اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٢

الأصل : ماء بردى ، فحذفه (١) ثم راعاه في قوله : (يصفق) بالياء من تحت ولو لم يكن ذلك لقال : تصفق بالتاء من فوق على أن بيت حسان يحتمل أن يكون كقوله :

٣٨٨٢ ـ ولا أرض أبقل إبقالها (٢)

مع أن ابن كيسان (٣) يجيزه سعة (٤).

وقال بعضهم : لا يبعد أن يكون القمر بمعنى القمر كالرّشد والرّشد (٥).

قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً) الآية.

في «خلفة» وجهان : أحدهما : أنه مفعول ثان. والثاني : أنه حال (٦) بحسب القولين في «جعل». و «خلفة» يجوز أن تكون مصدرا من خلفه يخلفه إذا جاء مكانه ، وأن يكون اسم هيئة منه كالرّكبة ، وأن يكون من الاختلاف (٧).

كقوله :

٣٨٨٣ ـ ولها بالماطرون إذا

أكل النّمل الّذي جمعا

خلفة حتّى إذا ارتبعت

سكنت من جلّق بيعا

في بيوت وسط دسكرة

حولها الزّيتون قد ينعا (٨)

ومثله قول زهير :

٣٨٨٤ ـ بها العين والآرام يمشين خلفة (٩)

وأفرد «خلفة» قال أبو البقاء : لأن المعنى يخلف أحدهما الآخر ، فلا يتحقق هذا إلا منهما(١٠).

قال ابن عباس : جعل كل واحد منهما يخلف صاحبه فيما يحتاج أن يعمل فيه ،

__________________

(١) في ب : فحذف.

(٢) عجز بيت من بحر المتقارب ، وصدره :

فلا مزنة ودقت ودقها

قاله عامر بن جوين ، وتقدم تخريجه.

(٣) تقدم.

(٤) يشير إلى ما نقل عن ابن كيسان من أنه يجيز ترك تاء التأنيث مع ضمير المؤنث المجازي في النثر ، قال السيوطي : (قال ابن كيسان : يقاس عليه لأن سيبويه حكى قال فلانة) الهمع ١ / ١٧١.

(٥) انظر الكشاف ٣ / ١٠٣ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٦ ، البحر المحيط ٦ / ٥١١.

(٦) انظر التبيان ٢ / ٩٩٠.

(٧) انظر البحر المحيط ٦ / ٥١١.

(٨) الأبيات من بحر المديد ، قالها أبو دهبل الجمحي أو يزيد بن معاوية ، وقد تقدم.

(٩) صدر بيت من بحر الطويل ، وعجزه :

وأطلاؤها ينهضن من كلّ مجثم

قاله زهير ، وهو من معلقته. وقد تقدم.

(١٠) التبيان ٢ / ٩٩٠.

٥٦١

فمن فرط في عمل في أحدهما قضاه في الآخر ، جاء رجل إلى عمر بن الخطاب (١) فقال فاتتني الصلاة الليلة فقال : أدرك ما فاتتك من ليلتك في نهارك فإن الله عزوجل جعل الليل والنهار خلفة. وقال مجاهد وقتادة والكسائي : يقال لكل شيئين اختلفا : هما خلفان ، فقوله : «خلفة» أي مختلفين ، هذا أسود ، وهذا أبيض ، وهذا طويل ، وهذا قصير. والأول أقرب (٢).

«لمن أراد أن يذّكّر» قراءة العامة (٣) بالتشديد ، وقرأ حمزة بالتخفيف (٤) ، وعن أبيّ بن كعب «يتذكر» (٥). والمعنى : لينظر الناظر في اختلافهما ، فيعلم أنه لا بد في انتقالهما من حال إلى حال ، من ناقل ومغير فيتعظ (٦).

(أَوْ أَرادَ شُكُوراً) قال مجاهد : أي شكر نعمة ربه عليه (٧) فيها (٨). والشّكور بالضم مصدر شكر شكورا بمعنى الشّكر ، وبالفتح صيغة مبالغة (٩).

قوله تعالى : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (٦٣) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (٦٤) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (٦٥) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٦٦) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً)(٦٧)

قوله تعالى : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ) عبد الرحمن رفع بالابتداء ، وفي خبره وجهان :

أحدهما : الجملة الأخيرة في آخر السورة (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ)(١٠) ، وبه بدأ الزمخشري (١١) ، و (الَّذِينَ يَمْشُونَ) وما بعده صفات للمبتدأ.

والثاني : أن الخبر «يمشون» (١٢). والعامة على «عباد» ، [واليمانيّ بضم العين وتشديد الباء جمع عابد (١٣) ، والحسن «عبد» بضمتين (١٤).

__________________

(١) في ب : عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٦.

(٣) غير حمزة.

(٤) السبعة (٤٦٦) ، الكشف ٢ / ١٤٧ ، النشر ٢ / ٣٣٤ ، الإتحاف (٣٣٠).

(٥) الكشاف ٣ / ١٠٣ ، تفسير ابن عطية ١١ / ٦٤.

(٦) انظر الكشاف ٣ / ١٠٣ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٧.

(٧) عليه : سقط من الأصل.

(٨) انظر البغوي ٦ / ١٩١.

(٩) انظر اللسان (شكر).

(١٠) من الآية (٧٥).

(١١) انظر الكشاف ٣ / ١٠٣.

(١٢) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٧٤ ـ ٧٥ ، الكشاف ٣ / ١٠٣ ، البيان ٢ / ٢٠٨ ، التبيان ٢ / ٩٩٠ ، البحر المحيط ٦ / ٥١٢.

(١٣) المختصر (١٠٥) ، البحر المحيط ٦ / ٥١٢.

(١٤) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٦٥ ، البحر المحيط ٦ / ٥١٢.

٥٦٢

والعامة «يمشون» بالتخفيف مبنيا للفاعل](١) ، واليماني والسلمي بالتشديد مبنيا للمفعول(٢).

فصل

هذه الإضافة للتخصيص والتفضيل (٣) وإلا فالخلق كلهم عباد الله.

قوله : «هونا» إما نعت مصدر ، أي : مشيا هونا ، وإما حال أي : هيّنين ، والهون : اللين والرفق (٤) ، أي يمشون بالسكينة والوقار متواضعين ، ولا يضربون بأقدامهم أشرا وبطرا (٥) ولا يتبخترون خيلاء (٦). وقال الحسن : علماء حكماء (٧).

وقال محمد ابن الحنفية : أصحاب وقار وعفّة لا يسفهون (٨) وإن سفه عليهم حلموا (٩)(وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ) يعني السفهاء بما يكرهونه (قالُوا سَلاماً). قال مقاتل : قولا يسلمون فيه من الإثم (١٠). وقيل : المعنى : لا نجاهلكم. وقيل : المراد حلمهم في مقابلة الجهل (١١). وقال الأصم : (قالُوا سَلاماً) أي : سلام توديع لا محبة ، كقول إبراهيم ـ عليه‌السلام (١٢) ـ لأبيه : (سَلامٌ عَلَيْكَ)(١٣).

قال الكلبي وأبو العالية : نسختها آية القتال (١٤).

قوله : «سلاما» يجوز أن ينتصب على المصدر بفعل مقدر أي : نسلم سلاما أو نسلم تسليما منكم لا نجاهلكم فأقيم السلام مقام التسليم (١٥) ، ويجوز أن ينتصب على المفعول به ، أي : قالوا هذا اللفظ ، قال الزمخشري : أي قالوا سدادا من القول يسلمون فيه من الأذى ، والمراد سلامتهم (١٦) من السفه ، كقوله :

٣٨٨٥ ـ ألا لا يجهلن أحد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا (١٧)

ورجح سيبويه أن المراد بالسلام السلامة لا التسليم ، لأن المؤمنين لم يؤمروا قط

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(٢) المختصر (١٠٥) ، البحر المحيط ٦ / ٥١٢.

(٣) انظر الكشاف ٣ / ١٠٣.

