اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٢

يفعلون (١) فإن قيل : لم قال : (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ) فحكم بذلك على الأكثر دون الكل؟ فالجواب : لأنه كان فيهم من يعرف الله ويعقل الحق إلا أنه ترك الإسلام لحبّ الرياسة لا للجهل (٢). فإن قيل : إنه تعالى لما نفى عنهم السمع والعقل فكيف ذمهم على الإعراض عن الدين ، وكيف بعث الرسول إليهم ، فإن (٣) من شرط التكليف العقل؟ فالجواب : ليس المراد أنهم لا يعقلون بل المراد أنهم لم ينتفعوا بذلك العقل ، فهو كقول الرجل لغيره إذا لم يفهم : إنما أنت أعمى وأصم (٤).

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً)(٤٩)

قوله تعالى (٥) : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) الآية. لما بين جهل المعرضين عن دلائل التوحيد ، وبين فساد طريقهم ذكر أنواعا من الدلائل الدالة على وجود الصانع ، فأولها الاستدلال بحال الظل في زيادته ونقصانه ، وتغير أحواله (٦) قوله : (أَلَمْ تَرَ) فيه وجهان (٧) :

أحدهما : أنه من رؤية العين.

والثاني : أنه من رؤية القلب ، يعني : العلم ، فإن حملناه على رؤية العين ، فالمعنى : ألم تر إلى الظل كيف مده ربّك ، وإن حملناه على العلم وهو اختيار الزجاج (٨) ، فالمعنى : ألم تعلم ، وهذا أولى ، لأن الظل إذا جعلناه من المبصرات فتأثير قدرة الله في تمديده غير مرئي بالاتفاق ولكنه (٩) معلوم من حيث أن كل مبصر فله مؤثر ، فحمل هذا اللفظ على رؤية القلب أولى من هذا الوجه (١٠). وهذا الخطاب وإن (١١) كان ظاهره للرسول فهو عام في المعنى ، لأن المقصود بيان نعم الله تعالى (١٢) بالظل ، وجميع المكلفين مشتركون في تنبيههم لهذه (١٣) النعمة (١٤) و «كيف» منصوبة ب «مدّ» ، وهي

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٨٦ ـ ٨٧.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٨٦.

(٣) في ب : وإن.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٨٧.

(٥) تعالى : سقط من ب.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٨٨.

(٧) في ب : وجهين. وهو تحريف.

(٨) فإنه قال : (والأجود أن يكون بمعنى : ألم تعلم) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٧٠.

(٩) في ب : ولكن هو.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٨٨.

(١١) في ب : إن.

(١٢) تعالى : سقط من ب.

(١٣) في ب : بهذه.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٨٨.

٥٤١

معلقة ل «تر» فهي في موضع نصب (١) ، وقد تقدم القول في (أَلَمْ تَرَ)(٢).

فصل(٣)

الظل عبارة عن عدم الضوء مما شأنه أن يضيء ، وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، جعله ممدودا ، لأنه ظل لا شمس (٤) معه ، كما قال في ظل الجنة (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) [الواقعة : ٣٠] إذ(٥) لم يكن معه شمس (٦) ، (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) دائما ثابتا (٧) لا يزول ولا تذهبه (٨) الشمس(٩).

قال أبو عبيدة : الظل ما نسخته الشمس وهو بالغداة ، والفيء ما نسخ الشمس (٩). سمي فيئا ، لأنه فاء من جانب المغرب إلى جانب المشرق (١٠) ، (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) ، أي : على الظل دليلا ، ومعنى دلالتها عليه أنه لو لم تكن الشمس لما عرفت الظل ، ولو لا النور ما عرف الظلمة ، والأشياء تعرف بأضدادها (١١).

قال الزمخشري : فإن قلت : «ثم» (١٢) في هذين الموضعين كيف موقعها قلت موقعها لبيان تفاضل (١٣) الأمور الثلاث (١٤) ، كأن الثاني أعظم من الأول ، والثالث أعظم منهما تشبيها لتباعد ما بينهما في الفضل بتباعد ما بينهما (١٥) في الوقت (١٦).

قوله : (ثُمَّ قَبَضْناهُ) يعني : الظل (إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) بالشمس التي تأتي عليه ، والقبض جمع المنبسط من الشيء ، معناه : أن الظل يعم جميع الأرض قبل طلوع الشمس ، فإذا طلعت الشمس قبض الله الظل جزءا فجزءا (قَبْضاً يَسِيراً) أي : خفيا (١٧) ، وقيل : المراد من قبضها يسيرا قبضها عند قيام الساعة ، وذلك قبض أسبابها ، وهي الأجرام التي تلقي الظلال (١٨). وقوله : «يسيرا» كقوله: (حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) [ق : ٤٤] قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً) الآية. هذا هو النوع الثاني شبه الليل من حيث يستر الكل ويغطي باللباس الساتر للبدن ، ونبه على (ما لنا فيه) (١٩) من النفع

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٥٠٢ ـ ٥٠٣.

(٢) عند قوله تعالى :«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ»[البقرة : ٢٤٣].

(٣) في ب : قوله.

(٤) في ب : لأنه لا ظل للشمس.

(٥) في ب : ما.

(٦) انظر البغوي ٦ / ١٨٠ ـ ١٨١.

(٧) في ب : ما شاء.

(٨) في ب : ولا يذهب.

(٩) انظر مجاز القرآن ٢ / ٧٥.

(١٠) انظر البغوي ٦ / ١٨١ ، القرطبي ١٣ / ٣٧.

(١١) انظر البغوي ٦ / ١٨١.

(١٢) ثم : سقط من ب.

(١٣) في ب : مفاضل.

(١٤) في الكشاف : الثلاثة.

(١٥) في الكشاف : ما بين الحوادث.

(١٦) الكشاف ٣ / ٩٩.

(١٧) انظر البغوي ٦ / ١٨١.

(١٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٨٨.

(١٩) ما بين القوسين في ب : ما النافية. وهو تحريف.

٥٤٢

بقوله (١) : (وَالنَّوْمَ سُباتاً) والسبات : هو الراحة ، أي : راحة لأبدانكم ، وقطعا لعملكم ، وأصل السبت (٢) : القطع ، والنائم مسبوت ، لأنه انقطع عمله وحركته (٣).

قال أبو مسلم : السبات : الراحة ، ومنه يوم السبت ، لما جرت به العادة من الاستراحة فيه ، ويقال للعليل إذا استراح من تعب العلة مسبوت (٤).

وقال الزمخشري : السبات : الموت ، والمسبوت الميت ، لأنه مقطوع الحياة ، قال : وهذا كقوله : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ)(٥) [الأنعام : ٦٠]. وإنما قلنا إن تفسيره بالموت أولى من تفسيره بالراحة ، لأن النشور في مقابلته. (وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) قال أبو مسلم : هو بمعنى الانتشار والحركة ، كما سمى تعالى نوم (٦) الإنسان وفاة فقال : (يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) [الزمر : ٤٢] كذلك وفق بين القيام من النوم والقيام من الموت في التسمية بالنشور (٧).

قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً) الآية. هذا هو النوع الثالث ، وقد تقدم الكلام على نظيرتها في الأعراف (٨). (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) يعني : المطر ؛ (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) قال الزمخشري : فإن قلت : إنزال الماء موصوفا بالطهارة وتعليله بالإحياء والسقي يؤذن بأن الطهارة شرط في صحة ذلك كما تقول : حملني الأمير على فرس جواد لأصيد عليه الوحش. قلت : لما كان سقي الأناسي من جملة ما أنزل له الماء وصف بالطهارة (٩) إكراما لهم ، وتتميما للمنّة عليهم (١٠).

وطهور : يجوز أن يكون صفة مبالغة منقولا من ظاهر (١١) ، كقوله تعالى : (شَراباً طَهُوراً)(١٢) ، وقال :

٣٨٧٦ ـ إلى رجّح الأكفال غيد من الصّبا

عذاب الثّنايا ريقهنّ طهور (١٣)

وأن يكون اسم ما يتطهر به (١٤) كالسحور لما يتسحّر به ، والفطور لما يتفطّر به ،

__________________

(١) في ب : قوله.

(٢) في ب : السبتا.

(٣) انظر البغوي ٦ / ١٨١ ، الفخر الرازي ٢٤ / ٨٩ ، اللسان (سبت).

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٨٩.

(٥) [الأنعام : ٦٠]. وانظر الكشاف ٣ / ٩٩.

(٦) في ب : يوم. وهو تحريف.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٨٩ ـ ٩٠.

