اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٢

لكل من آمن وعمل صالحا ، ولم يكن الأمر كذلك ، نزلنا عنه ، ولكن لم لا يجوز أن يكون المراد من قوله: «ليستخلفنّهم» هو أنه تعالى أسكنهم في الأرض ، ومكنهم من التصرف ، لأنّ المراد خلافة الله ، ويدل عليه قوله : (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) واستخلاف من كان قبلهم لم يكن بطريق الأمانة ، فوجب أن يكون الأمن في حقهم أيضا ، كذلك نزلنا عنه ، لكن هاهنا ما يدل على أنه لا يجوز حمله على خلافة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لأن (١) من مذهبكم أنه ـ عليه‌السلام (٢) ـ لم يستخلف أحدا ، وروي عن علي ـ رضي الله عنه (٣) ـ أنه قال : «أنزلتكم كما نزلت نبي الله» (٤) فعبر عنه بلفظ الجمع على سبيل التعظيم كقوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)(٥) ، وقال في حق علي ـ رضي الله عنه (٦) ـ : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ)(٧) ، نزلنا عنه ، ولكن نحمله على الأئمة الاثني عشر؟

والجواب عن الأول : أن كلمة «من» للتبعيض ، فقوله : «منكم» يدل على أنّ المراد من هذا الخطاب بعضهم.

وعن الثاني : أن الاستخلاف بالمعنى الذي ذكرتموه حاصل لجميع الخلق ، والمذكور هاهنا في معرض البشارة ، فلا بدّ وأن يكون مغايرا له.

وأما قوله تعالى : (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) فالذين كانوا قبلهم قد (٨) كانوا خلفاء تارة بسبب النبوة وتارة بسبب الملك ، فالخلافة (٩) حاصلة في الصورتين.

وعن الثالث : أنه وإن كان مذهبنا أنه عليه‌السلام (١٠) لم يستخلف أحدا بالتعيين ، ولكن قد استخلف بذكر الوصف والأمر والإخبار ، فلا يمتنع في هؤلاء أنه تعالى استخلفهم ، وأن الرسول استخلفهم ، وعلى هذا الوجه قالوا في أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ خليفة رسول الله (١١) ، والذي قيل : إنه عليه‌السلام (١٢) لم يستخلف أريد به على وجه التعيين ، وإذا (١٣) قيل : استخلف ، فالمراد (١٤) على طريق الوصف والأمر.

وعن (١٥) الرابع : أن حمل لفظ (١٦) الجمع على الواحد مجاز ، وهو خلاف الأصل.

__________________

(١) في ب : لأنه.

(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٣) في ب : كرم الله وجهه.

(٤) كذا في النسختين ، وفي الفخر الرازي : (أترككم كما ترككم رسول الله) نزلنا عنه ، لكن لما لا يجوز أن يكون المراد منه عليا عليه‌السلام.

(٥) [القدر : ١].

(٦) في ب : كرم الله وجهه.

(٧) [المائدة : ٥٥].

(٨) قد : سقط من ب.

(٩) في ب : والخلافة.

(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١١) في ب : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(١٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٣) في ب : فإذا.

(١٤) في ب : والمراد.

(١٥) في الأصل : على.

(١٦) في ب : اللفظ.

٤٤١

وعن الخامس : أنه باطل لوجهين :

أحدهما : قوله تعالى : (مِنْكُمْ) يدل على أنّ الخطاب كان مع الحاضرين ، وهؤلاء الأئمة ما كانوا حاضرين.

الثاني : أنه تعالى وعدهم القوة والشوكة والبقاء في العالم ، ولم يوجد ذلك فيهم. فثبت بهذا صحة إمامة الأئمة الأربعة ، وبطل قول الرافضة الطاعنين على أبي بكر وعمر وعثمان ، وعلى بطلان قول الخوارج ، الطاعنين على عثمان وعلي (١).

قوله : «ومن كفر بعد ذلك» أراد كفر النعمة ، ولم يرد الكفر بالله تعالى ، (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) العاصون لله عزوجل. قال المفسرون : أول من كفر بهذه النعمة وجحد حقها (٢) الذين قتلوا عثمان ، فلما قتلوه غير الله ما بهم وأدخل عليهم الخوف حتى صاروا يقتتلون (٣) بعد أن (٤) كانوا إخوانا(٥). روى حميد بن هلال (٦) قال : قال عبد الله بن سلام في عثمان : إن الملائكة لم تزل محيطة بمدينتكم هذه منذ قدمها رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حتى اليوم ، فو الله لئن قتلتموه لتذهبون ثم لا تعودون أبدا ، فو الله لا يقتله رجل منكم إلا لقي الله أجذم لا يد له ، وإن سيف الله لم يزل مغمودا عنكم ، والله لئن قتلتموه ليسللنه الله ـ عزوجل ـ ثم لا يغمده عنكم إما قال أبدا ، وإما قال إلى يوم القيامة ، فما قتل نبي قط إلا قتل به سبعون ألفا ، ولا خليفة إلا قتل به خمسة وثلاثون ألفا (٧).

وروى علي بن الجعد (٨) قال : أخبرني حماد ـ وهو (٩) ابن سلمة ـ عن ابن دينار عن سعيد بن جهمان (١٠) عن سفينة (١١) قال : سمعت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقول : الخلافة ثلاثون سنة ، ثم تكون ملكا ، ثم قال : أمسك خلافة أبي بكر سنتين ، وخلافة عمر

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٥ ـ ٢٦.

(٢) في ب : فقها. وهو تحريف.

(٣) في ب : مقتلون. وهو تحريف.

(٤) في ب : ما.

(٥) انظر البغوي ٦ / ١٤١.

(٦) هو حميد بن هلال العدوي أبو نصر البصري ، أخذ عن أنس ، وعبد الله بن مغفل ، وأخذ عنه أيوب ، وابن عون ، وجرير بن حازم. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ١ / ٢٦١.

(٧) انظر البغوي ٦ / ١٤١.

(٨) هو علي بن الجعد مولى أم سلمة المخزومية امرأة أبي العباس أمير المؤمنين ولد سنة ١٣٦ ه‍ ، وتوفي سنة ٢٣٠ ه‍. المعارف (٥٢٥).

(٩) في ب : هو.

(١٠) هو سعيد بن جهمان الأسلمي أبو حفص البصري ، أخذ عن سفينة ، وابن أبي أوفى ، وأخذ عنه الأعمش ، وحماد بن سلمة ، مات سنة ١٣٦ ه‍. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ١ / ٣٧٥.

(١١) هو سفينة مولى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قيل : كان اسمه مهران ، ويكنى أبا عبد الرحمن ، وقيل : كان اسمه رباحا ، وسماه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سفينة واختلفوا في قصته ، فقال بعضهم : كان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ اشتراه وأعتقه. المعارف ١٤٦ ـ ١٤٧.

٤٤٢

عشر (١) ، وعثمان اثني عشر ، وعلي ست. قال علي : «قلت لحماد : سفينة القائل لسعيد : أمسك؟ قال : نعم» (٢).

قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٥٦) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(٥٧)

قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فيه وجهان :

أحدهما : أنه معطوف على (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا (٣) الرَّسُولَ) وليس ببعيد أن يقع بين المعطوف والمعطوف عليه فاصل ، وإن طال ، لأنّ حق المعطوف أن يكون غير المعطوف عليه ، قاله الزمخشري (٤). قال شهاب الدين : وقوله : (لأن حقّ المعطوف ... إلى آخره) لا يظهر علّة للحكم الذي ادّعاه (٥).

والثاني : أنّ قوله : «وأقيموا» من باب الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ، وحسنه الخطاب في قوله قبل ذلك : «منكم» (٦) ثم قال : (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي : افعلوها على رجاء الرحمة.

قوله : «لا تحسبنّ». قرأ العامة (٧) : «لا تحسبّن» بتاء الخطاب ، والفاعل ضمير المخاطب(٨) ، أي : لا تحسبن أيّها المخاطب ، ويمتنع أو يبعد جعله للرسول ـ عليه‌السلام (٩) ـ لأنّ مثل هذا الحسبان لا يتصوّر منه حتى ينهى عنه (١٠). وقرأ حمزة وابن عامر : «لا يحسبنّ» بياء الغيبة (١١) ، وهي قراءة حسنة واضحة ، فإنّ الفاعل فيها مضمر ، يعود على ما دلّ السياق عليه ، أي : «لا يحسبّن حاسب واحد» ، وإما على الرسول لتقدّم ذكره ، ولكنه ضعيف للمعنى المتقدم (١٢) ، خلافا لمن لحّن قارىء هذه القراءة كأبي حاتم

__________________

(١) في ب : عشرة.

