اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٢

وقيل : المراد كل أزواج الرسول برأهن (١) الله تعالى من هذا الإفك (٢) ، ثم قال : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) يعني : براءة من الله. وقيل : العفو عن الذنوب. والرزق الكريم : الجنة.

قوله : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) يجوز أن تكون جملة مستأنفة ، وأن تكون في محل رفع خبرا ثانيا (٣).

ويجوز أن يكون «لهم» خبر «أولئك» (و) (٤) «مغفرة» فاعله.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ)(٢٩)

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ) الآية.

لما ذكر حكم الرمي والقذف ذكر ما يليق به ، لأن أهل الإفك (إنما توصلوا) (٥) إلى بهتانهم لوجود الخلوة ، فصارت كأنها طريق التهمة ، فأوجب الله تعالى ألا يدخل المرء بيت غيره إلا بعد الاستئذان والسلام ، لأن الدخول على غير هذا الوجه يوقع التهمة ، وفي ذلك من المضرة ما لا خفاءبه(٦).

قوله : «تستأنسوا» يجوز أن يكون من الاستئناس ، لأنّ الطارق يستوحش من أنه هل يؤذن له أو لا (٧)؟ فزال استيحاشه ، وهو رديف الاستئذان فوضع موضعه.

وقيل : من الإيناس ، وهو الإبصار ، أي : حتى تستكشفوا الحال (٨).

وفسره ابن عباس : «حتى تستأذنوا» وليست قراءة ، وما ينقل عنه أنه قال : «تستأنسوا» خطأ من الكاتب ، إنما هو (تستأذنوا فشيء مفترى عليه (٩).

وضعفه بعضهم (١٠) بأن هذا يقتضي الطعن في القرآن الذي نقل بالتواتر ، ويقتضي

__________________

(١) في ب : براء من.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٦.

(٣) انظر التبيان ٢ / ٩٦٨.

(٤) في ب : لهم.

(٥) ما بين القوسين مكرر في ب.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٧.

(٧) في ب : أم لا.

(٨) انظر الكشاف ٣ / ٦٩.

(٩) قال أبو حيان : (ومن روى عن ابن عباس أن قوله : «تستأنسوا» خطأ أو وهم من الكاتب ، وأنه قرأ «حتّى تستأذنوا» فهو طاعن في الإسلام ملحد في الدين ، وابن عباس بريء من هذا القول) البحر المحيط ٦ / ٤٤٥. وانظر المحتسب ٢ / ١٠٧ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٤٧٨ ـ ٤٨٠ ، الكشاف ١٠ / ٧٠ ، القرطبي ١٢ / ٢١٤.

(١٠) وهو ابن الخطيب في تفسيره. الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٧.

٣٤١

صحة القرآن الذي لم ينقل بالتواتر ، وفتح (١) هذين البابين (٢) يطرق الشك إلى كل القرآن وإنه (٣) باطل(٤).

وروي عن الحسن البصري أنه قال : «إن في الكلام تقديما وتأخيرا ، فالمعنى : حتى تسلموا على أهلها وتستأنسوا». وهذا أيضا خلاف الظاهر (٥).

وفي قراءة عبد الله : «حتى تسلموا وتستأذنوا» (٦) وهو أيضا خلاف الظاهر (٧).

واعلم أن هذا نظير ما تقدم في الرعد : (في) (٨)(أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا)(٩) وتقدم القول فيه (١٠). والاستئناس : الاستعلام (والاستكشاف ، من أنس الشيء : إذا أبصره ، كقوله : (إِنِّي آنَسْتُ ناراً)(١١) ، والمعنى : حتى تستعلموا الحال ، هل يراد دخولكم (١٢)؟) (١٣) قال :

٣٨٢٥ ـ كأنّ رحلي وقد زال النّهار بنا

يوم الجليل على مستأنس وحد (١٤)

وقيل : هو من «الإنس» بكسر الهمزة ، أي : يتعرّف هل فيها إنس (١٥) أم لا؟

وحكى الطبري أنه بمعنى : «وتؤنسوا أنفسكم» (١٦).

قال ابن عطية : وتصريف الفعل يأبى أن يكون من «أنس» (١٧).

__________________

(١) في ب : وصح. وهو تحريف.

(٢) في ب : الناس. وهو تحريف.

(٣) في ب : فإنه.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٧.

(٥) الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٧.

(٦) في المختصر (١٠١) ، الكشاف ٣ / ٧٠ : «حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا».

(٧) الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٧.

(٨) في : زيادة يتطلبها السياق.

(٩) من قوله تعالى : «أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً»[الرعد : ٣١].

(١٠) ذكر هنا آراء العلماء كالزمخشري وابن عطية وغيرهما في معنى «ييأس» ثم قال : وقال بعضهم بل هو بمعنى علم وتبين ، وقال أبو القاسم بن معين وهو من نحاة الكوفيين هي لغة هوازن ، وقال الكلبي : هي لغة حي من النخع وذكر هناك شواهد لهذا المعنى.

انظر اللباب ٥ / ١٠٥ ـ ١٠٦.

(١١) [طه : ١٠].

(١٢) انظر اللسان (أنس).

(١٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٤) من بحر البسيط قاله النابغة الذبياني وهو في ديوانه (١٧) ، تفسير غريب القرآن (٣٠٣) ، الخصائص ٣ / ٣٦٢ ، أمالي ابن الشجري ٢ / ٢٧١ ، شرح المفصل ٦ / ١٦ ، اللسان (أنس) البحر المحيط ٦ / ٤٤٦ ، الخزانة ٣ / ١٨٧.

(١٥) في الأصل : أنس.

(١٦) انظر جامع البيان ١٨ / ٨٨ ، وعبارته : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الاستئناس الاستفعال من الأنس.

(١٧) تفسير ابن عطية ١٠ / ٤٧٨.

٣٤٢

فصل

قال الخليل : الاستئناس : الاستبصار من (أنس الشيء إذا أبصره) (١) كقوله (٢) : (آنَسْتُ ناراً)(٣) أي : أبصرت.

وقيل : هو أن يتكلم بتسبيحة أو تكبيرة أو بتنحنح يؤذن أهل البيت. وجملة (٤) حكم الآية أنه لا يدخل بيت الغير إلا بعد السلام والاستئذان (٥).

واختلفوا : هل يقدم الاستئذان أو السلام؟

فقيل : يقدم الاستئذان ، فيقول : أأدخل (٦)؟ سلام عليكم ، لقوله : (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) أي: تستأذنوا (وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها). والأكثرون على أنه يقدم السلام فيقول : سلام عليكم ، أأدخل؟ (لما روي أن رجلا دخل على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ولم يسلم ولم يستأذن ، فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «ارجع فقل : السلام عليكم ، أأدخل» (٧)) (٨) وروى ابن عمر أن رجلا استأذن عليه فقال : أأدخل(٩)؟ فقال ابن عمر : لا ، فأمر بعضهم الرجل أن يسلم ، فسلّم ، فأذن له. وقيل : إن وقع بصره على إنسان قدم السلام ، وإلّا قدم الاستئذان ثم يسلم (١٠). والحكمة في إيجاب تقديم الاستئذان ألّا يهجم على ما لا يحل له أن ينظر إليه من عورة ، أو على ما لا يحب القوم أن يعرفه من الأحوال (١١).

