اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٤٠

تكون «أيّنا» موصولة بمعنى (الذي) وبنيت لأنها قد أضيفت وحذف صدر صلتها و«أشدّ» خبر مبتدأ محذوف ، والجملة من ذلك المبتدأ وهذا (١) الخبر صلة ل «أيّ» ، و«أيّ» وما في خبرها في محل نصب مفعولا به كقوله تعالى : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ)(٢) في أحد وجهيه كما تقدم(٣). وأراد بقوله : «أيّنا» نفسه ـ لعنه الله ـ وموسى (٤) ، لقوله (٥) : (آمَنْتُمْ لَهُ)(٦) و (أَشَدُّ عَذاباً) أي : أنا على إيمانكم به أو ربّ موسى على ترك الإيمان به ، (وَأَبْقى) أي : أدوم (٧).

فإن قيل (٨) : إنّ فرعون مع قرب عهده بمشاهدة انقلاب العصا حيّة عظيمة ، وذكر أنها قصدت ابتلاع قصر فرعون ، وآل الأمر إلى أن استغاث بموسى من شر (٩) ذلك الثعبان ، فمع قرب عهده بذلك ، وعجزه عن (١٠) دفعه كيف يعقل أن يهدد السحرة ، ويبالغ في وعيدهم إلى هذا الحد ، ويستهزىء بموسى ، ويقول : (أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً)؟

فالجواب : يجوز أن يقال : إنّه كان في أشد الخوف في قلبه إلا أنّه كان يظهر الجلادة والوقاحة تمشية لناموسه ، وترويجا لأمره. ومن استقرى أحوال أهل العالم علم أنّ العاجز (١١) قد يفعل أمثال هذه الأشياء ، ويدل على صحة ذلك أن كل عاقل يعلم بالضرورة أن عذاب الله أشدّ من عذاب البشر ، ثم إنه أنكر ذلك.

وأيضا : فقد كان عالما بكذبه في قوله : (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) لأنه علم أنّ موسى ما خالطهم البتة ، وما لقيهم ، وكان يعرف من سحرته ويعرف أستاذ كل واحد من هو ، وكيف حصّل ذلك العلم ، ثم إنه (١٢) مع ذلك قال هذا الكلام ، فثبت أن سبيله في ذلك (١٣) ما ذكرناه ، وقال (١٤) ابن عباس رضي الله عنهما : كانوا في النهار سحرة ، وفي آخره شهداء (١٥).

قوله تعالى : (قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (٧٢) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى)(٧٣)

قوله : (قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ) أي لن نختارك على ما جاءنا من

__________________

(١) هذا : سقط من ب.

(٢) [مريم : ٦٩].

(٣) في أوائل السورة.

(٤) في ب : وموسى عليه الصلاة والسلام.

(٥) في ب : بقوله.

(٦) سبق إلى تقرير هذا المعنى العلامة الزمخشري ٢ / ٤٤١.

(٧) انظر تفسير البغوي ٥ / ٤٤٣.

(٨) من هنا نقله ابن عادل عن تفسير الفخر الرازي ٢٢ / ٨٨.

(٩) شر : سقط من ب.

(١٠) في الأصل : و. وهو تحريف.

(١١) في ب : الفاجر. وهو تصحيف.

(١٢) أنّه : سقط من الأصل.

(١٣) في ب : سبيل ذلك. وهو تحريف.

(١٤) في ب : فصل قال.

(١٥) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٨٨.

٣٢١

الدلالات. لمّا هددهم فرعون أجابوه بما يدل على حصول اليقين (١) التام والبصيرة الكاملة في أصول الدين ، فقالوا : (لَنْ نُؤْثِرَكَ) ، وهذا يدل على أن فرعون طلب منهم الرجوع عن الإيمان وإلّا فعل بهم ما وعدهم ، (فأجابوه بقولهم) (٢) : (لَنْ نُؤْثِرَكَ) ، وبيّنوا العلة ، وهي أنّ الذي جاءهم ببيّنات وأدلة ، والذي يذكره فرعون محض الدنيا (٣).

وقيل : كان استدلالهم أنهم قالوا : لو كان هذا سحرا فأين حبالنا وعصيّنا (٤).

قوله : (وَالَّذِي فَطَرَنا)(٥) فيه وجهان :

أحدهما : أن الواو عاطفة عطفت (هذا الموصول) (٦) على (ما جاءَنا)(٧) أي : لن نؤثرك على الذي جاءنا ولا على الذي فطرنا ، أي على طاعة الذي فطرنا وعلى عبادته ، وإنما أخروا ذكر الباري تعالى (٨) لأنّه من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى (٩).

والثاني : أنّه واو قسم ، والموصول مقسم به ، وجواب القسم محذوف (١٠) ، أي وحق الذي فطرنا(١١) لن (١٢) نؤثرك على الحق ، ولا يجوز أن يكون الجواب (لَنْ نُؤْثِرَكَ) عند (١٣) من يجوز تقديم الجواب (١٤) ، لأنه لا يجاب القسم ب «لن» إلا في شذوذ من الكلام (١٥).

قوله : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) يجوز في «ما» وجهان :

أظهرهما : أنها موصولة بمعنى الذي ، و (أَنْتَ قاضٍ) صلتها والعائد محذوف ، أي

__________________

(١) في ب : بما يدل على التبيين. وهو تحريف.

(٢) ما بين القوسين سقط من ب. وفيه : فقالوا.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٨٩.

(٤) انظر البغوي ٥ / ٤٤٣.

(٥) في ب : فطرني. وهو تحريف.

(٦) ما بين القوسين سقط من ب.

(٧) في ب : ما جاء. وهو تحريف.

(٨) في ب : تبارك وتعالى.

(٩) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٣ ، البيان ٢ / ١٤٨ ، البحر المحيط ٦ / ٢٦٢.

(١٠) من قبل أنّ جواب القسم لا يتقدم على المقسم به كما هو المشهور ويكون قوله : «لَنْ نُؤْثِرَكَ» دليل الجواب. انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٣ ، البيان ٢ / ١٤٨ ، البحر المحيط ٦ / ٢٦٢.

(١١) فطرنا. سقط من ب.

(١٢) في ب : لا.

(١٣) في ب : على. وهو تحريف.

(١٤) يفهم من كلام ابن هشام في المغني عن حذف جواب القسم أن الفراء وثعلب أجازا تقديم جواب القسم حيث قدرا الجواب في قوله تعالى : «ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ» لأن معناه صدق الله ، ورده ابن هشام بأن الجواب لا يتقدم.

انظر المغني ٢ / ٦٤٦. وفي معاني القرآن للفراء : (ولو أرادوا بقولهم : وَالَّذِي فَطَرَنا القسم بها كانت خفضا ، وكان صوابا ، كأنهم قالوا : لن نؤثرك والله) ٢ / ١٨٧.

