اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٤٠

جعل النار بردا وسلاما لا أنّ هناك كلاما (١) كقوله : (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(٢) أي : يكونه. واحتج عليه بأن النار جماد فلا يجوز خطابه.

والأكثرون على أنه وجد ذلك القول ، ثم هؤلاء لهم قولان :

أحدهما : قال السّديّ : القائل هو جبريل.

والثاني : قول الأكثرين إنّ القائل هو الله تعالى ، وهو الأقرب الأليق بالظاهر.

وقوله : النار جماد فلا يكون في خطابها فائدة.

فالجواب : لم لا يجوز أن يكون المقصود من ذلك الأمر مصلحة عائدة إلى الملائكة.

فصل (٣)

اختلفوا في كيفية برد النار. فقيل : إن الله تعالى أزال ما فيها من الحرارة والإحراق ، وأبقى ما فيها من الإضاءة والإشراق ، والله على كل شيء قدير.

وقيل : إنه تعالى خلق في جسم إبراهيم كيفية مانعة من وصول النار إليه كما يفعل بخزنة جهنم في الآخرة ، وكما أنه ركب بنية النعامة بحيث لا يضرها ابتلاع الحديدة (٤) المحماة ، وبدن السمندل بحيث لا يضره المكث في النار. وقيل : إنه خلق بينه وبين النار حائلا يمنع من وصول أثر النار إليه.

قال المحققون : والأول أولى ، لأنّ ظاهر قوله (يا نارُ كُونِي بَرْداً) أي نفس النار صارت باردة حتى سلم إبراهيم من تأثيرها. فإن قيل : النار إن بقيت كما كانت ، والحرارة جزء من مسمى النار ، وامتنع كون النار باردة ، فإذن يجب أن يقال : المراد من النار الجسم الذي هو أحد أجزاء مسمى النار ، وذلك مجاز فلم كان مجازكم أولى. فالجواب : أن المجاز الذي ذكرناه يبقى معه حصول البرد وفي الذي ذكرتم لا يبقى ذلك ، فكان مجازنا أولى (٥).

فصل (٦)

معنى كون النار سلاما على إبراهيم : أنّ البرد إذا أفرط (٧) أهلك كالحر فلا بدّ من الاعتدال ، وهو من وجوه :

__________________

(١) في النسختين كلام. والصواب ما أثبته.

(٢) من قوله تعالى : «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» [يس : ٨٢].

(٣) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٨٩.

(٤) في ب : الحديد.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٨٩.

(٦) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٨٩.

(٧) في الأصل : فرط.

٥٤١

الأول : أن يقدر الله بردها بالمقدار الذي لا يؤثر.

والثاني : أنّ بعض النار صار بردا وبقي بعضها على حرارته فتعادل الحر والبرد.

والثالث : أنه تعالى جعل في جسمه مزيد حرّ فانتفع بذلك البرد والتذّ به (١).

فصل(٢)

روي أنّ كلّ النيران في ذلك الوقت زالت وصارت بردا ، ويؤيد ذلك أنّ النار اسم للماهية ، فلا بدّ وأن يحصل هذا البرد في الماهية ويلزم منه عمومه في كل أفراد الماهية وقيل : بل اختصت بتلك النار ، لأنّ الغرض إنما تعلق ببرد تلك النار ، وفي النار منافع للخلق فلا يجوز تعطيلها ، والمراد خلاص إبراهيم لا إيصال الضرر إلى سائر الخلق. فإن قيل : أفيجوز ما روي من أنه لو لم يقل «وسلاما» لأتى البرد عليه. قال ابن الخطيب : ذلك بعيد ، لأنّ برد النار لم يحصل منها وإنما حصل من جهة الله تعالى (٣) فهو القادر على الحر والبرد ، فلا يجوز أن يقال : كان البرد يعظم لو لا قوله : «سلاما» (٤).

قوله : (وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً) أي : أرادوا أن يكيدوه (فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ)(٥).

قيل : معناه أنهم خسروا السعي والنفقة ولم يحصل لهم مرادهم (٦).

وقيل : فجعلناهم مغلوبين غالبوه فلقنه الله الحجة وقيل : أرسل الله على نمروذ وقومه البعوض فأكلت لحومهم وشربت دماءهم ، ودخلت واحدة في دماغه فأهلكته (٧).

قوله تعالى : (وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) لما نصره الله تعالى أتم النعمة عليه بأن نجاه ونجّى لوطا وهو ابن أخيه ، وهو لوط بن هاران نجاهما من نمروذ وقومه من أرض العراق إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين يعني مكة ، وقيل : أرض الشام بارك الله فيها بالخصب وكثرة الأشجار والثمار والأنهار ، ومنها بعث أكثر الأنبياء (٨).

وقال تعالى : (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ)(٩) قال أبي بن كعب : سماها مباركة ، لأنّ ما من ماء عذب إلا وينبع أصله من تحت الصخرة التي ببيت المقدس (١٠) وروى قتادة أنّ عمر بن الخطاب قال لكعب : ألا تتحول إلى المدينة فيها

__________________

(١) في الأصل : وانتفع به.

(٢) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٨٩.

(٣) تعالى : سقط من الأصل.

(٤) الفخر الرازي : ٢٢ / ١٨٩.

(٥) في الأصل : الأسفلين. وهو سهو من الناسخ أو لعله سبق ذهنه إلى قوله تعالى :«فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ» [الصافات : ٩٨].

(٦) انظر البغوي ٥ / ٥٠٠.

(٧) المرجع السابق.

(٨) المرجع السابق.

(٩) [الإسراء : ١].

(١٠) انظر البغوي ٥ / ٥٠٠.

٥٤٢

مهاجر رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقبره ، فقال إني وجدت في كتاب الله المنزل يا أمير المؤمنين أنّ الشام كنز الله من أرضه وبها كنزه من عباده (١).

وروى عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقول : «إنها ستكون هجرة بعد هجرة فخيار الناس إلى مهاجر إبراهيم» (٢) قوله : «ولوطا» يجوز فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون معطوفا على المفعول قبله (٣).

والثاني : أن يكون مفعولا معه. والأول أولى.

وقوله : (إِلَى الْأَرْضِ) يجوز فيه وجهان :

أحدهما : أن يتعلق ب «نجّيناه» على أن يتضمن معنى أخرجناه بالنجاة فلما ضمن معنى أخرج تعدى تعديته (٤).

والثاني : أنه لا تضمين (٥) فيه وأنّ حرف الجر يتعلق بمحذوف على أنه حال من الضمير في «نجّيناه» أي : نجيناه منتهيا إلى الأرض كذا قدره أبو حيان (٦) وفيه نظر من حيث إنه قدر كونا مقيدا وهو كثيرا ما يردّ على الزمخشري وغيره (٧) ذلك.

فصل

اعلم أنّ لوطا (٨) آمن بإبراهيم كما قال تعالى (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ)(٩) وكان ابن أخيه ، وهو لوط بن هاران بن تارخ ، وهاران هو أخو إبراهيم ، وكان لهما أخ ثالث يقال له (١٠) ناخور بن تارخ ، وآمنت به أيضا سارة ، وهي بنت عمه ، وهي سارة بنت هاران الأكبر عم إبراهيم فخرج من كوشى (١١) من أرض حدود بابل بالعراق مهاجرا إلى ربه ومعه لوط وسارة ، فخرج يلتمس الفرار بدينه والأمان على عبادة ربه حتى نزل حرّان (١٢) فمكث بها

__________________

(١) المرجع السابق.

