اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٢

٣٨٦٢ ـ أفرح أن أرزأ الكرام وأن

أورث ذودا شصائصا نبلا (١)

يريد : أو تلك ، أو أأفرح (٢) ، فحذف لدلالة الحال ، وحقه أن يقف على «الأولين» (٣) قال الزمخشري : كيف قيل : «اكتتبها فهي تملى عليه» وإنما يقال : أمليت عليه فهو يكتبها. قلت فيه وجهان :

أحدهما : أراد اكتتابها وطلبه ، فهي تملى عليه ، أو كتبت له ، وهو أمر فهي تملى عليه ، أي : تلقى عليه من كتاب يتحفظها ، لأن صورة الإلقاء على الحافظ كصورة الإلقاء على الكاتب (٤).

وقرأ عيسى وطلحة «تتلى» بتاءين من [فوق (٥) من التلاوة. و «بكرة وأصيلا» ظرفا زمان للإملاء ، والياء (٦) في «تملى» بدل من](٧) اللام ، كقوله : (فَلْيُمْلِلْ)(٨) وقد تقدم.

فصل

المعنى : أن هذا القرآن ليس من الله ، إنما هو مما سطره الأولون كأحاديث رستم واسفنديار ، جمع أسطار وأسطورة (٩) كأحدوثة استنسخها محمد من أهل الكتاب «فهي تملى عليه» أي : تقرأ عليه ليحفظها لا ليكتبها «بكرة وأصيلا» غدوة (١٠) وعشيّا. قوله : (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ) الآية. وهذا جواب عن شبههم ، وذلك أنه ـ عليه‌السلام (١١) ـ تحداهم بالمعارضة وأظهر عجزهم عنها ، ولو كان عليه‌السلام (١١) أتى بالقرآن من عند نفسه ، أو استعان بأحد لكان من الواجب عليهم أيضا أن يستعينوا بأحد ، فيأتوا بمثل هذا القرآن ، فلما عجزوا عنه ثبت أنه وحي الله وكلامه ، فلهذا قال : (قُلْ أَنْزَلَهُ) يعني: القرآن «الّذي يعلم السّرّ» أي : الغيب (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ؛ لأن القادر على تركيب ألفاظ القرآن لا بد وأن يكون عالما بكل المعلومات ظاهرها وخفيها ، (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ

__________________

(١) البيت من بحر المنسرح ، قاله حضرمي بن عامر الأسدي ، وقد تقدّم.

والشاهد فيه حذف همزة الاستفهام ، للعلم بها ، والتقدير : أأفرح.

(٢) في ب : أفرح. وهو تحريف.

(٣) انظر الكشاف ٣ / ٨٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٢.

(٤) الكشاف ٣ / ٨٩.

(٥) تفسير ابن عطية ١٠ / ٥ ـ ٦ ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٢.

(٦) أي : باعتبار الأصل ، إذ هي في «تملى» ألف ولكن أصلها الياء ، فكان الأولى أن يعبر بالألف.

(٧) ما بين القوسين مكرر في ب.

(٨) [البقرة : ٢٨٢]. قال ابن عصفور : (وأبدلت من اللام في (أمليت الكتاب) إنما أصله أمللت ، فأبدلت اللام الأخيرة ياء ، هروبا من التضعيف ، وقد جاء القرآن باللغتين جميعا ، قال تعالى : «فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً» وقال عزوجل : «وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ» وإنما جعلنا اللام هي الأصل ؛ لأن أمللت أكثر من أمليت) الممتع ١ / ٣٧٣. وذكر ابن عادل هناك : ويقال : أمللته وأمليته ، فقيل : هما لغتان وقيل : الياء بدل من أحد المثلين ، وأصل المادة الإعادة مرة بعد أخرى. انظر اللباب ٢ / ١٤٥.

(٩) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٢٩ ، البيان ٢ / ٢٠٢.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥١.

(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

٤٨١

لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)(١) [النساء : ٨٢] ثم قال : (إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) ، فذكر الغفور في هذا الموضع لوجهين :

أحدهما : قال أبو مسلم : إنه لما أنزله لأجل الإنذار وجب أن يكون غفورا رحيما ، غير مستعجل بالعقوبة.

الثاني : أنهم استوجبوا بمكابرتهم هذه أن يصب عليهم العقاب صبّا ، ولكن صرف عنهم كونه غفورا رحيما ، يمهل ولا يعاجل (٢).

الشبهة الثالثة : قوله تعالى : (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ). الآية. «ما» استفهامية مبتدأة ، والجار بعدها خبر ، و «يأكل» جملة حالية (٣) ، وبها تتم فائدة الإخبار ، كقوله : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) [المدثر : ٤٩] وقد تقدم في النساء (٤) أن لام الجر كتبت مفصولة من مجرورها ، وهو خارج عن قياس الخط (٥). والعامل في الحال الاستقرار العامل في الجر ، أو نفس الجر ذكره أبو البقاء (٦).

قوله : «فيكون». العامة على نصبه ، وفيه وجهان :

أحدهما : نصبه على جواب التحضيض (٧).

والثاني : قال أبو البقاء : «فيكون» منصوب على جواب الاستفهام (٨). وفيه نظر ، لأن ما بعد الفاء لا يترتب على هذا الاستفهام ، وشرط النصب أن ينعقد منهما شرط وجزاء. وقرىء «فيكون» بالرفع (٩) وهو معطوف على «أنزل» ، وجاز عطفه على الماضي ؛ لأن المراد بالماضي المستقبل إذ التقدير : لو لا ينزل (١٠).

قوله : «أو يلقى ... أو تكون» معطوفان على «أنزل» لما تقدم من كونه بمعنى

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥١.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٢.

(٣) انظر التبيان ٢ / ٩٨١.

(٤) عند قوله تعالى : «فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً» [النساء : ٧٨].

(٥) لأن قياس الخط اتصال لام الجر بمجرورها ، وذكر مكي أن علة الفصل أنه كتب على لفظ المملي ، كأنه كان يقطع لفظه «مال ... هذا» فكتب الكاتب على لفظه ، وذكر أن الفراء قال : أصله : ما بال هذا الرسول ، ثم حذف (با) فبقيت اللام منفصلة. وقيل : إن أصل حروف الجر أن تأتي منفصلة مما بعدها نحو (في ، عن ، على) فأتى ما هو على حرف على قياس ما هو على حرفين. مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٣٠.

(٦) قال أبو البقاء : (قوله تعالى : «يَأْكُلُ الطَّعامَ» هو في موضع الحال ، والعامل فيها العامل في «لهذا» أو نفس الظرف) التبيان ٢ / ٩٨١.

(٧) انظر الكشاف ٣ / ٨٩ ، البيان ٢ / ٢٠٢ ، التبيان ٢ / ٩٨١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٣.

(٨) التبيان ٢ / ٩٨١.

(٩) حكاه أبو معاذ. المختصر (١٠٤) ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٣.

(١٠) انظر الكشاف ٣ / ٨٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٣ ، وجوّز أبو حيان أيضا أن يكون جواب التحضيض على إضمار (هو) ، أي فهو يكون.

٤٨٢

ينزل ، ولا يجوز أن يعطفا على «فيكون» المنصوب في الجواب ؛ لأنهما مندرجان في التحضيض في حكم الواقع بعد «لو لا» ، وليس المعنى على أنهما جواب للتحضيض ، فيعطفا على جوابه (١). وقرأ الأعمش وقتادة «أو يكون له» بالياء من تحت (٢) ؛ لأن تأنيث الجنة مجازي (٣).

قوله : «يأكل منها» الجملة في موضع الرفع صفة ل «جنّة». وقرأ الأخوان (٤) «نأكل» بنون الجمع ، والباقون بالياء من تحت أي : الرسول (٥).

قوله : «وقال الظّالمون» وضع الظاهر موضع المضمر ؛ إذ الأصل «وقالوا».

قال الزمخشري : وأراد بالظالمين إياهم بأعيانهم (٦).

قال أبو حيان : وقوله ليس تركيبا سائغا بل التركيب العربي أن يقول أرادهم (٧) بأعيانهم (٨).

فصل

وهذه الشبهة التي ذكروها في نهاية الرذالة ، فقالوا : «مال هذا الرّسول يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق» يلتمس المعاش كما نلتمس فمن أين له الفضل علينا؟ وكيف يمتاز عنّا بالنبوة ، وهو مثلنا في هذه الأمور.

