اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٢

وقرأ (١) الباقون باء الغيبة (٢) ، والمراد الآلهة التي كانوا يعبدونها من عاقل وغيره ، ولذلك غلب العاقل وأتى بواو الضمير ، والمعنى : فما يستطيع آلهتكم أن يصرفوا عنكم العذاب وأن يحتالوا لكم.

قوله : (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ). قرأ العامة «نذقه» بنون العظمة ، وقرىء بالياء (٣) ، وفي الفاعل وجهان :

أظهرهما : أنه الله تعالى لدلالة قراءة العامة على ذلك.

والثاني : أنه ضمير الظلم المفهوم من الفعل (٤) ، وفيه تجوز بإسناد إذاقة العذاب إلى سببها وهو الظلم ، والمعنى : ومن يشرك منكم نذقه عذابا كبيرا.

فصل

تمسك المعتزلة بهذه الآية (في القطع بوعيد أهل الكبائر ، قالوا : ثبت أن كلمة «من» في معرض الشرط للعموم ، وثبت أن الكافر ظالم لقوله (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣] ، والفاسق ظالم لقوله : (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات : ١١] فثبت بهذه الآية) (٥) أن الفاسق لا يعفى عنه بل يعذب لا محالة.

والجواب : أنا لا نسلم أن كلمة «من» في معرض الشرط للعموم ، والكلام فيه مذكور في أصول الفقه ، سلمنا أنه للعموم لكن قطعا أم ظاهرا؟ ودعوى القطع ممنوعة ، فإنا نرى في العرف العام والاستعمال المشهور استعمال صيغ العموم مع إرادة الأكثر أو لأن المراد أقوام معينون ويدل عليه قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [البقرة : ٦] ثم إن كثيرا من الذين كفروا قد آمنوا فلا دافع (٦) أن يقال : قولنا (الَّذِينَ كَفَرُوا) كان يفيد العموم ، لكن المراد منه (٧) إمّا الغالب أو (٨) المراد منه أقوام مخصصون.

وعلى التقديرين ثبت أن استعمال (٩) ألفاظ العموم في الأغلب عرف (١٠) ظاهر وإذا كان كذلك كانت دلالة هذه الصيغ على العموم دلالة ظاهرة لا قاطعة ، وذلك لا ينفي تجويز العفو.

__________________

(١) قرأ : سقط من ب.

(٢) السبعة (٤٦٣) ، الكشف ٢ / ١٤٥ ، النشر ٢ / ٣٣٤ ، الإتحاف (٣٢٨).

(٣) حكاه أبو معاذ. المختصر (١٠٤). البحر المحيط ٦ / ٤٩٠.

(٤) انظر الوجهين في الكشاف ٣ / ٩٣ ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٠.

(٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(٦) في ب : مانع.

(٧) منه : سقط من ب.

(٨) في ب : وإما.

(٩) استعمال : سقط من ب.

(١٠) عرف : سقط من ب.

٥٠١

سلمنا دلالته ، لكن أجمعنا على أن قوله : (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ) مشروط بأن لا يزيل ذلك الظلم بتوبة أو بطاعة هي أعظم من ذلك الظلم ، فيرجع حاصل الأمر إلى أن قوله : (يَظْلِمْ مِنْكُمْ) مشروط بأن لا يعاجل ما يزيله وعند هذا فنقول : هذا مسلم ، لكن لم قلتم : إنه لم يوجد ما يزيله؟ فإن العفو عندنا أحد الأمور الثلاثة التي تزيله ، وذلك هو أول المسألة سلمنا دلالته على ما قال ولكنه معارض بآيات الوعد كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً) [الكهف : ١٠٧].

فإن قيل : آيات (١) الوعيد أولى ، لأن السارق يقطع على سبيل التنكيل ، وإذا ثبت أنه مستحق للعقاب ثبت أن استحقاق الثواب محبط لما بينا أن الجمع بين الاستحقاقين محال. قلنا : لا نسلم أنّ السارق يقطع على سبيل التنكيل ، ألا ترى أنه لو تاب فإنه (لا) (٢) يقطع على سبيل التنكيل (بل على سبيل المحنة) (٢). نزلنا عن هذه المقامات ، ولكن قوله تعالى : (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ) خطاب مع قوم مخصوصين معينين ، فهب أنه لا يعفو عن غيرهم (٣).

قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) الآية هذا جواب عن قولهم : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) [الفرقان : ٧] أي : هذه عادة مستمرة من الله تعالى في كل رسله فلا وجه لهذا الطعن (٤).

قوله : (إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ) حق الكلام أن يقال : إلّا أنّهم. بفتح الألف ، لأنه متوسط ، والمكسورة لا تليق إلّا بالابتداء ، فلهذا ذكروا في هذه الجملة ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها في محل نصب صفة لمفعول محذوف ، فقدره الزجاج (٥) والزمخشري (٦) : «وما أرسلنا قبلك أحدا من المرسلين إلا آكلين وماشين». وإنما حذف ، لأن في قوله : (مِنَ الْمُرْسَلِينَ) دليلا عليه (٧) ، نظيره قوله تعالى : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات : ١٦٤] بمعنى : ما منّا أحد (٨). وقدره ابن عطية : رجالا أو رسلا (٩). والضمير في «إنّهم» (١٠) وما بعده عائد على (١١) هذا الموصوف (١٢) المحذوف (١٣).

والثاني : قال الفراء : إنها لا محل لها من الإعراب ، وإنما هي صلة لموصول

__________________

(١) في ب : بأن.

(٢) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٤ ـ ٦٥.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٥.

(٥) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٦٢.

(٦) الكشاف ٣ / ٩٣.

(٧) أي : إنما حذف اكتفاء بالجار والمجرور ، وهو «مِنَ الْمُرْسَلِينَ».

(٨) انظر الكشاف ٣ / ٩٣.

(٩) تفسير ابن عطية ١١ / ٢١.

(١٠) في ب : إنه. وهو تحريف.

(١١) في ب : في. وهو تحريف.

(١٢) في النسختين : الموصول.

(١٣) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٢١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٠.

٥٠٢

محذوف هو المفعول (ل «أرسلنا») (١) ، تقديره : إلا من أنهم. فالضمير في «إنّهم» وما بعده عائد على معنى «من» المقدرة ، واكتفي بقوله : (مِنَ الْمُرْسَلِينَ) عنه كقوله : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها انَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً)(٢)) (٣) ، أي : إلّا من يردها (٤).

فعلى قول الزجاج الموصوف محذوف ، وعلى قول الفراء الموصول هو المحذوف ، ولا يجوز حذف الموصول وتبقية الصلة عند البصريين إلّا في مواضع ، تقدّم التنبيه عليها في البقرة (٥).

الثالث : أن الجملة محلها النصب على الحال ، وإليه ذهاب ابن الأنباري (٦) قال : التقدير : إلّا وإنهم ، يعني أنها حالية (٧) ، فقدّر معها الواو بيانا للحالية ، فكسر بعد استئناف. وردّ بكون ما بعد «إلّا» صفة لما قبلها ، وقدره أبو البقاء أيضا (٨). والعامة على كسر «إنّ» ، لوجود اللام في خبرها ، ولكون الجملة حالا (٩) على الراجح. قال أبو البقاء : وقيل : لو لم تكن اللام لكسرت أيضا لأن الجملة حالية (١٠) ، إذ المعنى : إلّا وهم (١١). وقيل : المعنى : إلا قيل إنهم (١٢).

وقرىء «أنّهم» بالفتح على زيادة اللام وأن مصدرية ، والتقدير : إلّا لأنّهم (١٣) أي : ما جعلنا رسلا إلى الناس إلا لكونهم مثلهم (١٤).

وقرأ العامة «يمشون» خفيفة ، وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وعبد الله «يمشّون» مشددا مبنيّا للمفعول ، أي : تمشّيهم حوائجهم أو الناس (١٥).

وقرأ عبد الرحمن : «يمشّون» بالتشديد مبنيّا للفاعل ، وهي بمعنى «يمشون» (١٦) قال الشاعر :

٣٨٦٩ ـ ومشّى بأعطان المياه وابتغى

قلائص منها صعبة وركوب (١٧)

__________________

(١) ما بين القوسين في ب : إلا رسلنا. وهو تحريف.

(٢) مريم : ٧١.

