اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٤٠

قوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (٨٠) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (٨١) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى)(٨٢)

قوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ) الآية.

قرأ الأخوان «قد أنجيتكم» و«واعدتكم» (١) و«رزقتكم» بتاء المتكلم. والباقون : «أنجيناكم»(٢) و«واعدناكم» و«رزقناكم» بنون العظمة (٣) واتفقوا على «ونزّلنا» وتقدم خلاف أبي عمرو في (٤) «وعدنا» (٥) في البقرة (٦).

وقرأ حميد «نجّيناكم» بالتشديد (٧). وقرىء (٨) «الأيمن» بالجر (٩). قال الزمخشري : خفض على الجوار كقولهم : جحر ضبّ خرب (١٠).

وجعله أبو حيان شاذا ضعيفا (١١) ، وخرّجه على أنّه نعت «الطّور».

قال : وصف به (١٢) لما فيه من اليمن ، أو لكونه على يمين من (١٣) يستقبل الجبل (١٤) و«جانب» مفعول ثان على حذف مضاف ، أي إتيان جانب. ولا يجوز أن يكون المفعول الثاني محذوفا (١٥) ، «وجانب» ظرف للوعد ، والتقدير : وواعدناكم التوراة في هذا المكان ، لأنه ظرف مكان مختص لا يصل إليه الفعل بنفسه (١٦) ، وكما لو قيل :

__________________

(١) في ب : ووعدتكم.

(٢) في ب : قد أنجيناكم.

(٣) السبعة (٤٢٢) ، الحجة لابن خالويه (٢٤٥) ، الكشف ٢ / ١٠٣ ، ٢ / ٣٢١ ، الاتحاف (٣٠٦).

(٤) في ب : وفي.

(٥) في ب : واعدنا.

(٦) من قوله تعالى :«وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ» [البقرة : ٥١].

(٧) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٦٥.

(٨) في ب : وقراء. وهو تحريف.

(٩) انظر الكشاف ٢ / ٤٤٢ ، البحر المحيط ٦ / ٢٦٥.

(١٠) هذا هو المسمى بالإعراب على الجوار ، وقد وضحه ابن هشام بقوله : أن يعطى الشيء حكم الشيء إذا جاوره كقول بعضهم : هذا جحر ضبّ خرب بالجر ، وذكر أمثلة أخرى شعرية وقرآنية ، ثم قال : والذي عليه المحققون أنّ خفض الجوار يكون في النعت قليلا ، وفي التوكيد نادرا. (ينظر المغني ٢ / ٦٨٢ ـ ٦٨٣) وانظر الكشاف ٢ / ٤٤٢.

(١١) سبق إلى هذا القول أبا حيان السيرافي وابن جني حيث أنكرا الخفض على الجوار ، وقالا في المثال السابق : إن (خرب) صفة نصب على أن الأصل هذا حجر ضبّ خرب حجره ، ثم أنيب المضاف إليه عن المضاف فارتفع واستتر. قال ابن هشام : ويلزمهما استتار الضمير مع جريان الصفة على غير من هي له وذلك لا يجوز عند البصريين وإن أمن اللبس. انظر المغني ٢ / ٦٨٢ ـ ٦٨٣.

(١٢) في ب : بذلك.

(١٣) من : سقط من ب.

(١٤) البحر المحيط ٦ / ٢٦٥.

(١٥) في ب : مرفوعا. وهو تحريف.

(١٦) هذا بناء على ما ذهبوا إليه من أنه لا ينصب على الظرفية من أسماء المكان إلا ما كان مبهما كأسماء الجهات وناحية وجانب ومكان. وما كان مشتقا من اسم الحدث المشتق من الفعل ، وهو ما يعرف ـ

٣٤١

إنه توسّع في هذا الظرف فجعل مفعولا به : أي جعل نفس الموعود (١) نحو : سير عليه فرسخان وبريدان (٢). قوله : «فيحلّ» قرأ (٣) العامة فيحل بكسر الحاء واللام من «يحلل». والكسائي بضمهما (٤).

وابن عيينة وافق العامة في الحاء ، والكسائي في اللام (٥). فالعامة (٦) من حلّ عليه كذا ، أي : وجب ، من حلّ الدّين يحلّ ، أي : وجب قضاؤه (٧) ، ومنه قوله : «حتّى يبلغ الهدي محلّه» (٨) ، ومنه أيضا : (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ)(٩).

وقراءة الكسائي من حلّ يحلّ ، أي نزل (١٠) ، ومنه (أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ)(١١) والمشهور أن فاعل «يحلّ» في القراءتين هو «غضبي» وقال صاحب اللوامح (١٢) : إنه مفعول به ، وأن الفاعل ترك لشهرته والتقدير : فيحل عليكم طغيانكم غضبي ، ودل على ذلك (وَلا تَطْغَوْا) ولا يجوز (١٣) أن يسند إلى «غضبي» فيصير في موضع رفع (١٤) بفعله. ثم قال : وقد يحذف المفعول للدليل (١٥) عليه وهو العذاب ونحوه (١٦) قال شهاب الدين :

__________________

ـ بالمصدر الميمي. ويرى كثير من النحاة ومنهم الرضي استثناء (جانب) من المبهم وما في معناه كجهة ، ووجه ، وكنف ، وجوف البيت ، وخارج الدار ، وداخلها ... فيمتنع نصبها على الظرفية المكانية لعدم إبهامها ، ويوجب جرها بالحرف (في) صريحا ، وعلى ذلك لا يجوز نصب جانب على الظرفية لأنه مختص. انظر شرح الكافية ١ / ١٨٤ ، شرح التصريح ١ / ٣٤١. وانظر أيضا مشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٥ ، ٢ / ١٥١ ، التبيان ٢ / ٨٩٩.

(١) في ب : أي جعل نفس المخفوض وهو الموعود.

(٢) لأن الفرسخ والبريد من أسماء المقادير وهي شبيهة بالمبهم فنصب على الظرفية ، فيجوز أن يسند إليه الفعل في الاتساع. بخلاف (جانب) لأنه ظرف مختص ، فلا يجوز نصبه على الظرفية بل يجب جره ب (في) صريحا.

(٣) في ب : ليحل قراءة. وهو تحريف.

(٤) السبعة (٤٢٢) ، الحجة لابن خالوية (٢٤٥) ، الكشف ٢ / ١٠٣ ، النشر ٢ / ٣٢١ الإتحاف (٣٠٦).

(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٦٥.

(٦) في الأصل : فقراءة.

(٧) أي أنهم بنوه على فعل يفعل ، وهي لغة مسموعة ، حكى أبو زيد : حلّ عليه أمر الله يحلّ. الكشف ٢ / ١٠٣. وقال ابن منظور : وإذا قلت : المحل بكسر الحاء فهو من حلّ يحلّ أي وجب يجب. اللسان (حلل).

(٨) [البقرة : ١٩٦].

(٩) [هود : ٣٩]. [الزمر : ٤٠].

(١٠) أي أنّه بناه على فعل يفعل جعله بمنزلة ما يحل في مكان ، حكى أبو زيد وغيره : حلّ في المكان يحلّ حلولا ومحلّا وحللا بفك التضعيف نادر وذلك نزول القوم بمحلّة ، وهو نقيض الارتحال. اللسان (حلل).

(١١) [الرعد : ٣١].

(١٢) قال ذلك توجيها لقراءة قتادة وابن وثاب والأعمش «فيحلّ» بضم الياء وكسر الحاء. انظر البحر المحيط ٦ / ٢٦٥.

(١٣) في البحر المحيط : وقد يجوز.

(١٤) رفع : سقط من ب.

(١٥) في ب : لدليل.

(١٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٦٥.

٣٤٢

فعنده أنّ حلّ متعد بنفسه ، لأنه من الإحلال كما صرح هو به (١) ، وإذا كان من الإحلال تعدّى لواحد ، وذلك المتعدي إليه إما «غضبي» (على أن الفاعل) (٢) ضمير (٣) عائد على الطغيان كما قدّره ، وإما محذوف والفاعل (٤) «غضبي» ، وفي عبارته قلق (٥). وقرأ طلحة «لا يحلن عليكم» بلا الناهية وكسر الحاء وفتح اللام من يحللن (٦) ونون التوكيد المشددة (٧) ، أي : لا تتعرضوا للطغيان فيحق عليكم غضبي ، وهو من باب لا أرينّك هاهنا (٨).