وقالوا : (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ) هلّا أنزل إليه ملك (فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) يصدقه ويشهد له ، ويرد على من خالفه. «أو يلقى إليه كنز» من السماء ، فينفعه ولا يحتاج إلى تردد لطلب المعاش ، وكانوا يقولون له : لست أنت بملك ، لأنك تأكل والملك لا يأكل ، ولست بملك ؛ لأن الملك لا يتسوق ، وأنت تتسوق وتتبذل. وما قالوه فاسد (٩) ؛ لأن أكله الطعام لكونه آدميا ، ومشيه في الأسواق لتواضعه ، وكان ذلك صفة له. وقالوا : (أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) ، والمعنى : إن لم يكن له كنز فلا أقلّ أن يكون كواحد من الدهاقين (١٠) ، فيكون له بستان يأكل منه (١١)(وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) مخدوعا ، وقيل : مصروفا عن الحق. وتقدمت هذه القصة في آخر بني إسرائيل (١٢). ثم أجابهم الله تعالى عن هذه الشبهة بقوله : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ)

__________________

(١) انظر الكشاف ٣ / ٨٩ ، البيان ٢ / ٢٠٢ ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٣.

(٢) انظر المختصر (١٠٤) ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٣.

(٣) في ب : مجاز.

(٤) حمزة والكسائي.

(٥) السبعة (٤٦٢) ، الحجة لابن خالويه (٢٦٤) ، الكشف ٢ / ١٤٤ ، النشر ٢ / ٣٣٣ ، الإتحاف (٣٢٧).

(٦) الكشاف ٣ / ٨٩.

(٧) في ب : أراهم. وهو تحريف.

(٨) البحر المحيط ٦ / ٤٨٣.

(٩) في ب : كاسد. وهو تحريف.

(١٠) الدهاقين : جمع دهقان أو دهقان : التاجر ، فارسي معرب. اللسان (دهق).

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٢.

(١٢) وهي سورة الإسراء ، انظر اللباب ٥ / ٣٢٥ ـ ٣٢٦.

٤٨٣

يعني الأشباه فضلوا عن الحق (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) إلى الهدى ومخرجا عن الضلالة.

وبيان وجه الجواب كأنه تعالى قال : انظر كيف اشتغل القوم بضرب هذه الأمثال التي لا فائدة فيها : لأجل أنهم لما ضلوا وأرادوا (١) القدح في نبوّتك لم يجدوا إلى القدح فيه سبيلا البتّة ، إذ الطعن عليه إنما يكون بما يقدح في المعجزات التي ادعاها لا بهذا الجنس من القول (٢).

قوله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (١٠) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (١١) إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (١٢) وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (١٣) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً)(١٤)

قوله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ) الآية وهذا هو الجواب الثاني عن تلك الشبهة (٣) ، أي : تبارك الّذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك الذي قالوا ، وأفضل من الكنز والبستان الذي ذكروا ، أي : أنه قادر على أن يعطي الرسول كل ما ذكروه ، ولكنه تعالى يعطي عباده بحسب المصالح ، أو على وفق المشيئة (٤) ، ولا اعتراض لأحد عليه في شيء من أفعاله (٥).

قال ابن عباس : (خَيْراً مِنْ ذلِكَ) أي : مما عيّروك بفقد الجنة الواحدة ، وهو سبحانه قادر على أن يعطيك جنات كثيرة. وقال في رواية عكرمة : (خَيْراً مِنْ ذلِكَ) أي : من المشي في الأسواق وابتغاء المعاش (٦).

وقوله : «إن شاء» معناه : أنه تعالى قادر على ذلك لا أنه شاكّ ، لأن الشك لا يجوز على الله تعالى. وقيل : «إن» ههنا بمعنى (قد) ، أي : قد (٧) جعلنا لك في الآخرة جنات ومساكن ، وإنما أدخل (إن) تنبيها للعباد على أنه لا ينال ذلك إلا برحمته ، وأنه معلق على محض مشيئته ، وليس لأحد من العباد حق على الله لا في الدنيا ولا في الآخرة (٨).

قوله : «جنّات». يجوز أن يكون بدلا من «خيرا» (٩) وأن يكون عطف بيان لذلك الخير عند من يجوزه في النكرات (١٠) ، وأن يكون منصوبا بإضمار أعني. و (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) صفة.

قوله : «ويجعل لك» قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر برفع «يجعل» ، والباقون

__________________

(١) في ب : وأراد. وهو تحريف.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٢.

(٣) الشبهة : مكرر في الأصل.

(٤) في ب : السنة.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٣.

(٦) المرجع السابق.

(٧) قد : سقط من ب.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٣ ـ ٥٤.

(٩) انظر التبيان ٢ / ٩٨١.

(١٠) وهو مذهب الكوفيين والفارسي والزمخشري. الهمع ٢ / ١٢١.

٤٨٤

بإدغام لام «يجعل» في لام «لك» (١) وأما الرفع ففيه وجهان :

أحدهما : أنه مستأنف (٢).

والثاني : أنه معطوف على جواب الشرط. قال الزمخشري (٣) : لأن الشرط إذا وقع ماضيا جاز في جوابه الجزم والرفع ، كقوله :

٣٨٦٣ ـ وإن أتاه خليل يوم مسألة

يقول لا غائب مالي ولا حرم (٤)

قال الزمخشري (٥) : وليس هذا مذهب سيبويه بل مذهبه أن الجواب محذوف ، وأن هذا المضارع منويّ به التقديم (٦) ، ومذهب المبرد والكوفيين أنه جواب على حذف الفاء (٧) ، ومذهب آخرين أنه جواب لا على حذفها بل لما كان الشرط ماضيا ضعف تأثير (إن) فارتفع (٨). فالزمخشري بنى قوله على هذين المذهبين. ثم قال أبو حيان : وهذا التركيب جائز فصيح ، وزعم بعض أصحابنا أنه لا يجيء إلا في ضرورة (٩). وأما القراءة الثانية فتحتمل وجهين :

__________________

(١) السبعة (٤٦٢) ، الحجة لابن خالويه (٢٦٤) ، الكشف ٢ / ١٤٤ ، النشر ٢ / ٢٣٣ ، الاتحاف (٣٢٧).

(٢) انظر البيان ٢ / ٢٠٢ ، التبيان ٢ / ٩٨١.

(٣) الكشاف ٣ / ٩٠.

(٤) البيت من بحر البسيط ، قاله زهير بن أبي سلمى في مدح هرم بن سنان وهو في ديوانه (١٥٣) ، الكتاب ٣ / ٦٦ ، المقتضب ٢ / ٦٨ ، المحتسب ٢ / ٦٥ ، الانصاف ٢ / ٦٢٥ ، المغني ٢ / ٤٢٢ ، شذور الذهب ٣٤٩. المقاصد النحوية ٤ / ٤٢٩ ، التصريح ٢ / ٢٤٩ ، الهمع ٢ / ٦٠ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٨٣٨ ، الأشموني ٤ / ١٧ الخليل : الفقير. المسألة : السؤال ، ويروى مسغبة أي مجاعة حرم : ممنوع.

أورده الزمخشري شاهدا على رفع المضارع الواقع جزاء الشرط إذا كان فعل الشرط ماضيا. ومذهب سيبويه رفع (يقول) على نية التقديم ، وتقديره : يقول إن أتاه خليل ، وجاز هذا لأن (إن) غير عاملة في اللفظ ، فسيبويه يرى أن هذا المضارع ليس هو جواب الشرط ، ولكنه دليل على الجواب ومذهب المبرد أنه جواب الشرط على حذوف الفاء.

(٥) ليس القائل الزمخشري ، وإنما قائل ذلك أبو حيان ردّا على الزمخشري ولعله سهو من الناسخ.

(٦) قال سيبويه : (وقد تقول : إن أتيتني آتيك ، أي : آتيك إن أتيتني ، قال زهير :

وإن أتاه خليل يوم مسألة

يقول لا غائب مالي ولا حرم

ولا تحسن إن تأتني آتيك من قبل أن إن هي العاملة ، وقد جاء في الشعر قال جرير بن عبد الله البجلي :

يا أقرع بن حابس يا أقرع

إنك إن يصرع أخوك تصرع

أي إنك تصرع إن يصرع أخوك) الكتاب ٣ / ٦٦ ـ ٦٧.