(٨) عند قوله تعالى : «وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ» [الأعراف : ٥٧].

(٩) في الكشاف : وصفه بالطهور.

(١٠) الكشاف ٣ / ١٠٠.

(١١) انظر الكشاف ٣ / ٩٩ ، البحر المحيط ٦ / ٥٠٥.

(١٢) من قوله تعالى : «وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً»[الإنسان : ٢١].

(١٣) البيت من بحر الطويل قاله جميل بن معمر ، وهو في ديوانه (٩٣) القرطبي ١٣ / ٣٠. البحر المحيط ٦ / ٥٠٥ ، اللسان (رجح). رجّح : جمع رجاح وراجح ، وامرأة رجاح. ورجاح : ثقيلة العجيزة من نسوة رجح. الأكفال : جمع كفل ، وهو العجز. غيد : جمع غيداء : وهي المرأة المتثنية من اللين ، وقد تغايدت في مشيها. والشاهد فيه قوله : طهور على وزن فعول. بفتح الفاء صفة مبالغة.

(١٤) انظر الكشاف ٣ / ٩٩ ، البحر المحيط ٦ / ٥٠٥.

٥٤٣

قال عليه‌السلام (١) في البحر : «هو الطّهور ماؤه الحلّ ميتته» (٢) أراد به المطهر ، فالماء مطهر ، لأنه يطهر الإنسان من الحدث والنجاسة ، كما قال في آية آخرى (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) [الأنفال : ١١] فثبت أن التطهير مختص بالماء (٣).

(وذهب أصحاب الرأي إلى أن الطهور هو الطاهر حتى جوزوا إزالة النجاسة بالمائعات الطاهرة كالخل وماء الورد ، والمرق ، ولو جاز إزالة النجاسة بها لجاز رفع الحدث بها (٤). وقال عليه‌السلام : «التّراب طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر حجج» ولو كان معنى الطهور هو الطاهر لكان معناه التراب طاهر للمسلم ، وحينئذ لا ينتظم الكلام ، وكذا قوله عليه الصلاة والسلام : «طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسل سبعا» (٥) ولو كان الطهور هو الطاهر لكان معناه : طاهر (٦) إناء أحدكم ، وحينئذ لا ينتظم الكلام (٧)) (٨).

ويجوز أن يكون مصدرا ك (القبول والولوع) (٩).

وقوله : «لنحيي به» فيه وجهان :

أظهرهما : أنه متعلق بالإنزال. والثاني : وهو صعب أنه متعلق ب (طهور) (١٠).

ووصف «بلدة» ب «ميّت» وهي صفة للمذكر (١١) ، لأنها بمعنى البلد.

قوله : (وَنُسْقِيَهُ) العامة على ضمّ النون ، وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية عنهما وأبو حيوة(١٢) وابن أبي عبلة بفتحها (١٣) ، وقد (١٤) تقدم أنه قرىء بذلك في النحل (١٥) والمؤمنون (١٦) وتقدم الكلام (على ذلك) (١٧).

__________________

(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٢) أخرجه ابن ماجه (صيد) ٢ / ١٠٨١ ، ومالك في الموطأ (صيد) ٢ / ٤٩٥.

(٣) انظر البغوي ٦ / ٨١٨٢

(٤) المرجع السابق.

(٥) أخرجه مسلم (طهارة) ١ / ٢٣٤ ، أبو داود (طهارة) ١ / ٥٧ ، وأحمد ٢ / ٤٢٧ ، ولغ الكلب في الإناء يلغ ولوغا ، أي شرب فيه بأطراف لسانه.

(٦) في ب : طهروا.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٩٠.

(٨) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(٩) عزاه أبو حيان وابن منظور إلى سيبويه. انظر البحر المحيط ٦ / ٥٠٥ ، اللسان (طهر).

(١٠) انظر التبيان ٢ / ٩٨٧.

(١١) في ب : وهو وصف المذكر.

(١٢) في ب : أبو حيان. وهو تحريف.

(١٣) انظر المختصر (١٠٥) تفسير ابن عطية ١١ / ٤٩ ، البحر المحيط ٦ / ٥٠٥.

(١٤) قد : سقط من ب.

(١٥) يشير إلى قوله تعالى : «وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ»[النحل : ٦٦]. وذكر هناك : قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم بضم النون هنا وفي المؤمنون ، والباقون بفتح النون فيهما.

انظر اللباب ٥ / ٢٠٦.

(١٦) يشير إلى قوله تعالى : «وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها» [المؤمنون : ٢١].

(١٧) ما بين القوسين سقط من ب.

٥٤٤

قوله : (مِمَّا خَلَقْنا) يجوز أن يتعلق «من» ب «نسقيه» ، وهي لابتداء الغاية ، ويجوز أن تتعلق بمحذوف على أنها حال من «أنعاما» (١) ، ونكرت الأنعام والأناسي ، (قال الزمخشري) (٢) : لأن علية الناس وجلهم مجتمعون بالأودية (٣) والأنهار ، فيهم غنية عن سقي الماء وأعقابهم وهم كثير منهم لا يعيشهم إلا ما ينزل (٤) الله من رحمته وسقيا (سمائه (٥)) (٦).

قوله : (وَأَناسِيَّ) فيه وجهان :

أحدهما : وهو مذهب سيبويه أنه جمع إنسان ، والأصل إنسان ، وأناسين ، فأبدلت النون ياء ، وأدغمت فيها الياء قبلها نحو ظربان وظرابي (٧).

والثاني : وهو قول الفراء (٨) والمبرد (٩) والزجاج (١٠) أنه جمع إنسي. وفيه نظر ، لأن فعالي إنما يكون جمعا لما فيه ياء مشددة لا تدل على نسب نحو كرسي وكراسي ، فلو أريد ب (كرسي) النسب لم يجز جمعه على كراسي (١١) ، ويبعد أن يقال : إن الياء في

__________________

(١) انظر التبيان ٢ / ٩٨٧.

(٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(٣) في الكشاف : وجلهم فينحون بالقرب من الأودية.

(٤) في ب : ما وينزل.

(٥) الكشاف ٣ / ١٠٠.

(٦) ما بين القوسين في ب : سما.

(٧) قال سيبويه : (وقالوا : أناسية لجمع إنسان) الكتاب ٣ / ٦٢١ ، وقال السيرافي موجها كلام سيبويه : (في هذا الجمع وجهان : أحدهما : أن يجعلوا الهاء عوضا من إحدى ياءي أناسي. وتكون الياء الأولى منقلبة من الألف التي بعد السين ، والثانية من النون. والثاني أن تحذف الألف والنون في إنسان تقديرا ، ويؤتى بالياء التي تكون في تصغيره ، إذا قالوا : أنيسيان ، وكأنهم في الجمع الياء التي يريدونها في التصغير فيصير أناسيّ ، ويدخلون الهاء لتحقيق التأنيث) هامش الكتاب ٣ / ٦٢١.

والفراء جوز هذا الوجه. انظر معاني القرآن ٢ / ٢٩٩ ، ونسب ابن الأنباري هذا الوجه إلى الفراء وضعّفه بقوله : (لأنه لو كان ذلك قياسا لكان يقال في جمع سرحان سراحي ، وذلك لا يجوز) البيان ٢ / ٢٠٦.

ووزن إنسان على مذهب البصريين (فعلان) لأنه مأخوذ من الإنس وعلى مذهب الكوفيين (إفعان) ، لأن أصل إنسان : إنسيان من النسيان وحذف منه الياء لكثرة الاستعمال. الإنصاف ٢ / ٨٠٩ ـ ٨١٢.

(٨) جوز الفراء الوجهين ، قال : (وقوله : «وَأَناسِيَّ كَثِيراً» واحدهم إنسيّ وإن شئت جعلته إنسانا ثم جمعته أناسي فتكون الياء عوضا من النون) معاني القرآن ٢ / ٢٦٩.

(٩) قال المبرد : أناسية جمع إنسية ، والهاء عوض من الياء المحذوفة ، لأنه كان يجب أناسين بوزن زناديق وفرازين ، وأن الهاء في زنادقة وفرازنة إنما هي بدل من الياء ، وأنها لما حذفت للتخفيف عوضت منها الهاء. اللسان (أنس).

(١٠) جوز الزجاج الوجهين قال : (وقوله : «وَأَناسِيَّ كَثِيراً» أناسي جمع إنسيّ مثل كرسي وكراسي ، ويجوز أن يكون جمع إنسان وتكون الياء بدلا من النون ، الأصل أناسين بالنون مثل سراحين) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٧١.