وقرأ زيد بن علي «ولا تطغوا» بضم الغين (٩) من طغى يطغو كغزا يغزو (١٠).

وقوله : «فيحلّ» يجوز أن يكون مجزوما عطفا على (لا تَطْغَوْا) كذا قال أبو البقاء (١١).

وفيه نظر ، إذ المعنى ليس على نهي الغضب أن يحلّ بهم.

والثاني : أنه منصوب بإضمار (أن) في جواب النهي ، وهو (١٢) واضح (١٣).

فصل

اعلم أن الله تعالى لمّا أنعم على قوم موسى ـ عليه‌السلام (١٤) ـ بأنواع النعم ذكرهم ، ولا شك أنّ إزالة الضرر يجب تقديمه على إيصال المنفعة ، وإيصال المنفعة الدينية أعظم من إيصال المنفعة الدنيوية ، فلهذا بدأ تعالى بإزالة الضرر بقوله : (أَنْجَيْناكُمْ

__________________

(١) لأنه قال قبل قوله : إنه مفعول به : (فيحلّ بضم الياء وكسر الحاء من الإحلال فهو متعد من حلّ بنفسه والفاعل فيه مقدر ترك لشهرته ..) البحر المحيط ٦ / ٢٦٥.

(٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(٣) في ب : لأن الضمير. وهو تحريف.

(٤) في ب : والفاعل على. وهو تحريف.

(٥) الدر المصون ٥ / ٣٥. والقلق الذي في عبارة صاحب اللوامح هو قوله : (وقد يحذف المفعول للدليل عليه وهو العذاب ونحوه) فمعنى هذا أنّ (غضبي) فاعل (يحلّ) والمفعول محذوف ، فكلامه هذا يتعارض مع قوله : ولا يجوز أن يسند إلى «غضبي» فيصير في موضع رفع بفعله.

وفي البحر المحيط : «وقد يجوز» وهو ما يزيل القلق الذي رآه شهاب الدين انظر البحر المحيط ٦ / ٢٦٥.

(٦) تقدّم.

(٧) البحر المحيط ٦ / ٢٦٥.

(٨) تقدّم.

(٩) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٦٥.

(١٠) أي أنّ أصل لامه واو ، قال ابن منظور : الأزهري : الليث : الطغيان والطغوان لغة فيه ، والطغوى بالفتح مثله. والفعل طغوت وطغيت ، والاسم الطغوى ، ابن سيده : طغى يطغى طغيا ويطغو طغيانا جاوز الحد وارتفع وعلا في الكفر. اللسان (طغى).

(١١) فيكون نهيا. انظر التبيان ٢ / ٨٩٩.

(١٢) في ب : هو. وهو تحريف.

(١٣) فالنصب ب «أن» مضمرة بعد الفاء الواقعة في جواب النهي. ويرى الكوفيون أنّ النصب بالفاء نفسها.

الإنصاف ٢ / ٥٥٧.

(١٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

٣٤٣

مِنْ عَدُوِّكُمْ) ، فإن فرعون كان ينزل بهم أنواع الظلم ، والإذلال ، والأعمال الشاقة. ثم ذكر المنفعة الدينية وهي قوله : (وَواعَدْناكُمْ (١) جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) وذلك أنه أنزل عليهم في ذلك الوقت (٢) كتابا فيه بيان دينهم وشريعتهم ، أو لأنهم حصل لهم شرف بسبب ذلك (٣).

قال المفسرون (٤) : وليس للجبل يمين ولا يسار بل المراد أنّ طور سيناء عن (٥) يمين السالك من مصر (٦) إلى الشام (٧). ثم ثلّث بذكر (٨) المنفعة الدنيوية فقال : (وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) أمر إباحة.

ثم زجرهم عن العصيان فقال : (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ)(٩) قال ابن عباس : لا يظلم بعضكم بعضا فيأخذه من صاحبه (١٠). وقال مقاتل والضحاك : لا تظلموا فيه أنفسكم بأن تجاوزوا حدّ الإباحة وقال الكلبي : لا تكفروا النعمة أي لا تستعينوا بنعمتي (١١) على مخالفتي ولا تعرضوا عن الشكر ، ولا تعدلوا عن الحلال إلى الحرام (١٦) والمراد بالطّيّبات هاهنا (١٢) اللذائذ ، لأن المن والسّلوى من لذائذ الأطعمة. وقال الكلبي ومقاتل : الطّيّبات الحلال ، وذلك لأن الله تعالى أنزله إليهم ، ولم يمسه يدي الآدميين (١٣). روي أنهم كانوا يصبحون (١٤) فيجدونه بين (١٥) بيوتهم فيأخذون منه (١٦) قدر حاجتهم في ذلك اليوم إلى الغد ، ومن ادخر لأكثر (١٧) من ذلك فسد ، ومن أخذ منه قليلا كفاه ، أو كثيرا لم يفضل عنه ، فيصنعون منه مثل الخبز وهو (١٨) في غاية البياض والحلاوة ، فإذا كان آخر النهار غشيهم طير السّلوى فيقنصون منها بلا كلفة ما يكفيهم لعشائهم ، وإذا كان الصيف ظلّل عليهم الغمام يقيهم حر الشمس. ثم قال : (فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) أي يجب عليكم غضبي (١٩)(وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى) أي هلك وقيل : شقي. وقيل: وقع في الهاوية : هوى يهوي هويا إذا سقط (٢٠) من علو إلى سفل (٢١).

__________________

(١) في النسختين : «وعدناكم».

(٢) في النسختين القرب. وما أثبته هو الصواب.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٩٥.

(٤) في ب : قال بعض المفسرين.

(٥) في ب : من. وهو تحريف.

(٦) في ب : من أرض مصر.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٩٥ ـ ٩٦.

(٨) في الأصل : ذكر. وهو تحريف.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٩٥.

(١٠) في الأصل : ذكر. وهو تحريف.

(١١) في الأصل : نعمتي.

(١٦) منه : سقط من ب.

(١٢) في ب : هنا.

(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٦٩.

(١٤) في ب : وروي أنهم كانوا يفتتحون.

(١٥) في ب : في بين. وهو تحريف.

(١٦) منه : سقط من ب.

(١٧) في ب : ومن ادخر منه أكثر.

(١٨) في ب : وهي. وهو تحريف.

(١٩) غضبي : سقط من ب.

(٢٠) في ب : إذا سقط به.

(٢١) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٩٦ ، اللسان (هوى).

٣٤٤

ثم قال : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ)(١).

واعلم أنه تعالى وصف نفسه بكونه غافرا وغفورا وغفّارا ، وبأن له غفرانا ومغفرة ، وعبر عنه بلفظ الماضي والمستقبل والأمر. أما كون وصفه غافرا فقوله (٢) : (غافِرِ الذَّنْبِ)(٣) وأما كونه غفورا فقوله : (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ)(٤) (وأما كونه غفّارا فقوله : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ)(٥)(لِمَنْ تابَ وَآمَنَ)(٦). وأما الغفران فقوله : (غُفْرانَكَ رَبَّنا)(٧).

وأما المغفرة فقوله (٨) : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو)(٩)(مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ)(١٠).

وأما صيغة الماضي فقوله في حق داود : (فَغَفَرْنا لَهُ)(١١).

وأما صيغة المستقبل فقوله : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ)(١٢) وقوله : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً)(١٣) وقوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ)(١٤) وأما لفظ الاستغفار فقوله (١٥) : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ)(١٦)(وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ (١٧) آمَنُوا)(١٨) وهاهنا نكتة وهي أنّ العبد له أسماء ثلاثة : الظالم ، والظّلوم ، والظّلّام إذا كثر منه الظلم ، ولله في مقابلة كل واحد (١٩) من هذه الأسماء اسما فكأنه تعالى قال : إن كنت ظالما فأنا غافر ، وإن كنت ظلوما فأنا غفور ، وإن كنت ظلّاما فأنا غفّار (٢٠).

