اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٢

واللفح إصابة النار الشيء بوهجها وإحراقها له ، وهو أشد من النفح (١) ، وقد تقدم النفح (٢) في الأنبياء(٣). قوله : (وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) الكلوح تشمير الشفة العليا ، واسترخاء السفلى (٤).

قال عليه‌السلام (٥) في قوله : (وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) قال : «تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه ، وتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرته» (٦). وقال أبو هريرة : يعظم الكافر في النار مسيرة سبع ليال ضرسه مثل أحد ، وشفاههم عند سررهم سود زرق خنق مقبوحون (٧). ومنه كلوح الأسد أي : تكشيره عن أنيابه ، ودهر كالح (وبرد كالح) (٨) أي : شديد وقيل الكلوح : تقطيب الوجه وتسوره ، وكلح الرجل يكلح كلوحا (وكلاحا) (٩)(١٠).

قوله : (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) يعني القرآن تخوفون بها (فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) قالت المعتزلة دلت الآية على أنهم إنما عذبوا بسوأ أفعالهم ، ولو كان فعل العبد بخلق الله لما صح ذلك.

والجواب : أن القادر على الطاعة والمعصية إن صدرت المعصية عنه لا لمرجح ألبتة كان صدورها(١١) عنه اتفاقيا لا اختياريا فوجب أن لا يستحق العقاب ، وإن كان لمرجح فذلك المرجح ليس من فعله وإلا لزم التسلسل فحينئذ يكون صدور تلك الطاعة عنه اضطراريا لا اختياريا فوجب أن لا يستحق الثواب (١٢).

قوله تعالى : (قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا

__________________

(١) في النسختين : النفخ. والصواب ما أثبته. قال الزجاج : (يلفح وينفح في معنى واحد إلا أن اللفح أعظم تأثيرا) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٢٣.

(٢) في النسختين : النفخ. والصواب ما أثبته.

(٣) عند قوله تعالى : «وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ» [الأنبياء : ٤٦].

(٤) قال الزجاج : (والكالح الذي قد تشمرت شفته عن أسنانه ، نحو ما ترى من رؤس الغنم إذا مستها النار ، فبرزت الأسنان وتشمرت الشفاه) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٢٣.

(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٦) أخرجه الترمذي (جهنم) ٤ / ١٠٩ ، (التفسير) ٥ / ١٠ ، أحمد ٣ / ٧٧. وذكره السيوطي في الدر المنثور ٥ / ١٦.

(٧) انظر البغوي ٦ / ٤٣.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) انظر اللسان (كلح).

(١٠) ما بين القوسين سقط من ب.

(١١) في ب : صدور رفعا. وهو تحريف.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٤.

٢٦١

حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ)

قوله تعالى (١) : (قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا) الآية. لما قال سبحانه (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) ذكر ما يجري مجرى الجواب عنه وهو من وجهين الأول قولهم (٢) : (رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا) قرأ الأخوان (٣) : «شقاوتنا» بفتح الشين وألف بعد القاف. والباقون بكسر الشين وسكون القاف (٤). وهما مصدران بمعنى واحد (٥) فالشقاوة كالقساوة ، وهي لغة فاشية ، والشقوة كالفطنة والنعمة ، وأنشد الفراء (٦) :

٣٨١٢ ـ كلف من عنائه وشقوته

بنت ثماني عشرة من حجته (٧)

وهي لغة الحجاز.

قال أبو مسلم : «الشقوة من الشقاء كجرية الماء ، والمصدر الجري ، وقد يجيء لفظ فعلة ، والمراد به الهيئة والحال فيقول : جلسة حسنة وركبة وقعدة ، وذلك من الهيئة ، وتقول : عاش فلان عيشة طيبة ، ومات ميتة كريمة ، وهذا هو الحال والهيئة ، فعلى هذا المراد من الشقوة حال الشقاء (٨). وقرأ قتادة والحسن في روآية كالأخوين إلا أنهما كسرا الشين (٩) ، وشبل (١٠) في اختياره كالباقين إلا أنه فتح الشين (١١).

__________________

(١) تعالى : سقط من الأصل.

(٢) في ب : قوله.

(٣) الأخوان : حمزة والكسائي.

(٤) السبعة (٤٤٨) ، الحجة لا بن خالويه (٢٥٨) ، الكشف ٢ / ١٣١ ، النشر ٢ / ٣٢٩ ، الإتحاف ٣٢٠.

(٥) شقي يشقى شقا وشقاء وشقاوة وشقوة وشقوة فهذه كلها مصادر للفعل شقي ، الكشف ٢ / ١٣١ التبيان ٢ / ٩٦١ ، اللسان (شقى).

(٦) قال الفراء : أنشدني أبو ثروان. معاني القرآن ٢ / ٢٤٢.

(٧) رجز قاله نفيع ين طارق ، وهو في المخصص ١٤ / ٧٢ ، ١٧ / ١٠٢ ، الإنصاف ١ / ٣٠٩ ، المقرب ٣٣٧ ، اللسان (شقا) المقاصد النحوية ٤ / ٤٨٨ ، شرح التصريح ٢ / ٢٧٥ ، الهمع ٢ / ١٤٩ ، شرح الأشموني ٤ / ٧٢ ، الخزانة ٦ / ٤٣٠ ، الدرر ٢ / ٢٠٥ العناء : التعب والنصب الشقوة ـ بكسر الشين وسكون القاف ـ مصدر شقي ، وهو ضد السعادة ، ومثله الشقاوة وهو محل الشاهد هنا. الحجة ـ بكسر الحاء وتشديد الجيم مفتوحة ـ السنة.

واستدل الكوفيون بهذا البيت على جواز إضافة النيف إلى العشرة بدون إضافة عشرة إلى شيء.

والبصريون يردونه إلى الضرورة ، إذ لا معنى لهذه الإضافة ، لأنها إما بمعنى اللام أو من ، والنيف ليس للعشرة ولا منها بل هو زيادة عليها.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٥.

(٩) البحر المحيط ٦ / ٤٢٢ ـ ٤٢٣.

(١٠) هو شبل بن عباد ، أبو داود المكي ، مقرى ثقة ضابط ، هو أجل أصحاب ابن كثير ، عرض على ابن كثير ، وعبد الله بن كثير ، وروى القراءة عنه عرضا إسماعيل القسط ، وابنه داود بن شبل ، وعكرمة بن سليمان ، وغيرهم ، مات سنة ١٤٨ ه‍. طبقات القراء ١ / ٣٢٣ ـ ٣٢٤.

(١١) البحر المحيط ٦ / ٤٢٣.

٢٦٢

قال الزمخشري : (غَلَبَتْ عَلَيْنا) ملكتنا من قولك غلبني فلان على كذا إذا أخذه منك (وامتلكه) (١) والشقاوة سوء العاقبة (٢).

فصل

قال الجبائي (٣) : المراد أن (٤) طلبنا اللذات المحرمة ، وخروجنا عن العمل الحسن ساقنا إلى هذه الشقاوة ، فأطلق اسم المسبب على السبب ، وليس هذا باعتذار فيه ، لأن علمهم بأن لا عذر لهم فيه ثابت عندهم ، ولكنه اعتراف بقيام الحجة عليهم في سوء صنيعهم.

وأجيب : بأنك حملت الشقاوة على طلب تلك اللذات المحرمة ، وطلب تلك اللذات حاصل باختيارهم أولا باختيارهم ، فإن حصل باختيارهم فذلك الاختيار محدث فإن استغنى عن المؤثر ، فلم لا يجوز في كل الحوادث ذلك؟ وحينئذ ينسد عليك باب إثبات الصانع ، وإن افتقر إلى محدث فمحدثه إما العبد أو الله ، فإن كان هو العبد فذلك باطل لوجوه :

أحدها : أن قدرة العبد صالحة للفعل والترك ، فإن توقف صدور تلك الإرادة عنه إلى مرجح آخر ، عاد الكلام فيه ، ولزم التسلسل ، وإن لم يتوقف على المرجح ، فقد جوزت رجحان أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح ، وذلك يسد باب إثبات الصانع.