(٢) أخرجه أحمد في مسنده ٢ / ٨٤ ، ١٩٩ ، وانظر النهاية في غريب الحديث ٥ / ٢٤٤ المهاجر : بفتح الجيم موضع المهاجرة ، ويريد به الشام ، لأن إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ لما خرج من أرض العراق مضى إلى الشام وأقام به.

(٣) انظر إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٧٤.

(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٢٨ ـ ٣٢٩.

(٥) في ب : لا يتضمن. وهو تحريف.

(٦) البحر المحيط ٦ / ٣٢٩.

(٧) في ب : وغير.

(٨) في ب : لوط. وهو تحريف.

(٩) من قوله تعالى : «فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» [العنكبوت : ٢٦].

(١٠) له : سقط من الأصل.

(١١) كوثى : في ثلاثة مواضع : بسواد العراق في أرض بابل ، وبمكة ، وهو منزل بني عبد الدار خاصة ، ثم غلب على الجميع. معجم البلدان ٤ / ٤٨٧ ـ ٤٨٨.

(١٢) حرّان : مدينة قديمة في تركيا ما بين النهرين موطن إبراهيم الخليل بعد هجرتة. المنجد في الأعلام (٢١٤).

٥٤٣

ما شاء الله ، ثم ارتحل منها ونزل أرض (١) السبع (٢) من فلسطين وهي برية الشام ، ثم خرج منها مهاجرا حتى قدم مصر ، ثم خرج من مصر إلى (٣) الشام ، ونزل لوط بالمؤتفكة ، وهي من السبع على مسيرة يوم وليلة وأقرب ، وبعثه الله نبيا ، فذلك قوله : (وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ)(٤).

قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ (٧٢) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ)(٧٣)

قوله : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً). قال مجاهد وعطاء : النافلة العطية وكذل النفل ، ويسمى الرجل الكثير العطاء نوفلا (٥).

وقيل : الزيادة (٦). وقيل : ولد الولد (٧).

فعلى الأول ينتصب انتصاب المصدر من معنى العامل وهو «وهبنا» لا من لفظه لأنّ الهبة والإعطاء متقاربان فهي كالعاقبة والعافية (٨). وعلى الآخرين ينتصب على الحال (٩) ، والمراد بها يعقوب. والنافلة مختصة بيعقوب على كل تقدير ، لأنّ إسحاق ولده لصلبه ، وهذا قول ابن عباس وأبيّ بن كعب وابن زيد وقتادة (١٠).

قوله : «وكلّا» مفعول أول ل «جعلنا» (١١) و«صالحين» هو الثاني توسط العامل بينهما ، والأصل : وجعلنا أي : صيرنا كلّا من إبراهيم ومن ذكر معه صالحين. وقوله : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً) كما تقدم(١٢) إلا أنه لم يتوسط العامل.

وقوله : «يهدون» صفة ل «أئمة» و«بأمرنا» متعلق ب «يهدون» وقد تقدم التصريف المتعلق بلفظ «أئمّة» وقراءة القراء فيها (١٣).

فصل

المعنى : «وكلا» من إبراهيم وإسحاق ويعقوب (جَعَلْنا صالِحِينَ).

__________________

(١) في ب : بأرض.

(٢) السبع : سقط من ب.

(٣) في ب : يريد.

(٤) انظر البغوي ٥ / ٥٠١.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٠ ، البحر المحيط ٦ / ٣٢٩.

(٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٢٩.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٠ ، البحر المحيط ٦ / ٣٢٩.

(٨) انظر التبيان ٢ / ٩٢٢ ، البحر المحيط ٦ / ٣٢٩.

(٩) المرجعان السابقان.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٣٣ / ١٩٠.

(١١) انظر التبيان ٢ / ٩٢٢.

(١٢) من أنّ «هم» مفعول أول ل «جعلنا» و«أئمّة» مفعول ثان.

(١٣) عند قوله تعالى : «وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ» [التوبة : ١٢].

٥٤٤

قال الضحاك : أي : مرسلين (١) ، وقال آخرون : عاملين (٢) بطاعة الله (٣). (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً) يقتدى بهم في الخير «يهدون» يدعون الناس إلى ديننا (بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ) أي : العمل بالشرائع. وقال أبو مسلم : المراد النبوة (٤). (وَإِقامَ الصَّلاةِ) أي : وإقامة الصلاة ، يعني المحافظة. (وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) موحدين. دلّت (٥) هذه الآية على أنّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ، لأنّ قوله تعالى (وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ) يدل على أنّ الصلاح من قبله.

وأجاب الجبائي : بأنه لو كان كذلك لما وصفهم بكونهم «صالحين» وبكونهم «أئمّة» وبكونهم «عابدين» ، ولما مدحهم بذلك ، وإذا كان كذلك فلا بدّ من التأويل وهو من وجهين :

الأول : أن يكون المراد أنه تعالى أتاهم من لطفه وتوفيقه ما صلحوا به.

والثاني : أنّ المراد تسميتهم بذلك كما يقال : زيد فسق فلانا وكفره ، إذا وصفه بذلك وكان مصدقا عند الناس ، وكما يقال في الحاكم زكى فلانا ، وعدله ، وجرحه ، إذا حكم بذلك. والجواب : المعارضة بمسألة العلم والداعي (٦) ، وأما الحمل على اللطف فباطل ، لأنّ فعل الإلطاف عام في المكلفين ، فلا بدّ في هذا التخصيص من مزيد فائدة ، ولأنّ قوله : جعلته صالحا كقولك : جعلته متحركا ، فحمله على تحصيل شيء سوى الصلاح ترك للظاهر. وأما الحمل على التسمية فمحال ، لأنّ ذلك إنما يصار إليه إلا عند الضرورة في بعض المواضع ، ولا ضرورة ههنا إلا أن يرجعوا مرة أخرى إلى فصل المدح والذم وحينئذ نرجع إلى مسألتي الداعي والعلم (٧).

قوله : (فِعْلَ الْخَيْراتِ) قال الزمخشري : أصله أن تفعل الخيرات ، ثم فعلا الخيرات ، (ثم فعل الخيرات) (٨) وكذلك «إقام الصلاة وإيتاء الزكاة» (٩).

قال أبو حيّان : كأنّ الزمخشري لما رأى أنّ فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ليس من الأحكام المختصة بالموحى إليهم ، بل هم وغيرهم في ذلك مشتركون بنى الفعل للمفعول حتى لا يكون المصدر مضافا من حيث المعنى إلى ضمير الموحى إليهم ، فلا يكون التقدير فعلهم الخيرات وإقامتهم الصلاة وإيتاؤهم الزكاة ، ولا يلزم ذلك إذ الفاعل

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٩١.

(٢) في الأصل : عامرين. وهو تحريف ، وفي ب : عاملون.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٩١.

(٤) المرجع السابق.

(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩١.

(٦) والداعي : سقط من ب.

(٧) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩١.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) الكشاف ٣ / ١٦ ـ ١٧.

٥٤٥

مع المصدر محذوف (١). ويجوز أن يكون من حيث المعنى مضافا إلى ظاهر محذوف يشمل الموحى إليهم وغيرهم ، والتقدير : فعل المكلفين (٢) الخيرات. ويجوز أن يكون مضافا إلى ضمير الموحى إليهم أي : أن يفعلوا الخيرات ويقيموا الصلاة ويؤتوا (٣) الزكاة ، وإذا كانوا هم (٤) قد أوحي إليهم ذلك فأتباعهم جارون مجراهم في ذلك ، ولا يلزم اختصاصهم به. ثم اعتقاد بناء المصدر للمفعول مختلف فيه أجاز ذلك الأخفش ، والصحيح منعه (٥) ، فليس ما اختاره الزمخشري بمختار (٦). قال شهاب الدين : الذي يظهر أنّ الزمخشري لم يقدر هذا التقدير الذي ذكره الشيخ حتى يلزمه ما قاله بل إنما قدّر ذلك ، لأن نفس الفعل الذي هو معنى صادر من فاعله لا يوحى إنما يوحى ألفاظ تدل عليه فكأنه قيل : وأوحينا هذا اللفظ وهو أن نفعل الخيرات ، ثم صاغ ذلك الحرف المصدري مع ما بعده مصدرا منونا ناصبا لما بعده ، ثم جعله مصدرا مضافا لمفعوله (٧).