(٣) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(٤) انظر معاني القرآن ٢ / ٢٦٤.

(٥) عند قوله تعالى : «وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ» [١٦٤].

(٦) المراد به أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد الأنباري النحوي اللغوي ، له كتب كثيرة منها غريب الحديث ، المذكر والمؤنث ، والمقصور والممدود ، وغير ذلك مات سنة ٣٢٨ ه‍ ، بغية الوعاة ١ / ١١٢ ـ ١١٤.

(٧) قال أبو حيان : (وهذا هو المختار) البحر المحيط ٦ / ٤٩٠ ، وانظر القرطبي ١٣ / ١٣.

(٨) التبيان ٢ / ٩٨٣.

(٩) في النسختين : حال. والصواب ما أثبته.

(١٠) حالية : سقط من ب.

(١١) التبيان ٢ / ٩٨٣.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٥.

(١٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٩٠.

(١٥) انظر المحتسب ٢ / ١٢٠ ، تفسير ابن عطية ١١ / ٢١ ـ ٢٢ ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٠.

(١٦) أي بمعنى قراءة العامة. انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٢٢ ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٠.

(١٧) البيت من بحر الطويل ، لم أهتد إلى قائله ، وهو في تفسير ابن عطية ١١ / ٢٢ القرطبي ١٣ / ١٤ ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٠.

٥٠٣

قال الزمخشري : ولو قرىء «يمشّون» لكان أوجه لو لا الرواية (١). يعني بالتشديد.

قال شهاب الدين : قد قرأ بها السّلميّ ولله الحمد (٢).

فصل

روى الضحاك عن ابن عباس قال : لمّا عيّر المشركون رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقالوا : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) [الفرقان : ٧] أنزل الله هذه الآية (٣). يعني : ما أنا إلا رسول ، وما كنت بدعا من الرسل ، وهم كانوا يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ، كما قال في موضع آخر : (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) [فصلت : ٤٣]. (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) أي : بلية ، فالغني فتنة للفقير ، (ويقول الفقير) (٤) : ما لي لم أكن مثله؟ والصحيح فتنة للمريض ، والشريف فتنة للوضيع (٥). قال ابن عباس : أي : جعلت بعضكم بلاء لبعض لتصبروا على ما تسمعون منهم ، وترون من خلافهم وتتبعون الهدى (٦).

وقال الكلبي والزجاج (٧) والفراء (٨) : نزلت في رؤساء المشركين وفقراء الصحابة فإذا رأى الشريف الوضيع (٩) قد أسلم قبله أنف أن يسلم ، وأقام على كفره لئلا يكون للوضيع السابقة والفضل عليه ، ويدل عليه قوله تعالى : (لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ)(١٠) [الأحقاف : ١١] وقيل : هذا عام في جميع الناس ، روى أبو الدرداء عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : «ويل للعالم من الجاهل ، وويل للسلطان من الرعية ، (وويل للرعية من السلطان) (١١) ، وويل للمالك من المملوك ، وويل للشديد من الضعيف ، وللضعيف من الشديد بعضهم لبعض فتنة» وقرأ هذه الآية (١٢).

وروي عن ابن عباس والحسن هذا في أصحاب البلاء والعافية (هذا يقول لم لم أجعل مثله) (١٣) في الخلق ، والخلق ، وفي العقل ، وفي العلم ، وفي الرزق ، وفي الأجل (١٤).

وقيل : هذا احتجاج عليهم في تخصيص محمد بالرسالة مع مساواته لهم في البشريّة وصفاتها ، فالمرسلون يتأذون من المرسل إليهم بأنواع الأذى على ما قال : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) [آل عمران : ١٨٦] ،

__________________

(١) الكشاف ٣ / ٩٣.

(٢) الدر المصون ٥ / ١٣٢.

(٣) انظر البغوي ٦ / ١٦٥.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) انظر البغوي ٦ / ١٦٥.

(٦) المرجع السابق.

(٧) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٦٢.

(٨) معاني القرآن ٢ / ٢٦٥.

(٩) في ب : الوضع. وهو تحريف.

(١٠) [الأحقاف : ١١]. وانظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٥.

(١١) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٥ ـ ٦٦.

(١٣) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٦.

٥٠٤

والمرسل إليهم يتأذون أيضا (من الرسل) (١) بحسب الحسد ، وصيرورته مكلفا بالخدمة ، وبذل النفس والمال بعد أن كان رئيسا مخدوما (٢).

والأولى حمل الآية على الكل ، لأن بين الجميع قدرا مشتركا (٣).

قال عليه‌السلام : «إذا نظر أحدكم إلى من فضّل عليه في المال والجسد فلينظر إلى من دونه في المال والجسد» (٤).

قوله : (أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً). «أتصبرون» المعادل محذوف ، أي : أم لا تصبرون وهذه الجملة استفهام ، والمراد منه : التقرير بأن (٥) موقعه بعد الفتنة موقع أيّكم (٦) بعد الابتلاء في قوله : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ (٦) أَحْسَنُ عَمَلاً)(٧) بمعنى : أنها معلّقة لما فيها من معنى فعل القلب ، فتكون منصوبة المحل على إسقاط الخافض والمعنى : «أتصبرون» على البلاء ، فقد علمتم ما وعد الصابرون (٨) ، (وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) أي : عالم بمن يصبر ، وبمن لا يصبر فيجازي كلا منهم بما يستحقه من ثواب وعقاب (٩).

قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (٢١) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣) أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً)(٢٤)

قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) الآية. هذه هي الشبهة الرابعة لمنكري نبوة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وحاصلها (١٠) : لم (١١) (لم) (١٢) تنزّل الملائكة حتى يشهدوا أن محمدا محق في دعواه ، (أَوْ نَرى رَبَّنا) حتى يخبرنا بأنه (١٣) أرسله إلينا (١٤)؟

فصل

قال الفراء : قوله تعالى (١٥) : (وَقالَ (١٦) الَّذِينَ (١٧) لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) أي : لا يخافون

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من ب.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٦.

(٣) المرجع السابق.

(٤) أخرجه مسلم (زهد) ٤ / ٢٢٧٥ ، الترمذي (لباس) ٣ / ١٥٦. وأحمد ٢ / ٣١٤ ، وانظر البغوي ٦ / ١٦٦.

(٥) في الأصل : فإن.

(٦) في ب : أنكم. وهو تحريف.

(٧) [هود : ٧] ، [الملك : ٢] ، وانظر الكشاف ٣ / ٩٣.

(٨) في الأصل : الصابرين.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٦.

(١٠) وحاصلها : سقط من ب.

(١١) في ب : لا.

(١٢) لم : تكملة من الفخر الرازي.

(١٣) في ب : بأن.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٧.

(١٥) تعالى : سقط من ب.

(١٦) وقال : سقط من ب.

(١٧) في الأصل : الذي. وهو تحريف.

٥٠٥

لقاءنا ، فوضع الرجاء موضع الخوف لغة تهاميّة إذا كان معه جحد ، ومنه (١) قوله تعالى : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) [نوح : ١٣] أي : لا تخافون لله (٢) عظمة (٣)

قال القاضي : لا وجه لذلك ، لأن الكلام متى أمكن حمله على الحقيقة لم يجز حمله على المجاز ، والمعلوم من حال عبّاد الأصنام أنهم كانوا لا يخافون العقاب ، لتكذيبهم (بالمعاد) (٤) ، فكذلك لا يرجون الثواب لمثل ذلك ، فقوله : (لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) محمول على الحقيقة ، وهو (٥) أنهم لا يرجون لقاء ما وعدنا على الطاعة من الثواب والجنة ، ومعلوم أن من لا يرجو ذلك لا يخاف العقاب أيضا ، فالخوف (٦) تابع (للرجاء (٧)) (٨).