وثانيها : أن العبد لا يعلم كمية تلك الأفعال ، ولا كيفيتها ، والجاهل بالشيء لا يكون محدثا له ، وإلا لبطلت دلالة الأحكام ، ولا يقال علم العلم.

وثالثها : أن أحدا في الدنيا لا يرضى بأن يختار الجهل ، بل لا يقصد إلا (ما قصد إيقاعه لكنه لم يقصد إلا) (٥) تحصيل العلم فكيف حصل الجهل فثبت أن الموجد للداعي والبواعث هو الله ، ثم إن الداعية إذا كانت سائقة إلى الخير كانت سعادة ، وإن كانت سائقة إلى الشر كانت شقاوة.

وقال القاضي : قولهم (رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا) دليل على أنه لا عذر لهم لا عترأ فهم ، فلو كان كفرهم من خلقه وإرادته ، وعلموا ذلك ، لكان ذكرهم ذلك أولى وأقرب إلى العذر.

والجواب : قد بينا أن الذي ذكروه ليس إلا ذلك ، ولكنهم مقرون أن لا عذر لهم فلا جرم قيل : (اخْسَؤُا فِيها)(٦).

والوجه (٧) الثاني لهم (٨) في الجواب : قولهم : (وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ) أي : عن الهدى ،

__________________

(١) وامتلكه : تكملة من الكشاف.

(٢) الكشاف ٣ / ٥٧.

(٣) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٥ ـ ١٢٦.

(٤) أن : سقط من ب.

(٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(٦) من الآية (١٠٨) من السورة نفسها.

(٧) في ب : والجواب. وهو تحريف.

(٨) لهم : سقط من ب.

٢٦٣

وهذا الضلال الذي جعلوه كالعلة في إقدامهم على التكذيب إن كان هو نفس التكذيب لزم تعليل الشيء بنفسه ، وهو باطل ، فلم يبق إلا أن يكون ذلك الضلال (عبارة عن شيء آخر ترتب عليه فعلهم ، وما ذلك إلا خلق الداعي إلى الضلال) (١). ثم إن القوم لما اعتذروا بهذين العذرين ، قالوا : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها) أي : من النار (فَإِنْ عُدْنا) لما أنكرنا (فَإِنَّا ظالِمُونَ) فعند ذلك أجابهم الله تعالى فقال : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ)

فإن قيل : كيف يجوز أن يطلبوا الخروج وقد علموا أن عقابهم دائم؟ قلنا : يجوز أن يلحقهم السهو عن ذلك في أحوال شدة العذاب فيسألون الرجعة. ويحتمل أن يكون مع علمهم بذلك يسألون على وجه الغوث والاسترواح (٢).

قوله : (اخْسَؤُا فِيها) أقيموا فيها ، كما يقال للكلب إذا طرد اخسأ ؛ أي : انزجر كما تنزجر الكلاب إذا زجرت ، يقال : خسأ الكلب وخسأ بنفسه (٣). (وَلا تُكَلِّمُونِ) في رفع العذاب فإني لا أرفعه عنكم ، وليس هذا نهيا ، لأنه لا تكليف في الآخرة (٤).

قال (٥) الحسن : هو آخر كلام يتكلم به أهل النار ، ثم لا يتكلمون بعده إلا الشهيق والزفير. ويصير لهم عواء كعواء الكلب (٦) لا يفهمون ولا يفهمون (٧).

قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي) الآية. العامة على كسر همزة (إنه) استئنافا (٨). وأبي والعتكي : بفتحها أي : لأنه (٩) والهاء ضمير الشأن. قال البغوي : الهاء في إنه عماد ، وتسمى المجهولة أيضا (١٠).

قوله : (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا) قرأ الأخوان ونافع هنا وفي ص (١١) بكسر السين. والباقون : بضمها في الموضعين (١٢).

و (سخريا) مفعول ثان للاتخاذ (١٣). واختلف في معناها فقال الخليل (١٤)

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من ب.

(٢) آخر ما نقله عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٥ ـ ١٢٦.

(٣) أي : أنه يتعدى ولا يتعدى. اللسان (خسأ).

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٦.

(٥) في ب : وقال.

(٦) عوى الكلب والذئب يعوي عيا وعواء وعوة وعوية : لوى خطمه ، ثم صوت ، وقيل : مد صوته ولم يفصح. اللسان (عوى).

(٧) انظر البغوي ٦ / ٤٤.

(٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٢٣.

(٩) المختصر (٩٩) ، المحتسب ٢ / ٩٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٣.

(١٠) البغوي ٦ / ٤٤.

(١١) وهو قوله تعالى : «أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ» [ص : ٦٣].

(١٢) السبعة (٤٤٨) ، الحجة لا بن خالويه (٢٥٨) ، الكشف ٢ / ١٣١ ، النشر ٢ / ٣٢٩. الإتحاف (٣٢١).

(١٣) انظر التبيان ٢ / ٩٦١.

(١٤) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٢٤ ، إعراب القرآن للنحاس ٣ / ١٢٤ حجة أبي زرعة (٤٩٢) ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٣.

٢٦٤

وسيبويه (١) والكسائي (٢) وأبو زيد (٣) : هما بمعنى واحد (٤) نحو دري (٥) ودري ، وبحر لجي ولجي بضم اللام وكسرها. وقال يونس : إن أريد الخدمة والسخرة فالضم لا غير ، وإن أريد الهزء فالضم والكسر (٦) ورجح أبو علي (٧) وتبعه مكي (٨) قراءة الكسر ، قالا (٩) : لأن ما بعدها أليق لها لقوله : (وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ). ولا حجة فيه ، لأنهم جمعوا بين الأمرين سخروهم في العمل ، وسخروا منهم استهزاء. والسخرة بالتاء الاستخدام (١٠).

وسخريا بالضم منها ، والسخر بدونها الهزء والمكسور منه ، قال الأعشى :

٣٨١٣ ـ إني أتاني حديث لا أسر به

من علو (١١) لا كذب فيه ولا سخر (١٢)

ولم يختلف السبعة في ضم ما في الزخرف (١٣) ، لأن المراد الاستخدام ، وهو يقوي قول من فرق بينهما ، إلا أن ابن محيصن وابن مسلم (١٤) وأصحاب عبد الله كسروه أيضا (١٥) ، وهي مقوية لقول من جعلهما بمعنى والياء في سخريا وسخريا للنسب زيدت

__________________

(١) المراجع السابقة.

(٢) قال الفراء : (قال الكسائي : سمعت العرب تقول : بحر لجي ولجي ، ودري ودري منسوب إلى الدر ، والكرسي والكرسي. وهو كثير. وهو في مذهبه بمنزلة قولهم العصي والعصي ، والأسوة والإسوة) معاني القرآن ٢ / ٢٤٣ ، وقال النحاس : (قال الكسائي : هما لغتان بمعنى واحد كما يقال: عصي وعصي) إعراب القرآن ٣ / ١٢٤.

(٣) لم أجده في النوادر ، وهو في البحر المحيط ٦ / ٤٢٣.

(٤) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١١٤ ، البيان ٢ / ١٨٩ ، التبيان ١ / ٩٦١١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٣.

(٥) في ب : ودري.

(٦) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٤٠٧ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٣.

(٧) المرجعان السابقان.

(٨) قال مكي : (والكسر الاختيار : لصحة معناه ، ولشبهه بما بعده ، ولأن الأكثر عليه) الكشف ٢ / ١٣١.

(٩) في ب : قال.

(١٠) السخرة : ما تسخرت من دابة أو خادم بلا أجر ولا ثمن ، ويقال : سخرته بمعنى سخرته ، أي : قهرته وذللته. اللسان (سخر).

(١١) في ب : علوي.