(٤) انظر الكشاف ٣ / ١٠٣ ، البحر المحيط ٦ / ٥١٢.

(٥) البطر : الطغيان عند النعمة وطول الغنى. اللسان (بطر).

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٧.

(٧) انظر البغوي ٦ / ١٩١.

(٨) في ب : لا يسهون.

(٩) انظر البغوي ٦ / ١٩١.

(١٠) المرجع السابق.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٨.

(١٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٣) من قوله تعالى : «قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا» [مريم : ٤٧]. وانظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٨.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٨.

(١٥) انظر الكشاف ٣ / ١٠٣ ، البيان ٢ / ٢٠٨.

(١٦) في ب : سلامهم.

(١٧) الكشاف ٣ / ١٠٣. بتصرف. البيت من الوافر قاله عمرو بن كلثوم ، وقد تقدم وأورده شاهدا على أنهم أمروا بألا يقابلوا الإساءة بمثلها أو بأكبر منها بل بالحسنى.

٥٦٣

بالتسليم على الكفرة ، وإنما أمروا بالمسالمة ، ثم نسخ ذلك ، ولم يذكر سيبويه نسخا إلا في هذه الآية (١).

قوله : (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً). لما ذكر وصفهم بالنهار من وجهين :

أحدهما : ترك الإيذاء بقوله : (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً)(٢).

والثاني : تحمل الإيذاء بقوله : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً)(٢) شرح صفتهم في الليل (٣). قال الزجاج : كل من أدركه الليل قيل : بات وإن لم ينم كما يقال : بات فلان قلقا (٤). والمعنى يبيتون لربهم سجدا على (٥) وجوههم ، وقياما على أقدامهم (٦) قال ابن عباس : من صلى بعد العشاء ركعتين فقد بات ساجدا وقائما (٦). وروى عثمان بن عفان قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة ، ومن صلى الفجر في جماعة كان كقيام ليلة» (٧).

قوله : «سجّدا» خبر «يبيتون» ، ويضعف أن تكون تامة. أي : دخلوا في البيات ، و «سجّدا» حال و «لربّهم» متعلق ب «سجّدا». وقدم السجود على القيام وإن كان بعده في الفعل ، لاتفاق الفواصل (٨). و «سجّدا» جمع ساجد كضرّاب في ضارب.

وقرأ أبو البرهسيم «سجودا» (٩) بزنة قعود ، ويبيت هي اللغة الفاشية ، وأزد السّراة وبجيلة يقولون : يبات ، وهي لغة العوام اليوم (١٠).

قوله : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ). قال ابن عباس : يقولون في سجودهم وقيامهم هذا القول (١١).

قوله : «غراما» أي : لازما دائما ، وعن الحسن : كل غريم يفارق غريمه إلّا غريم جهنم (١٢). وأنشد بشر بن أبي خازم (١٣) :

__________________

(١) قال سيبويه : (وزعم أبو الخطاب أن مثله قولك للرجل : سلاما ، تريد تسليما منك ، كما قلت : براءة منك ، تريد لا ألتبس بشيء من أمرك. وزعم أن أبا ربيعة كان يقول : إذا لقيت فلانا فقل له : سلاما. فزعم أنه سأله ففسره له بمعنى براءة منك. وزعم أن هذه الآية : «وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً» بمنزلة ذلك ، لأن الآية فيما زعم مكية ، ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين ، ولكنه على قولك : براءة منكم وتسليما لا خير بيننا وبينكم ولا شر) الكتاب ٢ / ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ، وانظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٨.

(٢) من الآية السابقة.

(٢) من الآية السابقة.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٨.

(٤) انظر معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٧٥.

(٥) على : سقط من ب.

(٦) انظر البغوي ٦ / ١٩٢.

(٧) أخرجه أبو داود (صلاة) ١ / ٣٧٦ ، الترمذي (صلاة) ١ / ١٤٢. الدارمي (صلاة) ١ / ٢٧٨ ، أحمد ١ / ٦٨.

(٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٣.

(٩) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٦٩ ، البحر المحيط ٦ / ٥١٣.

(١٠) انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٣.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٨.

(١٢) انظر البغوي ٦ / ١٩٣.

(١٣) هو بشر بن أبي خازم ، من بني أسد ، جاهلي قديم ، وشهد حرب أسد وطيىء ، وشهد هو وابنه نوفل ـ

٥٦٤

٣٨٨٦ ـ ويوم(١)النّسار ويوم الجفا

ر (٢) كانا عذابا وكان غراما (٣)

وقول الأعشى :

٣٨٨٧ ـ إن يعاقب يكن غراما وإن يع

ط جزيلا فإنّه لا يبالي (٤)

ف (غراما) بمعنى شر لازم (٥) ، وقيل : خسرانا ملحّا لازما ، ومنه الغريم لإلحاحه وإلزامه ، ويقال : فلان مغرم بالنساء ، إذا كان مولعا بهن ، وسأل ابن عباس نافع بن الأزرق عن الغرام فقال : هو الوجع (٦).

قوله : (إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً). يجوز أن تكون «ساءت» بمعنى أحزنت ، فتكون متصرفة ناصبة المفعول ، وهو هنا محذوف ، أي : أنها يعني جهنم أحزنت أصحابها و «مستقرّا» (٧) يجوز أن تكون تمييزا وأن تكون حالا (٨).

ويجوز أن تكون «ساءت» بمعنى بئست ، فتعطي حكمها ، ويكون المخصوص بالذم محذوفا ، وفي «ساءت» ضمير مبهم يفسره (٩) مستقر و «مستقرا» يتعين أن يكون تمييزا ، أي : ساءت هي ، فهي مخصوص وهو الرابط بين هذه الجملة وبين ما وقعت خبرا عنه ، وهو «إنّها» كذا قدّره أبو حيان (١٠) ، وقال أبو البقاء : «مستقرّا» تمييز ، و «ساءت» بمعنى بئس (١١). فإن قيل : يلزم من هذا إشكال ، وذلك أنه يلزم تأنيث فعل الفاعل المذكّر من غير مسوّغ لذلك ، فإنّ الفاعل في «ساءت» على هذا يكون ضميرا عائدا على ما بعده ، وهو (مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) ، وهما مذكران ، فن أين جاء التأنيث؟

والجواب : أن المستقرّ عبارة عن جهنّم فلذلك جاز تأنيث فعله ، ومثله قوله :

__________________

ـ الحلف بينهما. الشعر والشعراء ١ / ٢٧٦ ـ ٢٧٧ ، الخزانة ٤ / ٤٤١ ـ ٤٤٥.

(١) في النسختين : يوم. والتصويب من تفسير ابن عطية ١١ / ٦٩.

(٢) في ب : الخيار. وهو تحريف.

(٣) من بحر المتقارب قاله بشر بن أبي خازم من قصيدة يفخر فيها بقومه ، وهو في مجاز القرآن ٢ / ٨٠ ، الكشاف ٣ / ١٠٣ ، تفسير ابن عطية ١١ / ٦٩ ، اللسان (جفر) بتقديم (يوم الجفار) على (يوم النسار) ، ونسبه في اللسان (غرم) إلى الطرماح ، البحر المحيط ٦ / ٥١٣ ، النسار : موضع ، قيل : هو ماء لبني عامر ، ومنه يوم النسار لبني أسد وذبيان على جشم بن معاوية. الجفار : موضع ، وقيل : هو ماء لبني تميم. والشاهد فيه قوله : (غراما) فإنه بمعنى اللزوم أي العذاب المستمر اللازم.

(٤) البيت من بحر الخفيف ، قاله الأعشى من قصيدة في مدح الأسود بن المنذر اللخمي. وهو في ديوانه (١٧١) ، مجاز القرآن ٢ / ٨٠ ، الكشاف ٣ / ١٠٤ ، تفسير ابن عطية ١١ / ٦٩ ، القرطبي ١٣ / ٧٢ ، اللسان (غرم) ، البحر المحيط ٦ / ٥١٣. والشاهد فيه قوله (غراما) فإنه بمعنى لازم مستمر.