قال ابن عباس (٢١) : «من (تابَ) عن الشرك «وآمن» وحّد الله وصدّقه (وَعَمِلَ صالِحاً) أدّى الفرائض (ثُمَّ اهْتَدى) علم أنّ ذلك توفيق من الله عزوجل. وقال قتادة وسفيان (٢٢)

__________________

(١) في ب : وآمن وعمل صالحا.

(٢) في ب : وإنما وصف نفسه بكونه غافرا قوله.

(٣) [غافر : ٣].

(٤) في ب : وأما قوله غفور ، وقوله : «وَرَبُّكَ الْغَفُورُ». من قوله تعالى : «وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ» [الكهف : ٥٨].

(٥) ما بين المعقوفين سقط من ب.

(٦) [طه : ٨٢].

(٧) في ب : «غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» [البقرة : ٢٨٥].

(٨) في ب : وأما المغفرة فقوله «وَرَبُّكَ الْغَفُورُ» وقوله. وهو تحريف.

(٩) في الأصل : لذوا. وهو تحريف.

(١٠) في ب : على الناس. وهو تحريف.

(١١) من قوله تعالى :«فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ» [ص : ٢٥].

(١٢) [النساء : ٤٨ ، ١١٦].

(١٣) [الزمر : ٥٣].

(١٤) [الفتح : ٢].

(١٥) فقوله : سقط من ب.

(١٦) في ب : «وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ» [هود : ٣ ، ٥٢ ، ٩٠] و[نوح : ١٠].

(١٧) [غافر : ٧].

(١٨) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٩٦.

(١٩) في ب : كل اسم.

(٢٠) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٩٧.

(٢١) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٩٤٤.

(٢٢) سفيان : سقط من ب.

٣٤٥

الثوري : لزم الإسلام حتى مات عليه. وقال الشعبي ومقاتل والكلبي : علم أنّ لذلك ثوابا. وقال زيد بن أسلم: تعلّم العلم ليهتدي كيف يعمل. وقال سعيد بن جبير : أقام على السنة والجماعة (١).

فصل

قال بعضهم : تجب التوبة عن الكفر أولا ثم الإتيان بالإيمان ثانيا ، لهذه (٢) الآية ، فإنه (٣) قدم التوبة على الإيمان.

ودلّت هذه الآية أيضا (٤) على أن (٥) العمل الصالح غير (٦) داخل في الإيمان ، لأنه تعالى عطف العمل الصالح على الإيمان ، والمعطوف يغاير المعطوف عليه (٧).

قوله تعالى : (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (٨٤) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ)(٨٥)

قوله تعالى : (وَما أَعْجَلَكَ) مبتدأ وخبر (٨). و«ما» استفهامية عن سبب التقدم (٩) على قومه.

قال الزمخشري : فإن قلت : «ما أعجلك» سؤال عن سبب العجلة ، فكان (١٠) الذي ينطبق عليه من الجواب أن يقال : طلب زيادة رضاك ، أو الشوق إلى كلامك (١١) وتنجز موعدك (١٢) ، وقوله : (هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) كما ترى غير منطبق عليه.

قلت : قد تضمّن (١٣) ما واجهه به رب العزة شيئين :

أحدهما : إنكار العجلة في نفسها.

والثاني : السؤال عن سبب التقدم والحامل عليه ، فكان (١٤) أهم الأمرين إلى موسى بسط (١٥) العذر ، وتمهيد العلة في نفس ما أنكر عليه (١٦) فاعتلّ بأنّه لم يوجد منّي (١٧) إلا تقدم يسير مثله لا يعتد به في العادة ، ولا يحتفل به ، وليس بيني وبين من سبقته (١٨) إلا

__________________

(١) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٤٤٩.

(٢) في ب : كهذه. وهو تحريف.

(٣) في ب : لأنه.

(٤) في ب : ودلت هذه الإيمان. وهو تحريف.

(٥) أنّ : سقط من ب.

(٦) في ب : أنه غير.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٩٨.

(٨) انظر البيان ٢ / ١٥٢ ، التبيان ٢ / ٩٠٠.

(٩) في ب : المتقدم. وهو تحريف.

(١٠) في ب : وكان.

(١١) في ب : وشوق كلامك. وهو تحريف.

(١٢) في ب : موضعك. وهو تحريف.

(١٣) في ب : قلت يتضمن. وهو تحريف.

(١٤) في ب : وكان.

(١٥) في ب : لبسط. وهو تحريف.

(١٦) في ب : في نفس الأمر إما أنكر عليه.

(١٧) كذا في الكشاف ، وفي النسختين : شيء.

وهو تحريف.

(١٨) في ب : سبق. وهو تحريف.

٣٤٦

مسافة قريبة يتقدم بمثلها الوفد رأسهم ومقدمتهم ، ثم (١) عقبه بجواب السؤال عن السبب فقال : (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى).

وأجاب غيره عن هذا السؤال بأنه ـ عليه‌السلام (٢) ـ ورد عليه من هيبة عتاب الله ما أذهله (٣) عن الجواب المنطبق المرتب على حدود الكلام (٤).

فصل (٥)

في الآية سؤالات :

الأول : قوله : (وَما أَعْجَلَكَ) استفهام ، وهو على الله تعالى محال.

والجواب : أنه إنكار (٦) في صيغة الاستفهام ولا امتناع فيه (٧).

الثاني : أنّ موسى ـ عليه‌السلام (٨) ـ إما أن يقال : إنّه كان ممنوعا عن ذلك التقدم ، أو لم يكن ممنوعا عنه ، فإن كان ممنوعا كان ذلك التقدم معصية فيلزم (٩) وقوع المعصية من الأنبياء ، وإن لم يكن ممنوعا كان ذلك الإنكار غير جائز.

والجواب : لعله ـ عليه‌السلام (١٠) ـ ما وجد نصّا في ذلك إلا أنّه باجتهاده تقدم فأخطأ في ذلك الاجتهاد فاستوجب العتاب.

الثالث : قوله : «وعجلت» والعجلة مذمومة.

والجواب : أنها ممدوحة في الدين قال الله تعالى (١١) : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ)(١٢).

الرابع : قوله «لترضى» يدل على أنّه ـ عليه‌السلام (١٣) ـ إنّما فعل ذلك ليحصل الرّضا لله تعالى ، وذلك باطل من وجهين :

أحدهما : يلزم تجدد صفة الله.

والآخر : أنه ـ تعالى ـ قبل حصول ذلك (١٤) الرضا يجب أن يقال : (إنّه ما) (١٥) كان راضيا عن موسى ، لأنّ تحصيل الحاصل محال ، ولما لم يكن راضيا عنه وجب (١٦) أن

__________________

(١) ثم : سقط من ب.

(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٣) عبارة الزمخشري : ولقائل أن يقول : حار لما ورد عليه من التهيب لعتاب الله فأذهله ذلك.

(٤) الكشاف ٢ / ٤٤٣.

(٥) هذا الفصل نقله ابن عادل كاملا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٩٨ ـ ٩٩.

(٦) في النسختين : كان.

(٧) في ب : والامتناع به.

(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٩) في الأصل : ويلزم.

(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١١) في ب : قال تعالى.

(١٢) [آل عمران : ١٣٣].

(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٤) ذلك : مكرر في الأصل.

(١٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٦) في ب : يوجب.

٣٤٧

يكون ساخطا عليه ، وذلك لا يليق بحال الأنبياء.

والجواب المراد تحصيل دوام الرضا كقوله : (ثُمَّ اهْتَدى) المراد دوام الاهتداء.

الخامس : قوله (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) يدل على أنه ذهب إلى الميعاد قبل الوقت الذي عيّنه الله له وإلا لم يكن تعجيلا (١) ، ثم ظن أنّ (٢) مخالفة أمر الله سبب (٣) لتحصيل رضاه ، وذلك لا يليق بأجهل الناس فضلا عن كليم الله (٤).

والجواب : أن ذلك كان باجتهاد وأخطأ فيه.