(١٢) البيت من بحر البسيط ، قاله أعشى باهلة ، وهو مطلع قصيدته التي رثى بها أخاه المنشر بن وهب الباهلي وروي :

إني أتتني لسان لا أسر بها

من علو لا عجب منها ولا سخر

وهو في النوادر (٧٣) ، ابن يعيش ٤ / ٩٠. اللسان (سخر ، علا ، لسن) ، الخزانة ١ / ١٩١ ، ٦ / ٥١١.

من علو : أي أتاني خبر من أعلى.

واستشهد به على أن السخر والسخر ، بمعنى الهزء ، والبيت يروى بضم السين وسكون الخاء ، ويروى بفتحها.

(١٣) وهو قوله تعالى : «وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا»[الزخرف : ٣٢].

السبعة (٤٤٨) ، الحجة لا بن خالويه (٢٥٩) ، الكشف ٢ / ١٣١ ، النشر ٢ / ٣٢٩ ، الإتحاف ٣٢١.

(١٤) لعله عبد الله بن مسلم بن جندب الهلالي المدني ، أخذ عن أبيه ، وعنه ابن أبي فديك ، قال أبوزرعة : لا بأس به. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (٢١٤).

(١٥) المختصر (١٣٥) ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٣.

٢٦٥

للدلالة على قوة الفعل ، فالسخري أقوى من السخر ، كما قيل (١) في الخصوص خصوصية دلالة على قوة ذلك. قال معناه الزمخشري (٢).

فصل

اعلم أنه تعالى قرعهم بأمر يتصل بالمؤمنين قال مقاتل (٣) : إن رؤس قريش مثل أبي جهل ، وعاقبة وأبي بن خلف ، كانوا يستهزؤن بأصحاب محمد ، ويضحكون بالفقراء منهم ، كبلال ، وخباب ، وعمار ، وصهيب ، والمعنى : اتخذتموهم هزوا (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ) بتشاغلكم بهم على تلك الصفة (ذكري وكنتم منهم تضحكون) (٤) ونظيره : (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ)(٥) ثم إنه تعالى ذكر ما يوجب أسفهم وخسرانهم بأن وصف ما جازى به أولئك فقال : (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا) أي : جزيتهم اليوم الجزاء الوافر.

قوله : (أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ) قرأ الأخوان بكسر الهمزة (٦) ، استئنافا (٧).

والباقون بالفتح (٨) ، وفيه وجهان :

أظهرهما : أنّه تعليل فيكون نصبا بإضمار الخافض أي : لأنهم هم الفائزون ، وهي موافقة للأولى فإنّ الاستئناف يعلل به أيضا (٩).

والثاني : قاله الزمخشري ، ولم يذكر غيره ، أنه مفعول ثان ل «جزيتهم» أي : بأنهم أي : فوزهم(١٠) وعلى الأوّل يكون المفعول الثاني محذوفا (١١).

قوله تعالى : (قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ

__________________

(١) قيل : سقط من الأصل.

(٢) قال الزمخشري : (السّخريّ بالضم والكسر مصدر سخر كالسخر إلّا أنّ في ياء النسب زيادة قوة في الفعل كما قيل الخصوصية في الخصوص) الكشاف ٣ / ٥٧.

(٣) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٦.

(٤) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٦.

(٥) [المطففين : ٢٩].

(٦) السبعة (٤٤٨ ـ ٤٤٩) ، الحجة لابن خالويه (٢٥٩) ، الكشف ٢ / ١٣١ ـ ١٣٢ ، النشر ٢ / ٣٢٩ ـ ٣٣٠ ، الإتحاف ٣٢١.

(٧) انظر الكشاف ٣ / ٥٧ ، التبيان ٢ / ٩٦١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٤.

(٨) انظر البيان ٢ / ١٨٩ ، التبيان ٢ / ٩٦١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٤.

(٩) فهي موافقة للأولى من جهة المعنى لا من جهة الإعراب ، لاضطرار المفتوحة إلى عامل.

(١٠) قال الزمخشري : (والفتح على أنّه مفعول «جزيتهم» كقولك : جزيتهم فوزهم) الكشاف ٣ / ٥٧. وانظر أيضا : التبيان ٢ / ٩٦١.

(١١) تقديره : الجنة والرضوان. انظر البحر المحيط ٦ / ٤٢٣.

٢٦٦

فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ)(١١٨)

قوله تعالى (١) : (قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ) قرأ الأخوان : «قل كم لبثتم» «قل إن لبثتم» بالأمر في الموضعين وابن كثير كالأخوين في الأوّل فقط. والباقون : «قال» في الموضعين (٢) على الإخبار عن الله أو الملك. والفعلان مرسومان بغير ألف في مصاحف الكوفة ، وبألف في مصاحف مكة والمدينة والشام والبصرة (٣). فحمزة والكسائي وافقا مصاحف الكوفة ، وخالفها عاصم أو وافقها على تقدير حذف الألف من الرسم وإرادتها. وابن كثير وافق في الثاني مصاحف مكة ، وفي الأوّل غيرها ، أو إيّاها على تقدير حذف الألف وإرادتها. وأمّا الباقون فوافقوا مصاحفهم في الأوّل والثاني. فعلى الأمر معنى الآية : قولوا أيّها الكافرون ، فأخرج الكلام مخرج الواحد ، والمراد منه الجماعة إذ كان معناه مفهوما. ويجوز أن يكون الخطاب لكل واحد منهم ، أي : قل (٤) أيها الكافرون (٥). وأمّا على الخبر أي قال الله ـ عزوجل (٦) ـ للكفار يوم البعث (كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ)(٧) أي : في الدنيا أو في القبور. و (كم) في موضع نصب على ظرف الزمان ، أي : كم سنة ، و «عدد» بدل من «كم» قاله أبو البقاء (٨) ، وقال غيره: «عدد سنين» تمييز ل «كم» (٩) وهذا هو الصحيح. وقرأ الأعمش والمفضّل عن عاصم : «عددا» منونا (١٠) ، وفيه أوجه (١١) :

أحدها : أن يكون عددا مصدرا أقيم مقام الاسم فهو نعت مقدّم على المنعوت قاله صاحب اللوامح (١٢). يعني : أنّ الأصل سنين عددا. أي : معدودة ، لكنّه يلزم تقديم

__________________

(١) تعالى : سقط من ب.

(٢) السبعة (٤٤٩) ، الحجة لابن خالويه (٢٥٩) ، الكشف ٢ / ١٣٢ ، النشر ٢ / ٣٣٠ ، الإتحاف ٣٢١.

(٣) انظر الكشاف ٣ / ٥٧ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٤٠٩.

(٤) في ب : قل يا.

(٥) الكشاف ٣ / ٥٧ ، التبيان ٢ / ٩٦١.

(٦) في ب : تعالى.

(٧) انظر الكشاف ٣ / ٥٧ ، التبيان ٢ / ٩٦١.

(٨) قال أبو البقاء : (و «كم» : ظرف ل «لبثتم» ، أي : كم سنة أو نحوها ، و «عدد» بدل من «كم») التبيان ٢ / ٩٦١.

(٩) قال ابن عطية : (و «عدد» نصب ب «كم» على التمييز) تفسير ابن عطية ١٠ / ٤٠٩ ، وقال ابن الأنباري : «كم» منصوبة الموضع ب «لبثتم» و «عدد سنين» منصوب على التمييز. البيان ٢ / ١٨٩. وانظر البحر المحيط ٦ / ٤٢٤.

(١٠) البحر المحيط ٦ / ٤٢٤.

(١١) في ب : وجه. وهو تحريف.

(١٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٢٤.

٢٦٧

النعت على المنعوت ، فصوابه أن يقول فانتصب حالا (١) هذا مذهب البصريين.

والثاني : أن «لبثتم» بمعنى : عددتم ، فيكون نصب «عددا» على المصدر و «سنين» بدل منه. قاله (٢) صاحب اللوامح (٣) أيضا. وفيه بعد لعدم دلالة اللبث على العدد.

والثالث : أنّ «عددا» تمييز ل «كم» و «سنين» بدل منه (٤).