(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٥ / ٢٢٠ ـ ٢٢١. وأورده البغوي في تفسيره ٦ / ١٤٠ ـ ١٤١.

(٣) وأطيعوا : سقط من النسختين.

(٤) الكشاف ٣ / ٨٢.

(٥) الدر المصون ٥ / ١١٨.

(٦) من الآية (٥٥) من السورة نفسها. انظر البحر المحيط ٦ / ٤٧٠.

(٧) غير حمزة وابن عامر. السبعة (٣٠٧) الحجة لابن خالويه ٢٦٤ ، الكشف ٢ / ١٤٢.

(٨) انظر البيان ٢ / ١٩٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤٧٠.

(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٠) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٧٠.

(١١) السبعة (٣٠٧) ، الكشف ٢ / ١٤٢ ، النشر ٢ / ٢٧٧ ، الإتحاف (٣٢٦).

(١٢) وعلى أنّ الفاعل ضمير ويكون «الّذين» و «معجزين» مفعولي «يحسبنّ» ، ويجوز على هذه القراءة أن يكون الفاعل «الّذين» والمفعول الأول ل «يحسبنّ» محذوفا و «معجزين» هو المفعول الثاني ، والتقدير : ولا يحسبن الكافرون أنفسهم معجزين في الأرض. انظر الكشاف ٣ / ٨٢ ، البيان ٢ / ١٩٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤٧٠.

٤٤٣

وأبي جعفر (١) والفراء. قال النحاس : ما علمت أحدا من أهل العربية بصريا ولا كوفيا إلا وهو يلحّن قراءة حمزة ، فمنهم من يقول : هي لحن ، لأنه لم يأت إلا مفعول واحد (٢) ل «يحسبن» (٣). وقال الفراء : هو ضعيف ، وأجازه على حذف المفعول الثاني والتقدير (٤) : «لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم معجزين» (٥) قال شهاب الدين : وسبب تلحينهم هذه القراءة : أنهم اعتقدوا أنّ «الّذين» فاعل ، ولم يكن في اللفظ إلا مفعول واحد ، وهو «معجزين» فلذلك قالوا ما قالوا (٦).

والجواب عن ذلك من وجوه :

أحدها : أنّ الفاعل (٧) مضمر يعود على ما تقدم ، أو على ما يفهم من السياق ، كما سبق تحريره.

الثاني : أنّ المفعول الأول (٨) محذوف تقديره : ولا يحسبن الّذين كفروا أنفسهم معجزين ، إلّا أن حذف أحد المفعولين ضعيف عند البصريين (٩) ، ومنه قول عنترة :

٣٨٥٥ ـ ولقد نزلت فلا تظنّي غيره

منّي بمنزلة المحبّ المكرم (١٠)

أي : تظني غيره واقعا. ولما نحا الزمخشريّ إلى هذا الوجه قال : وأن يكون الأصل : لا يحسبنهم الذين كفروا معجزين. ثم حذف الضمير الذي هو المفعول الأول ، وكان الذي سوّغ ذلك أن الفاعل والمفعولين لما كانت لشيء واحد اقتنع بذكر اثنين عن ذكر الثالث (١١). فقدّر المفعول الأول ضميرا متصلا. قال أبو حيان : وقد رددنا هذا التخريج في أواخر «آل عمران» في قوله : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا)(١٢) في قراءة من قرأ بالغيبة (١٣) ، وجعل (١٤) الفاعل : (الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) ، وملخصه : أنّ هذا ليس من الضمائر التي يفسّرها ما بعدها ، فلا يتقدّر (١٥) «لا يحسبنهم» إذ لا يجوز ظنّه زيد

__________________

(١) هو النحاس.

(٢) في ب : واحدا. وهو تحريف.

(٣) إعراب القرآن ٣ / ١٤٦.

(٤) في الأصل : لتقدير ، وفي ب : بتقدير.

(٥) قال الفراء : (وقوله : «لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا» قرأها حمزة «لا يحسبنّ» ، بالياء ههنا وموضع «الّذين» رفع ، وهو قليل أن تعطل «أظن» من الوقوع على أن ، أو على اثنين سوى مرفوعها ، وكأنه جعل «معجزين» اسما وجعل «فِي الْأَرْضِ» خبرا لهم ، كما تقول : لا تحسبن الذين كفروا رجالا في بيتك وهم يريدون أنفسهم ، وهو ضعيف في العربية) معاني القرآن ٢ / ٢٥٩.

(٦) الدر المصون ٥ / ١١٨.

(٧) في ب : العامل. وهو تحريف.

(٨) الأول : سقط من الأصل.

(٩) انظر شرح التصريح ١ / ٢٥٨ ـ ٢٦٠ ، الهمع ١ / ١٥٢ ، شرح الأشموني ٢ / ٣٤ ـ ٣٥.

(١٠) البيت من بحر الكامل ، قاله عنترة. وقد تقدم.

(١١) الكشاف ٣ / ٨٢.

(١٢) من الآية (١٨٨).

(١٣) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو ونافع وابن عامر. السبعة (٢١٩ ـ ٢٢٠) الكشف ١ / ٣٦٧.

(١٤) في ب : وفعل. وهو تحريف.

(١٥) في ب : يتعذر. وهو تحريف.

٤٤٤

قائما ، على رفع (زيد) ب (ظنه) (١). وقد تقدم هذا الرد في الموضع المذكور (٢).

الثالث : أن المفعولين هما قوله : (مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) قاله الكوفيون (٣). ولما نحا إليه الزمخشري قال : والمعنى : لا يحسبن الذين كفروا أحدا يعجز الله في الأرض يطمعوهم (٤) في مثل ذلك ، وهذا معنى قويّ جيّد (٥). قال شهاب الدين : قيل : هو خطأ ، لأنّ الظاهر تعلق «في الأرض» ب «معجزين» فجعله مفعولا ثانيا كالتهيئة للعمل والقطع عنه ، وهو نظير : «ظننت قائما في الدّار» (٦).

قوله : (وَمَأْواهُمُ النَّارُ) فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن هذه الجملة عطف على الجملة التي قبلها (٧) من غير تأويل ولا إضمار ، وهو مذهب سيبويه (٨) ، أعني : عطف الجمل بعضها على بعض وإن اختلفت أنواعها (٩) خبرا وطلبا وإنشاء. وقد تقدم تحقيقه في أول الكتاب (١٠).

الثاني : أنها معطوفة عليها ، ولكن بتأويل جملة النهي بجملة خبرية ، والتقدير : الذين كفروا (١١) لا يفوتون الله ومأواهم النار. قاله الزمخشري (١٢) ، كأنه (١٣) يرى تناسب الجمل شرطا في (صحة) (١٤) العطف ، هذا ظاهر حاله.

الثالث : أنها معطوفة على جملة مقدرة.

قال الجرحاني (١٥) : لا يحتمل أن يكون (وَمَأْواهُمُ) متصلا بقوله : «لا يحسبن» ذلك

__________________

(١) البحر المحيط ٦ / ٤٧٠.

(٢) في ب : المذكر. وهو تحريف. وتقدم عند [آل عمران : ١٨٨]. انظر اللباب ٣ / ٤١٤ ـ ٤١٥.

(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٧٠.

(٤) في ب : يطعموهم.

(٥) الكشاف ٣ / ٨٢.

(٦) الدر المصون ٥ / ١١٩ وانظر أيضا البحر المحيط ٦ / ٤٧٠.

(٧) وهي قوله تعالى : «لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ» وهي جملة النهي. وفي ب : عطف على جملة النهي قبلها.

(٨) كذا قال أبو حيان في البحر المحيط ٦ / ٤٧٠ ـ ٤٧١ ، وقد منع البيانيون هذا العطف لعدم التناسب بين الجملتين. انظر المغني ٢ / ٤٨٢ ـ ٤٨٣ ، الهمع ٢ / ١٤٠.