(١٥) وذلك لأنّ جملة جواب القسم لما كانت متعلقة بالقسم كان لا بدّ لها من رابط يربطها بها ، فجعل للإيجاب حرفان (اللام) ، و(إنّ) ، وللنفي حرفان (ما) ، و(لا) ، ولا يجوز نفي المضارع في جواب القسم ب (لم) و(لن) لأنهم ينفونه بما يجوز حذفه للاختصار ، والعامل الحرفي لا يحذف مع بقاء عمله ، وإن أبطلوا العمل لم يتعين النافي المحذوف. انظر شرح الكافية ٢ / ٣٣٨ ـ ٣٣٩.

٣٢٢

قاضيه ، وجاز حذفه وإن كان مخفوضا (١) ، لأنه منصوب المحل ، أي فاقض الذي أنت قاضيه (٢).

والثاني : أنها مصدرية ظرفية (٣) ، والتقدير : فاقض أمرك مدة ما أنت قاض.

ذكر ذلك أبو البقاء (٤). ومنع بعضهم جعلها مصدرية ، قال : لأنّ «ما» المصدرية لا توصل بالجمل الاسمية. وهذا المنع ليس مجمعا عليه بل جوّز ذلك جماعة كثيرة (٥) ، ونقل ابن (٦) مالك (٧) أن ذلك يكثر إذا دلّت (ما) على الظرفية وأنشد :

٣٦٧٧ ـ واصل خليلك ما التّواصل ممكن

فلأنت أو هو عن قليل ذاهب (٨)

ويقل إن كانت (٩) غيرة ظرفية وأنشد :

٣٦٧٨ ـ أحلامكم لسقام الجهل شافية

كما دماؤكم تشفي من الكلب (١٠)

__________________

(١) في ب : محذوفا.

(٢) أي : أن العائد المجرور بالإضافة يجوز حذفه إذا كان المضاف الجار للعائد وصفا ناصبا للعائد تقديرا بأن كان اسم فاعل للحال أو للاستقبال غير ماض خلافا للكسائي نحو قوله تعالى : «فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ». وانظر في حذف العائد المجرور شرح التصريح ١ / ١٤٦ ـ ١٤٧. وشرح الأشموني ١ / ١٧٢.

(٣) في ب : ظرفية مصدرية.

(٤) قال أبو البقاء :(«ما أَنْتَ قاضٍ» في «ما» وجهان : أحدهما : هي بمعنى الذي ، أي : افعل الذي أنت عازم عليه ، والثاني : هي زمانية أي : اقض أمرك مدة ما أنت قاض) التبيان ٢ / ٨٩٧.

(٥) ذكر المحقق الرضي أن صلة (ما) المصدرية لا تكون عند سيبويه إلا جملة فعلية. وجوز غيره أن تكون جملة اسمية أيضا. وهو الحق ، وإن كان ذلك قليلا كقول الشاعر :

أعلاقة أم الوليّد بعد ما

أفنان رأسك كالثغام المخلس

شرح الكافية ٢ / ٣٨٦ ، وانظر أيضا البحر المحيط ٦ / ٢٦٢.

(٦) في ب : وذلك. وهو تحريف.

(٧) قال ابن مالك : وأما (ما) المصدرية فتوصل بفعل متصرف غير أمر ، ومثلها : «لو» إلا أنّ (ما) تنفرد بنيابتها عن طريق زمان ، وصلتها حينئذ فعل ماضي اللفظ مثبت أو مضارع منفي ب (لم) نحو أصلك ما وصلتني وما لم تصل عمرا ، وتوصل ـ أيضا ـ إذا نابت عن ظرف الزمان بجملة ابتدائية كقول الشاعر :

واصل خليلك ما التواصل ممكن

فلأنت أو هو عن قريب ذاهب

وقد توصل بها في غير التوقيت كقول الكميت :

أحلامكم لسقام الجهل شافية

كما دماؤكم تشفي من الكلب

شرح الكافية الشافية ١ / ٣٠٦.

(٨) البيت من بحر الكامل لم ينسبه ابن مالك ، وهو في شرح الكافية الشافية ١ / ٣٠٦ شرح التسهيل ١ / ٢٥٤. والشاهد فيه أنّ (ما) دلت على الظرفية وصلتها جملة اسمية ، وهي (التواصل ممكن) وذلك كثير.

(٩) في ب : ما.

(١٠) البيت من بحر البسيط قاله الكميت بن زيد الأسدي. وهو في ديوانه ١ / ٨١ ، شرح الكافية الشافية ١ / ٣٠٦ ، شرح التسهيل ١ / ٢٥٥ ، واللسان (كلب) ، الهمع ١ / ٨١ ، ومعاهد التنصيص ٣ / ٨٨ ، والدرر ـ

٣٢٣

قوله : (إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) يجوز في «ما» هذه وجهان :

أحدهما : أن تكون المهيئة لدخول (١) «إن» على الفعل ، و (الْحَياةَ الدُّنْيا)(٢) ظرف ل «تقضي» ، ومفعوله محذوف ، أي (٣) : يقضي غرضك وأمرك (٤). ويجوز أن تكون الحياة مفعولا به على الاتساع في الظرف بإجرائه (٥) مجرى المفعول به كقولك صمت يوم الجمعة ، وبدل لذلك قراءة أبي حيوة : «تقضى هذه الحياة» ببناء الفعل (٦) للمفعول ، ورفع «الحياة» (٧) لقيامها مقام الفاعل ، وذلك أنه (٨) اتسع فيه فقام (٩) مقام الفاعل فرفع (١٠).

والثاني : أن تكون «ما» مصدرية هي اسم «إنّ» ، والخبر الظرف (١١) والتقدير : إنّ قضاءك في هذه (١٢) الحياة الدنيا ، يعني (١٣) : إن لك (١٤) الدنيا فقط ، ولنا الآخرة (١٥).

وقال أبو البقاء : فإن كان قد قرىء بالرفع فهو خبر «إن» (١٦) يعني لو قرىء برفع «الحياة» لكان خبرا ل «إنّ» ، ويكون اسمها حينئذ «ما» وهي موصولة بمعنى الذي ، وعائدها محذوف تقديره : إن الذي تقضيه هذه الحياة الدنيا لا غيرها (١٧).

قوله : (وَما أَكْرَهْتَنا) يجوز (١٨) في «ما» هذه وجهان :

أحدهما : أنها موصولة (١٩) بمعنى «الّذي» ، وفي محلها احتمالان :

أحدهما : أنّها منصوبة المحل نسقا على «خطايانا» أي ليغفر لنا أيضا الذي أكرهتنا (٢٠). والاحتمال الثاني : أنّها مرفوعة المحل على الابتداء ، والخبر محذوف

__________________

ـ ١ / ٥٤. السقام بالفتح : المرض. الكلب بالتحريك : داء يصيب الكلب شبه الجنون. والشاهد فيه أن (ما) مصدرية غير ظرفية ، وصلتها جملة اسمية وهي (دماؤكم تشفي من الكلب) ، وذلك قليل في غير الظرفية.