السادس : قوله : «إليك» يقتضي كون الله في الجهة ، لأن «إلى» لانتهاء الغاية.

والجواب : اتفقنا على أنّ الله ـ تعالى ـ لم يكن في الجبل ، فالمراد (٥) إلى مكان وعدك.

فصل

دلت الآية على أنّه تعالى أمره بحضور الميقات مع قوم مخصوصين فقال المفسرون : هم السّبعون الذين اختارهم الله من جملة بني إسرائيل (٦) ، يذهبون معه إلى الطور ليأخذوا التوراة ، فسار بهم موسى ، ثم عجّل موسى من بينهم شوقا إلى ربه ، وخلف السبعين وأمرهم أن يتبعوه إلى الجبل ، فقال الله له : (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى) قال مجيبا لربه (هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) أي : بالقرب منّي يأتون من بعدي (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) لتزداد رضّى (٧).

قوله : (هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) كقوله : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ)(٨) و (عَلى أَثَرِي) يجوز أن يكون خبرا ثانيا ، وأن يكون حالا (٩) وقرأ الجمهور : «أولاء» بهمزة مكسورة (١٠).

والحسن وابن (١١) معاذ بياء مكسورة ، وإبدال الهمزة ياء (تخفيفا (١٢)) (١٣).

__________________

(١) في ب : ليلا. وهو تحريف.

(٢) أنّ : سقط من ب.

(٣) في ب : بسبب. وهو تحريف.

(٤) في ب : عن كليم الله موسى.

(٥) في ب : والمراد.

(٦) في ب : واختارهم أنّه من بني إسرائيل.

(٧) انظر البغوي ٥ / ٤٤٩ ـ ٤٥٠.

(٨) [البقرة : ٨٥] أي أنّ قوله : «هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي» مثل قوله «ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ» في الإعراب ، ف «هم» مبتدأ ، و«أولاء» خبره ، و«على أثري» حال من «أولاء». ويجوز على مذهب الكوفيين أن يكون «أولاء» اسما موصولا و«على أثري» صلته. انظر البيان ١ / ١٠٢ ـ ١٠٤ ، التبيان ١ / ٨٦ ، ٢ / ٩٠٠.

(٩) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٦٧.

(١٠) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٦٧. وذلك على لغة الحجازيين. و«أولاء» اسم إشارة للجمع ممدودا عن الحجازيين ، مقصورا عند بني تميم. انظر شرح الأشموني ١ / ١٣٩.

(١١) في ب : ابن ، بدون واو العطف.

(١٢) المختصر (٨٨) ، البحر المحيط ٦ / ٢٦٧.

(١٣) ما بين القوسين في ب : مخففا.

٣٤٨

وابن وثاب «أولى» بالقصر دون همزة (١).

وقرأت طائفة «أولاي» بياء مفتوحة ، وهي قريبة من الغلط (٢) والجمهور «على أثري» بفتح الهمزة والثاء.

وأبو عمرو في رواية عبد الوارث ، وزيد بن علي «إثري» بكسر الهمزة وسكون الثاء (٣) وعيسى بضمها وسكون الثاء ، وحكاها الكسائي (لغة) (٤)(٥).

قوله : «فإنّا (٦) قد فتنّا قومك من بعدك» أي : ابتلينا الذين خلّفتهم (٧) مع هارون ، وكانوا ستمائة ألف ، فأفتنوا بالعجل غير اثني عشر ألفا من بعدك من بعد انطلاقك إلى الجبل (٨).

فصل (٩)

قالت المعتزلة : لا يجوز أن يكون المراد أنّ الله ـ تعالى ـ خلق فيهم الكفر لوجهين :

الأول : الدلائل العقلية (الدالة على) (١٠) أنه لا يجوز من الله ـ تعالى ـ أن يفعل ذلك.

والثاني (١١) : أنّه قال : (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ).

وأيضا : فلأن موسى لمّا طالبهم بذكر (١٢) سبب الفتنة ، فقال : (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ)(١٣) فلو (١٤) حصل ذلك بخلق الله لكان لهم أن يقولوا السبب فيه أن الله خلقه فينا لا ما ذكرت ، فكان يبطل كلام موسى ـ عليه‌السلام (١٥) ـ. وأيضا (١٦) فقوله : (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ) ولو كان (١٧) ذلك بخلقه لاستحال أن يغضب عليهم فيما هو الخالق له (١٨) ، ولما بطل ذلك وجب أن

__________________

(١) على لغة بني تميم. المختصر ٨٨ ، البحر المحيط ٦ / ٢٦٧.

(٢) حكاها الفراء ٢ / ١٨٨ ـ ١٨٩ ، وقال الزجاج (لا وجه لها ، لأن الياء لا تكون بعد ألف آخرة إلا للإضافة نحو «هداي») معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٣٧١.

(٣) انظر المختصر (٨٨) ، والبحر المحيط ٦ / ٢٦٧. و«أثري» بفتح الهمزة والثاء ، و«إثري» بكسر الهمزة وسكون الثاء بمعن الأثر لغتان. اللسان (أثر).

(٤) انظر المختصر : (٨٨) ، البحر المحيط ٦ / ٢٦٧.

(٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(٦) في ب : «قال فإنّا ...».

(٧) في ب : خلفهم. وهو تحريف.

(٨) انظر البغوي ٥ / ٤٥٠.

(٩) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٠ ـ ١٠١.

(١٠) ما بين القوسين سقط من ب.

(١١) في ب : الثاني.

(١٢) في ب : لم يذكر. وهو تحريف.

(١٣) [طه : ٦٨].

(١٤) في ب : أعني لو.

(١٥) عليه‌السلام : سقط من ب.

(١٦) في ب : أيضا.

(١٧) في ب : فلو حصل.

(١٨) في ب : فبما هو خلقه.

٣٤٩

يكون لقوله : «فتنّا» معنى (١) آخر ، وذلك لأن الفتنة قد تكون بمعنى الامتحان ، يقال : فتنت الذّهب بالنار إذا امتحنته بالنار فتميز الجيد من الرديء (٢) ، فهاهنا (٣) شدّد الله التكليف عليهم ، لأن السّامريّ لما أخرج لهم العجل صاروا مكلفين بأن يستدلوا بحدوث جملة العالم والأجسام على أنّ له إلها ليس بجسم وحينئذ يعرفون (٤) أن العجل لا يصلح للإلهية فكان هذا التعبد تشديدا في التكليف ، (والتشديد في التكليف) (٥) موجود.

قال تعالى : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)(٦).

والجواب : ليس في ظهور صوت من عجل (٧) متخذ (٨) من الذهب شبهة أعظم مما (٩) في الشمس والقمر ، والدليل (١٠) الذي ينفي كون الشمس والقمر إلها أولى بأن ينفي كون العجل إلها ، فحينئذ لا يكون حدوث العجل تشديدا في التكليف (١١) ولا يصح حمل الآية عليه ، فوجب حمله على خلق الضلال فيهم.

وقوله (١٢) : أضاف الإضلال إلى السّامري. قلنا : أليس أن جميع المسببات العادية تضاف إلى أسباب من الظاهر وإن كان الموجد هو الله ـ تعالى (١٣) ـ فكذا هاهنا. وأيضا قرىء «وأضلّهم (١٤) السّامريّ» أي (١٥) : وأشد ضلّالهم السامري ، وعلى هذا (١٦) لا يبقى للمعتزلة استدلال ، ثم الذي يحسم مادة الشغب مسألة الداعي. قوله : (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ) العامة على أنه فعل ماض مسند إلى السامري(١٧).

وقرأ أبو معاذ «وأضلّهم» مرفوعا بالابتداء ، وهو أفعل تفضيل ، و«السّامريّ» خبره (١٨).

ومعنى «أضلّهم» أي : دعاهم وصرفهم إلى عبادة العجل ، وأضاف الإضلال إلى السّامريّ ، لأنهم ضلوا بسببه (١٩). قال ابن عباس (٢٠) في رواية سعيد بن جبير : كان السامري علجا (٢١) من أهل كرمان وقع إلى مصر ، وكان من قوم يعبدون البقر ، والأكثرون

__________________

(١) في ب : أمرا. وهو تحريف.

