤) في ب : حرم الراح المسلم حرم الراح لنبيه.

(٥) في ب : السحر.

(٦) في ب : الله.

(٧) في الأصل إن ، والأنسب ما أثبت.

(٦) في ب : الله.

(٨) في ب : المحلل.

(٩) في ب : الملة المسيح.

(١٠) في ب : ما.

١٥٥

الراحمين ، وقالت : الحرّ ينال الرحمة (١) ما بسمل. فانظر (٢) إلى البسملة قد لاحت لك بارقة من أنوارها وحلت لك عقدة من إزار أسرارها تخبر أن من وراء رجلها خيولا وليوثا ، ومن دون طلبها سيولا وغيوثا ، وأما بسملتك فلو كان على أصل ثابت ، أو لم تغرس من الكفر على أخبث المنابت ، لهززت إليك بجذعها ، واستدللت على طيب أصلها بخير فروعها ، لكنّي وجدتها شجرة خبيثة ، وثمرة لا تسوغها القديمة ولا الحديثة ، ألفاظها تصم الأسماع ومعانيها تحلّ عقود الإجماع ، والنظر فيها يصدىء الأفهام والعقول ، ويعلم كل غائب ما يقول ، ولذلك (٣) ضربت عن ذكرها صفحا ، وعددت الإعراض عنها غنيمة وربحا ، فكفرها قائم وقاعد ، والمعترف بها سواء والجاحد ، والثلاثة الآلهة فيها يوصفون بالواحد ، وأما بسملة المسلمين : فإنّ الله أودعها من العلوم والحكم ما فضلهم به على سائر الأمم ، وأعلم أنّ منها ألفات اختصرت ، وبين الهجاء مواضعها غابت أو حضرت ، وقد استعملت بعضها في بعض المواضع ؛ لأبين حكمها وأحيي رسمها ، وصرفتها للمسألتين ، وصارت كعبة فضلها للقبلتين ، وتارة توافق حروفها في العدد والعادة ، وتارة تقضي على ألفات الوصل بالزيادة ، وما أخطأت ـ بحمد الله ـ منها واحدة (٤) صوابا ، ولا عييت جوابا ولا خرجت عن حدها (٥) كتابة ولا حسابا ، ولا تحسبني استحسنت كلمتك الباردة (٦) ، فنسجت على منوالها ، وقابلت الواحدة منها بعشر أمثالها ، وما كان ذلك الهذيان مما يجاب ، لو لا ما يداخلك من التيه والإعجاب ، فتظن أنّك جئت بشيء عجاب ، أو حكمة كلمك الله بها وحيا أو من وراء حجاب ، وتقول لإخوانك الذين يمدّونك في الغيّ ويحسبون أنك (٧) على شيء : قد أفحمت بكلمتي المسلمين ، وأسكت بمسألتي فضلاء المتكلمين ، فتذر قومك في طغيانهم ، وتقرهم على فساد إيمانهم ، ولا أنت ممن يجري بمحاكاة كفرك قلمي (٨) ، ولا أحرّك به لساني ، ولا أفغر به فمي ، وقد أتيتك بما يتعبك فيبهتك ويسمعك ما يصمّك عن الإجابة ، ويصمتك على أسلوب رأيته في كتب أنبيائك ، وتفاسير علمائك تعلم به أنّ هذه البسملة مستقر لسائر العلوم والفنون ، ومستودع لجوهر سرّها المكنون ، ألا ترى أنّ البسملة إذا حصلت جملها (٩) كان عدده (١٠) سبعمائة وستة وثمانين ب ، س ، م ، ا ، ل ، ل ، ه ، ا ، ل ، ر ، ح ، م ، ن ، ا ، ل ، ر ، ح ، ي ، م ، ٢ ، ٦٠ ، ٤٠ ، ١ ، ٣٠ ، ٣٠ ، ٥ ، ١ ، ٣٠ ، ٢٠٠ ، ٨ ، ٤٠ ، ٥٠ ، ١ ، ٣٠ ، ٢٠٠ ، ٨ ، ١٠ ، ٤٠ ، وإذا قلت إنّ مثل عيسى كآدم (١١) وافق

__________________

(١) الرحمة : سقط من ب.

(٢) في ب : قوله فانظر.

(٣) في ب : كذلك.

(٤) في ب : واحدة منها.

(٥) في ب : عدها.

(٦) في ب : البارحة.

(٧) في ب : ويحسبونك.

(٨) في ب : قلبي.

(٩) في ب : جملتها.

(١٠) في ب : عددها.

(١١) في ب : لكآدم.