(٥) اللسان (غرم).

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٨. اللسان (غرم).

(٧) في ب : ومستقر.

(٨) انظر الكشاف ٣ / ١٠٤.

(٩) في ب : مفسره.

(١٠) انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٣ ، وانظر الكشاف ٣ / ١٠٤.

(١١) التبيان ٢ / ٩٩١.

٥٦٥

٣٨٨٨ ـ أو حرّة عيطل ثيجاء مجفرة

دعائم الزّور نعمت زورق البلد (١)

و (مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) قيل : مترادفان (٢) ، وعطف أحدهما على الآخر لاختلاف لفظيهما. وقيل : بل هما مختلفا (٣) المعنى ، فالمستقرّ للعصاة ، فإنهم يخرجون ، والمقام للكفّار فإنهم مخلدون (٤). فإن قيل : إنهم سألوا الله أن يصرف عنهم عذاب جهنم لعلتين : إحداهما (٥) : أن عذابها كان غراما. والثانية : أنها ساءت مستقرا ومقاما فما الفرق بين الوجهين؟

فالجواب : قال المتكلمون : عقاب الكافر يجب أن يكون مضرّة خالصة عن شوائب النفع (دائمة ، فقوله : (إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً) إشارة إلى كونه مضرّة خالصة عن شوائب النفع) (٦) وقوله : (إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) إشارة إلى كونه دائما ، فحصلت المغايرة (٧). وقرأت فرقة «مقاما» بفتح الميم ، أي : مكان قيام (٨).

وقراءة العامة (٩) هي المطابقة للمعنى ، أي : مكان إقامة (١٠) وثويّ.

وقوله : (إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا) يحتمل أن يكون من كلامهم ، فتكون منصوبة المحل بالقول ، وأن يكون من كلام الله تعالى (١١).

قوله : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا).

قرأ الكوفيون (١٢) بفتح الياء وضم التاء من يقتروا ، وابن كثير وأبو عمرو بالفتح والكسر ، ونافع وابن عامر بالضم والكسر من أقتر (١٣) ، وعليه (وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ)(١٤) [البقرة : ٢٣٦] وأنكر أبو حاتم أقتر ، وقال : لا يناسب هنا ، فإن أقتر بمعنى افتقر ، ومنه (وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ)(١٤) [البقرة: ٢٣٦] وردّ عليه بأن الأصمعي وغيره حكوا أقتر بمعنى ضيّق (١٥). وقرأ العلاء بن سيابة واليزيدي بضم الياء وفتح القاف وكسر

__________________

(١) البيت من بحر البسيط ، قاله ذو الرمة من قصيدة في مدح بلال بن أبي بردة وهو في الديوان ١ / ١٧٤ ، ابن يعيش ٧ / ١٣٦ ، المقرب ٧٢ ، الخزانة ٩ / ٤٢٠.

(٢) انظر الكشاف ٣ / ١٠٤.

(٣) في ب : مختلفان.

(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٣.

(٥) في ب : إحديهما.

(٦) ما بين القوسين سقط من ب.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٩.

(٨) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٧٠ ، البحر المحيط ٦ / ٥١٣.

(٩) بالضم. تفسير ابن عطية ١١ / ٩٦ ، البحر المحيط ٦ / ٥١٣.

(١٠) المرجعان السابقان.

(١١) فتكون مستأنفة لا محل لها من الإعراب. انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٣.

(١٢) وهم عاصم ، وحمزة ، والكسائي. السبعة (٤٦٦).

(١٣) السبعة (٤٦٦) ، الكشف ٢ / ١٤٧ ، النشر ٢ / ٣٣٤ ، الإتحاف (٣٣٠).

(١٤) والاستشهاد بالآية على استعمال الفعل أقتر ، فإنه جاء منه «المقتر» اسم فاعل منه. الكشف ٢ / ١٤٧.

(١٤) والاستشهاد بالآية على استعمال الفعل أقتر ، فإنه جاء منه «المقتر» اسم فاعل منه. الكشف ٢ / ١٤٧.

(١٥) انظر القرطبي ١٣ / ٧٤ ، البحر المحيط ٦ / ٥١٤.

٥٦٦

التاء (١) مشددة (٢) من قتّر بمعنى ضيّق ، وكلها لغات (٣) ، والقتر والإقتار والتّقتير (التضييق الذي هو نقيض) (٤) الإسراف ، والإسراف مجاوزة الحد في النفقة (٥).

فصل

المراد من الآية القصد بين الغلو والتقصير ، كقوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ)(٦) [الإسراء : ٢٩]. وسأل ابن الورد (٧) بعض العلماء ما البناء الذي لا سرف فيه؟ قال : ما سترك عن الشمس ، وأكنّك من المطر. وقال له ما الطعام الذي لا سرف فيه؟ فقال : ما سد الجوعة ، وقال له في اللباس : ما ستر عورتك وأدفأك من البرد (٨).

وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك : الإسراف في النفقة في معصية الله تعالى ، والإقتار : منع حق الله تعالى (٩).

قال مجاهد : لو أنفق الرجل مثل (أبي) (١٠) قبيس ذهبا في طاعة الله لم يكن مسرفا (١١). وأنشدوا :

٣٨٨٩ ـ ذهاب المال في حمد وأجر

ذهاب لا يقال له ذهاب (١٢)

وقيل : السرف مجاوزة الحد في التنعم والتوسع وإن كان من حلال ، لأنه يؤدي إلى الخيلاء وكسر قلوب الفقراء (١٣).

__________________

(١) في ب : الراء. وهو تحريف.

(٢) المختصر (١٠٥).

(٣) من قرأ بفتح الياء وكسر التاء أخذه من قتر يقتر مثل ضرب يضرب ، ومن ضم التاء أخذه من قتر يقتر مثل خرج يخرج ، ومن الياء وكسر التاء أخذه من أقتر يقتر. الحجة لابن خالويه (٢٦٦). وفي اللسان (قتر) : يقال : قتر وأقتر وقتر بمعنى واحد ، وقتر على عياله يقتر ويقتر قترا وقتورا ، أي ضيق عليهم في النفقة.

(٤) ما بين القوسين في ب : بمعنى التضيق يقبض. وهو تحريف.

(٥) انظر الكشاف ٣ / ١٠٤ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٩.

(٦) [الإسراء : ٢٩]. وانظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٩.

(٧) لم أهتد إلى ترجمة له.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٩.

(٩) المرجع السابق.

(١٠) أبي : تكملة من الفخر الرازي.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٩.

(١٢) البيت من بحر الوافر ، ولم أهتد إلى توثيق له فيما اطلعت عليه من مصادر.

(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٩.

٥٦٧

قوله (١) : (وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) في اسم «كان» وجهان :

أشهرهما : أنه ضمير يعود على الإنفاق المفهوم من قوله «أنفقوا». أي : وكان إنفاقهم مستويا قصدا لا إسرافا ولا تقتيرا ، وفي خبرها وجهان :

أحدهما : هو «قواما» و (بَيْنَ ذلِكَ) إما معمول له ، وإما ل «كان» عند من يرى إعمالها في الظرف ، وإما المحذوف على أنه حال من «قواما» ، ويجوز أن يكون (بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) ، خبرين ل «كان» عند من يرى ذلك ، وهم الجمهور خلافا لابن درستويه (٢).

والثاني : أن الخبر «بين ذلك» و «قواما» حال مؤكدة (٣).

والثاني من الوجهين الأولين : أن يكون اسمها (بَيْنَ ذلِكَ) وبني لإضافته إلى غير متمكن ، و «قواما» خبرها قاله الفراء (٤). قال الزمخشري : وهو من جهة الإعراب لا بأس به (ولكنه من جهة المعنى) (٥) ليس بقوي ؛ لأن ما بين الإسراف والتقتير قوام لا محالة فليس في الخبر الذي هو معتمد الفائدة فائدة (٦).