فصل

دلّ ظاهر الآية على جواز الرؤية ، لأن اللقاء جنس تحته أنواع ، أحد أنواعه الرؤية ، والآخر الاتصال والمماسّة. وهما باطلان ، فدلّ على جواز الرؤية ، لأن الرائي يصل برؤيته إلى حقيقة المرئي فسمي الرؤية لقاء (٩). وقالت المعتزلة : تفسير اللقاء برؤية البصر جهل باللغة ، لأنه يقال في الدعاء : لقاك الله الخير. ويقول القائل : لم ألق الأمير. وإن رآه من بعد إذا حجب عنه ، ويقال في الضرير : لقي الأمير إذا أذن له ولم يحجب ، وقد يلقاه في الليلة الظلماء ولا يراه ، بل المراد من اللقاء هنا (١٠) المصير (١١) إلى حكمه حيث لا حكم لغيره في يوم (لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً) [الانفطار : ١٩] لا أنه (١٢) رؤية البصر (١٣). قال ابن الخطيب : وهذا كلام ضعيف ، لأنّ اللفظ الموضوع لمعنى مشترك بين معان كثيرة ينطلق على كل واحد من تلك المعاني ، فيصح قوله : لقاك الخير (١٤) ، ويصح قول الأعمى : لقيت الأمير ، ويصح قول البصير : لقيته (بمعنى رأيته ، وما لقيته) (١٥) بمعنى ما (١٦) وصلت إليه ، وإذا ثبت هذا فنقول : قوله تعالى (١٧) : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) مذكور في معرض الذم لهم ، فوجب أن يكون رجاء اللقاء حاصلا ، ومسمى اللقاء مشترك بين الوصول المكاني (١٨) وبين الوصول بالرؤية ، وقد بطل الأول فتعيّن الثاني.

__________________

(١) ومنه : سقط من ب.

(٢) في ب : له.

(٣) معاني القرآن ٢ / ٢٦٥.

(٤) في النسختين : العقاب. والتصويب من الفخر الرازي.

(٥) في ب : وهم.

(٦) في الأصل : فالجواب.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٧ ـ ٦٨.

(٨) ما بين القوسين في ب : الرجاء.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٨.

(١٠) في ب : ههنا.

(١١) في ب : الوصول.

(١٢) أنه : سقط من ب.

(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٨.

(١٤) في النسختين : لقاك الله الخير. والتصويب من الفخر الرازي.

(١٥) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.

(١٦) ما : سقط من ب.

(١٧) تعالى : سقط من ب.

(١٨) في ب : المكان.

٥٠٦

وقولهم : المراد من اللقاء الوصول إلى حكمه. صرف للفظ عن ظاهره بغير دليل ، فثبت دلالة الآية على صحة الرؤية بل (١) على وجوبها ، بل على أنّ إنكار الرؤية ليس إلا من دين (الكفار(٢))(٣).

قوله : (لَوْ لا أُنْزِلَ) : هلّا أنزل (عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) فيخبرونا أن محمدا صادق (٤)(أَوْ نَرى رَبَّنا) فيخبرنا بذلك (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) (أي : تعظموا في أنفسهم) (٥) بهذه المقالة(٦). قال الكلبي ومقاتل : نزلت الآية في أبي جهل والوليد وأصحابهما المنكرين للنبوة (٧) والبعث(٨).

قوله : «عتوا» مصدر وقد صحّ هنا وهو الأكثر وأعلّ (٩) في مريم في «عتيّا» (١٠) ، لمناسبة ذكرت هناك ، وهي تواخي رؤوس الفواصل (١١).

فصل

قال مجاهد : «عتوّا» طغوا (١٢). وقال مقاتل : «عتوّا» غلوّا في القول (١٣).

والعتو : أشد الكفر وأفحش الظلم ، وعتوهم طلبهم رؤية الله حتى يؤمنوا به (١٤).

وقوله : (فِي أَنْفُسِهِمْ) ، لأنهم (١٥) أضمروا (١٦) الاستكبار في قلوبهم واعتقدوه ، كما قال : (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ)(١٧)) (١٨). وعتوا : تجاوزوا الحد في الظلم (١٩).

فصل

وهذا جواب عن شبهتهم وبيانه من وجوه :

أحدها : أن القرآن لما ظهر كونه معجزا فقد تمت نبوة محمد ـ عليه‌السلام (٢٠) ـ فبعد (٢١) ذلك يكون اقتراح أمثال هذه الآيات لا يكون إلا محض التعنت والاستكبار.

__________________

(١) بل : سقط من ب.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٨.

(٣) ما بين القوسين في ب : الكافر.

(٤) في الأصل : أن محمد صادق ، وفي ب : أن محمد صادقا.

(٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(٦) انظر البغوي ٦ / ١٦٧.

(٧) في ب : النبوة.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٨.

(٩) وأعل : سقط من ب.

(١٠) مريم : ٨ ، ٦٩.

(١١) انظر اللباب ٥ / ٤٠٠ ـ ٤٠١.

(١٢) انظر البغوي ٦ / ١٦٧.

(١٣) المرجع السابق.

(١٤) المرجع السابق.

(١٥) في ب : لأن.

(١٦) أضمروا : سقط من ب.

(١٧) غافر : ٥٦.

(١٨) ما بين القوسين في ب : ببالغه.

(١٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧٠.

(٢٠) في ب : صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢١) في ب : فعند.

٥٠٧

وثانيها : أنّ نزول الملائكة لو حصل لكان أيضا من جملة المعجزات ، فلا يدل (١) على الصدق لخصوص كونه نزول الملك بل لعموم كونه معجزا فيكون قبول ذلك المعجز وردّ المعجز الآخر ترجيحا لأحد المثلين على الآخر من غير مزيد فائدة ومرجّح ، وهو محض الاستكبار والتعنت.

وثالثها : أنهم بتقدير أن يروا الرب ، ويسألوه عن صدق محمد ـ عليه‌السلام (٢) ـ وهو سبحانه يقول: نعم هو رسولي (٣) ، فذلك (٤) لا يزيد في التصديق على إظهار المعجز على يد محمد ـ عليه‌السلام (٥) ـ لأنّا بيّنّا أن المعجزة تقوم مقام التصديق بالقول ، إذ لا فرق وقد ادعى النبوة بين أن يقول : اللهم إن كنت صادقا فأحي هذا الميت ، فيحييه الله تعالى ، (والعادة لم تجر بمثله) (٦) ، وبين أن يقول له : صدقت. وإذا كان التصديق بالقول والتصديق الحاصل بالمعجز (سيّين) (٧) في كونه تصديقا للمدعى ، كان (٨) تعيين أحدهما محض استكبار وتعنت.

ورابعها : يمكن أن يكون المراد أنّ الله تعالى قال : لو علمت أنهم ما ذكروا هذا السؤال لأجل (٩) الاستكبار والعتو الشديد لأعطيتهم مقترحهم ، ولكني علمت أنهم ذكروا هذا الاقتراح لأجل الاستكبار والتعنت ، فلو أعطيتهم مقترحهم لما انتفعوا به ، فلا جرم لا أعطيتهم ذلك.

وخامسها : لعلهم سمعوا من أهل الكتاب أن الله لا يرى ، وأنه تعالى لا ينزل الملائكة في الدنيا على عوام الخلق ، ثم إنهم علقوا إيمانهم على ذلك على سبيل الاستهزاء (١٠).

فصل

استدل المعتزلة بهذه الآية على عدم الرؤية ، لأنّ رؤيته لو كانت جائزة لما كان سؤالها عتوا. قالوا : فقوله : (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) ليس إلّا لأجل سؤال الرؤية ، واستعظم في آية أخرى قولهم : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) [البقرة : ٥٥]. فثبت أن الاستكبار والعتو هاهنا إنما حصل لأجل سؤال الرؤية ، وتقدم الكلام على ذلك في سورة البقرة (١١). ونقول هاهنا : إنّا بينا أن قوله : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) يدل (١٢) على الرؤية ، وأمّا الاستكبار والعتو فلا يدل ذلك على أن الرؤية

__________________

(١) في ب : فلا بد.

(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٣) في ب : رسول.

(٤) في ب : فكذلك.

(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٦) ما بين القوسين سقط من ب.

(٧) في النسختين : سببان. والتصويب من الفخر الرازي.

(٨) في ب : وأن.

(٩) في النسختين : إلا لأجل. والتصويب من الفخر الرازي.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٨ ـ ٦٩.

(١١) انظر اللباب ١ / ١٥٤.

(١٢) يدل : سقط من ب.

٥٠٨

مستحيلة ، لأنّ من طلب شيئا محالا لا يقال : إنه عتا واستكبر ، ألا ترى قولهم : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) [الأعراف : ١٣٨] لم يثبت (١) لهم بطلب هذا (٢) المحال عتوّا واستكبارا بل قال : (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ).

