اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٢

أحدهما : أن نبين قدرتنا.

والثاني : أن نقر في الأرحام من نقر حتى يولدوا وينشئوا ويبلغوا حد التكليف فأكلفهم ، ويعضد هذه القراءة قوله : (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ)(١). قال شهاب الدين : تسميته مثل هذه الأفعال المسندة إلى الله تعالى غرضا لا يجوز (٢). وقرأ ابن وثاب «نشاء» بكسر النون وهو كسر حرف المضارعة (٣) كما تقدم في قوله : (نَسْتَعِينُ)(٤).

والمراد بالأجل المسمى يعني نقر في الأرحام ما نشاء فلا نمحه ولا نسقطه إلى أجل مسمى وهو حد الولادة ، وهو آخر ستة أشهر أو تسعة أشهر أو أربع سنين كما شاء وقدر تام الخلق والمدة.

قوله : (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) أي : تخرجون من بطون أمهاتكم ، «طفلا» حال من مفعول «نخرجكم» (٥) ، وإنما وحّد ، لأنه في الأصل مصدر كالرضا والعدل ، فيلزم الإفراد والتذكير ، قاله المبرد(٦) ، وإما لأنه مراد به الجنس (٧) ، ولأنه العرب تذكر الجمع باسم الواحد قال تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ)(٨) وإما لأن المعنى نخرج كل واحد منكم ، نحو (٩) : القوم يشبعهم رغيف ، أي : كل واحد منهم (١٠). وقد يطابق به ما يراد به فيقال : طفلان وأطفال (١١) ، وفي الحديث : «سئل عن أطفال المشركين» (١٢). والطفل يطلق على الولد من حين الانفصال إلى البلوغ (١٣). وأما الطفل ـ بالفتح ـ فهو الناعم ، والمرأة طفلة (١٤) ، قال :

__________________

(١) الكشاف ٣ / ٢٦.

(٢) الدر المصون ٥ / ٦٥.

(٣) تفسير ابن عطية ١١ / ٢٢٩ ، القرطبي ١٢ / ١١ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٢.

(٤) من قوله تعالى : «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» [الفاتحة : ٥]. وذكر هناك وقرىء «نستعين» بكسر حرف المضارعة ، وهي لغة مطردة في حروف المضارعة ، وذلك بشرط أن لا يكون ما بعد حرف المضارعة مضموما ، فإن ضم ك (نقوم) ولم يكسر حرف المضارعة لثقل الانتقال من الكسر إلى الضم ، وبشرط أن يكون المضارع من ماض مكسور العين نحو نعلم من علم ، أو في أوله همزة وصل نحو «نستعين» من استعان ، أو تاء مطاوعة ، نحو نتعلم من تعلم ، فلا يجوز في يضرب ويقتل كسر حرف المضارعة لعدم الشروط المذكورة. انظر اللباب ١ / ٢٨.

(٥) انظر التبيان ٢ / ٩٣٣.

(٦) انظر التبيان ٢ / ٩٣٣ ، والبحر المحيط ٦ / ٣٤٦ ، ٣٥٢.

(٧) انظر التبيان ٢ / ٩٣٣ ، القرطبي ١٢ / ١١ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٢.

(٨) [التحريم : ٤] والاستدلال بهذه الآية أن (ظهير) خبر عن الجمع ، وهو واحد في معنى الجمع. البيان ٢ / ٤٤٧ ، التبيان ٢ / ١٢٣٠ ، انظر القرطبي ١٢ / ١١.

(٩) في ب : عن. وهو تحريف.

(١٠) انظر التبيان ٢ / ٩٣٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٢.

(١١) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٤٦.

(١٢) أخرجه أحمد ١ / ٢٩٤.

(١٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٤٦.

(١٤) القرطبي ١٢ / ١٢ ، البحر المحيط ٦ / ٣٤٦.

٢١

٣٧٤٦ ـ ولقد لهوت بطفلة ميّالة

بلهاء تطلعني على أسرارها (١)

وقال :

٣٧٤٧ ـ أحببت في الطّفلة القبلا

لا كثيرا يشبه الحولا (٢)

أما الطّفل : بفتح الفاء والطاء ـ فوقت (ما بعد العصر ، من قولهم : طفلت (٣) الشمس : إذا مالت للغروب (٤) ، وأطفلت المرأة أي صارت ذات طفل) (١٤).

قوله (٥) : (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) الأشدّ : كمال القوة والعقل ، وهو من ألفاظ الجموع التي لا واحد لها ، فبنيت لذلك على لفظ الجمع (٦) ، والمعنى : أنه سهل في تربيتكم وأغذيتكم أمورا كثيرا (٧) إلى بلوغ أشدكم ، فنبه بذلك على الأحوال التي بين خروج الطفل من بطن أمه وبين بلوغ الأشد ، لأن بين الحالتين وسائط (٨).

قوله : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى) العامة على ضم الياء من «يتوفّى» وقرأت فرقة «يتوفّى» بفتح الياء (٩) ، وفيه تخريجان :

أحدهما : أن الفاعل ضمير الباري تعالى ، أي (١٠) : يتوفاه الله تعالى (١١). كذا قدره الزمخشري(١٢).

الثاني : أن الفاعل ضمير «من» أي : يتوفى أجله (١٣) وهذه القراءة كالتي في البقرة (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ)(١٤) أي : مدتهم. ومعنى الآية : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى) على قوته وكماله ، (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) وهو الهرم والخوف فيصير كما كان في أوان الطفولية ضعيف البنية سخيف (١٥) العقل قليل الفهم (١٦). وروي عن أبي عمرو ونافع

__________________

(١) البيت من بحر الكامل ، لم يعزه أحد لقائل وهو في التهذيب ٦ / ٣١٢ ، واللسان (بله) ، الطّفلة ، بفتح الطاء : لمرأة ، وهو موطن الشاهد هنا. البله حسن الخلق وقلة الفطنة لمذاق الأمور ، والمرأة بلهاء أراد أنها غر لا دهاء لها فهي تخبرني بسرها ولا تفطن لما في ذلك عليها.

(٢) رجز لم أهتد إلى قائله ، ولم أجده فيما رجعت إليه من مراجع والشاهد فيه أن الطّفلة بفتح الطاء : المرأة.

(٣) في النسختين : طلعت. والصواب ما أثبته.

(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٤٦.

(١٤) [البقرة : ٢٣٤ ، ٢٤٠]. «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ» بفتح الياء قراءة علي بن أبي طالب ، والمفضل عن عاصم.

ومعنى هذه القراءة أنهم يستوفون آجالهم. المختصر : ١٥ ، البحر المحيط ٢ / ٢٢٢.

(٥) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(٦) انظر الكشاف ٣ / ٢٦.

(٧) كثيرا : سقط من ب.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠.

(٩) حكاه أبو حاتم. انظر المختصر (٩٤) ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٣.

(١٠) في الأصل : أن. وهو تحريف.

(١١) تعالى : سقط من ب.

(١٢) الكشاف ٣ / ٢٦.

(١٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٥٣.

(١٤) [البقرة : ٢٣٤ ، ٢٤٠]. «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ» بفتح الياء قراءة علي بن أبي طالب ، والمفضل عن عاصم.

ومعنى هذه القراءة أنهم يستوفون آجالهم. المختصر : ١٥ ، البحر المحيط ٢ / ٢٢٢.

(١٥) سخف بالضم سخافة فهو سخيف ، ورجل سخيف العقل بيّن السخف والسخف ضعف العقل اللسان (سخف).

(١٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠.

٢٢

أنهما قرآ «العمر» بسكون الميم (١) وهو تخفيف قياسي نحو عنق في عنق (٢).