وقال ابن عطية : والإقام مصدر وفي هذا نظر (٨) انتهى ، يعني ابن عطية بالنظر أن مصدر (أفعل) على (الإفعال) ، فإن كان صحيح العين جاء (٩) تاما كالإكرام ، وإن كان معتلها حذف منه إحدى الألفين ، وعوض منه تاء التأنيث (١٠) فيقال : إقامة ، فلما (١١) نقل كذلك جاء فيه النظر المذكور.

قال أبو حيان : وأي نظر في هذا ، وقد نص سيبويه على أنه مصدر بمعنى الإقامة (١٢) وإن كان الأكثر الإقامة بالتاء ، وهو المقيس في مصدر (أفعل) إذا اعتلت عينه ،

__________________

(١) ذلك أنّ الفاعل يحذف مع المصدر المنون ، وأوجبه الفراء فقال : لا يجوز ذكر الفاعل مع المصدر المنون البتة لأنه لم يسمع. الهمع ٢ / ٩٤.

(٢) في ب : المكلف.

(٣) في ب : ويؤتون. وهو تحريف.

(٤) هم : سقط من ب.

(٥) وذلك أنّ في رفع المصدر النائب عن الفاعل خلافا ، ومذهب البصريين جوازه وقال الأخفش لا يجوز ذلك بل يتعين النصب أو الرفع على الفاعلية ، واختاره الشلوبين ، ووجه المنع في ذلك ما فيه من الإلباس ؛ لأنك إذا قلت مثلا : عجبت من ضرب عمرو. تبادر إلى الذهن المبني للفاعل. وقال أبو حيان يجوز إذا كان فعله ملازما للبناء للمجهول كزكم لعدم الإلباس حينئذ فيجوز أعجبني زكام زيد. وزاد الدماميني عن ابن خروف وهو الجواز إذا لم يقع لبس نحو أعجبني قراءة في الحمام القرآن ، وأكل الخبز وشرب الماء. انظر الهمع ٢ / ٩٤ ، شرح الأشموني وحاشية الصبان ٢ / ٢٨٣.

(٦) البحر المحيط ٦ / ٣٢٩.

(٧) الدر المصون : ٥ / ٥٤.

(٨) تفسير ابن عطية ١٠ / ١٧٣.

(٩) جاء : سقط من ب.

(١٠) اختلف في المحذوف أهو ألف المصدر أم الألف المبدلة من العين؟ فالخليل وسيبويه يذهبان إلى أن المحذوف الألف المبدلة من العين وهو القياس. انظر شرح المفصل ٦ / ٥٨.

(١١) في ب : فلما لم.

(١٢) قال سيبويه : هذا باب ما لحقته هاء التأنيث عوضا لما ذهب ، وذلك قولك : أقمته إقامة ، واستعنته استعانة ، وأريته إراءة ، وإن شئت لم تعوض وتركت الحروف على الأصل ، قال الله عزوجل : «لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ» [النور : ٣٧] الكتاب ٤ / ٨٣.

٥٤٦

وحسن ذلك أنه قابل (وَإِيتاءَ الزَّكاةِ) وهو بغير تاء فتقع الموازنة بين قوله (وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ). وقال الزجاج : حذفت التاء من إقامة ، لأنّ الإضافة عوض عنها (١). وهذا قول الفراء زعم أنّ التاء تحذف للإضافة كالتنوين (٢)(٣).

وقد تقدّم بسط القول في ذلك عند قراءة من قرأ في براءة (عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ)(٤).

قوله تعالى : (وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (٧٤) وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ)(٧٥)

قوله تعالى : (وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) الآية.

في الواو في قوله (٥) : «ولوطا» قولان :

أحدهما : قال الزجاج : إنّه عطف على قوله (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ)(٦).

والثاني : قال أبو مسلم : إنه عطف على قوله (آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ)(٧) ولا بدّ من ضمير في قوله : «ولوطا» كأنه قال : وآتينا لوطا (٨) ، فهو منصوب بفعل مقدر يفسره الظاهر بعده تقديره : وآتينا لوطا آتيناه ، فهي من الاشتغال (٩) والنصب في مثله هو الراجح ، ولذلك لم يقرأ إلا به لعطف جملته على جملة فعلية وهو أحد المرجحات (١٠).

__________________

(١) قال الزجاج : (إقام مفرد (بدون تاء) قليل في اللغة ، تقول : أقمت إقامة ، فأما إقام الصلاة فجائز ، لأنّ الإضافة عوض من الهاء) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٣٩٨.

(٢) قال الفراء : (فإنّ المصدر من ذوات الثلاثة إذا قلت : أفعلت كقيلك أقمت وأجرت وأجبت يقال فيه كله : إقامة وإجارة وإجابة لا يسقط منه الهاء. وإنما أدخلت لأنّ الحرف قد سقطت منه العين ، كان ينبغي أن يقال : أقمته إقواما وإجوابا فلما سكّنت الواو وبعدها ألف الإفعال فسكنتا سقطت الأولى منهما ، فجعلوا فيه الهاء كأنها تكثير للحرف ، ومثله مما أسقط منه بعضه فجعلت فيه الهاء قولهم : وعدته عدة ووجدت في المال جدة ، وزنة ودية ، وما أشبه ذلك ، لما أسقطت الواو من أوله كثّر من آخره بالهاء ، وإنما استجيز سقوط الهاء من قوله : (وَإِقامَ الصَّلاةِ) لإضافتهم إياه ، وقالوا : الخافض وما خفض بمنزلة الحرف الواحد) معاني القرآن ٢ / ٢٥٤.

(٣) البحر المحيط ٦ / ٣٢٩.

(٤) من قوله تعالى : «وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ» [التوبة : ٤٦]. قرأ معاوية بن أبي سفيان «لأعدوا له عدده» هاء كناية وزر بن حبيش «لأعدوا له عدّة» بكسر العين كناية أيضا. وعنه أيضا «عدّة» انظر المختصر (٥٣) وانظر اللباب ٤ / ٢١٧ ـ ٢١٨.

(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٢.

(٦) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٣٩٨.

(٧) الآية [٥١] من السورة نفسها.

(٨) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٢.

(٩) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٠٧ ، معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٣٩٨. ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٨٥ ، البيان ٢ / ١٦٣ ، التبيان ٢ / ٩٢٢ ، البحر المحيط ٦ / ٣٢٩.

(١٠) وذلك أنه من الأمور التي يترجح فيها نصب الاسم المشغول عنه أن يقع الاسم بعد عاطف غير مفصول بأما مسبوق يفعل غير مبني على اسم ، كقام زيد وعمرا أكرمته ، ورجح النصب طلبا للمناسبة ـ

٥٤٧

وقيل : إنّ «لوطا» منصوب ب (اذكر) (١) لوطا.

(آتَيْناهُ حُكْماً) أي : الحكمة ، أو الفصل (٢) بين الخصوم بالحق. وقيل : النبوة (٣)(وَعِلْماً) قيل : أدخل التنوين على الحكم والعلم (٤) دلالة على علو شأن ذلك الحكم وذلك العلم (٥).

قوله : (وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ) أي : من أهل ، يدل على ذلك قوله : (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ) وكذلك أسند عمل الخبائث إليها ، والمراد أهلها يريد سدوسا (٦).