١٥٦

جملها (١) سبعمائة وستّة وثمانين ، وإن باهيتها ببسملتك التي ترعد من كفرها الفرائص ، وتجوز بالبهتان ما لا يجوز على الله من النقائص ، ردت عليه وقالت : ليس لله من شريك ، جملها (١) سبعمائة وستة وثمانين ، بحساب الألف التي بعد لامي الجلالة ، وقالت : و (٢) لا أشرك بربّي أحدا سبعمائة وستة وثمانين ، وقالت : ما لعلوم (٣) الفلسفة أنوار هداية ، سبعمائة وستة وثمانين ، وقالت : يهدي الله لنوره من يشاء : سبعمائة وستة وثمانين ، بإسقاط ألف الجلالة. ولو استشهدت ببسملتك لشهدت لي بالحقّ عليك ، وشكت إلى الله وإلى النّاس مما نسبت من الإفك والبهتان إليك ، إذ ألفاظها ـ وحاكي الكفر ليس بكافر ـ تنافي المعقول والمنقول ، وتنافر : «بسم الأب والابن وروح القدس ، إله واحد» ، وباطنها يقول : «ما سبح إلا بنور ، الإله القدوس واحد» ، وتقول : بسملوا بالقرآن ، ووحّدوا الله بلا جسد ، فهي كافرة الظاهر مؤمنة الباطن ، كسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ، ونظرت في محصلها من العدد ، فإذا جملته ستمائة وستة وتسعون ، فإذا قلت : أفّ لها بسملة ما نزّل الله بها من سلطان ، وافقت المعنى وطابقت العدد ، وكانت ستمائة وستة وتسعون ، وكذلك ما عطفته عليها من الكلام ، وهو : (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) [الحجرات : ١١] موافق للمعنى مطابق للعدد : ستمائة وستة وتسعون ، وكذلك قولك : «لا بسملة بحقّ كبسملة المسلمين» ستمائة وستة وتسعون ، وقد أجابتك البسملة بما لم تحط به خبرا ، وجاءتك بما لم تستطع عليه صبرا ، على الأسلوب الذي تضمنته شريعتكم (٤) ، فإنّي رأيت في إنجيلك وقد سألت بنو إسرائيل المسيح أن يريهم آية ، ليؤمنوا به وهو في بيت المقدس ، فقال : تهدمون هذا الهيكل ، وأنا أقيمه في ثلاثة أيام ، فقالوا : بيت بني في خمسة وأربعين سنة ، يقيمه في ثلاثة أيام!! وعلله في الإنجيل أنه أشار إلى هيكل نفسه الذي هو هيكل آدم ، وحمله خمسة وأربعون وفي هذا ردّ عليهم ليس هذا موضعه. ورأيت في التوراة في البشارة بإسماعيل بعد قوله: «وأكبره (٥) وأنميه بماد ماد» ومعناه بحد جدلها بل أشار بها إلى اسم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، بطريق الحمل ، إذ هو اثنان وتسعون في الموضعين ، وفي قصة يعقوب إذ قال لبنيه (ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي) [البقرة: ١٣٣] ، فقالوا له : أعلم إسرائيل (اللهِ أَحَدٌ)(٦) فطابت نفسه ، وعلم أن بنيه الاثني عشر سبطا يعبدون الله وحده ، لأنّهم عدلوا عن قولهم : «الله واحد» إلى قولهم (٧) : (اللهِ أَحَدٌ) ، إذ جملها (٨) ثلاثة عشر ، وهي إشارة إلى أنّ الاثني عشر سبطا يعبدون الله الواحد. وفيه أنّ المصلّي إذا دخل في الصلاة تكون على رأسه طيلسان يسمى : «صيصيت» ، وفي طرفه خمسة خيوط وثمان عقد ليجتمع له من جمع صيصيت وهو ستمائة ومن خمسة

__________________

(١) في ب : جملتها.

(٢) و : سقط من ب.

(٣) في ب : بالعلوم.

(٤) في ب : كتب شريعتكم.

(٥) وأكبره : سقط من ب.

(٦) ما بين القوسين في ب : إنه.

(٧) قولهم : سقط من ب.

(٨) في ب : جملتها.

١٥٧

خيوط وثمان عقد ثلاثة عشر لتتمة ما عليهم من الفرائض ، وهي ستمائة ، وثلاث عشرة فريضة ، ليذكروا (١) بها ما كتب الله عليهم من الفرائض ، والتزموا (بها) (٢)(٣). ولنرجع إلى الإعراب والتفسير.