(٩) لم ينص سيبويه على ذلك ، وإنما هو المفهوم عنه. انظر الكتاب ٢ / ١٤٢ ، المغني ٢ / ٤٨٢.

(١٠) عند قوله تعالى :«فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا»[البقرة : ٢٤] ، وقوله : «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا»[البقرة : ٢٥] وذكر هناك : أنه يجوز عطف الإنشاء على الخبر والعكس ، وذكر أن هذا مذهب سيبويه ، واستدل عليه بقول امرىء القيس :

وإنّ شفائي عبرة مهراقة

فهل عند رسم دارس من معول

انظر اللباب ١ / ٨٩. ولم ينص سيبويه على ذلك وإنما هو المفهوم عنه. انظر الكتاب ٢ / ١٤٢.

(١١) كفروا : سقط من ب.

(١٢) الكشاف ٣ / ٨٢.

(١٣) في ب : فإنه.

(١٤) صحة : زيادة يظهر بها المراد.

(١٥) تقدم.

٤٤٥

نهي وهذا إيجاب ، فهو إذن معطوف بالواو على مضمر قبله ، تقديره : «لا يحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض بل هم مقهورون ومأواهم النار» (١).

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٨) وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٩) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٦٠)

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) الآية.

قال ابن عباس : وجّه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ غلاما من الأنصار يقال له : «مدلج بن عمرو» إلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه ، فدخل ، فرأى عمر بحالة كره عمر رؤيته ذلك ، فأنزل الله هذه الآية (٢). وقال مقاتل : نزلت في أسماء بنت (٣) مرثد (٤) ، كان لها غلام كبير ، فدخل عليها (٥) في وقت كرهته ، فأتت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقالت : إنّ خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها ، فأنزل الله (يأيّها الّذين آمنوا ليستأذنكم) (٦) اللام للأمر (مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) يعني : العبيد والإماء.

قال القاضي : هذا الخطاب وإن كان ظاهره للرجال ، فالمراد به الرجال والنساء ، لأنّ التذكير يغلب على التأنيث (٧). قال ابن الخطيب : والأولى (٨) عندي أنّ الحكم ثابت في النساء بقياس جليّ ، لأنّ النساء في باب (حفظ) (٩) العورة أشد حالا من الرجال ، فهو كتحريم الضرب بالقياس على حرمة التأفيف (١٠). وقال ابن عباس : هي (١١) في الرجال

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٧٠.

(٢) انظر أسباب النزول للواحدي ٢٤٥ ، الفخر الرازي ٢٤ / ٢٨ ـ ٢٩.

(٣) بنت : سقط من ب.

(٤) هي أسماء بنت مرثد من بني حارثة ذكرها أبو عمر ، وقال لا يصح حديثها انفرد به حرام بن عثمان وهو ضعيف من جميعهم ، الإصابة ١٢ / ١٢٠.

(٤) هي أسماء بنت مرثد من بني حارثة ذكرها أبو عمر ، وقال لا يصح حديثها انفرد به حرام بن عثمان وهو ضعيف من جميعهم ، الإصابة ١٢ / ١٢٠.

(٥) في ب : عمر. وهو تحرف.

(٦) انظر أسباب النزول للواحدي (٢٤٥) ، الفخر الرازي ٢٤ / ٢٩.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٨.

(٨) في الأصل : والأول. وهو تحريف.

(٩) حفظ : تكملة من الفخر الرازي.

(١٠) الفخر الرازي ٢٤ / ٢٨.

(١١) هي : سقط من ب.

٤٤٦

والنساء يستأذنون على كل حال في الليل والنهار. واختلف العلماء في هذا الندب : فقيل للأمر. وقيل : للوجوب ، وهو الأظهر (١). قوله : (وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) أي : من الأحرار ، وليس المراد: الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء ، بل الذين عرفوا أمر النساء ، ولكن لم يبلغوا.

واتفق الفقهاء على أن الاحتلام بلوغ. واختلفوا في بلوغ خمس عشرة سنة (٢) إذا لم يوجد احتلام: قال أبو حنيفة : لا يكون بالغا حتى يبلغ ثماني عشرة سنة ، ويستكملها الغلام والجارية تستكمل سبع عشرة. وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد : في الغلام والجارية خمس (٣) عشرة سنة إذا لم يحتلم ، لما روى ابن عمر أنه عرض على النبي (٤) يوم أحد ، وهو ابن أربع عشرة سنة ، فلم يجزه ، وعرض عليه يوم الخندق وله خمس عشرة سنة ، فأجازه. قال أبو بكر الرازي : هذا الخبر مضطرب ، لأن أحدا كان في سنة ثلاث ، والخندق كان في سنة خمس ، فكيف يكون بينهما سنة؟ ثم مع ذلك فإن الإجازة في القتال لا تعلق لها بالبلوغ ، فقد لا يؤذن للبالغ لضعفه ، ويؤذن لغير البالغ لقوته ولطاقته لحمل السلاح ، ولذلك لم يسأله النبي ـ عليه‌السلام (٥) ـ عن الاحتلام والسن (٦). واختلفوا في الإنبات (٧) : هل يكون بلوغا؟ فأصحاب الرأي لم يجعلوه بلوغا ، لقوله ـ عليه‌السلام (٨) ـ : «وعن الصبي حتى يحتلم» (٩). وقال الشافعي : هو بلوغ ، لأن النبي ـ عليه‌السلام (١٠) ـ : أمر بقتل من أنبت من بني قريظة. قال الرازي : الإنبات يدل على القوة البدنية ، فالأمر بالقتل (١١) لذلك لا للبلوغ (١٢).

فصل

قال أبو بكر الرازي (١٣) : دلت هذه الآية على أن من لم يبلغ وقد عقل يؤمر بفعل الشرائع ، وينهى عن ارتكاب القبائح ، فإن الله تعالى أمرهم بالاستئذان في هذه الأوقات.

وقال عليه‌السلام (١٤) : «مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم على تركها وهم أبناء عشر»(١٥).

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٩.

(٢) في ب : خمسة عشر سنة.

(٣) في ب : خمسة.

(٤) في ب : النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٩ ـ ٣٠.

(٧) أنبت الغلام : راهق واستبان شعائر عانته ونبت ، وفي حديث بني قريظة : فكل من أنبت منهم قتل ، أراد نبات شعائر العانة فجعله علامة للبلوغ. اللسن (نبت).

(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٩) سبق تخريجه.

(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١١) في ب : بالقتال.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٠.

(١٣) الرازي : سقط من ب.

(١٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٥) أخرجه الترمذي (صلاة) ٢ / ٢٥٩.

٤٤٧

وقال ابن عمر : يعلم الصبي الصلاة إذا عرف يمينه من شماله. وقال ابن مسعود : إذا بلغ الصبي عشر سنين كتبت له حسناته ، ولا تكتب عليه سيئاته حتى يحتلم. واعلم أنه إنما يؤمر بذلك تمرينا ليعتاده ويسهل عليه بعد البلوغ (١).

فصل

قال الأخفش : الحلم : من حلم الرجل بفتح اللام ، ومن الحلم : حلم بضم اللام يحلم بكسر اللام (٢).

قوله : «ثلاث مرات» فيه وجهان :

أحدهما : أنه منصوب على الظرف الزماني (٣) ، أي : ثلاثة أوقات ، ثم فسر تلك الأوقات بقوله: «من قبل صلاة الفجر وحين تضعون (ثيابكم من الظهيرة) (٤) ومن بعد صلاة العشاء».

والثاني : أنه منصوب على المصدرية (٥) ، أي ثلاثة (٦) استئذانات.

ورجح أبو حيان هذا فقال : والظاهر (٧) من قوله : ثلاث مرات : ثلاثة استئذانات ، لأنك إذا قلت : ضربت ثلاث مرات ، لا يفهم منه إلا ثلاث ضربات ، ويؤيده قوله عليه‌السلام (٨) : «الاستئذان ثلاث» (٩). قال شهاب الدين : مسلم أن الظاهر كذا ، ولكن الظاهر هنا متروك للقرينة المذكورة ، وهي التفسير بثلاثة الأوقات المذكورة (١٠).

وقرأ الحسن وأبو عمرو في روآية : «الحلم» بسكون العين (١١) ، وهي تميمية (١٢).