فصل

الغرض (٥) من هذا السؤال التبكيت والتوبيخ ، لأنّهم كانوا ينكرون لبثا في الآخرة أصلا ، ولا يعدون اللبث إلّا في دار الدنيا ، ويظنون أنّ بعد الموت يدوم الفناء ولا إعادة. فلمّا حصلوا في النار ، وأيقنوا دوامها ، وخلودهم فيها سألهم (كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ) منبّها لهم على ما ظنّوه دائما طويلا ، وهو يسير بالإضافة إلى ما أنكروه ، فحينئذ تحصل لهم الحسرة على ما كانوا يعتقدونه في الدنيا ، حيث تيقّنوا خلافه ، وهذا هو الغرض من السؤال فإن قيل : فكيف (٦) يصح أن يقولوا في جوابهم : (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ولا يقع الكذب من أهل النار؟ فالجواب : لعلّهم نسوا لكثرة ما هم فيه من الأهوال ، وقد اعترفوا بهذا النسيان وقالوا : (فَسْئَلِ الْعادِّينَ). قال ابن عباس : أنساهم ما كانوا فيه من العذاب بين النفختين.

وقيل : مرادهم بقولهم : (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) تصغير لبثهم وتحقيره بالإضافة إلى ما وقعوا فيه من العذاب (٧). وقيل : أرادوا أن لبثهم في الدنيا يوما أو بعض يوم من أيام الآخرة ، لأن يوم القيامة مقداره خمسين ألف سنة.

فصل

اختلفوا في أنّ (٨) السؤال عن أيّ لبث؟ فقيل عن لبثهم أحياء في الدنيا ، فأجابوا بأنّ قدر لبثهم كان يسيرا بناء على أنّ الله أعلمهم أنّ الدنيا متاع قليل وأن الآخرة هي دار القرار.

وقيل : المراد اللبث في حال الموت ، لأنّ قوله : (فِي الْأَرْضِ) يفيد الكون في الأرض أي : في القبر ، والحيّ إنّما يقال فيه أنّه على الأرض. وهذا ضعيف لقوله : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ)(٩) ، واستدلوا أيضا بقوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ)(١٠)(١١) ثم قالوا : (فَسْئَلِ الْعادِّينَ) أي : الملائكة الذين يحفظون أعمال

__________________

(١) وذلك لامتناع جواز تقديم الصفة على الموصوف. لأنّ الصفة تجري مجرى الصلة في الإيضاح فلا يجوز تقديمها على الموصوف كما لا يجوز تقديم الصلة على الموصول ، وإذا لم يجز تقديمها صفة عدل إلى الحال. شرح المفصل ٢ / ٦٣ ـ ٦٤.

(٢) في النسختين : قال. والصواب ما أثبته.

(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ١٤٢٤.

(٤) انظر التبيان ٢ / ٩٦١ ـ ٩٦٢.

(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٧.

(٦) في ب : كيف.

(٧) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٧.

(٨) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٧ ـ ١٢٧.

(٩) [الأعراف : ٥٦ ، ٨٥].

(١٠) [الروم : ٥٥].

(١١) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٧ ـ ١٢٨.

٢٦٨

بني آدم ويحصونها عليهم ، وهذا قول عكرمة. وقيل الملائكة الذين يعدّون أيام الدنيا. وقيل : المعنى سل من يعرف عدد ذلك فإنّا نسيناه (١). وقرىء «العادين» بالتخفيف ، وهي قراءة الحسن والكسائي في رواية (٢) جمع (عادي) اسم فاعل من (عدا) أي : الظلمة فإنّهم يقولون مثل ما قلنا (٣).

وقيل : العادين : القدماء المعمرين ، فإنّهم سيقصرونها. قال (٤) أبو البقاء : كقولك : هذا بئر عادية (٥) ، أي ؛ سل من تقدّمنا ، وحذف إحدى ياءي النسب كما قالوا : الأشعرون ، وحذفت الأخرى لالتقاء الساكنين (٦). قال شهاب الدين : المحذوف أوّلا الياء الثانية ، لأنّها المتحركة وبحذفها يلتقي ساكنان (٧). ويؤيد ما ذكره أبو البقاء ما نقله الزمخشري قال : وقرىء (العاديين (٨) أي : القدماء المعمرين ، فإنهم يستقصرونها ، فكيف بمن دونهم (٩)؟ قال ابن خالويه : ولغة أخرى العاديّين (١٠) يعني : بياء مشددة جمع عاديّة بمعنى القدماء) (١١)(١٢).

فصل

احتجّ من أنكر عذاب القبر بهذه الآية فقال : قوله : (كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ) يتناول زمان كونهم أحياء فوق الأرض ، وزمان كونهم أمواتا في بطن الأرض ، فلو كانوا معذبين في القبر لعلموا أنّ مدة مكثهم في الأرض طويلة ، فلم يقولوا : (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ).

والجواب من وجهين :

الأول : أنّ الجواب لا بدّ وأن يكون بحسب السؤال ، وإنّما سألوا عن موت لا حياة (١٣) بعده إلّا في الآخرة ، وذلك لا يكون إلّا بعد عذاب القبر.

والثاني : يحتمل أن يكونوا سألوا عن قدر اللبث الذي اجتمعوا فيه ، فلا مدخل في (١٤) تقدّم (١٥) موت بعضهم على بعض فيصح أن يكون جوابهم (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) عند أنفسنا (١٦).

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٨.

(٢) المختصر (٩٩) ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٤.

(٣) انظر الكشاف ٣ / ٥٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٤.

(٤) في ب : قاله.

(٥) شجرة عادية أي قديمة ، كأنها نسبت إلى عاد ، وهم قوم هود النبي ـ صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم ـ وكل قديم ينسبونه إلى عاد وإن لم يدركهم. اللسان (عدا).

(٦) التبيان ٢ / ٩٦٢ ، البيان ٢ / ١٩٠.

(٧) الدر المصون : ٥ / ٩٥.

(٨) في ب : العادين.

(٩) الكشاف ٣ / ٥٨.

(١٠) المختصر (٩٩).

(١١) البحر المحيط ٦ / ٤٢٤.

(١٢) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(١٣) في ب : إلا حياة.

(١٤) في : سقط من ب.

(١٥) في ب : وتقدم.

(١٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٨.

٢٦٩

قوله : (إِنْ لَبِثْتُمْ) أي (١) : ما لبثتم (إِلَّا قَلِيلاً) ، وكأنه قيل لهم : صدقتم (٢) ما لبثتم فيها إلّا قليلا ، لأنها في مقابلة أيام الآخرة (٣).

قوله : (لَوْ أَنَّكُمْ) جوابها محذوف تقديره : لو كنتم تعلمون مقدار لبثكم من الطول لما أجبتم بهذه المدة. وانتصب «قليلا» (على النعت) (٤) لزمن (٥) محذوف (أو لمصدر محذوف) (٦) أي : إلّا زمنا قليلا ، أو إلّا لبثا قليلا (٧).

قوله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) الآية في نصب (عبثا) وجهان :

أحدهما : أنّه مصدر واقع موقع الحال أي : عابثين.

والثاني : أنه مفعول من أجله أي : لأجل العبث (٨). والعبث : اللعب ، وما لا فائدة فيه ، أي : لتعبثوا (٩) وتلعبوا ، كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب ، وكل ما ليس له غرض صحيح. يقال : عبث يعبث عبثا إذا خلط عليه بلعب ، وأصله من قولهم عبثت (١٠) الأقط (١١) ، أي : خلطته (١٢) ، والعبيث : طعام مخلوط بشيء ، ومنه العوبثاني لتمر وسويق وسمن مختلط. قوله : (وَأَنَّكُمْ) يجوز أن يكون معطوفا على (أنّما خلقناكم) لكون الحسبان منسحبا عليه (١٣) وأن يكون معطوفا على (عبثا) إذا كان مفعولا من أجله.