قوله : (لِكَيْلا يَعْلَمَ) هذا الجار يتعلق ب «يرد» (٣) وتقدم نظيره في النحل (٤) والمعنى يبلغ من السن ما يتغير (٥) عقله فلا يعقل شيئا. فإن قيل : إنه يعلم بعض الأشياء كالطفل فالجواب : المراد أنه يزول عقله فيصير كأنه لا يعلم شيئا (٦). لأن مثل ذلك قد يذكر في النفي مبالغة. ومن الناس من قال هذه الحال لا تحصل للمؤمنين لقوله تعالى : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)(٧) وهو (٨) ضعيف ، لأن معنى قوله (ثُمَّ رَدَدْناهُ) دلالة على الذم ، فالمراد ما يجري مجرى العقوبة ، ولذلك قال (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)(٩) وهذا تمام الاستدلال بخلقة الحيوان (١٠). وأما الاستدلال بخلقة النبات فهو قوله تعالى : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً) فنصب «هامدة» على الحال ، لأن الرؤية بصرية. والهمود : الخشوع والسكون ، وهمدت الأرض : يبست ودرست ، وهمد الثوب: بلي (١١) ، قال الأعشى :

٣٧٤٨ ـ فالت قتيلة ما لجسمك شاحبا

وأرى ثيابك باليات همّدا (١٢)

والاهتزاز التحرك (١٣) ، وتجوز به هنا عن إنبات الأرض نباتها بالماء. والجمهور على «ربت» أي: زادت من ربا يربو (١٤). وقرأ أبو جعفر وعبد الله بن جعفر (١٥) وأبو

__________________

(١) في النسختين : العين. والصواب ما أثبته. المختصر (٩٤) ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٣.

(٢) التخفيف بسكون الحرف الثاني في (عمر) و (عنق) كراهة توالي الثقلين في الثلاثي المبني على الخفة ، فسكن الثاني لامتناع تسكين الأول ، ولأن الثقل من الثاني حصل. وهذا من التفريعات في لغة تميم.

انظر شرح الشافية ١ / ٤٤.

(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٥٣.

(٤) وهو قوله تعالى : «وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ» [النحل : ٧٠]. وذكر هناك : في هذه اللام وجهان : أحدهما : أنها لام التعليّل ، وكي بعدها مصدرية لا إشعار لها بالتعليل والحالة هذه وأيضا فعملها مختلف. والثاني أنها لام الصيرورة.

انظر اللباب ٥ / ٢١٢.

(٥) في ب : يتعين. وهو تحريف.

(٦) في ب : كأنه لا يعلم شيئا فإن قيل إنه يعلم بعض الأشياء.

(٧) [التين : ٥ ، ٦].

(٨) وهو : سقط من الأصل.

(٩) [التين : ٦].

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠.

(١١) البحر المحيط ٦ / ٣٤٦.

(١٢) البيت من بحر الكامل قاله الأعشى ، وهو في ديوانه (٥٤) وتفسير ابن عطية ١١ / ٢٣١ ، القرطبي ١٢ / ١٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٦. ورواية الديوان : سايئا مكان شاحبا ، الشاحب : المتغير اللون لعارض من مرض أو سفر أو غيرهما. والثوب الهامد : المتقطع من طول طيه ، ينظر إليه الناظر فيحسبه سليما ، فإذا لمسه تناثر قطعا من البلى.

(١٣) في الأصل : التحريك.

(١٤) انظر التبيان ٢ / ٩٣٣.

(١٥) تقدم.

٢٣

عمرو في (١) رواية «وربأت» بالهمز (٢) أي ارتفعت. يقال : ربأ بنفسه عن كذا ، أي : ارتفع عنه ، ومنه الربيئة ، وهو من يطلع على موضع عال لينظر للقوم ما يأتيهم ، وهو عين القوم ، ويقال له : ربيء أيضا (٣) قال الشاعر :

٣٧٤٩ ـ بعثنا ربيئا قبل ذلك مخملا

كذئب الغضا يمشي الضّراء ويتّقي (٤)

قوله : (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ). فيه وجهان :

أحدهما : أنه صفة للمفعول المحذوف ، تقديره : وأنبتت ألوانا أو (٥) أزواجا من كل زوج (٦).

والثاني : أن (من) زائدة ، أي أنبتت كل زوج ، وهذا ماش عند الكوفيين والأخفش (٧) والبهيج: الحسن الذي يسر (٨) ناظره ، وقد بهج بالضم بهاجة (٩) وبهجة أي حسن وأبهجني كذا أي : سرني بحسنه (١٠).

فصل

المعنى : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً) يابسة لا نبات فيها ، (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ) المطر «اهتزّت» تحركت بالنبات ، والاهتزاز الحركة على سرور ، وربت أي : ارتفعت وزادت (١١) ، وذلك أن الأرض ترتفع وتنتفخ ، فذلك (١٢) تحركها. وقيل : فيه تقديم وتأخير معناه : ربت واهتزت (١٣). قال المبرد : أراد اهتزت وربا نباتها فحذف المضاف. والاهتزاز في النبات أظهر يقال : اهتز النبات ، أي : طال ، وإنما أنث لذكر الأرض (١٤).

(وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) وهذا مجاز (١٥) لأن الأرض لا تنبت وإنما المنبت هو الله تعالى ، لكنه يضاف إليها توسعا. ومعنى من كل نوع من أنواع النبات والبهجة : حسن

__________________

(١) في ب : من.

(٢) المختصر (٩٤). المحتسب ٢ / ٧٤ ، والبحر المحيط ٦ / ٣٥٣.

(٣) انظر التبيان ٢ / ٩٣٣.

(٤) البيت من بحر الطويل قاله امرؤ القيس. وهو في ديوانه (١٧٢) والقرطبي ١٢ / ١٤ ، والبحر المحيط ٦ / ٣٥٣. المخمل : الذي يخمل نفسه ، أي يسترها ويخفيها. الغضا : شجر ، والعرب تقول : أخبث الذئاب ذئب الغضا ، أي : ما كان منشأه ومأواه الغضا ، الضراء : الشجر الملتف في الوادي : يستر من دخل فيه ، وفلان يمشي الضراء : إذا مشى مستخفيا فيما يواري من الشجر.

(٥) في ب : و.

(٦) انظر التبيان ٢ / ٩٣٣.

(٧) في جواز زيادة «من» مطلقا ، أي : أنهم لا يشترطون في زيادتها كونها في سياق النفي ومجرورها نكرة.

انظر التبيان ٢ / ٩٣٣ ، شرح الكافية ٢ / ٣٢٢ ـ ٣٢٣.

(٨) في ب : يس. وهو تحريف.

(٩) في ب : بهاجاة. وهو تحريف.

(١٠) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٤٦.

(١١) انظر البغوي ٥ / ٥٥٥.

(١٢) في الأصل : وذلك.

(١٣) في الأصل : معناه وربت أي ارتفعت وزادت.

(١٤) البغوي ٥ / ٥٥٥ ـ ٥٥٦.

(١٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠.

٢٤

الشيء ونضارته ، ثم إنه تعالى لما قرر هذين الدليلين رتب عليهما (١) ما هو المطلوب وذلك قوله تعالى (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ) الآية (٢).

«ذلك» (٣) فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه مبتدأ والخبر الجار بعده (٤) ، والمشار إليه ما تقدم من خلق بني آدم وتطويرهم ، والتقدير : ذلك الذي ذكرنا من خلق بني آدم وتطويرهم حاصل بأن الله هو الحق وأنه إلى آخره.

الثاني : أن «ذلك» خبر مبتدأ مضمر أي : الأمر ذلك (٥).

الثالث : أن «ذلك» منصوب بفعل مقدر ، أي : فعلنا ذلك بسبب أن الله تعالى هو الحق (٦) فالباء على الأول مرفوعة (٧) المحل ، وعلى الثاني والثالث منصوبة.

قوله : (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ) فيه وجهان :

أحدهما : أنه عطف على المجرور بالباء ، أي : ذلك بأن الساعة.

والثاني : أنه ليس معطوفا عليه ، ولا داخلا في حيز السببية ، وإنما هو خبر (٨) والمبتدأ محذوف لفهم المعنى ، والتقدير (٩) : والأمر أن الساعة آتية (١٠) و (١١)(لا رَيْبَ فِيها) يحتمل أن تكون هذه الجملة خبرا ثانيا ، وأن تكون حالا.