فصل

عدد الاستئذان ثلاثا لما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «الاستئذان ثلاث ، الأولى (١٢) يستضيئون ، والثانية يستصلحون ، والثالثة يأذنون (١٣) أو يردون» وعن أبي سعيد الخدري قال : «كنت جالسا في مجلس الأنصار ، فجاء أبو موسى فزعا ، فقلنا له : ما أفزعك؟ فقال : أخبرني عمر أن آتيه فأتيته ، فاستأذنت ثلاثا ، فلم يؤذن لي ، فرجعت ، فقال : ما منعك أن تأتيني؟ فقلت : قد جئت فاستأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي ، وقد قال عليه‌السلام (١٤) ـ : «إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع». فقال : لتأتيني (على هذا) (١٥) بالبينة ، أو لأعاقبنك (١٦) ، فقال أبو سعيد : لا يقوم معك إلا

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من ب.

(٢) في الأصل : قوله.

(٣) [طه : ١٠].

(٤) في ب : حكمة. وهو تحريف.

(٥) انظر البغوي ٦ / ٨٩.

(٦) في ب : أدخل؟.

(٧) أخرجه الترمذي (الاستئذان) ٥ / ٦٤ ـ ٦٥ ، وأورده ابن كثير في تفسيره ٣ / ٢٨٠ ، والسيوطي في الدر ٥ / ٣٨.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) فقال : أأدخل : مكر في الأصل. وفي ب : أدخل.

(١٠) انظر البغوي ٦ / ٨٩ ـ ٩٠.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٨.

(١٢) في ب : الأول.

(١٣) في الأصل : يستأذنون.

(١٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٥) ما بين القوسين في ب : غدا.

(١٦) في ب : وإلا عاقبتك.

٣٤٣

صغير القوم ، قال : فقام أبو سعيد ، فشهد له» (١).

وفي بعض الروايات أن عمر قال لأبي موسى : لم أتهمك ، ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله (٢).

وعن قتادة : «الاستئذان ثلاثة : الأول ليسمع الحي ، والثاني ليتهيأ ، والثالث إن شاء أذن وإن شاء ردّ».

وهذا من محاسن الآداب ، لأنه في أول كرّة (٣) ربما منعهم بعض الأشغال (٤) من الإذن ، وفي الثانية ربما كان هناك ما يمنع ، فإذا لم يجب في الثالثة يستدل بعدم الإذن على مانع. ويجب أن يكون بين كل واحدة والأخرى وقت ما.

فأما قرع الباب بعنف ، والصياح بصاحب الدار فذاك حرام ، لأنه إيذاء ، وكذا قصة بني أسد وما نزل فيها من قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) (٥) (٦).

فصل

في كيفية الوقوف على الباب

روى أبو سعيد قال : استأذن رجل على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو مستقبل الباب ، فقالعليه‌السلام(٧): «لا تستأذن وأنت مستقبل الباب» (٨).

وروي أنه عليه‌السلام (٩) كان إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ، فيقول : «السلام عليكم» وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور (١٠).

فصل

كلمة «حتّى» للغاية ، والحكم بعد الغاية يكون بخلاف ما قبلها ، فقوله : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) يقتضي جواز الدخول بعد الاستئذان وإن لم يكن من صاحب البيت إذن.

__________________

(١) أخرجه البخاري (الاستئذان) ٤ / ٨٨ ، ومسلم (الآداب) ٣ / ١٦٩٤ ـ ١٦٩٦ وابن ماجه (أدب) ٢ / ١١١٢ ، وأبو داود (أدب) ٥ / ٣٧٠ ـ ٣٧٢ ، الترمذي (استئذان) ٤ / ١٥٧ ، الدارمي (استئذان) ٢ / ٢٧٤ ، الموطأ (استئذان) ٢ / ٩٦٣ ـ ٩٦٤.

(٢) في ب : رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

(٣) الكرة : المرة.

(٤) في ب : الاشتغال.

(٥) [الحجرات : ٤].

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٨ ـ ١٩٩.

(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٨) انظر الفخر الرازي.

(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٠) أخرجه أبو داود (أدب) ٥ / ٣٧٤ ، وانظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٩ الدر المنثور ٥ / ٣٩.

٣٤٤

والجواب أن الله تعالى جعل الغاية الاستئناس (١) ، ولا يحصل إلا بعد الإذن.

وأيضا فإنّا علمنا بالنص أن الحكمة في الاستئذان ألا يدخل الإنسان على غيره بغير إذنه ، فإنّ ذلك مما يسوؤه ، وهذا المقصود لا يحصل إلا بعد الإذن.

وأيضا قوله : (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ)(٢)) (٣) فمنع الدخول إلا مع الإذن ، فدل على أن الإذن شرط في إباحة الدخول في الآية الأولى.

وإذا ثبت هذا فنقول : لا بد من الإذن أو ما يقوم مقامه ، لقوله عليه‌السلام (٤) «إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول فإنّ ذلك له إذن» (٥).

وقال بعضهم : إن من جرت العادة له بإباحة الدخول فهو غير محتاج إلى الاستئذان (٦). واعلم أن ظاهر الآية يقتضي قبول الإذن مطلقا سواء كان الآذن (٧) صبيا أو امرأة أو عبدا أو ذميا ، فإنه لا يعتبر في هذا الإذن صفات الشهادة ، وكذلك قبول إحضار (٨) هؤلاء في الهدايا ونحوها.

فصل

ويستأذن على المحارم ، لما روي أن رجلا سأل النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال : «أأستأذن على أختي؟» فقال عليه‌السلام (٩) : «نعم ، أتحب أن تراها عريانة؟» (١٠) وسأل رجل حذيفة : «أأستأذن على أختي؟» فقال : «إن لم تستأذن عليها رأيت ما يسوؤك». ولعموم قوله : «وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا» (١١) إلا أنّ ترك الاستئذان على المحارم وإن كان غير جائز أيسر لجواز النظر إلى شعرها وصدرها وساقها ونحوه (١٢).

فصل

إذا اطلع (١٣) إنسان في دار إنسان بغير إذنه ففقأ عينه فهي هدر ، لقوله عليه‌السلام (١٤) : «من اطّلع في دار قوم بغير إذنهم ففقأوا عينه فقد هدرت عينه» (١٥).

__________________

(١) في ب : الاستئذان. وهو تحريف.

(٢) [النور : ٢٨].

(٣) ما بين القوسين في ب : في الآية الأولى «حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ».

(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٥) أخرجه أبو داود (أدب) ٥ / ٣٧٦.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٩.

(٧) الآذن : سقط من ب.

(٨) في الأصل : إخبار.

(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٠) أخرجه الإمام مالك في الموطأ (استئذان) ٢ / ٩٦٣ ، وفيه (أستأذن على أمّي).

(١١) [النور : ٥٩].

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٠.

(١٣) في ب : طلع.

(١٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٥) أخرجه مسلم (الآداب) ٣ / ١٦٩٩ ، الترمذي (استئذان) ٤ / ١٦٤ ، النسائي (قسامة) ٨ / ٦١ ، أبو داود ٥ / ٣٦٦ ، أحمد ٥ / ٢٦٦ ، ٣٨٥ ، ٤١٤.