(١) في ب : للدخول. وهو تحريف.

(٢) في ب : الذي. وهو تحريف.

(٣) في ب : أن. وهو تحريف.

(٤) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٣ البيان ٢ / ١٤٩ ، التبيان ٢ / ٨٩٧ البحر المحيط ٦ / ٢٦٢.

(٥) في ب : ما جر به. وهو تحريف.

(٦) في الأصل : المفعول. وهو تحريف.

(٧) انظر المختصر ٨٨ ، البحر المحيط ٦ / ٢٦٢ ، والإتحاف ٣٠٥.

(٨) في ب : لأنه.

(٩) مقام : سقط من ب.

(١٠) وذلك أنه لما اتسع في الظرف فأعرب مفعولا به جاز فيه تبعا لذلك أن يرفع على النيابة عن الفاعل.

وانظر شرح التصريح ١ / ٢٩٠.

(١١) في ب : هي خبر (إنّ) والاسم الظرف. وهو تحريف.

(١٢) هذه : سقط من ب.

(١٣) في ب : أي.

(١٤) أن : سقط من ب.

(١٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٦٢.

(١٦) التبيان ٢ / ٨٩٧.

(١٧) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٣ ، البيان ٢ / ١٤٩.

(١٨) يجوز : سقط من ب.

(١٩) في ب : الأول أن تكون موصولة له.

(٢٠) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٣ ، البيان ٢ / ١٤٩ ، التبيان ٢ / ٨٩٨.

٣٢٤

تقديره : والذي أكرهتنا عليه من السحر محطوط عنا ، أو لا يؤاخذ به (ونحوه) (١)(٢) والوجه الثاني : أنّها نافية ، قال أبو البقاء : وفي الكلام تقديم (٣) تقديره : ليغفر لنا خطايانا من السحر ولم تكرهنا عليه (٤). وهذا بعيد عن المعنى ، والظاهر هو الأول (٥). و (مِنَ السِّحْرِ) يجوز أن يكون حالا من الهاء في «عليه» أو من الموصول (٦). ويجوز أن تكون لبيان الجنس.

فصل (٧)

قال المفسّرون : لمّا علم السحرة أنهم متى أصرّوا على الإيمان أوقع بهم فرعون ما أوعدهم به فقالوا : «اقض (ما أَنْتَ قاضٍ) لا على وجه (٨) الأمر ، لكن أظهروا أنّ ذلك الوعيد لا يزيلهم عن إيمانهم البتة ، ثم بيّنوا ما لأجله يسهل (٩) عليهم احتمال ذلك ، فقالوا : (إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) أي قضاؤك وحكمك أن يكون في هذه الحياة (الدنيا) (١٠). وهي نافية تزول عن قريب ، ومطلوبنا سعادة الآخرة ، وهي باقية. والعقل يقتضي تحمل الضّرر الفاني للتوصل إلى السعادة الباقية. ثم قالوا : (إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا) ، ولمّا كان أقرب خطاياهم عهدا ما أظهروه من السحر قالوا : (وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ) ، وفي ذلك الإكراه وجوه :

الأول : قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : إنّ ملوك ذلك الزمان كانوا يأخذون بعض رعيتهم ويكلفونهم تعلم السحر ، فإذا شاخ أحدهم بعثوا إليه أحداثا (١١) ليعلمهم ليكون في كل وقت من يحسنه ، فقالوا ذلك أي : كنّا في التعلم الأول والتعليم (١٢) ثانيا تكرهنا ، وهو قول الحسن. وقال مقاتل : كانت السّحرة اثنين وسبعين اثنان من القبط وسبعون من بني إسرائيل كان فرعون أكرههم على تعليم السحر. وقال عبد العزيز بن أبان (١٣) : قالت السحرة لفرعون : أرنا موسى إذا نام ، فأراهم موسى نائما ، فوجدوه

__________________

(١) انظر البيان ٢ / ١٤٩ ، التبيان ٢ / ٨٩٨.

(٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(٣) في ب : مقدم. وهو تحريف.

(٤) التبيان ٢ / ٨٩٨. و«مِنَ السِّحْرِ» على هذا الوجه يتعلق ب «خطايانا» وعلى الوجه الأول يتعلق ب «أكرهتنا». انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٣.

(٥) في ب : والأول أظهر.

(٦) انظر التبيان ٢ / ٨٩٨.

(٧) هذا الفصل نقله ابن عادل كاملا ببعض من التصرف من كتابي البغوي (٥ / ٤٤٤) والفخر الرازي ٢٢ / ٨٩).

(٨) في ب : سبيل.

(٩) في ب : سهل.

(١٠) ما بين القوسين سقط من ب.

(١١) في ب : أحدا ما. وهو تحريف.

(١٢) في الأصل : والتعليم.

(١٣) هو عبد العزيز بن أبان بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن العاصي أبو خالد السكوني ، نزيل بغداد ، روى عن فطر بن خليفة ، وهارون بن سليمان الفراء وغيرهما ، مات سنة ٢٠٧ ه‍. تهذيب التهذيب ٦ / ٣٢٩ ـ ٣٣١.

٣٢٥

تحرسه عصان ، فقالوا لفرعون : إن هذا ليس بسحر ، إن الساحر إذا نام بطل سحره فأبى عليهم إلا أن يعارضوه.

وقال الحسن : إن السحرة جروا (١) من المدائن ليعارضوا موسى فأحضروا بالحشر وكانوا مكرهين في الحضور لقوله : (وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ)(٢)

وقال عمرو بن عبيد (٣) : دعوة السلطان إكراه. وهذا ضعيف ، لأن دعوة السلطان إذا لم يكن معها خوف لم تكن إكراها. ثم قالوا : (وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى) قال محمد بن إسحاق : خير منك ثوابا ، وأبقى عقابا لمن عصاه.

وقال محمد بن كعب : خير منك إن أطيع وأبقى عذابا منك إن عصي (٤).

(وهذا جواب لقوله : (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى)(٥).

قوله تعالى : (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (٧٤) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (٧٥) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى)(٧٦)

قوله : (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً) قيل : هذا ابتداء كلام من الله تعالى وقيل : من (٦) تمام قول السحرة (٧) ختموا كلامهم بشرح أحوال المجرمين وأحوال المؤمنين في عرصة القيامة. والهاء في «إنّه» ضمير الشأن (٨) ، والجملة الشرطية خبرها ، و«مجرما» حال من فاعل «يأت». وقوله : (لا يَمُوتُ) يجوز أن يكون حالا من الهاء في «له» وأن يكون حالا

__________________

(١) في ب : خرجوا.

(٢) [الشعراء : ٣٦ ، ٣٧].

(٣) هو عمرو بن عبيد التميمي ، مولاهم أبو عثمان البصري ، رأس المعتزلة على زهده ، كان المنصور يعتقد صلاحه ، أخذ عن أبي العالية ، والحسن ، وأخذ عنه الحمّادان ، والقطّان ، مات سنة ١٤٤ ه‍. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ٢ / ٢٩١.