فصل (١٢)

المعنى : ذلك لتعلموا أن الله هو الحق ، والحق هو الموجود الثابت فكأنه تعالى بيّن أن هذه الوجوه المتنافية وتواردها على الأجسام يدل (١٣) على وجود الصانع. (وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى) وهذا تنبيه على أنه لما لم يستبعد من الإله إيجاد هذه الأشياء ، فكيف يستبعد منه إعادة الأموات. (وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي : وأن (١٤) الذي يصح منه إيجاد هذه الأشياء لا بد وأن يجب اتصافه بهذه (١٥) القدرة لذاته ، ومن كان كذلك كان قادرا على الإعادة. (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) والمعنى : أنه تعالى

__________________

(١) في الأصل : عليها.

(٢) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠.

(٣) في ب : ذكر. وهو تحريف.

(٤) انظر التبيان ٢ / ٩٣٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٣.

(٥) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٤١٣ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ٩٢ ، البيان ٢ / ١٦٩ ، التبيان ٢ / ٩٣٤.

(٦) المراجع السابقة والبحر المحيط ٦ / ٣٥٣.

(٧) في الأصل : مرفوع.

(٨) في ب : الخبر.

(٩) في الأصل : والتقدير أن ذلك.

(١٠) آتية : سقط من ب.

(١١) و : سقط من ب.

(١٢) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠ ـ ١١.

(١٣) يدل : سقط من ب.

(١٤) في الأصل : أن.

(١٥) هذه : سقط من ب.

٢٥

لما أقام الدلائل على أن الإعادة في نفسها ممكنة ، وأنه سبحانه قادر على كل الممكنات وجب القطع بكونه قادرا على الإعادة وإذا ثبت الإمكان والصادق أخبر عن وقوعه ، فلا بد من القطع بوقوعه.

قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٩) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)(١٠)

قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) الآية ، جعل ابن عطية هذه الواو للحال ، فقال : وكأنه (١) يقول هذه الأمثال في غاية الوضوح ، ومن الناس مع ذلك من يجادل (فكان الواو واو الحال والآية المتقدمة الواو فيها واو عطف (٢).

قال أبو حيان : ولا يتخيل أن الواو في (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ)) (٣) واو حال ، وعلى تقدير الجملة التي قدرها قبله لو كان مصرحا بها فلا تتقدر ب (إذ) ، فلا تكون للحال ، وإنما هي للعطف (٤). قال شهاب الدين : ومنعه من تقديرها ب (إذ) فيه نظر ، إذ لو قدر لم يلزم منه محذور(٥).

قوله : (بِغَيْرِ عِلْمٍ) يجوز أن يتعلق ب «يجادل» ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من فاعل «يجادل» (٦) أي : يجادل ملتبسا بغير علم ، أي : جاهلا.

قوله : (ثانِيَ عِطْفِهِ) : حال من فاعل «يجادل» أي : معرضا ، وهي إضافة لفظية (٧) نحو «ممطرنا» (٨). والعامة على كسر العين ، وهو الجانب (٩) كني به عن التكبر.

__________________

(١) في ب : وكأن.

(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٥٤.

(٣) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(٤) البحر المحيط ٦ / ٣٥٤. الواو الداخلة على جملة الحال تسمى واو الحال ، والابتداء ، وليست عاطفة ولا أصلها العطف. وقدرها سيبويه والأقدمون ب «إذ» ، ولا يريدون أنها بمعنى (إذ) إذ لا يرادف الحرف الاسم بل إنها وما بعدها قيد للعامل السابق كما أن (إذ) كذلك. وزعم بعض المتأخرين أنها عاطفة كواو (ربّ) ، قال : وإلا لدخل العاطف عليها ، الهمع ١ / ٢٤٧ ، شرح الأشموني ٢ / ١٨٩.

(٥) الدر المصون : ٥ / ٦٥.

(٦) انظر التبيان ٢ / ٩٣٤.

(٧) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢١٦ ، معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٤١٤ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ٩٢ ، البيان ٢ / ١٧٠ ، التبيان ٢ / ٩٣٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٤.

(٨) من قوله تعالى : «فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا» [الأحقاف : ٢٤].

والاستشهاد بالآية على أن الإضافة في «ممطرنا» إضافة لفظية ، فهي في تقدير الانفصال أي : ممطر إيانا ، فهو نكرة. التبيان ٢ / ١١٥٧.

(٩) في ب : الحال. وهو تحريف. وذلك أن العطف : المنكب ، وعطفا كل شيء : جانباه. اللسان (عطف).

٢٦

والحسن بفتح العين (١) ، وهو مصدر بمعنى التعطف ، وصفه بالقسوة.

قوله : «ليضلّ» متعلق إما ب (يُجادِلُ) ، وإما ب (ثانِيَ عِطْفِهِ)(٢) وقرأ العامة بضم الياء في «يضل» والمفعول محذوف أي : ليضل غيره (٣). وقرأ مجاهد وأبو عمرو في رواية بفتحها (٤) ، أي : ليضل هو في نفسه.

قوله : (لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) هذه الجملة يجوز أن تكون حالا (٥) مقارنة (٦) أي : مستحقا ذلك ، وأن تكون حالا مقدرة (٧) ، وأن تكون مستأنفة (٨). وقرأ زيد بن علي «وأذيقه» بهمزة المتكلم(٩) ، و (عَذابَ الْحَرِيقِ) يجوز أن يكون من باب إضافة الموصوف لصفته إذ (١٠) الأصل العذاب الحريق أي : المحرق كالسميع بمعنى المسمع (١١).

فصل

قال أبو مسلم (١٢) : الآية (١٣) الأولى (١٤) واردة في الأتباع المقلدين ، وهذه الآية واردة في المتبعة عن المقلدين ، فإن كلا المجادلين جادل بغير علم وإن كان أحدهما تبعا والآخر متبوع ، وبين ذلك قوله : (وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) فإن مثل ذلك لا يقال في المقلد وإنما يقال فيمن يخاصم (١٥) بناء على شبهة. فإن قيل : كيف يصح ما قلتم والمقلد لا يكون مجادلا؟ قلنا : يجادل تصويبا لتقليده ، وقد يورد الشبهة الظاهرة إذا تمكن منها وإن كان معتمده الأصلي هو التقليد (١٦). وقيل : إن الآية الأولى نزلت في النضر بن الحارث ، وهو قول ابن عباس وفائدة التكرير المبالغة في (١٧) الذم ، وأيضا : قد ذكر (١٨)

__________________

(١) المختصر (٩٤) ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٤ ، الإتحاف (٣١٣).

(٢) انظر التبيان ٢ / ٩٣٤.

(٣) البحر المحيط ٦ / ٣٥٤ ـ ٣٥٥. الإتحاف (٣١٣).

(٤) البحر المحيط ٦ / ٣٥٤ ، الإتحاف (٣١٣).

(٥) في الأصل : حال.

(٦) الحال المقارنة : هي المقارنة لعاملها في الزمن. نحو قوله تعالى : «وَهذا بَعْلِي شَيْخاً»[هود : ٧٢].

المغني ٢ / ٤٦٥.

(٧) الحال المقدرة : هي المستقبلة نحو : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا أي مقدرا ذلك ، المغني ٢ / ٤٦٥.

(٨) ذكر هذه الأوجه أبو البقاء. التبيان ٢ / ٩٣٤.

(٩) البحر المحيط ٦ / ٣٥٥.

(١٠) في الأصل : إذا.

(١١) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٥٥.

(١٢) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٢.

(١٣) في ب : إن الآية.

(١٤) وهي قوله تعالى : «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ»[الآية ٣].

(١٥) في الأصل : لا يخاصم. وهو تحريف.

(١٦) في ب : الأصل التقليد.

(١٧) في : سقط من الأصل.

(١٨) في النسختين : قد كرر. والصواب ما أثبته.

٢٧

في الآية الأولى اتباعه تقليدا بغير حجة ، (وفي الثانية مجادلته في الدين ، وإضلاله غيره بغير حجة) (١).

والأول أقرب لما تقدم. ودلت الآية على أن الجدال مع العلم والهدى والكتاب (٢) حق حسن.