ومما يدل على ذلك أن موسى ـ عليه‌السلام (٣) ـ لما قال : (رَبِ (٤) أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) [الأعراف: ١٤٣] ما وصفه الله بالاستكبار والعتوّ ، لأنه ـ عليه‌السلام (٥) ـ طلب الرؤية شوقا ، وهؤلاء لمّا (٦) طلبوها امتحانا وتعنتا لا جرم وصفهم بذلك (٧).

قوله : يوم يرون» فيه أوجه :

أحدها : أنه منصوب بإضمار فعل يدل عليه قوله : «لا بشرى» أي : يمنعون البشرى يوم يرون(٨).

الثاني (٩) : أنه منصوب ب (اذكر) ، فيكون مفعولا به (١٠).

الثالث : أنّه منصوب ب (يعذبون) مقدرا (١١).

ولا يجوز أن يعمل فيه نفس «البشرى» لوجهين :

أحدهما : أنها مصدر والمصدر لا يعمل فيما قبله (١٢).

والثاني (١٣) : أنّها منفية ب (لا) ، (وما بعد (لا)) (١٤) لا (١٥) يعمل فيما قبلها (١٦).

قوله : «لا بشرى» هذه الجملة معمولة لقول مضمر ، أي : يرون الملائكة يقولون لا بشرى ، فالقول حال من «الملائكة» ، وهو نظير التقدير في قوله : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ) [الرعد : ٢٣] إلى قوله : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [الرعد : ٢٤].

قال أبو حيان : واحتمل (١٧) «بشرى» أن يكون مبنيّا مع «لا» ، واحتمل أن يكون في نية التنوين منصوب اللفظ ، ومنع من الصرف للتأنيث اللازم فإن كانة مبنيّا مع «لا» احتمل (١٨) أن يكون «يومئذ» خبرا و «للمجرمين» خبرا (١٩) بعد خبر ، أو نعتا ل «بشرى» ،

__________________

(١) في ب : لم ثبت. وهو تحريف.

(٢) في ب : بهذا. وهو تحريف.

(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٤) رب : سقط من ب.

(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٦) في ب : إنما.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٩ ـ ٧٠.

(٨) انظر الكشاف ٣ / ٩٤ ، البيان ٢ / ٢٠٣ ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٢.

(٩) في ب : والثاني.

(١٠) انظر الكشاف ٣ / ٩٤ ، التبيان ٢ / ٩٨٣ ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٢.

(١١) انظر التبيان ٢ / ٩٨٣.

(١٢) انظر التبيان ٢ / ٩٨٣ ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٢.

(١٣) في ب : والثالث.

(١٤) ما بين القوسين في ب : وما بعدها.

(١٥) لا : سقط من ب.

(١٦) انظر البيان ٢ / ٢٠٣ ، التبيان ٢ / ٩٨٣ ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٢.

(١٧) في ب : فاحتمل.

(١٨) في ب : فاحتمل.

(١٩) في الأصل خبر بالرفع.

٥٠٩

أو متعلقا بما تعلّق به الخبر ، وأن يكون «يومئذ» صفة ل «بشرى» (١) والخبر «للمجرمين» ، ويجيء خلاف سيبويه والأخفش هل الخبر لنفس «لا» أو (٢) الخبر للمبتدأ الذي هو مجموع «لا» وما بني معها (٣).

وإن كان في نية التنوين وهو معرب ، (جاز أن يكون «يومئذ» ، و «للمجرمين» خبرين ، و) (٤) جاز أن يكون «يومئذ» خبرا و «للمجرمين» صفة ، والخبر إذا كان الاسم ليس مبنيا لنفس «لا» بإجماع (٥). قال شهاب الدين : قوله (٦) : واحتمل أن يكون في نية التنوين إلى آخره لا يتأتّى إلّا على قول أبي إسحاق (٧) ، وهو أنه يرى أنّ اسم (لا) النافية للجنس معرب (٨) ، ويعتذر عن حذف التنوين بكثرة الاستعمال ويستدل عليه بالرجوع إليه في الضرورة ، وينشد :

٣٨٧٠ ـ ألا رجلا جزاه الله خيرا (٩)

ويتأوله البصريون على إضمار : ألا ترونني رجلا ، وكان يمكن الشيخ أن يجعله معربا كما ادّعى بطريق أخرى ، وهو (١٠) : أن يجعل «بشرى» عاملة في «يومئذ» (١١) أو في «للمجرمين» ، فيصير من قبيل المطوّل (١٢) ، والمطوّل معرب ، لكنه لم يلم بذلك ، وسيأتي شيء من هذا في كلام أبي البقاءرحمه‌الله.

ويجوز أن يكون «بشرى» معربا منصوبا بطريق أخرى ، وهي أن تكون منصوبة بفعل مقدّر ، أي : لا يبشّرون بشرى ، كقوله تعالى : (لا مَرْحَباً بِهِمْ)(١٣)) (١٤) ، (و) (١٥) لا أهلا ولا سهلا ، إلّا أن كلام الشيخ لا يمكن تنزيله على هذا لقوله : جاز أن يكون «يومئذ» و «للمجرمين» خبرين (١٦) ، فقد حكم أن لها خبرا ، وإذا جعلت منصوبة بفعل مقدر لا

__________________

(١) في ب : للبشرى. وهو تحريف.

(٢) في ب : و. وهو تحريف.

(٣) انظر معاني القرآن ١ / ١٧٤ ، والهمع ١ / ١٤٦.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) البحر المحيط ٦ / ٤٩٢.

(٦) قوله : سقط من ب.

(٧) هو أبو إسحاق الزجاج.

(٨) فالفتحة عنده إعراب لا بناء. انظر شرح الكافية ١ / ١٥٥.

(٩) صدر بيت من الوافر ، قاله عمرو بن قعاس أو قنعاس المرادي ، وعجزه :

يدلّ على محصّلة تبيت

وقد تقدم.

(١٠) في الأصل : وهي.

(١١) على أن تكون «بشرى» غير مبنية مع (لا). انظر البيان ٢ / ٢٠٣ ، التبيان ٢ / ٩٨٣.

(١٢) المراد به الشبيه بالمضاف ، وهو ما اتصل به شيء من تمام معناه ، مثل يا طالعا جبلا. فهذا معرب لشبهه بالمضاف.

(١٣) [ص : ٥٩]. والاستشهاد بالآية على أن «مرحبا» منصوب بفعل مقدر ، والتقدير : لا يسمعون مرحبا.

(١٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٥) تكملة ليست في المخطوط.

(١٦) في ب : خبر. وانظر البحر المحيط ٦ / ٤٩٢.

٥١٠

يكون [ل (لا)](١) حينئذ خبر (٢) ، لأنها داخلة على ذلك الفعل المقدر ، وهذا موضع حسن (٣).

قوله : «يومئذ للمجرمين» قد تقدّم في «يومئذ» أوجه ، وجوّز أبو البقاء أن يكون منصوبا ب «بشرى» ، قال : إذا قدّرت أنها منونة غير مبنيّة مع (لا) ، ويكون الخبر «للمجرمين» (٤). وجوّز ـ أيضا ـ هو والزمخشري أن يكون «يومئذ» تكريرا (ل «يوم) (٥) يرون» (٦) وردّه أبو حيان سواء أريد بالتكرير (٧) التوكيد اللفظيّ أم أريد به البدل قال : لأنّ «يوم» منصوب بما تقدم ذكره من (اذكر) (أو من) (٨) (يعدمون) البشرى ، وما بعد (لا) العاملة في الاسم لا يعمل فيه (٩) ما قبلها ، وعلى تقدير ما ذكراه (١٠) يكون العامل فيه ما قبل (لا) (١١). وما ردّه ليس بظاهر ، لأنّ الجملة المنفية معمولة للقول المضمر الواقع حالا من «الملائكة» ، و (١٢) «الملائكة» معمولة ل «يرون» ، و «يرون» معمول ل «يوم» خصّصا (١٣) بالإضافة ، ف (لا) (١٤) وما في حيزها من تتمة الظرف الأول من حيث إنها معمولة لبعض ما في حيزه ، فليست بأجنبية ولا (١٥) مانعة من أن يعمل ما قبلها فيما بعدها.