(٤) في ب : قال محمد بن كعب : خير منك ثوابا. وقال محمد بن إسحاق خير منك ثوابا وأبقى عقابا لمن عصاه.

(٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(٦) في ب : هذا من.

(٧) انظر البغوي ٥ / ٤٤٥.

(٨) ضمير الشأن مرجعه متأخر لفظا ورتبة ، وهو مخالف للقياس من خمسة أوجه :

أحدها : عوده على ما بعده لزوما.

والثاني : أن مفسره لا يكون إلا جملة ، ولا يشاركه في هذا ضمير.

والثالث : أنه لا يتبع بتابع ، فلا يؤكد ، ولا يعطف عليه ، ولا يبدل منه.

والرابع : أنه لا يعمل فيه إلا الابتداء أو أحد نواسخه.

والخامس : أنه ملازم للإفراد فلا يثنى ولا يجمع وإن فسر بحديثين أو أحاديث. ينظر هذا في المغني ٢ / ٤٩٠ ـ ٤٩١. وانظر التبيان ٢ / ٨٩٨.

٣٢٦

من جهنم ، لأنّ في الجملة ضمير كل منهما. والمراد بالمجرم المشرك الذي مات (١) على الشرك (فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها) فيستريح (وَلا يَحْيى)(٢) حياة (٣) ينتفع بها. فإن قيل : الجسم الحيّ لا بد (٤) وأن (٥) يبقى حيّا أو ميتا فخلوه عن الوصفين محال. فالجواب : أنّ المعنى يكون في جهنم بأسوأ حال لا يموت موتة مريحة ولا يحيى حياة (ممتعة) (٦)(٧).

وقال بعضهم : إن لنا حالا (٨) ثالثة ، وهي كحالة المذبوح قبل أن يهدى فلا هو حيّ ، لأنه قد ذبح ذبحا لا يبقى الحياة معه ، ولا هو ميت ، لأن الروح لم تفارقه بعد فهي حالة (٩) ثالثة.

فصل (١٠)

استدلت المعتزلة (١١) بهذه الآية في القطع على وعيد أصحاب الكبائر ، قالوا : صاحب الكبيرة مجرم ، وكل مجرم فإنّ له جهنّم لقوله : (مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ (١٢) مُجْرِماً) وكلمة (١٣) (من) (١٤) في معرض الشرط تفيد العموم بدليل أنه يجوز استثناء كل واحد منها (١٥) ، والاستثناء يخرج (١٦) من الكلام ما لولاه لدخل.

وأحبيت بأنه لا نسلّم أن (١٧) صاحب الكبيرة مجرم ، لأنه تعالى جعل المجرم في مقابلة المؤمن لقوله : (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً) ، وقال : (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ)(١٨) ، وأيضا : فإنه لا يليق بصاحب الكبيرة أن يقال في حقّه : فإنّ (١٩) له جهنّم لا يكون بهذا الوصف ، وفي الخبر (٢٠) الصحيح «يخرج من النّار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان» (٢١)(٢٢). قال (٢٣) ابن الخطيب : وهذه (٢٤) اعتراضات ضعيفة أما قوله :

__________________

(١) في ب : يموت.

(٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(٣) في ب : ولا حياة. وهو تحريف.

(٤) في الأصل : فلا.

(٥) في ب : أن.

(٦) الفخر الرازي ٢٢ / ٩١.

(٧) ما بين القوسين في ب : منفعة. وهو تحريف.

(٨) في النسختين : حال. والصواب ما أثبته.

(٩) في ب : كحالة.

(١٠) في ب : فإن قيل.

(١١) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٩٠.

(١٢) ربه : سقط من ب.

(١٣) في ب : وكل وهو تحريف.

(١٤) من : سقط من ب.

(١٥) في ب : منهما وهو تحريف.

(١٦) في ب : مخرج وهو تحريف.

(١٧) في ب : والجواب بأنا لا نسلم بأن. وهو تحريف وفي الفخر الرازي : واعترض بعض المتكلمين من أصحابنا على هذا الكلام فقال.

(١٨) [المطففين : ٢٩].

(١٩) فإن : سقط من ب.

(٢٠) في ب : وفي الحديث.

(٢١) في ب : إيمان.

(٢٢) أخرجه البخاري (الإيمان) ١ / ١٢ ، (الرقاق) ٨ / ١٤٤ ، ومسلم (إيمان) ١ / ٩٣ وهو بالمعنى منهما.

(٢٣) في ب : فصل قال.

(٢٤) في ب : هذه.

٣٢٧

إنّ الله تعالى جعل المجرم في مقابلة المؤمن (١) فمسلم لكن هذا إنما ينفع (٢) لو ثبت أن صاحب الكبيرة مؤمن ، ومذهب المعتزلة أنه ليس بمؤمن ، فهذا المعترض كأنه (٣) بنى هذا الاعتراض على مذهب نفسه وذلك ساقط. وقوله (٤) ثانيا : إنه لا يليق بصاحب الكبيرة (أن يقال في حقه) (٥) : إنّ له جهنّم (٦) لا يموت فيها ولا يحيى. قلنا (٧) : لا نسلم فإنّ عذاب جهنّم في غاية الشدة قال تعالى : (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ)(٨) وأما الحديث فقالوا : القرآن متواتر فلا يعارضه خبر الواحد ، ويمكن أن يقال : ثبت في أصول الفقه أنه يجوز تخصيص القرآن بخبر الواحد ، وللخصم أن يجيب بأن ذلك يفيد الظن فيجوز الرجوع إليه في العمليات ، وهذه المسألة ليست من العمليات بل من الاعتقادات ، فلا يجوز الرجوع إليه ههنا.

واعترض آخر فقال : أجمعنا على أن هذه المسألة مشروطة بنفي التوبة وبأن (٩) لا يكون عقابه محبطا بثواب (١٠) طاعته ، والقدر المشترك بين الصورتين هو أن لا يوجد ما يحبط (١١) ذلك العقاب ، لكن عندنا العفو محبط للعقاب ، وعندنا أنّ المجرم الذي لا يوجد في حقه العفو لا بد وأن يدخل جهنم (١٢).

قال (١٣) ابن الخطيب : وهذا الاعتراض أيضا ضعيف. أمّا شرط نفي التوبة فلا (١٤) حاجة إليه ، لأنه قال : «من يأت ربّه مجرما» ، لأن المجرم اسم ذم ، فلا يجوز إطلاقه على صاحب الصغيرة (١٥) ، بل الاعتراض الصحيح أن يقول : عموم هذا الوعيد معارض بما جاء بعده من عموم الوعد ، وهو قوله تعالى : (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى) ، وكلامنا فيمن أتى بالإيمان (والأعمال الصالحة) (١٦) ثم أتى (١٧) بعد ذلك ببعض (١٨) الكبائر (١٩).