والمراد بالعلم العلم الضروري ، وبالهدى الاستدلال والنظر ؛ لأنه يهدي إلى المعرفة ، وبالكتاب المنير الوحي. والمعنى يجادل من غير مقدمة ضرورية ، ولا نظريّة ولا سمعيّة فهو كقوله تعالى (٣) : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ)(٤) ثم قال (ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ثني العطف عبارة عن التكبر والخيلاء (٥) قال مجاهد وقتادة : لاوي عنقه (٦). وقال عطية وابن زيد : معرضا عما يدعى إليه تكبرا (٧). والعطف الجانب وعطفا (٨) الرجل : جانباه عن يمين وشمال ، وهو الموضع الذي يعطفه الإنسان أي (٩) : يلويه ويميله عند الإعراض عن الشيء ، ونظيره قوله تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً)(١٠) وقوله (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ)(١١)(١٢). (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) فمن ضم الياء فمعناه : ليضل غيره عن طريق الحق ، فجمع بين الضلال والكفر وإضلال الغير. ومن فتح الياء فالمعنى : ليضل هو عن دين الله (١٣). (لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ)(١٤) عذاب وهوان ، وهو القتل ببدر ، فقتل النضر ، وعقبة بن أبي معيط يوم بدر صبرا. (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ) ويقال له : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)(١٥) والكلام في قوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ)(١٦) كالكلام في قوله : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ) وكذا قوله (وَأَنَّ اللهَ) يجوز عطفه على السبب ، ويجوز أن يكون التقدير والأمر أن الله ، فيكون منقطعا عما قبله (١٧).

قوله : «ظلّام» مثال مبالغة. فإن قيل : إذا قلت : إن زيدا ليس بظلام ، لا يلزم منه نفي أصل الظلم ، فإن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم.

فالجواب : أن المبالغة إنما جيء بها لتكثير (١٨) محلها فإن العبيد جمع ، وأحسن من

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من ب.

(٢) في ب : وفي الكتاب.

(٣) تعالى : سقط من الأصل.

(٤) [الحج : ٧١].

(٥) آخر ما نقله عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٢.

(٦) انظر البغوي ٥ / ٥٥٦.

(٧) المرجع السابق.

(٨) في الأصل : والعطف. وهو تحريف.

(٩) في الأصل : أن. وهو تحريف.

(١٠) [لقمان : ٧].

(١١) [المنافقون : ٥].

(١٢) انظر البغوي ٥ / ٥٥٦ ـ ٥٥٧.

(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٤ ، ٣٥٥.

(١٤) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٥٥٧.

(١٥) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٥٥٧.

(١٦) من الآية (٦) من السورة نفسها.

(١٧) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٩٢.

(١٨) في ب : لتكثر.

٢٨

هذا أن فعّالا هنا للنسب (١) أي : بذي ظلم لا (٢) للمبالغة (٣).

فصل

قالت المعتزلة (٤) : هذه الآية تدل على مطالب :

الأول : دلت على أن العبد إنما وقع في ذلك العذاب بسبب عمله فلو كان فعله خلقا لله تعالى(٥) لكان حين خلقه استحال منه أن لا يتصف به فلا يكون ذلك العقاب (٦) بسبب فعله ، فإذا عاقبه عليه كان ذلك محض الظلم وذلك خلاف النص.

الثاني : أن قوله : (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) يدل على أنه سبحانه إنما لم يكن ظالما بفعل ذلك العذاب ، وهذا يدل على أنه لو عاقبه لا بسبب فعل يصدر من جهته لكان ظالما ، وهذا يدل على أنه لا يجوز تعذيب الأطفال لكفر آبائهم.

الثالث : أنه سبحانه تمدح بأنه لا يفعل الظلم فوجب أن يكون قادرا عليه خلاف ما يقوله النّظّام ، وأن يصح ذلك منه خلاف ما يقوله أهل السنة.

الرابع : أنه لا يجوز الاستدلال بهذه الآية على أنه تعالى لا يظلم ، لأن عندهم صحة نبوة النبي ـ عليه‌السلام (٧) ـ موقوفة على نفي الظلم ، فلو أثبتنا ذلك بالدليل السمعي لزم (٨) الدور. وأجاب ابن الخطيب عن الكلّ بالمعارضة بالعلم والداعي (٩).

قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١١) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٢) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ)(١٣)

قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ)(١٠) الآية.

قال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد وقتادة : نزلت في قوم من الأعراب كانوا يقدمون المدينة مهاجرين من باديتهم ، فكان أحدهم إذا قدم المدينة فصحّ بها جسمه ، ونتجت فرسه مهرا حسنا ، وولدت امرأته غلاما ، وكثر ماله قال : هذا دين حسن ، وقد أصبت فيه خيرا واطمأن إليه ، وإن أصابه مرض وولدت امرأته جارية وأجهضت رماكه (١١) ، وقلّ ماله قال ما أصبت منذ دخلت هذا الدين إلا شرا فينقلب عن

__________________

(١) في الأصل : للنسبة.

(٢) لا : سقط من ب.

(٣) انظر البحر المحيط ٣ / ١٣١.

(٤) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٢.

(٥) تعالى : سقط من ب.

(٦) في ب : العذاب.

(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٨) في ب : لزوم. وهو تحريف.

(٩) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٣.

(١٠) حرف : سقط من ب.

(١١) الرّماك : جمع رمكة ، وهي الفرس والبرذونة التي تتخذ للنسل. اللسان (رمك).

٢٩

دينه ، وذلك الفتنة ، فأنزل الله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ)(١). قال أكثر المفسرين : أي : على شك ، وأصله من حرف الشيء ، وهو طرفه (٢). وقيل : على انحراف ، أو على طرف الدين لا في وسطه كالذي يكون في طرف العسكر إن رأى خيرا ثبت وإلا فرّ (٣). و (عَلى حَرْفٍ) حال من فاعل «يعبد» أي : متزلزلا (٤).

ومعنى (عَلى حَرْفٍ) أي على شك أو على انحراف أو على طرف الدين لا في وسطه.

فصل

لما بين (٥) حال المظهرين للشرك المجادلين فيه أعقبه بذكر المنافقين فقال : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) ، وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم لا على سكون وطمأنينة ، كالذي يكون على طرف العسكر ، فإن أحسن بغنيمة قرّ وإلا فرّ ، وهذا هو المراد بقوله (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ(٦) اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ)(٧).

قال الحسن : هو المنافق يعبد الله بلسانه دون قلبه ، (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ) صحة في جسمه وسعة في معيشته (اطْمَأَنَّ بِهِ) وسكن إليه ، (وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ) بلاء في جسده وضيق في معيشته (٨)(انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) ارتد ورجع إلى ما كان عليه من الكفر (٩).

فصل

ذكروا في السبب وجوها :

الأول : ما تقدم (١٠).

والثاني : قال الضحاك : نزلت في المؤلفة قلوبهم منهم عيينة بن بدر والأقرع بن حابس والعباس بن مرداس ، قال بعضهم لبعض ندخل في دين محمد فإن أصابنا خير (١١) عرفنا أنه حق ، وإن كان غير ذلك عرفنا أنه باطل (١٢).

الثالث : قال أبو سعيد الخدري : أسلم رجل من اليهود ، فذهب بصره وماله وولده (١٣) ، فقال: يا رسول الله أقلني فإني ما أصبت من ديني هذا خيرا ذهب بصري

__________________

(١) انظر البغوي ٥ / ٥٥٧ ـ ٥٥٨ ، أسباب النزول للواحدي (٢٢٧ ـ ٢٢٨) ، الفخر الرازي ٢٣ / ٤.

(٢) انظر البغوي ٥ / ٥٥٨.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٤.

(٤) انظر التبيان ٢ / ٩٣٤.

(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٤.

(٦) في ب : خيرا. وهو تحريف.

(٧) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٤.

(٨) في ب : معيشة.

(٩) انظر البغوي ٥ / ٥٥٨.

(١٠) هو قول ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد وقتادة.

(١١) في الأصل : خيرا.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٤.

(١٣) في ب : ولده.

٣٠

ومالي وولدي. فقال عليه‌السلام (١) : «إن الإسلام لا يقال ، إن الإسلام يسبك كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة» ونزلت هذه الآية (٢). وهاهنا إشكال ، وهو أن المفسرين أجمعوا على أن هذه السور مكيّة إلا ست آيات ذكروها أولها (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا) إلى قوله (صِراطِ الْحَمِيدِ)(٣) ولم يعدوا هذه الوقائع (التي ذكروها في سبب نزول هذه الآية مع أنهم يقولون (٤) إن هذه الوقائع) (٥) إنما كانت بالمدينة كما تقدم النقل عنهم. فإن قيل : كيف قال : (وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ) والخير أيضا فتنة ، لأنه امتحان. قال تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)(٦).