(٢) اللسان (فتن).

(٣) في ب : فهنا.

(٤) في النسختين : يعرفوا. والصواب ما أثبته.

(٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(٦) [العنكبوت : ٢].

(٧) من : سقط من ب.

(٨) متخذ : سقط من ب.

(٩) في ب : ما.

(١٠) الدليل : سقط من ب.

(١١) في ب : في التشبيه والتكليف.

(١٢) في ب : فإن قيل.

(١٣) تعالى : سقط من ب.

(١٤) في ب : فأضلهم.

(١٥) أي : سقط من ب.

(١٦) في ب : على.

(١٧) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٦٧.

(١٨) انظر المختصر : ٨٩ ، البحر المحيط ٦ / ٢٦٧.

(١٩) انظر البغوي ٥ / ٤٥٠.

(٢٠) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٠١.

(٢١) العلج : الرجل الشديد الغليظ ، وقيل : كلّ ذي لحية ، والجمع أعلاج وعلوج. اللسان (علج).

٣٥٠

على أنه كان من عظماء بني إسرائيل من قبيلة يقال لها : السّامرة. قاله الزجاج (١).

وقال عطاء عن ابن عباس كان الرجل من القبط جارا لموسى وقد آمن روي أنهم أقاموا (٢) بعد مفارقة موسى عشرين (٣) ليلة وحسبوها أربعين مع أيّامها ، وقالوا قد أكملنا العدة ، ثم كان (٤) أمر العجل بعد ذلك.

فإن قيل : كيف التوفيق بين هذا وبين قوله لموسى عند مقدمه «إنّا (قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ).

فالجواب (٥) من وجهين :

الأول (٦) : أنه تعالى أخبر عن الفتنة المترقبة بلفظ الموجودة (٧) الكائنة على عادته كقوله : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ)(٨)(وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ)(٩) إلى غير ذلك.

الثاني : أنّ السامري شرع في تدبير الأمر لما غاب موسى ـ عليه‌السلام (١٠) ـ ثم رجع موسى إلى قومه بعد ما استوفى الأربعين ذا القعدة وعشر (١١) ذي الحجة (١٢).

قوله تعالى : (فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ)(٨٧)

قوله : (غَضْبانَ أَسِفاً) حالان (١٣) ، وقد تقدم في سورة الأعراف (١٤) قيل : الأسف (١٥) شدة الغضب ، فلا يلزم التكرار ، لأنّ «غضبان» يفيد أصل الغضب ، و«أسفا» يفيد كماله. وقال الأكثرون(١٦) : حزنا وجزعا ، يقال : أسف يأسف أسفا فهو أسف ، إذا

__________________

(١) قال الزجاج : (قال بعض أهل التفسير : السّامري علج من أهل كرمان والأكثر في التفسير أنّه كان عظيما من عظماء بني إسرائيل من قبيلة تعرف بالسّامرة وهم إلى هذه الغاية في الشام يعرفون بالسامريين).

معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٣٧١.

(٢) في ب : روي أنه كان. وهو تحريف.

(٣) في الأصل : عشرون. وهو تحريف.

(٤) في ب : وقد كان.

(٥) في ب : فالجواب عن ذلك.

(٦) في ب : أحدهما.

(٧) في ب : بلفظ القدرة الموجودة.

(٨) [القمر : ١].

(٩) [الأعراف : ٤٤].

(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١١) في ب : وعشرة.

(١٢) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٠١.

(١٣) البحر المحيط ٦ / ٢٦٨.

(١٤) عند قوله تعالى :«وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ» [الأعراف : ١٥٠].

(١٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٠١ بتصرف يسير.

(١٦) في ب : قال بعض المفسرين.

٣٥١

حزن (١). وقيل : الأسف : المغتاظ ، وفرق بين الاغتياظ والغضب ، لأنّ الله تعالى لا يوصف بالغيظ ويوصف من حيث أن الغضب إرادة الإضرار بالمغضوب عليه (٢) ، والغيظ تغيّر يلحق المغتاظ (٣) وذلك لا يصح إلا على الأجسام كالضحك والبكاء ، ثم إن موسى ـ عليه‌السلام (٤) ـ عاتبهم بعد رجوعه (٥) فقال : (يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً)(٦) قيل : المراد بالوعد الحسن (٧) إنزال التوراة. وقيل : الثواب على الطاعات.

وقال مجاهد : العهد. وهو قوله : (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ) إلى قوله : (ثُمَّ اهْتَدى)(٨) (ويدل عليه قوله بعد ذلك) (٩)(أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ) فكأنه قال : أفنسيتم ذلك الذي قال الله لكم : (وَلا تَطْغَوْا) وقيل : الوعد الحسن (١٠) هاهنا يحتمل أن يكون وعدا حسنا في منافع الدين وأن يكون في منافع الدنيا. أما منافع الدين : فهو الوعد بإنزال الكتاب الهادي إلى الشرائع ، والوعد بحصول الثواب العظيم في الآخرة. وأما منافع الدنيا فإن الله تعالى قد وعدهم قبل إهلاك (١١) فرعون أن يورثهم أرضهم (وديارهم (١٢)) (١٣).

فإن قيل : قوله : (أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ) هذا الكلام إنما يتوجه عليهم لو كانوا معترفين بإله آخر سوى العجل ، وأمّا لمّا اعتقدوا أنه لا إله سواه على ما أخبر الله عنهم أنهم (١٤) قالوا : (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى)(١٥) كيف يتوجه عليهم هذا الكلام؟

فالجواب (١٦) : أنهم كانوا معترفين بالإله لكنهم عبدوا العجل على التأويل الذي يذكره عبّاد الأصنام(١٧).

قوله : (وَعْداً حَسَناً) يجوز أن يكون مصدرا مؤكدا (١٨) ، والمفعول الثاني محذوف

__________________

(١) اللسان (أسف).

(٢) وفي اللسان (غضب) : وأمّا غضب الله فهو إنكاره على من عصاه فيعاقبه.

(٣) وفي اللسان (غيظ) : فإن الغيظ صفة تغير المخلوق عند احتداده بتحرك لها ، والله يتعالى عن ذلك.

(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٥) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٠١.

(٦) في ب : وعدا حسنا صدقا.

(٧) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٢ بتصرف يسير.

(٨) [طه : ٨١ ، ٨٢].

(٩) ما بين القوسين سقط من ب ، وفيها وقوله.

(١٠) في ب : وقيل : الوعد الحسن المراد به.

(١١) في ب : هلاك.

(١٢) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٢.

(١٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٤) أنّهم : سقط من ب.

(١٥) [طه : ٨٨].

(١٦) في ب : الجواب.

(١٧) هذا التأويل ـ والله أعلم ـ ما ورد في قوله تعالى :«أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ» [الزمر : ٣] وانظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٠١ ـ ١٠٢.

(١٨) فيعرب مفعولا مطلقا.

٣٥٢

تقديره : وعدكم بالكتاب والهداية ، أو يترك المفعول الثاني ليعم. ويجوز أن يكون الوعد بمعنى الموعود (١) فيكون هو المفعول الثاني (٢).

قوله : (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) أي أقصيتم (٣) ذلك العهد. وقيل : أفطال عليكم مدة مفارقتي إياكم. وطول العهد يحتمل أمورا (٤) :

أحدها (٥) : أفطال عليكم العهد بنعم (٦) الله من إنجائكم من فرعون ، وغير ذلك من النعم المذكورة في أول سورة البقرة كقوله تعالى (٧) : (فَطالَ عَلَيْهِمُ (٨) الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ)(٩).

وثانيها (١٠) : روي أنّهم عرفوا أنّ الأجل أربعون ليلة فجعلوا كلّ يوم بإزاء ليلة وردّوه إلى عشرين. قال القاضي : هذا ركيك لأن ذلك لا يكاد يشتبه على أحد.

وثالثها (١١) : أنّ موسى ـ عليه‌السلام (١٢) ـ وعدهم (١٣) ثلاثين ليلة فلما زاده الله فيها عشرة (١٤) أخرى طال العهد (١٥).