قوله : «من قبل صلاة الفجر» فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه بدل من قوله : «ثلاث» فيكون في محل نصب.

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣١.

(٢) لم أعثر على ما قاله الأخفش في كتابه ولعل ابن عادل نقله من الفخر الرازي ٢٤ / ٣١.

(٣) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٢٦ ، البيان ٢ / ١٩٩ ، التبيان ٢ / ٩٧٧.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٢٦.

(٦) في ب : ثلاث.

(٧) في ب : الظاهر.

(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٩) أخرجه البخاري (الاستئذان) ٤ / ٦٠. وانظر البحر المحيط ٦ / ٤٧٢.

(١٠) خالف شهاب الدين أبا حيان في نصب «ثلاث مرات» على المصدرية. ويرى أن النصب على الظرفية هو الأولى ، وهذا هو الأولى للأمر بالإذن في هذه الأوقات الثلث لا على تكرار الإذن ثلاث مرات في أحد هذه الأوقات وتنظير أبي حيان بقوله : لأنك إذا قلت : ضربت ثلاث مرات : فيه نظر ، لأن المراد منه تكرار الضرب ثلاث مرات في وقت واحد ، وأما الحديث الذي رواه أبو حيان فإنه محمول على ما إذا لم يؤذن له في المرة الأولى أو الثانية ، ولا يباح الدخول أيضا إذا لم يؤذن به في الثالثة ، أما إذا حصل الإذن بالمرة الأولى فلا داعي لتكراره ـ والله أعلم ـ انظر الدر المصون ٥ / ١٢٩.

(١١) انظر المختصر (١٠٣).

(١٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٧٢.

٤٤٨

الثاني : أنه بدل من «مرات» (١) فيكون في محل جر.

الثالث : أنه خبر مبتدأ مضمر ، أي : هي من قبل ، أي : تلك المرات ، فيكون في محل رفع(٢).

وقوله : «وحين تضعون» عطف على محل «من قبل صلاة الفجر» (٣).

قوله : «من الظهيرة» فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن «من» لبيان الجنس ، أي : حين ذلك الذي هو الظهيرة.

الثاني : أنها (٤) بمعنى «في» أي : تضعونها في الظهيرة.

الثالث : أنها بمعنى اللام ، (أي) (٥) : من أجل حر الظهيرة (٦).

وقوله : «ومن بعد صلاة العشاء» : عطف على ما قبله. والظهيرة شدة الحر ، وهو انتصاف النهار (٧).

قوله : (ثَلاثُ عَوْراتٍ). قرأ الأخوان (٨) وأبو بكر : «ثلاث» نصبا. والباقون رفعا (٩). فالأولى تحتمل ثلاثة أوجه :

أظهرها : أنها بدل من قوله : «ثلاث مرات».

قال ابن عطية : إنما يصح البدل بتقدير : أوقات ثلاث عورات ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه (١٠). وكذا قدره الحوفي (١١) والزمخشري (١٢) وأبو البقاء (١٣) ، ويحتمل أنه جعل نفس ثلاث المرات (١٤) نفس ثلاث العورات مبالغة فلا يحتاج إلى حذف مضاف ، وعلى هذا الوجه ـ أعني : وجه البدل ـ لا يجوز الوقف على ما قبل (ثَلاثُ عَوْراتٍ)(١٥) لأنه بدل منه وتابع له ، ولا يوقف على المتبوع دون تابعه (١٦).

__________________

(١) في النسختين «عورات» ، والصواب ما أثبته ، لأن «عورات» لم تأت بعد.

(٢) انظر الأوجه الثلاثة في التبيان ٢ / ٩٧٧.

(٣) المرجع السابق.

(٤) أنها : سقط من ب.

(٥) أي : سقط من الأصل.

(٦) انظر الأوجه الثلاثة في التبيان ٢ / ٩٧٧.

(٧) اللسان (ظهر).

(٨) حمزة والكسائي.

(٩) السبعة (٤٥٩) ، الحجة لا بن خالويه (٢٦٤) ، الكشف ٢ / ١٤٣ ، النشر ٢ / ٣٣٣ ، الإتحاف (٣٢٦).

(١٠) تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٤٤.

(١١) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٧٢.

(١٢) قال الزمخشري : (وقرى «ثَلاثُ عَوْراتٍ» بالنصب بدلا عن «ثلاث مرات» أي : أوقات ثلاث عورات) الكشاف ٣ / ٨٣.

(١٣) قال أبو البقاء : (وبالنصب على البدل من الأوقات المذكورة ، أو من ثلاث الأولى) التبيان ٢ / ٩٧٧.

(١٤) في ب : ثلاثة المراتب. وهو تحريف.

(١٥) وهو قوله تعالى : (صلاة العشاء).

(١٦) انظر منار الهدى في بيان الوقف والابتدا (٢٧٠).

٤٤٩

الثاني : أن (ثَلاثُ عَوْراتٍ) بدل من الأوقات المذكورة ، قاله أبو البقاء (١). يعني قوله : «من قبل صلاة الفجر» وما عطف عليه ، ويكون بدلا على المحل ، فلذلك نصب.

الثالث : أن ينتصب بإضمار فعل.

فقدره أبو البقاء : «أعني» (٢) وأحسن من هذا التقدير : اتقوا ، أو احذروا ثلاث (٣).

فأما الثانية (٤) : ف «ثلاث» خبر مبتدأ محذوف تقديره : «هن (٥) ثلاث عورات» (٦).

وقدره أبو البقاء مع حذف مضاف ، فقال : أي : هي أوقات ثلاث عورات ، فحذف المبتدأ والمضاف (٧). قال شهاب الدين : وقد لا يحتاج إليه على جعل العورات نفس الأوقات مبالغة ، وهو المفهوم من كلام الزمخشري ، وإن كان قد قدر مضافا ، كما تقدم عنه.

قال الزمخشري : ويسمى كل واحد من هذه الأحوال عورة ، لأن الناس يختل تسترهم (٨) وتحفظهم فيها. والعورة : الخلال ، ومنه أعور الفارس ، وأعور المكان.

والأعور : المختل العين (٩). فهذا منه يؤذن بعدم تقدير «أوقات» مضاف ل «عورات» بخلاف كلامه أولا فيؤخذ من مجموع كلاميه وجهان (١٠).

وعلى قراءة الرفع وعلى الوجهين قبلها في تخريج قراءة (١١) النصب يوقف على ما قبل (ثَلاثُ عَوْراتٍ) لأنها ليست تابعة لما قبلها (١٢). وقرأ الأعمش : «عورات» بفتح الواو (١٣) ، وهي لغة هذيل وبني تميم ، يفتحون عين «فعلاء» واوا أو (١٤) ياء ، وأنشد :

٣٨٥٦ ـ أخو بيضات رائح متأوب

رفيق بمسح المنكبين سبوح (١٥)

فصل

المعنى : يستأذنوا في ثلاثة أوقات : من قبل صلاة الفجر ، وو قت القيلولة ، ومن بعد

__________________

(١) في ب : قاله أبو حيان. وهو تحريف. انظر التبيان ٢ / ٩٧٧.

(٢) قال أبو البقاء : (أو على إضمار (أعني)) التبيان ٢ / ٩٧٧.

(٣) في ب : ثلاثة.

(٤) وهي القراءة بالرفع.

(٥) في ب : عن. وهو تحريف.

(٦) انظر الكشاف ٣ / ٨٣.

(٧) التبيان ٢ / ٩٧٧ ، وقدره مكي (هذه ثلاث عورات) مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٢٦ ، وكذلك ابن الأنباري البيان ٢ / ١٩٩.

(٨) في الأصل : تصترهم. وهو تحريف.

(٩) الكشاف ٣ / ٨٣.

(١٠) الدر المصون ٦ / ١٣٠.

(١١) في ب : في قراءة تخريج.

(١٢) انظر منار الهدى في بيان الوقف والابتدا (٢٧٠).

(١٣) المختصر (١٠٣).

(١٤) في ب : و.

(١٥) البيت من بحر الطويل قاله أحد الهذليين ، والشاهد فيه قوله : بيضات بتحريك الياء بالفتح ، والمشهور إسكانها حتى لا تعل الياء بقلبها ألفا. والبيت جاء شاهدا على أن هذيلا وبني تميم يفتحون عين (فعلات) في الجمع إذا كانت واوا أو ياء. وتقدم تخريجه.