فالجواب : مثل هذا كثير في اللغة ، لأن النعمة بلاء وابتلاء قال تعالى (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ)(٧) ولكن إنما يطابق اسم البلاء على ما يثقل على الطبع ، والمنافق ليس عنده الخير إلا (٨) الخير الدنيوي ، وليس عنده الشر إلا الشر الدنيوي ، لأنه لا دين له ؛ فلذلك وردت الآية على ما يعتقده (٩). فإن قيل : إذا كانت الآية في المنافق فما معنى (١٠) قوله (انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) وهو في الحقيقة لم يسلم حتى ينقلب.

فالجواب (١١) أنه أظهر بلسانه خلاف ما كان أظهره ، فصار يذم الدين عند الشدة وكان من قبل يمدحه وذلك انقلاب على الحقيقة (١٢). فإن قيل : مقابل الخير هو الشر فلما قال (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ) كان يجب أن يقول : وإن أصابه شرّ انقلب على وجهه (١٣).

فالجواب : لما كانت الشدة ليست بقبيحة لم يقل تعالى : وإن أصابه شرّ بل وصفه بما لا يفيد فيه القبح (١٤).

قوله : (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) قرأ العامة «خسر» فعلا ماضيا ، وهو يحتمل ثلاثة أوجه :

الاستئناف (١٥) ، والحالية من فاعل «انقلب» (١٦) ، ولا حاجة إلى إضمار (قد) على الصحيح (١٧).

__________________

(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٢) أخرجه ابن مردويه من طريق عطية عن أبي سعيد رضي الله عنه. انظر أسباب النزول للواحدي (٢٢٨) ، الفخر الرازي ٢٣ / ١٤ ، الدر المنثور ٤ / ٣٤٦ ، والكافي الشافي (١١٢).

(٣) من الآية (١٩) إلى الآية (٢٤).

(٤) في ب : يقولوا. وهو تحريف.

(٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(٦) من قوله تعالى : «كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ»[الأنبياء : ٣٥].

(٧) [الفجر : ١٥].

(٨) في الأصل : لأن. وهو تحريف.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٤ ـ ١٥.

(١٠) معنى : تكملة من الفخر الرازي.

(١١) في ب : والجواب.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٥.

(١٣) في ب : عانيه. وهو تحريف.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٥.

(١٥) انظر التبيان ٢ / ٩٣٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٥.

(١٦) المرجعان السابقان.

(١٧) وذلك أن جملة الحال إذا كانت مصدرة بفعل ماض مثبت متصرف غير تال ل (إلا) ، أو متلو بأو ، ـ

٣١

والبدلية من قوله «انقلب» كما أبدل المضارع من مثله في قوله (يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ)(١).

وقرأ مجاهد والأعرج وابن محيصن والجحدري في آخرين «خاسر» بصيغة اسم الفاعل منصوب على الحال (٢) ، وهو توكيد كون الماضي في قراءة العامة حالا وقرىء برفعه ، وفيه وجهان :

أحدهما : أن يكون فاعلا ب «انقلب» ، ويكون من وضع الظاهر موضع المضمر ، أي : انقلب خاسر الدنيا والآخرة ، والأصل : انقلب هو (٣).

الثاني : أنه (٤) خبر مبتدأ محذوف ، أي هو خاسر (٥).

وهذه القراءة تؤيد الاستئناف في قراءة المضي على التخريج الثاني. وحق من قرأ «خاسر» رفعا ونصبا أن يجر «الآخرة» لعطفها على «الدنيا» المجرورة بالإضافة. ويجوز أن يبقى النصب فيها ، إذ يجوز أن تكون الدنيا منصوبة ، وإنما حذف التنوين من «خاسر» لالتقاء الساكنين نحو قوله :

٣٧٥٠ ـ ولا ذاكر الله إلّا قليلا (٦)

فصل

معنى خسرانه الدنيا هو أن يخسر العز والكرامة وإصابة الغنيمة وأهلية الشهادة والإمامة والقضاء ، ولا (٧) يبقى ماله ودمه مصونا ، وأما خسران الآخرة فيفوته الثواب

__________________

ـ فمذهب البصريين غير الأخفش لزوم (قد) مطلقا ظاهرة أو مقدرة فإن كان جامدا أو منفيا فلا ، نحو جاء زيد وما طلعت الشمس بالواو فقط ومذهب الكوفيين والأخفش لزومها مع المرتبط بالواو فقط. وجواز إثباتها وحذفها في المرتبط بالضمير وحده أو بهما معا.

وهو المختار تمسكا بظاهر قوله تعالى : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) [النساء : ٩٠] ، وقوله تعالى : (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ قالُوا) [يوسف : ١٦ ، ١٧]. واختار أبو حيان مذهب الكوفيين والأخفش فإنه قال : والصحيح جواز وقوع الماضي حالا بدون قد ، ولا يحتاج إلى تقديرها للكثرة وورود ذلك ، وتأويل الكثير ضعيف جدا لأنا إنما نبني المقاييس العربية على وجود الكثرة.

انظر البحر المحيط ٦ / ٣٥٥ ، الهمع ١ / ٢٤٧ ، شرح الأشموني ٢ / ١٩١.

(١) [الفرقان : ٦٨ ، ٦٩]. وممن قال بهذا الوجه ابن جني وأبو الفضل الرازي لأنه يجوز بدل الفعل من الفعل. المحتسب ٢ / ٧٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٥.

(٢) المختصر (٦٤) المحتسب ٢ / ٧٥ ، التبيان ٢ / ٩٣٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٥.

(٣) انظر الكشاف ٣ / ٢٧.

(٤) أنه : سقط من الأصل.

(٥) انظر الكشاف ٣ / ٢٧ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٥.

(٦) عجز بيت من بحر المتقارب قاله أبو الأسود الدؤلي ، وصدره :

فألفيته غير مستعتب

والشاهد فيه حذف التنوين من (ذاكر) ، لالتقاء الساكنين.

(٧) ولا : مكرر في الأصل.

٣٢

الدائم ، ويحصل له العقاب الدائم ، و (ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ)(١).

قوله : (يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ) إن عصاه ولم يعبده ، (وَما لا يَنْفَعُهُ) إن أطاعه وعبده ، و (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) عن الحق والرشد (٢) وهذه الآية تدل على أن الآية الأولى لم ترد في اليهود ؛ لأنهم ليس ممن يدعو من دون الله الأصنام. والأقرب أنها واردة في المشركين الذين انقطعوا إلى الرسول على وجه النفاق (٣).

قوله : (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ). فيه عشرة أوجه ، وذلك أنه إما أن يجعل «يدعو» متسلطا على (٤) الجملة من قوله : (لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) أو لا ، فإن (٥) جعلناه متسلطا عليها كان فيه سبعة أوجه :

الأول : أنّ «يدعو» بمعنى يقول ، واللام للابتداء و «من» موصولة في محل رفع بالابتداء ، و «ضره» (٦) مبتدأ ثان ، و «أقرب» خبره ، وهذه الجملة صلة للموصول ، وخبر الموصول محذوف تقديره : يقول (٧) للذي ضره أقرب من نفعه : إله ، أو إلهي ، ونحو ذلك ، والجملة كلها في محل نصب ب «يدعو» لأنه بمعنى يقول ، فهي محكية به. وهذا قول أبي الحسن (٨) وعلى (هذا فيكون قوله : (لَبِئْسَ الْمَوْلى) مستأنفا ليس داخلا في المحكي قبله ، لأن الكفار لا يقولون في أصنامهم ذلك (٩)) (١٠). (ورد بعضهم هذا الوجه بأنه فاسد المعنى) (١١) إذ الكافر لا يعتقد في الأصنام أنّ ضرّها أقرب من نفعها البتة (١٢).