٣٤٥

وقال أبو بكر الرازي (١) : هذا الخبر ورد على خلاف قياس الأصول ، فإنه لا خلاف أنه لو دخل داره بغير إذنه ففقأ عينه كان ضامنا ، وكان عليه القصاص إن كان عامدا ، والأرش (٢) إن كان مخطئا ، والداخل قد اطّلع وزاد على الاطلاع ، فظاهر الحديث مخالف لما حصل عليه الاتفاق ، فإن صحّ فمعناه : من اطلع في دار قوم ونظر إلى حرمهم فمنع فلم يمتنع فذهب عينه في حال الممانعة فهي هدر ، فأما إذا لم يكن إلا النظر ولم يقع فيه ممانعة ولا نهي ثم جاء إنسان ففقأ عينه فهذا جان (٣) يلزمه حكم جنايته لظاهر قوله تعالى : (الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) إلى قوله : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ)(٤).

وأجيب بأن التمسك بقوله : «العين بالعين» ضعيف ، لأنا أجمعنا على أن هذا النص مشروط بما إذا لم تكن العين مستحقة ، فإنه لو كانت مستحقة القصاص ، فلم قلت : إن من اطّلع في دار إنسان لم تكن عينه مستحقة؟

وأما قوله : إنه لو دخل لم يجز فقء عينه ، فكذا إذا نظر.

والفرق بينهما أنه إذا دخل ، علم القوم بدخوله عليهم ، فاحترزوا عنه وتستروا ، فأما إذا نظر فقد لا يكونون عالمين (٥) بذلك فيطلع منهم على ما لا يجوز الاطلاع عليه ، فلا يبعد في حكم الشرع أن يبالغ هنا في الزجر حسما لهذه المفسدة.

وأيضا فردّ حديث رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بهذا القدر من الكلام ليس جائزا (٦).

فصل

إذا عرض أمر في دار من حريق أو هجوم سارق ، أو ظهور منكر فهل يجب الاستئذان؟ فقيل : كل ذلك مستثنى بالدليل (٧).

فأما السلام فهو من سنة (٨) المسلمين التي أمروا بها ، وهو تحية أهل الجنة ، ومجلبة للمودة ، وناف للحقد والضغائن.

قال عليه‌السلام (٩) : «لمّا خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس فقال : الحمد لله ، فحمد الله بإذن الله ، فقال له الله : يرحمك ربك يا آدم ، اذهب إلى هؤلاء الملائكة

__________________

(١) هو الحافظ محدث نيسابور أحمد بن علي بن الحسين بن شهريار ، صاحب التصانيف ، روى عنه رفيقه أبو عبد الله بن الأخرم ، وأبو علي الحافظ ، وغيرهما ، مات سنة ٣١٥ ه‍. تذكره الحفاظ ٣ / ٧٨٨ ـ ٧٨٩.

(٢) الأرش : هو دية الجراحات.

(٣) في النسختين : جاني.

(٤) من قوله تعالى : «وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ» [المائدة : ٤٥].

(٥) عالمين : سقط من ب.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٩ ـ ٢٠٠.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠١.

(٨) في ب : نه. وهو تحريف.

(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.

٣٤٦

(وهم) (١) ملأ منهم جلوس فقل : السلام عليكم ، فلما فعل ذلك رجع إلى ربه قال : هذه تحيتك وتحية ذريتك» (٢) وعن عليّ بن أبي طالب (٣) قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «حق المسلم على المسلم ست : يسلّم عليه إذا لقيه ، ويجيبه إذا دعاه ، وينصح له بالغيب ، ويشمّته إذا عطس ، ويعوده إذا مرض ، ويشهد (٤) جنازته إذا مات» (٥).

وعن ابن عمر قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «إن سرّكم أن يسل (٦) الغل من صدوركم فأفشوا السلام بينكم» (٧).

قوله : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ).

أي : إن فعل ذلك خير لكم وأولى بكم من الهجوم بغير إذن (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي : لتذكروا هذا التأديب فتتمسكوا به (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها) أي : فإن لم تجدوا في البيوت «أحدا» يأذن لكم في دخولها (فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ) لجواز أن يكون هناك أحوال مكتومة ، (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا) وذلك أنه كما يكون الدخول قد يكرهه صاحب الدار ، فكذلك الوقوف على الباب قد يكرهه ، فلا جرم كان الأولى له أن يرجع (هُوَ أَزْكى لَكُمْ) أي : الرجوع هو أطهر وأصلح لكم(٨).

قال قتادة : إذا لم يؤذن له فلا يقعد على الباب ، فإنّ للناس حاجات ، وإذا حضر فلم يستأذن وقعد على الباب منتظرا جاز.

كان ابن عباس يأتي الأنصار لطلب الحديث فيقعد على الباب (حتى يخرج) (٩) ولا (١٠) يستأذن ، فيخرج الرجل ويقول : «يا ابن عم رسول الله لو أخبرتني» فيقول : هكذا أمرنا أن نطلب العلم. وإذا وقف فلا ينظر من شق الباب إذا كان الباب مردودا لما روي أن رجلا اطلع على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من ستر الحجرة ، وفي يد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مدراء ، فقال (١١) : «لو علمت أن هذا ينظرني حتى آتيه لطعنت بالمدراء في عينه ، وهل جعل الاستئذان إلا من أجل البصر»؟ (١٢).

قوله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) أي : من الدخول بالإذن وغير الإذن.

ولما ذكر الله تعالى حكم الدور المسكونة ذكر بعده حكم الدور التي هي غير

__________________

(١) وهم : تكملة.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠١.

(٣) في ب : علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.

(٤) في ب : ويشيع.

(٥) أخرجه مسلم (سلام) ٤ / ١٧٠٥ ، الترمذي (الآداب) ٤ / ١٧٦ ـ ١٧٧ ابن ماجه (جنائز) ١ / ٤٦١.

(٦) السّلّ : انتزاع الشيء وإخراجه في رفق.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠١.

(٨) المرجع السابق.

(٩) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٠) في ب : فلا.

(١١) في ب : فقالوا.

(١٢) أخرجه البخاري (استئذان) ٤ / ٨٨ ، مسلم (أدب) ٣ / ١٦٩٨ الترمذي (استئذان) ٤ / ١٦٥ ، الدارمي (ديات) ٢ / ١٩٧ ـ ١٩٨ ، النسائي (قسامة) ٨ / ٦٠ ـ ٦١.

٣٤٧

مسكونة فقال : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ).

قال المفسرون : لما نزلت آية الاستئذان قالوا : كيف بالبيوت التي بين مكة والمدينة والشام وعلى ظهر الطريق ليس فيها ساكن؟ فأنزل الله عزوجل (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ). أي : بغير استئذان (فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) أي : منفعة لكم (١).

قال محمد ابن الحنفية (٢) : إنها الخانات (٣) والرباطات (٤) وحوانيت (٥) البياعين (٦).

وقال ابن زيد : هي بيوت التجار وحوانيتهم التي بالأسواق يدخلها للبيع والشراء ، وهو المنفعة (٧) قال إبراهيم النخعي : ليس على حوانيت السوق إذن (٨).

وكان ابن سيرين (٩) إذا جاء إلى حانوت السوق يقول : السلام عليكم ، أأدخل؟ ثم يلج (١٠).

وقال عطاء : هي البيوت الخربة ، و «المتاع» هو قضاء الحاجة فيها من البول والغائط (١١). وقيل : هي جميع البيوت التي لا ساكن لها (١٢).

وقيل : هي الحمامات (١٣).