(٧) قال المبرد : (فمن ذلك قول زهير :

وإن أتاه خليل يوم مسألة

يقول لا غائب مالي ولا حرم

فقوله : (يقول) على إرادة الفاء على ما ذكرت لك) المقتضب ٢ / ٦٨.

وانظر الهمع ٢ / ٦٠ ـ ٦١ ، الأشموني ٤ / ١٧ ـ ١٨.

(٨) لم ينسب هذا المذهب إلى نحاة مخصوصين. انظر البحر المحيط ٦ / ٤٨٤ ، الهمع ٢ / ٦ ، الأشموني ٤ / ١٨.

(٩) البحر المحيط ٦ / ٤٨٤.

٤٨٥

أحدهما : أن سكون اللام للجزم عطفا على محل (جعل) (١) ؛ لأنه جواب الشرط (٢).

والثاني : أنه مرفوع ، وإنما سكن لأجل الإدغام. قاله الزمخشري (٣) وغيره (٤). وفيه نظر من حيث إن من جملة من قرأ بذلك وهو نافع والأخوان وحفص ليس من أصولهم الإدغام حتى يدعى لهم في هذا المكان. نعم أبو عمرو أصله الإدغام وهو يقرأ هنا بسكون اللام فيحتمل ذلك على قراءته ، وهذا من محاسن علم النحو والقراءات معا (٥) وقال (٦) الواحدي (٧) : وبين القراءتين فرق في المعنى ، فمن جزم فالمعنى : إن شاء يجعل لك قصورا في الدنيا ، ولا يحسن الوقف على «الأنهار» ومن رفع حسن الوقف (على «الأنهار») (٨) واستأنف (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) في الآخرة.

وقرأ ابن سليمان (٩) وطلحة بن سليمان (١٠) «ويجعل» بالنصب (١١) ، وذلك بإضمار أن على جواب الشرط ، واستضعفها ابن جنيّ (١٢) ، ومثل هذه القراءة قوله (١٣) :

٣٨٦٤ ـ فإن يهلك أبو قابوس يهلك

ربيع النّاس والبلد الحرام

ونأخذ بعده بذناب عيش

أجبّ الظّهر ليس له سنام (١٤)

بالتثليث في (نأخذ).

فصل

القصور جماعة القصر ، وهو المسكن الرفيع. قال المفسرون : القصور هي البيوت

__________________

(١) في ب : يجعل. وهو تحريف.

(٢) انظر التبيان ٢ / ٩٨١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٤.

(٣) قال الزمخشري : (ويجوز في «وَيَجْعَلْ لَكَ» إذا أدغمت أن تكون اللام في تقدير الجزم والرفع جميعا) الكشاف ٢ / ٩٠.

(٤) قال أبو البقاء : (ويجوز أن يكون من جزم سكن المرفوع تخفيفا وأدغم) التبيان ٢ / ٩٨١.

(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٨٤.

(٦) في ب : قال.

(٧) تقدم.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) صوابه : عبيد الله بن موسى كما في المحتسب ٢ / ١١٨ ، وتفسير ابن عطية ١١ / ٩ ـ ١٠ والبحر المحيط ٦ / ٤٨٤. وابن سليمان هو : عبيد الله بن سليمان أبو القاسم النحامي البغدادي مقرىء ، روى قراءة يعقوب عن محمد بن هارون التمار عن محمد بن المتوكل. طبقات القراء ١ / ٤٨٧ ـ ٤٨٨.

(١٠) هو طلحة بن سليمان السمان مقرىء ، أخذ القراءة عرضا عن فياض بن غزوان عن طلحة بن مصرف ، وله شواذ تروى عنه ، روى القراءة عنه إسحاق بن سليمان أخوه ، وغيره. طبقات القراء ١ / ٣٤١.

(١١) المحتسب ٢ / ١١٨ ، تفسير ابن عطية ١١ / ٩ ـ ١٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٤.

(١٢) قال ابن جني : (نصبه على أنه جواب الجزاء ، كقولك : إن تأتني آتك وأحسن إليك ، وجازت إجابته بالنصب لما لم يكن واجبا إلا بوقوع الشرط من قبله ، وليس قويا مع ذلك ، ألا تراه بمعنى قولك : أفعل كذا إن شاء الله) المحتسب ٢ / ١١٨.

(١٣) قوله : سقط من الأصل.

(١٤) البيتان من بحر الوافر قالهما النابغة الذبياني. وقد تقدما.

٤٨٦

المشيدة ، والعرب تسمي كل بيت مشيد قصرا. ويحتمل أن يكون لكل جنة قصر فيكون مسكنا ومنتزها ، ويجوز أن يكون القصور مجموعة والجنات مجموعة.

وقال مجاهد : «إن شاء جعل لك جنات» في الآخرة وقصورا في الدنيا (١).

روي أنه ـ عليه‌السلام (٢) ـ قال : «عرض عليّ ربّي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا ، فقلت : لا يا ربّ ، ولكن أشبع يوما وأجوع يوما ـ أو (٣) قال ثلاثا ، أو نحو هذا ـ فإذا جعت تضرّعت إليك ودعوتك ، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك» (٤) وروت عائشة قالت : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : لو شئت لسارت معي جبال الذهب جاءني ملك فقال : إنّ ربك يقرأ عليك السلام ويقول إن شئت كنت نبيا عبدا ، وإن شئت نبيا ملكا ، فنظرت إلى جبريل ـ عليه‌السلام ـ فأشار إليّ أن ضع نفسك ، فقلت : نبيا عبدا قالت : وكان النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بعد ذلك لا يأكل متكئا ، ويقول : آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد (٥) وعن ابن عباس قال : بينما رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ جالس وجبريل ـ عليه‌السلام ـ معه فقال جبريل : «هذا ملك قد نزل من السّماء استأذن ربّه في زيارتك» فلم يلبث إلا قليلا حتى جاء الملك وسلم على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقال : «إنّ الله يخيرك أن يعطيك مفاتيح كلّ شيء لم يعط أحد قبلك ولا يعطيه أحدا بعدك من غير أن ينقصك مما أداك شيئا» فقال عليه‌السلام (٦) : بل يجمعهما لي جميعا في الآخرة فنزل (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ) الآية (٧). قوله تعالى (٨) : (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ) أي : بالقيامة ، فلا يرجون ثوابا ولا عقابا فلا يتكلفون (٩) النظر والفكر ولهذا لا ينتفعون بما يورد عليهم من الدلائل. (وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً). قال أبو مسلم : «أعتدنا» أي : جعلناها عتيدا ومعدة (١٠) لهم ، والسعير : النار الشديدة الاستعار ، وعن الحسن : أنه اسم جهنم (١١).

فصل

احتج أهل السنة على أن الجنة مخلوقة بقوله تعالى : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران : ١٣٣] وعلى أن النار التي هي دار العقاب مخلوقة بهذه الآية (١٢).

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٤.

(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٣) في ب : و.

(٤) أخرجه الترمذي (زهد) ٤ / ٦ ، أحمد ٥ / ٢٥٤ ، وانظر البغوي ٦ / ١٦٠ والفخر الرازي ٢٤ / ٥٤.

(٥) انظر البغوي ٦ / ١٦٠ ـ ١٦١ ، والفخر الرازي ٢٤ / ٥٤.

(٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٤ ، والدر المنثور ٥ / ٦٣ ـ ٦٤.

(٨) تعالى : سقط من ب.

(٩) في الأصل : يتكلفوا.

(١٠) في النسختين : معدا والتصويب من الفخر الرازي.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٥.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٥.

٤٨٧

قال الجبائي : يحتمل في قوله : «وأعتدنا» أن المراد منه نار الدنيا ، وبها نعذب الكفار والفساق في قبورهم ، ويحتمل نار الآخرة ، ويكون المعنى : «وأعتدنا» أي : سنعدّها (١) ، كقوله تعالى : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ) [الأعراف : ٤٤]. وهذا جواب ساقط ، لأن المراد من السعير إما نار الدنيا ، أو نار الآخرة ، فإن كان الأول فإما أن يكون المراد أنه تعالى يعذبهم في الدنيا بنار الدنيا ، أو يعذبهم في الآخرة بنار الدنيا (٢) والأول باطل ، لأنه تعالى ما عذبهم بالنار في الدنيا ، والثاني ـ أيضا ـ باطل ؛ لأنه لم يقل أحد من الأمة إنه تعالى يعذب الكفرة في الآخرة بنيران الدنيا. فثبت أن المراد نار الآخرة وأنها معدة.