الثاني : أنّ «يدعو» مشبه بأفعال القلوب ، لأن الدعاء لا يصدر إلا عن اعتقاد وأفعال القلوب تعلق ف «يدعو» معلق أيضا باللام ، و (لَمَنْ) مبتدأ موصول ، والجملة بعدة صلة ، وخبره (١٣) محذوف على ما مر في الوجه قبله ، والجملة في محل نصب كما يكون كذلك بعد أفعال القلوب (١٤).

الثالث : أن يضم ن «يدعو» معنى يزعم ، فتعلق كما تعلق ، والمعنى (١٥). والكلام فيه كالكلام في الوجه الذي قبله (١٦).

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٥.

(٢) انظر البغوي ٥ / ٥٥٨.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٥.

(٤) على : مكرر في الأصل.

(٥) في ب : وإن.

(٦) في ب : وضر.

(٧) في الأصل : ويقول.

(٨) انظر معاني القرآن للأخفش ٢ / ٦٣٥ ـ ٦٣٦ ، وانظر أيضا معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٤١٦ مشكل إعراب القرآن ٢ / ٩٣ ، البيان ٢ / ١٧٠ ، التبيان ٢ / ٩٣٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٦.

(٩) انظر التبيان ٢ / ٩٣٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٦.

(١٠) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(١١) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٥٦.

(١٣) في ب : وجره. وهو تحريف.

(١٤) انظر التبيان ٢ / ٩٣٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٦.

(١٥) والمعنى : سقط من ب.

(١٦) انظر التبيان ٢ / ٩٣٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٦.

٣٣

الرابع : أنّ الأفعال كلها يجوز أن تعلق قلبية كانت أو غيرها ، فاللام معلقة ل «يدعو» وهو مذهب يونس (١) ، فالجملة بعده والكلام (٢) فيها كما تقدم.

الخامس : أن «يدعو» بمعنى يسمي ، فتكون اللام مزيدة في (٣) المفعول (٤) الأول ، وهو الموصول وصلته ، ويكون المفعول الثاني محذوفا تقديره : يسمي (٥) الذي ضره أقرب من نفعه إلها ومعبودا ونحو ذلك (٦).

السادس : أن اللام مزالة (٧) من موضعها ، والأصل : يدعو من لضره أقرب ، فقدمت من تأخر. وهذا قول الفراء (٨). ورد هذا بأن ما في صلة الموصول لا يتقدم على الموصول (٩).

السابع : أن اللازم زائدة في المفعول به (١٠) وهو «من» التقدير : يدعو من ضره أقرب ، ف «من» موصولة (١١) والجملة بعدها صلتها ، والموصول هو المفعول (١٢) ب «يدعو» زيدت فيه اللام كزيادتها في قوله : (رَدِفَ لَكُمْ)(١٣) في أحد القولين ورد هذا بأن زيادة اللام إنما تكون إذا كان العاملفرعا أو تقدم المفعول. وقرأ عبد الله «يدعو من ضره» بغير لام الابتداء ، وهي مؤيدة (١٤) لهذا الوجه (١٥). وإن لم نجعله متسلطا على الجملة بعده كان فيه ثلاثة أوجه :

أظهرها : أن «يدعو» الثاني توكيد ل «يدعو» الأول (١٦) فلا معمول له ، كأنه قيل : (يدعو يدعو) (١٧) من دون الله الذي لا يضره ولا ينفعه ، فعلى هذا تكون (١٨) الجملة من قوله (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ) معترضة بين المؤكد والمؤكد ، لأن فيها تشديدا وتأكيدا ، ويكون

__________________

(١) سبق أن ذكرنا مذهب يونس في أن التعليق غير مختص بأفعال القلوب ، بل يكون فيها وفي غيرها.

(٢) في ب : الكلام.

(٣) في ب : و.

(٤) في الأصل : الأفعال.

(٥) في ب : ويسمى.

(٦) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٤١٦ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٦.

(٧) في ب : من آلة. وهو تحريف.

(٨) معاني القرآن ٢ / ٢١٧ ، ونسب مكي هذا الوجه في مشكل إعراب القرآن ٢ / ٩٣ إلى الكسائي وانظر أيضا البيان ٢ / ١٧٠ ، والتبيان ٢ / ٩٣٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٦ ـ ٣٥٧.

(٩) انظر التبيان ٢ / ٩٣٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٧.

(١٠) به : سقط من الأصل.

(١١) في الأصل : موصول.

(١٢) هو المفعول : سقط من الأصل.

(١٣) من قوله تعالى : «قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ» [النمل : ٧٢]. والاستدلال بالآية على أن اللام في قوله «لكم» زائدة في المفعول به ، ويجوز أن لا تكون اللام زائدة ويجعل الفعل على معنى دنا لكم ، أو قرب من أجلكم والفاعل بعض. المغني ١ / ٢١٥ ، التبيان ٢ / ١٠١٣.

(١٤) في الأصل : وهو مئيد. وهو تحريف.

(١٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٥٧.

(١٦) [الحج : ١٢] «يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ».

(١٧) ما بين القوسين في ب : يدعو.

(١٨) في ب : وعلى هذا فتكون.

٣٤

قوله : (لَمَنْ ضَرُّهُ) كلاما مستأنفا ، فتكون اللام للابتداء ، و «من» موصولة ، و «ضره» مبتدأ ، و «أقرب» خبره ، والجملة صلة ، و «لبئس» جواب قسم مقدر ، وهذا القسم المقدر وجوابه خبر للمبتدأ الذي هو الموصول (١).

الثاني : أن يجعل «ذلك» موصولا بمعنى (٢) الذي ، و «هو» مبتدأ ، و «الضلال» خبره ، والجملة صلة له (٣) ، وهذا الموصول مع صلته في محل نصب مفعولا ب «يدعو» ، أي : يدعو الذي هو الضلال (٤) وهذا منقول عن أبي علي الفارسي (٥).

وليس هذا ماش على رأي البصريين إذ لا يكون عندهم من أسماء الإشارة موصول إلا «ذا» بشروط تقدم ذكرها. (وأما الكوفيون فيجيزون في أسماء الإشارة مطلقا) (٦) أن تكون موصولة (٧) ، وعلى هذا فيكون (لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ) مستأنفا على ما تقدم.

الثالث : أن يجعل «ذلك» مبتدأ و «هو» جوزوا فيه أن يكون بدلا أو فصلا أو مبتدأ ، و «الضلال» خبر «ذلك» أو خبر «هو» (٨) على حسب الخلاف في «هو» و «يدعو» حال ، والعائد منه محذوف تقديره : يدعوه وقدروا هذا الفعل الواقع موقع الحال ب (مدعوّا) (٩)(١٠).

قال أبو البقاء : وهو ضعيف (١١) ، ولم يبين وجه ضعفه.

وكأن وجهه أن «يدعو» مبني للفاعل فلا يناسب أن يقدر الحال الواقعة موقعه اسم مفعول بل المناسب أن يقدر اسم فاعل ، فكان ينبغي أن يقدروه داعيا ، ولو كان التركيب يدعى مبنيا للمفعول لحسن تقديرهم : مدعو (١٢) ، ألا ترى أنك إذا قلت : جاء زيد

__________________

(١) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢١٨. الكشاف ٣ / ٢٧ ، البيان ٢ / ١٧٠ ، التبيان ٢ / ٩٣٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٦.

(٢) في ب : يعني.

(٣) في الأصل بعد قوله : والجملة صلة له : و «لَبِئْسَ» جواب قسم مقدر وهذا القسم المقدر وجوابه خبر للمبتدأ «الذي» ، يبدو أن هذا سهو من الناسخ فهذا الكلام موجود في الوجه الأول.

(٤) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٤١٦ ، التبيان ٢ / ٩٣٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٦.

(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٥٦.

(٦) ما بين القوسين مكرر في ب مع زيادة تقدم ذكرها.

(٧) تقدم الحديث عن مذهب البصريين والكوفيين في استعمال أسماء الإشارة موصولة عند الحديث عن قوله تعالى : «وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى» [طه : ١٧].

(٨) في ب : هن. وهو تحريف.

(٩) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٤١٥ ـ ٤١٦ ، التبيان ٢ / ٩٣٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٦.

(١٠) ما بين القوسين في ب : بيدعو. وهو تحريف.