وروي أن أبا بكر قال : يا رسول الله ، إن الله قد أنزل عليك آية في الاستئذان ، وإنا نختلف في تجارتنا فننزل هذه الخانات ، أفلا ندخلها إلا بإذن؟ فنزلت هذه الآية (١٤).

والأصح أنه لا يمتنع دخول الجميع تحت الآية ، لأن الاستئذان إنما جاء لئلا يطلع على عورة ، فإن لم يخف ذلك فله الدخول ، لأنه مأذون فيها عرفا.

(وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) وهذا وعيد للذين يدخلون الخربات والدور الخالية من أهل الريبة (١٥).

قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (٣٠) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ

__________________

(١) انظر البغوي ٦ / ٩٤.

(٢) تقدم.

(٣) الخانات جمع خان ، وهو الحانوت ، وقيل الخان الذي للتجار. فارسي معرب. اللسان (خون).

(٤) الرباطات جمع رباط ، وهي المبنية. اللسان (ربط).

(٥) حوانيت : جمع حانوت ، هي البيوت. اللسان (حنت).

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠١.

(٧) انظر البغوي ٦ / ٩٤.

(٨) انظر البغوي ٦ / ٩٥.

(٩) تقدم.

(١٠) انظر البغوي ٦ / ٩٥.

(١١) المرجع السابق.

(١٢) المرجع السابق.

(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠١.

(١٤) المرجع السابق.

(١٥) المرجع السابق.

٣٤٨

أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(٣١)

قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) الآية. الغض : إطباق الجفن بحيث يمنع الرؤية. قال :

٣٨٢٦ ـ فغضّ الطّرف إنّك من نمير

فلا كعبا بلغت ولا كلابا (١)

وفي «من» أربعة أوجه :

أحدها : أنها للتبعيض ، لأنه يعفى عن الناظر أول نظرة تقع من غير قصد (٢).

والثاني : لبيان الجنس (٣) ، قاله أبو البقاء (٤). وفيه نظر من حيث إنّه لم يتقدّم مبهم يكون مفسّرا ب «من».

الثالث : أنها لابتداء الغاية ، قاله ابن عطية (٥).

الرابع : قال الأخفش : إنها مزيدة (٦).

فصل

قال الأكثرون : المراد غض البصر عما يحرم والاقتصار به على ما يحل (٧).

فإن قيل : كيف دخلت «من» في غض البصر دون حفظ الفرج؟

فالجواب : أن ذلك دليل على أن أمر النظر أوسع ، ألا ترى أن المحارم لا بأس بالنظر (٨) إلى شعورهن وصدورهن ، وكذا الجواري المستعرضات ، وأما أمر الفروج فمضيق.

وقيل : معنى (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) أي : ينقصوا من نظرهم بالبصر إذا لم يكن من عمله فهو مغضوض.

وعلى هذا «من» ليست زائدة ، ولا هي للتبعيض ، بل هي صلة للغض ، يقال : غضضت من فلان : إذا نقصت منه (٩).

فصل

العورات تنقسم أربعة أقسام :

__________________

(١) البيت من بحر الوافر قاله جرير. وقد تقدم.

(٢) انظر الكشاف ٣ / ٧٠ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٤٨٥ ، التبيان ٢ / ٩٦٨.

(٣) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٢٠ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٤٨٦ ، البيان ٢ / ١٩٤.

(٤) التبيان ٢ / ٩٦٨.

(٥) قال ابن عطية : (ويصح أن تكون (من) لبيان الجنس ، ويصح أن تكون لابتداء الغاية) تفسيره ١٠ / ٤٨٦.

(٦) انظر البيان ٢ / ١٩٤ ، التبيان ٢ / ٩٦٨.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٣.

(٨) في ب : ينظر.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٣٠٢.

٣٤٩

عورة الرجل مع الرجل.

وعورة المرأة مع المرأة.

وعورة المرأة مع الرجل.

وعورة الرجل مع المرأة.

أما الرجل مع الرجل ، فيجوز له أن ينظر إلى جميع بدنه إلا العورة ، وهي ما بين السرة والركبة ، والسرة والركبة ليسا بعورة.

وعند (١) أبي حنيفة : الركبة عورة.

وقال مالك : «الفخذ ليس بعورة».

وهو مردود بقوله عليه‌السلام (٢) : «غطّ فخذك فإنّها من العورة» (٣).

وقوله لعلي : «لا تبرز فخذك ، ولا تنظر إلى فخذ حيّ ولا ميّت» (٤).

فإن كان أمر ولم يحل النظر إلى وجهه ، ولا إلى شيء من سائر بدنه بشهوة ، ولا يجوز للرجل مضاجعة الرجل وإن كان كل واحد منهما في جانب من الفراش لقوله عليه‌السلام (٥)

(٥) : «لا يفضي الرجل إلى الرجل في فراش واحد ، ولا تفضي إلى المرأة إلى المرأة في ثوب واحد»(٦). وتكره معانقة الرجل للرجل وتقبيله إلا لولده شفقة (٧) لما روي عن أنس قال : قال رجل : يا رسول الله ، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال : لا. قال : أيلزمه ويقبله؟ قال : لا. قال : أفيأخذ يده فيصافحه؟ قال : نعم (٨)(٩).

ونهى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن المكاعمة (١٠) والمكامعة (١١) ، وهي : معانقة الرجل للرجل وتقبيله.

وأما عورة المرأة مع المرأة ، فهي كالرجل مع الرجل فيما ذكرنا سواء.

والذمية هل يجوز لها النظر إلى بدن المسلمة؟ فقيل : هي كالمسلمة مع المسلمين.

__________________

(١) في ب : عند.

(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٣) أخرجه الترمذي (الآداب) ٤ / ١٩٨ ، أحمد ١ / ٢٧٥ ، ٣ / ٤٧٩.

(٤) أخرجه أبو داود (جنائز) ٣ / ٥٠١ ـ ٥٠٢ ، ابن ماجه (جنائز) ١ / ٤٦٩ ، أحمد ١ / ١٤٦.

(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٦) أخرجه مسلم (حيض) ١ / ٢٦٦ ، أبو داود (حمام) ٤ / ٣٠٥.

(٧) في ب : وشفقة.

(٨) أخرجه الترمذي (استئذان) ٤ / ١٧٢ ، ابن ماجه (أدب) ٢ / ١٢٢٠ ، أحمد ٣ / ١٩٨.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٣.

(١٠) في النسختين : المعامكة. المكاعمة : هو أن يلثم الرجل صاحبه ويضع فمه على فمه كالتقبيل ، أخذ من كعم البعير ، فجعل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لثمه إياه بمنزلة الكعام ، والمكاعمة مفاعلة منه. اللسان (كعم).

(١١) المكامعة : أن ينام الرجل مع الرجل ، والمرأة مع المرأة في إزار واحد ، تماسّ جلودهما لا حاجز بينهما ، والمكامع : القريب منك الذي لا يخفى عليه شيء من أمرك. اللسان (كعم).

٣٥٠

والصحيح أنه لا يجوز لها (النظر) (١) لأنها أجنبية في الدين لقوله تعالى : (أَوْ نِسائِهِنَّ)(٢) وليست الذمية من نسائنا (٣).