٤٥٠

صلاة العشاء. وخص هذه الأوقات لأنها ساعات الخلوة ووضع الثياب ، فربما يبدو من الإنسان ما لا يحب أن يراه أحد من العبيد والصبيان ، فأمرهم بالاستئذان في هذه الأوقات ، فأما غيرهم فيستأذنون في جميع الأوقات (١). وسميت هذه الأوقات عورات لأن الإنسان يضع فيها ثيابه فتبدو عورته (٢).

فصل

قال بعضهم : إن قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها)(٣) يدل على أن الاستئذان واجب في كل حال ، فنسخ بهذه الآية في غير هذه الأحوال الثلاثة (٤). قال ابن عباس : لم يكن للقوم ستور ولا حجاب ، وكان الخدم والو لا ئد يدخلون ، فربما يرون منهم ما لا يحبون ، فأمروا بالاستئذان ، وقد بسط الله الرزق ، واتخذ الناس الستور ، فرأى أن ذلك أغنى عن الاستئذان (٥).

وقال آخرون : الآية الأولى أريد بها المكلف ، لأنه خطاب لمن آمن ، والمراد بهذه الآية غير المكلف ، لا يدخل (٦) في بعض الأحوال إلا بإذن ، وفي بعضها بغير إذن ، ولا وجه للنسخ (٧). فإن قيل : قوله : (الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) يدخل فيه من بلغ ، فالنسخ لا زم؟

فالجواب أن قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا)(٨) لا يدخل تحته العبيد والإماء ، فلا يجب النسخ (٩). قال أبو عبيد (١٠) : لم يصر أحد من العلماء إلى أن الأمر بالاستئذان منسوخ (١١). وروى عطاء عن ابن عباس أنه قال : ثلاث آيات من كتاب الله تركهن الناس (١٢) لا أرى أحدا يعمل (١٣) بهن ، قال عطاء : حفظت آيتين ونسيت واحدة ، وقرأ (١٤) هذه الآية ، وقوله (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى)(١٥) وذكر سعيد بن جبير أن الآية الثالثة : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى)(١٦) ... الآية» (١٧).

__________________

(١) انظر البغوي ٦ / ١٤٣.

(٢) انظر البغوي ٦ / ١٤٤.

(٣) [النور : ٢٧].

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٢.

(٥) انظر القرطبي ١٢ / ٣٠٣.

(٦) لا يدخل : مكرر في ب.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٢.

(٨) [النور : ٢٧].

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٢.

(١٠) كذا في النسختين ، وفي الفخر الرازي : قال أبو حنيفة رحمه‌الله.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٢.

(١٢) في ب : للناس.

(١٣) في ب : لعمل.

(١٤) في ب : قرأ.

(١٥) [الحجرات : ١٣].

(١٦) من قوله تعالى : «وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً» [النساء : ٨].

(١٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٢.

٤٥١

قوله : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ) هذه الجملة يجوز أن يكون لها محل من الإعراب ، وهو الرفع نعتا ل (ثَلاثُ عَوْراتٍ) في قراءة من رفعها ، كأنه قيل : هنّ ثلاث عورات مخصوصة بالاستئذان (١) ، وألّا يكون لها محل ، بل هي كلام مقرر للأمر بالاستئذان في تلك الأحوال خاصة ، وذلك في قراءة من نصب (ثَلاثُ عَوْراتٍ)(٢).

قوله : «بعدهن». قال أبو البقاء : التقدير : بعد استئذانهم (٣) فيهن ، ثم حذف حرف الجر والفاعل فبقي «بعد استئذانهم» (٣) ثم حذف المصدر (٤).

يعني بالفاعل : الضمير المضاف إليه الاستئذان ، فإنه فاعل معنوي بالمصدر ، وهذا غير ظاهر ، بل الذي يظهر أن المعنى : ليس عليكم جناح ولا عليهم أي : العبيد والإماء والصبيان «جناح» في عدم الاستئذان بعد هذه الأوقات المذكورة ، ولا حاجة إلى التقدير الذي ذكره.

قوله : «طوّافون» خبر مبتدأ مضمر تقديره : «هم طوّافون» (٥) ، و «عليكم» متعلق به.

قوله : (بعضكم على بعض). في «بعضكم» ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه مبتدأ ، و (عَلى بَعْضٍ) الخبر (٦) ، فقدره أبو البقاء : «يطوف على بعض» وتكون هذه الجملة بدلا مما قبلها ، ويجوز أن تكون مؤكدة مبينة (٧) ، يعني : أنها أفادت إفادة الجملة التي قبلها ، فكانت بدلا أو مؤكدة. وردّ أبو حيان هذا بأنه كون مخصوص ، فلا يجوز حذفه (٨).

والجواب عنه : أن الممتنع الحذف إذا لم يدل عليه دليل ، وقصد إقامة الجار والمجرور مقامه. وهنا عليه دليل ولم يقصد إقامة الجار مقامه. ولذلك قال الزمخشري : خبره «على بعض» على معنى : طائف على بعض ، وحذف لدلالة «طوافون» (٩) عليه (١٠).

الثاني : أن يرتفع بدلا من «طوّافون» قاله ابن عطية (١١) قال أبو حيان : ولا يصحّ إن قدّر الضمير ضمير غيبة لتقدير المبتدأ «هم» لأنه يصير التقدير : هم يطوف بعضكم على بعض وهو لا يصح ، فإن جعلت التقدير : أنتم يطوف بعضكم على بعض ، فيدفعه أنّ قوله : «عليكم» يدل على أنهم هم المطوف عليهم ، و «أنتم طوّافون» يدل على أنهم طائفون ، فتعارضا (١٢). قال شهاب الدين: الذي (١٣) نختار أن التقدير : أنتم ، ولا يلزم

__________________

(١) في النسختين : بعدم الاستئذان. والصواب ما أثبته.

(٢) انظر الكشاف ٣ / ٨٣ ، البحر المحيط ٦ / ٤٧٢.

(٣) في التبيان : استئذانهن.

(٣) في التبيان : استئذانهن.

(٤) التبيان ٢ / ٩٧٧.

(٥) انظر البيان ٢ / ١٩٩ ، التبيان ٢ / ٩٧٧ ، البحر المحيط ٦ / ٤٧٢.

(٦) انظر الكشاف ٣ / ٨٣ ، التبيان ٢ / ٩٧٨.

(٧) التبيان ٢ / ٩٧٨.

(٨) البحر المحيط ٦ / ٤٧٢.

(٩) في الكشاف : وحذف لأن «طوافون» بدل.

(١٠) الكشاف ٣ / ٨٣.

(١١) تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٤٤.

(١٢) البحر المحيط ٦ / ٤٧٢ ـ ٤٧٣.

(١٣) في ب : الذين.

٤٥٢

محذور ، وقوله : فيدفعه (١) إلى آخره ، لا تعارض فيه ، لأن المعنى : كل (٢) منكم ومن عبيدكم طائف على صاحبه ، وإن كان طواف أحد النوعين غير طواف الآخر ، لأنّ المراد الظهور على أحوال الشخص ، ويكون «بعضكم» بدلا من «طوّافون» و «على بعض» بدلا من عليكم بإعادة العامل ، فأبدلت مرفوعا من مرفوع ومجرورا من مجرور ، ونظيره قوله :

٣٨٥٧ ـ فلمّا قرعنا النّبع بالنّبع بعضه

ببعض أبت عيدانه أن تكسّرا (٣)

ف «بعضه» بدل من «النّبع» المنصوب ، و «ببعض» بدل من المجرور بالياء (٤).

الثالث : أنه مرفوع بفعل مقدر ، أي : يطوف بعضكم على بعض ، لدلالة «طوّافون» عليه ، قاله الزمخشري (٥). وقرأ ابن أبي عبلة : «طوّافين» بالنصب على الحال من ضمير «عليهم» (٦).

