اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٤٠

و«من» (١) داخلة عليه على حد دخولها على غيره من التمييزات لتعريفه.

قوله : «يمشون» حال من «القرون» ، أو من مفعول «أهلكنا» (٢) والضمير على هذين عائد على القرون المهلكة ، ومعناه (٣) : إنّا أهلكناهم وهم في حال أمن ومشي وتقلّب في حاجاتهم كقوله : (أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً)(٤) ويجوز أن يكون حالا من الضمير في «لهم» ، والضمير في «يمشون» على هذا عائد على من عاد عليه الضمير في «لهم» وهم المشركون المعاصرون لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والعامل فيها «يهد» (٥). والمعنى : إنّكم تمشون في مساكن الأمم السالفة وتتصرفون في بلادهم فينبغي أن تعتبروا لئلا يحلّ بكم ما حلّ بهم (٦).

وقرأ ابن السميفع «يمشّون» مبنيّا للمفعول مضعفا (٧) ، لأنه لما تعدّى بالتضعيف جاز بناؤه للمفعول.

فصل

المعنى : أو لم (٨) نبيّن القرآن أو ما تقدم من المقادير (٩) لكفّار مكة (كَمْ (١٠) أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) ديارهم إذا سافروا. والخطاب لقريش كانوا يسافرون إلى الشام ، فيرون ديار المهلكين من أصحاب الحجر ، وثمود ، وقرى (١١) لوط (١٢)(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) لذوي العقول. ثم بيّن تعالى الوجه الذي لأجله لا ينزل العذاب معجلا على من كفر بمحمد ـ عليه‌السلام (١٣) ـ فقال : «ولو لا كلمة سبقت من ربّك لكان لزاما وأجل مسمّى» (وفيه تقديم وتأخير) (١٤) ، والتقدير : ولو لا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاما (١٥).

والكلمة في الحكم بتأخير العذاب عنهم أي : ولو لا حكم سبقت بتأخير العذاب عنهم (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) هو القيامة ، (وقيل : يوم بدر) (١٦)(١٧). قوله : (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) في رفعه وجهان :

__________________

(١) في ب : على دخوله عليه ومن. وهو تحريف.

(٢) انظر التبيان ٢ / ٩٠٨ ، البحر المحيط ٦ / ٢٨٩.

(٣) في ب : ومعنى. وهو تحريف.

(٤) من قوله تعالى : «فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ» [الأنعام : ٤٤]. وانظر التبيان ٢ / ٩٠٨ ، البحر المحيط ٦ / ٢٨٩.

(٥) انظر التبيان ٢ / ٩٠٨ ، البحر المحيط ٦ / ٢٨٩.

(٦) في ب : ما أحلّ.

(٧) المختصر : (٩٠) ، البحر المحيط ٦ / ٢٨٩.

(٨) في ب : إذا لم. وهو تحريف.

(٩) في ب : التعادم.

(١٠) في ب : ثمّ. وهو تحريف.

(١١) في الأصل : وقريات. وهو تحريف.

(١٢) انظر البغوي ٥ / ٤٦٧.

(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٤) ما بين القوسين سقط من ب. وفيه : والكلمة هي الحد.

(١٥) في الأصل كررت الآية بدون تقدير التقديم والتأخير انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٢ ـ ١٣٣.

(١٦) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٣.

(١٧) ما بين القوسين سقط من ب.

٤٢١

أظهرهما (١) : عطفه على «كلمة» ، أي : ولو لا أجل مسمّى لكان العذاب لزاما لهم (٢).

والثاني : جوّزه الزمخشري ، وهو أن يكون مرفوعا عطفا على الضمير المستتر ، والضمير عائد على الأخذ العاجل المدلول عليه بالسياق (٣) ، وقام الفصل (٤) بالخبر مقام التأكيد ، والتقدير : ولو لا كلمة سبقت من ربك لكان الأخذ العاجل وأجل مسمى لازمين لهم كما كانا لازمين لعاد وثمود ، ولم ينفرد الأجل المسمى دون الأخذ العاجل (٥) ، فقد جعل اسم «كان» عائدا على ما دلّ عليه السياق ، إلا أنّه قد يشكل عليه مسألة وهي أنه قد جوّز في (لزاما) (٦) وجهين :

أحدهما (٧) : أن يكون مصدر (لازم) (٨) كالخصام ، ولا إشكال على هذا (٩).

والثاني : أن يكون وصفا على (فعال) (١٠) بمعنى مفعل أي : ملزم (١١) ، كأنه آلة اللزوم ، لفرط لزومه ، كما قالوا : لزاز (١٢) خصم (١٣) ، وعلى هذا فيقال (١٤) : كان (١٥) ينبغي أن يطابق في التثنية ، فيقال : لزامين بخلاف كونه مصدرا فإنه يفرد على كل حال. وجوّز أبو البقاء (١٦) أن يكون «لزاما» جمع (لازم) كقيام جمع قائم (١٧).

__________________

(١) في ب : الأول.

(٢) فيكون فصل بين المعطوف والمعطوف عليه بجواب (لولا) ، وهو كان واسمها وخبرها ، لمراعاة الفواصل ورؤوس الآي. انظر الكشاف ٢ / ٤٥١ ، البيان ٢ / ١٥٥ التبيان ٢ / ٩٠٨ والبحر المحيط ٦ / ٢٨٩.

(٣) في ب : بالحسبان. وهو تحريف. وهذا الضمير اسم (كان).

(٤) في ب : الفعل. وهو تحريف ، وفي الأصل : الفعل. ثم استدرك في الهامش (الفصل).

(٥) أشار بهذا إلى أنّه كان من حق العطف على الضمير المستتر أن يؤكد بالضمير المنفصل ، فكان يقال : لكان هو لزاما وأجل مسمى ، لكن الفصل بخبر كان قام مقام التأكيد بالضمير المنفصل ، قال ابن مالك :

وإن على ضمير رفع متصل

عطفت فافصل بالضّمير المنفصل

أو فاصل ما ، فالفصل بالخبر هنا من قبيل قوله : أو فاصل ما. انظر شرح الأشموني ٣ / ١١٣ ـ ١١٤.

قال الزمخشري : (أو على الضمير في (كان) أي لكان الأخذ العاجل وأجل مسمى لازمين لهم كانا لازمين لعاد وثمود ولم ينفرد الأجل المسمى دون الأخذ العاجل) الكشاف ٢ / ٤٥١.

(٦) في الأصل : لزامه.

(٧) في ب : الأول.

(٨) في ب : مصدرا لازما.

(٩) لأن المصدر يخبر به عن المثنى والجمع بلفظ المفرد. انظر الكشاف ٢ / ٤٥١ والتبيان ٢ / ٩٠٨ ، والبحر المحيط ٦ / ٢٨٩.

(١٠) في الأصل : فعلال. وهو تحريف.

(١١) في ب : بمعنى يفعل أي يلزم. وهو تحريف.

(١٢) في ب : لزام. وهو تحريف.

(١٣) اللّزّ : لزوم الشيء بالشيء ، ولزاز خصم أي : لازم. الكشاف ٢ / ٤٥١ ، البحر المحيط ٦ / ٢٨٩.

(١٤) في الأصل فقال.

(١٥) في ب : لكان.

(١٦) أبو البقاء : سقط من ب.

(١٧) في ب : قاله أبو البقاء. التبيان ٢ / ٩٠٨. وبهذا يخرج من الإشكال الموجود في الوجه الثاني.

٤٢٢

فصل

والمراد أنّ أمة محمد (١) ـ عليه‌السلام (٢) ـ وإن كذّبوا فسيؤخرون ولا يفعل (٣) بهم ما فعل بغيرهم من الاستئصال ، وذلك لأنّه علم أن فيهم (٤) من يؤمن. وقيل : علم أنّ في نسلهم من يؤمن ، ولو نزل بهم العذاب لعمهم الهلاك. وقيل : المصلحة فيه خفية لا يعلمها إلا الله تعالى (٥).

وقال أهل السنة : له بحكم المالكية (٦) أن يخص من يشاء بفضله ومن شاء (٧) بعذابه من غير علة ، إذ لو كان فعله لعلة (٨) لكانت تلك العلة إن كانت قديمة لزم قدوم (٩) الفعل ، وإن كانت حادثة افتقرت إلى علة أخرى ولزم التسلسل (١٠).