فإن قيل (٢٠) : عقاب المعصية يحبط (٢١) ثواب الطاعة. قلنا (٢٢) : لم (٢٣) لا يجوز

__________________

(١) في ب : جعل المؤمن في مقابلة المجرم.

(٢) في ب : ينتفع به.

(٣) في ب : أنّه.

(٤) في ب : قوله.

(٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(٦) في ب : إن له جهنم فإن قيل : إن له جهنم.

(٧) في ب : فالجواب.

(٨) [آل عمران : ١٩٢].

(٩) في ب : وأن.

(١٠) في ب : لثواب.

(١١) في ب : ما يحتمل. وهو تحريف.

(١٢) آخر ما نقله عن الفخر الرازي ٢٢ / ٩٠.

(١٣) في ب : فصل قال.

(١٤) في ب : لا.

(١٥) في ب : الكبيرة. وهو تحريف.

(١٦) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٧) في ب : عمل. وهو تحريف.

(١٨) في ب : بعض. وهو تحريف.

(١٩) الفخر الرازي. ٢٢ / ٩٠.

(٢٠) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٩٠ ـ ٩١.

(٢١) في ب : محيط.

(٢٢) قلنا : سقط من ب.

(٢٣) في ب : ولم.

٣٢٨

أن يقال : ثواب الإيمان يدفع عقاب المعصية؟ فإن (١) قالوا : فلو كان كذلك لوجب (٢) أن لا يجوز إقامة الحد عليه. قلنا (٣) : أما اللعن فغير جائز عندنا ، وأما إقامة الحد فقد (٤) يكون على سبيل المحنة كما في حق التائب ، وقد يكون على سبيل التنكيل. قالت المعتزلة (٥) : قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ)(٦) فالله (٧) تعالى نصّ على أنّه يجب عليه إقامة الحد على سبيل التنكيل ، وكل من كان كذلك استحال أن يكون مستحقا للمدح والتعظيم ، وإذا (٨) لم يبق ذلك لم يبق الثواب على قولنا : إن عذاب الكبيرة أولى بإزالة ثواب الطاعة المتقدمة من الطاعات بدفع عقاب الكبيرة الطارئة. فقد انتهى كلامهم في مسألة الوعيد.

قلنا (٩) : حاصل الكلام يرجع إلى أنّ النص الدال على إقامة الحد عليه على سبيل التنكيل صار معارضا للنصوص الدالة على كونه مستحقا للثواب ، فلم (١٠) كان ترجيح أحدهما على الآخر أولى من العكس ، وذلك لأن المؤمن كما ينقسم إلى السّارق وإلى غير السّارق ، فالسّارق (١١) ينقسم إلى المؤمن وغير (١٢) المؤمن ، فلم يكن لأحدهما مزية على الآخر في العموم والخصوص ، وإذا تعارضا تساقطا. ثم نقول (١٣) : لا نسلم أنّ كلمة «من» في إفادة العموم قطعية بل ظنية (ومسألتنا قطعيّة) (١٤) فلا يجوز (١٥) التعويل على ما ذكرتموه (١٦).

فصل (١٧)

تمسك المجسّمة (١٨) بقوله : (مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ)(١٩) فقالوا : الجسم إنما يأتي ربه لو كان الربّ في المكان (٢٠).

وجوابه أنّ الله تعالى جعل (٢١) إتيانهم موضع الوعد (٢٢) إتيانا إلى الله مجازا

__________________

(١) في ب : وإن.

(٢) في ب : وجب.

(٣) في ب : فالجواب.

(٤) في ب : قد.

(٥) في ب : فإن قيل قالت المعتزلة.

(٦) [المائدة : ٣٨].

(٧) في ب : فإن الله.

(٨) في ب : وإن.

(٩) في ب : فالجواب.

(١٠) في ب : فإن قيل لم.

(١١) في ب : فالمؤمن ينقسم أعني السارق. زيادة من الناسخ.

(١٢) في ب : والى غير.

(١٣) في ب : والجواب.

(١٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٥) في ب : ولا يجوز.

(١٦) آخر ما نقله عن الفخر الرازي ٢٢ / ٩٠ ـ ٩١.

(١٧) في ب : فإن قيل.

(١٨) المجسمة : فرقة متشعبة من الكرامية ، وهم الذين يرون الله في صوره جسمية مدعين أن له يدين كيدي الإنسان ورجلين كالإنسان إلى آخره. الملل والنحل ١ / ١٠٨.

(١٩) في ب : من يأت ربه مجرما.

(٢٠) في ب : مكان.

(٢١) (جعل) : تكملة من الفخر الرازي.

(٢٢) في ب : فالجواب أن إتيانهم إلى الله تعالى في موضع الوعد.

٣٢٩

كقول (١) إبراهيم عليه‌السلام (٢) : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ)(٣)(٤).

قوله : (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً).

قرأ أبو عمرو ساكنة الهاء ، ويختلسها أبو جعفر (٥) وقالون ويعقوب والآخرون بالإشباع (٦). «مؤمنا» مات على الإيمان (قَدْ عَمِلَ)(٧) أي وقد عمل الصالحات ، واعلم أن قوله : (قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ) يقتضي أن يكون آتيا بكل الصالحات وذلك بالاتفاق غير معتبر ولا ممكن ، فينبغي أن يحمل ذلك على أداء الواجبات ، ثم ذكر أنّ من أتى بالإيمان والأعمال الصالحة كانت لهم الدرجات العلا ، ثم (٨) فسر الدرجات العلا فقال : (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) وفي الآية تنبيه على حصول العفو لأصحاب الكبائر ، لأنه تعالى جعل الدرجات العلا من الجنة لمن أتى بالإيمان والأعمال الصالحة فسائر الدرجات التي هي غير عالية لا بد وأن تكون لغيرهم ، وما هم إلا العصاة من أهل الإيمان (٩). والعلا : جمع العليا ، والعليا تأنيث الأعلى (١٠).

قوله : «جنّات» بدل من «الدّرجات» أو بيان ، قال أبو البقاء : ولا يجوز أن يكون التقدير : هي جنّات ، لأن «خالدين» على هذا التقدير لا يكون في الكلام ما يعمل في الثاني ، وعلى الأول يكون في الحال الاستقرار ، أو معنى الإشارة (١١).

قوله : (وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى) قال ابن عباس : يريد من قال : لا إله إلا الله (١٢) ومعنى «تزكّى» تطهّر من الذنوب ، قال عليه‌السلام (١٣) «إنّ أهل الدّرجات العلى (١٤) لترونهم من تحتهم كما ترون الكوكب (١٥) الدّرّي في أفق السّماء ، وإنّ أبا بكر وعمر منهم» (١٦). واعلم أنّه ليس في القرآن أنّ فرعون فعل بأولئك القوم المؤمنين (١٧) ما أوعدهم ، ولم يثبت في الأخبار (١٨).