قوله : «أم أردتم أن (١٦) يحلّ عليكم غضب من رّبّكم» هذا لا يمكن (١٧) إجراؤه على ظاهره لأنّ أحدا لا يريد ذلك (١٨) ، ولكن المعضية (لما كانت) (١٩) توجب ذلك ، ومريد السبب مريد (٢٠) للمسبب (٢١) ، أي أردتّم أن تفعلوا (٢٢) فعلا يوجب عليكم الغضب (٢٣) من ربكم (٢٤).

(فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) ، وهذا يدل على موعد كان فيه ـ عليه‌السلام (٢٥) ـ مع القوم ،

__________________

(١) فيكون المصدر بمعنى اسم المفعول.

(٢) انظر البيان ٢ / ١٥٢ ، والتبيان ٢ / ٩٠٠.

(٣) في الأصل : أنسيتم.

(٤) في ب : أمور. وهو تحريف.

(٥) في ب : الأول.

(٦) في ب : من نعم.

(٧) تعالى : سقط من ب.

(٨) في ب : عليكم. وهو تحريف.

(٩) [الحديد : ١٦].

(١٠) في ب : الثاني.

(١١) في ب : الثاني. وهو تحريف.

(١٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٣) في ب : أوعدهم. وهو تحريف.

(١٤) في ب : ليلة. وهو تحريف. والأولى التعبير بعشر موافقة للقرآن حيث قال الله تعالى : «وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ» [الأعراف : ١٤٢] ويمكن الاعتذار للمؤلف بأنه على تقدير «عشرة أيام».

(١٥) الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٢.

(١٦) أن : مكررة في ب.

(١٧) في ب : لا يجوز.

(١٨) في ب : لأن ذلك لا يريده أحد.

(١٩) ما بين القوسين سقط من ب.

(٢٠) في الأصل : مريدا. وهو تحريف.

(٢١) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٢.

(٢٢) في ب : أي أردتم أن تجعلوا أعني أن تفعلوا.

(٢٣) في ب : غضب.

(٢٤) فيكون من باب المجاز المرسل الذي علاقته السببية ، حيث أطلق المسبب وأراد السبب.

(٢٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.

٣٥٣

فقيل : المراد ما وعدوه من اللحاق والمجيء على أثره. وقيل : ما وعدوه من الإقامة على دينه إلى أن يرجع إليهم من الطور (١) و«موعدي» مصدر (٢) يجوز أن يكون مضافا لفاعله بمعنى أوجدتموني أخلفتكم ما وعدتّكم. وأن يكون مضافا لمفعوله بمعنى : أنهم وعدوه أن يتمسكوا بدينه وسنته (٣).

قوله : «بملكنا» قرأ الأخوان (٤) بضم الميم ، ونافع وعاصم بفتحها والباقون بكسرها (٥). فقيل : لغات بمعنى واحد (٦) كالنّقض والنّقض والنّقض (٧) ، فهي مصادر ، ومعناها القدرة والتسلط. وفرق الفارسي وغيره (٨) بينهما ، فقال (٩) : المضموم معناه : لم يكن ملك فتخلف موعدك بسلطانه ، وإنما فعلناه بنظر واجتهاد ، فالمعنى على أن ليس له ملك كقول ذي الرّمة :

٣٦٨٥ ـ لا يشتكى سقطة منها وقد رقصت

بها المفاوز حتّى ظهرها حدب (١٠)

أي لا يقع منها سقطة فتشتكي (١١).

وفتح الميم مصدر من ملك أمره ، والمعنى : ما فعلناه بأنّا ملكنا الصواب ، بل غلبتنا أنفسنا. وكسر الميم كثر فيما تحوزه اليد وتحويه ، ولكنه يستعمل في الأمور التي يبرمها الإنسان ، ومعناها كمعنى التي قبلها.

والمصدر في هذين الوجهين مضاف لفاعله ، والمفعول (١٢) محذوف أي : بملكنا

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٢.

(٢) موعدي مصدر وعد ، وذلك لأنّ المصدر الميمي من المثال الواوي الذي تحذف فاؤه في المضارع يكون على مفعل بكسر العين كموعد وموضع. التبيان في تصريف الأسماء ٥١ ـ ٥٢.

(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٦٨.

(٤) وهما حمزة والكسائي.

(٥) انظر السبعة (٣٣٢ ، ٤٢٣) الحجة لابن خالويه (٤٤٦) ، الكشف ٢ / ١٠٤ النشر ٢ / ٣٢١ ـ ٣٢٢ ، الإتحاف (٣٠٦).

(٦) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٥ ، التبيان ٢ / ٩٠٠ ، البحر المحيط ٦ / ٢٦٨ وانظر أيضا اللسان (ملك).

(٧) في ب : كالبغض والنقض. وهو تحريف. والنقض : إفساد ما أبرمت من عقد أو بناء. انظر اللسان (نقض).

(٨) وهم مكي ، وابن الأنباري ، والعكبري. انظر الكشف ٢ / ١٠٤ ، ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٥ ، البيان ٢ / ١٥٢ ، التبيان ٢ / ٩٠٠ ـ ٩٠١.

(٩) في ب : فقيل.

(١٠) البيت من بحر البسيط قاله ذو الرّمة وهو في ديوانه (١ / ٤٤) ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٧٤ البحر المحيط ٦ / ٢٦٨. السّقطة : السقوط والعثرة. المفاوز : جمع مفازة. وهي الصحراء التي لا ماء فيها. الحدب : خروج الظهر ، ودخول البطن والصدر.

(١١) في ب : فتشكوا. وهو تحريف.

(١٢) في ب : والمصدر. وهو تحريف.

٣٥٤

الصواب (١). قوله : «حمّلنا» قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وحفص بضم الحاء وكسر الميم المشددة وأبو جعفر كذلك إلا أنه خفف الميم. (والباقون بفتحها خفيفة الميم (٢)) (٣). فالقراءة الأولى والثانية نسبوا فيهما (٤) الفعل إلى غيرهم (٥).

وفي الثالثة (٦) نسبوه إلى أنفسهم (٧) و«أوزارا» (٨) مفعول ثان على غير القراءة الثالثة (٩). و (مِنْ زِينَةِ) يجوز أن يكون متعلقا (١٠) ب «حمّلنا» ، وأن يكون متعلقا بمحذوف على أنه صفة ل «أوزارا».

وقوله : «فكذلك» نعت لمصدر (١١) أو حال من ضميره عند سيبويه أي : إلقاء مثل إلقائنا.

فصل

اختلفوا في القائل (١٢)(ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) على وجهين :

فقيل : القائل هم الذين لم يعبدوا العجل كأنهم قالوا : ما أخلفنا موعدك بأمر كنّا نملكه ، وقد يضيف(١٣) الرجل فعل قرينه إلى نفسه ، كقوله تعالى : (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ)(١٤)(وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً)(١٥) وإن كان القائل (١٦) بذلك آباءهم ، فكأنهم قالوا : الشبهة قويت (١٧) على عبدة العجل ، فلم نقدر على منعهم عنه (١٨) ولم نقدر أيضا على مفارقتهم ، لأنّا (١٩) خفنا أن يصير ذلك سببا لوقوع الفرقة ، وزيادة الفتنة.

وقيل : هذا قول عبدة العجل ، والمعنى أن غيرنا أوقع الشبهة في قلوبنا ، وفاعل

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٦٨.

(٢) انظر السبعة (٤٢٣) ، الحجة لابن خالويه (٢٤٦) ، الكشف ٢ / ١٠٤ النشر ٢ / ٣٢٢ ، الإتحاف (٣٠٦).

(٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(٤) في ب : فيها.

(٥) أي أنهم بنوا الفعل للمفعول الذي لم يسم فاعله. الحجة لابن خالويه (٢٤٦) ، الكشف ٢ / ١٠٤.

(٦) في الأصل : وفي الثانية ، وفي ب : وفي الثالث.

(٧) ببناء الفعل للمعلوم. الحجة لابن خالويه (٢٤٦) ، الكشف ٢ / ١٠٥.

(٨) في ب : أوزار.