ثم إنّه تعالى لما أخبر نبيّه بأنه لا يهلك أحدا قبل استيفاء أجله أمره بالصبر فقال : (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) أي من تكذيبهم النبوة ، وقيل : تركهم القبول (١١).

قال الكلبي ومقاتل : هذه الآية منسوخة بآية القتال (١٢). ثم قال : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي : صلّ بأمر ربك. وقيل : صلّ لله بالحمد له ، والثناء عليه ، ونظيره قوله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)(١٣).

قوله : (بِحَمْدِ رَبِّكَ) حال أي : وأنت حامد لربّك على أنه وفقك للتسبيح وأعانك عليه (١٤). واختلفوا (١٥) في التسبيح (١٦) على قولين ، فالأكثرون (١٧) على أن المراد منه الصلاة وهؤلاء اختلفوا على ثلاثة أوجه :

الأول : أنّ (١٨) المراد الصلوات الخمس ، قال ابن عباس : دخلت الصلوات الخمس فيه ، ف (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) هو الفجر (١٩) ، وقيل ؛ «غروبها» الظهر والعصر ، لأنهما جميعا قبل الغروب «ومن آناء (٢٠) اللّيل فسبّح» يعني (٢١) المغرب والعتمة ، ويكون قوله :

__________________

(١) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٣.

(٢) في ب : صلى الله عليه.

(٣) في ب : ولم يفعل.

(٤) أن : سقط من الأصل.

(٥) تعالى : سقط من ب.

(٦) في ب : الملائكة. وهو تحريف.

(٧) في ب : يشاء.

(٨) في ب : إذ لو كان بعلة.

(٩) في ب : قدم.

(١٠) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٣.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٣.

(١٢) المرجع السابق.

(١٣) [البقرة : ٤٥]. وانظر المرجع السابق.

(١٤) انظر المرجع السابق والبحر المحيط ٦ / ٢٩٠.

(١٥) في ب : فصب اختلفوا.

(١٦) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٣.

(١٧) في ب : والأكثرون.

(١٨) أنّ : سقط من ب.

(١٩) في ب : فقيل طلوع وهي الفجر. وهو تحريف.

(٢٠) آناء : سقط من ب.

(٢١) يعني : سقط من ب.

٤٢٣

(وَأَطْرافَ النَّهارِ) كالتوكيد للصّلاة بين الوقتين في طرفي النهار ، وهما صلاة الفجر وصلاة المغرب ، كما اختصت الصلاة الوسطى بالتوكيد.

الثاني : أنّ (١) المراد الصلوات الخمس والنوافل ، لأن الزمان إما أن يكون قبل طلوع الشمس أو قبل غروبها ، فالليل والنهار داخلين في هاتين العبادتين وأوقات الصلاة الواجبة دخلت فيها ، ففي قوله : (وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ) للنوافل.

الثالث : أن المراد أربع صلوات ، فقوله : (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) للفجر (وَقَبْلَ غُرُوبِها) للعصر ، (وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ) المغرب والعتمة ، بقي الظهر خارجا.

وعلى هذا التأويل يمكن أن يستدل (٢) بهذه الآية على أن المراد بالصّلاة الوسطى صلاة الظهر ، لأن قوله : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ)(٣) المراد به هذه الأربع ، ثم أفرد الوسطى بالذكر ، والتأسيس أولى من التأكيد ، والأول أولى (٤). هذا إذا (٥) حملنا التسبيح على الصلاة.

وقال أبو مسلم : لا يبعد حمله على التنزيه والإجلال ، والمعنى اشتغل بتنزيه الله تعالى في هذه الأوقات. فإن قيل (٦) : النهار له طرفان ، فكيف قال : (وَأَطْرافَ النَّهارِ)؟ بل الأولى أن يقول (٧) كما قال : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ)(٨).

فالجواب : من الناس من قال أقل الجمع اثنان فسقط السؤال ومنهم من قال : إنما جمع لأنه يكرر في كل نهار ويعود (٩). وقوله : (مِنْ آناءِ (١٠) اللَّيْلِ) متعلق ب «سبّح» الثانية. قوله : «وأطراف» العامة على نصبه ، وفيه وجهان :

أحدهما (١١) : أنه عطف على محل (وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ).

والثاني : أنه عطف على «قبل» (١٢).

وقرأ الحسن وعيسى بن عمر «وأطراف» بالجر عطفا على (آناءِ اللَّيْلِ)(١٣) وقوله هنا : «أطراف» وفي هود (طَرَفَيِ النَّهارِ)(١٤) ، فقيل (١٥) : هو من وضع الجمع (١٦) موضع التثنية كقوله :

__________________

(١) أن : سقط من ب.

(٢) في ب : يستدلّوا.

(٣) من قوله تعالى : «حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ» [البقرة : ٢٣٨].

(٤) في ب : أقوى.

(٥) في ب : إن.

(٦) في ب : فإن قلت.

(٧) في ب : يقال.

(٨) من قوله تعالى : «وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ» [هود : ١١٤].

(٩) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٣ ـ ١٣٤.

(١٠) في ب : ومن.

(١١) في ب : الأول.

(١٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٩٠.

(١٣) المختصر : (٩٠) ، البحر المحيط ٦ / ٢٩٠ ، الإتحاف : ٣٨٠.

(١٤) [هود : ١١٤].

(١٥) في ب : وقيل.

(١٦) في النسختين : الجمل. والصواب ما أثبته.

٤٢٤

٣٧٠١ ـ ظهراهما مثل ظهور التّرسين (١)

وقيل : هو على حقيقته ، والمراد بالأطراف الساعات (٢).

قوله : «ترضى» قرأ الكسائي (٣) وأبو بكر عن عاسم «ترضى» مبنيّا للمفعول (٤).

والباقون مبنيّا للفاعل (٥) ، وعليه (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى)(٦) والمعنى : ترضى ما تنال من الشفاعة ، أو ترضى بما تنال من الثواب على ضم التاء كقوله : (وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا)(٧).

قوله تعالى : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٣١) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى)(١٣٢)

قوله : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) قيل : المراد (٨) منه نظر العين ، وهؤلاء قالوا : مدّ النظر تطويله ، وأن لا يكاد يرده استحسانا للمنظور وإعجابا به ، كما فعل نظارة قارون حيث قالوا : (يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)(٩) حتى واجههم أولو العلم والإيمان فقالوا : (وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً)(١٠)(١١) وفيه أن النظر غير الممدود يعفى عنه كنظر الإنسان إلى الشيء مرة ثم

__________________

(١) من السريع ، قاله خطام المجاشعي أو هميان بن قحافة ، وهو في الكتاب ٢ / ٨٤ ، ٣ / ٦٢٢ إعراب القرآن المنسوب للزجاج ٣ / ٧٨٧ المخصص ٩ / ٧ ، ابن يعيش ٤ / ١٥٥ ، ١٥٦ ، المقاصد النحوية ٤ / ٧٩ الأشموني ٣ / ٧٤ ، حاشية يس ٢ / ١٢٢ ، الخزانة ٧ / ٥٤٤ شواهد الشافية ٤ / ٩٤. التّرس : بالضم ما يتقى به الضرب من السلاح. وصف فلاتين لا نبت فيهما. والشاهد فيه جواز إطلاق لفظ الجمع على المثنى ، قال سيبويه (وسألت الخليل ـ رحمة الله ـ عن ما أحسن وجوهما؟ فقال : لأن الاثنين جميع ، وهذا بمنزلة قول الاثنين : نحن فعلنا ذاك) الكتاب ٢ / ٤٨.

(٢) انظر التبيان ٢ / ٩٠٨.

(٣) في ب : قرأ الكسائي وأبو عمرو. وهو تحريف.

(٤) والذي قام مقام الفاعل هو النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والفاعل هو الله جل ذكره تقديره : لعل الله يرضيك بما يعطيك يوم القيامة ، ولعل من الله واجبة. انظر الكشف ٢ / ١٠٧.

(٥) السبعة (٤٢٥) ، الحجة لابن خالويه (٢٤٨) ، الكشف ٢ / ١٠٧ ، النشر ٢ / ٢٢ الإتحاف (٣٠٨). جعلوا الفعل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أي : لعلك ترضى بما يعطيك.

(٦) الآية (٥) من سورة الضحى.