وأما حمل الآية على أن الله تعالى سيجعلها معدة فترك للظاهر من غير دليل (٣). قوله : (إِذا رَأَتْهُمْ) هذه الجملة الشرطية في موضع نصب صفة ل «سعيرا» (٤) ، لأنه مؤنث بمعنى النار.

قوله : (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) فإن قيل : التّغيّظ لا يسمع. فالجواب من ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه على حذف مضاف ، أي : صوت تغيظها (٥).

والثاني : أنه على حذف تقديره : سمعوا ورأوا تغيظا وزفيرا ، فيرجع كل واحد إلى ما يليق به ، أي: رأوا تغيظا وسمعوا زفيرا (٦).

والثالث (٧) : أن يضمن «سمعوا» معنى يشمل الشيئين ، أي : أدركوا لها تغيظا وزفيرا (٨).

وهذان الوجهان الأخيران منقولان من قوله :

٣٨٦٥ ـ ورأيت زوجك في الوغى

متقلّدا سيفا ورمحا (٩)

ومن قوله :

٣٨٦٦ ـ علفتها تبنا وماء باردا (١٠)

أي : ومعتقلا رمحا ، وسقيتها ماء ، أو (١١) يضمّن (متقلّدا) معنى متسلحا ،

__________________

(١) في ب : سعدها.

(٢) في ب : الآخرة. وهو تحريف.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٥.

(٤) في الآية التي تسبقها : (١١). انظر التبيان ٢ / ٩٨١.

(٥) انظر البيان ٢ / ٢٠٢.

(٦) في ب : وزفيرا سمعوا.

(٧) في ب : الثاني. وهو تحريف.

(٨) انظر الوجهين في البحر المحيط ٦ / ٤٨٥.

(٩) من مجزوء الكامل ، قاله عبد الله بن الزبعرى ، شرح المفصل ٢ / ٥٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٥ ، وروي : يا ليت زوجك قد غدا. وروي أيضا : يا ليت بعلك في الوغى. وقد تقدم.

(١٠) رجز قاله ذو الرمة ، وبعده :

حتّى شتت همالة عيناها

وتقدم تخريجه في سورة الحج.

(١١) في ب : و.

٤٨٨

و (علفتها) معنى أطعمتها (١) تبنا (٢) وماء (٣) باردا.

فصل

معنى (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ). قال الكلبي والسديّ : من مسيرة عام. وقيل : من مسيرة مائة سنة (٤). روي عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : «من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ بين عيني جهنم مقعدا» قالوا : وهل لها من عينين؟ قال : نعم ألم تسمع قول الله ـ عزوجل ـ (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ)(٥).

وقيل : إذا رأتهم زبانيتها (٦). قال الجبائي : إن الله تعالى ذكر النار وأراد الخزنة الموكلين بتعذيب أهل النار ، لأن الرؤية تصح منهم ولا تصح من النار ، فهو كقوله (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(٧) وأراد أهلها (٨).

قوله : (وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً). «مكانا» منصوب على الظرف (٩) ، و «منها» في محل نصب على الحال من «مكانا». لأنه في الأصل صفة له (١٠). و «مقرّنين» حال من مفعول «ألقوا» (١١) ، و «ثبورا» مفعول به (١٢) ، فيقولون : واثبوراه (١٣) ، ويجوز أن يكون مصدرا من معنى «دعوا» (١٤) ، وقيل : منصوب بفعل من لفظه مقدر تقديره ثبرنا ثبورا (١٥).

وقرأ معاذ بن جبل «مقرّنون» بالواو (١٦) ، ووجهها (١٧) أن تكون بدلا من مفعول «ألقوا»(١٨) وقرأ عمرو (١٩) بن محمد (٢٠) «ثبورا» بفتح الثاء (٢١) ، والمصادر التي على

__________________

(١) في ب : وأطعمتها.

(٢) تبنا : سقط من ب.

(٣) في ب : ماء.

(٤) انظر البغوي ٦ / ١٦١.

(٥) أخرجه الطبري في تفسيره ١٨ / ١٤٠ وانظر البغوي ٦ / ١٦١. والدر المنثور ٥ / ٦٤.

(٦) انظر البغوي ٦ / ١٦١.

(٧) من قوله تعالى : «وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ» [يوسف : ٨٢].

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٦.

(٩) انظر التبيان ٢ / ٩٨١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٥.

(١٠) انظر التبيان ٢ / ٩٨١.

(١١) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٨٥.

(١٢) انظر التبيان ٢ / ٩٨١.

(١٣) في ب : يا ثبوراه.

(١٤) انظر التبيان ٢ / ٩٨١.

(١٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٨٥.

(١٦) المختصر (١٠٤).

(١٧) في ب : وجهها.

(١٨) الذي ناب عن الفاعل وهو بدل نكرة من معرفة. البحر المحيط ٦ / ٤٨٥.

(١٩) كما في البحر المحيط وفي المختصر : عمر.

(٢٠) هو عمرو بن محمد بن برزة أبو جعفر الأصبهاني ، روى القراءة عرضا عن أبي عمرو الدوري ، روى القراءة عنه عرضا محمد بن يعقوب المعدل ، وغيره ، وذكره ابن أشتة فقال فيه عمرو. طبقات القراء ١ / ٥٩٦.

(٢١) المختصر (١٠٤) ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٥.

٤٨٩

(فعول) بالفتح قليلة جدا (١) ، وينبغي أن يضم هذا إليها ، وهي مذكورة في البقرة عند قوله (وَقُودُهَا النَّاسُ)(٢).

فصل

قال ابن عباس : يضيق جهنم عليهم كما يضيق الزج (٣) على الرمح ، وهو منقول أيضا عن ابن عمر (٤). وسئل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن ذلك فقال : «إنّهم يستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط» (٥).

قال الكلبي : الأسفلون يرفعهم اللهب والأعلون يخفضهم (٦) الداخلون فيزدحمون في تلك الأبواب(٧). قال الزمخشري : الكرب مع الضيق كما أن الفرج (٨) مع السعة ، ولذلك وصف الجنة بأن عرضها السموات والأرض (٩).

وقوله : «مقرّنين» (أي : مصفدين (١٠) قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال (١١). وقيل: مقرنين) (١٢) مع الشياطين في السلاسل ، كل كافر مع شيطان ، فعندما يشاهدون (١٣) هذا العذاب دعوا بالويل والثبور (١٤).

قال ابن عباس : يقولون : ويلا (١٥). وقال الضحاك : هلاكا (١٦). فيقولون : واثبوراه فهذا حينك وزمانك ، فيقال لهم : (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) أي : هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة فادعوا أدعية كثيرة (١٧).

__________________

(١) قال سيبويه : (هذا باب ما جاء من المصادر على فعول ، وذلك قولك توضأت وضوءا حسنا ، وأولعت به ولوعا. وسمعنا من العرب من يقول: وقدت النار وقودا عاليا ، وقبله قبولا ، والوقود أكثر. والوقود الحطب ، وتقول : إن على فلان لقبولا ، فهذا مفتوح) الكتاب ٣ / ٤٢.

(٢) [البقرة : ٢٤]. وذكر هناك : «وقودها» بفتح الواو ، أي ما توقد به ، وأما بضمها فهو المصدر ، هذه التفرقة على المشهور في أن المفتوح اسم للآلة والمضموم مصدر ، وبعضهم قال : كل من الفتح والضم يجري في الآلة والمصدر ، فما توقد به النار يقال له : وقود بالفتح والضم وإيقادها كذلك ، وكذا يقال في الوضوء والسحور والطهور ونحو ذلك. انظر اللباب ١ / ٨٨.

(٣) الزج : الحديدة التي تركب في أسفل الرمح ، والجمع أزجاج وأزجة وزجاج وزججة. اللسان (زجج).

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٤.

(٥) أخرجه ابن أبي حاتم عن يحيى بن أسيد. الدر المنثور ٥ / ٦٤.