(١١) فعاليّ من أمثلة جميع الكثرة ، وهو يطرد في كل اسم ثلاثي ساكن العين مزيد آخره ياء مشددة لغير تحديد نسب نحو كرسيّ وكراسي ، وكركيّ وكراكي ف (أناسي) جمع إنسان لا إنسيّ ، وأصله أناسين ـ

٥٤٥

إنسيّ ليست للنسب (١) ، وكان حقه أن يجمع على (أناسية) نحو مهالبة في المهلبي ، وأزارقة في الأزرقي(٢). وقرأ يحيى بن الحارث الذماري (٣) والكسائي (٤) في رواية «وأناسي» بتخفيف الياء (٥). قال الزمخشري : بحذف ياء أفاعيل ، كقولك (أناعم في أناعيم (٦)) (٧). قال الزمخشري : فإن قلت : لم قدم إحياء الأرض وسقي الأنعام على سقي الأناسي. قلت : لأن حياة الأناسي بحياة أرضهم وحياة أنعامهم ، فقدم ما هو سبب حياتهم ، ولأنهم إذا ظفروا بسقيا أرضهم ، وسقي أنعامهم لم يعدموا سقياهم(٨) فإن قيل : لم خص الإنسان والأنعام هاهنا بالذكر دون الطير والوحش مع انتفاع الكل بالماء؟ فالجواب : لأن الطير والوحش تبعد في طلب الماء فلا يعوزها الشرب بخلاف الأنعام ، لأن حوائج الأناسي ومنافعهم متعلقة بها فكان (٩) الإنعام عليهم (بسقي أنعامهم كالإنعام عليهم) (١٠) بسقيهم (١١). وقال : (أَناسِيَّ كَثِيراً) ولم يقل : كثيرين ، لأنه قد جاء فعيل مفردا ويراد به الكثرة كقوله : (وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً) [الفرقان : ٣٨] (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً)(١٢) [النساء : ٦٩].

قوله تعالى : (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٥٠) وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً)(٥٢)

قوله تعالى : (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ) في هذه الهاء ثلاثة أوجه :

أحدها : قال الجمهور : إنها ترجع إلى المطر ، ثم هؤلاء قال بعضهم : (المعنى صرفنا نزول الماء من وابل ، وطل وجود وطشّ ، ورذاذ ، وغير ذلك (١٣).

__________________

ـ فأبدلوا النون ياء كما قالوا : ظربان : ظرابي وفي ذلك قال ابن مالك :

واجعل فعاليّ لغير ذي نسب

جدّد كالكرسيّ تتّبع العرب

انظر شرح الأشموني ٤ / ١٤٤ ـ ١٤٥.

(١) في ب : في النسي للنسب.

(٢) وذلك أن التاء تلحق الجمع الأقصى لزوما إذا كان المفرد منسوبا ، لتكون التاء عوضا عن ياء النسب كقولهم : أشاعثة ومغاربة جمع أشعثي ومغربي وجواز إذا كان المفرد أعجميا معربا كطيالسة وجوارية جمع طيلس وجورب أو تعويضا عن ياء فعاليل كزنادقة في زناديق ، أو تأكيدا لمعنى الجمع كتاء ملائكة. انظر التبيان في تصريف الأسماء ١٦٢ ـ ١٦٣.

(٣) تقدم.

(٤) في ب : راوي الكسائي.

(٥) انظر المختصر (١٠٥) والبحر المحيط ٦ / ٥٠٥.

(٦) الكشاف ٣ / ١٠٠.

(٧) ما بين القوسين في ب : أناغم وأناغيم.

(٨) انظر الكشاف ٣ / ١٠٠.

(٩) في ب : وكان.

(١٠) ما بين القوسين سقط من ب.

(١١) انظر الكشاف ٣ / ١٠٠ ، الفخر الرازي ٢٤ / ٩١.

(١٢) [النساء : ٦٩]. وانظر الفخر الرازي ٢٤ / ٩١.

(١٣) انظر الكشاف ٣ / ١٠٠.

٥٤٦

وقال بعضهم) (١) : «صرّفناه» أي : أجريناه في الأنهار حتى انتفعوا بالشرب وبالزراعات (٢) وأنواع المعاش به. وقال آخرون : معناه : أنه تعالى ينزله في مكان (دون مكان) (٣) في عام ثم في العام الثاني يقع بخلاف ما وقع في العام الأول ، قال ابن عباس : ما عام بأكثر من عام ، ولكن الله يصرفه في الأرض. ثم قرأ هذه الآية.

وروى ابن مسعود عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : «ما من عام بأمطر من عام ولكن إذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم فإذا عصوا جميعا صرف الله ذلك إلى الفيافي».

الثاني : قال أبو مسلم : الضمير راجع إلى المطر والسحاب والإظلال وسائر ما ذكره الله من الأدلة.

الثالث : أي (٤) هذا القول صرفناه بين الناس في القرآن وفي سائر الكتب والصحف التي أنزلت على الرسل ، وهو ذكر إنشاء (٥) السحاب ، وإنزال المطر ليتفكروا ويستدلوا به على الصانع (٦).

وقرأ عكرمة : «صرفناه» بتخفيف (٧) الراء (٨). وقيل : التصريف راجع إلى الريح.

«ليذكروا» ويتفكروا في قدرة الله تعالى (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) جحودا ، وكفرانهم هو أنهم إذا أمطروا قالوا : أمطرنا بنوء كذا ، روى زيد بن خالد الجهني (٩) قال : صلى لنا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس فقال : «هل تدرون ما قال ربكم» قالوا : الله ورسوله أعلم «قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي وكافر بالكواكب ، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب» (١٠).

فصل

قال الجبائي : قوله : «ليذّكّروا» يدل على أنه تعالى يريد من الكل أن يذكروا ويشكروا ، ولو أراد أن يكفروا أو يعرضوا لما صح ذلك ، وذلك يبطل قول من قال : إن

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(٢) في ب : وبالزراعات وغير ذلك.

(٣) دون مكان : سقط من ب.

(٤) في ب : أن.

(٥) في ب : إفشاء.

(٦) قال ابن الخطيب : والوجه الأول أقرب ، لأنه أقرب المذكورات إلى الضمير. انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٩٨ ـ ٩٩.

(٧) في ب : بتضعيف. وهو تحريف.

(٨) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٥٠ ، البحر المحيط ٦ / ٥٠٦.

(٩) زيد بن خالد الجهني أبو عبد الرحمن ، ويقال : أبو طلحة المدني ، روى عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وعن عثمان ، وأبي طلحة ، وعائشة ، وعنه ابناه خالد وأبو حرب ومولاه أبو عمرة وغيرهم ، مات سنة ٧٨ ه‍. تهذيب التهذيب ٣ / ٤١٠ ـ ٤١١.

(١٠) أخرجه أبو داود (طب) ٤ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨ ، ومالك في الموطأ (استسقاء) ١ / ١٩٢.

٥٤٧

الله مريد لكفر من يكفر قال : ودلّ (١) قوله : (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) على قدرتهم على فعل هذا التذكر ؛ إذ لو لم يقدروا لما جاز أن يقال : أبوا أن يفعلوه ، كما لا يقال في الزمن أبى أن يسعى (٢).

وقال الكعبي : قوله : «ولقد صرّفناه بينهم ليذّكّروا» (حجة على من زعم أن القرآن وبال على الكافرين ، وأنه لم يرد بإنزاله أن يؤمنوا ، لأن قوله : «ليذّكّروا») (٣) عامّ في الكل ، وقوله تعالى : (أَكْثَرُ النَّاسِ) يقتضي أن يكون هذا (٤) الأكثر داخلا في ذلك العام ، لأنه لا يجوز أن يقال أنزلناه على قريش ليؤمنوا فأبى أكثر بني تميم إلا كفورا. والجواب قد تقدم مرارا (٥).

قوله تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً) رسولا ينذرهم ، والمراد من ذلك تعظيم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من وجوه :

أحدها : أنه تعالى بين أنه مع القدرة على بعثه نذيرا ورسولا في كل قرية خصه بالرسالة وفضّله بها على الكل ، ولذلك أتبعه بقوله : (فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) أي : لا توافقهم. وثانيها : المراد : ولو شئنا لخففنا عنك أعباء الرسالة إلى كل العالمين و «لبعثنا في كلّ قرية نذيرا» ولكنا قصرنا الأمر عليك وأجللناك وفضلناك على سائر الرسل ، فقابل هذا الإجلال بالتشدّد (٦) في الدين.