(١١) التبيان ٢ / ٩٣٥.

(١٢) في ب : يدعو. وهو تحريف.

٣٥

يضرب ، كيف يقدرونه بضارب لا بمضروب (١).

فصل (٢)

اختلفوا في المراد بقوله : (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ.) فقيل : المراد رؤساؤهم الذين كانوا يفزعون إليهم ، لأنه يصح منهم أن يضروا ، ويؤيد (٣) هذا أن الله تعالى بين في الآية الأولى أن الأوثان لا تضرهم ولا تنفعهم ، وهذه الآية تقتضي (٤) كون المذكور (٥) فيها ضارا نافعا ، فلو كان المذكور في هذه الآية هو الأوثان لزم التناقض.

وقيل المراد الأوثان ، ثم أجابوا عن التناقض بوجوه :

أحدها : أنها لا تضر ولا تنفع بأنفسها ، ولكن عبادتها سبب (٦) الضرر ، وذلك يكفي في إضافة الضرر إليها كقوله (٧) تعالى : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ (٨) النَّاسِ)(٩) فأضاف الإضلال إليهم من حيث كانوا سببا للضلال ، فكذلك هنا نفى الضرر عنهم في الآية الأولى ، بمعنى كونها فاعلة ، وأضاف الضرر إليهم في هذه الآية بمعنى أن عبادتها سبب الضرر.

وثانيها : كأنه سبحانه بيّن في الآية الأولى أنها في الحقيقة لا تضر ولا تنفع ثم قال في الآية الثانية : ولو سلمنا كونها ضارة نافعة لكن ضرها أكثر من نفعها.

وثالثها : أن الكفار إذ أنصفوا (١٠) علموا أنه لا يحصل منها لا نفع ولا ضرر في الدنيا ، ثم إنهم في الآخرة يشاهدون العذاب العظيم بسبب عبادتها ، فكأنهم (١١) يقولون لها في الآخرة إن ضركم أعظم من نفعكم.

قوله : (لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) المولى هو الناصر ، والعشير الصاحب والمعاشر.

والمخصوص بالذم محذوف تقديره : لبئس المولى ولبئس العشير ذلك المدعو. واعلم أن هذا الوصف بالرؤساء أليق ، لأنه لا يكاد يستعمل في الأوثان (١٢) ، فبين تعالى أنهم يعدلون عن عبادة الله الذي هو خير الدنيا والآخرة إلى عبادة الأصنام وإلى طاعة الرؤساء بقوله تعالى (١٣) : (لَبِئْسَ الْمَوْلى) والمراد ذم ما انتصروا بهم (١٤).

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٥٦.

(٢) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٧.

(٣) في ب : ويؤيدوا. وهو تحريف.

(٤) في ب : مقتضى. وهو تحريف.

(٥) في ب : المذكورين.

(٦) في ب : بب. وهو تحريف.

(٧) في ب : لقوله.

(٨) في ب : ومن. وهو تحريف.

(٩) [إبراهيم : ٣٦].

(١٠) أنصفوا : سقط من ب.

(١١) في ب : وكأنهم.

(١٢) في ب : يستعمل الأوثان. وهو تحريف.

(١٣) تعالى : سقط من الأصل.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨.

٣٦

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (١٤) مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (١٥) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ)(١٦)

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا) الآية. لما بين في الآية السالفة حال عباده المنافقين وحال معبودهم ، وأن معبودهم لا ينفع ولا يضر بين هاهنا صفة عباده المؤمنين وصفة معبودهم ، وأن عبادتهم حقيقة ، ومعبودهم يعطيهم أعظم المنافع وهو الجنة ، التي من كمالها جمعها بين الزرع والشجر وأن تجري من تحتها الأنهار ، وبين أنه يفعل ما يريد بهم من أنواع الفضل والإحسان زيادة على أجورهم كما قال تعالى (فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ) (٢). واحتج أهل السنة في خلق الأفعال بقوله : (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) قالوا : أجمعنا على أنه تعالى يريد الإيمان ، ولفظة «ما» للعموم فوجب أن يكون فاعلا للإيمان لقوله : (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ).

وأجاب عنه الكعبي بأن الله تعالى يفعل ما يريد أن يفعله (لا ما يريد أن يفعله) (٣) غيره.

وأجيب : بأن هذا تقييد للعموم وهو خلاف النص (٤).

قوله : (مَنْ كانَ يَظُنُّ). «من» يجوز أن تكون شرطية وهو الظاهر (٥) ، وأن تكون موصولة ، والضمير في «ينصره» الظاهر عوده على «من» ، وفسر النصر بالرزق (٦) ، وقيل (٧) يعود على الدين والإسلام فالنصر على بابه (٨).

قال ابن عباس والكلبي ومقاتل والضحاك وقتادة وابن زيد والسدي واختيار الفراء (٩) والزجاج(١٠): أن الضمير في «ينصره» يرجع إلى محمد ـ عليه‌السلام (١١) ـ يريد أن من ظن أن لن ينصر (١٢) الله محمدا في الدنيا بإعلاء كلمته وإظهار دينه ، وفي الآخرة بإعلاء درجته ، والانتقام ممن كذبه ، والرسول ـ عليه‌السلام (١١) ـ وإن لم يجر له ذكر في هذه

__________________

(١) من قوله تعالى : «فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ» [النساء : ١٧٣].

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٦. بتصرف يسير.

(٣) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٦.

(٥) وجواب الشرط قوله : «فَلْيَمْدُدْ» التبيان ٢ / ٩٣٥.

(٦) وكان الظاهر عود الضمير على «من» لأنه المذكور ، وحق الضمير أن يعود على المذكور. الفخر الرازي ٢٣ / ١٨ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٧.

(٧) في ب : فصل.

(٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٥٨.

(٩) معاني القرآن ٢ / ٢١٨.

(١٠) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٤١٧.

(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٢) في ب : ينصره. وهو تحريف.

(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

٣٧

الآية ففيها ما يدل عليه وهو ذكر الإيمان في قوله (١) : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)، والإيمان لا يتم إلا بالله ورسوله (٢).

قوله : (فَلْيَمْدُدْ) إما جزاء للشرط ، أو خبر للموصول ، والفاء للتشبيه بالشرط. والجمهور على كسر اللام من (لْيَقْطَعْ) ، وسكنها بعضهم كما يسكنها بعد الفاء والواو لكونهن عواطف (٣) ، ولذلك أجروا (ثُمَّ) مجراهما في تسكين هاء (هو) و (هي) بعدها (٤) ، وهي قراءة الكسائي ونافع في رواية قالون عنه (٥).

قوله : (هَلْ يُذْهِبَنَ) الجملة الاستفهامية في محل نصب على إسقاط الخافض ، لأن النظر تعلق بالاستفهام ، وإذا كان بمعنى الفكر تعدى ب (فِي)(٦).

وقوله : (ما يَغِيظُ) «ما» موصولة بمعنى الذي ، والعائد هو الضمير المستتر ، و «ما» وصلتها مفعول بقوله : «يذهبن» أي : هل يذهبن كيده الشيء الذي يغيظه ، فالمرفوع في «يغيظه» عائد على الذي والمنصوب على (مَنْ كانَ يَظُنُّ). وقال أبو حيان : و «ما» في (ما يَغِيظُ) بمعنى الذي والعائد محذوف أو مصدرية (٧). قال شهاب الدين : كلا هذين القولين لا يصح ، أما قوله : العائد محذوف فليس كذلك بل هو مضمر مستتر في حكم الموجود كما تقدم تقريره قبل ذلك ، وإنما يقال: محذوف فيما كان منصوب المحل أو مجروره (٨) ، وأما قوله : أو مصدرية فليس كذلك أيضا ، إذ لو كانت مصدرية لكانت حرفا على الصحيح ، وإذا كانت حرفا لم يعد عليها ضمير وإذا لم يعد عليها ضمير بقي الفعل بلا فاعل ، فإن قلت : أضمر (٩) في (يَغِيظُ) ضميرا فاعلا يعود على (مَنْ كانَ يَظُنُّ).

__________________

(١) في قوله : سقط من ب.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٦ ـ ١٧.