قال الزمخشري : ويجوز أن يكون معطوفا على (عبثا) أي : للعبث ولترككم غير مرجوعين (١٤) وقدّم «إلينا» على (تُرْجَعُونَ) لأجل الفواصل.

قوله : (لا تُرْجَعُونَ) هو خبر «أنّكم» (١٥) ، وقرأ الأخوان (١٦) «ترجعون» مبنيا للفاعل ، والباقون مبنيا للمفعول (١٧). وقد تقدّم أن (رجع) يكون لازما ومتعديا (١٨). وقيل : لا يكون إلا متعدّيا ، والمفعول محذوف.

__________________

(١) أي : سقط من ب.

(٢) في ب : صدقهم. وهو تحريف.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٨.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) في ب : بزمن.

(٦) انظر التبيان ٢ / ٩٦٢.

(٧) انظر الكشاف ٣ / ٥٨ ، التبيان ٢ / ٩٦٢ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٤.

(٨) في ب : لعبثوا. وهو تحريف.

(٩) في ب : عبث.

(١٠) الأقط : شيء يتخذ من اللبن المخيض يطبخ ثم يترك حتى يمصل. اللسان (أقط).

(١١) في ب : خلطه.

(١٢) اللسان (عبث).

(١٣) انظر الكشاف ٣ / ٥٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٤.

(١٤) الكشاف ٣ / ٥٨.

(١٥) في ب : لكم. وهو تحريف.

(١٦) حمزة والكسائي.

(١٧) السبعة (٤٤٩ ـ ٤٥٠) الحجة لابن خالويه (٢٥٩) الكشف ٢ / ١٣٨ ، النشر ٢ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩ ، الإتحاف ٣٢١.

(١٨) عند قوله تعالى : «وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ» [البقرة : ٢٨١] انظر اللباب ٢ / ١٤٢.

٢٧٠

فصل

لما شرح صفات القيامة استدل على وجودها بأنّه لو لا القيامة لما تميّز المطيع عن العاصي ، والصديق عن الزنديق ، وحينئذ يكون هذا العالم عبثا (١) ، وهو كقوله : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً)(٢). والمعنى : أنّما خلقتم للعبادة وإقامة أوامر الله عزوجل (٣).

روي أن رجلا مصابا مرّ به على ابن مسعود فرقاه (٤) في أذنيه (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) حتى ختمها ، فبرأ ، (فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بماذا رقيته في أذنه فأخبره) (٥) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والذي نفسي بيده لو أنّ رجلا موقنا قرأها على جبل لزال» (٦) ثم نزّه نفسه عما يصفه به المشركون فقال : (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) ، والملك : هو المالك للأشياء الذي لا يزول ملكه وقدرته ، والحقّ : هو الذي يحق له الملك ، لأنّ كل شيء منه وإليه ، والثابت الذي لا يزول ملكه (٧).

(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) قرأ العامة «الكريم» مجرورا نعتا للعرش ، وصف بذلك لتنزّل الخيرات منه والبركات والرحمة. أو لنسبته (٨) إلى أكرم الأكرمين ، كما يقال : بيت كريم إذا كان ساكنوه كراما (٩). وقرأ أبو جعفر وابن محيصن وإسماعيل عن (١٠) ابن كثير وأبان بن تغلب بالرفع (١١) وفيه وجهان :

أحدهما : أنّه نعت للعرش أيضا ، ولكنه قطع عن إعرابه لأجل المدح على خبر مبتدأ مضمر. وهذا جيّد لتوافق القراءتين في المعنى.

والثاني : أنه نعت ل (ربّ) (١٢).

فصل

قال المفسرون : العرش السرير الحسن. وقيل : المرتفع (١٣). وقال أبو مسلم : العرش هنا السموات بما فيها من العرش الذي تطوف به الملائكة ، ويجوز أن يراد به

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٩.

(٢) [القيامة : ٣٦].

(٣) في ب : تعالى.

(٤) في ب : فرواه. وهو تحريف.

(٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(٦) أخرجه الترمذي وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن السني وأبو نعيم وابن مردويه عن ابن مسعود. الدر المنثور ٥ / ١٧.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٩.

(٨) في ب : أو نسبة. وهو تحريف.

(٩) انظر الكشاف ٣ / ٥٨ ، الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٤.

(١٠) في ب : وعن.

(١١) المختصر (٩٩) ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٤ ، الإتحاف ٣٢١.

(١٢) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٤١١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٤.

(١٣) انظر البغوي ٦ / ٤٨.

٢٧١

الملك العظيم (١). والأكثرون : على أنّه العرش حقيقة (٢).

قوله : (وَمَنْ يَدْعُ) شرط ، وفي جوابه وجهان :

أحدهما (٣) : أنه (٤) قوله : (فَإِنَّما (٥) حِسابُهُ) ، وعلى هذا ففي الجملة المنفية وهي قوله : (لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) وجهان :

أحدهما : أنها صفة ، ل «إلها» (٦) وهي صفة لازمة (٧) ، أي : لا يكون الإله المدعو من دون الله إلّا كذا ، فليس لها مفهوم لفساد المعنى. ومثله (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ)(٨) لا يفهم أنّ ثمّ إلها آخر مدعوّا من دون الله له برهان ، وأن ثمّ طائرا (٩) يطير بغير جناحيه.

والثاني : أنها جملة اعتراض بين الشرط وجوابه ، وإلى (١٠) الوجهين أشار الزمخشري بقوله وهي صفة لازمة كقوله : (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ)(١١) جيء بها للتوكيد لا أن يكون في الآلهة ما يجوز أن يقوم عليه برهان ، ويجوز أن يكون اعتراضا بين الشرط والجزاء كقولك : من أحسن إلى زيد لا أحد أحقّ بالإحسان منه فالله مثيبه (١٢).

والثاني من الوجهين الأولين : أن جواب الشرط قوله : (لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) كأنه فرّ من مفهوم الصفة لما يلزم من فساده ، فوقع في شيء لا يجوز إلّا في ضرورة شعر ، وهو حذف فاء الجزاء من الجملة الاسمية (١٣) كقوله :

٣٨١٤ ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها

والشّرّ بالشّر عند الله سيّان (١٤)

وقد تقدّم تخريج كون (لا بُرْهانَ لَهُ) على الصفة ، ولا إشكال ، لأنها صفة لازمة ، أو على أنها جملة اعتراض (١٥).

فصل

لمّا بيّن أنّه (الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ) أتبعه بأن من ادّعى إلها آخر فقد ادّعى

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٩.

(٢) المرجع السابق.

(٣) في ب : أصحهما.

(٤) في الأصل : صفه أنه.

(٥) في ب : فإنه. وهو تحريف.

(٦) في ب : لأنها. وهو تحريف.

(٧) انظر الكشاف ٣ / ٥٨ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٤١١ ، التبيان ٢ / ٩٦٢ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٤ ـ ٤٢٥.

(٨) [الأنعام : ٣٨].

(٩) في ب : طائر.

(١٠) في ب : وال. وهو تحريف.

(١١) [الأنعام : ٣٨].

(١٢) الكشاف ٣ / ٤٢٥.

(١٣) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٤١١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٥.

(١٤) البيت من بحر البسيط ، قاله حسان بن ثابت ، وليس في ديوانه ، وقيل : عبد الرحمن بن حسان ، وقيل : كعب بن مالك.

وقد تقدم.

(١٥) انظر الوجه الأول ، وقد تقدم قريبا.

٢٧٢

باطلا ، لأنه (لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) لا حجّة ولا بيّنة ، لأنه لا حجّة في دعوى الشرك ، وهذا يدل على صحة النظر وفساد التقليد. ثم قال : (فَإِنَّما حِسابُهُ) أي : جزاؤه عند ربه يجازيه بعمله كما قال : (إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ)(١) كأنّه قال : إن عقابه بلغ إلى حيث لا يقدر أحد على حسابه إلّا الله (٢).