(٦) في النسختين : يحفظهم.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٦.

(٨) في الكشاف : الروح.

(٩) الكشاف ٣ / ٩٠.

(١٠) الصفد والصفاد : الشدّ. وصفده يصفده صفدا وصفودا وصفده : أوثقه وشده وقيده في الحديد وغيره.

اللسان (صفد).

(١١) انظر البغوي ٦ / ١٢٦.

(١٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٣) في النسختين : يشاهدوا.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٦.

(١٥) في ب : ويلاه. انظر البغوي ٦ / ١٦٢.

(١٦) المرجع السابق.

(١٧) المرجع السابق.

٤٩٠

قال الكلبي : نزل هذا كله في أبي جهل والكفار الذين ذكروا تلك الشبهات (١).

قوله تعالى : (قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً(١٥) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً)(١٦)

قوله تعالى : (أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ) الآية. لما وصف العقاب المعد للمكذبين بالساعة أتبعه بما يؤكد الحسرة والندامة فقال : (أَذلِكَ خَيْرٌ).

فإن قيل : كيف يقال : العذاب خير أم جنة الخلد؟ وهل يجوز أن يقول العاقل : السكر أحلى أم الصبر؟ فالجواب : هذا يحسن في معرض التقريع كما إذا أعطى السيد عبده مالا فتمرد وأبى واستكبر فضربه ويقول له : أهذا (٢) خير أم ذلك (٣)؟

فصل

قال أبو مسلم : جنة الخلد : هي التي لا ينقطع نعيمها ، والخلد والخلود سواء (٤) كالشكر والشكور ، قال تعالى : (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) [الإنسان : ٩]. فإن قيل : الجنة اسم لدار مخلدة ، فأي فائدة في قوله : (جَنَّةُ الْخُلْدِ)؟ فالجواب : الإضافة قد تكون للتبيين ، وقد تكون لبيان صفات الكمال ، كقوله تعالى : (الْخالِقُ الْبارِئُ)(٥) وهذا من هذا الباب (٦).

فصل

احتج المعتزلة بهذه الآية على إثبات الاستحقاق من وجهين :

الأول : اسم الجزاء لا يتناول إلا المستحق ، فأما الموعود بمحض التفضيل فلا يسمى جزاء.

والثاني : لو كان المراد بالجزاء ما صرتم إليه بمجرد الوعد فلا يبقى بين قوله : «جزاء» وبين قوله: «مصيرا» تفاوت ، فيصير ذلك تكريرا من غير فائدة.

والجواب : أنه لا نزاع في كونه جزاء إنما النزاع في أن كونه جزاء ثبت بالوعد أو بالاستحقاق ، وليس في الآية ما يدل على التعيين (٧).

فإن قيل : إن الجنة ستصير للمتقين جزاء ومصيرا لكنها بعد ما صارت كذلك ، فلم قال الله (كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً)؟

فالجواب من وجهين :

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٧.

(٢) في الأصل : هذا.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٧.

(٤) في اللسان (خلد) : خلد يخلد خلدا وخلودا : بقي ودام.

(٥) من قوله تعالى :«هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى» [الحشر : ٢٤].

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٧ ـ ٥٨.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٨.

٤٩١

الأول : أن ما وعده فهو في تحققه كأنه قد كان ؛ ولأنه قد كان مكتوبا في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم الله بأزمنة متطاولة أن الجنة جزاؤهم (ومصيرا) (١)(٢).

قوله : (لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) هو نظير قوله : (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) [فصلت: ٣١] ، (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ)(٣). فإن قيل : أهل الدرجات النازلة إذا شاهدوا الدرجات العالية لا بد وأن يريدوها ، فإذا سألوها ربهم ، فإن أعطاها لم يبق بين الناقص والكامل تفاوت في الدرجة ، وإن لم يعطها قدح ذلك في قوله (لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) ، وأيضا فالأب إذا كان ولده في دركات النيران وأشد العذاب فلو اشتهى أن يخلصه الله تعالى (٤) من ذلك العذاب ، (فلا بد وأن يسأل ربه أن يخلصه منه) (٥) ، فإن فعل قدح ذلك في أن عذاب الكافر مخلد ، وإن لم يفعل قدح ذلك في قوله: (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) [فصلت : ٣١] ، وفي قوله : (لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ) (٦).

والجواب أن الله تعالى يزيل (٧) هذا الخاطر عن قلوب أهل الجنة ويشتغلون (٨) بما هم فيه من اللذات عن الالتفات إلى حال غيرهم (٩).

قوله : «خالدين» منصوب على الحال ، إما من فاعل «يشاءون» وإما من فاعل «لهم»(١٠) ، لوقوعه خبرا ، والعائد على «ما» محذوف ، أي : لهم فيها الذي يشاءونه حال كونهم خالدين.

قوله : (كانَ عَلى رَبِّكَ) في اسم «كان» وجهان :

أحدهما : أنه ضمير (ما يَشاؤُنَ) ذكره أبو البقاء (١١).

والثاني : أن (١٢) يعود على الوعد المفهوم من قوله (وُعِدَ الْمُتَّقُونَ)(١٣). و «مسؤولا» على المجاز ، يسأل هل وفى لك أم لا ، أو يسأله من وعد به.

فصل

قوله : (كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً) يدل على أن الجنة حصلت بحكم الوعد لا بحكم الاستحقاق كما تقدم (١٤). وقوله : «مسؤولا» أي : مطلوبا ، قيل : إنّ المتقين سألوا

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٨ ـ ٥٩.

(٢) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(٣) [الزخرف : ٧١] و «تشتهي» بغير هاء بعد الياء قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر ، والباقون «تشتهيه» بهاء بعد الياء. السبعة (٥٨٨ ـ ٥٨٩).

(٤) تعالى : سقط من ب.

(٥) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.

(٦) ما بين القوسين في ب : ما لهم ما يشاءون.

(٧) في ب : يزيد. وهو تحريف.

(٨) في ب : ويشغلون.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٩.

(١٠) انظر البيان ٢ / ٢٠٣. التبيان ٢ / ٩٨١.

(١١) قال أبو البقاء : (الضمير في «كان» يعود على «ما») التبيان ٢ / ٩٨٢. وانظر أيضا الكشاف ٣ / ٩.

(١٢) في ب : أنه.

(١٣) من الآية السابقة (١٥). التبيان ٢ / ٩٨٢.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٠.

٤٩٢

ربهم في الدنيا فقالوا : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ)(١) [آل عمران : ١٩٤] وقال محمد بن كعب القرظي : الملائكة سألوا ربهم للمؤمنين بقولهم (٢) : (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ)(٣) [غافر : ٨].

وقيل : إن المكلفين سألوه (٤) بلسان الحال ؛ لأنهم لما تحملوا المشقة الشديدة في طاعة الله كان ذلك قائما مقام السؤال ، قال المتنبي (٥) :

٣٨٦٧ ـ وفي النّفس حاجات وفيك فطانة

سكوتي كلام عندها وخطاب (٦)

وقيل : (وَعْداً مَسْؤُلاً) أي : واجبا وإن لم يسأل. قاله الفراء (٧) وقيل : «مسؤولا» أي : من حقه أن يكون مسؤولا ، لأنه حق واجب إما بحكم الاستحقاق على قول المعتزلة ، أو بحكم الوعد على قول أهل السنة (٨).

قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (١٨) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (١٩) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) (٢٠)

قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) الآية قرأ ابن عامر «نحشرهم ... فنقول» بالنون فيهما ، وابن كثير وحفص بالياء من تحت فيهما ، والباقون بالنون في الأوّل وبالياء في الثاني (٩). وهنّ واضحات.

__________________

(١) [آل عمران : ١٩٤]. انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٠.

(٢) بقولهم : سقط من ب.

(٣) [غافر : ٨]. انظر القرطبي ١٣ / ٩ ـ ١٠.

(٤) في ب : سألوا.

(٥) هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الكوفي الكندي ، أبو الطيب المتنبي الشاعر الحكيم ، وأحد مفاخر الأدب العربي ، له الأمثال السائرة ، والحكم البالغة والمعاني المبتكرة مات سنة ٣٥٤ ه‍.

الأعلام ١ / ١١٠ ـ ١١١.