(٩) «حمّلنا» عدّي بالتضعيف إلى مفعولين ، وبني للمفعول ، فالضمير المتصل نائب فاعل ، و«أوزارا» مفعول ثان. أما على القراءة الثالثة فالضمير المتصل فاعل ، و«أوزارا» مفعول به ، فالفعل متعد إلى مفعول واحد.

(١٠) في ب : متعلق. وهو تحريف.

(١١) محذوف أي إلقاء مثل ذلك ، قاله مكي في مشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٥ وأبو البقاء في التبيان ٢ / ٩٠١.

(١٢) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٢ ـ ١٠٣.

(١٣) في ب : يضف. وهو تحريف.

(١٤) [البقرة : ٥٠].

(١٥) [البقرة : ٧٢].

(١٦) في الفخر الرازي : الفاعل.

(١٧) في ب : قرينة. وهو تحريف.

(١٨) في ب : منه.

(١٩) في ب : لأني. وهو تحريف.

٣٥٥

السبب فاعل المسبب ، فمخلف الوعد هو (١) الذي أوقع الشبهة ، فإنه (٢) كان كالمالك لنا. فإن قيل : كيف يعقل رجوع قريب من ستمائة ألف إنسان من العقلاء المكلفين عن الدين الحق دفعة واحدة إلى عبادة عجل يعرف فسادها بالضرورة ، ثم إن مثل هذا الجمع لما فارقوا الدين وأظهروا الكفر فكيف يعقل (٣) رجوعهم دفعة واحدة عن ذلك (٤) الدين بسبب رجوع موسى ـ عليه‌السلام (٥) ـ وحده إليهم؟

فالجواب (٦) : هذا غير (٧) ممتنع في حق البله (٨) من الناس.

ثم إنّ القوم فروا العذر (٩) الحامل لهم (١٠) على ذلك الفعل فقالوا (وَلكِنَّا (١١) حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) فمن قرأ بالتخفيف فالمعنى حملنا (١٢) في (١٣) أنفسنا ما كنا استعرضناه من القوم. ومن قرأ بالتشديد فقيل : إن موسى ـ عليه‌السلام (١٤) ـ أمرهم باستعاره الحليّ والخروج بها فكأنه ألزمهم ذلك. والمراد بالأوزار حليّ قوم فرعون.

وقيل : جعلنا كالضامن لها إلى أن نؤديها إلى حيث يأمرنا الله.

وقيل : إنّ الله تعالى حمّلهم ذلك ، أي : ألزمهم حكم المغنم (١٥).

قيل : أخذوها على وجه العارية ولم يردوها حين خرجوا من مصر استعاروها لعيدهم (١٦).

وقيل : إن الله تعالى لما أغرق فرعون نبذ البحر حليّهم فأخذوها وكانت غنيمة ، ولم تكن الغنيمة حلالا لهم في ذلك الزمان ، فسماها الله أوزارا لذلك (١٦) ، لأنه يجب عليهم حفظها من غير (١٧) فائدة فكانت أوزارا (١٨).

وقيل : سميت (١٩) أوزارا لكثرتها وثقلها ، والأوزار : الأثقال. وقيل المراد بالأوزار الآثام ، والمعنى حمّلنا آثاما ، روي (٢٠) أن هارون ـ عليه‌السلام (٢١) ـ قال إنها نجسة فتطهروا منها (٢٢) ، وقال السّامريّ إنّ موسى إنما احتبس عقوبة بالحليّ. فيجوز أن

__________________

(١) هو : سقط من ب.

(٢) في ب : كأنه. وهو تحريف.

(٣) في ب : يمكن.

(٤) في ب : هذا.

(٥) في ب : عليه الصلاة والسّلام.

(٦) في ب : والجواب.

(٧) غير : سقط من ب.

(٨) الأبله : هو الذي لا عقل له. اللسان (بله).

(٩) في ب : الفرار. وهو تحريف.

(١٠) في ب : عليهم ولهم. ولا معنى لها.

(١١) في ب : إنا. وهو تحريف.

(١٢) حمّلنا : سقط من الأصل.

(١٣) في الأصل : مع.

(١٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٥) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٢ ـ ١٠٣.

(١٦) انظر البغوي ٥ / ٤٥١.

(١٦) انظر البغوي ٥ / ٤٥١.

(١٧) في ب : لغير.

(١٨) في ب : أثقالا.

(١٩) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٣.

(٢٠) في ب : فصل روي.

(٢١) في ب : عليه الصّلاة والسّلام.

(٢٢) في الأصل : منه. وهو تحريف.

٣٥٦

يكونوا (١) أرادوا هذا القول ، وقد يقول الإنسان للشيء (٢) الذي يلزمه رده هذ كله إثم وذنب.

وقيل : إنّ ذلك الحليّ كان للقبط يتزينون به في مجامع (٣) لهم يجري فيها الكفر ، فلذلك (٤) وصفت بكونها أوزارا كما يقال مثله في آلات المعاصي (٥).

وقوله : «فقذفناها» أي فطرحناها (٦) في الحفيرة ، وذلك أن هارون قال لهم : إنّ تلك غنيمة لا تحلّ فاحفروا ، فحفروا حفيرة ، ثم ألقوه فيها حتى يرجع موسى فيرى فيها رأيه ، ففعلوا (٧).

وقيل : قذفوها في موضع أمرهم السامريّ بذلك (٨).

وقيل : في موضع جمع فيه النار ، ثم قالوا : وكذلك ألقى السامري ما معه من الحليّ فيها (٨).

قوله تعالى : (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً)(٨٩)

قوله : (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ).

قال ابن عباس : أو قد هارون نارا وقال : اقذفوا ما معكم فيها فألقوا فيها ، ثم ألقى السامريّ ما كان معه من تربة حافر فرس جبريل ـ عليه‌السلام (٩) ـ.

قال قتادة : كان قد صيّر قبضة من ذلك التراب في عمامته (١٠) ، (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ).

واختلفوا (١١) هل كان ذلك الجسد (١٢) حيّا أم لا؟

فقيل : لا لأنه لا يجوز إظهار (١٣) خرق العادة على يد الضال بل السامري صوّر صورة على شكل العجل ، وجعل فيها منافذ وتخاريق بحيث تدخل (١٤) فيها الرياح ، فيخرج صوت يشبه صوت العجل.

وقيل : إنّه صار حيا ، وخار (١٥) كما يخور العجل ، لقوله : (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ

__________________

(١) في ب : أن يكون قد. وهو تحريف.

(٢) في ب : وقد يقال للإنسان. وهو تحريف.

(٣) في ب : جامع. وهو تحريف.

(٤) في ب : فكذلك. وهو تحريف.

(٥) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٣.

(٦) في ب : أي طرحناها.

(٧) انظر البغوي ٥ / ٤٥١.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٣.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٣.

(٩) انظر البغوي ٥ / ٤٥٢.

(١٠) انظر البغوي ٥ / ٤٥٢.

(١١) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٣ ـ ١٠٤.

(١٢) في ب : الخوار أعني الجسد.

(١٣) إظهار : سقط من الأصل.

(١٤) في ب : يظهر.

(١٥) في ب : وخور. وهو تحريف.

٣٥٧

الرَّسُولِ)(١) ، ولو لم يصر حيّا لما بقي لهذا الكلام فائدة ، ولأنه تعالى سماه عجلا ، والعجل (٢) حقيقة هو الحيوان ، وسماه جسدا وهو إنما يتناول الحي.

وأثبت له الخوار (٣).

وأما ظهور خارق العادة على يد الضال فجائز ، لأنه لا يحصل الالتباس وهاهنا كذلك فوجب أن لا يمتنع.

وروى عكرمة عن ابن عباس أن هارون ـ عليه‌السلام (٤) ـ مرّ بالسّامريّ وهو يصنع العجل ، فقال ما تصنع؟ فقال أصنع (٥) ما ينفع ولا يضر فادع لي فقال : اللهم أعطه ما سأل ، فلما مضى هارون ، قال السامريّ اللهم (٦) إني أسألك أن تجعل له خوارا (٧).