(٧) من قوله تعالى : «وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا» [مريم : ٥٥].

(٨) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ببعض من التصرف ٢٢ / ١٣٥ ـ ١٣٦.

(٩) من قوله تعالى : «فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» [القصص : ٧٩].

(١٠) [القصص : ٨٠].

(١١) في ب : الصالحات. وهو تحريف.

٤٢٥

يغض. ولما كان النظر إلى الزخارف كالمركوز في الطبائع (١) قيل : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) أي : لا تفعل ما أنت معتاد له. ولقد شدد المتقون في وجوب غضّ البصر عن أبنية الظلمة ، ولباس الفسقة (٢) ، ومراكبهم وغير ذلك ، لأنهم اتّخذوا هذه الأشياء لعيون النظارة ، فالناظر إليها محصل لغرضهم ، وكالمغرى لهم على اتخاذها. قال أبو مسلم : ليس المنهي عنه هنا هو النظر بل هو الأسف ، أي لا تأسف على ما فاتك مما نالوه من حظ الدنيا.

قال أبو (٣) رافع (٤) : نزل ضيف بالرسول ـ عليه‌السلام (٥) ـ فبعثني إلى يهوديّ ، فقال قل له (٦) : إن رسول الله يقول : بعني كذا وكذا من الدقيق ، وأسلفني إلى هلال رجب ، فأتيته ، فقلت له ذلك ، فقال : والله لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن ، فأتيت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأخبرته بقوله فقال : «والله لئن باعني و(٧) أسلفني لقضيته ، وإني لأمين (٨) في السماء وآمين (٩) في الأرض اذهب بدرعي الحديد إليه» فنزلت هذه الآية (١٠). وقال عليه‌السلام (١١) : «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» (١٢).

وقال أبو الدرداء : الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، ولها يجمع من لا عقل له. وعن الحسن : لو لا حمق الناس لخربت الدّنيا.

وعن عيسى ابن مريم ـ عليه‌السلام (١٣) ـ لا تتّخذوا الدنيا دارا فتتخذكم لها عبيدا.

__________________

(١) في ب : في الطباع.

(٢) في ب : الفسّاق.

(٣) في ب : أبوا. وهو تحريف.

(٤) وهو أبو رافع مولى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ اسمه أسلم ، أجمعوا على ذلك واختلفوا في قصته ، فقال بعضهم : كان للعباس بن عبد المطلب فوهبه للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فلما أسلم العباس بشر أبو رافع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بإسلامه فأعتقه وزوجه سلمى فولدت له عبيد الله بن أبي رافع فلم يزل كاتبا لعلي بن أبي طالب خلافته كلها. المعارف ١٤٥ ـ ١٤٦.

(٥) في ب : بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٦) قل له : سقط من الأصل.

(٧) في الأصل : أو.

(٨) في ب : لا أمين.

(٩) في ب : أمين.

(١٠) انظر البغوي ٥ / ٤٦٩ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ١١٤ ـ ١١٥ وقال ابن عطية : وهذا معترض أن يكون سببا لأن السورة مكية ، والقصة مدنية وإنما الظاهر أن الآية متناسقة مع ما قبلها وذلك أن الله تعالى وبخهم على ترك الاعتبار بالأمم السالفة ثم توعدهم بالعذاب المؤجل ، ثم أمر نبيّه بالاحتقار لشأنهم ، والصبر على أقوالهم والإعراض عن أموالهم وما في أيديهم من الدنيا ، وقال ابن حجر يمكن الجواب على ذلك أن تكون الآية وحدها مدنية ، وبقية السورة مكية. الكافي الشافي (١٠٩).

(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٢) أخرجه مسلم (البر) ٤ / ١٩٨٧ ، وابن ماجة (زهد) ٢ / ١٣٨٨ وأحمد ٢ / ٢٨٥ ، ٥٣٩ ، وانظر أسباب النزول للواحدي ٢٢٦.

(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

٤٢٦

وعن عروة بن الزبير (١) كان إذا رأى ما عند السلطان يتلو (٢) هذه الآية ، وقال : الصلاة يرحمكم الله (٣) قوله: «أزواجا» في نصبه وجهان : أحدهما : أنّه منصوب على المفعول به (٤). والثاني : أنّه منصوب على الحال من الهاء في «به» (٥).

راعى لفظ «ما» مرة فأفرد ، ومعناها أخرى فلذلك (٦) جمع (٧).

قال الزمخشري : ويكون الفعل واقعا على «منهم» كأنه قال : إلى الذين متّعنا به وهو أصناف منهم(٨). قال (٩) ابن عباس : أناسا (١٠) منهم (١١). قال الكلبي والزجاج : رجالا منهم (١٢). قوله : «زهرة» في نصبه تسعة أوجه :

أحدها (١٣) : أنّه مفعول ثان ، لأنه ضمّن «متّعنا» معنى (١٤) أعطينا ، ف «أزواجا» مفعول أول ، و«زهرة» هو الثاني (١٥).

الثاني : أن يكون بدلا من «أزواجا» ، وذلك إما على حذف مضاف أي ذوي زهرة ، وإمّا على المبالغة جعلوا نفس الزهرة (١٦).

الثالث : أن يكون منصوبا بفعل مضمر دلّ عليه «متّعنا» تقديره : جعلنا لهم زهرة (١٧).

الرابع : نصبه على الذم ، قال الزمخشري : وهو النصب على الاختصاص (١٨).

الخامس : أن يكون بدلا من موضع الموصول (١٩) ، قال أبو البقاء : واختاره

__________________

(١) عروة بن الزبير بن العوام ، أبو عبد الله المدني. وردت الرواية عنه في حروف القرآن ، وروى عن أبويه وعائشة ، روى عنه أولاده والزهري وجماعة ، مات سنة ٩٥ ه‍ طبقات القراء ١ / ٥١١ ، تهذيب التهذيب ٧ / ١٨٠ ـ ١٨١.

(٢) في النسختين : يتلوا.

(٣) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٥ ـ ١٣٦.

(٤) ل «متّعنا». وانظر القرطبي ١١ / ٢٦١ ، البحر المحيط ٦ / ٢٩١.

(٥) انظر الكشاف ٢ / ٤٥٢.

(٦) لذلك : سقط من ب.

(٧) و«ما» لفظها مفرد ، ومعناها جمع ، فراعى لفظها فأفرد الضمير في «به» ومعناها فجمع «أزواجا» انظر الكشاف ٢ / ٤٥٢.

(٨) الكشاف ٢ / ٤٥٢.

(٩) في الأصل : قاله. وهو تحريف.

(١٠) في الأصل : وناسا. وهو تحريف.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٦.

(١٢) انظر معاني القرآن ٣ / ٣٨٠ ، الفخر الرازي ٢٢ / ٦٣١.

(١٣) في ب : الأول.

(١٤) في ب : بمعنى.

(١٥) انظر الكشاف ٢ / ٤٥٢ ، البحر المحيط ٦ / ٢٩١.

(١٦) انظر الكشاف ٢ / ٤٥٢ ، التبيان ٢ / ٩٠٩ ، البحر المحيط ٦ / ١٩٢.

(١٧) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٣٨٠ ، ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٨ ، البيان ٢ / ١٥٥ ، التبيان ٢ / ٩٠١ ، القرطبي ١١ / ٢٦١ ، البحر المحيط ٦ / ١٩٢.

(١٨) الكشاف ٢ / ٤٥٢ ، وانظر التبيان ٢ / ٩٠٩.

(١٩) وهو «ما» فإن موضعه نصب.

٤٢٧

بعضهم ، وقال آخرون : لا يجوز ، لأن قوله «لنفتنهم» من صلة «متّعنا» فيلزم الفصل بين الصلة والموصول بالأجنبي (١). وهو اعتراض حسن (٢).

السادس : أن ينتصب على البدل من محل «به» (٣).

السابع : أن ينتصب على الحال من «ما» الموصولة (٤).

الثامن : أنه حال من الهاء في «به» ، وهو ضمير الموصول ، فهو كالذي قبله في المعنى (٥).

فإن قيل : كيف يقع الحال معرفة؟

فالجواب (٦) : أن تجعل «زهرة» منونة نكرة ، وإنما حذف التنوين لالتقاء الساكنين نحو :

٣٧٠٢ ـ ولا ذاكر الله إلّا قليلا (٧)

وعلى هذا (٨) : فبم (جرّت «الحياة»؟ فقيل : على البدل من «ما» الموصولة) (٩)(١٠).