(٣) في الأصل : عواطفا.

(٤) انظر السبعة (١٥١ ـ ١٥٢) ، الكشف ١ / ٢٣٤.

(٥) السبعة (٤٣٤ ـ ٤٣٥) ، الكشف ٢ / ١١٦ ـ ١١٧ ، النشر ٢ / ٣٢٦ ، الإتحاف ٣١٤ ، وحركة لام الطلب الكسرة ، وسليم تفتحها طلبا للخفة ، ويجوز تسكينها بعد الفاء والواو وثم ، وإسكانها بعد الفاء والواو أكثر من تحريكها نحو قوله تعالى : «فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي» [البقرة : ١٨٦] وإسكانها بعد «ثُمَّ» قليل ، وإسكان اللام بعد هذه الحروف يجري مجرى إسكان الهاء من (هو) ، و (هي) بعدها فإسكانها أكثر من تحريكها بعد الفاء والواو ، وقليل بعد «ثُمَّ» انظر شرح المفصل ٣ / ٩٨ ، الهمع ٢ / ٥٥ ، وشرح الأشموني ٤١٤.

(٦) وقال أبو البقاء : (و «هَلْ يُذْهِبَنَّ» في موضع نصب ب «ينظر» التبيان ٢ / ٩٣٧.

(٧) البحر المحيط ٦ / ٣٥٨.

(٨) وذلك أن العائد المرفوع لا يجوز حذفه إلا بشرطين أحدهما : أن يكون مبتدأ غير منسوخ ، وثانيهما : أن يكون خبره مفردا. والعائد هنا فاعل فلا يجوز أن يطلق عليه بأنه محذوف وإنما هو مضمر. واشترط البصريون أيضا في حذف العائد المرفوع في غير صلة (أي) استطالة الصلة ، والكوفيون لا يشترطون ذلك. شرح التصريح ١ / ١٤٣ ـ ١٤٤.

(٩) في ب : الضمير. وهو تحريف.

٣٨

فالجواب : أن من كان يظن في المعنى مغيظ (١) لا غائظ. وهذا بحث حسن (٢).

فصل (٣)

المعنى : من كان يظن أن لن ينصر الله نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ، والسبب الحبل ، والسماء سقف البيت هذا قول الأكثرين ، أي : ليشدد حبلا في سقف بيته فليختنق به حتى يموت ، ثم ليقطع الحبل بعد الاختناق.

وقيل : سمي الاختناق قطعا. وقيل : ليقطع ، أي : ليمد الحبل حتى ينقطع فيموت مختنقا (فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ) صنيعه وحيلته ، أي : هل يذهبن كيده وحيلته غيظه. والمعنى : فليختنق غيظا حتى يموت ، وليس هذا على سبيل الحتم أن يفعل لأنه لا يمكنه القطع والنظر بعد الاختناق والموت ، ولكنه كما يقال للحاسد إذا لم ترض بهذا فاختنق ومت غيظا. وقا ابن زيد : المراد من السماء : السماء المعروفة. ومعنى الآية : من كان يظن أن لا ينصر الله نبيه ، ويكيد في أمره ليقطعه عنه ، فليقطعه من أصله ، فإن أصله من السماء ، فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الوحي الذي يأتيه فلينظر هل يقدر على إذهاب غيظه بهذا الفعل.

فصل

روي أن هذه (٤) الآية نزلت في قوم من أسد وغطفان دعاهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى الإسلام ، وكان بينهم وبين اليهود حلف ، وقالوا : لا يمكننا أن نسلم لأنا نخاف أن لا ينصر محمد ولا يظهر أمره فينقطع الحلف بيننا وبين اليهود فلا يميروننا ولا يؤووننا (٥) فنزلت هذه الآية وقال مجاهد : النصر يعني الرزق ، والهاء راجعة إلى «من» ومعناه من كان يظن أن لن يرزقه الله في الدنيا والآخرة. نزلت فيمن أساء الظن بالله ـ عزوجل (٦) ـ وخاف أن لا يرزقه (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ) أي : سماء البيت ، (فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ) فعله ذلك ما يغيظ وهو خيفة (٧) أن لا يرزق. وقد يأتي النصر بمعنى الرزق تقول العرب : من ينصرني نصره الله ، أي من يعطيني أعطاه الله (٨). قال أبو عبيدة (٩) : تقول العرب : أرض منصورة ، أي : ممطورة (١٠) وعلى (١١) كل الوجوه فإنه زجر للكفار عن الغيظ فيما لا فائدة فيه.

__________________

(١) في ب : يغيظ. وهو تحريف.

(٢) الدر المصون : ٥ / ٦٧.

(٣) هذا الفصل نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٥٦٠ بتصرف يسير.

(٤) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٥٦٠ ـ ٥٦١.

(٥) في ب : ولا يؤذننا. وهو تحريف.

(٦) في ب : تعالى.

(٧) في الأصل : خنقه. وفي ب : صفة. والتصويب من البغوي.

(٨) اللسان (نصر).

(٩) في ب : أبو عبيد.

(١٠) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٥٦٠ ـ ٥٦١.

(١١) في الأصل : على.

٣٩

قوله : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ) الكاف إما حال من ضمير المصدر المقدر ، وإما نعت لمصدر محذوف على حسب ما تقدم من الخلاف ، أي : ومثل ذلك الإنزال أنزلنا القرآن كله (آياتٍ بَيِّناتٍ)(١) ف (آياتٍ) حال.

قوله : (وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي) يجوز في «أن» ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها منصوبة المحل ، عطفا على مفعول (أَنْزَلْناهُ) ، أي (٢) : وأنزلنا أن الله يهدي من يريد ، أي : أنزلنا هداية الله لمن يريد هدايته (٣).

الثاني : أنها على حذف حرف الجر ، وذلك الحرف متعلق بمحذوف والتقدير (٤) : ولأن الله يهدي من يريد أنزلناه ، فيجيء في موضعها القولان المشهوران أفي محل نصب هي أم جر؟ وإلى هذا ذهب الزمخشري ، وقال في تقديره : ولأن الله يهدي به الذين يعلم أنهم يؤمنون أنزله كذلك مبينا (٥).

الثالث : أنها في محل رفع خبرا لمبتدأ مضمر تقديره : والأمر أن الله يهدي من يريد (٦).

فصل (٧)

قال أهل السنة : المراد من الهداية إما وضع الأدلة أو خلق المعرفة ، أما الأول فغير جائز ؛ لأنه تعالى فعل ذلك في حق كل المكلفين ، ولأن قوله : (يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ) دليل على أن الهداية غير واجبة عليه بل هي متعلقة بمشيئته سبحانه ، ووضع الأدلة عند الخصم واجب ، فيبقى أن المراد منه خلق المعرفة. قال القاضي عبد الجبار في الاعتذار : هذا (٨) يحتمل وجوها :

أحدها : يكلف من يريد لأن من كلف أحدا شيئا فقد وصفه له وبينه.

وثانيها : أن يكون المراد يهدي إلى الجنة والإنابة من يريد ممن آمن وعمل صالحا.

وثالثها : أن يكون المراد أن الله يلطف بمن يريد ممن علم أنه إذا هدي ثبت على إيمانه كقوله تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً)(٩). وهذا الوجه هو الذي أشار الحسن إليه بقوله : إن الله يهدي من قبل لا من لم (١٠) يقبل ، والوجهان الأولان ذكرهما أبو علي.

وأجيب عن الأول بأن الله تعالى ذكر ذلك بعد بيان الأدلة ، وعن الثاني ، من الشبهات فلا يجوز حمله على محض التكليف ، وأما الوجهان الأخيران فمدفوعان ،

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٥٨.

(٢) أي : سقط من ب.

(٣) انظر التبيان ٢ / ٩٤٦.

(٤) والتقدير : سقط من ب.

(٥) الكشاف ٣ / ٢٨ ، وانظر أيضا التبيان ٢ / ٩٣٦. (١٠) لم : تكملة من الفخر الرازي.

(٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٥٨.

(٧) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٨.

(٨) في ب : هل. وهو تحريف.

(٩) [محمد : ١٧].

(١٠) لم : تكلمة من الفخر الرازي.

٤٠