فصل

المعنى (لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ) يعني : العبيد والإماء والصبيان «جناح» في الدخول عليكم بغير استئذان «بعدهنّ» أي : بعد هذه الأوقات الثلاثة ، (طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ) أي : العبيد والخدم يطوفون عليكم : يترددون ويدخلون ويخرجون في أشغالهم بغير إذن (٧)(بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ). فإن قيل : هل يقتضي ذلك إباحة كشف العورة (لهم؟ فالجواب ، لا ، وإنما أباح تعالى ذلك من حيث كانت العادة لا تكشف العورة) (٨) في غير تلك الأوقات ، فمتى كشفت المرأة (٩) عورتها مع ظن دخول الخدم فذلك يحرم (١٠) عليها. فإن كان الخادم مكلفا حرم عليه الدخول إذا ظن أن هناك كشف عورة(١١).

فإن قيل : أليس في الناس من جوّز للبالغ من المماليك أن ينظر إلى شعر مولاته؟

فالجواب : من جوّز ذلك فالشعر عنده ليس بعورة في حق المماليك (١٢) كما هو في

__________________

(١) في النسختين : فيدمغه. وما أثبته هو الصواب.

(٢) في النسختين : كلا. وما أثبته هو الصراب.

(٣) البيت من بحر الطويل ، قاله النابغة الجعدي ، وهو في تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد (٣٣٤) منسوبا إلا زفر بن الحارث الكلابي. الهمع ١ / ٢٢٦. حاشية يس ١ / ٢٤٩ الدرر ١ / ١٩٣ ، قرعنا : تقاتلنا بالسهام وغيرها. النبع : شجر ينبت في الجبال تتخذ منه القسي. والشاهد فيه إبدال اسمين من اسمين ف (بعضه) بدل من (النبع) المنصوب و (ببعض) بدل من (بالبيع) المجرور بالباء ، وهو على إعادة العامل.

(٤) الدر المصون ٦ / ١٣١.

(٥) الكشاف ٣ / ٨٣.

(٦) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٩٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤٧٣.

(٧) انظر البغوي ٦ / ١٤٤.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) المرأة : تكملة من الفخر الرازي.

(١٠) في ب : محرم.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٢.

(١٢) في الأصل : الممالك.

٤٥٣

حق الرحم ، إذ العورة تنقسم أقساما وتختلف (١) بالإضافات (٢).

فصل

هذه الإباحة (٣) مقصورة على الخدم دون غيرهم.

وقوله : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ)(٤) هذا الحكم مختص بالصغار دون البالغين ، لقوله بعد ذلك : «وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الّذين من قبلهم» (٥).

قوله : «وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم» أي : الاحتلام ، يريد : الأحرار الذين بلغوا (فَلْيَسْتَأْذِنُوا)(٦) أي : يستأذنون في جميع الأوقات في الدخول عليكم (كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأحرار (الكبار) (٧)(٨). وقيل يعني الذين كانوا مع إبراهيم وموسى وعيسى (عليهم‌السلام) (٩)(١٠)(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) دلالاته. وقيل : أحكامه (وَاللهُ عَلِيمٌ) بأمور خلقه «حكيم» بما دبر لهم (١١). قال سعيد بن المسيب : يستأذن (١٢) الرجل على أمه ، فإنما أنزلت الآية (١٣) في ذلك وسئل حذيفة : أيستأذن الرجل على والدته؟ قال : «نعم وإن لم تفعل رأيت منها ما تكره» (١٤).

قوله (١٥) : (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ). القواعد : من غير تاء تأنيث ، ومعناه : القواعد عن(١٦) النكاح ، أو عن (١٦) الحيض ، أو عن (١٦) الاستمتاع ، أو عن الحبل ، أو عن الجميع (١٧) ولو لا تخصيصهنّ بذلك لوجبت التاء نحو ضاربة وقاعدة من القعود المعروف (١٨).

__________________

(١) في ب : واختلف.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٢.

(٣) في ب : الآية.

(٤) «ولا عليهم» : سقط من النسختين.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٢ ـ ٣٣.

(٦) في ب : فليستأذنوا كما.

(٧) انظر البغوي ٦ / ١٤٥.

(٨) ما بين القوسين في ب : الكفار. وهو تحريف.

(٩) انظر البغوي ٦ / ١٤٥.

(١٠) ما بين القوسين في ب : عليهم الصلاة والسلام.

(١١) انظر البغوي ٦ / ١٤٥.

(١٢) في ب : استأذن.

(١٣) في ب : هذه الآية.

(١٤) انظر البغوي ٦ / ١٤٥.

(١٥) في ب : قوله تعالى.

(١٦) في ب : من.

(١٧) اللسان (قعد).

(١٨) قال النحاس : (وفيه ثلاثة أقوال : مذهب البصريين أنه على النسب ، ومذهب الكوفيين أنه لما كان لا يقع إلا للمؤنث لم يحتج فيه إلى الهاء ، والقول الثالث : أنه جاء بغير هاء تفريقا بينه وبين القاعدة بمعنى الجالسة) إعراب القرآن ٣ / ١٤٨. قال الرضي : (يغلب في الصفات المختصة بالإناث الكائنة على وزن اسم الفاعل ومفعل أن لا يلحقها التاء إن لم يقصد فيها معنى الحدوث كحائض وطالق ومرضع ومطفل ، فإن قصد فيها معنى الحدوث فالتاء لازمة نحو : حاضت فهي حائضة وطلقت فهي طالقة) شرح الكافية ٢ / ١٦٤. وتخصيص هذه الصفة ببيان المراد منها ألحقها بالصفات الخاصة بالمؤنث ، فلا تحتاج إلى التاء لبيان الفرق بينهما وبين المذكر.

وانظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٢٧ ـ ١٢٨ ، البيان ٢ / ٢٠٠.

٤٥٤

وقوله : (مِنَ النِّساءِ) وما بعده بيان لهن. و «القواعد» مبتدأ ، و (مِنَ النِّساءِ) حال ، و «اللّاتي» صفة القواعد لا للنساء ، وقوله : (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ) ، الجملة خبر المبتدأ (١) ، وإنما دخلت الفاء لأن المبتدأ موصوف بموصول ، لو كان ذلك الموصول مبتدأ لجاز دخولها في خبره ، ولذلك منعت أن تكون «اللاتي» صفة للنساء ، إذ لا يبقى مسوغ لدخول الفاء في خبر المبتدأ (٢).

وقال أبو البقاء : ودخلت الفاء لما (٣) في المبتدأ (٤) من معنى الشرط ، لأن الألف واللام بمعنى الذي (٥) وهذا مذهب الأخفش ، وتقدم تحقيقه في المائدة (٦) ، ولكن هنا ما يغني عن ذلك ، وهو وصف المبتدأ بالموصول المذكور ، و (غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ) حال من «عليهن» (٧). (والتّبرّج الظهور من البرج) (٨) وهو البناء الظاهر ، والتبرج : سعة العين يرى بياضها محيطا بسوادها كله ، لا يغيب منه شيء والتبرج : إظهار ما يجب إخفاؤه بأن تكشف المرأة للرجال (بإبداء) (٨) زينتها وإظهار محاسنها (٩). و «بزينة» متعلق به. قوله : (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ) مبتدأ بتأويل : «استعفافهنّ» ، و «خير» خبره.

فصل

قال المفسرون : القواعد : هن اللواتي قعدن عن الحيض والولد من الكبر ، ولا مطمع (١٠) لهن في الأزواج.

والأولى ألا يعتبر قعودهن عن الحيض ، لأن ذلك ينقطع ، والرغبة فيهن باقية ، والمراد : قعودهن عن الأزواج ، ولا يكون ذلك إلا عند بلوغهن إلى حيث لا يرغب فيهن الرجال لكبرهن (١١) قال ابن قتيبة : سميت المرأة قاعدا إذا كبرت ، لأنها تكثر (١٢) القعود (١٣) وقال ربيعة : هنّ العجز (١٤) اللواتي إذا رآهنّ الرجل استقذرهن (١٥) ، فأما من كانت فيها بقية من جمال ، وهي محل الشهوة ، فلا تدخل في هذه الآية (١٦). «فليس

__________________

(١) انظر التبيان ٢ / ٩٧٨.

(٢) انظر البيان ٢ / ٢٠٠.

(٣) لما : سقط من ب.

(٤) في الأصل : الابتداء.

(٥) التبيان ٢ / ٩٧٨.

(٦) عند قوله تعالى : «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما»[المائدة : ٣٨]. انظر اللباب ٣ / ٢٤٩.