التاسع : أنه تمييز ل «ما» أو الهاء في «به» قاله الفراء (١١) ، وقد ردوه (١٢) عليه بأنه

__________________

(١) التبيان ٢ / ٩٠٩.

(٢) لأنّ «لنفتنهم» متعلق ب «متّعنا» فهو داخل في صلة «ما» ولا يتقدم البدل على ما هو في الصلة ، لأن البدل لا يكون إلا بعد تمام الصلة من البدل منه ، ولأن الموصول لا يتبع قبل كمال صلته ، ولأنه لا يقال مررت بزيد أخاك على البدل ، لأن العامل في المبدل منه لا يتوجه إليه بنفسه انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٩ ، المغني ٢ / ٥٥٥.

(٣) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٦٧٨ ، الكشاف ٢ / ٤٥٢ ، البيان ٢ / ١٥٥ التبيان ٢ / ٩٠٩ ، القرطبي ١١ / ٢٦١ ، البحر المحيط ٦ / ٢٩١.

(٤) انظر التبيان ٢ / ٩٠٩ ، البحر المحيط ٦ / ٢٩١.

(٥) أشار الفراء في كتابه إلى هذا الوجه فقال : (نصبت الزهرة على الفعل متّعناهم به زهرة في الحياة وزينة فيها و«زهرة» وإن كانت معرفة فإن العرب تقول : مررت به الشريف الكريم). معاني القرآن ٢ / ١٩٦.

وانظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٨ ، التبيان ٢ / ٩٠٩ ، القرطبي ١١ / ٢٦١ والبحر المحيط ٦ / ٢٩١.

(٦) في ب : أجيب.

(٧) عجز بيت من بحر المتقارب قاله أبو الأسود الدؤلي ، وصدره : فألفيته غير مستعتب.

(٨) في ب : هذه. وهو تحريف.

(٩) وقد استحسن هذا الوجه مكي في مشكل إعراب القرآن والقرطبي في تفسيره فقال مكي : (والأحسن أن تنصب «زهرة» على الحال ، وتحذف التنوين لسكونه وسكون اللام من «الحياة» كما قرىء «وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ» [يس : ٤٠] فنصب «النهار» ب «سابق» على تقدير حذف التنوين لسكونه وسكون اللام.

وتكون «الحياة» مخفوضة على البدل من «ما» في قوله «إِلى ما مَتَّعْنا». فيكون التقدير : ولا تمدن عينيك إلى الحياة الدنيا زهرة ، أي : في حال زهرتها). مشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٩ ، وانظر تفسير القرطبي ١١ / ٢٦٢.

(١٠) ما بين القوسين سقط من ب.

(١١) انظر البيان ٢ / ١٥٥ ، والتبيان ٢ / ٩٠٩.

(١٢) في ب : ردّ.

٤٢٨

معرفة والمميز (١) لا يكون معرفة (٢) ، وهذا غير لازم ، لأنه يجوز تعريف التمييز على أصول الكوفيين (٣).

والعاشر (٤) : أنه صفة ل «أزواجا» بالتأويلين المذكورين في نصبه حالا وقد منعه أبو البقاء بكون الموصوف نكرة والوصف معرفة (٥) ، وهذا يجاب عنه بما أجيب (٦) في تسويغ نصبه حالا أعني (٧) حذف التنوين لالتقاء الساكنين. والعامة على تسكين الهاء (٨) ، وقرأ الحسن وأبو البرهسم (٩) وأبو حيوة بفتحها (١٠) ، فقيل : بمعنى كجهرة وجهرة. وأجاز الزمخشري (١١) أن يكون جمع زاهر (١٢) كفاجر وفجرة وبارّ وبررة (١٣) وروى الأصمعي عن نافع «لنفتنهم» بضم النون من أفتنه (١٤) إذا أوقعه في الفتنة (١٥) والزّهرة بفتح الهاء وسكونها كنهر ونهر ما يروق من النور وسراج زاهر لبريقه (١٦) ورجل أزهر وامرأة زهراء من ذلك والأنجم الزهر هي المضيئة.

فصل(١٧)

معنى «متّعنا» ألذذنا به ، والإمتاع : الإلذاذ بما يدرك من المناظر الحسنة ويسمع من

__________________

(١) في ب : لأن المميز.

(٢) والذي ردّ ذلك على الفراء ابن الأنباري في البيان ٢ / ١٥٥ ، حيث قال : (وهو غلط عند البصريين ، لأنه مضاف إلى المعرفة ، والتمييز لا يكون معرفة) وأبو البقاء في التبيان ٢ / ٩٠٩ ، حيث قال : (وهو غلط لأنه معرفة).

(٣) وذلك لأن الكوفيين يجيزون تعريف التمييز متمسكين بقول رشيد اليشكري :

رأيتك لمّا أن عرفت وجوهنا

صددت وطبت النفس يا قيس بن عمرو

وأوله البصريون بزيادة «أل» لأن التمييز عندهم واجب التنكير. انظر شرح التصريح ١ / ٣٩٤.

(٤) في ب : وقيل. وهذا الوجه زائد عن العدد الذي حدده ابن عادل في أول كلامه لإعراب «زهرة» فقد حدد في نصبه تسعة أوجه لا عشرة وأرى أنه استنبطه من منع أبي البقاء لهذا الوجه من الإعراب ، وأجاب على منعه كما هو واضح من كلامه في الأصل.

(٥) قال أبو البقاء (ولا يجوز أن يكون صفة لأنه معرفة و«أزواجا» نكرة) التبيان ٢ / ٩٠٩.

(٦) في ب : يجيب.

(٧) في ب : يعني.

(٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٩١. والإتحاف ٣٠٨.

(٩) في ب : وقرأ البرهيثم والحسن.

(١٠) انظر المختصر : (٩٠) ، البحر المحيط ٦ / ٢٩١ ، والإتحاف ٣٠٨.

(١١) في ب : وقال الزمخشري يجوز.

(١٢) وذلك في «زهرة» المفتوح الهاء. انظر الكشاف ٢ / ٤٥٢.

(١٣) و(فعلة) من أبنية جموع الكثرة ، وهو مطرد في (فاعل) وصفا لمذكر عاقل صحيح اللام نحو كامل وكملة وبار وبررة ، وفي ذلك يقول ابن مالك : وشاع نحو كامل وكملة. انظر شرح الأشموني ٤ / ١٣٢.

(١٤) في ب : من الفتنة.

(١٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٩١.

(١٦) الإتحاف ٣٠٨.

(١٧) في ب : قوله.

٤٢٩

الأصوات المطربة (١) ، ويشم من الروائح الطيبة ، وغير ذلك من الملابس والمناكح ، يقال : أمتعه (٢) ومتّعه (٣) تمتيعا ، والتفعيل يقتضي التكثير (٤). ومعنى الزهرة فيمن حرّك الزينة والبهجة ، كما جاء في الجهرة قرىء(٥)(أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً)(٦). وقيل : جمع زاهر وصفا لهم بأنهم زهرة (٧) هذه الحياة الدنيا لصفاء ألوانهم وتهلّل وجوههم بخلاف ما عليه الصّلحاء من شحوب الألوان والتقشف في الثياب (٨). ومعنى «نفتنهم» نعذبهم كقوله : (فَلا (٩) تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ (١٠) بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا)(١١).

وقال ابن عباس : لنجعل ذلك فتنة لهم بأن أزيد لهم في النعمة فيزيدوا كفرا وطغيانا. ثم قال : (وَرِزْقُ رَبِّكَ) في المعاد يعني في الجنة (خَيْرٌ وَأَبْقى) أي : خير من مطلوبهم وأبقى ، لأنه يدوم ولا ينقطع ، وليس كذلك حال ما أوتوه في الدنيا. ويحتمل أن (١٢) ما أوتيته من يسير الدنيا إذا (١٣) قرنته بالطاعة ، ورضيت به ، وصبرت عليه كانت عاقبته خيرا لك. ويحتمل أن يكون المراد ما أعطي من النبوة والدرجات الرفيعة (١٤). قوله : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) أي : قومك.

وقيل : من كان على دينك كقوله تعالى (١٥) : (وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ)(١٦) وحمله بعضهم على أقاربه (١٧).

(وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) أي : اصبر على الصلاة وحافظ عليها فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر. وكان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بعد نزول هذه الآية يذهب إلى فاطمة وعليّ ـ عليهما‌السلام (١٨) ـ في (١٩) كلّ صباح ويقول: «الصّلاة» (٢٠). ثم بيّن تعالى أنّما أمرهم بذلك لنفعهم وأنه (٢١) متعال (٢٢) عن المنافع ، فقال (لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً) أي : لا نكلفك أن (٢٣) ترزق أحدا من خلقنا ، ولا أن ترزق نفسك ، وإنما نكلفك عملا ففرّغ بالك لأمر الآخرة ،

__________________

(١) المطربة : سقط من ب.

(٢) أمتعه : سقط من ب. وفي الفخر الرازي أمتعه إمتاعا.

(٣) في ب : متعه.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٦٣١.

(٥) في ب : يقال. وهو تحريف.

(٦) [النساء : ١٥٣]. و«جهرة» بفتح الهاء قراءة سهل بن شعيب وعيسى. انظر المختصر : (٥).

(٧) في النسختين : زاهروا. والصواب ما أثبته.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٦.

(٩) في النسختين : ولا. وهو تحريف.

(١٠) في ب : أن يعذبهم. وهو تحريف.

(١١) [التوبة : ٥٥].

(١٢) في ب : إنما.

(١٣) في ب : إن.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٦. بتصرف يسير.

(١٥) تعالى : سقط من ب.

(١٦) من قوله تعالى : «وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا» [مريم : ٥٥].

(١٧) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٦. بتصرف.

(١٨) في ب : عليهما الصّلاة والسّلام.

(١٩) في : سقط من ب.

(٢٠) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٦ ـ ١٣٧.

(٢١) في ب : لنفعهم وأنهم ينتفعون بذلك وأنه تعالى.

(٢٢) في الأصل : متعالي.

(٢٣) في ب : على أن.

٤٣٠

كما قال بعضهم : من كان في عمل الله كان الله في عمله (١). وقال أبو مسلم : معناه إنما يريد منه ومنهم العبادة ، ولا يريد منه (٢) أن يرزقه كما يريد السادة من العبيد الخراج ، ونظيره (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ)(٣)(٤). وقيل : المعنى (٥) إنما أمرناك بالصّلاة لا لأنا ننتفع (٦) بصلاتك (٧). (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ) في الدنيا بوجوه النعم ، وفي الآخرة بالثواب قال عبد الله بن سلام: كان النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إذا نزل بأهله ضيق أو شدّة أمرهم بالصلاة ، وتلا هذه الآية (٨).

«والعاقبة» الجميلة المحمودة «للتّقوى» (٩) أي : لأهل التقوى. قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : (الذين صدّقوك واتّبعوك واتقون) (١٠)(١١) ، ويؤيده قوله في موضع آخر ، (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(١٢). وقرأ ابن وثاب : «نرزقك» بإدغام القاف في الكاف (١٣) ، والمشهور عنه أنه لا يدغم إلا إذا كانت الكاف متصلة بميم جمع (١٤) نحو : خلقكم ، كما تقدم.

قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٣٣) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى (١٣٤) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى) (١٣٥)

قوله تعالى (١٥) : (وَقالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ) واعلم (١٦) أن هذا من لازم قوله تعالى (١٧) : (فَاصْبِرْ (١٨) عَلى ما يَقُولُونَ)(١٩) وهو قولهم (٢٠) : (لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ)(٢١) (أي : هلّا يأتينا بآية.

وقال في موضع آخر : (فَلْيَأْتِنا (٢٢) بِآيَةٍ (٢٣) كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ)(٢٤). ثم أجاب عنه

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٧.

(٢) في ب : حينئذ. وهو تحريف.

(٣) [الذاريات : ٥٦ ، ٥٧].

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٧.

(٥) في ب : المراد.

(٦) في ب : بالصلاة لنفعك لا لأن انتفع.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٧.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٧.

(٩) في الأصل : التقوى. وهو تحريف.

(١٠) انظر البغوي ٥ / ٤٧٠.

(١١) ما بين القوسين في ب : الذين صدّقوا واتبعوني.

(١٢) [الأعراف : ١٢٨]. [القصص : ٨٣].

(١٣) البحر المحيط ٦ / ٢٩٢.

(١٤) جمع : سقط من ب.

(١٥) تعالى : سقط من ب.

(١٦) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٧. بتصرف.

(١٧) تعالى : سقط من ب.

(١٨) في ب : واصبر. وهو تحريف.

(١٩) [طه : ١٣٠].

(٢٠) في ب : قوله.

(٢١) في ب : «بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ».

(٢٢) في الأصل : لو لا يأتينا. وهو تحريف.

(٢٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(٢٤) من قوله تعالى : «بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ» [الأنبياء : ٥].

٤٣١

بقوله : (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) أي : بيان ما فيها وهو القرآن إذا وافق ما في كتبهم مع أنّ الرسول ـ عليه‌السلام (١) ـ لم يشتغل بالدراسة والتعلم فكان ذلك إخبارا (٢) عن الغيب فيكون معجزا. و (بَيِّنَةُ(٣) ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) ما فيها من البشائر بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ونبوته وبعثته (٤). وقال ابن جرير والقفال : (بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) من أنباء الأمم الذين أهلكنا لمّا جاءتهم الآيات فكفروا بها ، واقترحوا الآيات ، فلما جاءتهم (٥) لم يؤمنوا بها ، فأخذناهم بالعقوبة والهلاك ، فما يؤمنهم أن يكون حالهم في سؤال الآيات كحال أولئك (٦).

قوله : (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ) قرأ نافع وأبو عمرو وحفص «تأتهم» (٧) بالتأنيث (٨) والباقون بالياء من تحت (٩) ، لأن التأنيث مجازي (١٠).

وقرأ (١١) العامة «بيّنة» (١٢) بإضافة «بيّنة» إلى «ما» مرفوعة (١٣) وهي واضحة وقرأ أبو عمرو فيما رواه أو زيد بتنوين «بيّنة» مرفوعة (١٤) ، وعلى هذه القراءة ففي «ما» أوجه :

أحدها : أنّها بدل من «بيّنة» بدل كل من كل (١٥).

الثاني : أن تكون خبر مبتدإ مضمر ، أي : هي ما في الصحف الأولى.

الثالث : أن تكون «ما» نافية ، قال صاحب اللوامح : وأريد بذلك ما في القرآن من الناسخ والفصل مما لم يكن في غيره من الكتب (١٦) ، وقرأت جماعة «بيّنة» بالتنوين والنصب.

ووجهها : أن تكون «ما» فاعلة ، و«بيّنة» نصب على الحال ، وأنث على معنى «ما» (١٧). ومن قرأ بتاء التأنيث فحملا على معنى «ما» (١٨) ومن قرأ بياء الغيبة فعلى لفظها (١٩). وقرأ ابن عباس بسكون الحاء من «الصّحف» (٢٠).

__________________

(١) عليه‌السلام : سقط من ب.

(٢) في ب : إخبار.

(٣) في ب : وقد بينه. وهو تحريف.

(٤) في النسختين : ونعته.

(٥) في ب : آتتهم.

(٦) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٣٧ بتصرف.

(٧) «تأتهم» سقط من ب.

(٨) السبعة (٤٣٥) ، الحجة لابن خالويه (٢٨٤) ، الكشف ٢ / ١٠٨ ، النشر ٢ / ٣٢٢ ، الإتحاف (٣٠٨).

(٩) وذلك لأن تأنيث البينة غير حقيقي ، وأيضا فقد فرق بين المؤنث وفعله.

(١٠) قرأ : سقط من ب.

(١١) في ب : «بيّنة ما».

(١٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٩٢.

(١٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٩٢.

(١٤) انظر التبيان ٢ / ٩٠٩. البحر المحيط ٦ / ٢٩٢.

(١٥) انظر التبيان ٢ / ٩٠٩.

(١٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٩٢.

(١٧) انظر التبيان ٢ / ٩٠٩. البحر المحيط ٦ / ٢٩٢.

(١٨) ما : سقط من ب.

(١٩) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٩٢.

(٢٠) المختصر : (٩١) ، البحر المحيط ٦ / ٢٩٢.