وأما عورة المرأة مع الرجل ، فإما أن تكون (أجنبية ، أو ذات محرم ، أو مستمتعة. فإن كانت أجنبية فإما أن تكون حرة أو أمة. فإن كانت) (٤) حرة فجميع بدنها عورة إلا الوجه والكفين ، لأنها تحتاج إلى إبراز الوجه للبيع والشراء وإلى إخراج الكف للأخذ والعطاء ، والمراد : الكف إلى الكوع (٥). واعلم أن النظر إلى وجهها ينقسم ثلاثة أقسام :

إما ألّا يكون فيه غرض ولا فتنة ، وإما أن يكون فيه غرض ولا (٦) فتنة ، وإما أن يكون لشهوة. فإن كان لغير غرض فلا يجوز النظر إلى وجهها ، فإن وقع بصره عليها بغتة غض بصره لقوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ). وقيل : يجوز مرة واحدة إذا لم تكن فتنة ، وبه قال أبو حنيفة. ولا يجوز تكرار النظر لقوله عليه‌السلام (٧) : «لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة» (٨).

وقال جابر : سألت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن نظر الفجاءة ، فأمرني أن أصرف بصري (٩). فإن كان فيه غرض ولا فتنة ، وهو أمور :

أحدها : أن يريد نكاح امرأة فينظر إلى وجهها وكفيها لقول رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ للرجل الذي سأله أن يتزوج امرأة من الأنصار : «انظر إليها ، فإنّ في أعين الأنصار شيئا» (١٠) وقال عليه‌السلام (١١) : «إذا خطب أحدكم المرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان ينظر إليها للخطبة» (١٢).

وقال المغيرة بن شعبة : خطبت امرأة ، فقال عليه‌السلام (١٣) : نظرت (١٤) إليها؟ فقلت (١٥) :

__________________

(١) ما بين القوسين في ب : الرجل لنظر إلى بدن المسلمة. وهو تحريف.

(٢) [النور : ٣١].

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٣.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤.

(٦) لا : سقط من ب.

(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٨) أخرجه أبو داود (نكاح) ٦١٠ ، الترمذي (أدب) ٤ / ١٩١ ، الدارمي (رقاق) ٢ / ٢٩٨ ، أحمد ٥ / ٣٥١ ، ٣٥٣ ، ٣٥٧.

(٩) أخرجه مسلم (أدب) ٣ / ١٦٩٩ ، أبو داود (نكاح) ٢ / ٦٠٩ ـ ٦١٠ الترمذي (أدب) ٤ / ١٨١ ، (استئذان) ٢ / ٢٧٨ ، أحمد ٤ / ٣٥٨ ، ٣٦١.

(١٠) أخرجه مسلم (نكاح) ٢ / ١٠٤٠ ، النسائي (نكاح) ٦ / ٧٩ أحمد ٢ / ٢٨٦ ، ٢٩٩.

(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٢) أخرجه أبو داود (نكاح) ٢ / ٥٦٥ ـ ٥٦٦ ، أحمد ٥ / ٤٢٤.

(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٤) في ب : انظر.

(١٥) في ب : فقال. وهو تحريف.

٣٥١

لا. قال (١) : فانظر فإنه أحرى أن يؤدم (٢) (بينكما) (٣)(٤).

وذلك يدل على جواز النظر بشهوة إلى الوجه والكفين إذا أراد أن يتزوجها ولقوله تعالى : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ)(٥) ولا يعجبه حسنهن(٦) إلا بعد رؤية وجوههن (٧).

وثانيها : أنه (٨) إذا أراد شراء جارية فله أن ينظر منها إلى ما ليس بعورة.

وثالثها : عند المبايعة ينظر إلى وجهها متأملا حتى يعرفها عند الحاجة.

ورابعها : ينظر إليها عند تحمل الشهادة ، ولا ينظر إلى غير الوجه. فإن كان النظر لشهوة (٩) فهو محرم لقوله عليه‌السلام (١٠) : «العينان تزنيان» (١١)(١٢).

وأما النظر إلى بدن الأجنبية فلا يجوز إلا في صور :

أحدها (١٣) : يجوز للطيب الأمين أن ينظر للمعالجة والختان ، ينظر إلى فرج المختون للضرورة.

وثانيها : أن يتعمد النظر إلى فرج الزانيين ليشهد على الزنا ، وكذلك ينظر إلى فرجها ليشهد على الولادة ، وإلى ثدي المرضعة ليشهد على الرضاع.

وقال بعض العلماء لا يجوز للرجل أن يقصد النظر في هذه المواضع ، لأن الزنا مندوب إلى ستره ، وفي الولادة والرضاع تقبل شهادة النساء ، فلا حاجة إلى نظر الرجال.

وثالثها : لو وقعت في غرق أو حرق له أن ينظر إلى بدنها لتخليصها (١٤). فإن كانت الأجنبية أمة فقيل : عورتها ما بين السرة والركبة.

وقيل : عورتها ما لا يبين في المهنة ، فخرج منه عنقها وساعدها ونحرها ولا يجوز لمسها ولا لها لمسه بحال إلا لحاجة ، لأن اللمس أقوى من النظر ، لإن الإنزال باللمس يفطر الصائم وبالنظر لا يفطره (١٥).

__________________

(١) قال : سقط من الأصل واستدرك بالهامش.

(٢) في النسختين : يدوم. يؤدم بينكما : يعني أن تكون بينهما المحبة والاتفاق.

(٣) أخرجه ابن ماجه (نكاح) ١ / ٥٩٩ ـ ٦٠٠ ، الترمذي (نكاح) ٢ / ٢٧٥ ، النسائي (نكاح) ٦ / ٦٩ ـ ٧٠ ، الدارمي (نكاح) ٢ / ١٣٤.

(٤) في الأصل : بينهما.

(٥) [الأحزاب : ٥٢].

(٦) في ب : حسن.

(٧) في ب : وجهها.

(٨) أنه : سقط من ب.

(٩) في ب : بشهوة.

(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١١) تقدم تخريجه.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٤.

(١٣) في ب : أحدهما. وهو تحريف.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

(١٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٥.

٣٥٢

فصل

فإن كانت المرأة ذات محرم بنسب أو رضاع فعورتها مع الرجل المحرم كعورة الرجل مع الرجل. وقيل: عورتها ما لا يبدو عند المهنة ، وهو قول أبي حنيفة. وستأتي بقية التفاصيل ـ إن شاء الله تعالى ـ في تفسير الآية (١).

فصل

فإن كانت المرأة مستمتعة كالزوجة والأمة التي يحل وطؤها فيجوز للزوج والسيد أن ينظر إلى جميع بدنها حتى الفرج ، إلا أنه يكره النظر إلى الفرج وكذا إلى فرج نفسه ، لأنه يروى أنه يورث الطمس (٢).

وقيل : لا يجوز (النظر) (٣) إلى فرجها ، ولا فرق فيه بين أن تكون الأمة قنّ (٤) أو مدبرة (٥) أو أم ولد أو مرهونة.

فإن كانت مجوسية ، أو مرتدة ، أو وثنية ، أو مشتركة بينه وبين غيره ، أو مزوجة ، أو مكاتبة فهي كالأجنبية لقول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «إذا زوّج أحدكم جاريته عبده أو أجيره فعورته معها ما بين السرة والركبة» (٦)(٧).

فصل

(٨) فأما (٩) عورة الرجل مع المرأة فلا يجوز لها قصد النظر عند خوف الفتنة ، ولا تكرير النظر إلى وجهه لما روت أم سلمة (١٠) أنّها كانت عند رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وميمونة (١١) ، إذ أقبل ابن أم مكتوم ، فقال : «احتجبا عنه» فقالت : يا رسول الله ، أليس هو

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٥.