قوله : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) فشتّان ما بين فاتحة السورة وخاتمتها. قرأ الجمهور بكسر همزة (إنّه) على الاستئناف المفيد للعلة (٣). وقرأ الحسن وقتادة «أنّه» بالفتح (٤) ، وخرّجه الزمخشري على أن يكون خبر «حسابه» قال : ومعناه حسابه عدم الفلاح ، والأصل حساب أنّه لا يفلح هو ، فوضع الكافرون في موضع الضمير ، لأن «من يدع» في موضع الجمع ، وكذلك حسابه أنّه لا يفلح في معنى حسابهم أنهم لا يفلحون (٥). انتهى.

ويجوز أن يكون ذلك على حذف حرف العلة أي : لأنّه لا يفلح (٦). وقرأ الحسن : (لا يُفْلِحُ)(٧) مضارع (فلح) بمعنى (أفلح) (فعل) و (أفعل) فيه بمعنى ، والله أعلم.

فصل

المعنى لا يسعد من جحد وكذّب ، وأمر الرسول بأن يقول : (رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ) ويثني عليه بأن (خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) ، وقد تقدّم بيان كونه (أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(٨).

فإن قيل : كيف اتصال هذه الخاتمة بما قبلها؟

فالجواب : أنّه سبحانه لما شرح أحوال الكفار في جهلهم في الدنيا وعذابهم في الآخرة أمر بالانقطاع إلى الله والالتجاء إلى غفرانه ورحمته ، فإنهما العاصمان عن كل الآفات والمخافات (٩).

روي أنّ أوّل سورة (قد أفلح) وآخرها من كنوز العرش من عمل بثلاث آيات من أولها ، واتعظ بأربع من آخرها فقد نجا وأفلح (١٠). وروى الثعلبي في تفسيره عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة المؤمنون بشرته الملائكة بالرّوح والرّيحان ، وما تقرّ به عينه عند نزول ملك الموت» (١١).

__________________

(١) [الغاشية : ٢٦].

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٩.

(٣) انظر التبيان ٢ / ٩٦٢ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٥.

(٤) المختصر (٩٩) ، المحتسب ٢ / ٩٨ ، الكشاف ٣ / ٥٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٥.

(٥) الكشاف ٣ / ٥٨.

(٦) انظر التبيان ٢ / ٩٦٢.

(٧) المختصر (٩٩) ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٥.

(٨) عند قوله تعالى : «وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» [الأنبياء : ٣٨].

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٩.

(١٠) انظر الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (١١٦) ، وفيه قال ابن حجر لم أجده.

(١١) انظر الكافي الشاف (١١٦).

٢٧٣

سورة النور

مدنية (١) وهي أربع وستون آية ، وألف وثلاثمائة (٢) وست عشرة كلمة ، وخمسة آلاف وستمائة وثمانون حرفا.

بسم الله الرحمن الرحيم (٣)

قوله تعالى : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(٢)

(قوله تعالى) (٤) : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها) الآية.

قرأ العامة «سورة» بالرفع ، وفيه (٥) وجهان :

أحدهما : أن تكون مبتدأ ، والجملة بعدها صفة لها ، وذلك هو المسوّغ للابتداء بالنكرة ، وفي الخبر وجهان :

أحدهما : أنه الجملة من قوله : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي).

(وإلى هذا نحا ابن عطية فإنه قال : ويجوز أن تكون مبتدأ ، والخبر (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي)) (٦) وما بعد ذلك. والمعنى : السورة المنزّلة والمفروضة كذا وكذا ، إذ السورة عبارة عن آيات مسرودة لها بدء وختم(٧).

والثاني : أن الخبر محذوف ، أي : فيما يتلى عليكم سورة ، أو فيما أنزلنا سورة (٨).

والوجه الثاني من الوجهين الأولين : أن تكون خبرا لمبتدأ مضمر ، أي : هذه (سورة (٩)) (١٠).

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من ب.

(٢) وثلاثمائة : سقط من ب.

(٣) في ب : تفسير سورة النور بسم الله الرحمن الرحيم.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) في ب : وفيها.

(٦) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(٧) تفسير ابن عطية ١٠ / ٤١٤.

(٨) الكشاف ٣ / ٥٩.

(٩) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١١٥ ، الكشاف ٣ / ٥٩ ، البيان ٢ / ٩١٣.

(١٠) ما بين القوسين في ب : السورة.

٢٧٤

وقال أبو البقاء : (سورة) بالرفع على تقدير : هذه سورة ، أو فيما يتلى عليك (١) سورة ، فلا تكون (سورة) مبتدأ ، لأنها نكرة (٢).

وهذه عبارة مشكلة على ظاهرها ، كيف يقول : «لا تكون مبتدأ» مع تقديره : فيما يتلى عليك سورة؟ وكيف يعلّل المنع بأنها نكرة مع تقديره لخبرها جارا مقدما عليها ، وهو مسوغ للابتداء بالنكرة؟ وقرأ عمر (٣) بن عبد العزيز وعيسى الثقفي وعيسى الكوفي ومجاهد وأبو حيوة وطلحة بن مصرف «سورة» بالنصب (٤) ، وفيها (٥) أوجه :

أحدها : أنها منصوبة بفعل مقدّر غير مفسّر بما بعده ، تقديره : «اتل سورة» أو «اقرأ سورة»(٦).

والثاني : أنها منصوبة بفعل مضمر يفسره ما بعده ، والمسألة من الاشتغال ، تقديره : «أنزلنا سورة (أنزلناها (٧)») (٨).

والفرق بين الوجهين : أنّ الجملة بعد «سورة» في محل نصب على الأول ، ولا محل لها على الثاني (٩).

الثالث : أنها منصوبة على الإغراء ، أي : دونك سورة ، قاله الزمخشري (١٠). ورده أبو حيان بأنه لا يجوز حذف أداة الإغراء (١١). واستشكل أبو حيان أيضا على وجه الاشتغال جواز الابتداء بالنكرة من غير مسوغ (١٢) ، ومعنى ذلك أنه ما من موضع يجوز (فيه) (١٢) النصب على الاشتغال إلّا ويجوز أن يرفع على الابتداء ، وهنا لو رفعت «سورة» بالابتداء لم يجز ، إذ لا مسوغ ، فلا يقال : «رجلا (١٣) ضربته» لامتناع «رجل ضربته» ، ثم أجاب بأنه إن اعتقد حذف وصف جاز ، أي : «سورة معظّمة (١٤) أو موضّحة أنزلناها» فيجوز ذلك (١٥).

الرابع : أنها منصوبة على الحال من «ها» في «أنزلناها» ، والحال من المكنيّ يجوز أن يتقدم عليه ، قاله الفراء (١٦).

__________________

(١) في ب : عليكم.

(٢) التبيان ٢ / ٩١٣.

(٣) في النسختين : الحسن. والصواب ما أثبته.

(٤) المختصر (١٠٠) ، والمحتسب ٢ / ٩٩.

(٥) في ب : وفيه.

(٦) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١١٦ ، المحتسب ٢ / ٩٩ ـ ١٠٠ ، الكشاف ٣ / ٥٩ ، التبيان ٢ / ٩٦٣.

(٧) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١١٥ ، المحتسب ٢ / ٩٩ ، الكشاف ٣ / ٥٩ ، البيان ٢ / ١٩١ ، التبيان ٢ / ٩٦٣.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) لأن الجملة في الوجه الأول صفة ل «سورة» تابعة لها في إعرابها ، وفي الوجه الثاني مفسرة ، والجملة المفسرة لا محل لها من الإعراب. انظر المحتسب ٢ / ١٠٠.

(١٠) انظر الكشاف ٣ / ٥٩.

(١١) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٢٧.

(١٢) فيه : تكملة ليست في المخطوط.

(١٢) فيه : تكملة ليست في المخطوط.

(١٣) في ب : رجل. وهو تحريف.

(١٤) في ب : عظيمة.

(١٥) البحر المحيط ٦ / ٤٢٧.

(١٦) معاني القرآن ٢٤٤.