٤٣٢

قوله : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ) الهاء في «قبله» يجوز أن تعود للرسول لقوله (١) : لو لا أرسلت إلينا رسولا (٢).

وجوّز الزمخشري وغيره في قوله (٣) : أنه (٤) يعود على «بيّنة» باعتبار أنها في معنى البرهان والدليل(٥). والمعنى : ولو أنّا أهلكناهم بعذاب من قبل إرسال الرسول ، أو من قبل مجيء البرهان «لقالوا» يوم القيامة «لولا» هلّا (أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) يدعونا «فنتّبع (٦) آياتك من قبل أن نذلّ ونخزى» (بالعذاب. والذل : الهوان. والخزي : الافتضاح) (٧). أي : لكان لهم أن يقولوا ذلك فيكون عذرا لهم ، فأمّا الآن فقد أرسلناك وبيّنا على لسانك ما عليهم وما لهم فلم تبق لهم حجة ألبتة.

روى أبو سعيد الخدري (٨) : قال ـ عليه‌السلام (٩) ـ : «يحتجّ على الله يوم القيامة ثلاثة الهالك في الفترة ، يقول : لم يأتني رسول (١٠) ، وتلا (لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) والمغلوب على عقله يقول : لم تجعل لي عقلا أنتفع به ، ويقول الصّغير : كنت صغيرا لا أعقل ، فترتفع لهم النّار (١١) ، ويقال (١٢) ادخلوها ، فيدخلها من كان في علم الله أنّه شقيّ ، ويبقى من كان في علم الله أنّه سعيد ، فيقول (١٣) : إيّاي عصيتم فكيف برسلي (١٤) لو أتوكم» (١٥).

فصل

قال الجبائي : هذه الآية تدل على وجوب فعل اللّطف إذ المراد أنه يجب (١٦) أن يفعل بالمكلفين ما يؤمنون عنده ، ولو لم يفعل لكان لهم أن يقولوا : هلّا فعلت ذلك بنا لنؤمن؟ وهلّا أرسلت إلينا رسولا فنتّبع آياتك؟ وإن كان في المعلوم أنهم لا يؤمنون ، وإن

__________________

(١) في الأصل : كقوله وهو تحريف.

(٢) واستظهره أبو حيان البحر المحيط ٦ / ٢٩٢.

(٣) في ب : وجوزه الزمخشري وقوله. وهو تحريف.

(٤) في ب : أنّ.

(٥) قال الزمخشري : (ذكّر الضمير الراجع إلى البينة لأنها في معنى البرهان والدليل) الكشاف ٢ / ٤٥٣.

(٦) في ب : قوله فنتبع.

(٧) ما بين القوسين في ب : بالذل والهوان والعذاب والافتضاح.

(٨) هو سعد بن مالك بن سنان بن عبيد الأنصاري أبو سعيد الخدري ، له ولأبيه صحبة استصغر بأحد ، ثم شهد ما بعدها ، وروى الكثير مات بالمدينة سنة ٧٤ ه‍ تقريبا. تهذيب التهذيب ١٢ / ٢٨٩.

(٩) في ب : عليه الصّلاة والسّلام.

(١٠) في ب : رسولا.

(١١) في ب : فترتفع النار لهم.

(١٢) في ب : ويقال لهم.

(١٣) في ب : فتقول.

(١٤) في ب : برسل.

(١٥) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٧ ـ ١٣٨ ، والقرطبي ١١ / ٢٦٥.

(١٦) يجب : سقط من ب.

٤٣٣

بعث إليهم الرسول لم يكن لهم في ذلك حجة ، فصح أنه إنما يكون حجة لهم (١) إذا كان في المعلوم أنهم يؤمنون عنده إذا أطاعوه (٢).

فصل

قال الكلبي : قوله : (لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) أوضح دليل على أنه تعالى يقبل الاحتجاج من عباده (٣) ، وأنه ليس قوله : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ)(٤) كما ظنه أهل (٥) الجبرية من أنّ ما هو جور منا (٦) يكون عدلا منه ، بل تأويله : أنه لا يقع منه إلا (٧) العدل ، قال : وإذا ثبت أنه تعالى يقبل الحجّة ، فلو لم يكونوا قادرين على ما أمروا به لكان لهم فيه أعظم حجة (٨).

فصل

دلّت الآية (٩) على أن الوجوب لا يتحقق إلا بالشّرع إذ لو تحقق (١٠) العقاب قبل مجيء الشرع لكان العقاب حاصلا قبل الشرع (١١).

قوله : «فنتّبع» (١٢) نصب بإضمار «أن» في جواب التحضيض (١٣).

وفي إعراب أبي البقاء : في جواب الاستفهام (١٤) ، وهو سهو. وقرأ ابن عباس وابن الحنفية (١٥) والحسن وجماعة كثيرة (١٦) : (نَذِلَّ وَنَخْزى) مبنيين (١٧) للمفعول (١٨). قوله :

__________________

(١) في ب : حجة لهم إلا إذا صحّ في المعلوم عنده ، وقيل إنه إنما يكون حجة لهم.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٨٣١.

(٣) في ب : قوله. وهو تحريف.

(٤) من قوله تعالى :«لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ» [الأنبياء : ٢٣].

(٥) في ب : كما كان. وهو تحريف.

(٦) في الأصل : ما جوه منا. وهو تحريف.

(٧) إلا : زيادة من الفخر الرازي يقتضيها السياق.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٨.

(٩) في ب : قال بعضهم دلّت الآية. وفي الفخر الرازي : قال أصحابنا الآية تدل.

(١٠) في ب : إذ لم يتحقق. وهو تحريف.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٨.

(١٢) في ب : فنتبع آياتك.

(١٣) وذلك لأن الفعل المضارع يجب نصبه ب (أن) مضمرة بعد الفاء الواقعة في جواب التحضيض ، فالفاء واقعة في جواب «لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً».

انظر شرح الأشموني ٣ / ٣٠١ ـ ٣٠٣.

(١٤) التبيان ٢ / ٩١٠.

(١٥) هو محمد بن عليّ بن أبي طالب أبو القاسم ابن الحنفية ، وردت الرواية عنه في حروف القرآن روى عن عمر ، وروى عن أبيه وعثمان وغيرهم روى عنه بنوه إبراهيم وعبد الله والحسن وغيرهم ومات سنة ٨١ ه‍ تقريبا. طبقات القراء ٢ / ٢٠٤.

(١٦) زيد بن علي والحسن في رواية عباد والعمري وداود والفزاري وأبو حاتم ويعقوب. البحر المحيط ٦ / ٢٩٢.

(١٧) مبنيين : سقط من ب.

(١٨) المختصر : (٩١).

٤٣٤

(قُلْ (١) كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ) «كلّ» مبتدأ ، و«متربّص» خبره ، أفرد حملا على لفظ «كلّ» (٢).

والمعنى : كلّ منّا ومنكم متربص منتظر عاقبة أمره ، وذلك أن (٣) المشركين قالوا : نتربص بمحمد حوادث الدهر فإذا مات (٤) تخلّصنا. قال الله تعالى (٥) : «فتربّصوا» فانتظروا «فستعلمون» إذا جاء أمر الله ، وقامت القيامة ، وظهر (٦) أمر الثواب والعقاب ، فإنه يتميز المحق من المبطل.

ويحتمل أن يكون المراد قبل الموت إما بسبب الجهاد وإما (٧) بسبب ظهور الدولة والقوة (٨).

قوله : (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ). يجوز في (٩) «من» (١٠) وجهان :

أظهرهما (١١) : أن تكون استفهامية مبتدأة (١٢) ، و«أصحاب» خبره ، والجملة في محل نصب سادّة مسدّ المفعولين (١٣).

والثاني : ويعزى للفراء : أن تكون موصولة بمعنى الذين ، و«أصحاب» خبر مبتدأ مضمر ، أي هم (١٤) أصحاب (١٥). وهذا على مقتضى مذهبهم ، يحذفون مثل هذا العائد وإن لم تطل الصلة (١٦). ثم (علم) يجوز أن تكون عرفانية فتكتفي بهذا

__________________

(١) قل : سقط من ب.