والعجب له كيف تخيل هذا وغفل عما تقدم فإنه واضح مع التأمل. و «للمجرمين» من وضع الظاهر موضع المضمر (١٦) شهادة عليهم بذلك. والضمير في «يقولون» يجوز عوده للكفار (١٧) (أو للملائكة (١٨)) (١٩). و «حجرا» من المصادر الملتزم إضمار (٢٠) ناصبها ، ولا يتصرّف فيه نحو معاذ الله ، وقعدك ، وعمرك ، وهذه كلمة كانوا يتكلمون بها عند لقاء عدوّ وهجوم نازلة ، ونحو ذلك يضعونها موضع الاستعاذة ، قال سيبويه : ويقول الرجل للرجل : أتفعل كذا فيقول : حجرا (٢١) وهي من حجره : إذا منعه ، لأنّ المستعيذ

__________________

(١) ما بين المعقوفين سقط من ب.

(٢) في النسختين : خبرا. والصواب ما أثبته.

(٣) الدر المصون ٥ / ١٣٣.

(٤) التبيان ٢ / ٩٨٣ ـ ٩٨٤.

(٥) ما بين القوسين في ب : اليوم. وهو تحريف.

(٦) انظر الكشاف ٣ / ٩٤ ، التبيان ٢ / ٩٨٣.

(٧) في ب : التكرار.

(٨) ما بين القوسين في ب : أمن. وهو تحريف.

(٩) في ب : فيما.

(١٠) في ب : ما ذكره. وفي البحر المحيط : وعلى تقديره يكون  ....

(١١) البحر المحيط ٦ / ٤٩٢.

(١٢) في ب : ف.

(١٣) في ب : خصصنا.

(١٤) ما بين القوسين في ب : كلام.

(١٥) في ب : فلا.

(١٦) انظر الكشاف ٣ / ٩٤.

(١٧) واستظهره أبو حيان. انظر البحر المحيط ٦ / ٤٩٢.

(١٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٩٣.

(١٩) في النسختين : وللملائكة. والصواب ما أثبته.

(٢٠) إضمار : سقط من ب.

(٢١) انظر الكتاب ١ / ٣٢٦.

٥١١

طالب (١) من الله أن يمنع المكروه ولا (٢) يلحقه (٣) ، وكان المعنى : أسأل الله أن يمنعه منعا ويحجره حجرا. والعامة على كسر الحاء ، والضحاك ، والحسن ، وأبو رجاء على ضمّها (٤) وهو لغة فيه.

قال الزمخشري : ومجيئه على فعل أو فعل في قراءة الحسن تصرّف فيه لاختصاصه بموضع واحد كما كان قعدك وعمرك كذلك وأنشد لبعض الرجاز (٥) :

٣٨٧١ ـ قالت(٦)وفيها حيدة وذعر

عوذ بربّي (٧) منكم وحجر (٨)

وهذا (٩) الذي أنشده الزمخشري يقتضي (١٠) تصرّف «حجرا». وقد تقدم نص سيبويه على أنه يلتزم النصب. وحكى أبو البقاء فيه لغة ثالثة وهي الفتح ، قال : وقد قرىء بها (١١). فعلى هذا كمل فيه ثلاثة لغات مقروء بهنّ.

و «محجورا» صفة مؤكدة للمعنى كقولهم : ذيل ذائل (١٢) ، والذيل (١٣) : الهوان ، وموت مائت ، والحجر : العقل ، لأنه (١٤) يمنع صاحبه (١٥).

فصل

قوله (١٦) : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ) عند الموت. قاله ابن عباس ، وقال الباقون : يريد يوم (١٧) القيامة (١٨)(لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ) للكافرين. قالت المعتزلة : الآية تدلّ على القطع بوعيد الفساق وعدم العفو ، قوله : (لا بُشْرى ... لِلْمُجْرِمِينَ) نكرة في سياق النفي فتعمّ

__________________

(١) في ب : يطلب.

(٢) في الأصل : لا.

(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٩٢.

(٤) انظر المختصر (١٠٤) ، وتفسير ابن عطية ١١ / ٢٦ ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٢ ـ ٤٩٣ الإتحاف (٣٢٨).

(٥) في ب : الزجالة.

(٦) في ب : قال.

(٧) في ب : بر. وهو تحريف.

(٨) انظر الكشاف ٣ / ٩٤. رجز قاله العجاج. وهو في ديوانه (٣١٧) ، الكشاف ٣ / ٩٤ ، اللسان (حجر ، عوذ) البحر المحيط ٦ / ٤٩٢ ، شرح شواهد الكشاف (٥٣) حيدة : المرّة من حاد عن الشيء يحيد حيدا وحيدانا ومحيدا وحيدودة : مال عنه وعدل. الذعر : الخوف والفزع. عوذ: مصدر ، أي : أعوذ بالله منك ، وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره : أمري. الحجر : بالضم المنع ، وهو موطن الشاهد حيث جاء مصدرا مضموم الفاء.

(٩) في ب : وهو.

(١٠) في ب : فيقتضي.

(١١) التبيان ٢ / ٩٨٤.

(١٢) في ب : أذائل. وهو تحريف.

(١٣) في ب : والذائل. وهو تحريف. والذيل : الهوان من ذال الشيء يذيل : هان. اللسان (ذيل).

(١٤) في ب : لا.

(١٥) اللسان (حجر).

(١٦) قوله : سقط من الأصل.

(١٧) يوم : سقط من ب.

(١٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧٠.

٥١٢

جميع أنواع البشر في جميع الأوقات ، بدليل أن من أراد تكذيب هذه القضية (١) قال : بل (٢) له بشرى في الوقت الفلاني ، فلما كان ثبوت البشرى في وقت من الأوقات يذكر لتكذيب هذه القضية ، علمنا أن قوله : «لا بشرى» يقتضي نفي جميع البشرى في كل الأوقات ، وشفاعة الرسول لهم من أعظم البشرى فوجب أن لا يثبت ذلك لأحد من المجرمين ، والكلام على التمسك بصيغ العموم ، وقد تقدم مرارا (٣).

فصل

اختلفوا في القائلين (حِجْراً مَحْجُوراً) : فقال ابن جريج : كانت العرب إذا نزلت بهم شدة ، ورأوا ما يكرهون ، قالوا : «حجرا محجورا» ، فهم يقولونه إذا عاينوا الملائكة (٤).

قال مجاهد : يعني : عوذا معاذا ، فيستعيذون به من الملائكة (٥).

وقال ابن عباس : تقول الملائكة : حراما محرما أن يدخل الجنة إلا من قال : لا إله إلا الله (٦). قال مقاتل : إذا خرج الكفار من قبورهم قالت لهم الملائكة (حِجْراً مَحْجُوراً)(٧) أي : حرام محرم عليكم أن تكون (٨) لكم البشرى (٩).

قوله : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) أي : وعمدنا إلى عملهم.

قوله : (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً). الهباء والهبوة : التراب الدقيق. قاله ابن عرفة (١٠).

قال الجوهري : يقال فيه : هبا يهبو : إذا ارتفع ، وأهببته أنا إهباء (١١).

وقال الخليل والزجاج : هو مثل الغبار الداخل في الكوّة يتراءى مع ضوء الشمس (١٢) فلا يمس بالأيدي ولا يرى في الظل. وهو قول الحسن وعكرمة ومجاهد (١٣).

__________________

(١) في ب : القضية أن قوله.

(٢) بل : تكملة من الفخر الرازي.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧٠ ـ ٧١.

(٤) انظر البغوي ٦ / ١٦٨.

(٥) المرجع السابق.

(٦) المرجع السابق.

(٧) فعلى قول ابن جريج ومجاهد الضمير في «يقولون» على الكفار ، وعلى قول ابن عباس ومقاتل يعود على الملائكة.

(٨) في ب : يكونوا.

(٩) انظر البغوي ٦ / ١٦٨.

(١٠) انظر القرطبي ١٣ / ٢٢ ، البحر المحيط ٦ / ٤٧٨. وابن عرفة هو إبراهيم بن محمد بن عرفة الملقب بنفطويه ، من أئمة اللغة ، والنحو ، أخذ عن ثعلب والمبرد ، ومن مصنفاته : إعراب القرآن ، المقنع في النحو. الأمثال ، المصادر ، وغير ذلك ، مات سنة ٣٢٣ ه‍. بغية الوعاة ١ / ٣٢٨ ـ ٣٣٠.