وثالثها : أن الآية تقتضي مزج اللطف بالعنف ، لأنها تدل على القدرة على أن يبعث في كل قرية نذيرا مثل محمد ، وأنه لا حاجة بالحضرة الإلهية إلى محمد البتة.

وقوله : (وَلَوْ شِئْنا) يدل على أنه تعالى لا يفعل ذلك (٧). والمعنى : ولكن بعثناك إلى القرى كلها وحمّلناك ثقل نذارة (٨) جميعها لتستوجب بصبرك عليه ما أعتدنا لك من الكرامة والدرجة الرفيعة (٩). (فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) فيما يدعونك إليه من موافقتهم وهذا يدل على أن النهي عن الشيء لا يقتضي كون المنهي عنه مشتغلا به (١٠).

قوله : (وَجاهِدْهُمْ بِهِ) أي : بالقرآن (١١) ، أو بترك الطاعة المدلول عليه بقوله : «فلا تطع» ، أو بما دل عليه «ولو شئنا لبعثنا في كلّ قرية نذيرا» من كونه نذير كافة القرى ، أو بالسيف (١١).

والأقرب الأول ؛ لأن السورة مكية ، والأمر بالقتال ورد بعد الهجرة بزمان ، فالمراد

بذل الجهد في الدعاء جهادا كبيرا شديدا.

__________________

(١) في ب : ويدل.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٩٩.

(٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(٤) هذا : سقط من ب.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٩٩.

(٦) في ب : بالتشديد. وهو تصحيف.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٩٩.

(٨) نذارة : سقط من ب.

(٩) انظر البغوي ٦ / ١٨٥.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٠.

(١١) انظر القرطبي ١٣ / ٥٨.

٥٤٨

قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً)(٥٣)

قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) الآية. هذا النوع الرابع. في «مرج» قولان :

أحدهما : بمعنى خلط ومرج ، ومنه مرج الأمر أي : اختلط قاله ابن عرفة (١١).

وقيل : «مرج» أجرى (١) ، وأمرج لغة فيه (٢).

(و) (٣) قيل : مرج لغة الحجاز ، وأمرج لغة نجد (٤) ، وفي كلام بعض الفصحاء : بحران أحدهما بالآخر ممروج ، وماء العذب منهما بالأجاج ممزوج (٥). وقيل : أرسلهما في مجاريهما وخلّاهما كما ترسل الخيل في المرج قاله ابن عباس (٦).

وأصل المرج الخلط والإرسال يقال : مرجت الدابة وأمرجتها إذا أرسلتها في المرعى وخليتها تذهب حيث تشاء (٧).

قوله : «هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج» هذه الجملة لا محل لها ، لأنها مستأنفة (٨) جواب لسؤال مقدر كأن قائلا قال : كيف مرجهما؟ فقيل : هذا عذب وهذا ملح.

ويجوز على ضعف أن تكون حالية (٩). والفرات : المبالغ في الحلاوة (١٠) ، والتاء فيه أصلية لام الكلمة ، ووزنه فعال (١١). وبعض العرب يقف عليها هاء ، وهذا كما تقدم في التابوت (١٢). ويقال : سمي الماء الحلو فراتا ، لأنه يفرت العطش أي : يشقه ويقطعه والأجاج : المبالغ في الملوحة ، وقيل : في الحرارة ، وقيل في المرارة (١٣). وهذا من أحسن المقابلة (١٤) ، حيث قال تعالى : (عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) وأنشد بعضهم :

__________________

(١١) انظر التبيان ٢ / ٩٨٨.

(١) نسب القرطبي ذلك إلى ثعلب ١٣ / ٥٨.

(٢) قال الأخفش : ويقول قوم : أمرج البحرين مثل مرج البحرين ، فعل وأفعل بمعنى. انظر اللسان (مرج) والقرطبي ١٣ / ٥٨.

(٣) و : تكملة ليست في المخطوط.

(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٧٨.

(٥) انظر الكشاف ٣ / ١٠١.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٠.

(٧) انظر البغوي ٦ / ١٨٥ ، اللسان (مرج).

(٨) في ب : لأنه مستأنف.

(٩) في ب : عالية. وهو تحريف.

(١٠) الفرات : أشد الماء عذوبة ، وفي التنزيل العزيز : «هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج» وقد فرت الماء يفرت فروتة إذا عذب فهو فرات. اللسان (فرت).

(١١) انظر التبيان ٢ / ٩٨٨.

(١٢) يشير إلى قوله تعالى : «وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ» [البقرة : ٢٤٨].

(١٣) انظر اللسان (أجج).

(١٤) المقابلة من المحسنات البديعية ، وهو أن يؤتى بمعنيين متوافقين ، أو معان متوافقة ، ثم بما يقابلهما أو يقابلها على الترتيب. انظر الإيضاح ٣٥٣.

٥٤٩

٣٨٧٧ ـ فلا والله لا أنفكّ أبكي

(إلى أن نلتقي شعثا عراتا) (١)

أألحى إن نزحت أجاج عيني

على جدث حوى العذب الفراتا (٢)

ما أحسن ما كنى عن دمعه بالأجاج ، وعن المبكي عليه بالعذب الفرات وكان سبب إنشاد هذين البيتين (٣) أن بعضهم لحن قائلهما (٤) في قوله : عراتا (٥). كيف يقف على تاء التأنيث المنونة بالألف؟ فقيل له : إنها لغة مستفيضة يجعلون التاء كغيرها فيبدلون تنوينها بعد الفتح ألفا ، حكي عن العرب أكلت تمرتا نحو أكلت زيتا (٦). وقرأ طلحة وقتيبة (٧) عن الكسائي «ملح» بفتح الميم وكسر اللام (٨) ، وكذا في سورة فاطر (٩) ، وهو مقصور من (مالح) كقولهم : برد في بارد ، قال :

٣٨٧٨ ـ وصليانا (١٠) بردا (١١)

وماء مالح لغة شاذة (١٢). وقال أبو حاتم : هذه قراءة منكرة (١٣).

قوله : (بَيْنَهُما بَرْزَخاً) يجوز أن يكون الظرف متعلقا بالجعل ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من «برزخا» (١٤).

والأول أظهر. ومعنى «برزخا» أي : حاجزا بقدرته لئلا يختلط أحدهما بالآخر (١٥).

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من ب.

(٢) البيتان من بحر الوافر ، لم أهتد إلى قائلهما ، وهما في الدر المصون ٥ / ١٤١ (مخطوط) والشاهد فيهما أن الوقف على تاء التأنيث بالألف لغة فاشية ، وأنّ هذا الذي قاله الشاعر ليس بلحن.

(٣) في ب : هذا البيت.

(٤) في ب : قائلة.

(٥) في ب : فراتا.

(٦) إذا كان الاسم مؤنثا بالهاء نحو رأيت قائمة ، فإنك لا تبدل عند الوقف عليه من التنوين فيه ألفا ، هذا على الأعرف من لسان العرب ، وهم الذين يقفون بابدال التاء هاء ، وأما من يقف بالتاء ، وهم بعض العرب ، وهي لغة فاشية حكاها أبو الخطاب ، فإنه يبدل من التنوين ألفا ، فيقولون : رأيت قائمتا.

وخرج بالمؤنث بالهاء المؤنث بالتاء نحو بنت وأخت فإنه يبدل فيه التنوين ألفا كغير المؤنث نحو رأيت بنتا وأختا. انظر الهمع ٢ / ٢٠٥ ، وانظر أيضا الدر المصون ٥ / ١٤١.

(٧) هو قتبية بن مهران ، أبو عبد الرحمن الأزاذاني إمام مقرىء ثقة ، أخذ القراءة عرضا وسماعا عن الكسائي ، وسليمان بن مسلم بن جماز وغيرهما ، وروى القراءة عنه عرضا وسماعا يونس بن حبيب وغيره ، مات بعد المائتين من الهجرة. طبقات القراء ٢ / ٢٦ ـ ٢٧.

(٨) المختصر (١٠٥) ، المحتسب ٢ / ١٢٤ ، البحر المحيط ٦ / ٥٠٧.

(٩) في قوله تعالى : «وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ» من الآية (١٢).

(١٠) في ب : وصلنا ما. وهو تحريف.

(١١) رجز لم أهتد إلى قائله. وقد تقدم.

(١٢) انظر اللسان (ملح) ، ووجه الشذوذ أنه لم يوصف إلا بالمصدر. البحر المحيط ٦ / ٥٠٧.

(١٣) انظر المحتسب ٢ / ١٢٤ ، البحر المحيط ٦ / ٥٠٧.