(٦) ينظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٠. البيت من بحر الطويل قاله المتنبي من قصيدة في مدح كافور ، وهو في ديوانه ١ / ٣٢٤ ، يقول : إن في نفسي حاجات لا ينبعث بها لساني وأنت من الفطانة بحيث تدركها دون أن أذكرها ، فسكوتي عنها يقوم مقام الإفصاح عنها.

(٧) معاني القرآن ٢ / ٢٦٣.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٠.

(٩) السبعة (٤٦٢ ـ ٤٦٣) ، الحجة لابن خالويه (٢٦٥) ، الكشف ٢ / ١٤٤ ـ ١٤٥ النشر ٢ / ٣٣٣ ، الإتحاف (٣٢٨).

٤٩٣

وقرأ الأعرج (١) «نحشرهم» بكسر الشين (٢) في جميع القرآن.

قال ابن عطية : هي (٣) قليلة في الاستعمال قوية في القياس ، لأن يفعل بكسر العين في المتعدي أقيس من يفعل بضم العين (٤). وقال أبو الفضل الرازي : وهو القياس في الأفعال الثلاثية المتعدية ؛ لأن يفعل بضم العين قد يكون من اللازم الذي هو فعل بضمها في الماضي (٥). قال أبو حيان : وليس كما ذكرا (٦) بل فعل المتعدي الصحيح جميع حروفه إذا لم يكن للمبالغة ، ولا حلقي عين ولا لام فإنه جاء على يفعل ويفعل كثيرا ، فإن شهر أحد (٧) الاستعمالين اتّبع وإلا فالخيار حتى إن بعض أصحابنا خيّر فيهما سمعا للكلمة أم لم يسمعا (٨).

قال شهاب الدين : الذي خيّر في ذلك ابن عصفور ، فيجيز (٩) أن يقول : زيد يفعل بكسر العين ، ويضرب بكسر الراء مع سماع الضم في الأول والكسر في الثاني (١٠) وسبقه إلى ذلك ابن درستويه(١١) (إلا أن) (١٢) النحاة على خلافه (١٣).

قوله : (وَما يَعْبُدُونَ) عطف على مفعول «يحشرهم» ، ويضعف نصبه على المعية (١٤) ، وغلب غير العاقل عليه فأتي ب «ما» دون «من».

__________________

(١) في ب : الأعمش ، وهو تحريف.

(٢) المحتسب ٢ / ١١٩ ، تفسير ابن عطية ١١ / ١٦ ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٨.

(٣) في ب : وهي.

(٤) تفسير ابن عطية ١١ / ١٦ ، وانظر توجيه ابن جني لهذه القراءة في المحتسب ٢ / ١١٩.

(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٨٨.

(٦) في ب : ذكر.

(٧) في ب : أحدا. وهو تحريف.

(٨) البحر المحيط ٦ / ٤٨٨.

(٩) في ب : فحير. وهو تحريف.

(١٠) وذلك أن فعل المتعدي الصحيح جميع حروفه إذا لم يكن للمبالغة ، ولم تكن عينه أو لامه حرفا حلقيا ، ولا مضعفا ، يكون مضارعه على (يفعل ، ويفعل) بكسر العين وضمها نحو ضرب يضرب ، وقتل يقتل ، وجلس يجلس ، وقعد يقعد إلا أن ابن عصفور جوز الجمع بينهما في الفعل الواحد ، قال : (وقد يجتمعان في الفعل الواحد ، نحو : عكف يعكف ويعكف ، وهما جائزان سمعا للكلمة أو لم يسمع إلا أحدهما) الممتع ١ / ١٧٥.

(١١) تقدم.

(١٢) ما بين القوسين في ب : لأن.

(١٣) قال الرضي : (فقالوا قياس مضارع فعل المفتوح عينه إما الضم أو الكسر ، وتعدى بعض النحاة ـ وهو أبو زيد ـ هذا ، وقال : كلاهما قياس ، وليس أحدهما أولى به من الآخر ، إلا أنه ربما يكثر أحدهما في عادة ألفاظ الناس حتى يطرح الآخر ، ويقبح استعماله ، فإن عرف الاستعمال فذاك ، وإلا استعملا معا ، وليس على المستعمل شيء ، وقال بعضهم : بل القياس الكسر ، لأنه أكثر ، وأيضا هو أخفّ من الضم) شرح الشافية ١ / ١١٧ ـ ١١٨. وانظر الدر المصون ٥ / ١٣٠.

(١٤) جوز أبو البقاء الوجهين. التبيان ٢ / ٩٨٢.

٤٩٤

فصل

ظاهر قوله : (وَما يَعْبُدُونَ) أنها الأصنام ، لأن (ما) لما لا يعقل. وظاهر قوله : (فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ) أنه من عبد من الأحياء كالملائكة والمسيح وعزير وغيرهم ؛ لأن الإضلال وجد بهم فلهذا اختلفوا (١).

فقال مجاهد : أراد الملائكة والجن والمسيح وعزير (٢). وقال عكرمة والضحاك والكلبي : يعني الأصنام (٣). فقيل لهم : كيف يخاطب الله تعالى (٤) الجماد فأجابوا بوجهين :

أحدهما : أنه تعالى (٤) يخلق الحياة فيها ويخاطبها.

والثاني (٥) : أن يكون ذلك بالكلام النفساني لا بالقول اللساني بل بلسان الحال كما ذكر بعضهم في تسبيح الموات ، وكلام الأيدي والأرجل ، وكما (٦) قيل سل (٧) الأرض من شق أنهارك ، وغرس أشجارك؟ فإن لم يحصل جوابا أجابتك اعتبارا (٨).

وقال الأكثرون : المراد الملائكة وعيسى وعزير ـ عليهم‌السلام (٩) ـ قالوا : ويتأكد هذا القول بقوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) [سبأ : ٤٠] فإن قيل : لفظة «ما» لا تستعمل في العقلاء. فالجواب من وجهين :

الأول : لا نسلم أن كلمة «ما» لا تستعمل لمن لا يعقل ؛ لأنهم قالوا : «من» لمن (١٠) لا يعقل في قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) [النور : ٤٥].

الثاني : أنه أريد به الوصف كأنه قيل : ومعبودهم.

وقال تعالى : (وَالسَّماءِ وَما بَناها) [الشمس : ٥] ، (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) [الكافرون : ٣] وهذا لا يستقيم إلا على أحد هذين الوجهين (١١).

فصل

قالت المعتزلة : (وفيه كسر بيّن لقول من يقول إن) (١٢) الله يضل عباده في الحقيقة لأنه لو كان الأمر كذلك لكان الجواب الصحيح أن يقول : إلهنا (١٣) ههنا قسم ثالث

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦١.

(٢) انظر البغوي ٦ / ١٦٣.

(٣) المرجع السابق.

(٤) تعالى : سقط من ب.

(٥) في ب : وثالثها. وهو تحريف.

(٦) في ب : كما.

(٧) في ب : الأرض سل.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦١.

(٩) في ب : عليهما الصلاة والسلام.

(١٠) لمن : سقط من ب.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦١.

(١٢) ما بين القوسين في النسختين : هذه الآية تدل على القائلين بأن. والتصويب من الفخر الرازي.

(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦١.

٤٩٥

غيرهما هو الحق ، وهو أنّك أضللتهم ، فلما لم يقولوا ذلك بل نسبوا ضلالهم (١) إلى أنفسهم ، علمنا أنه تعالى لا يضل أحدا من عباده ، فإن قيل : لا نسلم أن المعبودين ما تعرضوا لهذا القسم بل ذكروه ، وقالوا(٢) : (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) ، وهذا تصريح بأن ضلالهم إنما حصل لأجل ما فعل الله بهم ، وهو أنه تعالى متّعهم وآباءهم بنعيم الدنيا. قلنا : لو كان الأمر كذلك لكان يلزم أن يصير الله محجوجا في يد (٣) أولئك المعبودين ، ومعلوم أنه ليس الغرض ذلك بل الغرض أن يصير الكافر محجوجا مفحما ملوما (٤).

وأجاب أهل السنة بأن القدرة على الضلال إن لم تصلح للاهتداء فالإضلال من (٥) الله ، وإن صلحت له لم يترجح اقتدارها للضلال على اقتدارها على الاهتداء إلا لمرجح من الله تعالى ، وعند ذلك يزول السؤال.