والخبائث صفة لموصوف محذوف أي : يعمل الأعمال الخبائث (٧) ، كانوا يأتون الذكران في أدبارهم ، ويتضارطون في أنديتهم مع أشياء أخر كانوا يعملون من المنكرات (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ) (وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا) قال مقاتل : الرحمة النبوة (٨) وقال ابن عباس والضحاك : إنّها الثواب (٥). (إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ).

قوله تعالى : (وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ)(٧٧)

قوله تعالى : (وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ) الآية. في نصب «نوحا» وجهان :

أحدهما : أنه منصوب عطفا على «لوطا» فيكون مشتركا معه في عامله الذي هو «آتينا» المفسر ب «آتيناه» الظاهر ، وكذلك (داوُدَ وَسُلَيْمانَ) ، والتقدير : ونوحا آتيناه حكما وداود وسليمان آتيناهما حكما (٩) ، وعلى هذا ف «إذ» بدل من «نوحا» ومن (داوُدَ وَسُلَيْمانَ) بدل اشتمال ، وتقدم تحقيق مثل هذا في طه (١٠).

__________________

ـ بين الجملتين ؛ لأنّ من نصب فقد عطف فعلية على فعلية ، ومن رفع فقد عطف اسمية على فعلية ، وتناسب المتعاطفين أحسن من تخالفهما ، وإلى هذا الموضع يشير ابن مالك :

وبعد عاطف بلا فصل على

معمول فعل مستقرّ أوّلا

انظر شرح الأشموني ٢ / ٧٩.

(١) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٠٨ ، معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٣٩٩. والبيان ٢ / ١٦٣ ، والتبيان ٢ / ٩٢٣.

(٢) في ب : والفصل.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٢.

(٤) في ب : على العلم والحكم.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٢.

(٦) سدوم : مدينة من مدائن قوم لوط ـ عليه‌السلام ـ كان قاضيها يقال له سدوم. معجم البلدان ٣ / ٢٠٠ ، المنجد في الأعلام (٢٩٨).

(٧) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٠.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٢.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٢.

(٩) انظر التبيان ٢ / ٩٢٢ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٠.

(١٠) انظر سورة طه.

٥٤٨

الثاني : أنه منصوب بإضمار (اذكر) ، أي : اذكر نوحا وداود وسليمان أي : اذكر خبرها وقصتهم ، وعلى هذا فيكون «إذ» منصوبة بنفس المضاف المقدر ، أي : خبرهم (١) الواقع في وقت كان كيت وكيت(٢).

وقوله : «من قبل» أي : من قبل هؤلاء المذكورين (٣).

فصل

المراد من هذا النداء (٤) : دعاؤه على قومه بالعذاب ، ويدل على ذلك قوله : (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ)(٥) ، وقوله : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً)(٦) ويؤكده قوله تعالى (فَاسْتَجَبْنا لَهُ)(٧) «فنجّيناه» ، يدل على ذلك أنّ نداءه ودعاءه كان بأن ينجيه مما يلحقه من جهتهم من الأذى بسبب تكذيبهم وردهم عليه واتفق المحققون على أنّ ذلك النداء كان بأمر الله ، لأنّه لو لم يكن بإذنه لم يؤمن أن يكون المصلحة أن لا يجاب إليه ، فيصير ذلك سببا لنقصان حال الأنبياء. وقال آخرون : لم يكن مأذونا له في ذلك. قال أبو أمامة : لم يتحسر أحد من (٨) خلق الله كحسرة آدم ونوح ـ عليهما‌السلام (٩) ـ فحسرة آدم على قبول (١٠) وسوسة إبليس ، وحسرة نوح على دعائه على قومه فأوحى الله إليه أن دعوتك وافقت قدرتي(١١) قوله : (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) المراد بالأهل هنا : أهل دينه (١٢) قال ابن عباس : المراد (مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) من الغرق وتكذيب قومه (١٣) وقيل : لأنه كان أطول الأنبياء عمرا وأشدّهم بلاء ، والكرب أشد الغم (١٤).

قوله : (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ) فيه أوجه :

أحدها : أن يضمن «نصرناه» معنى منعناه وعصمناه ، ومثله (فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ)(١٥) فلما تضمن معناه تعدى تعديته (١٦).

__________________

(١) في الأصل : أخبرهم.

(٢) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٣٩٩ ، ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٨٥ ، البيان ٢ / ١٦٣ والتبيان ٢ / ٩٢٣.

(٣) انظر الكشاف ٣ / ١٧.

(٤) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٣.

(٥) من قوله تعالى :«فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ» [القمر : ١٠].

(٦) [نوح : ٢٦].

(٧) فاستجبنا له : سقط من الأصل.

(٨) في النسختين : لم يحسر أحد في.

(٩) في ب : عليهما الصلاة والسلام.

(١٠) قبول : سقط من ب.

(١١) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٣.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٣.

(١٣) انظر البغوي ٥ / ٥٠٢.

(١٤) المرجع السابق.

(١٥) [غافر : ٢٩].

(١٦) انظر التبيان ٢ / ٩٢٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٠.

٥٤٩

والثاني : أنّ (نصر) مطاوعه (انتصر) فتعدى تعدية ما طاوعه ، قال الزمخشري هو نصر الذي مطاوعه انتصر ، وسمعت هذليا يدعو على سارق اللهم انصرهم منه أي : اجعلهم منتصرين منه (١). ولم يظهر فرق بالنسبة إلى التضمين المذكور فإن معنى قوله : منتصرين منه أي : ممتنعين أو معصومين منه.

الثالث : أن «من» بمعنى «على» أي : على القوم (٢) ، (وقرأ أبي «ونصرناه على القوم») (٣)(٤). قال المبرد : تقديره : ونصرناه من مكروه القوم (٥).

قال تعالى : (فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ)(٨). والمعنى منعناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا أن يصلوا إليه بسوء (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ) لتكذيبهم (٦) له وردهم عليه (فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) فخلصه منهم بذلك.

قوله تعالى : (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (٧٩) وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (٨٠) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (٨١) وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ)(٨٢)

قوله تعالى : (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ) الآية. تقدم الكلام على الإعراب (٧).

واعلم (٨) أنّ المقصود ذكر نعم الله على داود وسليمان ، فذكر أولا النعمة المشتركة بينهما ثم ذكر ما يخصّ كل واحد منهما من النعم. أما النعمة المشتركة فهي قصة الحكومة ، وهو أن الله زينهما بالعلم والفهم في قوله (٩) : (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً)(١٠)(١١) قال أكثر المفسرين : المراد بالحرث الزرع (١٢). وقال ابن مسعود وابن عباس : كان الحرث كرما قد تدلت عناقيده (١٣). (إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ) أي رعته ليلا فأفسدته ؛

__________________

(١) الكشاف ٣ / ١٧.

(٢) انظر التبيان ٢ / ٩٢٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٠.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٤.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٤.

(٨) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٤ ـ ١٩٥.

(٦) في ب : كتكذيبهم. وهو تحريف.

(٧) تقدم قريبا.

(٨) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٤ ـ ١٩٥.

(٩) في ب : و.

(١٠) الآية [٧٩] من السورة نفسها.

(١١) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٤ ـ ١٩٥.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٥.

(١٣) انظر القرطبي ١١ / ٣٠٧.

٥٥٠

والنّفش : الرعي بالليل. قاله ابن السكيت (١) ، وهو قول جمهور المفسرين. والنّفش : الانتشار ، ومنه (كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ)(٢) ونفشت الماشية أي : رعت ليلا بغير راع ، عكس الهمل وهو رعيها نهارا بلا راع(٣). وعن الحسن : أنّ النفش هو الرعي بلا راع ليلا كان أو نهارا.