(١٤) انظر التبيان ٢ / ٩٨٨.

(١٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٠ ، القرطبي ١٣ / ٥٩.

٥٥٠

قوله : (وَحِجْراً مَحْجُوراً) الظاهر عطفه على «برزخا» (١).

وقال الزمخشري : (فإن قلت : (حِجْراً مَحْجُوراً)) (٢) ما معناه؟ قلت هي الكلمة التي يقولها المتعوّذ ، وقد فسرناها ، وهي هنا واقعة على سبيل المجاز ، كأن واحدا من البحرين يقول لصاحبه : حجرا محجورا كأنه يتعوذ من صاحبه ويقول له : حجرا محجورا. كما قال : «لا يبغيان» (٣). وهي من أحسن الاستعارات (٤).

فعلى ما قاله يكون منصوبا بقول مضمر (٥). فإن قيل : لا وجود للبحر العذب ، فكيف ذكره الله تعالى هنا؟ لا يقال : هذا مدفوع من وجهين :

أحدهما : أن المراد منه الأودية العظام كالنيل وجيحون (٦).

الثاني : لعله حصل في البحار موضع يكون أحد جانبيه عذبا والآخر ملحا ، لأنا نقول : أما الأول فضعيف ، لأن هذه الأودية ليس فيها ماء ملح ، والبحار ليس فيها ماء عذب ، فلم يحصل البتة موضع التعجب وأما الثاني فضعيف ؛ لأن موضع الاستدلال لا بد وأن يكون معلوما ، وأما بمحض التجويز فلا يحسن الاستدلال.

فالجواب (٧) : أنا نقول : المراد من البحر العذب هذه الأودية ومن البحر الأجاج البحار الكبار. (وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً) أي : حائلا (٨) من الأرض ، ووجه الاستدلال هاهنا أن العذوبة والملوحة إن كانت بسبب طبيعة الأرض والماء ، فلا بد من الاستواء ، وإن لم يكن كذلك فلا بد من قادر حكيم يخص كل واحد من الأجسام بصفة خاصة (٩). ويمكن الجواب بطريق آخر ، وهو أنا رأينا نيل مصر داخلا في بحر ملح أبيض لونه مغاير للون بحر الملح ، ولا يختلط به ويؤخذ منه ويشرب.

قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً)(٥٤)

قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً) الآية.

هذا نوع خامس ، وفي هذا الماء قولان :

أحدهما : أنه النطفة ، والثاني : أنه الماء الذي تسقى به الأرض فيتولد منه (١٠) الأغذية ، ويتولد من الأغذية النطفة ، كما تقدم في قوله : (وَجَعَلْنا (١١) مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)(١٢).

__________________

(١) نقله أبو حيان عن الحوفي. انظر البحر المحيط ٦ / ٥٠٧.

(٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(٣) من قوله تعالى : «بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ» [الرحمن : ٢٠].

(٤) انظر الكشاف ٣ / ١٠١.

(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٥٠٧.

(٦) في اللسان (جحن) : الجوهري : جيحون نهر بلخ ، وهو فيعول. وجيحان نهر بالشام. قال ابن بري : يحتمل أن يكون وزن جيحون فعلول مثل زيتون وحمدون.

(٧) في ب : والمراد.

(٨) في ب : حاجزا.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٠ ـ ١٠١.

(١٠) في ب : منها.

(١١) في ب : وخلقنا.

(١٢) [الأنبياء : ٣٠]. وانظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠١.

٥٥١

قوله : «من الماء» يجوز أن يكون متعلقا (١) ب «خلق» وأن يتعلق بمحذوف حالا من ماء ، و «من» لابتداء الغاية ، أو للتبعيض.

قوله : (فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) أي : جعله ذا نسب وصهر قال الخليل : لا يقال لأهل بيت المرأة إلا أصهار (٢) ، ولا لأهل بيت الرجل إلا أختان. قال : ومن العرب من يطلق الأصهار على الجميع(٣). وهذا هو الغالب.

وقيل : النسب ما لا يحل نكاحه ، والصهر ما يحل نكاحه ، والنسب ما يوجب الحرمة ، والصهر ما لا يوجبها. والصحيح أن النسب من القرابة والصهر الخلطة التي تشبه القرابة وهو النسب المحرم للنكاح(٤) ، وقد تقدم أن الله تعالى حرم بالنسب سبعا وبالسبب سبعا في قوله عزوجل : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ)(٥) [النساء : ٢٣] (وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) حيث خلق من النطفة نوعين من البشر الذكر (٦) والأنثى (٧).

قوله تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (٥٥) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (٥٦) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٥٧) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً) (٥٨)

قوله تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) الآية. لما ذكر دلائل التوحيد عاد إلى تهجين سيرتهم فقال (وَيَعْبُدُونَ) أي : هؤلاء المشركون (ما لا يَنْفَعُهُمْ) إن عبدوه (وَلا يَضُرُّهُمْ) إن تركوه ، (وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) أي : معينا للشيطان على ربه بالمعاصي (٨). قال الزجاج : يعاون الشيطان على معصية الله ، لأن عبادتهم الأصنام معاونة للشيطان (٩). فإن قيل كيف يصح في الكافر أن يكون معاونا للشيطان على ربه بالعداوة. فالجواب أنه تعالى ذكر نفسه وأراد رسوله فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ)(١٠) [الأحزاب : ٥٧]. وقيل معناه : وكان (١١) الكافر على ربه هينا ذليلا ، كما يقول الرجل لمن يستهين به : جعلني بظهر ، أي : جعلني هينا ، ويقال : ظهرت به : إذا جعلته خلف ظهرك ، كقوله : (وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا)(١٢) [هود : ٩٢].

__________________

(١) في ب : يتعلق.

(٢) في ب : إلا وأصهار.

(٣) انظر معجم العين (هصر) ٣ / ٤١١ ، (ختن) ٤ / ٢٣٨.

(٤) انظر البغوي ٦ / ١٨٦.

(٥) [النساء : ٢٣]. انظر البغوي ٦ / ١٨٦. واللسان (صهر).

(٦) في ب : والذكر. وهو تحريف.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠١.

(٨) انظر البغوي ٦ / ١٨٦ ـ ١٨٧.

(٩) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٧٣.

(١٠) من قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً» [الأحزاب : ٥٧]. وانظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٢.

(١١) في ب : وكما أن. وهو تحريف.

(١٢) [هود : ٩٢]. وانظر القرطبي ١٣ / ٦١.

٥٥٢

قال (١) أبو مسلم : وقياس العربية أن يقال : مظهورا ، أي : مستخف به متروك وراء الظهر ، فقيل فيه : ظهير بمعنى مظهور ، ومعناه : هين على الله أن يكفر الكافر ، وهو تعالى مستهين بكفره (٢).

والمراد بالكافر قيل : أبو جهل ، لأن الآية نزلت فيه. والأولى (٣) حمله على العموم لأن خصوص السبب لا يقدح في عموم اللفظ (٤). قيل : ويجوز أن يريد بالظهير (٥) الجماعة كقوله : (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) [التحريم : ٤] كالصديق والخليط ، فعلى هذا يكون المراد بالكافر الجنس ، وأن بعضهم مظاهر لبعض على إطفاء نور الله قال تعالى : (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ)(٦) [الأعراف : ٢٠٢].

قوله : (عَلى رَبِّهِ) يجوز أن يتعلق ب «ظهيرا» ، وهو الظاهر ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه خبر «كان» و «ظهيرا» حال (٧) ، والظهير المعاون (٨).

قوله : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً) أي : منذرا ، ووجه (٩) تعلقه بما تقدم أن الكفار يطلبون العون على الله ورسوله والله تعالى بعث رسوله لنفعهم ، لأنه بعثه (١٠) ليبشرهم على الطاعة و (١١) ينذرهم على المعصية ، فيستحقوا الثواب ، ويحترزوا عن العقاب فلا جهل أعظم من جهل من استفرغ جهده في إيذاء شخص استفرع جهده في إصلاح مهماته دينا ودنيا ، ولا يسألهم على ذلك ألبتة (١٢) أجرا (١٣).

قوله : (إِلَّا مَنْ شاءَ) فيه وجهان :

أحدهما : هو منقطع ، أي : لكن من يشاء (أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) فليفعل (١٤).

والثاني : أنه متصل على حذف مضاف ، يعني : إلا أجر من ، أي : الأجر الحاصل على دعائه إلى الإيمان وقبوله ، لأنه تعالى يأجرني (١٥) على ذلك. حكاه أبو حيان (١٦) وفيه نظر ، لأنه لم يسند السؤال المنفي في الظاهر إلى الله تعالى إنما أسنده إلى المخاطبين فكيف يصح هذا التقدير.