قال شهاب الدين : وهو يشبه قولك : كان سيّد الجارية مالكها (٧). قال ثعلب : القوام ـ بالفتح ـ (العدل والاستقامة ، وبالكسر ما يدوم عليه الأمر ويستقر (٨).

وقال الزمخشري : القوام) (٩) العدل بين الشيئين لاستقامة الطرفين واعتدالهما ، وبالكسر ما يقام به الشيء لا يفضل عنه ولا ينقص (١٠). وقرأ حسان بن عبد الرحمن (١١) «قواما» يكسر القاف (١٢) ، فقيل : هما بمعنى (١٣) ، وقيل : بالكسر اسم ما يقام به الشيء (١٤) وقيل : بمعنى سدادا وملاكا (١٥).

__________________

(١) قوله : سقط من ب.

(٢) وذلك أن ابن درستويه لا يجوز تعدد خبر (كان) ووجهه أن هذه الأفعال شبهت بما يتعدى إلى واحد فلا يزاد على ذلك. انظر الكشاف ٣ / ١٠٤ ، البيان ٢ / ٢٠٨ ، البحر المحيط ٦ / ٥١٤ ، الهمع ١ / ١١٤.

(٣) انظر الكشاف ٣ / ١٠٤ ، التبيان ٢ / ٩٩١ ، البحر المحيط ٦ / ٥١٤.

(٤) قال الفراء : (وإن شئت جعلت «بين» في معنى رفع ، كما تقول : كان دون هذا كافيا لك ، تريد : أقل من هذا كان كافيا لك ، وتجعل «وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ» كان الوسط من ذلك قواما) معاني القرآن ٢ / ٢٧٣.

(٥) ما بين القوسين في الكشاف : ولكن المعنى.

(٦) الكشاف ٣ / ١٠٤.

(٧) الدر المصون ٥ / ١٤٥.

(٨) لم أعثر على ما قاله ثعلب في مجالسه ، والفصيح ، وهو في الفخر الرازي ٢٤ / ١١٠.

(٩) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٠) انظر الكشاف ٣ / ١٠٤. بتصرف يسير.

(١١) لعله حسان بن ثابت أبو عبد الرحمن ، لأنه ليس في كتب تراجم القراء حسان بن عبد الرحمن راويا أو مرويا عنه.

(١٢) انظر المختصر (١٠٥) ، المحتسب ٢ / ١٢٥ ، تفسير ابن عطية ١١ / ٧٣ ، القرطبي ١٣ / ٧٤ ، البحر المحيط ٦ / ٥١٤.

(١٣) انظر القرطبي ١٣ / ٧٤ ، البحر المحيط ٦ / ٥١٤.

(١٤) انظر الكشاف ٣ / ١٠٤.

(١٥) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٧٣.

٥٦٨

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (٦٨) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (٦٩) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٠) وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً)(٧١)

قوله (١) : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ) الآية. قال ابن عباس : إن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا ، وزنوا فأكثروا ، فأتوا محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقالوا (٢) : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزلت هذه الآية (٣) ، ونزل (يا عِبادِيَ)(٤)(الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) [الزمر : ٥٣] وروي أن رجلا قال : يا رسول الله أي الذنب أكبر عند الله؟ قال : «أن تدعو لله ندا وهو خلقك» قال : ثم أي؟ قال : «ثم أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك» قال : ثم أي؟ قال : «أن تزاني حليلة جارك» فأنزل الله تصديقها هذه الآية (٥).

فإن قيل : إن الله تعالى ذكر أن من صفات عباد الرحمن الاحتراز عن الشرك والقتل والزنا ، فلو كان الترتيب (٦) بالعكس كان أولى؟ فالجواب : أن الموصوف بتلك الصفات السالفة قد يكون متمكنا بالشرك تدينا ، ويقتل المولود تدينا ، ويزني تدينا ، فبين تعالى أن المرء لا يصير بتلك الخصال وحدها من عباد الرحمن حتى يتجنب هذه الكبائر. وأجاب الحسن فقال : المقصود من ذلك التنبيه (٧) على الفرق بين سيرة المسلمين وسيرة الكفار كأنه قال : وعباد الرحمن هم الذين لا يدعون مع الله إلها آخر ، وأنتم تدعون، (وَلا يَقْتُلُونَ) وأنتم تقتلون الموءودة ، (وَلا يَزْنُونَ) وأنتم تزنون (٨).

قوله : (إِلَّا بِالْحَقِّ) يجوز أن تتعلق الباء بنفس «يقتلون» أي : لا يقتلونها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق ، وأن تتعلق بمحذوف على أنها صفة للمصدر ، أي : قتلا ملتبسا بالحق (٩) ، أو على أنها حال أي : إلّا ملتبسين بالحق (١٠).

__________________

(١) في ب : قوله تعالى.

(٢) في ب : فقال.

(٣) انظر أسباب النزول للواحدي (٢٤٩) والقرطبي ١٣ / ٧٦.

(٤) في ب : يا عباد.

(٥) أخرجه البخاري (تفسير) ٣ / ١٦٩. أبو داود (طلاق) ٢ / ٧٣٢ ـ ٧٣٣ ، الترمذي (تفسير) ٥ / ١٧ ، ١٨ ، النسائي (تحريم) ٧ / ٨٩ ـ ٩٠ ، أحمد ١ / ٣٨٠ ، ٤٣١ ، ٤٣٤. وانظر أسباب النزول للواحدي (٢٤٩ ـ ٢٥٠). القرطبي ١٣ / ٧٥.

(٦) في ب : بالترتيب.

(٧) في ب : النسبة.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١٠ ـ ١١١.

(٩) انظر الكشاف ٣ / ١٠٤.

(١٠) انظر التبيان ٢ / ٩٩١.

٥٦٩

فإن قيل : من حلّ قتله لا يدخل في النفس المحرمة ، فكيف يصحّ هذا الاستثناء فالجواب : أن المقتضي لحرمة القتل قائم أبدا ، وجواز القتل إنما ثبت بمعارض ، فقوله : (حَرَّمَ اللهُ) إشارة إلى المقتضي ، وقوله : «إلّا بالحقّ» إشارة إلى المعارض (١) والسبب المبيح للقتل هو الردة ، والزنا بعد الإحصان ، وقتل النفس المحرمة (٢).

قوله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) هذه إشارة إلى جميع ما تقدم ، لأنه بمعنى ما ذكر (فلذلك وحّد(٣)) (٤).

قوله : «يلق» (٥). قراءة العامة مجزوما على جزاء الشرط بحذف الألف ، وقرأ عبد الله وأبو رجاء «يلقى» بإثباتها (٦) كقوله : (فَلا تَنْسى)(٧) على أحد القولين (٨) ، وكقراءة لا تخف دركا ولا تخشى (٩) [طه : ٧٧] في أحد القولين (١٠) أيضا ، وذلك بأن نقدر علامة الجزم حذف الضمة المقدرة(١١). وقرأ بعضهم «يلقّ» بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف (١٢) من لقاه كذا. والأثام مفعول على قراءة الجمهور ، ومفعول ثان على قراءة هؤلاء والأثام العقوبة ، قال :

٣٨٩٠ ـ جزى الله ابن عروة حيث أمسى

عقوقا والعقوق له أثام (١٣)

أي عقوبة.

وقيل : هو الإثم نفسه ، أي : يلق جزاء إثم (١٤). قال أبو مسلم : والأثام والإثم واحد ، والمراد هاهنا جزاء الأثام ، فأطلق اسم الشيء على جزائه (١٥).

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١١.

(٢) المرجع السابق.

(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٥.

(٤) ما بين القوسين في ب : فكذلك وجد. وهو تحريف.

(٥) في ب : «يَلْقَ أَثاماً».

(٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٥.

(٧) من قوله تعالى : «سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى» [الأعلى : ٦].

(٨) القول الثاني : أن الألف حذفت للجزم ، والألف الثابتة ناشئة عن إشباع الفتحة.