(٢) طمسته فطمس طموسا إذا ذهب بصره ، وطموس القلب فساده ، وقال الزجاج : المطموس الأعمش الذي لا يبين حرف جفن عينه فلا يرى شعر عينيه. اللسان (طمس).

(٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(٤) في النسختين : قنه. والصواب ما أثبته. القن : العبد الذي ملك هو وأبواه ، وكذلك الاثنان والجمع والمؤنث ، والأنثى قن بغير هاء. اللسان (قنن).

(٥) التدبير : أن يعتق الرجل عبده عن دبر وهو أن يعتق بعد موته ، فيقول : أنت حر بعد موتي. اللسان (دبر).

(٦) أخرجه أبو داود (لباس) ٤ / ٣٦٢.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٥.

(٨) فصل : سقط من ب.

(٩) في ب : وأما.

(١٠) هي هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية ، أم المؤمنين أخذ عنها نافع ، وابن المسيب ، وأبو عثمان النهدي ، وغيرهم ، توفيت سنة ٥٩ ه‍.

خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ٣ / ٣٩٤.

(١١) هي ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير العامرية الهلالية ، أم المؤمنين ، أخذ عنها ابن عباس ، ويزيد بن الأصم وجماعة توفيت سنة ٥٢ ه‍. خلاصة تذهيب التهذيب الكمال ٣ / ٣٩٢.

٣٥٣

أعمى لا يبصرنا؟ فقال عليه‌السلام (١) : «أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه»؟ (٢). وإن كان محرما لها فعورته ما بين السرة والركبة.

وإن كان زوجها أو سيدها الذي له وطؤها فلها أن تنظر إلى جميع بدنه ، غير أنه يكره النظر إلى الفرج كهو معها (٣).

فصل

ولا يجوز للرجل أن يجلس عاريا في بيت خال وله ما يستر عورته ، لأنه عليه‌السلام (٤) سئل عنه فقال : «الله أحق أن يستحيى منه» (٥) وقال عليه‌السلام (٦) : «إيّاكم والتّعرّي ، فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله (٧)» (٨).

قوله : (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) أي : عما لا يحل.

وقال أبو العالية : كلّ ما في القرآن من حفظ الفرج (٩) فهو عن الزنا والحرام إلا في هذا الموضع فإنه أراد به الاستتار حتى لا يقع بصر الغير عليه.

وهذا ضعيف ، لأنه تخصيص من غير دليل ، والذي يقتضيه الظاهر حفظ الفروج عن سائر ما حرم عليهما من الزنا واللمس والنظر (١٠).

قوله : (ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ).

أي : غض البصر وحفظ الفرج (١١) أزكى لهم ، أي : خير لهم وأطهر (١٢)(إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ) عليم بما يفعلون.

قوله (١٣) : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) الكلام (١٤) فيه كما تقدم وقدم غض البصر على حفظ الفرج لأن النظر بريد الزنا ، والبلوى فيه أشد وأكثر ، ولا يكاد يقدر على الاحتراز منه (١٥).

قوله : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) أي : لا يظهرن زينتهن لغير محرم ، والمراد بالزينة : الخفية ، وهما زينتان : خفية وظاهرة. فالخفية : مثل الخلخال والخضاب في الرّجل ،

__________________

(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٢) أخرجه أبو داود (لباس) ٤ / ٣٦١ ـ ٣٦٢ ، أحمد ٦ / ٢٩٦.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٥.

(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٥) أخرجه الترمذي (أدب) ٤ / ١٨٩ ، ١٩٧ ، وابن ماجه (نكاح) ١ / ٦١٨.

(٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٧) أخرجه الترمذي (أدب) ٤ / ١٩٩.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٥.

(٩) في ب : الرجل. وهو تحريف.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٦.

(١١) في الأصل : البصر. وهو تحريف.

(١٢) في ب : وأظهر. وهو تصحيف.

(١٣) في ب : قوله تعالى.

(١٤) في ب : والكلام.

(١٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٦.

٣٥٤

والسوار (١) في المعصم ، والقرط (٢) والقلائد (٣) ، فلا يجوز لها إظهارها ، ولا للأجنبي النظر إليها. والمراد بالزينة (٤) : موضع الزينة.

وقيل : المراد بالزينة : محاسن الخلق التي خلقها الله ، وما تزين به الإنسان من فضل لباس (٥) ، لأن كثيرا من النساء ينفردن بخلقهنّ من سائر ما يعدّ زينة ، فإذا حملناه على الخلقة وفينا العموم حقه ، ولا يمنع دخول ما عدا الخلقة فيه ، ولأنّ قوله : (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ) يدل على أن المراد من الزينة ما يعم الخلقة وغيرها ، فكأنها تعالى منعهن من إظهار محاسن خلقهن ، موجبا سترها بالخمار (٦).

قوله : (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها). أما الذين حملوا الزينة على الخلقة فقال القفال : معنى الآية : إلا ما يظهره الإنسان في العادة ، وذلك من النساء : الوجه والكفان ، ومن الرجال : الوجه واليدان والرجلان ، فرخص لهم في كشف ما اعتيد كشفه ، وأدت الضرورة إلى إظهاره ، وأمرهم بستر ما لا ضرورة في كشفه. ولما كان ظهور الوجه والكفين ضرورة لا جرم اتفقوا على أنهما ليسا بعورة.

وأما القدم (٧) فليس ظهوره ضروريا فلا جرم اختلفوا فيه هل هو من العورة أم لا؟ والصحيح أنه عورة. وفي صوتها وجهان :

أصحهما ليس بعورة ، لأن نساء النبي ـ عليه‌السلام (٨) ـ كن يروين الأخبار للرجال.

وأما الذين حملوا الزينة على ما عد الخلقة ، قالوا : إنه تعالى إنما (٩) ذكر الزينة لأنه لا خلاف في أنه يحل النظر إليها حال (انفصالها عن أعضاء المرأة ، فلما حرم الله النظر إليها حال) (١٠) اتصالها ببدن المرأة كان ذلك مبالغة في حرمة النظر إلى أعضاء المرأة. وعلى هذا القول يحل النظر إلى زينة وجهها من الوشمة (١١) والغمرة (١٢) ، وزينة بدنها من

__________________

(١) في الأصل : والسواد.

(٢) القرط : الذي يعلّق في شحمة الأذن ، والجمع أقراط وقيراط وقروط وقرطة ، فالقرط نوع من حلى الأذن ، اللسان (قرط).

(٣) القلائد جمع قلادة ، وهي ما جعل في العنق. اللسان (قلد).

(٤) في ب : من الزينة.

(٥) في ب : اللباس.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٦.

(٧) في ب : التقدير. وهو تحريف.

(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٩) إنما : سقط من ب.

(١٠) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(١١) الوشم : ما تجعله المرأة على ذراعها بالإبرة ثم تحشوه بالنّئور ، وهو دخان الشّحم والجمع وشوم ووشام ، وهي العلامات. اللسان (وشم).

(١٢) الغمرة تطلى به العروس ، يتخذ من الورس ، الغمرة والغمنة واحد ، قال أبو سعيد : هو تمر ولبن يطلى به وجه المرأة ويداها حتى ترق بشرتها وجمعها الغمر والغمن. اللسان (غمر).