فصل

المعنى : ما أسألكم على تبليغ الوحي من أجر ، فتقولوا إنما يطلب محمد أموالنا بما يدعونا إليه فلا نتبعه (١٧).

__________________

(١) في الأصل : قاله.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٢.

(٣) في الأصل : والأول. وهو تحريف.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٢.

(٥) في ب : بالظهر.

(٦) [الأعراف : ٢٠٢]. وانظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٢.

(٧) انظر التبيان ٢ / ٩٨٨.

(٨) انظر الكشاف ٣ / ١٠١.

(٩) في ب : ووجه تعلقها.

(١٠) في ب : بعثهم.

(١١) و : سقط من ب.

(١٢) في ب : البتة على ذلك.

(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٢.

(١٤) انظر إعراب القرآن للنحاس ٣ / ١٦٤ ـ ١٦٥ ، البيان ٢ / ٢٠٦.

(١٥) في ب : يؤجرني.

(١٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٥٠٨.

(١٧) انظر البغوي ٦ / ١٨٧.

٥٥٣

وقوله : (إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) استثناء منقطع معناه : لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا بإنفاق ماله في سبيله فعل ذلك (١).

والمعنى : لا أسألكم لنفسي أجرا ، ولكن لا أمنع من إنفاق المال في طلب مرضاة الله واتخاذ السبيل إلى جنته (٢).

قوله (٣) : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) الآية (٤). لما تبين أن الكفار يتظاهرون على إيذائه ، وأمره أن لا يطلب منهم أجرا ، أمره بأن يتوكل عليه في دفع جميع المضار ، وفي جلب جميع المنافع ، وإنما قال : (عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) ، لأن من توكل على الحي الذي يموت (٥) فإذا مات المتوكّل عليه صار المتوكّل ضائعا ، وأما الله تعالى فهو حي لا يموت فلا يضيع المتوكّل عليه (٦).

(وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) قيل : المراد بالتسبيح الصلاة. وقيل : قل (٧) سبحان الله والحمد لله (٨). «وكفى به بذنوب عباده بصيرا» عالما ، وهذه كلها يراد بها المبالغة ، يقال كفى بالعلم جمالا ، وكفى بالأدب مالا وهو بمعنى حسبك ، أي لا يحتاج معه إلى غيره ، لأنه خبير بأحوالهم قادر على مكافأتهم وهذا وعيد شديد (٩).

قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (٥٩) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً)(٦٠)

قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) الآية. لما أمر الرسول بأن يتوكل عليه وصف نفسه بأمور منها : أنه حي لا يموت ، وأنه عالم بجميع المعلمات بقوله (١٠)(وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً)(١١) ومنها أنه قادر على كل الممكنات ، وهو قوله : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) وهذا متصل بقوله : (الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ)(١١) لأنه سبحانه لما كان خالقا للسموات والأرض ولكل ما بينهما ثبت أنه القادر على جميع المنافع ودفع المضار ، وأن النعم كلها من جهته فحينئذ لا يجوز التوكل إلا عليه (١٢). و (الَّذِي خَلَقَ) يجوز أن يكون مبتدأ ، و «الرّحمن» خبره (١٣) ، وأن يكون خبر مبتدأ مقدر ، أي : هو الذي

__________________

(١) المرجع السابق.

(٢) انظر البغوي ٦ / ١٨٧ ـ ١٨٨.

(٣) في ب : قوله تعالى.

(٤) الآية : سقط من الأصل.

(٥) في ب : لا يموت.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٣.

(٧) في ب : بل.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٣.

(٩) المرجع السابق.

(١٠) في ب : فهو له. وهو تحريف.

(١١) من الآية السابقة.

(١١) من الآية السابقة.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٣.

(١٣) انظر الكشاف ٣ / ١٠٢ ، البيان ٢ / ٢٠٧ ، التبيان ٢ / ٩٨٩ ، البحر المحيط ٦ / ٥٠٨.

٥٥٤

خلق (١) ، وأن يكون منصوبا بفعل مضمر (٢) ، وأن يكون صفة للحي الذي لا يموت (٣) ، أو بدلا ، أو بيانا هذا على قراءة «الرحمن» بالرفع ومن قرأه بالجر (٤) فيتعين أن يكون (الَّذِي خَلَقَ) صفة للحي فقط (٥).

قوله : (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) فيه (٦) سؤال ، وهو أن الأيام عبارة عن حركة الشمس في السموات فقيل السموات لا أيام (٧) ، فكيف قال : خلقها في ستة أيام؟

والجواب : في مدة مقدارها (هذه المدة) (٨) ، لا يقال : الشيء الذي يتقدر بمقدار محدود ويقبل الزيادة والنقصان والتجزئة (٩) لا يكون عدما محضا بل لا بد وأن يكون موجودا فيلزم من وجوده وجود مدة قبل وجود العالم وذلك (١٠) يقتضي قدم الزمان ، لأنا نقول : هذا معارض بنفس الزمان ، لأن المدة المتوهمة المحتملة لعشرة أيام لا تحتمل بخمسة أيام والمدة المتوهمة المحتملة لخمسة أيام لا تحتمل عشرة أيام فيلزم أن يكون للمدة مدة أخرى ، فلما لم يلزم من هذا قدم الزمان لم يلزم ما قلتموه ، وعلى هذا نقول (١١) لعل الله سبحانه خلق المدة أولا ثم خلق السموات والأرض فيها بمقدار ستة أيام. وقيل : في ستة أيام من أيام الآخرة كل يوم مقداره ألف سنة. وهو بعيد ، لأن التعريف لا بد وأن يكون بأمر معلوم لا بأمر مجهول (١٢). فإن قيل : لم قدر الخلق والإيجاد بهذا المقدار؟

فالجواب على قول أهل السنة المشيئة والقدرة كافية للتخصيص ، وقالت المعتزلة : لا بد وأن يكون من حكمة وهو أن التخصيص بهذا المقدار أصلح ، وهذا بعيد لوجهين :

الأول : أن حصول تلك الحكمة إما أن يكون واجبا لذاته أو جائزا ، فإن كان واجبا وجب أن لا يتغير فيكون حاصلا في كل الأزمنة فلا يصلح أن يكون سببا لزمان معين ، وإن كان جائزا افتقر حصول تلك الحكمة في ذلك الوقت إلى مخصص آخر ، ولزم التسلسل.

والثاني : أن التفاوت بين كل واحد مما لا يصل إليه خاطر المكلف وعقله فحصول ذلك التفاوت لما لم يكن مشعورا به كيف يقدح في حصول المصالح (١٣).

__________________

(١) انظر التبيان ٢ / ٩٨٩ ، البحر المحيط ٦ / ٥٠٨.

(٢) تقديره : أعني. المرجعان السابقان.

(٣) فيكون في موضع جر. انظر البحر المحيط ٦ / ٥٠٨.

(٤) وهي قراءة زيد بن علي بن الحسين. انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٥٩ البحر المحيط ٦ / ٥٠٨.

(٥) لئلا يفصل بين النعت ومنعوته بأجنبي. انظر البحر المحيط ٦ / ٥٠٨.

(٦) فيه : سقط من ب.

(٧) في ب : لا أيام في.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) في ب : فالتجزئة.

(١٠) في ب : والذي.

(١١) في ب : نقول.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٣ ـ ١٠٤.

(١٣) المرجع السابق ٢٤ / ١٠٤.

٥٥٥

واعلم أنه يجب على المكلف سواء كان على قولنا أو على قول المعتزلة أن يقطع الطمع عن أمثال هذه الأسئلة ، فإنه بحر لا ساحل له ، كتقدير ملائكة النار بتسعة عشر ، وحملة العرش بثمانية ، والسموات بالسبع ، وعدد الصلوات ، ومقادير النصب في الزكوات ، وكذا الحدود ، والكفارات ، فالإقرار بكل ما قال الله حق هو الدين ، والواجب ترك البحث عن هذه الأشياء ، وقد نص الله على ذلك في قوله تعالى : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) [المدثر : ٣١] ثم قال : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدثر : ٣١] ، وهو الجواب أيضا في أنه لم لم يخلقها في لحظة وهو قادر على ذلك. وعن سعيد بن جبير : إنما خلقها في ستة أيام وهو يقدر أن يخلقها في لحظة تعليما لخلقه الرفق والتثبت. وقيل : ثم خلقها في يوم الجمعة فجعله الله عيدا للمسلمين (١).