(٩) [طه : ٧٧]. و «لا تخف» جزما والتاء مفتوحة قراءة حمزة وحده ، وقرأ الباقون «لا تخاف» رفعا بالألف. السبعة (٤٢١).

(١٠) أي على قراءة حمزة «لا تخف» بالجزم فقوله : «وَلا تَخْشى» قيل نشأت الألف لإشباع الفتحة ليتوافق رؤوس الآي ، وقيل : الألف في تقدير الجزم ، شبهت بالحروف الصحاح. انظر التبيان ٢ / ٨٩٩.

(١١) انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٥.

(١٢) وهي قراءة ابن مسعود وأبي رجاء ، كذا نسبها ابن خالويه في المختصر (١٠٥).

(١٣) البيت من بحر الوافر ، نسبه أبو عبيدة في مجاز القرآن ٢ / ٨١ إلى بلعاء بن قيس الكناني ، ونسبه ابن منظور في اللسان (أثم) إلى شافع الليثي. وهو في الكشاف ٣ / ١٠٤ ، وتفسير ابن عطية ١١ / ٧٤ ، القرطبي ١٣ / ٧٦ البحر المحيط ٦ / ٥١٥ العقوق بالضم : منع بر الوالدين وقطع صلتهما. والشاهد فيه أن قوله : (أثام) بمعنى : جزاء وعقاب.

(١٤) انظر الكشاف ٣ / ١٠٤.

(١٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١١.

٥٧٠

وقال الحسن : الأثام اسم من أسماء جهنم (١) ، وقال مجاهد : اسم واد في جهنم (٢) وقيل : بئر فيها (٣). وقرأ ابن مسعود : «أيّاما» (٤) جمع يوم ، يعني شدائد ، والعرب تعبر عن ذلك بالأيّام ، يقال: يوم ذو أيام لليوم الصعب (٥).

قوله : «يضاعف» قرأ ابن عامر وأبو بكر برفع «يضاعف» و «يخلد» (٦) على أحد وجهين : إمّا الحال ، وإمّا على الاستئناف (٧). والباقون بالجزم فيهما (٨) بدلا من «يلق» (٩) بدل اشتمال ، ومثله قوله :

٣٨٩١ ـ متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا

تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا (١٠)

فأبدل من الشرط كما أبدل هنا من الجزاء. وابن كثير وابن عامر على ما تقدم لهما في البقرة (١١) من القصر والتضعيف في العين (١٢). ولم يذكر أبو حيان ابن عامر مع ابن كثير وذكره مع الجماعة في قرّائهم (١٣). وقرأ أبو جعفر وشيبة «نضعّف» بالنون مضمومة وتشديد العين ، «العذاب» نصبا على المفعول به (١٤). وطلحة (١٥) «يضاعف» مبنيا للفاعل ، أي : الله «العذاب» نصبا (١٦) ، وطلحةبن سليمان «وتخلد» بتاء الخطاب على الالتفات (١٧) ، وأبو حيوة «ويخلّد» مشدّدا مبنيا للمفعول (١٨). وروي عن أبي عمرو كذلك إلا أنه بالتخفيف (١٩).

__________________

(١) المرجع السابق.

(٢) المرجع السابق.

(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٥.

(٤) انظر المختصر وهامشه (١٠٥) ، الكشاف ٣ / ١٠٤ ، البحر المحيط ٦ / ٥١٥.

(٥) انظر الكشاف ٣ / ١٠٤ ، البحر المحيط ٦ / ٥١٥.

(٦) السبعة (٤٦٧) ، الكشف ٢ / ٣٣٤ ، النشر ٢ / ٣٣٤ ، الإتحاف (٣٣٠).

(٧) انظر الكشاف ٣ / ١٠٥ ، البيان ٢ / ٢٠٩ ، البحر المحيط ٦ / ٥١٥.

(٨) السبعة (٤٦٧) ، الكشف ٢ / ٢٠٩ ، النشر ٢ / ٣٣٤ ، الإتحاف (٣٣٠).

(٩) انظر الكشاف ٣ / ١٠٤ ، البيان ٢ / ٢٠٩ ، التبيان ٢ / ٩٩١ ، البحر المحيط ٦ / ٥١٥.

(١٠) البيت من بحر الطويل ، قاله عبيد الله بن الحر ، من قصيدة قالها وهو في سجن مصعب بن الزبير.

وقد تقدم.

(١١) يشير إلى قوله تعالى : «وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ» من الآية (٢٦١) أي : أنهما يقرآن هنا كما في البقرة «يضعف» بالألف مع تشديد العين.

(١٢) السبعة (٤٦٧) الكشف ٢ / ١٤٧ ، النشر ٢ / ٣٣٤ ، الإتحاف ٣٣٠.

(١٣) أي أن أبا حيان لم ينص على أن ابن عامر ممن قرأ بالرفع وتضعيف العين. البحر المحيط ٦ / ٥١٥.

(١٤) في المحتسب : (ومن ذلك قراءة طلحة بن سليمان : «نضعف له» بالنون «العذاب» نصب) ٢ / ١٢٥ ، وانظر البحر المحيط ٦ / ٥١٥.

(١٥) طلحة بن مصرف كما في البحر المحيط ٦ / ٥١٥.

(١٦) المرجع السابق.

(١٧) انظر المحتسب ٢ / ١٢٥ ، تفسير ابن عطية ١١ / ٦٤ ، البحر المحيط ٦ / ٥١٥.

قال أبو حيان : (وقرأ طلحة بن سليمان «وتخلد» بتاء الخطاب على الالتفات مرفوعا ، أي : وتخلد أيها الكافر».

(١٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٥.

(١٩) قال ابن مجاهد : (وروى حسين الجعفي عن أبي عمرو «ويخلد» بضم الياء وفتح اللام وجزم الدال ـ

٥٧١

و «مهانا» حال (١) ، وهو اسم مفعول من أهانه يهينه ، أي : أذلّه وأذاقه الهوان.

فصل

قال القاضي : بيّن الله تعالى (أن) (٢) المضاعفة والزيادة يكون حالها في الزيادة كحال الأصل ، فقوله : (وَيَخْلُدْ فِيهِ) أي : ويخلد في ذلك التضعيف ، وذلك إنما حصل بسبب العقاب على المعاصي ، فوجب أن يكون عقاب هذه المعاصي في حق الكافر دائما ، وإذا كان كذلك وجب أن يكون في حق المؤمن كذلك ؛ لأن حاله فيما يستحق به لا يتغير سواء فعل مع غيره ، أو منفردا.

والجواب : لم لا يجوز أن يكون للإتيان بالشيء مع غيره أثر في مزيد القبح ، ألا ترى أن الشيئين قد يكون كل واحد منهما في نفسه حسنا وإن كان الجميع قبيحا ، وقد يكون كل واحد منهما قبيحا ، ويكون الجمع بينهما أقبح (٣). وسبب تضعيف العذاب أن المشرك إذا ارتكب المعاصي مع الشرك فيعذب على الشرك وعلى المعاصي ، فتضاعف العقوبة لمضاعفة المعاقب عليه ، وهذا يدل على أن الكفار مخاطبون بفروع الإسلام (٤).

قوله : (إِلَّا مَنْ تابَ) فيه وجهان :

أحدهما : وهو الذي لم يعرف الناس غيره : أنه استثناء متصل ؛ لأنه من الجنس (٥).

والثاني : أنه منقطع. قال أبو حيان : ولا يظهر ، يعني الاتصال ؛ لأن المستثنى منه محكوم عليه بأنه يضاعف له العذاب (فيصير التقدير : إلّا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فلا يضاعف له العذاب) (٦) ، ولا يلزم من انتفاء التضعيف انتفاء العذاب غير المضعّف ، فالأولى عندي أن يكون استثناء منقطعا ، أي : لكن من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدّل الله سيّآتهم حسنات وإذا كان كذلك فلا يلقى عذابا ألبتة (٧).