(٧) انظر البيان ٢ / ٢٠٠.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) انظر الكشاف ٣ / ٨٤ ، اللسان (برج).

(١٠) في الأصل : يطمع ، وفي ب : طمع. والتصويب من الفخر الرازي.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٣.

(١٢) في ب : تكبر.

(١٣) قال ابن قتيبة : (ولا أراها سميت قاعدا إلا بالقعود ، لأنها إذا أسنّت عجزت عن التصرف ، وكثرة الحركة ، وأطالت القعود ، فقيل لها قاعد بلا هاء) تفسير غريب القرآن (٣٠٨).

(١٤) في ب : من الفجر. وهو تحريف.

(١٥) انظر القرطبي ١٢ / ٣٠٩.

(١٦) انظر البغوي ٦ / ١٤٥.

٤٥٥

عليهنّ جناح أن يضعن ثيابهنّ» عند الرجال ، يعني : يضعن بعض ثيابهن ، وهي الجلباب ، والرداء الذي فوق الثياب ، والقناع الذي فوق الخمار ، فأما الخمار فلا يجوز وضعه (١) لما فيه من كشف العورة.

وقرأ عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب : «أن يضعن من ثيابهن» (٢). وروي عن ابن عباس أنه قرأ : «أن يضعن جلابيبهن» (٣). وعن السدي عن شيوخه : أن يضعن خمرهن عن رؤوسهن (٣) وإنما خصهن الله بذلك لأن التهم مرتفعة عنهن ، وقد بلغن هذا المبلغ ، فلو غلب على ظنهن خلاف ذلك لم يحل لهنّ وضع الثياب ، ولذلك قال : (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ) وإنما جعل ذلك أفضل لأنه أبعد عن الظنة (٤) ، فعند الظنة يلزمهن ألا يضعن ذلك كما يلزم الشابة (٥) ، والله سميع عليم.

قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(٦١)

قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) الآية.

قال ابن عباس : لما أنزل الله ـ عزوجل ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ)(٦) تحرج (٧) المسلمون عن مؤاكلة المرضى والزمنى والعمي والعرج وقالوا : الطعام أفضل الأموال ، وقد نهانا الله ـ عزوجل ـ عن أكل المال بالباطل ، والأعمى (٨) لا يبصر موضع الطعام الطيب ، والأعرج لا يتمكن من الجلوس ، ولا يستطيع المزاحمة على الطعام ، والمريض يضعف عن التناول ، فلا يستوفي الطعام ، فأنزل الله هذه الآية (٩). وعلى هذا التأويل تكون «على» بمعنى «في» أي : ليس في الأعمى ، أي : ليس عليكم في مؤاكلة الأعمى والأعرج والمريض حرج (١٠). وقال سعيد بن جبير والضحاك وغيرهما : «كان العرجان والعميان والمرضى يتنزهون عن مؤاكلة الأصحاء ، لأن الناس

__________________

(١) انظر البغوي ٦ / ١٤٥ ـ ١٤٦.

(٢) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٤٦.

(٣) الفخر الرازي ٢٤ / ٣٤.

(٣) الفخر الرازي ٢٤ / ٣٤.

(٤) الظنة : التهمة. اللسان (ظنن).

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٤.

(٦) [النساء : ٢٩].

(٧) في ب : تحرجت. وهو تحريف.

(٨) في ب : فالأعمى.

(٩) انظر البغوي ٦ / ١٤٦ ـ ١٤٧. وأسباب النزول للواحدي (٢٤٥). وأسباب النزول للسيوطي ١٤٥ ـ ١٤٦.

(١٠) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٩١.

٤٥٦

يتقذرون منهم ويكرهون مؤاكلتهم ، ويقول الأعمى : ربما أكل أكثر ، ويقول الأعرج : ربما أخذ مكان اثنين ، فنزلت هذه الآية» (١).

وقال مجاهد : نزلت هذه الآية (ترخيصا لهؤلاء في الأكل من بيوت من سمى الله بهذه الآية) (٢) لأن هؤلاء كانوا يدخلون على الرجل لطلب العلم ، فإذا لم يكن عنده ما يطعمهم ذهب بهم إلى بيوت (٣) آبائهم وأمهاتهم ، أو (٤) بعض من سمى الله ـ عزوجل (٥) ـ في هذه الآية ، فكان أهل الزمانة (٦) يتحرجون من ذلك الطعام ويقولون : ذهب بنا إلى بيت غيره ، فأنزل الله هذه الآية (٧) وقال سعيد بن المسيب : كان المسلمون إذا غزوا اختلفوا منازلهم (٨) ويدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم ، ويقولون : قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا ، فكانوا يتحرجون من ذلك ويقولون : لا ندخلها وهم غيب ، فأنزل الله هذه الآية رخصة لهم (٩). وقال الحسن : نزلت الآية رخصة لهؤلاء في التخلف عن الجهاد ، وقال : تم الكلام عند قوله : (وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) وقوله تعالى : (عَلى أَنْفُسِكُمْ) كلام منقطع عما قبله (١٠).

وقيل : لما نزل قوله : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ)(١١) قالوا : لا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) ، أي : لا حرج عليكم أن تأكلوا من بيوتكم (١٢). فإن قيل : أي فائدة في إباحة أكل الإنسان طعامه في بيته؟

فالجواب : قيل : أراد من أموال عيالكم وأزواجكم ، وبيت المرأة كبيت الزوج (١٣). وقال ابن قتيبة : أراد من بيوت أولادكم ، نسب بيوت الأولاد إلى الآباء (١٤) كقوله عليه‌السلام (١٥) : «أنت ومالك لأبيك» (١٦).

فصل

دلّت هذه الآية بظاهرها على إباحة الأكل من هذه المواضع بغير استئذان ، وهو

__________________

(١) انظر البغوي ٦ / ١٤٧. وأسباب النزول للواحدي (٢٤٥ ـ ٢٤٦) والفخر الرازي ٢٤ / ٢٥.

(٢) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(٣) بيوت : سقط من الأصل.

(٤) في ب : و.

(٥) عزوجل : سقط من ب.

(٦) الزمانة : العاهة ، اللسان (زمن).

(٧) انظر البغوي ٦ / ١٤٧ ـ ١٤٨. وأسباب النزول للواحدي (٢٤٦).

(٨) في الأصل : زمناههم. وهو تحريف.

(٩) انظر البغوي ٦ / ١٤٨. وأسباب النزول للواحدي (٢٤٦) ، والفخر الرازي ٢٤ / ٣٥.

(١٠) انظر البغوي ٦ / ١٤٨ الفخر الرازي ٢٤ / ٣٥.

(١١) [البقرة : ١٨٨].

(١٢) انظر البغوي ٦ / ١٤٨.

(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٣.

(١٤) تأويل مشكل القرآن (٣٣).

(١٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٦) انظر الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (١٢٠).

٤٥٧

منقول عن قتادة ، وأنكره الجمهور ، ثم اختلفوا : فقيل : كان ذلك في صدر الإسلام ، فنسخ بقوله عليه‌السلام (١) : «لا يحل مال امرىء مسلم إلا عن طيب نفس منه» (٢) ويدل على هذا النسخ قوله تعالى : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ)(٣) وكان في أزواج الرسول (٤) من لهنّ الآباء والأخوات ، فعم بالنهي عن دخول بيوتهن إلا بالإذن (٥) في الأكل. فإن قيل : إنما أذن الله تعالى في هذه الآية ، لأن المسلمين لم يكونوا يمنعون قراباتهم هؤلاء من أن يأكلوا في بيوتهم ، حضروا أو غابوا ، فجاز أن يرخص في ذلك؟

فالجواب (٦) : لو كان الأمر كذلك لم يكن لتخصيص (٧) هؤلاء الأقارب بالذكر معنى ، لأن غيرهم كهم في ذلك. وقال أبو مسلم : المراد من هؤلاء الأقارب إذا لم يكونوا مؤمنين ، لأنه تعالى نهى من قبل عن مخالطتهم بقوله : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ)(٨) ثم إنه تعالى أباح في هذه الآية ما حظره هناك ، قال : ويدل عليه أن في هذه السورة (أمر بالتسليم على أهل البيوت فقال : (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها)(٩) وفي بيوت هؤلاء المذكورين لم يأمر بذلك ، بل) أمر أن يسلموا على أنفسهم ، فالمقصود من هذه الآية إثبات الإباحة في الجملة لا إثبات الإباحة في جميع الأوقات.