قوله : (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) في الضمير المضاف إليه «حكم» أوجه :

أحدها : أنه ضمير جمع يراد به المثنى ، وإنما وقع الجمع موقع التثنية مجازا ، أو لأن التثنية جمع وأقل الجمع اثنان ، ويدل على أنّ المراد التثنية قراءة ابن عباس «لحكمهما» (٤) بصيغة التثنية (٥).

الثاني : أنّ المصدر مضاف للحاكمين والمحكوم له والمحكوم عليه ، فهؤلاء جماعة (٦).

وهذا يلزم منه إضافة المصدر لفاعله ومفعوله دفعة واحدة ، وهو إنما يضاف لأحدهما فقط. وفيه الجمع (٧) بين الحقيقة والمجاز ، فإن الحقيقة إضافة المصدر لفاعله ، والمجاز إضافته لمفعوله.

الثالث : أنّ هذا مصدر لا يراد به الدلالة على علاج ، بل جيء به للدلالة على أنّ هذا الحدث وقع وصدر كقولهم : له ذكاء ذكاء الحكماء ، وفهم فهم الأذكياء فلا ينحل بحرف (٨) مصدري وفعل ، وإذا كان كذلك فهو مضاف في المعنى للحاكم والمحكوم له والمحكوم عليه (٩) ، ويندفع المحذوران المذكوران (١٠).

قوله : «ففهّمناها». قرأ العامة «ففهّمناها» بالتضعيف الذي للتعدية ، والضمير للمسألة أو للفتيا (١١).

وقرأ عكرمة : «فأفهمناها» بالهمزة (١٢) عداه بالهمزة كما عدّاه العامة بالتضعيف (١٣).

__________________

(١) إصلاح المنطق (٤١)

(٢) من قوله تعالى : «وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ» [القارعة : ٥].

(٣) اللسان (نفش ، همل).

(٤) في ب : كحكمهما. وهو تحريف.

(٥) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٠٨ ، الكشاف ٣ / ١٧ ، البيان ٢ / ١٦٣ ، التبيان ٢ / ٩٢٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣١.

(٦) انظر البيان ٢ / ١٦٣ ، التبيان ٢ / ٩٢٣.

(٧) في الأصل : الفرق. وهو تحريف.

(٨) في الأصل : الحرف.

(٩) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٠ ـ ٣٣١.

(١٠) في الوجه الثاني.

(١١) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٠.

(١٢) في ب : بالهمز. المختصر (٩٢) ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٠.

(١٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٠.

٥٥١

فصل (١)

قال أكثر المفسرين : دخل رجلان على داود ـ عليه‌السلام (٢) ـ أحدهما : صاحب حرث والآخر صاحب غنم ، فقال صاحب الحرث : إن غنم هذا دخلت في حرثي ليلا فأفسدته ، فلم يبق منه شيئا ، فقال داود : اذهب فإن الغنم لك. فخرجا فمرا على سليمان ، فقال : كيف قضى بينكما؟ فأخبراه ، فقال : لو وليت أمرهما لقضيت بغير هذا. وروي أنه قال : غير هذا أرفق بالفريقين (٣) فأخبر بذلك داود ، فدعاه ، فقال : كيف تقضي ، وروي أنه قال له (٤) : بحق النبوة والأبوة إلّا أخبرتني بالذي هو أرفق (٥) بالفريقين ، فقال : ادفع الغنم إلى صاحب الحرث ينتفع بدرها ونسلها وصوفها ومنافعها ، ويبذر صاحب الغنم لصاحب الحرث مثل حرثه ، فإذا صار الحرث كهيئته يوم أكل دفع إلى أهله ، وأخذ صاحب الغنم غنمه ، فقال داود : القضاء ما قضيت. وقال ابن مسعود ومقاتل : إن راعيا نزل ذات ليلة بجنب كرم ، فدخلت الأغنام الكرم وهو لا يشعر فأكلت القضبان ، وأفسدت الكرم ، فذهب صاحب الكرم من الغد إلى داود ، فقضى له بالغنم ، لأنه لم يكن بين ثمن الكرم وثمن الأغنام تفاوت وذكر باقي القصة. قال ابن عباس : حكم سليمان ذلك وهو ابن إحدى عشرة سنة وأما حكم الإسلام : أنّ ما أفسدت الماشية المرسلة بالنهار من مال الغير فلا ضمان على ربها ، وما أفسدت بالليل ضمنه ربها ، لأنّ في عرف الناس أنّ أصحاب الزروع يحفظونها بالنهار ، والمواشي تسرح بالنهار ، وترد بالليل إلى المراح (٦).

روى ابن (٧) محيصة أنّ ناقة للبراء بن عازب (٨) دخلت حائطا (٩) فأفسدت ، فقضى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٠) ـ «أنّ على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها»(١١).

__________________

(١) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٥ ـ ١٩٩.

(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٣) في ب : أوفق الفريقين. وهو تحريف.

(٤) له : سقط من ب.

(٥) في ب : أوفق.

(٦) في الأصل : الراح. وهو تحريف. هذا الحكم قاله الإمام الشافعي ـ رحمه‌الله ـ واحتج بالحديث المروي عن البراء بن عازب الآتي. الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٩.

(٧) في النسختين : روى محيصة. والصواب ما أثبته وهو حرام بن سعد بن محيصة بن مسعود الأنصارى المدني وينسب إلى جده ، أخذ عن أبيه ، وأخذ عنه الزهري ، مات سنة ١١٣ ه‍. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ١ / ٢٠٢.

(٨) تقدم.

(٩) الحائط هنا : البستان من النخيل إذا كان عليه الحائط وهو الجدار ، وجمعه الحوائط. اللسان (حوط).

(١٠) وسلم : سقط من الأصل.

(١١) أخرجه مالك في الموطأ (أقضية) ٢ / ٧٤٨ ، أحمد ٥ / ٤٣٦.

٥٥٢

وذهب أصحاب الرأي إلى أن المالك إذا لم يكن معها فلا ضمان عليه فيما اتلفت الماشية ليلا كان أو نهارا (١).

فصل(٢)

قال أبو بكر الأصم : إنهما لم يختلفا في الحكم البتة ، وأنه تعالى بين لهما الحكم على لسان سليمان. والصواب أنهما اختلفا ، ويدل عليه إجماع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وأيضا قوله تعالى : (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) ، ثم قال : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) والفاء للتعقيب ، فوجب أن يكون ذلك الحكم سابقا على هذا الفهم ، وذلك الحكم السابق إن اتفقا فيه لم يبق لقوله (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) فائدة. وإن اختلفا فيه فهو المطلوب.

فصل (٣)

احتج الجبائي على أنّ الاجتهاد غير جائز من الأنبياء بوجوه :

الأول : قوله تعالى : (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ)(٤) وقوله : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى)(٥).

الثاني : أنّ الاجتهاد طريقه الظن وهو قادر على اليقين ، فلا يجوز المصير إلى الظن كالمعاين للقبلة لا يجوز له الاجتهاد.

الثالث : لو جاز له الاجتهاد في الأحكام لكان لا يقف في شيء منها ، فلما وقف في مسألة الظهار واللعان إلى ورود الوحي دلّ على أنّ الاجتهاد غير جائز عليه.

الرابع : أنّ الاجتهاد إنما يصار إليه عند فقد النص ، وفقد النص في حق الرسول كالممتنع فوجب أن لا يجوز الاجتهاد.