قال شهاب الدين : والظاهر قول الجمهور ، وأمّا ما قاله فلا يلزم إذ المقصود الإخبار بأنّ من فعل كذا فإنه يحلّ به ما ذكر إلا أن يتوب ، وأمّا إصابة أصل العذاب وعدمها فلا تعرّض في الآية له (٨). واعلم أن البحث الذي ذكره أبو حيان ذكره أيضا ابن الخطيب فقال : دلت الآية على أن التوبة مقبولة ، والاستثناء لا يدل على ذلك ، لأنه أثبت أنه (٩) يضاعف له العذاب ضعفين ، فيكفي لصحة الاستثناء أن لا يضاعف للتائب ضعفين ،

__________________

ـ وهو غلط) السبعة (٤٦٧). قال أبو علي : (وهي غلط من جهة الرواية) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٧٥ ، البحر المحيط ٦ / ٥١٥.

(١) انظر التبيان ٢ / ٩٩١.

(٢) أن : تكملة من الفخر الرازي.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١١ ـ ١١٢.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١١.

(٥) انظر التبيان ٢ / ٩٩١.

(٦) ما بين القوسين سقط من ب.

(٧) البحر المحيط ٦ / ٥١٥.

(٨) الدر المصون ٥ / ١٤٦ ـ ١٤٧.

(٩) أنه : سقط من ب.

٥٧٢

وإنما يدلّ عليه قوله : (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ)(١).

فصل

نقل عن ابن عباس أنه قال : توبة القاتل لا تقبل ، وزعم أن هذه الآية منسوخة (بقوله تعالى)(٢): (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) [النساء : ٩٣] ، وقالوا : نزلت الغليظة بعد اللينة بمدة يسيرة ، وعن الضحاك ومقاتل بثمان سنين ، وتقدم في سورة النساء (٣).

فإن قيل : العمل الصالح يدخل في التوبة والإيمان فذكرهما قبل العمل الصالح حشو؟ فالجواب : أفردهما بالذكر لعلوّ شأنهما ولما كان لا بدّ معهما من سائر الأعمال لا جرم ذكر عقيبهما العمل الصالح(٤).

قوله : (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ).

قال ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير والسدي ومجاهد وقتادة : التبديل إنما يكون في الدنيا ، فيبدل الله تعالى قبائح أعمالهم في الشرك بمحاسن الأعمال في الإسلام ، فيبدلهم بالشرك إيمانا ، وبقتل (٥) المؤمنين قتل (٦) المشركين ، وبالزنا إحصانا وعفة (٧). وقيل : يبدل الله سيئاتهم (٨) التي عملوها في الإسلام حسنات (٩).

قال الزجاج : السيئة بعينها لا تصير حسنة ، فالتأويل : أن السيئة تمحى بالتوبة وتكتب الحسنة مع التوبة ، والكافر يحبط الله عمله ويثبت عليه السّيّئات (١٠).

قوله : «سيّئاتهم» هو المفعول الثاني للتبديل ، وهو المقيد بحرف الجر ، وإنما حذف ، لفهم المعنى ، و «حسنات» هو الأول المسرح (١١) ، وهو المأخوذ ، والمجرور بالباء هو المتروك (١٢) ، وقد صرح بهذا في قوله تعالى : (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ)(١٣) [سبأ : ١٦] وقال :

٣٨٩٢ ـ تضحك منّي أخت (١٤) ذات النّحيين

أبدلك الله بلون لونين

__________________

(١) الفخر الرازي ٢٤ / ١١٢.

(٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١٢.

(٤) المرجع السابق.

(٥) في ب : بقل. وهو تحريف.

(٦) في ب : قبل. وهو تحريف.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١٢.

(٨) سيئاتهم : سقط من ب.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١٢.

(١٠) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٧٠٦.

(١١) في ب : المفتوح. وهو تحريف.

(١٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٥ ـ ٥١٦.

(١٣) [سبأ : ١٦]. واستشهد بها على أن الباء تدخل على المفعول الثاني وهو المتروك.

(١٤) في ب : نلت. وهو تحريف.

٥٧٣

سواد وجه وبياض عينين (١)

وتقدم تحقيق هذا في البقرة عند قوله (٢) : (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ)(٣).

قوله : (وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً) الآية. قال بعض العلماء : هذا في التوبة عن غير ما سبق ذكره في الآية الأولى من القتل والزنا ، أي : تاب من الشرك وأدى الفرائض ممن لم يقتل ولم يزن (فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ) يعود إليه بعد الموت «متابا» حسنا يفضل (٤) على غيره ممن قتل وزنا. فالتوبة الأولى وهي قوله : (وَمَنْ تابَ) رجوع عن الشرك ، والثاني رجوع إلى الله للجزاء والمكافأة (٥).

وقيل : هذه التوبة أيضا عن جميع السيئات ، ومعناه من أراد التوبة وعزم عليها فليتب لوجه الله ، فقوله : (يَتُوبُ إِلَى اللهِ) خبر بمعنى الأمر ، أي : ليتب إلى الله (٦) ، وقيل : معناه وليعلم أن توبته ومصيره إلى الله (٧).

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (٧٢) وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً)(٧٣)

قوله (٨) : (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) في «الزّور» وجهان :

أحدهما : أنه مفعول به ، أي : لا يحضرون الزّور ، وفسر بالصّنم واللهو. وقال أكثر المفسرين : يعني : الشرك (٩).

والثاني : أنه مصدر ، والمراد شهادة الزّور ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. قاله علي بن أبي طالب (١٠).

وقال ابن (١١) جريج : الكذب. وقال مجاهد : أعياد المشركين. وقيل : النوح. وقال قتادة : لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم (١٢). وكل هذه الوجوه محتملة.

وأصل «الزّور» : تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته ، فهو تمويه الباطل بما يوهم أنه حق.

قوله : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ) أي : بأهله. قال مقاتل : إذا سمعوا من الكفار الشتم

__________________

(١) من الرجز لم أهتد إلى قائله ، وقد تقدم.

(٢) في ب : قوله تعالى.

(٣) من قوله تعالى : «وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ» [البقرة : ٢١١].

(٤) في ب : بفضل.

(٥) انظر البغوي ٦ / ١٩٩ ـ ٢٠٠.

(٦) انظر البغوي ٦ / ٢٠٠.

(٧) المرجع السابق.

(٨) في ب : قوله تعالى.

(٩) انظر البغوي ٦ / ٢٠٠.

(١٠) المرجع السابق وانظر الوجهين أيضا في البحر المحيط ٦ / ٥١٦.

(١١) أين : سقط من ب.

(١٢) انظر البغوي ٦ / ٢٠٠.

٥٧٤

والأذى أعرضوا وصفحوا كقوله : (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ)(١) [القصص : ٥٥].

وقال الحسن والكلبي : اللغو : المعاصي كلها (٢) مما يجب أن يلغى ويترك.

(مَرُّوا كِراماً) مسرعين معرضين ، يقال : تكرّم فلان عما يشينه إذا تنزه وأكرم نفسه عنه (٣).

قوله : (وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً) النفي متسلط على القيد، وهو الصمم والعمى ، أي : إنّهم يخرّون عليها لكن لا على هاتين الصفتين (٤).

قال الزمخشري : فقوله : (لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها) ليس بنفي للخرور (٥) ، وإنما هو إثبات له ونفي للصمم والعمى ، كما تقول : لا يلقاني زيد مسلما. هو نفي للسلام لا للقاء ، والمعنى : أنهم إذا ذكروا بها أكبّوا عليها حرصا على استماعها ، وأقبلوا على المذكر بها وهم في إكبابهم (٦) عليها سامعون بآذان واعية ويبصرون بعيون واعية ، لا كالذين يذكرون بها فتراهم (٧) مكبين عليها مقبلين على من يذكر بها مظهرين الحرص الشديد على استماعها ، وهم كالصّمّ والعميان حيث لا يفهمونها ، ولا يبصرون ما فيها (٨) ، وفيه تعريض بالمنافقين.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً)(٧٤)

قوله (٩) : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا).