(١١) الصحاح (هبا) ٦ / ٢٥٣٢.

(١٢) قال الخليل : (والهباء دقاق التراب ساطعة ومنثورة على وجه الأرض والهباء المنبث ما يظهر في الكوى من ضوء الشمس) العين (هبو) ٤ / ٦٧ وانظر معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٦٤.

(١٣) انظر البغوي ٦ / ١٦٩.

٥١٣

وقيل : الهباء ما تطاير من شرر النّار إذا أضرمت (١) ، والواحدة هباءة على حد تمر وتمرة. و «منثورا» أي (٢) : مفرّقا ، نثرت الشيء فرّقته. والنّثرة (٣) لنجوم متفرقة (٤). والنّثر : الكلام غير المنظوم على المقابلة بالشعر.

قال ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير : هو (٥) ما تسفيه الرياح ، وتذريه من التراب ، (وحطام الشجر (٦)) (٧).

وقال مقاتل : هو ما يسطع (٨) من حوافر الدواب عند السير (٩).

وفائدة الوصف به أنّ الهباء تراه منتظما مع الضوء ، فإذا حرّكته تفرّق ، فجيء بهذه الصفة لتفيد ذلك (١٠). وقال الزمخشري : أو مفعول ثالث (١١) ل «جعلناه» أي : فجعلناه جامعا لحقارة الهباء والتناثر (١٢) ، كقوله : «كونوا» (١٣)(قِرَدَةً خاسِئِينَ) [الأعراف : ٦٦] أي : جامعين للمسخ والخسأ (١٤).

قال أبو حيان : وخالف (١٥) ابن درستويه ، فخالف النحويين في منعه أن يكون ل (كان) خبران وأزيد (١٦) ، وقياس قوله في (جعل) أن يمنع (١٧) أن يكون لها خبر ثالث (١٨).

قال شهاب الدين : مقصوده أن كلام الزمخشري مردود قياسا على ما منعه ابن درستويه من تعديد (١٩) خبر (كان) (٢٠).

قوله : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) أي : من هؤلاء المشركين المستكبرين. (وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) موضع قائلة (٢١). وفي (أفعل) هاهنا قولان :

أحدهما : أنها على بابها من التفضيل ، والمعنى : أن المؤمنين خير في الآخرة

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٧٨.

(٢) في ب : و. وهو تحريف.

(٣) والنثرة : سقط من ب.

(٤) اللسان (نثر).

(٥) في ب : وهو.

(٦) انظر البغوي ٦ / ١٦٩.

(٧) ما بين القوسين سقط من ب.

(٨) في ب : يستطير.

(٩) انظر البغوي ٦ / ١٦٩.

(١٠) انظر الكشاف ٣ / ٩٤ ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٢.

(١١) في ب : ثان. وهو تحريف.

(١٢) في ب : المتناثر.

(١٣) كونوا : سقط من ب.

(١٤) الكشاف ٣ / ٩٤. والخسء : الطرد والدحر. اللسان (خسأ).

(١٥) في الأصل : وخالفه.

(١٦) ذهب ابن درستويه وابن أبي الربيع إلى منع تعدد خبر (كان) وقالا : ووجهه أن هذه الأفعال شبهت بما يتعدى إلى واحد فلا يزاد على ذلك والمجوزون قالوا : هو في الأصل خبر مبتدأ ، فإذا جاز تعدده مع العامل الأضعف وهو الابتداء فمع الأقوى أولى. انظر الهمع ١ / ١١٤.

(١٧) أن يمنع : سقط من ب.

(١٨) البحر المحيط ٦ / ٤٩٣.

(١٩) في ب : تقدير. وهو تحريف.

(٢٠) الدر المصون ٥ / ١٣٤.

(٢١) انظر البغوي ٦ / ١٧٠.

٥١٤

مستقرا من مستقرّ الكفار (وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) من مقيلهم ، لو فرض أن يكون لهم.

والثاني : أن يكون لمجرّد الوصف من غير مفاضلة (١).

فصل

قال المفسرون : يعني أن أهل الجنة لا يمرّ بهم يوم إلا قدر النهار من أوله إلى قدر القائلة حتى يسكنوا مساكنهم من الجنة (٢).

قال ابن مسعود : لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار ، وقرأ : «ثمّ إن مقيلهم لإلى الجحيم» وهكذا كان يقرأ (٣).

وقال ابن عباس في هذه الآية : الحساب ذلك اليوم في أوله (٤). وقال قوم : حين قالوا في منازلهم(٥).

قال الأزهري : القيلولة والمقيل (٦) : الاستراحة (٧) نصف النهار وإن لم يكن مع ذلك نوم ، لأن الله (٨) قال : (وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) والجنة لا نوم فيها (٩).

وروي «أن يوم القيامة يقصر على المؤمنين حتى يكون (١٠) كما بين العصر إلى غروب الشمس»(١١).

قوله تعالى : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (٢٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (٢٦) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً)(٢٩)

قوله : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ) العامل (١٢) في «يوم» إمّا (اذكر) ، وإمّا ينفرد (١٣) الله بالملك يوم تشقق (١٤) ، لدلالة قوله : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) عليه. وقرأ الكوفيون (١٥) وأبو عمرو [هنا وفي (ق) (١٦) «تشقّق» بالتخفيف ، والباقون بالتشديد (١٧) ، وهما واضحتان ،

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٩٣.

(٢) انظر البغوي ٦ / ١٧٠.

(٣) انظر المرجع السابق ، والفخر الرازي ٢٤ / ٧٢ ، القرطبي ١٣ / ٢٣.

(٤) انظر البغوي ٦ / ١٧٠.

(٥) المرجع السابق.

(٦) في ب : والقيل.

(٧) في ب : استراحة.

(٨) في ب : الله تعالى.

(٩) انظر التهذيب (قيل) ٩ / ٣٠٦.

(١٠) في ب : لا يكون. وهو تحريف.

(١١) انظر البغوي ٦ / ١٧٠.

(١٢) في ب : القائل. وهو تحريف.

(١٣) في ب : نوم ينفرد. وهو تحريف.

(١٤) انظر التبيان ٢ / ٩٨٤.

(١٥) وهم : عاصم ، وحمزة ، والكسائي. السبعة (٤٦٤).

(١٦) وهو قوله تعالى : «يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً» [ق : ٤٤].

(١٧) السبعة (٤٦٤) ، (٦٠٧ ـ ٦٠٨) ، الحجة لابن خالويه (٢٦٥) ، الكشف ٢ / ١٤٥ ، النشر ٢ / ٣٣٤ ، الإتحاف (٣٢٨).

٥١٥

حذف الأولون](١) تاء (٢) المضارعة أو تاء التفعل على خلاف في ذلك (٣) ، والباقون أدغموا تاء التفعل في الشين لما بينهما من المقاربة ، وهما ك «تظاهرون» و «تظّاهرون» حذفا وإدغاما ، وقد مضى في البقرة (٤). قوله (٥) : «بالغمام» في هذه الباء (٦) ثلاثة أوجه :

أحدها : على السببية ، أي : بسبب الغمام ، يعني بسبب طلوعها منها (٧) ، ونحوه (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) [المزمل : ١٨] كأنه الذي يتشقق به السماء (٨).

الثاني : أنها للحال ، أي : ملتبسة بالغمام (٩).

الثالث : أنها بمعنى (عن) ، أي : عن الغمام (١٠) كقوله : («يوم تشقّق الأرض عنهم (١١)) (١٢) ، [والباء وعن يتعاقبان (١٣) ، تقول : رميت عن القوس وبالقوس](١٤).

قوله : (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ) فيها اثنتا عشرة قراءة ثنتان في المتواتر ، وعشر (١٥) في الشاذ. فقرأ ابن كثير من السبعة «وننزل» بنون مضمومة ثم أخرى ساكنة وزاي خفيفة مكسورة مضارع (أنزل) ، و «الملائكة» بالنصب (١٦) مفعول به ، وكان من حق المصدر أن يجيء بعد هذه القراءة على (إنزال). قال أبو علي : لما كان (أنزل) و (نزّل) يجريان مجرى واحدا أجزأ (١٧) مصدر أحدهما عن مصدر الآخر ، وأنشد :

٣٨٧٢ ـ وقد تطوّيت انطواء الحضب (١٨)

__________________

(١) ق : ٤٤.

(٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(٣) في ب : بتاء.

(٤) انظر شرح التصريح ٢ / ٤٠١ ، الهمع ٢ / ٢٢٧ ، شرح الأشموني ٤ / ٣٥١.

(٥) عند قوله تعالى : «تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوان» [البقرة : ٨٥]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر «تظّاهرون» مشددة الظاء بألف ، وعاصم وحمزة والكسائي وعلي بن نصر عن أبي عمرو «تظاهرون» بالتخفيف. السبعة (١٦٣). وانظر اللباب ١ / ٢٠١.

(٦) قوله : سقط من ب.

(٧) في ب : التأويلات. وهو تحريف.

(٨) في ب : فيها.

(٩) انظر الكشاف ٣ / ٩٥.

(١٠) البيان ٢ / ٢٠٣.

(١١) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٦٧.

(١٢) ما بين القوسين في ب : عنهم سراعا.

(١٣) ذهب بعض الكوفيين إلى أن تعاقبهما خاص بالسؤال نحو قوله تعالى : «فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً»[الفرقان : ٥٩] ، بدليل قوله تعالى : (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) [الحديد : ١٢] ويرى البصريون أن الباء لا تكون بمعنى (عن) أصلا ، وتأولوا الآية الأولى على أنها للسببية. وقال ابن هشام ردا على رأي البصريين : وفيه بعد ، لأنه لا يقتضي قولك : سألت بسببه ، أن المجرور هو المسؤول عنه. المغني ١ / ١٠٤ ، الهمع ٢ / ٢٢.

(١٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٥) في النسختين : وتسع.

(١٦) السبعة (٤٦٤) ، الكشف ٢ / ١٤٥ ـ ١٤٦ ، النشر ٢ / ٣٣٤ ، الإتحاف (٣٢٨).

(١٧) في ب : خوأ. وهو تحريف.

(١٨) رجز قاله رؤية ، وهو في ديوانه (١٦) ، الكتاب ٤ / ٨٢ ، المخصص ٨ / ١١٠ ، ١٠ / ١٨٢ ، ١٤ / ١٨٧ ، أمالي ابن الشجري ٢ / ١٤١ ابن يعيش ١ / ١١٢ ، المقرب (٤٩١) اللسان (حضب) الهمع ١ / ١٨٧. ـ

٥١٦

لأنّ تطوّيت وانطويت بمعنى (١) ، ومثله : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) [المزمل : ٨] [أي : تبتّلا(٢)](٣) وقرأ الباقون من السبعة «ونزّل» بضم النون وكسر الزاي المشددة وفتح اللام ماضيا مبنيّا للمفعول ، «الملائكة» بالرفع (٤) لقيامه مقام الفاعل ، وهي موافقة لمصدرها.

وقرأ ابن مسعود وأبو رجاء «ونزّل» بالتشديد ماضيا مبنيّا للفاعل ، وهو الله تعالى ، «الملائكة» مفعول به. وعنه ـ أيضا ـ «وأنزل» مبنيّا للفاعل عداه بالتضعيف مرة ، و (٥) بالهمزة أخرى ، والاعتذار عن مجيء مصدره على التفعيل كالاعتذار عن ابن كثير (٦). وعنه ـ أيضا ـ «وأنزل» مبنيّا للمفعول(٧).

وقرأ هارون عن أبي عمرو (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ) بالتاء من فوق وتشديد الزاي ورفع اللام مضارعا مبنيّا للفاعل ، «الملائكة» بالرفع (٨) مضارع «نزّل» بالتشديد ، وعلى هذه القراءة ، فالمفعول محذوف ، أي : وتنزّل الملائكة ما أمرت أن تنزّله.

وقرأ الخفّاف عنه (٩)(١٠) ، وجناح بن حبيش «ونزل» مخففا مبنيّا للفاعل ، «الملائكة» بالرفع(١١). وخارحة عن أبي عمرو ـ أيضا ـ وأبو معاذ «ونزّل» بضم النون وتشديد الزاي ، ونصب «الملائكة» (١٢) ، والأصل : وننزل بنونين حذفت (إحداهما (١٣)) (١٤) وقرأ أبو عمرو

__________________

ـ الحضب : بالكسر : الذّكر الضخم من الحيات ، أو حية دقيقة. والشاهد فيه أن يكون الانطواء مصدر التطوي ، لأن المعنى واحد. قال سيبويه : (لأن معنى تطويت وانطويت واحد) الكتاب ٤ / ٨٢.

(١) قال ابن يعيش : (كل مصدرين يرجعان إلى معنى واحد ، فهذه المصادر أكثر النحويين يعمل فيها الفعل المذكور لاتفاقهما في المعنى ، وهو رأي أبي العباس المبرد ، والسيرافي ، وبعضهم يضمر لها فعلا من لفظها فيقول : التقدير : اجتوروا فتجاوروا تجاورا ، وتجاوروا فاجتوروا اجتوارا ، وكذلك قوله تعالى : «أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً» [نوح : ١٧] أي : أنبتكم فنبتم نباتا ، فتكون هذه المصادر منصوبة بفعل محذوف دلّ عليه الظاهر ، وهو مذهب سيبويه) ابن يعيش ١ / ١١٢ ، وانظر المقرب (٤٩١).

(٢) الحجة لأبي علي ٦ / ١٨.

(٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(٤) السبعة (٤٦٤) ، الكشف ٢ / ١٤٦ ، النشر ٢ / ٣٣٤ ، الإتحاف (٣٢٨).

(٥) و : سقط من ب.

(٦) انظر المختصر (١٠٤).

(٧) قال أبو حيان : (وقرأ الأعمش وعبد الله في نقل ابن عطية «وأنزل» ماضيا رباعيا مبنيّا للمفعول مضارعه ينزل) البحر المحيط ٦ / ٤٩٤.

(٨) قال أبو حيان : (وهارون عن أبي عمرو «وتنزل» بالتاء من فوق مضارع نزل مشدّدا مبنيّا للفاعل) البحر المحيط ٦ / ٤٩٤.

(٩) هو إبراهيم بن محمد أبو إسحاق المكي الخفاف ، قرأ على أحمد البزي ، قرأ عليه أبو بكر محمد بن عيسى الجصاص. طبقات القراء ١ / ٢٦.

(١٠) عنه : سقط من ب ، أي : عن أبي عمرو.

(١١) انظر المختصر (١٠٤) البحر المحيط ٦ / ٤٩٤.

(١٢) انظر المختصر (١٠٤) ، المحتسب ٢ / ١٢٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٤.

(١٣) قال ابن جني : (إلا أنه حذف النون الثانية التي هي فاء فعل نزل ، لالتقاء الساكنين استخفافا) المحتسب ٢ / ١٢٠.

(١٤) ما بين القوسين في الأصل : إحديهما.

٥١٧

وابن كثير في رواية عنهما بهذا الأصل «وننزّل» (١) بنونين وتشديد الزاي (٢). وقرأ أبيّ «ونزّلت» بالتشديد مبنيّا للمفعول (٣) ، «وتنزّلت» بزيادة تاء في أوله ، وتاء التأنيث (فيهما (٤)) (٥).

وقرأ (٦) أبو عمرو في طريقة الخفاف عنه «ونزل» بضم النون وكسر الزاي خفيفة مبنيّا للمفعول(٧). قال صاحب اللوامح : فإن صحت هذه القراءة فإنه حذف منها المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، تقديره : ونزل نزول الملائكة ، فحذف النزول ونقل إعرابه إلى «الملائكة» بمعنى : نزل نازل الملائكة ، لأنّ المصدر يجيء بمعنى الاسم ، وهذا مما (٨) يجيء على مذهب سيبويه (٩) ترتيب بناء اللازم للمفعول به ، لأنّ الفعل يدل على مصدره (١٠). قال شهاب الدين : وهذا تمحّل كثير دعت إليه ضرورة الصناعة (١١). وقال (١٢) ابن جني : وهذا غير معروف ، لأنّ (نزل) لا يتعدى إلى مفعول فيبنى هنا للملائكة (١٣) ، ووجهه أن يكون مثل زكم الرّجل وجنّ ، فإنه لا يقال إلا أزكمه ، وأجنّه الله ، وهذا باب سماع لا قياس (١٤). ونظير هذه القراءة ما تقدم في سورة الكهف في قراءة من قرأ «فلا يقوم لهم (١٥) يوم القيامة وزنا» (١٦) بنصب وزن من حيث تعدية القاصر ، وتقدم ما فيها.