(٢) «كلّ» إذا قطعت عن الإضافة لفظا يجوز مراعاة اللفظ ، وهو الإفراد ، لأن لفظها مفرد ، نحو قوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) [الإسراء : ٨٤] وقوله تعالى : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) [العنكبوت : ٤٠] ومراعاة المعنى ، لأنّ معناها جمع نحو قوله تعالى : (وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ) [الأنفال : ٥٤] قاله أبو حيان. انظر المغني ١ / ٢٠٠.

(٣) في ب : لأن.

(٤) في ب : فإذا جاء أي إذا مات.

(٥) تعالى : سقط من ب.

(٦) في ب : أظهر.

(٧) في ب : أو.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٨.

(٩) في ب : أن. وهو تحريف.

(١٠) في ب : من هذه.

(١١) في ب : أحدهما.

(١٢) في ب : خبرية مبتدأ. وهو تحريف.

(١٣) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٨٠ ، البيان ٢ / ١٥٦ ، التبيان ٢ / ٩١٠ ، البحر المحيط ٦ / ٢٩٢.

(١٤) في ب : فهم.

(١٥) حيث قال في معاني القرآن : (وقوله : «فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ» الذين لم يضلّوا) ٢ / ١٩٧. وابن الأنباري وأبو البقاء لم يجوّزا هذا الوجه لأن فيه حذف العائد المرفوع في صلة غير (أي) ، وهذا لا يجوز عند البصرين إلا إن طالت الصلة. انظر البيان ٢ / ١٥٦ ، التبيان ٢ / ٩١٠.

(١٦) أي أن الكوفيين يجوّزون حذف العائد المرفوع في صلة الموصول وإن لم تستطل الصلة. يقيسون على ذلك قراءة يحيى بن يعمر «تماما على الذي أحسن» بالرفع [الأنعام : ١٥٤]. وقراءة مالك بن دينار وابن السماك «ما بعوضة» بالرفع [البقرة : ٢٦].

وقول الشاعر :

من يعن بالحمد لا ينطق بما سفه

ولا يحد عن سبيل المجد والكرم

وتبعهم ابن مالك إلا أنّه جعله قليلا فقال :

وإن لم يستطل فالحذف نزر

انظر شرح الأشموني ١ / ١٦٨ ـ ١٦٩.

٤٣٥

المفعول وأن تكون على بابها فلا بد من تقدير ثانيهما.

قوله : (الصِّراطِ السَّوِيِّ) قرأ العامة : «السّويّ» على وزن فعيل بمعنى المستوي (١) وقرأ أبو مجلز(٢) وعمران بن (حدير) (٣)(٤) «السّواء» بفتح السين والمد بمعنى (٥) الوسط الجيد (٦).

وقرأ يحيى بن يعمر (٧) والجحدري «السّوّا» على فعلى (٨) باعتبار أن «الصّراط» يذكر ويؤنث(٩). وقرأ ابن عباس : «السّوء» بفتح السين بمعنى (١٠) الشر (١١). وروي عنهما «السّوّى» (١٢) بضم السين وتشديد الواو (١٣) ، ويحتمل ذلك وجهين :

أحدهما (١٤) : أن يكون قلب الهمزة واوا وأدغم الواو في الواو (١٥) ، وأن يكون فعلى من (السواء) ، وأصله (السّويا) ، فقلبت الياء واوا ، وأدغم أيضا ، وكان قياس هذه (السّيّا) ، لأنه متى اجتمع ياء وواو وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء (١٦) ، وهنا فعل بالعكس (١٧)(١٨). وقرىء «السّويّ» بضم السين وفتح الواو وتشديد الياء تصغير (سوء). قاله الزمخشري.

__________________

(١) انظر التبيان ٢ / ٩١٠ ، البحر المحيط ٦ / ٢٩٢.

(٢) هو لاحق بن حميد بن سدوس بن شيبان ، وكان ينزل خراسان وعقبه بها وكان عمر بن عبد العزيز بعث إليه فأشخصه ليسأله عنها ، وكان أبو مجلز عاملا على بيت المال وعلى ضرب السكة ، وتوفي في خلافة عمر بن عبد العزيز قبل وفاة الحسن البصري. المعارف ٤٦٦.

(٣) هو عمران بن حدير أبو عبيدة السدوسي البصري ثقة. روى الحروف عن لاحق بن حميد وعكرمة ، روى عنه الحروف عباس بن الفضل الأنصاري ، مات سنة ١٤٩ ه‍. طبقات القراء ١ / ٦٠٤.

(٤) ما بين القوسين في ب : حصين. وهو تحريف.

(٥) في ب : يعني.

(٦) التبيان ٢ / ٩١٠ ، البحر المحيط ٦ / ٢٩٢.

(٧) في ب : وقرأ أبو يعمر. وهو تحريف.

(٨) في ب : على يفعل. وهو تحريف.

(٩) الصراط مذكر ، وأنثه يحيى بن يعمر بدليل قراءته هذه ، قال ابن الأنباري : (ولا نعلم أحدا من العلماء باللغة حكى تأنيث الصّراط ، فإن صحت هذه القراءة عن ابن يعمر ، ففيه أعظم الحجج ، وهو من أجلاء أهل اللغة والنحو وكتاب الله جلّ ثناؤه نزل بتذكير الصّراط ، وكذلك هو في أشعار العرب) المذكر والمؤنث ١ / ٤٢٢. وانظر البحر المحيط ٦ / ٢٩٢.

(١٠) بمعنى : سقط من ب.

(١١) انظر التبيان ٢ / ٩١٠ ، البحر المحيط ٦ / ٢٩٢.

(١٢) السّوّى : سقط من ب.

(١٣) البحر المحيط ٦ / ٢٩٢.

(١٤) في ب : الأول.

(١٥) فيكون أصل (السّوّى) (السّوأى) فتبدل الهمزة واوا لأنها مفتوحة وقبلها ضمة ، والساكن الذي بينهما ليس بحاجز حصين وأدغمت الواو في الواو فصارت (السوّى) انظر الكتاب ٣ / ٥٤٣ ، شرح الملوكي ٢٦٥.

(١٦) انظر شرح الملوكي ٤٦١.

(١٧) في ب : بالكسر. وهو تحريف.

(١٨) الكشاف ٢ / ٤٥٣.

٤٣٦

قال أبو حيان : وليس بجيد إذ لو كان كذلك أثبت (١) همزة (سوء) (٢) ، والأجود أن يكون تصغير (سواء) كقولهم عطيّ في عطاء (٣).

قال شهاب الدين : وقد جعله أبو البقاء أيضا تصغير (السّوء) بفتح الهمزة (٤) ويرد عليه ما تقدم إيراده على الزمخشري (٥). وإبدال مثل هذه الهمزة جائز فلا إيراد (٦)(٧).

قوله : (وَمَنِ اهْتَدى) فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تكون استفهامية ، وحكمها كالتي قبلها إلا في حذف العائد (٨).

الثاني : أنها في محل رفع على ما تقدم في الاستفهامية (٩).

الثالث : أنها في محل جر نسقا على «الصّراط» أي : وأصحاب من اهتدى (١٠).

وعلى هذين الوجهين تكون موصولة.

قال أبو البقاء في الوجه الثاني : وفيه عطف الخبر على الاستفهام ، وفيه تقوية قول الفراء (١١) يعني : أنه إذا جعلها موصولة كانت خبرية.

ومعنى الكلام : فستعلمون إذا جاء أمر الله وقامت القيامة من أصحاب الصراط المستقيم ومن اهتدى من الضلالة نحن أم أنتم.

عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «إنّ الله ـ عزوجل (١٢) ـ قرأ طه ويس (١٣) قبل أن يخلق آدم بألفي عام ، فلمّا سمعت الملائكة القرآن قالوا : طوبى لأمّة ينزل عليها هذا ، وطوبى لألسن تتكلّم بهذا ، وطوبى لأجواف تحمل هذا» (١٤).

وعن الحسن أنّ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (١٢) قال : «لا يقرأ أهل الجنّة من القرآن إلّا يس وطه» (١٥). والله تعالى أعلم.

__________________

(١) في الأصل : كتبت.

(٢) فتقول : «سؤى».

(٣) البحر المحيط ٦ / ٢٩٣.

(٤) التبيان ٢ / ٩١٠.

(٥) من أنّه لو كان كذلك لثبتت همزة (سوء).

(٦) لأنّ الهمزة المفتوحة المضموم ما قبلها إذا أردت تخفيفها أبدلتها.