٢٧٥

وعلى هذا فالضمير في «أنزلناها» ليس عائدا على «سورة» بل على الأحكام ، كأنه قيل : أنزلنا الأحكام سورة من سور القرآن ، فهذه الأحكام ثابتة بالقرآن بخلاف غيرها فإنه قد ثبت بالسّنّة (١) ، وتقدم معنى الإنزال.

قوله (٢) : (وَفَرَضْناها) قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتشديد (٣). والباقون بالتخفيف (٤).

فالتشديد إمّا للمبالغة في الإيجاب وتوكيد ، وإمّا لتكثير المفروض عليهم ، وإمّا لتكثير الشيء المفروض. والتخفيف بمعنى : أوجبناها وجعلناها مقطوعا بها. وقيل : ألزمناكم العمل بها وقيل : قدرنا ما فيها من الحدود.

والفرض : التقدير ، قال الله (تعالى) (٥) : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ)(٦) أي : قدرتم ، (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ)(٧). ثم إنّ السورة لا يمكن فرضها لأنها قد دخلت في الوجود ، وتحصيل الحاصل محال ، فوجب أن يكون المراد : فرضنا ما بيّن فيها من الأحكام (٨) ، ثم قال : (وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ (٩) بَيِّناتٍ) واضحات. (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) تتعظون ، وأراد ب «الآيات» ما ذكر في السورة من الأحكام والحدود ودلائل التوحيد.

وقرىء «تذكّرون» بتشديد الذال وتخفيفها (١٠). وتقدم معنى «لعلّ» في سورة البقرة (١١).

قال القاضي : «لعلّ» بمعنى «كي» (١٢).

فإن قيل : الإنزال يكون من صعود إلى نزول ، وهذا يدل على أنه تعالى في جهة؟

فالجواب : أن جبريل كان يحفظها من اللوح ثم ينزلها (١٣) على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقيل : «أنزلناها» توسعا.

وقيل : إن الله تعالى أنزلها من أم الكتاب إلى السماء الدنيا دفعة واحدة ، ثم أنزلها بعد ذلك على لسان جبريل ـ عليه‌السلام (١٤) ـ.

__________________

(١) في ب : بالنسبة. وهو تحريف.

(٢) قوله : سقط من ب.

(٣) في ب : بالتشد.

(٤) السبعة (٤٥٢) ، الحجة لابن خالويه (٢٥٩) ، الكشف ٢ / ١٣٣ ، النشر ٢ / ٣٣٠ ، الإتحاف ٣٢٢.

(٥) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(٦) من قوله تعالى : «وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» [البقرة : ٢٣٧].

(٧) [القصص : ٨٥].

(٨) الفخر الرازي ٢٣ / ١٣٠.

(٩) آيات : سقط من ب.

(١٠) الكشاف ٣ / ٥٩.

(١١) عند قوله تعالى : «يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» [البقرة : ٢١].

(١٢) انظر الفخر الرازي ١٣ / ١٣١.

(١٣) في ب : ينزل بها.

(١٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

٢٧٦

وقيل : معنى «أنزلناها» : أعطيناها الرسول ، كما يقول العبد إذا كلم (١) سيّده : رفعت إليه حاجتي ، كذلك يكون من السيد إلى العبد الإنزال ، قال الله تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (٢) (٣).

قوله تعالى (٤) : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) في رفعهما (٥) وجهان :

مذهب سيبويه : أنه مبتدأ ، وخبره محذوف ، أي : فيما يتلى عليكم حكم الزّانية ، ثم بيّن ذلك بقوله : «فاجلدوا» ... إلى آخره (٦).

والثاني وهو مذهب الأخفش وغيره : أنه مبتدأ ، والخبر جملة الأمر (٧) ، ودخلت الفاء لشبه المبتدأ بالشرط ، ولكون (٨) الألف واللام بمعنى الذي (٩) ، تقديره : من زنا فاجلده ، أو التي (١٠) زنت والذي زنا فاجلدوهما (١١) ، وتقدم الكلام على هذه المسألة في قوله : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما)(١٢) وعند قوله : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ)(١٣) فأغنى عن إعادته (١٤).

وقرأ عيسى الثقفي ويحيى بن يعمر وعمرو بن فائد وأبو جعفر وأبو شيبة ورويس (١٥)

__________________

(١) في ب : كلمة. وهو تحريف.

(٢) [فاطر : ١٠].

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٣٠.

(٤) تعالى : سقط من ب.

(٥) في ب : رفعها.

(٦) قال سيبويه : (وكذلك «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي» كأنه لما قال جل ثناؤه : «سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها» قال : في الفرائض الزانية والزاني ، أو الزانية والزاني في الفرائض ، ثم قال : «فاجلدوا» فجاء بالفعل بعد أن قضى فيهما الرفع) الكتاب ١ / ١٤٣.

وانظر أيضا مشكل إعراب القرآن ٢ / ١١٦ ، الكشاف ٣ / ٥٩ ، البيان ٢ / ١٩١ ، التبيان ٢ / ٩٦٣ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٧.

(٧) قال الأخفش : (وقد قرأها قوم نصبا إذ كان الفعل يقع على ما هو من سبب الأول ، وهو في الأمر والنهي) معاني القرآن ١ / ٢٤٧. وانظر أيضا مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٦ ، الكشاف ٣ / ٥٩ ، البيان ٢ / ١٩١ ، التبيان ٢ / ٩٦٣ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٧.

(٨) في ب : هو أن. وهو تحريف.

(٩) في ب : بمعنى الألف الذي. وهو تحريف.

(١٠) في النسختين : الذي. والصواب ما أثبته.

(١١) تقدم الكلام على زيادة الفاء في خبر المبتدأ عند قوله تعالى : «رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ» [مريم : ٦٥].

(١٢) [النساء : ١٦].

(١٣) [المائدة : ٣٨].

(١٤) ذكر هناك ما ذكره هنا وترتب على ذلك أنه على قول سيبويه ومن وافقه يكون الكلام جملتين الأولى خبرية والثانية أمرية ، والفاء للربط بينهما ، وعلى قول الأخفش الكلام جملة واحدة خبرية من مبتدأ وخبر. انظر اللباب ٣ / ٣٤ ، ٣٧ ، ٢٤٩.

(١٥) هو محمد بن المتوكل أبو عبد الله اللؤلؤي البصري المعروف برويس مقرىء حاذق ضابط مشهور ، أخذ القراءة عن يعقوب الحضرمي ، وروى القراءة عنه محمد بن هارون التمار ، وغيره. مات سنة ٢٣٨ ه‍. طبقات القراء ٢ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥.

٢٧٧

بالنصب (١) على الاشتغال (٢).

قال الزمخشري : «وهو أحسن (٣) من (سورة أنزلناها) لأجل الأمر» (٤).

وقرىء : «والزّان» (٥) بلا ياء (٦).

ومعنى «فاجلدوا» : فاضربوا (كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) ، يقال : جلده : إذا ضرب جلده ، كما يقال : رأسه وبطنه : إذا ضرب رأسه وبطنه ، وذكر بلفظ الجلد لئلا يبرح ، ولا يضرب بحيث يبلغ اللحم.

قوله (تعالى) (٧) : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ) : رحمة ورقة.

قرأ العامة هنا وفي الحديد (٨) بسكون همزة «رأفة». وابن كثير بفتحها (٩).

وقرأ ابن جريج وتروى أيضا عن ابن كثير وعاصم «رآفة» بألف بعد الهمزة (١٠) بزنة «سحابة». وكلها مصادر ل «رأف به يرؤف» ، وتقدم معناه ، وأشهر المصادر الأول ، ونقل أبو البقاء فيها لغة رابعة ، وهي إبدال الهمزة ألفا (١١) ، وهذا ظاهر.

وقرأ العامة «تأخذكم» بتاء التأنيث مراعاة للفظ.

وعليّ بن أبي طالب والسّلميّ ومجاهد بالياء من تحت (١٢) ، لأنّ التأنيث مجازيّ ، وللفصل (١٣) بالمفعول والجار (١٤).