وأما ظاهر الآية وإن كان لهم لكنه معارض بسائر الظواهر المطابقة لقولنا (٦).

قوله : «هؤلاء» يجوز أن يكون نعتا ل «عبادي» أو بدلا (٧) أو بيانا.

قوله : (ضَلُّوا السَّبِيلَ) على حذف حرف الجر وهو «عن» كما صرح به في قوله (يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام : ١١٧] ثم اتّسع فيه (٨) فحذف نحو هدى ، فإنّه يتعدّى ب (إلى) وقد يحذف اتساعا (٩). و «ضلّ» مطاوع (أضلّ) (١٠). فإن قيل : إنّه تعالى كان عالما في الأزل بحال المسؤول عنه فما فائدة هذا السؤال؟

فالجواب : هذا سؤال تقريع للمشركين كما قيل لعيسى (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ)(١١) [المائدة : ١١٦]. فإن قيل : فما فائدة «أنتم» ، وهلّا قيل : أأضللتم (١٢) عبادي هؤلاء أم ضلوا السبيل؟

فالجواب : هذا سؤال عن الفاعل فلا بدّ من ذكره حتى يعلم أنه المسؤول عنه (١٣).

وقوله : (أَأَنْتُمْ (١٤) أَضْلَلْتُمْ ... أَمْ هُمْ ضَلُّوا)(١٥) (إنما قدم الاسم على الفعل) (١٦)

__________________

(١) في ب : إضلالهم.

(٢) في ب : ولكن قالوا.

(٣) في ب : بدا.

(٤) في ب : معلوما.

(٥) في النسختين : فمن.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦١ ـ ٦٢.

(٧) انظر التبيان ٢ / ٩٨٢.

(٨) فيه : سقط من ب.

(٩) قال الزمخشري : (وكان القياس : ضل عن السبيل إلا أنهم تركوا الجار كما تركوه في (هداه الطريق) والأصل : إلى الطريق وللطريق) الكشاف ٣ / ٩١.

(١٠) انظر الكشاف ٣ / ٩١.

(١١) [المائدة : ١١٦]. انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٢.

(١٢) في الأصل : أضللتم ، وفي ب : ضللتم.

(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٢.

(١٤) في ب : أنتم.

(١٥) في ب : ضلوا السبيل.

(١٦) ما بين القوسين سقط من ب.

٤٩٦

كما تقدم في قوله : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ)(١) [المائدة : ١١٦].

قوله : «ينبغي» العامة على بنائه للفاعل ، وأبو عيسى الأسود القارىء (٢) «ينبغى» مبنيّا للمفعول. قال ابن خالويه : زعم سيبويه أنّ «ينبغى» لغة (٣).

قوله : «أن نتّخذ» فاعل «ينبغي» ، أو (٤) مفعول قائم مقام الفاعل في قراءة الأسود وقرأ العامة «نتّخذ» مبنيّا للفاعل ، و (مِنْ أَوْلِياءَ) مفعوله وزيدت فيه (من) ويجوز أن يكون مفعولا أوّل (٥) على أن (اتّخذ) متعديا لاثنين (٦).

ويجوز أن لا تكون المتعدية لاثنين بل لواحد ، فعلى هذا (مِنْ دُونِكَ) متعلق بالاتخاذ ، أو بمحذوف على أنه حال من «أولياء».

وقرأ أبو الدرداء ، وزيد بن ثابت ، وأبو رجاء ، والحسن ، وأبو جعفر في آخرين : «نتّخذ» مبنيّا للمفعول (٧). وفيه أوجه :

أحدها : أنها المتعدية لاثنين ، فالأول : «هم» ضمير الاثنين (٨) ، والثاني : قوله : (مِنْ أَوْلِياءَ) و «من» للتبعيض ، أي : ما كان ينبغي أن نتخذ بعض أولياء ، قاله الزمخشري (٩).

الثاني : أنّ (١٠)(مِنْ أَوْلِياءَ) هو المفعول الثاني ـ (أيضا ـ إلّا أن «من» مزيدة في المفعول الثاني) (١١). وهذا مردود بأن «من» لا تزاد في المفعول الثاني إنما تزاد في الأول (١٢). قال ابن عطية : ويضعف هذه القراءة دخول «من» في قوله : (مِنْ أَوْلِياءَ) اعترض بذلك سعيد بن جبير وغيره (١٣). قال الزجاج : أخطأ من قرأ بفتح الخاء وضم النون ، لأنّ «من» إنما تدخل في هذا الباب إذا كانت مفعولة أولا (١٤) ولا تدخل (١٥) على مفعول الحال ، تقول (١٦) : ما اتخذت من

__________________

(١) وذكر ابن عادل هناك : دخلت الهمزة على المبتدأ لفائدة ذكرها أهل البيان وهو أن الفعل إذا علم وجوده وشك في نسبته إلى شخص أولي الاسم المشكوك في نسبته إلى الفعل إليه الهمزة فيقال : أأنت ضربت زيدا ، فضرب زيد قد صدر في الوجود وإنما شك في نسبته إلى المخاطب ، وإن شك في أصل وقوع الفعل أولي الفعل للهمزة ، فيقال : أضربت زيدا ، لم تقطع بوقوع الضرب بل شككت فيه ، والحاصل أن الهمزة يليها المشكوك فيه. انظر اللباب ٣ / ٣٦٤ ، وانظر أيضا دلائل الإعجاز ١٤١ ـ ١٤٥.

(٢) لم أقف له على ترجمة.

(٣) المختصر (١٠٤) ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٨.

(٤) في ب : و.

(٥) في ب : أولا.

(٦) انظر التبيان ٢ / ٩٨٢.

(٧) المختصر (١٠٤) ، المحتسب ٢ / ١١٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٩ ، الإتحاف (٣٢٨).

(٨) انظر الكشاف ٣ / ٩٢ ، التبيان ٢ / ٩٨٢.

(٩) قال الزمخشري : (فالأول ما بني له الفعل ، والثاني «مِنْ أَوْلِياءَ» و «من» للتبعيض ، أي : لا تتخذ بعض أولياء) الكشاف ٣ / ٩٢.

(١٠) أن : سقط من الأصل.

(١١) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٢) انظر التبيان ٢ / ٩٨٢.

(١٣) تفسير ابن عطية ١١ / ١٨.

(١٤) في ب : أم لا. وهو تحريف.

(١٥) في ب : ولا بدخول. وهو تحريف.

(١٦) في ب : كقولك.

٤٩٧

أحد وليا ، ولا يجوز ما اتخذت أحدا من وليّ (١).

الثالث : أن يكون (مِنْ أَوْلِياءَ) في موضع الحال قاله ابن جني إلّا أنه قال : ودخلت «من» زيادة (٢) لمكان (٣) النفي المتقدم كقولك : ما اتخذت زيدا من وكيل (٤). فظاهر هذا أنه جعل الجار والمجرور (في موضع الحال ، وحينئذ يستحيل أن تكون «من» مزيدة ولكنه يريد أن هذا المجرور) (٥) هو الحال نفسه و «من» مزيدة فيه إلّا أنه لا يحفظ زيادة «من» في الحال وإن كانت منفية وإنما حفظ زيادة الباء فيها على خلاف في ذلك (٦). فإن قيل : هذه القراءة غير جائزة ، لأنه لا مدخل لهم في أن يتخذهم غيرهم أولياء. قلنا : المراد أنا لا نصلح لذلك ، فكيف ندعوهم إلى عبادتنا (٧)؟ وقرأ الحجاج : نتّخذ من دونك [أولياء](٨) فبلغ عاصما فقال : مقّت المخدج (٩) ، أو ما علم أنّ فيها «من» (١٠).

فصل

أجابوا بقولهم : «سبحانك». وفيه وجوه :

أحدها : أنه تعجب منهم ، تعجبوا مما قيل لهم ؛ لأنهم ملائكة ، والأنبياء معصومون فما أبعدهم عن الإضلال الذي هو مختصّ بإبليس وجنوده.

وثانيها : أنهم نطقوا ب «سبحانك» ليدلوا على أنهم المسبحون الموسومون (١١) بذلك ، فكيف يليق بحالهم أن يضلوا عباده.

__________________

(١) انظر معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٦٠.

(٢) لزيادة : سقط من ب.