وفي رواية : فألقى التراب في فم العجل ، وقال : كن عجلا يخور ، فكان كذلك يدعوه (٨) هارون وعلى (٩) هذا التقدير يكون ذلك معجزا للنبي (١٠).

قوله : (فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى) وهاهنا إشكال وهو أن القوم إن كانوا في الجهالة (١١) بحيث اعتقدوا أن ذلك العجل المعمول في تلك الساعة هو الخالق للسموات والأرض فهم مجانين ، وليسوا مكلفين ، ولأن هذا محال على مثل ذلك الجمع العظيم ، وإن لم يعتقدوا ذلك ، فكيف قالوا : (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى)؟

وجوابه لعلهم كانوا من الحلولية (١٢) : فجوزوا حلول الإله وحلول صفة من صفاته في ذلك الجسم ، وإن كان ذلك أيضا في غاية البعد ، لأن ظهور الخوارق لا يناسب الإلهية (١٣) ، ولكن لعل القوم في نهاية (١٤) البلادة (١٥).

قوله : «فنسي» قرأ العامة بكسر السين. وقرأ الأعمش بسكون السين (١٦) ، وهي لغة فصيحة والضمير في «نسي» يجوز أن يعود على «السّامريّ» ، وعلى هذا قيل : إنه من كلام

__________________

(١) [طه : ٩٦].

(٢) في ب : ولأن العجل.

(٣) في ب : خوار. وهو تحريف. وبعد ذلك في الفخر الرازي : وأجابوا عن حجة الأولين بأن ظهور خوارق العادة ...

(٤) في ب : عليه الصّلاة والسّلام.

(٥) اصنع : سقط من الأصل.

(٦) في الأصل : قال اللهم.

(٧) في ب : اللهم اجعل له خوار.

(٨) في ب : لدعوة.

(٩) في ب : على.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٣ ـ ١٠٤.

(١١) في ب : الجاهلية.

(١٢) الحلولية مذهب عقائدي يقول أصحابه بالتناسخ ، وذلك بحلول روح الإله في أجساد طوائف خاصة كالأنبياء والأئمة فاكتسبوا بذلك بعض صفات الألوهية ، واعتبر الحلولية من غلاة الروافض ، وقد انقسموا جملة فرق منهم : السبائية والبيانية والخطابية وغير ذلك وجميعها تنسب إلى رؤساء هذه الفرق.

القاموس الإسلامي ٢ / ١٣٧.

(١٣) في ب : الألوهية.

(١٤) في ب : غاية.

(١٥) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٤.

(١٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٦٩.

٣٥٨

الله تعالى ، كأنه أخبر عن السامري أنه نسي الاستدلال على حدوث الأجسام ، وإنّ الإله لا يحل في شيء ولا يحل فيه شيء ، ثم إنه تعالى (١) بيّن المعنى الذي يجب الاستدلال به وهو قوله : (أَفَلا يَرَوْنَ) أن لا (يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) أي : لم يخطر ببالهم أن من لا يتكلم ولا ينفع ولا يضر لا يكون إلها ، ولا يكون للإله تعلق بالحالية (والمحلية (٢)) (٣).

ويجوز أن يعود على «موسى» (٤) وعلى هذا قيل : هذا قول (٥) السامري ، والمعنى أن (٦) هذا إلهكم وإله موسى ، فنسي موسى (٧) أن هذا هو الإله فذهب يطلبه في موضع آخر وهو قول الأكثرين. وقيل : فنسي وقت الموعد في الرجوع (٨).

قوله : (أَفَلا يَرَوْنَ) أن لا (يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) أي : أن العجل لا يكلمهم ، لا يجيبهم إذا دعوه ، (وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً). وهذا استدلال على عدم أنه إله بأنه (٩) لا يتكلم ولا ينفع ولا يضر. وهذا يدل على أن الإله لا بد وأن يكون موصوفا بهذه الصفات ، وهو كقوله تعالى في قصة إبراهيم ـ عليه‌السلام (١٠) ـ (لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ)(١١) وأن موسى ـ عليه‌السلام (١٢) ـ في الأكثر لا يعول (١٣) إلا على (١٤) دلائل إبراهيم (عليه‌السلام) (١٥).

قوله : «أن لا يرجع» العامة على رفع «يرجع» (١٦) لأنها المخففة من الثقيلة ، ويدل على ذلك وقوع أصلها وهو المشددة في قوله : (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ)(١٧).

قال الزجاج : الاختيار الرفع (١٨) بمعنى : أنه لا يرجع كقوله : (وَحَسِبُوا) أن لا (تَكُونَ فِتْنَةٌ)(١٩) بمعنى : أنه لا تكون.

__________________

(١) تعالى : سقط من ب.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٤.

(٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(٤) انظر البيان ٢ / ١٥٢ ـ ١٥٣ ، والبحر المحيط ٦ / ٢٦٩.

(٥) في ب : كلام.

(٦) أن : سقط من ب.

(٧) موسى : سقط من الأصل.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٤.

(٩) في ب : وبأنه.

(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١١) [مريم : ٤٢].

(١٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٣) في ب : لا يقول. وهو تحريف.

(١٤) في ب : إلى. وهو تحريف.

(١٥) ما بين القوسين سقط من ب. وانظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٤.

(١٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٦٩.

(١٧) [الأعراف : ١٤٨]. وذلك أنّ «أن» إذا وقعت بعد علم ونحوه من أفعال اليقين فهي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ، والتقدير : أنّه لا يرجع. شرح الأشموني ٣ / ٢٨٢.

(١٨) قال الزجاج : (والاختيار مع رأيت وعلمت وظننت أن لا يفعل ، في معنى : قد علمت أنه لا يفعل) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٣٧٣.

(١٩) [المائدة : ٧١].

٣٥٩

وقرأ أبو حيوة والشافعي (رضي الله عنه) (١) وأبان بنصبه (٢) ، جعلوها (٣) الناصبة.

والرؤية على الأولى يقينية (٤) ، وعلى الثانية بصرية ، وقد تقدم تحقيق هذين القولين (في المائدة(٥))(٦).

والسّامريّ : منسوب لقبيلة يقال لها سامرة (٧).

فصل (٨)

دلّت الآية على وجوب النظر في معرفة الله تعالى ، وقال في آية أخرى (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً)(٩) ، وهو قريب من قوله في ذم (١٠) عبدة الأصنام (فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ)(١١) ، أي لو كان يكلمهم لكان إلها ، والشيء يجوز أن يكون مشروطا بشروط كثيرة ، وفوات واحد (١٢) منها يقتضي فوات المشروط (١٣) ، وحصول الواحد منها لا يقتضي حصول المشروط.

قال بعض اليهود لعليّ ـ رضي الله عنه ـ ما دفنتم نبيّكم حتّى اختلفتم.

فقال (١٤) : اختلفنا عنه وما اختلفنا فيه ، وأنتم ما جفّت أقدامكم من ماء (١٥) البحر حتى قلتم لنبيكم اجعل لنا إلها كما لهم آلهة.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي)(٩٣)

فصل (١٦)

قوله (١٧) : (وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ) إنما قال (١٨) ذلك شفقة منه على نفسه وعلى الخلق ، أما شفقته على نفسه ، فلأنه كان مأمورا من عند الله بالأمر بالمعروف

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من ب.

(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٦٩.

(٣) في ب : وجعلوها.

(٤) في ب : علمية.

(٥) عند قوله تعالى : «وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ» [المائدة : ٧١].

(٦) ما بين القوسين سقط من ب.

(٧) في معجم البلدان : سامرة قرية بين مكة والمدينة. (سمر).

(٨) نقل ابن عادل هذا الفصل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٤ ـ ١٠٥.

(٩) [الأعراف : ١٤٨].

(١٠) ذم : سقط من ب.

(١١) [الأنبياء : ٦٣].

(١٢) في ب : واحدة. وهو تحريف.

(١٣) في ب : الشروط. وهو تحريف.

(١٤) في ب : فقالوا. وهو تحريف.

(١٥) ماء : سقط من ب.

(١٦) فصل : سقط من ب.

(١٧) قوله : سقط من الأصل.

(١٨) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٥ ـ ١٠٧.

٣٦٠