٣٥٥

الخضاب والخواتيم والثياب ، لأن سترها فيه حرج (١) ، لأن المرأة لا بد لها من مزاولة الأشياء بيديها ، والحاجة إلى كشف وجهها للشهادة والمحاكمة والنكاح (٢).

قال سعيد بن جبير والضحاك والأوزاعي (٣) : «الزينة الظاهرة التي استثنى الله الوجه والكفان»(٤).

وقال ابن مسعود : هي الثياب ، لقوله تعالى : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)(٥)(٦).

وقال الحسن : الوجه والثياب (٧).

وقال ابن عباس : الكحل والخاتم والخضاب في الكف (٨). فما كان من الزينة الظاهرة يجوز للرجل الأجنبي النظر إليها إذا لم يخف فتنة وشهوة ، فإن خاف شيئا منها غض البصر (٩).

فصل (١٠)

واتفقوا على تخصيص قوله : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) بالحرائر دون الإماء والمعنى فيه ظاهر ، لأن الأمة مال ، فلا بد من الاحتياط في بيعها وشرائها ، وذلك لا يمكن إلا بالنظر إليها على الاستقصاء (١١).

قوله : «وليضربن». ضمن «يضربن» معنى «يلقين» فلذلك عداه ب «على» (١٢). وقرأ أبو عمرو في رواية بكسر لام الأمر (١٣).

وقرأ طلحة : «بخمرهنّ» بسكون الميم (١٤). وتسكين «فعل» في الجمع أولى من تسكين المفرد. وكسر الجيم من «جيوبهنّ» ابن كثير والأخوان وابن ذكوان (١٥).

والخمر : جمع خمار ، وفي القلة يجمع على أخمرة. قال امرؤ القيس :

__________________

(١) في ب : خرج. وهو تصحيف.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٦ ـ ٢٠٧.

(٣) تقدم.

(٤) انظر البغوي ٦ / ٩٨.

(٥) [الأعراف : ٣١].

(٦) انظر البغوي ٦ / ٩٨.

(٧) انظر البغوي ٦ / ٩٨.

(٨) المرجع السابق.

(٩) المرجع السابق.

(١٠) في الأصل : قوله.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٧.

(١٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٤٨.

(١٣) قال ابن مجاهد : (روى عباس بن المفضل عن أبي عمرو : «وليضربن» على معنى كي. قال أبو بكر : ولا أدري ما هذا) السبعة (٤٥٤). يريد ابن مجاهد أنه لا وجه لأن تقرأ الآية بلام كي التعليلية الناصبة للمضارع ، لأن ما قبلها أوامر ونواه فهي لام أمر. وقال ابن عطية عند توجيهه لهذه القراءة أنها (بكسر اللام على الأصل ، لأن أصل الأمر الكسر في «ليذهب وليضرب» وإنما تسكينها كتسكين عضد وفخذ) تفسير ابن عطية ١٠٠ / ٤٨٩ ، وانظر المختصر (١٠١).

(١٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٤٨.

(١٥) البحر المحيط ٦ / ٤٤٨ ، الإتحاف ٣٢٤.

٣٥٦

٣٨٢٧ ـ وترى الشّجراء(١)في ريّقه

كرؤوس قطعت فيها الخمر (٢)

والجيب : ما في طوق القميص يبدو منه بعض الجسد.

فصل(٣)

قال المفسرون : إنّ نساء الجاهلية كنّ يسدلن (٤) خمرهن من خلفهن ، وإن جيوبهن كانت من قدام ، وكانت (٥) تنكشف نحورهن وقلائدهن ، فأمرن (٥) أن يضربن مقانعهن على (٦) الجيوب لتغطي بذلك أعناقهن ونحورهن.

قالت عائشة (٧) : رحم الله نساء المهاجرات الأوّل ، لما أنزل الله : (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ) شققن مروطهن (٨) فاختمرن بها (٩).

قوله : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) يعني الزينة الخفية التي لم يبح لهنّ كشفها في الصلاة ولا للأجانب ، وهو ما عد الوجه والكفين (إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ) قال ابن عباس ومقاتل : يعني لا يضعن الجلباب والخمار إلا لأزواجهنّ (أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَ(١٠) أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ) فيجوز لهؤلاء أن (١١) ينظروا إلى الزينة الباطنة ، ولا ينظروا إلى ما بين السرة والركبة إلا الزوج فإنه يجوز له أن ينظر على ما تقدم ، وهؤلاء محارم.

فإن قيل : أيحل لذي المحرم في المملوكة والكافرة ما لا يحل في المؤمنة؟

فالجواب : إذا ملك المرأة من محارمه فله أن ينظر منها إلى بطنها وظهرها لا على وجه الشهوة (١٢) فإن قيل : فما القول في العم والخال؟

فالجواب : أن الظاهر أنهما (١٣) كسائر المحارم في جواز النظر ، وهو قول الحسن البصري قال : لأن الآية لم يذكر فيها الرضاع ، وهو كالنسب ، وقال في سورة الأحزاب (١٤)(لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَ)(١٥) الآية» ولم يذكر فيها البعولة ، وقد ذكره هنا.

__________________

(١) في ب : السحراء. وهو تصحيف.

(٢) البيت من بحر الرمل قاله امرؤ القيس ، وهو في ديوانه (١٤٥) ، البحر المحيط ٦ / ٤٤٣.

(٣) في ب : قوله.

(٤) يسدلن : يرخين ويشددن.

(٥) في الأصل : وكان.

(٥) في الأصل : وكان.

(٦) في ب : فأمر.

(٧) في ب : عائشة رضي الله عنها.

(٨) مروط : جمع مرط : كساء من خز أو صوف أو كتان ، وقيل هو الثوب الأخضر والمرط : كل ثوب غير مخيط. اللسان (مرط).

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٧.

(١٠) في ب : بعولهن. وهو تحريف.

(١١) أن : سقط من ب.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

(١٣) أنهما : سقط من ب.

(١٤) في الأصل : الأعراف. وهو تحريف.

(١٥) من قوله تعالى : «لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ» ـ

٣٥٧

وقال الشعبي : إنما لم يذكرهما الله لئلا يصفها العم عند ابنه ، والخال كذلك.

والمعنى : أن سائر القرابات تشترك مع الأب والابن في المحرمية إلا العم والخال وابناهما ، وإذا رآها الأب وصفها لابنه وليس بمحرم ، وهذا من الدلالات البليغة في وجوب الاحتياط عليهن في النسب (١).

فصل

والسبب في إباحة نظر هؤلاء إلى زينة المرأة هو (٢) الحاجة إلى مداخلتهن ومخالطتهن واحتياج المرأة إلى صحبتهم في الأسفار في (٣) النزول والركوب (٤).

قوله : (أَوْ نِسائِهِنَّ).

قال أكثر المفسرين : المراد اللّائي على دينهن.

قال ابن عباس : ليس للمسلمة أن تتجرد بين نساء أهل الذمة (٥) ، ولا تبدي للكافرة (٦) إلا ما تبدي للأجانب إلا أن تكون أمة لها.

وكتب عمر إلى أبي عبيدة أن تمنع نساء أهل الكتاب من دخول الحمام مع المؤمنات. وقيل : المراد ب «نسائهنّ» جميع النساء.

وهذا هو الأولى ، وقول السلف محمول على الاستحباب (٧).