(٣) في ب : مكان.

(٤) قال ابن جني : (أما إذا ضمت النون فإن قوله «مِنْ أَوْلِياءَ» في موضع الحال ، أي ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك أولياء ، ودخلت «من» زائدة لمكان النفي ، كقولك : اتخذت زيدا وكيلا ، فإن نفيت قلت : ما اتخذت زيدا من وكيل ، وكذلك أعطيته درهما ، وما أعطيته من درهم ، وهذا في المفعول) المحتسب ٢ / ١٢٠.

(٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(٦) ذهب ابن مالك إلى جواز زيادة الباء في الحال المنفي عاملها ، كقوله :

فما رجعت بخائبة ركاب

حكيم بن المسيّب منتهاها

وقوله :

كائن دعيت إلى بأساء داهمة

فما انبعثت بمزؤود ولا وكل

وخالفه أبو حيان ، وخرج البيتين على أن التقدير بحاجة خائبة وبشخص مزؤود أي مذعور ، ويريد المزؤود نفسه. انظر شرح الكافية الشافية ٢ / ٧٢٨ ، المغني ١ / ١١٠.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٣.

(٨) زيادة يقتضيها السياق ويؤيدها نص البحر ٦ / ٤٨٩.

(٩) المقت : أشدّ الإبغاض. اللسان (مقت) دعاء عليه لنقصانه القراءة. خدجت الناقة وكل ذات ظلف وحافر ، تخدج وتخدج خداجا وهي خدوج وخادج وخدجت وخدّجت كلاهما : ألقت ولدها قبل أوانه لغير تمام الأيام وإن كان تام الخلق. اللسان (خدج).

(١٠) المختصر (١٠٤). البحر المحيط ٦ / ٤٨٩.

(١١) في ب : الموسون.

٤٩٨

وثالثها : قصدوا بالتسبيح تنزيهه عن الأنداد سواء كان المسبح وثنا أو نبيا أو ملكا.

ورابعها : قصدوا تنزيهه أن يكون مقصوده من هذا السؤال استفادة علم أو إبراء من كان بريئا من الجرم ، بل إنما سألهم تقريعا للكفار وتوبيخا لهم (١).

وقولهم : (ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ).

معناه (٢) : إذا كنا (٣) لا نرى أن يتخذ من دونك وليا ، فكيف ندعو غيرنا إلى ذلك ، أي

ما كان لنا أن نأمرهم بعبادتنا ونحن نعبدك. وقيل : ما كان ينبغي لنا أن نكون أمثال الشياطين. وقيل : ما كان لنا أن نتخذ من دون رضاك من أولياء ، أي : إنا علمنا أنك لا ترضى بهذا فما فعلنا ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وقيل : قالت الملائكة : (إنّا وهم عبيدك ، ولا ينبغي لعبيدك أن يتخذوا من دون إذنك وليا ولا حبيبا فضلا عن أن يتخذ عبدا آخر إلها. وقيل : قالت الأصنام) (٤) : إنا لا يصلح منا أن نكون من العابدين فكيف يمكننا ادعاؤنا من المعبودين (٥).

قوله : (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ). لمّا تضمّن كلامهم أنّا لم نضلهم ولم نحملهم على الضلال حسن هذا الاستدراك ، وهو أن ذكروا سببه ، أي : أنعمت عليهم وتفضلت فجعلوا ذلك ذريعة إلى ضلالهم عكس القضية. والمعنى متعتهم وآباءهم في الدنيا بطول العمر والصحة والنعمة (٦).

(حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) تركوا الموعظة والإيمان بالقرآن (٧). وقيل : تركوا ذكرك وغفلوا عنه (٧).

قوله : (وَكانُوا قَوْماً بُوراً) أي : هلكى غلب عليهم الشقاء والخذلان (٧). و «بورا» يجوز فيه وجهان :

أحدهما : أنه جمع بائر كعائذ و (٨) عوذ (٩).

والثاني : أنه مصدر في الأصل كالزور ، فيستوي فيه المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث ، وهو من البوار وهو الهلاك (١٠).

وقيل من الفساد ، وهي (١١) لغة الأزد ، يقولون : بارت بضاعته أي : فسدت ، وأمرنا بائر ، أي: فاسد (١٢) ، وهذا معنى قولهم : كسدت البضاعة.

وقال الحسن : هو من قولهم : أرض بور ، أي : لا نبات بها (١٣). وهذا يرجع إلى معنى الهلاك والفساد.

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٢.

(٢) في ب : عبادة. وهو تحريف.

(٣) في النسختين : كان.

(٤) ما بين القوسين مكرر في الأصل.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٣.

(٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٨٩.

(٧) انظر البغوي ٦ / ١٦٤.

(٨) و : سقط من ب.

(٩) العوذ : الحديثات النتاج من الظباء والإبل والخيل ، واحدتها عائذ مثل حائل وحول. اللسان (عوذ).

(١٠) ذكر الوجهين الزمخشري. الكشاف ٣ / ٩٢.

(١١) في ب : وهو.

(١٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٨٩.

(١٣) المرجع السابق.

٤٩٩

قوله تعالى (١) : (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ) هذا خطاب مع المشركين ، أي : كذّبكم المعبودون في قولكم إنهم (٢) آلهة وإنهم أضلوكم. وقيل (٣) : خطاب للمؤمنين في الدنيا ، أي : فقد كذبوكم أيها المؤمنون الكفار بما تقولون من التوحيد في الدّنيا ، وهو معنى قوله (بِما تَقُولُونَ)(٤). وهذه (٥) الجملة من كلام الله تعالى اتفاقا ، فهي على إضمار القول والالتفات. قال الزمخشري : هذه المفاجأة بالاحتجاج (٦) والإلزام (٧) حسنة رائعة ، وخاصة إذا انضمّ إليها الالتفات وحذف القول ، ونحوها قوله (٨) : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ)(٩) [المائدة : ١٩] ، وقول القائل :

٣٨٦٨ ـ قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا

ثمّ القفول فقد جئنا خراسانا (١٠)

انتهى (١١).

يريد أنّ الأصل في الآية الكريمة فقلنا فقد (١٢) كذبوكم ، وفي البيت : فقلنا قد جئنا. وقرأ أبو حيوة وقنبل في رواية ابن أبي الصلت (١٣) عنه بالياء من تحت (١٤) ، أي : «فقد كذّبكم (١٥) الآلهة بما يقولون (سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ) إلى آخره وقيل : المعنى : فقد كذبكم أيها المؤمنون الكفار بما يقولون) (١٦) من الافتراء عليكم (١٧).

قوله : «فما يستطيعون». قرأ حفص بتاء الخطاب (١٨) ، والمراد عبّادها ، والمعنى فما تستطيعون أنتم يا كفار صرف العذاب عنكم. وقيل : الصرف : التوبة ، وقيل : الحيلة (١٩).

__________________

(١) تعالى : سقط من ب.

(٢) في الأصل : إنه.

(٣) في ب : وهذا.

(٤) انظر القرطبي ١٣ / ١٢ ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٩.

(٥) في ب : هذه.

(٦) في ب : والاحتجاج.

(٧) والإلزام : سقط من ب.

(٨) في ب : قوله عزوجل.

(٩) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٠) البيت من بحر البسيط قاله العباس بن الأحنف ، وهو في ديوانه (٣١٢). دلائل الإعجاز (٩٠) ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٩ ، شرح شواهد الكشاف (١٣١). القفول : الرجوع. والشاهد فيه قوله : (فقد جئنا) فهو على حذف القول. والتقدير : قفلنا قد جئنا.

(١١) الكشاف ٣ / ٩٢.

(١٢) في الأصل : قد.

(١٣) هو ابن أبي الصلت المحبر ممن سمع عليه محمد بن علي بن محمد بن موسى أبو بكر ابن الخياط.

طبقات القراء ٢ / ٢٠٩.

(١٤) السبعة (٤٦٣) ، النشر ٢ / ٣٣٤ ، الإتحاف (٣٢٨).

(١٥) في ب : كذبوكم.

(١٦) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٧) عليكم : سقط من ب.

(١٨) السبعة (٤٦٣) ، الكشف ٢ / ١٤٥ ، النشر ٢ / ٣٣٤ ، الإتحاف (٣٢٨).

(١٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٤ ..

٥٠٠