الخامس : لو جاز الاجتهاد من الرسول لجاز أيضا من جبريل ، وحينئذ لا يحصل الأمان بأن (٦) هذه الشرائع التي جاء بها أهي من نصوص الله أم من اجتهاد جبريل؟

وأجيب عن الأول : أن الآية واردة في إبدال آية بآية ، لأنه عقيب قوله : (قالَ (٧) الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ)(٨) ولا مدخل للاجتهاد في ذلك.

__________________

(١) هذا الحكم قاله الإمام أبو حنيفة ـ رحمه‌الله ـ حيث قال : لا ضمان عليه ليلا كان أو نهارا إذا لم يكن متعديا بالإرسال لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «جرح العجماء جبار» الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٩.

(٢) في ب : قوله. وهو تحريف. هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٥ ـ ١٩٧.

(٣) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٦ ـ ١٩٧.

(٤) [يونس : ١٥].

(٥) [النجم : ٣].

(٦) في النسختين : أن.

(٧) في النسختين : وقال. وهو تحريف.

(٨) [يونس : ١٥].

٥٥٣

وأما قوله (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) فمن جوّز له الاجتهاد يقول (١) إنّ الذي اجتهد فيه هو عن وحي على (٢) الجملة ، وإن لم يكن ذلك (٣) على التفصيل ، وأيضا فالآية واردة في الأداء عن الله لا في حكمه الذي يكون بالعقل.

وعن الثاني : أنّ الله تعالى إذا قال له إذا غلب على ظنك كون الحكم معللا في الأصل بكذا ، ثم غلب على ظنك قيام ذلك المعنى في صورة أخرى فاحكم بمثل ذلك الحكم ، فههنا الحكم مقطوع به ، والظن غير واقع فيه بل في طريقه.

وعن الثالث : لعله ـ عليه‌السلام (٤) ـ كان ممنوعا عن الاجتهاد في بعض الأنواع ، أو كان مأذونا له مطلقا ، لكنه لم يظهر له في تلك الصورة وجه الاجتهاد فتوقف.

وعن الرابع : لم لا يجوز أن يحبس النص عنه في بعض الصور فحينئذ يحصل شرط جواز الاجتهاد.

وعن الخامس : أن هذا الاحتمال (٥) مدفوع بإجماع الأمة على خلافه. ثم الذي يدل على جواز الاجتهاد لهم وجوه :

الأول : أنه ـ عليه‌السلام (٦) ـ إذا (٧) غلب على ظنه أنّ الحكم في الأصل معلّل بمعنى ثم علم أو ظن قيام ذلك المعنى في صورة أخرى ، فلا بدّ وأن يغلب على ظنه أنّ (٨) حكم الله في (٩) هذه الصورة مثل ما في الأصل كقوله ـ عليه‌السلام (١٠) ـ :

«أرأيت لو كان على أمّك دين فقضيته» (١١).

الثاني : قوله تعالى : «فاعتبروا» (١٢) أمر الكل بالاعتبار ، فوجب اندراج الرسول ـ عليه‌السلام (١٣) ـ فيه لأنه إمام المعتبرين وأفضلهم.

الثالث : أنّ الاستنباط أرفع درجات العلماء ، فوجب أن يكون للرسول (١٤) فيه مدخل ، وإلا لكان كل واحد من المجتهدين أفضل منه في هذا الباب. فإن قيل : إنما يلزم لو لم يكن درجته أعلى من الاعتبار ، وليس الأمر كذلك لأنه كان يستدرك الأحكام وحيا على سبيل اليقين ، فكان أرفع درجة من الاجتهاد (قصاراه الظن.

فالجواب : لا يمتنع أن لا يجد النص في بعض المواضع ، فلو لم يكن من أجل

__________________

(١) في الأصل : ويقول. وهو تحريف.

(٢) في الأصل : عن.

(٣) في ب : كذلك. وهو تحريف.

(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٥) في النسختين : الاجتهاد. والصواب ما أثبته.

(٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٧) في ب : لو.

(٨) أن : سقط من ب.

(٩) في ب : و. وهو تحريف.

(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١١) أخرجه مسلم (صيام) ٢ / ٨٠٤.

(١٢) من قوله :«فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ» [الحشر : ٢].

(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٤) في ب : الرسول.

٥٥٤

الاجتهاد) (١) لكان أقل درجة من المجتهد الذي يمكنه تعرف ذلك (٢) الحكم من الاجتهاد ، وأيضا فقد تقدم أن الله لما أمره بالاجتهاد كان ذلك مفيدا للقطع.

الرابع : قوله ـ عليه‌السلام (٣) ـ «العلماء ورثة الأنبياء» (٤) فوجب أن يثبت للأنبياء درجة الاجتهاد ليرث العلماء عنهم ذلك.

الخامس : قوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ)(٥) فذاك الإذن إن كان بإذن الله ـ تعالى ـ استحال له «لم أذنت» وإن كان بهوى (٦) النفس فهو جائز. وإن كان بالاجتهاد فهو المطلوب.

فصل (٧)

قال الجبائي : لو جوزنا الاجتهاد من الأنبياء ففي هذه المسألة لا نجوزه لوجوه :

أحدها : أن الذي وصل إلى صاحب الزرع من در الماشية وصوفها ومنافعها مجهول المقدار ، فكيف يجوز الاجتهاد وأخذ المجهول عوضا عن الآخر.

وثانيها : أنّ اجتهاد داود ـ عليه‌السلام (٨) ـ إن كان صوابا لزم أن لا ينقض لأنّ الاجتهاد لا ينقض (٩) بالاجتهاد ، وإن كان خطأ وجب أن يبين الله توبته (١٠) كسائر ما حكاه عن الأنبياء ـ عليهم‌السلام (١١) ـ ، فلما مدحهما بقوله : (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) دلّ على أنه لم يقع الخطأ من داود عليه‌السلام (١٢).

وثالثها : لو حكم بالاجتهاد لكان الحاصل هناك ظنا لا علما لكن الله تعالى قال : (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً).

ورابعها : كيف يجوز أن يكون عن اجتهاد مع قوله : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ).

وأجيب عن الأول : بأنّ الجهالة في القدر لا تمنع من الاجتهاد كالجعالات (١٣) ، وحكم المصرّاة(١٤).

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من ب.

(٢) في ب : ذي. وهو تحريف.

(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٤) أخرجه ابن ماجة (مقدمة) ١ / ٨١ ، أحمد ٥ / ١٩٦.

(٥) من قوله تعالى : «عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ» [التوبة : ٤٣].

(٦) في ب : هوى.

(٧) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٧ ـ ١٩٨.

(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٩) في ب : لا ينقص. وهو تحريف.

(١٠) في ب : توبته عنه.

(١١) في ب : عليهم الصلاة والسلام.

(١٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٣) الجعالة والجعالات : ما يتجاعلونه عند البعوث أو الأمر يحزبهم من السلطان. اللسان (جعل).

(١٤) في الأصل : المصرات.

٥٥٥

وعن الثاني : لعلّ خطأه كان من باب الصغائر.

وعن الثالث : إنّ المتمسك بالقياس فإن الظن واقع في طريق الحكم ، فأمّا الحكم فمقطوع به.

وعن الرابع : أنّ المجتهد إذا تأمل واجتهد وأداه اجتهاده إلى حكم كأن الله ـ تعالى (١) ـ فهمه من حيث بين له (٢) طريق ذلك.

فهذا جملة الكلام في بيان أنه لا يمتنع أن يكون اختلاف داود وسليمان في ذلك الحكم إنما كان بسبب الاجتهاد. وأما بيان أنه لا يمتنع أيضا أن يكون اختلافهما فيه بسبب النص ، فوجهه أن يقال : إنّ داود ـ عليه‌السلام (٣) ـ كان مأمورا بالحكم من قبل الله ـ تعالى ـ ثم إنه تعالى نسخ ذلك بالوحي (٤) إلى سليمان خاصة ، وأمره أن يعرف داود ذلك فصار ذلك الحكم حكمهما جميعا.