قوله : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ). وهذا يشمل العبيد والإماء ، واختلفوا في ذلك : فقال قوم : عبد المرأة محرم لها يجوز له الدخول عليها إذا كان عفيفا ، وأن ينظر إلى بدن مولاته إلا ما بين السرة والركبة كالمحارم ، وهو ظاهر القرآن ، وهو مروي عن عائشة وأم سلمة. وروي أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها ، وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها ، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها ، فلما رأى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ما تلقى قال : «إنه ليس عليك بأس ، إنما هو أبوك وغلامك» (٨). وعن مجاهد : «كنّ أمهات المؤمنين لا (٩) يحتجبن عن مكاتبهن (١٠) ما بقي عليه درهم». وكانت عائشة تمتشط والعبد ينظر إليها.

وقال ابن مسعود والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب : لا ينظر العبد إلى شعر مولاته. وهو قول أبي حنيفة (١١).

__________________

ـ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً» [الأحزاب : ٥٥].

(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٨.

(٢) في ب : وهو.

(٣) في ب : و.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٨.

(٥) في ب : المذمة. وهو تحريف.

(٦) في النسختين : للكافر.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٨.

(٨) أخرجه أبو داود (لباس) ٤ / ٣٥٩.

(٩) لا : سقط من ب.

(١٠) المكاتب : العبد يكاتب على نفسه بثمنه ، فإذا سعى وعمل وأدى هذا الثمن عتق. اللسان (كتب).

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٨.

٣٥٨

وقال ابن جريج : المراد من الآية : الإماء دون العبيد ، وأن قوله : (أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) أنه لا يحل لامرأة مسلمة أن تتجرد بين امرأة مشركة إلا أن تكون تلك المشركة أمة لها (١).

قوله : (أَوِ (٢) التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ).

قرأ ابن عامر وأبو بكر (٣) : «غير» نصبا (٤) ، وفيها وجهان :

أحدهما : أنه استثناء.

وقيل (٥) : على القطع ، لأن «التّابعين» معرفة و «غير» نكرة.

والثاني : أنه حال (٦). والباقون : «غير» بالجر (٧) نعتا ، أو بدلا (٨) ، أو بيانا.

والإربة : الحاجة. وتقدم اشتقاقها في «طه» (٩).

(قوله : «من الرّجال» حال من «أولي» (١٠)) (١١).

فصل

المراد ب (التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ).

قال مجاهد وعكرمة والشعبي : هم الذين يتبعون القوم ليصيبوا من فضل طعامهم ، لا همة لهم إلا ذلك ، ولا حاجة لهم في النساء.

وعن ابن عباس : أنه الأحمق العنين.

وقال الحسن : «هو الذي لا ينتشر ولا يستطيع غشيان (١٢) النساء ولا يشتهيهن».

وقال سعيد بن جبير : المعتوه (١٣). وقال عكرمة : المجبوب (١٤). وقيل : هو

__________________

(١) انظر البغوي ٦ / ١٠١.

(٢) في الأصل : و.

(٣) في ب : أبو بكر وابن عامر.

(٤) السبعة (٤٥٥) ، الحجة لابن خالويه (٢٦١) ، الكشف ٢ / ١٣٦ ، النشر ٢ / ٣٣٢ ، الإتحاف (٤٢٤).

(٥) في ب : قيل.

(٦) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٢٠ ، الكشاف ٣ / ٧٢ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٤٩٣ ، البيان ٢ / ١٩٥ ، التبيان ٢ / ٩٦٩.

(٧) السبعة (٤٥٤) ، الحجة لابن خالويه (٢٦١) ، الكشف ٢ / ١٣٦ ، النشر ٢ / ٣٣٢ الإتحاف (٣٢٤).

(٨) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٢٠ ـ ١٢١ ، الكشاف ٣ / ٧٢ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٤٩٣ البيان ٢ / ١٩٥ ، التبيان ٢ / ٩٦٩.

(٩) عند قوله تعالى : «وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى» [طه : ١٨].

(١٠) انظر التبيان ٢ / ٩٦٩.

(١١) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٢) في ب : حسان. وهو تحريف. الغشيان : إتيان الرجل المرأة ، والفعل غشي يغشى ، وغشي المرأة غشيانا : جامعها. اللسان (غشا).

(١٣) المعتوه : المدهوش من غير مسّ جنون ، وقيل هو المجنون المصاب بعقله. اللسان (عته).

(١٤) المجبوب : الخصيّ الذي قد استؤصل ذكره وخصياه. اللسان (جبب).

٣٥٩

المخنّث (١). وقال مقاتل : هو الشيخ الهم والعنّين والخصيّ والمجبوب ونحوه (٢).

واعلم أن الخصيّ والمجبوب ومن يشاكلهما قد لا يكون له إربة في نفس الجماع ، ويكون له إربة فيما عداه من التمتع ، وذلك يمنع من أن يكون هو المراد ، فيجب أن يحمل المراد على من لا إربة له في سائر وجوه التمتع لما روت عائشة قالت : كان رجل مخنّث يدخل على أزواج النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فكانوا يعدّونه من غير أولي الإربة ، فدخل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يوما وهو عند بعض نسائه ، وهو ينعت امرأة فقال : إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع ، وإذا أدبرت أدبرت بثمان (٣). فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «ألا أرى هذا يعلم ما ههنا ، لا يدخلنّ هذا» فحجبوه (٤).

وفي رواية عن زينب بنت أم سلمة أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ دخل عليها وعندها مخنّث ، فأقبل على أخي أم سلمة ، فقال : «يا عبد الله ، إن فتح الله غدا لكم الطائف دللتك على بنت غيلان ، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان». فقال عليه‌السلام (٥) : «لا يدخلنّ عليكم هذا» فأباح رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ دخول المخنث عليهن ، فلما علم أنه يعرف أحوال النساء وأوصافهنّ علم أنه من أولي الإربة ، فحجبه (٦).

وفي الخصيّ والمجبوب ثلاثة أوجه :

أحدها : استباحة الزينة الباطنة.

والثاني : تحريمها.

(والثالث : تحريمها) (٧) على المخصيّ دون المجبوب (٨).

قوله (٩) : أو الطّفل الّذين لم يظهروا».

تقدم (١٠) في الحج (١١) أن الطفل يطلق على المثنى والمجموع ، فلذلك وصف بالجمع.

وقيل : لما قصد به الجنس روعي فيه الجمع كقولهم : «أهلك النّاس الدّينار الحمر والدّرهم البيض» (١٢). و «عورات» جمع عورة ، وهو ما يريد الإنسان ستره من بدنه ، وغلب في السّوأتين. والعامة على «عورات» بسكون الواو ، وهي لغة عامة العرب ،

__________________

(١) الخنثى : الذي لا يخلص لذكر ولا أنثى ، وهو الذي له ما للرجال والنساء جميعا. اللسان (خنث).

(٢) انظر هذه الأقوال في البغوي ٦ / ١٠٢.

(٣) معنى (تقبل بأربع وتدبر بثمان) : تقبل بأربع طيّات من لحم جسمها وتدبر بثمان منها.

(٤) أخرجه مسلم (سلام) ٤ / ١٧١٦.

(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٦) أخرجه البخاري (نكاح) ٣ / ٢٦٦ ، ومسلم (سلام) ٤ / ١٧١٥.

(٧) ما بين القوسين سقط من ب.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٠٩.

(٩) قوله : سقط من الأصل.

(١٠) في ب : مقدم.

(١١) عند قوله تعالى : «ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً» [الحج : ٥].

(١٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٤٩.

٣٦٠