وقيل : لما علم بالعادة أن هؤلاء القوم تطيب نفوسهم بأكل من يدخل عليهم ، والعادة كالإذن ، فيجوز أن يقال : خصهم الله بالذكر لأن هذه العادة في الأصل توجد منهم ، ولذلك ضم إليهم (١٠) الصديق ، ولما علمنا أن هذه الإباحة إنما حصلت لأجل حصول الرضا فيها ، فلا حاجة إلى النسخ(١١).

قوله : (أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ).

قال ابن عباس : عنى بذلك وكيل الرجل وقيمه في ضيعته وماشيته ، لا بأس عليه أن يأكل من ثمر ضيعته ويشرب من لبن ماشيته ، ولا يحمل ولا يدخر ، وملك المفتاح : كونه في يده وحفظه (١٢) قال المفضل : «المفاتح» واحدها «مفتح» بفتح الميم ، وواحد

__________________

(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٢) أخرجه الإمام أحمد ٥ / ٧٢.

(٣) [الأحزاب : ٥٣].

(٤) في ب : النبي.

(٥) في ب : بإذن.

(٦) في ب : والجواب.

(٧) في ب : التخصيص.

(٨) [المجادلة : ٢٢].

(٩) [النور : ٢٧].

(١٠) في النسختين : إليها. والتصويب من الفخر الرازي.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٥ ـ ٣٦.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٦ ـ ٣٧.

٤٥٨

المفاتيح : مفتح (بكسر الميم) (١)(٢). وقال الضحاك : يعني : من بيوت عبيدكم ومماليككم ، لأن السيد يملك منزل عبده والمفاتيح : الخزائن ، لقوله : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ)(٣) ، ويجوز أن يكون الذي يفتح به (٤). وقال عكرمة : «إذا ملك الرجل المفتاح فهو خازن ، فلا بأس أن يطعم الشيء اليسير» (٥).

وقال السّديّ : الرجل يولي طعامه غيره يقوم عليه ، فلا بأس أن يأكل منه (٦). وقيل : «أو ما ملكتم مفاتحه» : ما خزنتموه عندكم (٧). قال مجاهد وقتادة : من بيوت أنفسكم مما أحرزتم (٨) وملكتم(٩).

قوله : «أو ما ملكتم مفاتحه» العامة على فتح الميم واللام مخففة. وابن جبير : «ملّكتم» ، بضم الميم وكسر اللام مشدّدة (١٠) ؛ أي : «ملّككم (١١) غيركم». والعامة على «مفاتحه» دون ياء ، جمع «مفتح». وابن جبير «مفاتيحه» بالياء بعد التاء (١٢) ، جمع «مفتاح». وجوّز أبو البقاء أن يكون جمع «مفتح» بالكسر ، وهو الآلة ، وأن يكون جمع «مفتح» بالفتح ، وهو المصدر بمعنى الفتح(١٣). والأول أقيس. وقرأ أبو عمرو في رواية هارون عنه : «مفتاحه» بالإفراد ، وهي قراءة قتادة(١٤).

قوله : «أو صديقكم». العامة على فتح الصاد. وحميد الجزّار روى كسرها إتباعا لكسرة الدّال(١٥) والصديق : يقع للواحد والجمع كالخليط (١٦) والفطين (١٧) وشبههما.

فصل

الصديق : الذي صدقك في المودة. قال ابن عباس : نزلت في الحارث بن عمرو خرج غازيا مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وخلف مالك بن زيد على أهله ، فلما رجع وجده

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٧.

(٢) ما بين القوسين في ب : بالكسر.

(٣) [الأنعام : ٥٩].

(٤) انظر البغوي ٦ / ١٤٩.

(٥) المرجع السابق.

(٦) المرجع السابق.

(٧) المرجع السابق.

(٨) في النسختين : اخترتم. والصواب ما أثبته.

(٩) انظر البغوي ٦ / ١٤٩.

(١٠) تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٤٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤٧٤.

(١١) في ب : ملكتم.

(١٢) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٤٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤٧٤.

(١٣) انظر التبيان ٢ / ٩٧٨.

(١٤) المختصر (١٠٣) ، المحتسب ٢ / ١١٦ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٤٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤٧٤.

(١٥) المختصر (١٠٣) ، البحر المحيط ٦ / ٤٧٤.

(١٦) الخليط : القوم الذين أمرهم واحد ، والجمع خلطاء وخلط. والخليط المشارك في حقوق الملك كالشرب والطريق ونحو ذلك. اللسان (خلط).

(١٧) القطين : السكان في الدار ، والقطين : جمع قاطن كالقطّان ، وقد يجيء القطين بمعنى القاطن للمبالغة ، والقطين كالخليط لفظ الواحد والجمع فيه سواء. اللسان (قطن).

٤٥٩

مجهودا ، فسأله عن حاله فقال : تحرجت من أكل طعامك بغير إذنك ، فأنزل الله هذه الآية (١) وكان الحسن وقتادة يريان دخول الرجل بيت صديقه والتحرم بطعامه من غير استئذان منه في الأكل بهذه الآية(٢). والمعنى : ليس عليكم جناح أن تأكلوا من منازل هؤلاء إذا دخلتموها وإن لم يحضروا من غير أن تتزودوا وتحملوا (٣). يحكى أن الحسن دخل داره وإذا حلقة (٤) من أصدقائه وقد أخرجوا سلالا من تحت سريره فيها الخبيص (٥) وأطايب الأطعمة مكبون (٦) عليها يأكلون ، فتهلل أسارير وجهه سرورا وضحك ، وقال : «هكذا وجدناهم» يعني : كبراء (٧) الصحابة (٨). وعن ابن عباس : الصديق أكبر من الوالدين ، لأن أهل جهنم لمّا استغاثوا لم يستغيثوا بالآباء والأمهات ، بل قالوا : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ* وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)(٩).

وحكي أن أخا الربيع بن خيثم دخل منزله في حال غيبته فانبسط إلى جاريته حتى قدمت إليه ما أكل ، فلما قدم أخبرته بذلك ، فانسر لذلك وقال : إن صدقت فأنت حرة (١٠).

فصل

احتج أبو حنيفة بهذه الآية على أن من سرق من ذي رحم محرم أنه لا يقطع ، لأن الله تعالى أباح لهم الأكل من بيوتهم ، ودخولها بغير إذنهم ، فلا (١١) يكون ماله محرزا منهم. فإن قيل : فيلزم ألا يقطع إذا سرق من مال صديقه؟

فالجواب : من أراد سرقة ماله لا يكون صديقا له (١٢).

قوله : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) قال الأكثرون : نزلت في بني ليث(١٣) بن عمرو حي من كنانة ، كان الرجل منهم لا يأكل وحده ، ويمكث يومه حتى يجد ضيفا يأكل معه ، فإن لم يجد من يؤاكله لم (١٤) يأكل شيئا ، وربما قعد الرجل والطعام بين يديه من الصباح إلى الرواح(١٥) ، وربما كانت معه الإبل الحفل (١٦) فلا

__________________

(١) انظر البغوي ٦ / ١٤٩.

(٢) انظر البغوي ٦ / ١٤٩ ـ ١٥٠.

(٣) انظر البغوي ٦ / ١٥٠.

(٤) في النسختين : خلفه.

(٥) الخبيص : الحلواء المخبوصة. اللسان (خبص).

(٦) في النسختين : مكتوب. والصواب ما أثبته.

(٧) كبراء : سقط من ب.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٧.

(٩) [الشعراء : ١٠٠ ، ١٠١]. وانظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٧.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٧.

(١١) في ب : ولا.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٧.

(١٣) ليث : مكرر في الأصل.

(١٤) في ب : لا.

(١٥) الرواح : نقيض الصباح ، وهو اسم للوقت ، وقيل : الرواح العشي ، وقيل : الرواح من لدن زوال الشمس إلى الليل. اللسان (روح).

(١٦) حفل اللبن في الضرع يحفل حفلا وحفلا واحتفل : اجتمع ، وحفله هو وحفّله ، وضرع حافل أي : ممتلىء لبنا. اللسان (حفل).

٤٦٠