قوله : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) لا يجوز حمله على الاستيلاء والقدرة ؛ لأن أوصاف الله لم تزل ، فلا يصح دخول «ثمّ» فيه. ولا على الاستقرار ، لأنه يقتضي التغيير الذي هو دليل الحدوث ، ويقتضي التركيب ، وكل ذلك على الله محال ، بل المراد أنه خلق العرش ورفعه (٢).

فإن قيل : يلزم أن يكون خلق العرش بعد خلق السموات وليس كذلك لقوله تعالى : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ)(٣) [هود : ٧].

فالجواب : كلمة «ثمّ» ما دخلت على خلق العرش بل على رفعه على السموات (٤).

قوله : «الرّحمن» قرأ العامة بالرفع ، وفيه أوجه :

أحدها : أنه خبر «الّذي» (٥) ، أو خبر مبتدأ مضمر ، أي : الرحمن (٦) ، ولهذا أجاز الزجاج(٧) وغيره (٨) الوقف على العرش ثم يبدأ الرحمن ، أي : هو الرحمن الذي لا ينبغي السجود والتعظيم إلا له ، أو يكون بدلا من الضمير في «استوى» (٩) أو يكون مبتدأ وخبره

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٤.

(٢) المرجع السابق.

(٣) من قوله تعالى : «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» [هود : ٧].

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٤ ـ ١٠٥.

(٥) تقدم قريبا.

(٦) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٧٣ ، إعراب القرآن للنحاس ٣ / ١٦٥ ، الكشاف ٣ / ١٠٢ ، البيان ٢ / ٢٠٧ ، التبيان ٢ / ٩٨٩ ، البحر المحيط ٦ / ٥٠٨.

(٧) انظر معاني القرآن وإعرابه للزّجاج.

(٨) وهو أبو البقاء. انظر التبيان ٢ / ٩٨٩.

(٩) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٧٣ ، إعراب القرآن للنحاس ٣ / ١٦٥ ، الكشاف ٣ / ١٠٢ ، البيان ٢ / ٢٠٧ ، التبيان ٢ / ٩٨٩.

٥٥٦

الجملة من قوله «فاسأل» (١) على رأي الأخفش (٢) كقوله :

٣٨٧٩ ـ وقائلة خولان فانكح فتاتهم (٣)

أو يكون صفة الذي خلق (٤) ، إذا قلنا : إنه مرفوع.

وقرأ زيد بن علي «الرّحمن» بالجر فيتعين أن يكون نعتا للذي خلق و (الَّذِي خَلَقَ) صفة للحي فقط ، لئلا يفصل بين النعت ومنعوته بأجنبي (٥).

قوله : (فَسْئَلْ بِهِ) في الباء قولان : أحدهما : هي على بابها ، وهي متعلقة بالسؤال ، والمراد ب «الخبير» الله تعالى ، ويكون من التجريد (٦) ، كقولك : لقيت به أسدا والمعنى فاسأل الله الخبير بالأشياء.

قال الزمخشري : أو فاسأل (٧) بسؤاله خبيرا كقولك : رأيت به أسدا ، أي برؤيته (٨) انتهى. قال الكلبي : فاسأل خبيرا (٩) به ، فقوله : «به» يعود إلى ما ذكر من خلق السموات والاستواء على العرش ، والباء من صلة الخبير ، وذلك الخبير هو الله تعالى ؛ لأنه لا دليل في العقل على كيفية خلق السموات والأرض ، ولا يعلمها أحد إلا الله تعالى (١٠) ، ف «خبيرا» مفعول «اسأل» (١١) على هذا ، أو منصوب على الحال المؤكدة (١٢) ، واستضعفه أبو البقاء. قال : ويضعف أن يكون «خبيرا» حالا من فاعل «اسأل» ؛ لأن «الخبير» لا يسأل إلا على جهة التوكيد كقوله : (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) [البقرة : ٩١]. ثم قال : ويجوز أن يكون حالا من «الرّحمن» إذا رفعته ب «استوى» (١٣). والثاني: أن تكون الباء بمعنى «عن» (١٤) إما مطلقا وإما مع السؤال (١٥) خاصة كهذه الآية الكريمة ، وكقول علقمة بن عبدة :

__________________

(١) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٧٣ ، إعراب القرآن للنحاس ٣ / ١٦٥ ، البيان ٢ / ٢٠٧.

(٢) لأنه يجوز زيادة الفاء في خبر المبتدأ مطلقا. انظر معاني القرآن ١ / ٢٦٥.

(٣) صدر بيت من بحر الطويل ، وعجزه : وأكرومة الحيّين خلو كما هيا.

لم يعرف قائله وهو في معاني القرآن للأخفش ١ / ٢٤٧ ، الكتاب ١ / ١٦٥ ، ١٤٣ ، ٣ / ١٧٨ ، ابن يعيش ١ / ١٠٠ ، ٨ / ٩٥ ، اللسان (هلا) المغني ١ / ١٦٥ ، ٢ / ٤٨٣ ، المقاصد النحوية ٢ / ٥٣٩ ، التصريح ١ / ٢٩٩ ، الهمع ١ / ١١٠ ، شرح شواهد المغني ١ / ٤٦٨.

(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٥٠٨.

(٥) تقدم قريبا.

(٦) وهو من المحسنات البديعية ، وهو : أن ينتزع من أمر ذي صفة أمر آخر مثله في تلك الصفة ، مبالغة في كمالها فيه. انظر الإيضاح (٣٧٤).

(٧) في ب : إذا سأل.

(٨) الكشاف ٣ / ١٠٢.

(٩) في ب : به خبيرا به.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٥ ، البحر المحيط ٦ / ٥٠٨ ـ ٥٠٩.

(١١) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٦٠ ، الكشاف ٣ / ١٠٢.

(١٢) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٦٠.

(١٣) التبيان ٢ / ٩٨٩.

(١٤) انظر البيان ٢ / ٢٠٧ ، التبيان ٢ / ٩٨٩.

(١٥) من معاني الباء المجاوزة ك «عن» فقيل : تختص بالسؤال ، نحو «فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً» بدليل «يَسْئَلُونَ عَنْ ـ

٥٥٧

٣٨٨٠ ـ فإن تسألوني بالنّساء فإنّني(١)

خبير بأدواء النّساء طبيب (٢)

والضمير في «به» لله تعالى ، و «خبيرا» من صفات الملك وهو جبريل قال ابن عباس : إن ذلك الخبير هو جبريل ـ عليه‌السلام ـ وإنما قدم لرؤوس الآي وحسن النظم (٣) وهو قول الزجاج (٤) والأخفش (٥). ويجوز على هذا أي : كون «خبيرا» من صفات جبريل ، أن تكون الباء على بابها ، وهي متعلقة ب «خبير» كما تقدم ، أي : فاسأل الخبراء به.

وقال ابن جرير : الباء في «به» صلة ، والمعنى : فاسأله خبيرا و «خبيرا» (٦) نصب على الحال(٧). وقيل : قوله : «به» يجري مجرى القسم كقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ)(٨) [النساء : ١].

قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ) الآية. قال أكثر المفسرين : الرحمن اسم من أسماء الله مكتوب في الكتب المتقدمة والعرب ما عرفوه (٩).

قال مقاتل : إن أبا جهل قال : إن الذي يقول محمد شعر ، فقال عليه‌السلام (١٠) : «الشعر غير هذا إن هذا إلا كلام الرحمن» ، فقال أبو جهل : بخ بخ (١١) لعمري (١٢) والله إنه لكلام الرحمن الذي باليمامة هو يعلمك ، فقال عليه‌السلام (١٣) : «الرحمن الذي في السماء ومن عنده يأتيني الوحي» ، فقال : يا أبا غالب من يعذرني من محمد يزعم أن الله واحد وهو يقول : الله يعلمني والرحمن ، ألستم تعلمون أنهما إلهان (١٤). قال القاضي : والأقرب أن مرادهم إنكار الله لا الاسم ، لأن هذه اللفظة عربية وهم كانوا يعلمون أنها تفيد المبالغة في الإنعام ، ثم إن قلنا : إنهم كانوا منكرين (لله كان قولهم) (١٥) : (وَمَا الرَّحْمنُ) سؤال عن الحقيقة كقول فرعون : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ٢٣] ، وإن قلنا : إنهم كانوا مقرين بالله لكنهم جهلوا كونه تعالى مسمى بهذا الاسم كان قولهم (وَمَا الرَّحْمنُ) سؤال عن هذا الاسم (١٦).