__________________

(١) في ب : لقول. وهو تحريف.

(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٣) [الصافات : ٩٩].

(٤) الفخر الرازي ٢٢ / ٩١.

(٥) في ب : ويحكها وأبو جعفر.

(٦) السبعة (٢٠٧ ـ ٢١٢).

(٧) في ب : قوله : «قَدْ عَمِلَ».

(٨) ثم : سقط من ب.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٩١.

(١٠) في لسان العرب (علا) : والعلى : جمع العليا أي جمع الصفة العليا والكلمة العليا ، ويكون العلى جمع الاسم الأعلى ، وصفة الله العليا شهادة أن لا إله إلا الله فهذه أعلى الصفات ، ولا يوصف بها غير الله وحده لا شريك له.

(١١) التبيان ٢ / ٨٩٨.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٩١.

(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٤) العلى : سقط من ب.

(١٥) في ب : الكواكب. وهو تحريف.

(١٦) أخرجه الترمذي (مناقب) ٥ / ٢٦٨ ، ابن ماجه (مقدمة) ١ / ٣٧ ، أحمد ٣ / ٢٧.

(١٧) في ب : بهؤلاء المؤمنين.

(١٨) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٩١.

٣٣٠

قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (٧٧) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى)(٧٩)

قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي) الآية. وفي هذه (١) الآية دلالة على أنّ موسى ـ عليه‌السلام (٢) ـ في تلك (الحال كثر مستجيبوه) (٣) فأراد تعالى تمييزهم من طائفة فرعون ، فأوحى إليه أن يسري (٤) بهم ليلا ، والسّرى سير الليل ، والإسراء مثله (٥) والحكمة في السّرى بهم : لئلا يشاهدهم العدو فيمنعهم عن مرادهم ، أو ليكون ذلك عائقا لفرعون عن طلبه ومتبعيه (٦) أو ليكون إذا تقارب العسكران لا يرى عسكر موسى عسكر فرعون فلا (٧) يهابونهم (٨).

قوله : (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً) في نصب «طريقا» وجهان :

أحدهما : أنّه مفعول به ، وذلك على سبيل المجاز ، وهو أنّ الطريق متسبّب عن ضرب البحر ، إذ المعنى : اضرب البحر لينفلق لهم (٩) فيصير طريقا (١٠) فبهذا (١١) يصح نسبة الضرب إلى الطريق. وقيل : ضرب هنا (١٢) بمعنى جعل (١٣) ، أي : اجعل لهم طريقا وأشرعه فيه.

والثاني : أنه منصوب على الظرف ، قال أبو البقاء : التقدير (١٤) موضع طريق فهو مفعول به (١٥) على الظاهر (١٦) ، ونظيره قوله : أن اضرب بعصاك البحر (١٧) وهو مثل ضربت زيدا. وقيل : ضرب هنا (١٨) بمعنى جعل وشرع مثل قولهم (١٩) : ضربت له

__________________

(١) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٩٢.

(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٣) ما بين القوسين بياض في الأصل.

(٤) في ب : أسر.

(٥) في لسان العرب (سرا) : السّرى : سير الليل عامته ، وقيل : سير الليل كله تذكره العرب وتؤنثه. وسريت سرى ومسرى وأسريت بمعنى ، إذا سرت ليلا ، بالألف لغة أهل الحجاز ، وجاء القرآن العزيز بهما جميعا.

(٦) في ب : ومتابعته.

(٧) لا : سقط من ب.

(٨) آخر ما نقله عن الفخر الرازي ٢٢ / ٩٢.

(٩) في ب : فينفلق.

(١٠) وهو مجاز مرسل علاقته اعتبار ما سيكون.

(١١) في ب : فلهذا.

(١٢) في ب : هذا وهو تحريف.

(١٣) في ب : اجعل. وهو تحريف.

(١٤) في ب : قاله أبو البقاء والتقدير.

(١٥) كذا في التبيان ، وفي الأصل : فيه ، وفي ب : له فيه. وهو تحريف.

(١٦) في ب : الظاهر به. وهو تحريف.

(١٧) [الشعراء : ٦٣].

(١٨) في ب : هو. وهو تحريف.

(١٩) في ب : قوله. وهو تحريف.

٣٣١

بسهم (١). انتهى. فقوله (٢) على الظّاهر ، يعني (٣) أنه لو لا التأويل لكان ظرفا. قوله : «يبسا» صفة ل «طريقا» وصف به لما (٤) يؤول إليه ، لأنه لم يكن (٥) يبسا بعد إنّما مرّت عليه الصبا (٦) فجففته كما روي في التفسير. وقيل : في الأصل مصدر وصف به مبالغة ، (أو على حذف مضاف (٧) أو جمع يابس كخادم وخدم ، وصف به الواحد مبالغة) (٨) كقوله :

٣٦٧٩ ـ ...........

 ...... ومعى جياعا(٩)

أي كجماعة جياع ، وصف به لفرط جوعه (١٠).

وقرأ الحسن : «يبسا» بالسكون ، وهو مصدر أيضا (١١).

وقيل : المفتوح اسم ، (والساكن مصدر) (١٢)(١٣). وقرأ أبو حيوة : «يابسا» اسم فاعل (١٤) جعله بمعنى (١٥) الطريق. ومن قرأ (١٦) «يبسا» بتحريك الباء ، فالمعنى (١٧) : طريقا ذا يبس. ومن قرأ بتسكين الباء فهو مخفف عن اليبس (١٨) فالمعنى ما كان فيه وحل ولا نداوة فضلا عن الماء ، وذلك أن الله ـ تعالى (١٩) ـ أيبس لهم الطريق في البحر.

__________________

(١) انظر التبيان ٢ / ٨٩٨.

(٢) يريد قول أبي البقاء.

(٣) في ب : أعني.

(٤) في ب : بما. وهو تحريف.

(٥) في الأصل لأنه لو لم يكن. وهو تحريف.

(٦) الصبا : ربح وسببها المستوي أن تهب من موضع مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار. اللسان (صبا).

(٧) وذلك على مذهب البصريين في النعت بالمصدر ، ومذهب الكوفيين على التأويل بالمشتق. وانظر البيان ٢ / ١٤٩ ، ١٥٠ ، التبيان ٢ / ٨٩٨.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) جزء بيت من بحر الوافر قاله القطامي وتمامه :

كأنّ نسوع رحلي حين ضمّت

حوالب غرزا ومعى جياعا

وهو في ديوانه (٤١) ، والكشاف ٢ / ٤٤٢ ، اللسان (غرز ـ معى) وشرح شواهد الكشاف ٧٣.

(١٠) انظر الكشاف ٢ / ٤٤٢.

(١١) انظر المختصر (٨٨) ، والبحر المحيط ٦ / ٢٦٤ ، الإتحاف (٣٠٦).

(١٢) قاله صاحب اللوامح. البحر المحيط ٦ / ٢٦٤.