(٧) الدر المصون ٥ / ٤٣.

(٨) انظر التبيان ٢ / ٩١٠.

(٩) أي تكون موصولة بمعنى الذي. التبيان ٢ / ٩١٠.

(١٠) فتكون موصولة أيضا. التبيان ٢ / ٩١٠.

(١١) في جعله «من» في قوله : «مَنْ أَصْحابُ» موصولة ، فيكون عطف الخبر على الخبر. التبيان ٢ / ٩١٠.

(١٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٣) في ب : وليس. وهو تحريف.

(١٤) أخرجه الدارمي وابن خزيمة والعقيلي والطبراني وابن عدي وابن مردويه. انظر الدر المنثور ٤ / ٢٨٨.

(١٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٥) في ب : إلا سورة طه عليه الصّلاة والسّلام. والحديث أخرجه ابن حجر العسقلاني في الكافي الشافي في تخريج أحاديث الكشاف من رواية زياد عن الحسن مرسلا (١٠٩).

٤٣٧

(تم الجزء المبارك بحمد الله وعونه وحسن توفيقه في خامس عشر من رمضان المبارك المعطر قدره وحرمته سنة ثمانين وثمانمائة ، أحسن الله عاقبتها آمين ، على يد الفقير إلى الله تعالى علي بن محمد بن عبد الله الفيومي. والحمد لله رب العالمين على كل حال. يتلوه أول سورة الأنبياء) (١).

__________________

(١) ما بين القوسين في نهاية الجزء السابع من الأصل.

٤٣٨

سورة الأنبياء مكيّة

وهي مائة واثنتا عشرة آية ، وكلماتها ألف (١) ومائة وستون كلمة ، وعدد حروفها أربعة آلاف وثمان وتسعون حرفا (٢).

بسم الله الرّحمن الرّحيم

قوله تعالى : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ)(٣)

قوله تعالى : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) الآية.

اللام متعلّقة ب «اقترب» ، قال الزمخشري : هذه اللام لا تخلو إمّا (٣) أن تكون صلة ل «اقترب» ، أو تأكيدا لإضافة الحساب إليهم كقولك : أزف للحيّ رحيلهم ، الأصل : أزف رحيل الحيّ ، ثم أزف للحيّ الرحيل ، ثم أزف للحي رحيلهم ، ونحوه ما أورده سيبويه في باب ما يثنى فيه المستقر توكيدا (٤) ، نحو عليك زيد حريص عليك ، وفيك زيد (٥) راغب فيك (٦) ، ومنه قولهم : لا أبا لك (٧) ، لأنّ اللام مؤكدة لمعنى الإضافة ،

__________________

(١) في النسختين : ألف كلمة.

(٢) في النسختين : وكلماتها ألف ومائة وثمانية وستون كلمة ، وعدد حروفها ألف وثمانمائة وتسعون حرفا.

والتصويب من السراج المنير ٢ / ٤٩٤.

(٣) في الكشاف : من.

(٤) الكتاب ٢ / ١٢٥.

(٥) في الأصل : زيدا. وهو تحريف.

(٦) وذلك أن سيبويه جعل تكرير الظروف بمنزلة ما لم يقع فيه تكرير في حكم اللفظ وجعل التكرير توكيدا للأول ، لا يغير شيئا من حكمه فيما يكون خبرا وما لا يكون خبرا ، ف (عليك) متعلق ب (حريص) ، و(عليك) الثانية توكيد للأولى وكذلك فيك زيد راغب فيك.

قال سيبويه : (هذا باب ما يثنى فيه المستقر توكيدا. وليست تثنيته بالتي تمنع الرفع حاله قبل التثنية ، ولا النصب ما كان عليه قبل أن يثنى. وذلك قولك : فيها زيد قائما فيها. فإنما انتصب (قائم) باستغناء زيد بفيها وإن زعمت أنه انتصب بالآخر فكأنك قلت : زيد قائما فيها. فإنما هذا كقولك : قد ثبت زيد أميرا قد ثبت ، فأعدت قد ثبت توكيدا ، وقد عمل الأول في زيد والأمير. ومثله في التوكيد والتثنية : لقيت عمرا عمرا. فإن أردت أن تلغي فيها قلت : فيها زيد قائم فيها كأنه قال : زيد قائم كأنه فيصير بمنزلة قولك : فيك زيد راغب فيك). الكتاب ٢ / ١٢٥.

(٧) على القول بأن (أبا) مضاف إلى ما بعد اللام ، وتكون اللام زائدة مؤكدة للإضافة فهي بمنزلة الاسم ـ

٤٣٩

وهذا الوجه أغرب من الأول (١).

قال أبو حيّان : يعني بقوله : صلة ل «اقترب» أي : متعلقة به ، وأما جعله اللام توكيدا لإضافة الحساب إليهم مع تقدم اللام ودخولها على الاسم الظاهر فلا نعلم أحدا يقول ذلك ، وأيضا فيحتاج إلى ما يتعلق به ، ولا يمكن تعلقها ب «حسابهم» لأنّه مصدر موصول ، ولأنه قدم معموله عليه (٢) ، وأيضا فإنّ التوكيد يكون متأخرا عن المؤكد ، وأيضا فلو أخر في (٣) هذا التركيب لم يصح (٤).

وأما تشبيهه بما أورده سيبويه فالفرق واضح ، فإن (عليك) معمول ل (حريص) و(عليك) المتأخرة (٥) تأكيد ، وكذلك (فيك زيد (٦) راغب فيك) يتعلق (٧) (فيك) ب (راغب) و(فيك) الثانية توكيد (٨) ، وإنّما غره في ذلك صحة (٩) تركيب اقترب حساب (١٠) الناس ، وكذلك أزف رحيل الحيّ ، فاعتقد إذا تقدم الظاهر مجرورا باللام وأضيف المصدر لضميره أنه من باب : فيك زيد راغب فيك ، فليس مثله.

وأما (لا أبا لك) ، فهي مسألة مشكلة ، وفيها خلاف (١١) ، ويكن أن يقال فيها ذلك (١٢) ، لأنّ اللام فيها جاورت الإضافة ، ولا يقاس عليها لشذوذها وخروجها عن الأقيسة (١٣). قال شهاب الدين : مسألة الزمخشري أشبه شيء بمسألة (لا أبا لك) ،

__________________

ـ الذي ثني في النداء وذلك قولك : يا تيم تيم عدي.

انظر الكتاب ٢ / ٢٧٦ ـ ٢٧٧.

(١) الكشاف ٣ / ٢.

(٢) في البحر المحيط : ولا يتقدم معموله عليه.

(٣) في : سقط من ب.

(٤) لأنّ الضمير في «حسابهم» يكون عائدا على متأخر لفظا ورتبة وهذا لا يجوز.

(٥) في ب : لتأخر. وهو تحريف.

(٦) في ب : زيدا.

(٧) في ب : متعلق.

(٨) وهنا لا يجوز مثل ذلك. فلا يجوز أن يكون (للنّاس) متعلقا ب (حساب) و(هم) توكيد (للناس).

(٩) في ب : خمسة. وهو تحريف.

(١٠) اقترب : تكملة ليست بالمخطوط.

(١١) فسيبويه يرى أن اسم (لا) مضاف لما بعد اللام ، واللام مقحمة بين المتضايفين. وغيره يرى أن اللام وما بعدها صفة ، والاسم شبيه بالمضاف ، لأنّ الصفة من تمام الموصوف. أو أنّ اللام وما بعدها خبر ، و(أبا) تعرب بحركات مقدرة كالمقصور على لغة من يعربها كذلك. وحينئذ تكون اللام للاختصاص ، وهي متعلقة باستقرار محذوف. انظر الكتاب ٢ / ٢٧٦ ـ ٢٢٨ ، المغني ١ / ٢١٦ ـ ٢١٧.

(١٢) وهو كون اللام توكيدا للإضافة.

(١٣) البحر المحيط ٦ / ٢٩٦. يريد أن إقحام اللام في (لا أبا لك) ورد شاذا على غير قياس ، فاختصت (لا) في الأب بهذا ، كما اختص نصب (غدوة) ب (لدن) على التشبيه باسم الفاعل ، انظر الكتاب ٢ / ٢٨١ ، شرح المفصل ٢ / ١٠٧.

٤٤٠