يجوز أن تكون «من» لابتداء الغاية ، أي : هب لنا من جهتهم ما تقرّ به عيوننا من طاعة وصلاح (١٠) ، وأن تكون للبيان ، قاله الزمخشري وجعله من التّجريد ، أي : هب لنا (١١) قرّة أعين من أزواجنا كقولك رأيت منك أسدا (١٢).

وقرأ أبو عمرو والأخوان (١٣) وأبو بكر «ذرّيّتنا» بالتوحيد ، والباقون بالجمع سلامة (١٤) وقرأ أبو هريرة وأبو الدرداء وابن مسعود «قرّات» بالجمع (١٥) ، وقال

__________________

(١) انظر البغوي ٦ / ٢٠١.

(٢) انظر البغوي ٦ / ٢٠١.

(٣) في النسختين : عنها. وانظر البغوي ٦ / ٢٠١ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١١٤.

(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٦.

(٥) في ب : للمجرور. وهو تحريف.

(٦) في ب : أكنانهم. وهو تحريف.

(٧) في ب : افتراهم.

(٨) الكشاف ٣ / ١٠٥.

(٩) في ب : قوله تعالى.

(١٠) انظر الكشاف ٣ / ١٠٥.

(١١) لنا : سقط من ب.

(١٢) أي : أنت أسد. الكشاف ٣ / ١٠٥.

(١٣) حمزة والكسائي.

(١٤) السبعة (٤٦٧) ، الكشف ٢ / ١٤٨ ، النشر ٢ / ٣٣٥ ، الإتحاف (٣٣٠).

(١٥) المختصر (١٠٥) ، البحر المحيط ٦ / ٥١٧.

٥٧٥

الزمخشري : أتى هنا ب «أعين» صيغة القلة دون (عيون) صيغة الكثرة ، إيذانا بأنّ عيون المتقين قليلة بالنسبة إلى عيون غيرهم (١). وردّه أبو حيان بأن أعينا يطلق على العشرة فما دونها ، وعيون المتقين كثيرة فوق العشرة (٢). وهذا تحمّل عليه ، لأنّه إنما أراد القلة بالنسبة إلى كثرة غيرهم ، ولم يرد قدرا مخصوصا.

فصل

أراد قرة أعين لهم في الدين لا في الدنيا من المال والجمال ، قال الزجاج : يقال : أقرّ الله عينك ، أي : صادف فؤادك ما يحبه (٣) وقال المفضل : في قرة العين ثلاثة أقوال :

أحدها : برد دمعتها ، وهي التي تكون مع السرور ، ودمعة الحزن حارة.

الثاني : فرحها ، لأنه يكون مع ذهاب الحزن والوجع.

الثالث : قال الأزهري (٤) : حصول الرضا (٥).

قوله : (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) في «إماما» وجهان :

أحدهما : أنه مفرد ، وجاء به مفردا إرادة للجنس (٦) ، وجنسه كونه رأس فاصلة (٧).

(أو المراد : اجعل كل واحد منا إماما (٨). كما قال (نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً)) (٩) [الحج : ٥].

قال الفراء : قال «إماما» ولم يقل : أئمة. كما قال للاثنين (١٠)(إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ)(١١) [الشعراء : ١٦]. وقيل : أراد أئمة كقوله : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) [الشعراء : ٧٧] ، وإمّا لاتحادهم و (١٢) اتفاق كلمتهم (١٣) ، وإمّا لأنّه مصدر في الأصل كصيام وقيام (١٤).

الثاني : أنه جمع (١٥) آمّ كحالّ وحلال ، أو جمع إمامة كقلادة وقلاد (١٦).

قال القفال : وعندي أن الإمام إذا ذهب به مذهب الاسم وحد كأنه قيل : اجعلنا

__________________

(١) انظر الكشاف ٣ / ١٠٦.

(٢) البحر المحيط ٦ / ٥١٧.

(٣) لم أعثر على ما قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه. وهو في الفخر الرازي ٢٤ / ١١٥.

(٤) بالمعنى. التهذيب (قر) ٨ / ٢٧٦ ـ ٢٧٧.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١٥.

(٦) انظر البيان ٢ / ٢١٠.

(٧) انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٧.

(٨) المرجع السابق.

(٩) ما بين القوسين ساقط من ب.

(١٠) في ب : للراسين. وهو تحريف.

(١١) معاني القرآن ٢ / ٢٧٤. بتصرف يسير.

(١٢) في ب : في.

(١٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٧.

(١٤) انظر القرطبي ١٣ / ٨٣ والتبيان ٢ / ٩٩٢.

(١٥) انظر معاني القرآن للأخفش ٢ / ٦٤٣ ، ونقل القرطبي هذا الوجه عن الأخفش قال : (قال الأخفش : الإمام جمع آم من أمّ يؤم جمع على فعال نحو صاحب وصحاب ، وقائم وقيام) القرطبي ١٣ / ٨٣.

(١٦) انظر البيان ٢ / ٢١٠ ، التبيان ٢ / ٩٩٢.

٥٧٦

حجة للمتقين ، ومثله البينة يقال : هؤلاء بينة فلان.

فصل

قال الحسن (١) : نقتدي بالمتقين ويقتدي بنا المتقون (٢). وقال ابن عباس : اجعلنا أئمة هداة كما قال : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ) [الأنبياء : ٧٣] ولا تجعلنا أئمة ضلالة ، كقوله : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ)(٣) [القصص : ٤١]. وقيل هذا من المقلوب ، أي : واجعل المتقين لنا إماما واجعلنا مؤتمين مقتدين بهم قاله مجاهد (٤).

فصل

قيل : نزلت الآية (٥) في العشرة المبشرين بالجنة (٦).

قال بعضهم : هذه الآية تدل على وجوب طلب الرياسة في الدين والرغبة فيها ، قال إبراهيم ـ عليه‌السلام (٧) ـ (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ)(٨) [الشعراء : ٨٤] واحتج أهل السنة بهذه الآية على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى ، لأن الإمامة في الدين لا تكون إلا بالعلم والعمل ، والعلم والعمل إنما يكون بجعل الله وخلقه.

قال القاضي : المراد من هذا السؤال الألطاف التي إذا كثرت صاروا مختارين لهذه الأشياء فيصيرون أئمة.

والجواب : أن تلك الألطاف مفعولة لا محالة فيكون سؤالها عبثا (٩).

واعلم أنه تعالى لما بيّن صفات المتقين المخلصين بيّن بعده إحسانه إليهم.

قوله تعالى : (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (٧٥) خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٧٦) قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً)(٧٧)

قوله : (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ) أي : يثابون الغرفة ، وهي الدرجة العالية. و «الغرفة» مفعول ثان ل «يجزون» ، والغرفة كلّ بناء مرتفع ، والجمع غرف (١٠).

قوله : (بِما صَبَرُوا) أي بصبرهم (١١) ، أي : بسببه أو بسبب الذي صبروه ، والأصل :

__________________

(١) الحسن : سقط من ب.

(٢) انظر البغوي ٦ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣.

(٣) [القصص : ٤١]. وانظر البغوي ٦ / ٢٠٣.

(٤) انظر البغوي ٦ / ٢٠٣.

(٥) في الفخر الرازي : الآيات.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١٥.

(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٨) [الشعراء : ٨٤]. وانظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١٥.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١٥.

(١٠) وفي اللسان (غرف) : الغرفة : العلية ، والجمع غرفات ، وغرفات ، وغرفات ، وغرف.

(١١) انظر الكشاف ٣ / ١٠٦.

٥٧٧

صبروا عليه ، ثم حذف بالتدريج. والباء للسببية كما تقدم ، وقيل : للبدل (١) ، كقوله :

٣٨٩٣ ـ فليت لي بهم قوما ... (٢)

ولا حاجة إلى ذلك. وذكر الصبر ولم يذكر المصبور عنه ، ليعمّ جميع أنواع المشاقّ ، ولا وجه لقول من يقول : المراد الصبر على الفقر خاصة (٣).