(١٣) ما بين القوسين في ب : والمصدر ساكن.

(١٤) انظر المختصر (٨٨) ، والبحر المحيط ٦ / ٢٦٤.

(١٥) بمعنى : سقط من ب.

(١٦) في ب : جعله. وهو تحريف.

(١٧) في ب : والمعنى.

(١٨) قال الزمخشري : (وقرىء «يبسا» و«يابسا» ولا يخلو اليبس من أن يكون مخففا عن اليبس أو صفة على فعل أو جمع يابس ...) الكشاف ٢ / ٤٤١.

(١٩) تعالى : سقط من ب.

٣٣٢

قوله : (لا تَخافُ) العامة على (١)(لا تَخافُ) مرفوعا (٢) ، وفيه أوجه :

أحدها : أنه مستأنف فلا محل له من الإعراب (٣).

الثاني : أنه في محل نصب على الحال من فاعل «اضرب» ، أي اضرب (٤) غير خائف (٥).

والثالث (٦) : أنه صفة ل «طريقا» ، والعائد محذوف ، أي : لا تخاف فيه (٧) وحمزة وحده من السبعة (٨) : «لا تخف» بالجزم (٩) ، وفيه أوجه :

أحدها : أن يكون نهيا مستأنفا (١٠).

الثاني (١١) : أنّه نهي أيضا في محل نصب على الحال من فاعل «اضرب» ، أو صفة ل «طريقا» كما تقدم في قراءة العامة (١٢) إلا أن ذلك يحتاج إلى إضمار قول ، أي مقولا لك ، أو طريقا (١٣) مقولا فيهأ : لا تخف (١٤) كقوله :

__________________

(١) لا : سقط من ب.

(٢) وهي قراءة غير حمزة «لا تخاف» رفعا بالألف. انظر السبعة ٤٢١ الحجة لابن خالويه (٢٤٥) ، النشر ٢ / ٣٢١ ، الإتحاف (٣٠٦).

(٣) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ١٨٣ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٤ ، التبيان ٢ / ٨٩٩.

(٤) اضرب : سقط من ب.

(٥) جوز سيبويه الوجهين حيث قال : (وقال عزوجل : فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى ؛ فالرفع على وجهين : على الابتداء ، وعلى قوله : اضربه غير خائف ولا خاش) الكتاب ٣ / ٩٨.

وانظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٥٧٣ ، والكشاف ٢ / ٤٤٢ ، البيان ٢ / ١٥٠ ، التبيان ٢ / ٨٩٩ ، البحر المحيط ٦ / ٢٦٤.

(٦) في ب : الثالث.

(٧) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٤ ، التبيان ٢ / ٨٩٩ ، البحر المحيط ٦ / ٢٦٤.

(٨) في ب : وحمزة وحده «لا تَخافُ» وباقي السبعة. وهو تحريف.

(٩) السبعة (٤٢١) ، الحجة لابن خالويه (٢٤٥). الكشف ٢ / ١٠٢ ، النشر ٢ / ٣٢١ الإتحاف (٣٠٦).

(١٠) قال الزجاج : (ومن قا ل «لا تخف دركا» فهو نهي عن أن يخاف ، ومعناه لا تخف أن يدركك فرعون ولا تخشى الغرق). معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٣٧٠.

(١١) في ب : ثانيها.

(١٢) في ب : الفاتحة. وهو تحريف.

(١٣) في ب : أو إضمار طريقا. وهو تحريف.

(١٤) ذلك لأن من شروط الجملة الواقعة حالا أو نعتا أن تكون خبرية ، فلا تقع الجملة الطلبية حالا أو نعتا ، فلا يجوز مررت بزيد اضربه أو لا تهنه ولا مررت برجل اضربه أو لا تهنه. ومن هنا أول النحاة ما ظاهره ذلك على إضمار قول ، وتكون الجملة الطلبية مقولا للقول المضمر ، والقول ومعموله إما حال أو نعت حسب الوارد في الكلام ، فوقوعه حالا نحو : لقيت زيدا اضربه. أي مقولا في حقه هذا القول. ووقوعه نعتا نحو : جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط أي بمذق مقول عند رؤيته هذا القول.

وهذا الوجه من الإعراب في الآية أضعف الوجوه ، لأنه يحتاج إلى إضمار وما لا يحتاج إلى إضمار أولى. انظر شرح الأشموني ٢ / ١٨٦ ـ ١٨٧ ، ٣ / ٦٣ ـ ٦٤.

٣٣٣

٣٦٨٠ ـ جاءوا بمذق هل رأيت الذّئب قطّ (١)

الثالث (٢) : مجزوم على جواب الأمر ، أي : إن (٣) تضرب طريقا يبسا لا تخف (٤).

قوله : «دركا» قرأ أبو حيوة «دركا» بسكون الراء (٥). والدّرك والدّرك اسمان من الإدراك ، أي : لا يدركك فرعون وجنوده (٦) وتقدم الكلام عليهما في سورة النساء (٧) ، وأن الكوفيين (٨) قرءوه بالسّكون كأبي حيوة هنا (٩).

قوله : (وَلا تَخْشى) لم يقرأ إلا بإثبات (١٠) الألف ، وكان من حق من قرأ «لا تخف» جزما أن يقرأ «لا تخش» بحذفها كذا قال بعضهم وليس بشيء ، لأن القراءة سنة ، وفيها (١١) أوجه :

أحدها (١٢) : أن تكون حالا ، وفيه إشكال ، وهو أنّ المضارع المنفي بلا كالمثبت في عدم مباشرة الواو له ، وتأويله على حذف مبتدأ ، أي وأنت لا تخشى (١٣) ، كقوله :

__________________

(١) رجز لم ينسبه أحد من الرواة إلى قائله ، وقيل : قائله العجاج ، وقبله : حتى إذا جنّ الظلام واختلط.

المذق : اللبن الممزوج بالماء ، وأصله مصدر مذقت اللبن إذا مزجته بالماء والشاهد فيه قوله : (هل رأيت الذئب قط) فظاهرها أنها نعت لمذق وهي جملة استفهامية لا ينعت بها فيؤول على إضمار قول تكون هذه الجملة مقولا له ، وهذا القول نعت لمذق.

والتقدير : جاؤوا بمذق مقول فيه عند رؤيته : هل رأيت الذئب قط. وقد تقدم.

(٢) في ب : ثالثها.

(٣) أن : سقط من ب.

(٤) هذا تقدير معنى لا تقدير إعراب ، وإلا فالجمهور على الجزم في جواب الأمر وليس على تقدير الشرط المذكور. وانظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٤ والتبيان ٢ / ٨٩٩ ، والبحر المحيط ٦ / ٢٦٤.

(٥) انظر المختصر : ٨٨ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٤.

(٦) الدّرك اسم من الإدراك مثل اللّحق. والدّرك اللحاق والوصول إلى الشي. أدركته إدراكا ودركا ، والدرك : التبعة يسكن ويحرك. اللسان (درك).