وقوله : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) أي : أوحينا إليه. فإن قيل : هذا باطل لوجهين :

الأول : لما أنزل الله الحكم الأول على داود (٥) وجب أن ينزل نسخه أيضا على داود لا على سليمان.

الثاني : أن الله تعالى مدح كل واحد منهما على الفهم ، ولو كان ذلك على سبيل النص لم يكن في فهمه كثير مدح.

واعلم أنّ القول الأول أولى ، لأنه روي في الأخبار الكثيرة أن داود لم يكن بت الحكم في ذلك حتى سمع من سليمان أنّ غير ذلك أولى ، وفي بعضها أنّ داود ناشده لكي يورد ما عنده ، ولو كان نصا لكان يظهره ولا يكتمه. ووجه الاجتهاد فيه ما ذكره ابن عباس : أن داود ـ عليه‌السلام (٦) ـ قوّم قدر الضرر في الكرم فكان مساويا لقيمة الغنم وكان عنده أنّ الواجب في ذلك الضرر أن يزال (٧) بمثله من النفع ، فلا جرم سلم الغنم إلى المجني عليه كما قال أبو حنيفة (٨) في العبد إذا جنى على النفس يدفعه المولى بذلك أو يفديه (٩).

وأما سليمان فأداه (١٠) اجتهاده إلى أنه يجب مقابلة الأصول بالأصول والزوائد بالزوائد وأما مقابلته بالزوائد فغير جائز ، لأنه يقتضي الحيف ، ولعل منافع الغنم في تلك

__________________

(١) تعالى : سقط من ب.

(٢) له : سقط من ب.

(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٤) في ب : الوحي. وهو تحريف.

(٥) في الأصل : على الأول داود ، وهو تحريف.

(٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٧) في الأصل : أن ينزال.

(٨) في ب : أبو حنيفة ـ رضي الله عنه ـ.

(٩) في الأصل : أو يفيده. وفي ب : أو يعديه. والصواب ما أثبته.

(١٠) في ب : فإذا أداء.

٥٥٦

السنة كانت موازنة فحكم به ، كما قال الشافعي (١) : فيمن غصب عبدا فأبق من يده أنه يضمن القيمة فينتفع بها المغصوب منه (٢) بإيزاء ما فوته الغاصب من منافع العبد فإذا ظهر ترادّا.

فصل (٣)

إذا ثبت أنّ تلك المخالفة كانت مبنية على الاجتهاد ، فهل تدل هذه القصة على أنّ المصيب واحد ، أو الكل مصيبين؟. فمن قال : إنّ المصيب واحد استدل بقوله تعالى (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) قال : ولو كان الكل مصيبون لم يكن لتخصيص سليمان بهذا التفهيم فائدة. وأما القائلون بأنّ الكل مصيبون فمنهم من (٤) استدل بقوله تعالى (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) ، ولو كان المصيب (٥) واحدا ومخالفه مخطئا لما صح أن يقال : (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً). قال ابن الخطيب : وكلا الاستدلالين ضعيف أما الأول : فلأنّ الله ـ تعالى ـ لم يقل إنه فهمه الصواب ، فيحتمل أنه فهمه الناسخ ، ولم يفهم ذلك داود ، فكل واحد منهما مصيب فيما حكم به على أن أكثر ما في الآية أنّها دالة على أنّ داود وسليمان ما (٦) كانا مصيبين ، وذلك لا يوجب أن يكون الأمر كذلك في شرعنا.

وأما الثاني : فلأنه تعالى لم يقل : كلّا آتيناه حكما فيما حكم به هنا ، بل يجوز أن يكون إيتاؤه حكما وعلما بوجوه الاجتهاد وطرق الأحكام ، على أن لا يلزم من كون كل مجتهد مصيب في شرعهم أن يكون الأمر كذلك في شرعنا (٧).

قوله تعالى : (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ) هذه من النعم التي خصّ بها داود فقوله : «يسبّحن» في موضع نصب على الحال (٨).

«والطّير» يجوز أن ينتصب نسقا على «الجبال» ، وأن ينتصب على المفعول معه (٩) وقيل : «يسبّحن» مستأنف فلا محل له (١٠). وهو بعيد. وقرىء «والطّير» رفعا وفيه وجهان :

أحدهما : أنه مبتدأ والخبر محذوف ، أي : والطير مسخرات أيضا (١١).

__________________

(١) في ب : الشافعي ـ رحمه‌الله ـ.

(٢) منه : سقط من ب.

(٣) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٨ ـ ١٩٩.

(٤) من : سقط من ب.

(٥) في الأصل : المصيبو. وهو تحريف.

(٦) ما : سقط من ب.

(٧) الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٩.

(٨) انظر الكشاف ٣ / ١٧ ، التبيان ٢ / ٩٢٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣١.

(٩) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٥٨٦ الكشاف ٣ / ١٧ ، البيان ٢ / ١٦٣ ، التبيان ٢ / ٩٢٣ البحر المحيط ٦ / ٣٣١.

(١٠) انظر الكشاف ٣ / ١٧ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣١.

(١١) التبيان ٣ / ٩٢٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣١.

٥٥٧

والثاني : أنه نسق على الضمير في «يسبّحن» ، ولم يؤكد ولم يفصل ، وهو موافق لمذهب الكوفيين(١).

فصل

قال ابن عباس (٢) : (كان يفهم) (٣) تسبيح الحجر والشجر.

وقال وهب : كانت الجبال تجاوبه بالتسبيح ، وكذلك الطير.

وقال قتادة : «يسبّحن» أي : يصلين معه إذا صلى. وقيل : كان داود إذا فتر سمعه الله تسبيح الجبال والطير لينشط في التسبيح ويشتاق إليه (٤).

وقال بعض المفسرين (٥) : إنه يحتمل أن يكون تسبيح الجبال والطير بمثابة قوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)(٦) وتخصيص داود ـ عليه‌السلام (٧) ـ بذلك إنما كان بسبب أنه كان يعرف ذلك ضرورة فيزداد يقينا وتعظيما.

وقالت المعتزلة : لو حصل الكلام في الجبل لحصل إما بفعله أو بفعل الله فيه ، والأول محال ، لأن بنية الجبل لا تحتمل الحياة والعلم والقدرة ، وما لا يكون حيا قادرا عاقلا (٨) يستحيل منه الفعل.

والثاني محال ، لأن المتكلم عندهم من كان فاعلا للكلام لا من كان محلا للكلام فلو كان فاعل ذلك الكلام هو الله لكان المتكلم هو الله لا الجبال. فثبت أنّه لا يمكن إجراؤه على ظاهره ، فعند هذا قالوا : معنى قوله : (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ) قوله : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ)(٩) أي : تصرفي معه وسيري بأمره. ومعنى «يسبّحن» من السبح الذي هو السباحة خرج اللفظ فيه على التكثير ولو أفرد لقيل : اسبحي ، فلما كثر قيل سبحي معه ، أي : سيري وهو كقوله : (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً)(١٠) أي : تصرفا ومذهبا ، إذا ثبت هذا فنقول : إن سيرها هو التسبيح لدلالته على قدرة الله. واعلم أنّ مدار هذا القول على أن بنية الجبال لا تقبل الحياة ، وأن المتكلم من فعل الكلام ، وكلاهما ممنوع. وأما

__________________

(١) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٤٠٠ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ٨٦ ، التبيان ٢ / ٩٢٣ البحر المحيط ٦ / ٣٣١.

(٢) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٥٠٥ ـ ٥٠٦.

(٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(٤) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٥٠٥ ـ ٥٠٦.