قوله : (وَيُلَقَّوْنَ فِيها) قرأ الأخوان (٤) وأبو بكر (٥) بفتح الياء وسكون اللام من لقي يلقى ، والباقون بضمها ، وفتح اللام وتشديد القاف على بنائه للمفعول (٦) ، كقوله : (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) [الإنسان : ١١]. والتحيّة الدعاء بالتعمير ، أي : بقاء دائما ، وقيل : الملك. والسلام الدعاء بالسلامة ، أو يسلم بعضهم على بعض. وهذه التحيّة والسلام يمكن أن يكون من الله كقوله (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) [يس : ٥٨]. ويمكن أن يكون من الملائكة لقوله : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ) [الرعد : ٢٣ ـ ٢٤]. ويمكن أن يكون بعضهم على بعض(٧).

قوله : (خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً). وصف ذلك بالدوام بقوله : (خالِدِينَ فِيها) ، وقوله : (حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) أي : موضع قرار وإقامة ، وهذا في مقابلة قوله : (ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) [الشعراء : ٦٦] أي : ما أسوأ ذاك وأحسن هذا (٨).

قوله : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي). قال مجاهد وابن زيد : أي : ما يصنع وما يفعل بكم (٩). قال أبو عبيدة : يقال : ما عبأت به شيئا (١٠) ، أي : لم أباله ، فوجوده وعدمه سواء (١١). وقال الزجاج: معناه لا وزن لكم عندي والعبء في اللغة الثقل (١٢). وقال أبو عمرو بن العلاء : ما يبالي ربكم(١٣) ، ويقال : ما عبأت بك ، أي : ما اهتممت ولا اكترثت ، ويقال : عبأت الجيش وعبأته ، أي: هيأته وأعددته (١٤). قوله : (لَوْ لا دُعاؤُكُمْ)

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٧.

(٢) جزء بيت من بحر البسيط ، وتمامه :

 ... إذا ركبوا

شنّوا الإغارة فرسانا وركبانا

وقد تقدم.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١٥.

(٤) حمزة والكسائي.

(٥) عن عاصم.

(٦) عدّ ابن مجاهد (ابن عامر) فيمن قرأ «يُلَقَّوْنَ» بفتح الياء وسكون اللام. السبعة (٤٦٨) ، وانظر الكشف ٢ / ١٤٨ ، النشر ٢ / ٣٣٥ الإتحاف (٣٣٠).

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١٦.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١٦.

(٩) انظر البغوي ٦ / ٢٠٣.

(١٠) مجاز القرآن ٢ / ٨٢.

(١١) انظر البغوي ٦ / ٢٠٣.

(١٢) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٧٨.

(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١٦.

(١٤) انظر اللسان (عبأ).

٥٧٨

جوابها محذوف لدلالة ما تقدم ، أي : لو لا دعاؤكم ما أعبأ بكم ولا أكترث ، و «ما» يجوز أن تكون نافية (١) ، وهو الظاهر ، وقيل : استفهام ، بمعنى النفي (٢) ، ولا حاجة إلى التجوز في شيء يصح أن يكون حقيقة بنفسه. و «دعاؤكم» يجوز أن يكون مضافا للفاعل ، أي : لو لا تضرّعكم إليه ، ويجوز أن يكون مضافا للمفعول ، أي : لو لا دعاؤكم إيّاه إلى الهدى (٣).

فصل

ومعنى هذا الدعاء وجوه :

الأول : لو لا دعاؤكم إياه في الشدائد كما قال تعالى : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [العنكبوت : ٦٥].

الثاني : لو لا شكركم له على إحسانه ، لقوله : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ) [النساء : ١٤٧].

الثالث : لو لا عبادتكم.

الرابع : لو لا إيمانكم (٤).

وقيل المعنى : ما خلقتكم وبي إليكم حاجة إلا أن تسألوني فأعطيكم وتستغفروني فأغفر لكم (٥). وقيل : المعنى : قل ما يعبأ بخلقكم (٦) ربي لو لا عبادتكم وطاعتكم إياه ، يعني أنه خلقكم لعبادته كما قال : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦]. قاله ابن عباس ومجاهد (٧). وقيل : معناه ما يبالي بمغفرتكم ربي لو لا دعاؤكم معه آلهة ، أو ما يفعل الله بعذابكم لو لا شرككم كما قال : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) [النساء : ١٤٧].

قوله : (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) أيها الكافرون يخاطب أهل مكة ، يعني أن الله دعاكم بالرسول إلى توحيده وعبادته فقد كذبتم الرسول ولم تجيبوه. وقرىء (٨) «فقد كذب الكافرون» (٩) قوله : (فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) أي : فسوف يلزمكم أثر تكذيبكم ، وهذا عقاب الآخرة ،

__________________

(١) انظر الكشاف ٣ / ١٠٦ ، البحر المحيط ٦ / ٥١٧.

(٢) قال الفراء :(«ما» استفهام أي : ما يصنع بكم «لَوْ لا دُعاؤُكُمْ» لو لا دعاؤه إياكم إلى الإسلام) معاني القرآن ٢ / ٢٧٥. وانظر المرجعين السابقين.

(٣) قال القرطبي : (وليس يبعد أن تكون نافية ، لأنك إذا حكمت بأنها استفهام فهو نفي خرج مخرج الاستفهام ، كما قال الله تعالى : «هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ» القرطبي ١٣ / ٨٤.

(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٧.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١٧.

(٦) المرجع السابق.

(٧) انظر البغوي ٦ / ٢٠٤.

(٨) وهي قراءة : عبد الله وابن عباس وابن الزبير. انظر المختصر (١٠٥) ، البحر المحيط ٦ / ١٨ ، وقال أبو حيان : (وهو محمول على أنه تفسير ، لا قرآن).

(٩) انظر الكشاف ٤٣ / ١٠٦ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١١٧.

٥٧٩

ونظيره أن يقول الملك لمن استعصى عليه : إن من عادتي (١) أن أحسن إلى من يطيعني (٢) فقد عصيت فسوف ترى ما أحل بك بسبب عصيانك (٣).

قوله : «لزاما» قرىء بالفتح (٤) يعني اللزوم (٥) كالثبات والثبوت (٦).

قال ابن عباس : موتا (٧). وقال أبو عبيدة : هلاكا (٨). وقال ابن زيد : قتالا والمعنى : يكون التكذيب لازما لمن كذب فلا يعطى التوبة حتى يجازى بعمله. وقال ابن جريج : عذابا دائما لازما وهلاكا مفنيا يلحق بعضكم ببعض. قال ابن مسعود وأبيّ بن كعب ومجاهد ومقاتل : هو يوم بدر واتصل بهم عذاب الآخرة لازما لهم (٩). وقال عبد الله بن مسعود : خمس قد مضين الدخان والقمر واليوم والبطشة واللزام : (فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً). روى الثعلبي عن أبيّ بن كعب قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ سورة الفرقان بعثه الله يوم القيامة وهو يؤمن أن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ، ودخل الجنة بغير حساب» (١٠).

تمّ الجزء الرّابع عشر ، ويليه الجزء الخامس عشر

وأوّله : تفسير سورة الشعراء

__________________

(١) في النسختين : عبادتي. والتصويب من الفخر الرازي.

(٢) في النسختين : يعصيني. والتصويب من الفخر الرازي.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١٧.

(٤) وهي قراءة المنهال وأبان بن تغلب وأبي السمال. انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٨.

(٥) وهو مصدر لزم ، ففي اللسان (لزم) : لزم الشيء يلزمه لزما ولزوما ولازمه ملازمة ولزاما.

(٦) في اللسان (ثبت) : ثبت الشيء يثبت ثباتا وثبوتا.

(٧) انظر البغوي ٦ / ٢٠٤.

(٨) مجاز القرآن ٢ / ٨٢.

(٩) انظر البغوي ٦ / ٢٠٤.

(١٠) رواه الثعلبي وابن مردويه من حديث أبيّ ، انظر : الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ١٢٢.

٥٨٠