__________________

(١) المختصر (١٠٠) ، المحتسب ٢ / ١٠٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٧.

(٢) قال ابن جني عند توجيهه لهذه القراءة : (وهذا منصوب بفعل مضمر أيضا ، أي : اجلدوا الزانية والزاني ، فلما أضمر الفعل فسره بقوله : «فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ»وجاز دخول الفاء في هذا الوجه لأنه موضع أمر ، ولا يجوز زيدا فضربته لأنه خبر) المحتسب ٢ / ١٠٠.

(٣) يريد أن نصب الزانية والزاني أحسن من نصب سورة لأجل الأمر.

(٤) الكشاف ٣ / ٥٩.

(٥) في ب : والزاني. وهو تحريف.

(٦) قال الفراء : (وهي في قراءة عبد الله محذوفه الياء (الزّان) مثل ما جرى في كتاب الله كثيرا من حذف الياء من : الداع ، والمناد ، والمهتد ، وما أشبه ذلك) معاني القرآن ٢ / ٢٤٥ وانظر المختصر (١٠٠).

وهي قراءة شاذة غير متواترة كما أنها ضعيفة إذ حذفت لام الكلمة دون موجب للحذف لأنه لم يقع بعدها ساكن.

(٧) تعالى : سقط من الأصل.

(٨) يشير إلى قوله تعالى : «وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً» [الحديد : ٢٣].

(٩) أي بفتح الهمزة هنا ، وإسكانها في الحديد. السبعة (٤٥٢) ، الكشف ٢ / ١٣٣ ، النشر ٢ / ٢٣٠ الإتحاف (٣٢٢).

(١٠) المختصر (١٠٠) ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٩.

(١١) قال أبو البقاء : (والرأفة فيها أربعة أوجه : إسكان الهمزة ، وفتحها ، وإبدالها ألفا وزيادة ألف بعدها ، وكلّ ذلك لغات قد قرىء بها) التبيان ٢ / ٩٦٤.

(١٢) معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٤٥ ، المختصر (١٠٠) ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٩.

(١٣) في ب : والفصل.

(١٤) في ب : والحال. وهو تحريف.

٢٧٨

و «بهما» يتعلق ب «تأخذكم» ، أو بمحذوف على سبيل البيان ، ولا يتعلق ب «رأفة» لأن المصدر لا يتقدم (١) عليه معمولا ، و «دين الله» متعلّق بالفعل قبله أيضا (٢).

وهذه الجملة (٣) دالة على جواب (٤) الشرط بعدها (٥) ، أو (٦) هي الجواب عند بعضهم (٧).

فصل

الزنا حرام ، وهو من الكبائر ، لأن الله تعالى قرنه بالشرك وقتل النفس في قوله : (وَلا يَزْنُونَ)(٨) ، وقال (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى)(٩) ، وقال عليه‌السلام (١٠) : «يا معشر الناس اتقوا الزّنا فإنّ فيه ست خصال : ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة ، أما التي في الدنيا : فيذهب البهاء ، ويورث الفقر ، وينقص العمر. وأما اللاتي (١١) في الآخرة : فسخط الله ، وسوء الحساب ، وعذاب (النار (١٢)»)(١٣).

قال بعض العلماء في حدّ الزنا : إنه عبارة عن إيلاج فرج في فرج مشتهى طبعا محرم قطعا (١٤).

واختلف العلماء في اللواط ، هل يسمى زنا أم لا؟

فقيل : نعم لقوله ـ عليه‌السلام (١٥) ـ : «إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان» (١٦) ، ولدخوله في حدّ الزنا المتقدم. وقيل : لا يسمى زنا ، لأنه في العرف لا يسمى زانيا ، ولو حلف لا يزني فلاط لم يحنث ، ولأن الصحابة اختلفوا في حكم اللواط وكانوا عالمين باللغة. وأما الحديث فمحمول على الإثم (بدليل قوله ـ عليه‌السلام ـ) (١٧) : «إذا أتت

__________________

(١) في : ولا يتعلق. وهو تحريف.

(٢) انظر التبيان ٢ / ٩٦٤.

(٣) وهي قوله تعالى : «وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ» [النور : ٢].

(٤) في ب : وجوب. وهو تحريف.

(٥) وهو قوله : «إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ» [النور : ٢]. أي : فتعطلوا الحدود ولا تقيموها. وهو قول مجاهد والشعبي وابن زيد ، والنهي في الظاهر للرأفة والمراد ما تدعو إليه الرأفة وهو تعطيل الحدود أو نقصها. معاني القرآن ٢ / ٢٤٥ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٩.

(٦) في ب : و.

(٧) هو ظاهر كلام الزمخشري ، فإنه قال : (وقوله : «إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» من باب التهييج وإلهاب الغضب لله ولدينه) الكشاف ٣ / ٦٠.

(٨) من قوله تعالى : «وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً» [الفرقان : ٦٨].

(٩) من قوله تعالى : «وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً» [الإسراء : ٣٢].

(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١١) في ب : التي.

(١٢) انظر الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (١١٦).

(١٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٣٢.

(١٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٦) ذكره الفخر الرازي. انظر تفسيره ٢٣ / ١٣٢.

(١٧) ما بين القوسين سقط من ب.

٢٧٩

المرأة المرأة فهما زانيتان» (١) ، وقوله عليه‌السلام (٢) : «اليدان تزنيان ، والعينان تزنيان» (٣). وأما دخوله في مسمى الفرج لما فيه من الانفراج فبعيد ، لأن العين والفم منفرجان ولا يسميان فرجا ، وسمي النجم نجما لظهوره ، وما سموا كل ظاهر نجما ، وسموا الجنين جنينا لاستتاره ، وما سمّوا كل مستتر جنينا (٤).

واختلفوا (٥) في حدّ اللوطي :

فقيل : حدّ الزنا ، إن كان محصنا رجم ، وإن كان غير محصن جلد وغرب (٦).

وقيل : يقتل الفاعل والمفعول مطلقا (٧).

واختلفوا في كيفية قتله :

فقيل : تضرب رقبته كالمرتد لقوله عليه‌السلام (٨) : «من عمل عمل قوم لوط فاقتلوه» (٩).

وقيل : يرجم بالحجارة (١٠).

وقيل : يهدم عليه جدار (١١).

وقيل : يرمى من شاهق ، لأن الله تعالى عذب قوم لوط بكل ذلك (١٢).

وقيل : يعزّر الفاعل (١٣) ، وأما المفعول فعليه القتل إن (١٤) قلنا يقتل الفاعل ، وإن قلنا على الفاعل حدّ الزنا فعلى المفعول جلد مائة وتغريب عام محصنا كان أو غير محصن.

وقيل : إن كانت امرأة (١٥) محصنة فعليها الرجم (١٦).

فصل

وأجمعت الأمة على حرمة إتيان البهيمة ، واختلفوا في حدّه :

__________________

(١) ذكره الفخر الرازي. انظر تفسيره ٢٣ / ١٣٣.

(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٣) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٢ / ٣٤٣ ، ٣٤٤ ، ٣٧٢ ، ٤١١ ، ٥٢٨ ، ٥٣٥ ، ٥٣٦.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٣٢ ـ ١٣٣.

(٥) في ب : واختلف.

(٦) في ب : رجم وعذب. وهو تحريف.

(٧) القولان للإمام الشافعي ، وأصحهما الأول. انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٣٣.

(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٩) أخرجه أبو داود (حدود) ٤ / ٦٠٧ ـ ٦٠٨ ، الترمذي (حدود) ٣ / ٨ ، ابن ماجه (حدود) ٢ / ٨٥٦.

(١٠) وهو قول مالك وأحمد وإسحاق. انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٣٣.

(١١) يروى ذلك عن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ.

(١٢) قال تعالى : «فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ» [الحجر : ٧٤].

(١٣) ذلك عند أبي حنيفة. انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٣٣.

(١٤) في ب : وإن.

(١٥) امرأة : سقط من ب.

(١٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٣٣.

٢٨٠