__________________

ـ أَنْبائِكُمْ» [الأحزاب : ٢٠] ، وقيل : لا تختص به بدليل قوله تعالى :«يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ» [الحديد : ١٢]. انظر المغني ١ / ١٠٤ ، الهمع ٢ / ٢٢.

(١) في ب : فإني.

(٢) البيت من بحر الطويل قاله علقمة بن عبدة. وقد تقدم.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٥ ، البحر المحيط ٦ / ٥٠٩.

(٤) قال الزجاج : (والمعنى فاسأل عنه خبيرا) انظر معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٧٣.

(٥) انظر البحر المحيط ١٩ / ١٩.

(٦) في ب : وخبير.

(٧) جامع البيان ١٩ / ١٩.

(٨) [النساء : ١]. وانظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٥.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٥.

(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١١) معنى (بخ بخ) : تعظيم الأمر وتفخيمه ، ويقال عند التعجب من الشيء وعند المدح والرضى بالشيء.

انظر اللسان (بخخ).

(١٢) في ب : لعمرك.

(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٥.

(١٥) ما بين القوسين في ب : الله كانوا قالوا.

(١٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٥.

٥٥٨

قوله : (أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا) قرأ الأخوان بياء الغيبة (١) ، يعنون محمدا كأن بعضهم قال لبعض : أنسجد لما يأمرنا محمد أو يأمرنا المسمى بالرحمن ولا نعرف ما هو (٢). والباقون بالخطاب (٣) ، يعني لما تأمرنا أنت يا محمد.

و «ما» يجوز أن يكون بمعنى (الذي) (٤) ، والعائد محذوف لأنه متصل ؛ لأن (أمر) يتعدى إلى الثاني بإسقاط الحرف ، ولا حاجة إلى التدرج (٥) الذي ذكره أبو البقاء وهو أن الأصل : لما تأمرنا بالسجود له ، ثم بسجوده ، ثم تأمرناه ، ثم تأمرنا ، كذا قدره ، ثم قال : هذا على مذهب أبي الحسن وأما على مذهب سيبويه فحذف ذلك من غير تدريج (٦). قال شهاب الدين : وهذا ليس مذهب سيبويه (٧). ويجوز أن تكون موصوفة (٨) ، والكلام (٩) في عائدها موصوفة كهي موصولة ويجوز أن تكون مصدرية (١٠) ، وتكون اللام للعلة ، أي : أنسجد من أجل أمرك وعلى هذا يكون المسجود (١١) له محذوفا (١٢) ، أي : أنسجد للرحمن لما تأمرنا ، وعلى هذا لا تكون «ما» واقعة على العالم ، وفي الوجهين الأوليين يحتمل ذلك وهو المتبادر للفهم.

قوله : (وَزادَهُمْ نُفُوراً) قول القائل لهم اسجدوا للرحمن. نفورا عن الدين والإيمان. ومن حقه أن يكون باعثا على الفعل والقبول ، قال الضحاك : سجد الرسول (١٣) وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعثمان بن مظعون وعمرو بن عنبسة ، ولما رآهم المشركون يسجدون تباعدوا في ناحية المسجد مستهزئين من هذا ، وهو المراد من قوله (وَزادَهُمْ نُفُوراً) أي : فزادهم سجودهم نفورا (١٤).

قوله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (٦١) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً)(٦٢)

قوله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً) الآية.

لما حكى مزيد نفور الكفار عن السجود ، وذكر ما لو تفكروا فيه لعرفوا وجوب السجود والعبادة للرحمن فقال (١٥) : (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً) تقدم القول في

__________________

(١) السبعة (٤٦٦) ، الكشف ٢ / ١٤٦ ، النشر ٢ / ٣٣٤ ، الإتحاف (٣٢٩).

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٦.

(٣) السبعة (٤٦٦) ، الكشف ٢ / ١٤٦ ، النشر ٢ / ٣٣٤ ، الإتحاف (٣٢٩).

(٤) انظر البيان ٢ / ٢٠٧ ، التبيان ٢ / ٩٨٩.

(٥) في ب : التدريج.

(٦) التبيان ٢ / ٩٨٩ ـ ٩٩٠.

(٧) الدر المصون ٥ / ١٤٣.

(٨) انظر التبيان ٢ / ٩٨٩.

(٩) في ب : بالكلام.

(١٠) انظر البيان ٢ / ٢٠٧ ، التبيان ٢ / ٩٩٠.

(١١) في ب : السجود. وهو تحريف.

(١٢) في ب : محذوف. وهو تحريف.

(١٣) في الأصل : رسول.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٦.

(١٥) في ب : فقال تعالى.

٥٥٩

«تبارك» (١) ، قال الحسن ومجاهد وقتادة ورواية (٢) عن ابن عباس البروج هي النجوم الكبار سميت بروجا لظهورها ، لأن اشتقاق البرج من التبرج وهو الظهور.

وقال عطية العوفي : البروج هي القصور العالية ، لأنها لهذه الكواكب كالمنازل لسكانها ، وهذا أولى لقوله تعالى : (وَجَعَلَ فِيها) أي : في البروج (٣) فإن قيل : لم لا (٤) يجوز أن يكون قوله «فيها» راجعا إلى السماء دون البروج؟

فالجواب : لأن البروج أقرب ، فعود (٥) الضمير إليها أولى (٦).

وروى عطاء عن ابن عباس : هي البروج الاثنا عشر (٧).

قوله : (وَجَعَلَ فِيها سِراجاً). قرأ الجمهور (٨) بالإفراد ، والمراد به الشمس لقوله تعالى : (وَجَعَلَ (٩) الشَّمْسَ سِراجاً)(١٠) ، ويؤيده أيضا ذكر القمر بعده. والأخوان «سرجا» بضمتين جمعا(١١) نحو حمر في حمار ، وجمع باعتبار الكواكب النيرات (١٢) ، وإنما ذكر القمر تشريفا له كقوله : (وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨] بعد انتظامهما في الملائكة. وقرأ الأعمش والنخعي وعاصم في رواية عصمة (١٣) «وقمرا» بضمة وسكون (١٤) وهو جمع قمراء (١٥) كحمر في حمراء ، والمعنى : وذا ليال قمر منيرا ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، ثم التفت إلى المضاف بعد حذفه فوصفه تمييزا ، ولو لم يعتبره لقال : منيرة ، ونظير مراعاته بعد حذفه قول حسان :

٣٨٨١ ـ يسقون من ورد البريص عليهم

بردى يصفّق بالرّحيق السّلسل (١٦)

__________________

(١) في أول السورة.

(٢) في ب : ورواه.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٦.

(٤) في ب : لم.

(٥) في ب : فيعود. وهو تحريف.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٦.

(٧) انظر البغوي ٦ / ١٨٩.

(٨) غير حمزة والكسائي. انظر السبعة (٤٦٦).

(٩) في ب : وجعلنا. وهو تحريف.

(١٠) [نوح : ١٦].

(١١) السبعة (٤٦٦) ، الكشف ٢ / ١٤٦ ، النشر ٢ / ٣٣٤ ، الإتحاف (٣٣٠).

(١٢) في ب : النيران.

(١٣) عصمة : سقط من ب.

(١٤) انظر المختصر (١٠٥) ، البحر المحيط ٦ / ٥١١ ، الإتحاف (٣٣٠).

(١٥) القمراء : ضوء القمر ، وليلة مقمرة ، وليلة قمرة ومقمرة. اللسان (قمر).

(١٦) البيت من بحر الكامل ، قاله حسان بن ثابت ، وهو في ديوانه (٣٦٥) ، الكشاف ٣ / ١٠٣. ابن يعيش ٣ / ٢٥ ، ٦ / ١٣٣ ، اللسان (برص ، سلسل) ، البحر المحيط ٦ / ٥١١. الأشموني ٢ / ٢٧٢ ، الخزانة ٤ / ٣٨١ ، الدرر ٢ / ٦٤ ، البريص : اسم واد. بردى : نهر بدمشق ، وألفه للتأنيث. يصفق : يمزج. الرحيق : الخمر. السلسل من الماء : العذب أو البارد ، ومن الخمر اللينة. والشاهد فيه حذف المضاف وهو قوله : ماء. وإقامة المضاف إليه وهو قوله بردى مقامه ، ثم أعاد الكلام إلى المضاف المحذوف فقال : يصفق بالياء ، ولو لم يعتبر المضاف المحذوف لقال : تصفق بتاء التأنيث ، لأن (بردى) مؤنث.

٥٦٠