(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٩ ـ ٢٠٠.

(٦) [الإسراء : ٤٤].

(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٨) في ب : عاقلا قادرا.

(٩) في قوله تعالى : «وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ» [سبأ : ١٠].

(١٠) [المزمل : ٧].

٥٥٨

«الطّير» فلا امتناع أن يصدر عنها الكلام ، ولكن أجمعت الأمة على أنّ المكلفين إمّا الجن والإنس والملائكة فيمتنع فيها أن تبلغ في العقل إلى درجة التكليف بل يكون حاله كحال الطفل في أن يؤمر وينهى. وإن لم يكن مكلفا فصار ذلك معجزة من حيث جعلها في الفهم بمنزلة المراهق. وأيضا فيه (١) دلالة على قدرة الله وعلى تنزيهه عمّا لا يجوز فيكون القول فيه كالقول في الجبال (٢). وقدم الجبال على الطير ، لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب وأدل على القدرة وأدخل في الإعجاز ، لأنها جماد والطير حيوان (٣).

ثم قال : (وَكُنَّا فاعِلِينَ) أي : قادرين على أن نفعل هذا وإن كان عجبا عندكم وقيل : نفعل ذلك بالأنبياء ـ عليهم‌السلام (٤) ـ.

الإنعام الثاني قوله : (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ) الجمهور على فتح اللام (٥) من «لبوس» وهو الشيء المعد للبس قال الشاعر :

٣٧٣٠ ـ ألبس لكلّ حالة لبوسها

إمّا نعيمها وإمّا بوسها (٦)

والمراد باللبوس هنا الدرع لأنها تلبس ، وهي في اللغة اسم لكل ما يلبس. ويستعمل في الأسلحة كلها ، وهو بمعنى الملبوس كالحلوب (٧) والركوب.

وقرىء «لبوس» بضم اللام (٨) ، وحينئذ إما أن يكون جمع لبس المصدر الواقع موقع المفعول ، وإما أن لا يكون واقعا موقعه ، والأول أقرب. و«لكم» يجوز أن يتعلق ب «علّمناه» (٩) ، وأن يتعلق ب «صنعة» قاله أبو البقاء (١٠) ، وفيه بعد. وأن يتعلق بمحذوف على أنه صفة ل «لبوس» (١١). قال قتادة: أول من صنع الدروع وسردها وحلقها داود وإنما كانت صفائح (١٢).

قوله : «لتحصنكم». هذه لام كي (١٣) ، وفي متعلقها أوجه :

أحدها : أن تتعلق ب «علّمناه» (١٤) ، وهذا ظاهر على القولين الآخرين وأما على

__________________

(١) فيه : تكملة ليست في المخطوط.

(٢) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٩ ـ ٢٠٠.

(٣) انظر الكشاف ٣ / ١٧.

(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٢.

(٦) رجز قاله بيهس الفزاري ، وهو في إصلاح المنطق ٣٣٣ ، الكشاف ٣ / ١٧ القرطبي ١١ / ٣٢٠ ، اللسان (لبس). شرح شواهد الكشاف (١٤٠).

(٧) في ب : كالمحلوب. وهو تحريف.

(٨) البحر المحيط ٦ / ٣٣٢.

(٩) انظر التبيان ٢ / ٩٢٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٢.

(١٠) التبيان ٣ / ٩٢٣.

(١١) انظر التبيان ٢ / ٩٢٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٢.

(١٢) انظر البغوي ٥ / ٥٠٦.

(١٣) والفعل المضارع بعدها منصوب ب (أن) مضمرة على مذهب البصريين وذهب الكوفيون إلى أنّ اللام ناصبة بنفسها. انظر شرح الأشموني ٣ / ٢٩٢.

(١٤) انظر التبيان ٢ / ١٢٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٢.

٥٥٩

القول الثالث فيشكل ، وذلك أنه يلزم تعلق جر في جر متحدين لفظا ومعنى. ويجاب عنه بأن يجعل بدلا من «لكم» بإعادة العامل كقوله تعالى : (لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ)(١) وهو بدل اشتمال ، وذلك أنّ أن الناصبة للفعل المقدرة مؤولة هي ومنصوبها بمصدر ، وذلك المصدر بدل من ضمير المخاطب في «لكم» بدل اشتمال ، والتقدير : وعلمناه صنعة لبوس لتحصنكم.

والثاني : أن تتعلق ب «صنعة» (٢) على معنى أنه بدل من «لكم» كما تقدم تقريره وذلك على رأي أبي البقاء ، فإنه علّق «لكم» ب «صنعة» (٣).

والثالث : أنها تتعلق بالاستقرار الذي تعلق به «لكم» إذا جعلناه صفة لما قبله (٤). وقرأ الحرميان (٥) والأخوان (٦) وأبو عمرو : «ليحصنكم» بالياء من تحت (٧) ، والفاعل الله تعالى ، وفيه التفات (٨) على هذا الوجه ، إذ تقدمه ضمير المتكلم في قوله «وعلّمناه». أو داود ، أو التعليم ، أو اللبوس (٩). وقرأ حفص وابن عامر بالتاء من فوق (١٠) ، والفاعل الصنعة أو الدرع ، وهي مؤنثة ، أو اللبوس ، لأنها يراد بها ما يلبس ، وهو الدرع ، والدرع مؤنثة كما تقدم (١١).

وقرأ أبو بكر «لنحصنكم» بالنون (١٢) جريا على «علّمناه» (١٣). وعلى هذه القراءات الثلاث الحاء ساكنة والصاد مخففة. وقرأ الأعمش «ليحصّنكم» وكذا النعيمي (١٤) عن أبي عمرو بفتح الحاء وتشديد الصاد على التكثير إلّا أن الأعمش بالتاء من فوق وأبو عمرو بالياء من تحت (١٥) وقدّم (١٦) ما هو الفاعل (١٧).

فصل

معنى «لنحصنكم» أي : لنحرزكم ونمنعكم من بأسكم أي : حرب عدوكم (١٨).

__________________

(١) [الزخرف : ٣٣].

(٢) انظر التبيان ٢ / ٩٢٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٢.

(٣) التبيان ٢ / ٩٢٣.

(٤) انظر التبيان ٢ / ٩٢٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٢.

(٥) ابن كثير ونافع.

(٦) حمزة والكسائي.

(٧) السبعة (٤٣٠) الكشف ٢ / ١١٢ ، النشر ٢ / ٣٢٤ ، الإتحاف (٣١١).

(٨) في الأصل : التفاوت. وهو تحريف.

(٩) انظر الكشف ٢ / ١١٢ ، التبيان ٢ / ٩٢٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٢ ، الإتحاف (٣١١).

(١٠) السبعة (٤٣٠) ، الكشف ٢ / ١١٢ ، النشر ٢ / ٣٢٤ ، الإتحاف (٣١١).

(١١) انظر الكشف ٢ / ١١٢ ، التبيان ٢ / ٩٢٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٢ ، الإتحاف (٣١١).

(١٢) السبعة (٤٣٠) ، الكشف ٢ / ١١٢ ، النشر ٢ / ٣٣٢ ، الإتحاف (٣١١).

(١٣) انظر الكشف ٢ / ١١٢ ، البيان ٢ / ١٦٤ ، التبيان ٢ / ٩٢٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٢.

(١٤) النعيمي : سقط من ب.

(١٥) المختصر (٩٢) البحر المحيط ٦ / ٣٣٢.

(١٦) في ب : وقد تقدم.

(١٧) في توجيه قراءة التخفيف.

(١٨) انظر البغوي ٥ / ٥٠٦ ، الفخر الرازي ٢٢ / ٢٠٠.

٥٦٠