فصل

الغمام : هو الأبيض الرقيق مثل الضباب ، ولم يكن إلّا لبني إسرائيل في تيههم (١٧). والألف واللام في «الغمام» ليس للعموم بل للمعهود ، وهو ما ذكره في قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ)(١٨) [البقرة : ٢١٠] قال ابن عباس : تتشقق

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من ب.

(٢) قال ابن خالويه :(«وننزل الملائكة» هارون عن أبي عمرو) المختصر (١٠٤).

(٣) المختصر (١٠٤) ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٤.

(٤) البحر المحيط ٦ / ٤٩٤.

(٥) ما بين القوسين في ب : فيها.

(٦) وقرأ : سقط من ب.

(٧) حكاها أبو حيان عن صاحب اللوامح ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٤ ، وفي المحتسب قال ابن جني : (وروى عبد الوهاب عن أبي عمرو «ونزل الملائكة» خفيفة) ٢ / ١٢١.

(٨) في ب : ما.

(٩) قال سيبويه : (هذا باب ما يكون من المصادر مفعولا فيرتفع كما ينتصب إذا شغلت الفعل به وينتصب إذا شغلت الفعل بغيره. قال : وإن شئت قلت سير عليه السير ، كما قلت : سير شديد. وإن وصفته كان أقوى وأبين ، كما كان ذلك في قوله : سير عليه ليل طويل ونهار طويل) الكتاب ١ / ٢٣٢.

(١٠) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٩٤.

(١١) الدر المصون ٥ / ١٣٦.

(١٢) في ب : قال.

(١٣) في ب : الملائكة.

(١٤) انظر المحتسب ٢ / ١٢١.

(١٥) في النسختين : له. وهو تحريف.

(١٦) [الكهف : ١٠٥].

(١٧) انظر القرطبي ١٣ / ٢٣ ـ ٢٤. البحر المحيط ٦ / ٤٩٤.

(١٨) [البقرة : ٢١٠]. وانظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧٤.

٥١٨

سماء الدنيا فينزل أهلها (١) ، وهم أكثر ممن في الأرض من (٢) الجن والإنس ، [ثم تشقق السماء الثانية ، فينزل أهلها وهم أكثر ممن في السماء الدنيا ومن الجن والإنس](٣) ثم كذلك حتى تشقق (٤) السماء السابعة ، وأهل كل سماء يزيدون على أهل السماء التي قبلها ، ثم ينزل الكروبيّون (٥) ، ثم حملة العرش(٦).

فإن قيل : ثبت بالقياس أن نسبة الأرض إلى سماء (٧) الدنيا كحلقة في فلاة ، فكيف بالقياس إلى(٨) الكرسي والعرش ، فملائكة هذه المواضع (بأسرها ، فكيف تتسع الأرض لكل هؤلاء؟

فالجواب : قال بعض المفسرين : الملائكة يكونون في الغمام ، والغمام يكون) (٩) مقرّ الملائكة(١٠).

قوله : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ) فيها أوجه :

أحدها : أن يكون «الملك» مبتدأ والخبر «الحقّ» و «يومئذ» متعلق ب «الملك» ، و «للرّحمن» متعلق ب «الحقّ» ، أو بمحذوف على التبيين ، أو بمحذوف على أنه صفة للحق (١١).

الثاني : أنّ الخبر «يومئذ» ، و «الحقّ» نعت للملك (١٢) ، [و «للرحمن» على ما تقدم](١٣).

[الثالث : أنّ الخبر «للرّحمن» و «يومئذ» متعلق ب «الملك» ، و «الحقّ» نعت للملك(١٤)](١٥).

قيل : ويجوز نصب الحق بإضمار (أعني) (١٦).

__________________

(١) كذا في ب ، وفي الأصل : غير أهلها.

(٢) في الأصل : ممن في السماء الدنيا ومن.

(٣) ما بين القوسين تكملة من البغوي.

(٤) في الأصل : تشق.

(٥) الكروبيون : سادة الملائكة ، منهم جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، هم المقربون الكرب القرب. اللسان (كرب).

(٦) انظر البغوي ٦ / ١٧١.

(٧) في ب : السماء.

(٨) إلى : سقط من ب.

(٩) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧٤.

(١١) انظر البيان ٢ / ٢٠٤ ، التبيان ٢ / ٩٨٤ ـ ٩٨٥ ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٥.

(١٢) انظر التبيان ٢ / ٩٨٥ ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٥.

(١٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٤) انظر البيان ٢ / ٢٠٤ ، التبيان ٢ / ٩٨٤ ، البحر المحيط ٦ / ٦ / ٤٩٥.

(١٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٦) قال الزجاج : (ويجوز : «الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ» ولم يقرأ بها ، ويكون النصب على وجهين :

أحدهما : على معنى الملك يومئذ للرحمن أحق ذلك الحق ، وعلى أعني الحقّ) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٦٥.

٥١٩

فصل

المعنى : أنّ الملك الذي هو الملك حقا ملك الرحمن يوم القيامة (١).

قال ابن عباس : يريد (٢) أنّ يوم القيامة لا ملك يقضي غيره (٣). ومعنى وصفه بكونه حقا : أنه لا يزول ولا يتغير (٤). فإن قيل : مثل هذا الملك لم يكن (٥) قط إلا للرحمن ، فما الفائدة في قوله : «يومئذ»؟. فالجواب لأنّ في ذلك اليوم لا مالك له سواه لا في الصورة ، ولا في المعنى ، فتخضع له الملوك وتعنو له الوجوه ، وتذل له الجبابرة بخلاف سائر الأيام (٦). (وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) أي : شديدا ، وهذا الخطاب يدلّ على أنه لا يكون على المؤمنين عسيرا ؛ جاء في الحديث «أنه يهوّن يوم القيامة على المؤمن حتى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا» (٧) قوله : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ) يوم معمول لمحذوف (٨) ، أو معطوف على (يَوْمَ تَشَقَّقُ). و «يعضّ» مضارع عضّ ، ووزنه فعل بكسر العين بدليل قولهم : عضضت أعضّ. وحكى الكسائي فتحها في الماضي (٩) ، فعلى هذا يقال : أعضّ بالكسر في المضارع. والعضّ هنا كناية عن شدة الندم ، ومثله : حرق نابه ، قال(١٠) :

٣٨٧٣ ـ أبى الضّيم والنّعمان يحرق نابه

عليه فأفضى (١١) والسّيوف معاقله (١٢)

وهذه الكناية أبلغ من تصريح المكني عنه (١٣).

فصل

(أل) في «الظّالم» تحتمل (١٤) العهد والجنس على خلاف في ذلك (١٥). فالقائلون (١٦) بالعهد اختلفوا على قولين :

الأول : قال ابن عباس : أراد بالظالم : عقبة بن أبي معيط بن أمية بن عبد شمس ، كان لا يقدم من سفر إلا صنع طعاما ، ودعا إليه جيرته وأشراف قومه ، وكان يكثر مجالسة

__________________

(١) انظر البغوي ٦ / ١٧١.

(٢) في ب : ويريد.

(٣) انظر البغوي ٦ / ١٧١.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧٤ ـ ٧٥.

(٥) في ب : يمكن. وهو تحريف.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧٥.

(٧) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٣ / ٧٥.

(٨) أي : اذكر. وانظر تفسير ابن عطية ١١ / ٣٢.

(٩) انظر إعراب القرآن للنحاس ٣ / ١٥٨ ، القرطبي ١٣ / ٢٥ ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٥.

(١٠) في ب : قوله.

(١١) في ب : فأمضى.

(١٢) البيت من بحر الطويل ، قاله زهير بن أبي سلمى في مدح حصن بن حذيفة بن بدر وقد تقدم.

(١٣) وهذه كناية عن صفة.

(١٤) في الأصل : تحمل.

(١٥) قال الزمخشري : (واللام في «الظالم» يجوز أن تكون للعهد يراد به عقبة خاصة ويجوز أن تكون للجنس ، فيتناول عقبة وغيره) الكشاف ٣ / ٩٥.

(١٦) في ب : والقائلون.

٥٢٠