قوله : (أَلَّا تَعْلُوا) فيه أوجه :

أحدها : أن «أن» مفسرة كما تقدم في أحد الأوجه في «أن» قبلها في قراءة عكرمة (٤) ، ولم يذكر الزمخشري غيره (٥) ، وهو وجه حسن ، لما في ذلك من المشاكلة (٦) ، وهو عطف الأمر عليه ، وهو قوله : (وَأْتُونِي)(٧).

الثاني : أنها مصدرية في محل رفع بدلا من «كتاب» ، كأنّه قيل : ألقي إليّ أن لا تعلوا عليّ(٨).

الثالث : أنها في موضع رفع على خبر ابتداء مضمر ، أي هو أن لا تعلوا (٩).

الرابع : أنها على إسقاط الخافض ، أي : بأن لا تعلوا (١٠) ، فيجيء في موضعها القولان المشهوران (١١).

والظاهر أن «لا» في هذه الأوجه الثلاثة للنهي ، وقد تقدّم أن «أن» المصدرية توصل بالمتصرف (١٢) مطلقا. وقال أبو حيان : و «أن» في قوله : (أَنْ لا تَعْلُوا) في موضع رفع (١٣) على البدل من «كتاب» ، وقيل في موضع نصب على : «بأن لا تعلوا» ، وعلى هذين التقديرين تكون «أن» ناصبة للفعل (١٤). فظاهر هذا أنّها نافية ، إذ لا يتصور أن تكون ناهية بعد «أن» الناصبة للمضارع ، ويؤيّد هذا ما حكاه عن الزمخشري ، فإنّه قال : وقال الزمخشري : و «أن» في أن لا تعلوا مفسرة (١٥) ، قال : فعلى هذا تكون «لا» في :

__________________

(١) في الأصل : يذكروا.

(٢) انظر الكليات لأبي البقاء الكفوي الحنفي (٧).

(٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(٤) في قوله تعالى : «إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ» من الآية ٣٠ من السورة نفسها ؛ بفتح الهمزتين.

(٥) قال الزمخشري : (و «أن» في «ألّا تعلوا» مفسرة أيضا) الكشاف ٣ / ١٤١ ، وانظر البيان ٢ / ٢٢٢ ، التبيان ٢ / ١٠٠٨.

(٦) في ب : من المشاكلة كلمة.

(٧) انظر البحر المحيط ٧ / ٧٢.

(٨) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٩١ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٤٨ ، البيان ٢ / ٢٢٢.

(٩) قال أبو البقاء : (موضعه رفع بدلا من «كتاب» ، أي : هو ألا تعلوا) التبيان ٢ / ١٠٠٨.

(١٠) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٤٨ ، البيان ٢ / ٢٢١.

(١١) وهما إما أن يكون في موضع نصب وذلك عند الخليل وأكثر النحويين ، وجر عند الكسائي ، وجوز سيبويه أن يكون المحل جرا ، وتقدم الحديث عنهما عند قوله تعالى : «وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً» [المؤمنون : ٥٢].

(١٢) في ب : بالتصرف.

(١٣) رفع : سقط من ب.

(١٤) البحر المحيط ٧ / ٧٢.

(١٥) الكشاف ٣ / ١٤١.

١٥٨

«لا (تَعْلُوا) للنهي ، وهو حسن لمشاكلة عطف الأمر عليه (١) فقوله : «فعلى هذا» : إلى آخره صريح بأنّها على غير هذا يعني الوجهين المتقدمين ليس للنهي فيهما (٢) ، ثم القول بأنّها للنفي لا يظهر ، إذ يصير المعنى ـ على الإخبار منه عليه‌السلام ـ بأنّهم لا يعلون عليه ، وليس هذا مقصودا ، وإنّما المقصود أن ينهاهم عن ذلك. وقرأ ابن عباس والعقيلي : «تغلوا» ـ بالغين المعجمة (٣) ، من الغلو ، وهو مجاوزة الحد.

فصل

قال ابن عباس : «لا تتكبروا علي» (٤) ، وقيل : لا تتعظموا ولا ترتفعوا عليّ أي : لا تمتنعوا من الإجابة ، فإنّ ترك الإجابة من العلوّ والتكبر ، (وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) : مؤمنين طائعين (٤) ، قيل : هو من الإسلام (٤) ، وقيل : من الاستسلام (٤). فإن قيل : النهي عن الاستعلاء والأمر بالانقياد قبل إقامة الدلالة على كونه رسولا حقا يدل على الاكتفاء بالتقليد.

فالجواب : معاذ الله أن يكون هناك تقليد ؛ وذلك لأنّ رسول سليمان إلى بلقيس الهدهد ، ورسالة الهدهد معجزة ، والمعجزة تدل على وجود الصانع وصفاته ، وتدل على صدق المدّعي للرسالة ، فلمّا كانت تلك الرسالة دلالة تامة على التوحيد والنبوة ، لا جرم لم يذكر في الكتاب دليل آخر (٥).

قوله : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي) أشيروا عليّ فيما عرض لي ، وأجيبوني فيما أشاوركم ، والفتوى هي الجواب في الحادثة ، استفتت ، على طريق الاستفادة من الفتي في السن ، أي : أجيبوني في الأمر الفتي ، وقصدت (٦) بذلك استطلاع آرائهم وتطييب قلوبهم (٧).

(ما كُنْتُ قاطِعَةً) قاضية وفاصلة ، (أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) تحضرون. «قالوا» مجيبين لها ، (نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ) في القتال ، (وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) ، في الحرب ، قال مقاتل : أرادوا بالقوة كثرة العدد ، وأرادوا بالبأس الشديد : الشجاعة (٨) ، والبأس : النجدة والبلاء في الحرب ، وهذا تعريض منهم بالقتال إن أمرتهم بذلك (٩) ، ثم قالوا : (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ) أيتها الملكة في القتال وتركه.

قوله : (ما ذا تَأْمُرِينَ) ماذا هو المفعول الثاني ل «تأمرين» ، والأول محذوف تقديره :

__________________

(١) البحر المحيط ٧ / ٧٢.

(٢) في ب : فيها.

(٣) المختصر (١٠٩) ، المحتسب ٢ / ١٣٩ ، البحر المحيط ٧ / ٧٢.

(٤) انظر البغوي ٦ / ٢٧٧.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٩٥.

(٦) في ب : وتصدقت. وهو تحريف.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٩٥.

(٨) انظر البغوي ٦ / ٢٧٧.

(٩) المرجع السابق.

١٥٩

«تأمريننا» ، والاستفهام معلق للنظر (١) ، ولا يخفى حكمه مما تقدم قبله ، والمعنى : فانظري في الرأي ماذا تأمرين تجدينا لأمرك طائعين. قالت ـ مجيبة لهم ـ عن التعريض بالقتال ـ :

قوله تعالى : (قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥) فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ)(٣٧)

قوله تعالى : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً) بالقهر «أفسدوها» : خرّبوها ، (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً) ، فذكرت لهم عاقبة الحرب (٢) ، وحذرتهم مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم.

قوله : (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) أي : مثل ذلك الفعل يفعلون ، وهل (٣) هذه الجملة من كلامها ـ وهو الظاهر ـ فتكون منصوبة بالقول ، أو من كلام الله تعالى ، فهي (٤) استئنافية لا محل لها من الإعراب ، وهي معترضة بين قولها (٥).

قوله : (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ) : ما بعث على وجه الإكرام ، وهي اسم للمهدى ، فيحتمل أن يكون اسما صريحا ، ويحتمل أن تكون ـ في الأصل ـ (مصدرا أطلق على اسم المفعول ، وليست مصدرا قياسيا ، لأن الفعل منه : أهدى رباعيا ، فقياس) (٦) مصدره : إهداء.

فصل

اعلم أنّ بلقيس كانت امرأة لبيبة قد سيست وساست فقالت للملأ من قومها : (إِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ) ، أي : لسليمان وقومه «بهديّة» أصانعه بها على ملكي وأختبره بها أملك أم نبيّ ، فإن يكن ملكا قبل الهديّة وانصرف ، وإن يكن نبيّا لم يقبل الهديّة ولم يرضه منا إلا أن نتبعه على دينه ، فذلك قولها: (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ)(٧) ، (وهذا الكلام يدل على أنّها لم تثق بالقبول وجوّزت الرد ، وأرادت أن ينكشف لها غرض سليمان) (٨).

قوله : «فناظرة» عطف على «مرسلة» ، و «بم» متعلق ب «يرجع» (٩) ، وقد وهم

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٧ / ٧٣. وفيه : (فهي في موضع مفعول ل «انظري» بعد إسقاط الحرف من اسم الاستفهام).

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٩٦.

(٣) في ب : وقيل.

(٤) فهي : سقط من ب.

(٥) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٢٠٣ ، التبيان ٢ / ١٠٠٨.

(٦) ما بين القوسين سقط من ب.

(٧) انظر البغوي ٦ / ٢٧٨.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) انظر البحر المحيط ٧ / ٧٣ ـ ٧٤.

١٦٠