(٧) عند قوله تعالى :«إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً» [النساء : ١٤٥] وذكر ابن عادل هناك : قرأ الكوفيون بخلاف عن عاصم «الدّرك» بكسون الراء ، والباقون بفتحها ، وفي ذلك قولان : أحدهما : أن الدّرك والدّرك لغتان بمعنى واحد كالشمع والشمع ، والغدر والغدر. الثاني : أن الدّرك بالفتح جمع دركة على حد بقر وبقرة ، والدّرك مأخوذ من المداركة ، وهي المتابعة ، وسميت طبقات النار دركات ، لأنّ بعضها مدارك لبعض ، أي : متابعة. انظر اللباب ٣ / ١٨١ ـ ١٨٢.

(٨) في الأصل : الكوفيون.

(٩) أي أن عاصم وحمزة والكسائي قرأوا «في الدّرك» ساكنة الراء في سورة النساء مثل أبي حيوة هنا.

السبعة (٢٣٩).

(١٠) في الأصل : ثابت. وهو تحريف.

(١١) في ب : وفيه. وهو تحريف.

(١٢) في ب : الأول.

(١٣) انظر البيان ٢ / ١٥٠ ـ ١٥١ ، التبيان ٢ / ٨٩٩. وقد تعرضت لهذه المسألة عند قوله تعالى : «إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً. جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ» ـ

٣٣٤

٣٦٨١ ـ نجوت وأرهنهم مالكا (١)

والثاني : أنه مستأنف أخبره تعالى أنه لا يحصل له خوف (٢).

والثالث (٣) : أنه مجزوم بحذف الحركة تقديرا (٤) ، كقوله :

٣٦٨٢ ـ إذا العجوز غضبت فطلّق

ولا ترضّاها ولا تملّق (٥)

وقوله :

٣٦٨٣ ـ كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا (٦)

ومنه (فَلا تَنْسى)(٧) في أحد القولين (٨) إجراء لحرف (٩) العلة مجرى الحرف الصحيح ، وقد تقدم ذلك في سورة يوسف عند قوله تعالى (١٠) «من يتقي» (١١).

__________________

ـ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا» [مريم : ٦٠ ـ ٦١]. ومما يزاد هنا إذا ورد من كلام العرب ما ظاهره أنّ جملة الحال المصدرة بمضارع مثبت أو منفي ب (لا) مقرونة بواو حمل على أن المضارع خبر مبتدأ محذوف ، وهذا على غير مذهب ابن الناظم في المضارع المنفي ب (لا) نحو قمت وأصك عينه ، أي وأنا أصك. و : وكنت لا ينهنهني الوعيد و :

أكسبته الورق البيض أبا

ولقد كان ولا يدعى لأب

انظر شرح الأشموني ٢ / ١٨٧ ـ ١٨٩.

(١) عجز بيت من بحر المتقارب قاله عبد الله بن همّام السلولي ، وصدره : فلمّا خشيت أظافيرهم.

(٢) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ١٨٧ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٧٤ البحر المحيط ٦ / ٢٦٤.

(٣) في ب : الثالث.

(٤) وهذا الوجه ماش على مذهب من يجزم المضارع المعتل الآخر بحذف الحركة المقدرة ويقر حرف العلة على حاله ، وهو لغة لبعض العرب. انظر شرح التصريح ١ / ٨٧ ، الهمع ١ / ٥٢. وانظر معاني القرآن للفراء ٢ / ١٨٧ ، ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٤.

(٥) رجز قاله رؤبة بن العجاج. وهو في ملحقات ديوانه (١٧٩) وإيضاح الشعر ٢٣٤ ، والخصائص ١ / ٣٠٧ ، والمنصف ٢ / ١١٥ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٧٨ ، والمخصص ١٣ / ٢٥٨ ، ١٤ / ٩ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ٨٦ ، الإنصاف ١ / ٢٦ ، ابن يعيش ١ / ١٠٦ ، واللسان (رضي) ، والبحر المحيط ٦ / ٢٦٤ ، والمقاصد النحوية ١ / ٢٣٦ الهمع ١ / ٥٢ ، شرح التصريح ١ / ٨٧ ، الخزانة ٨ / ٣٥٩ ، شرح شواهد الشافية ٤٠٩ ، الدرر ١ / ٢٨.

(٦) عجز بيت من بحر الطويل لعبد يغوث بن وقاص الحارثي ، وهو شاعر جاهلي من شعراء قحطان ، وصدره : وتضحك مني شيخة عبشمية.

(٧) من قوله تعالى : «سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى» [الأعلى : ٦].

(٨) على القول بأن (لا) ناهية. انظر إعراب ثلاثين سورة ٥٧ ـ ٥٨ ، التبيان ٢ / ١٢٨٣.

(٩) في ب : الحرف. وهو تحريف.

(١٠) قوله تعالى : سقط من الأصل.

(١١) من قوله تعالى : «إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ» [يوسف : ٩٠].

وذكر ابن عادل هناك ما ملخصه : قرأ قنبل بإثبات الياء وصلا ووقفا والباقون بحذفها فأما قراءة الجماعة فواضحة لأنه مجزوم ، وأما قراءة قنبل فاختلف فيها فقيل : إنّ إثبات حرف العلة في الجزم لغة لبعض العرب وأنشدوا : ـ

٣٣٥

الرابع : أنه مجزوم أيضا بحذف حرف العلة ، وهذه الألف (١) ليست تلك ، أعني لام الكلمة ، إنما هي ألف إشباع أتي بها موافقة للفواصل ورؤوس الآي (٢) ، فهي كالألف في قوله : «الرّسولا» (٣) و(٤) «السّبيلا» (٥) ، و«الظّنونا» (٦).

وهذه الأوجه إنما يحتاج إليها في قراءة جزم «لا تخف» ، وأما من قرأه مرفوعا فهذا معطوف عليه ، أي لا تخاف إدراك فرعون ولا تخشى الغرق (٧).

قوله : (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ) قال أبو مسلم : يزعم رواة اللغة أنّ «أتبعهم وتبعهم» واحد ، وذلك جائز (٨) ويحتمل أن تكون الباء زائدة ، أي أتبعهم فرعون جنوده (٩) كقوله : (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي)(١٠)(أَسْرى بِعَبْدِهِ)(١١)(١٢)(١٣).

وقال غيره (١٤) : في باء «بجنوده» أوجه :

أحدها (١٥) : أن تكون الباء للحال ، وذلك على أن (أتبع) متعد (١٦) لاثنين حذف ثانيهما ، والتقدير : فأتبعهم فرعون عقابه (١٧) ، وقدّره أبو حيّان : رؤساءه وحشمه (١٨).

قال شهاب الدين : والأول أحسن (١٩).

__________________

 ـ إذا العجوز غضبت فطلّق

ولا ترضّاها ولا تملّق

وقيل : إن الجزم بحذف الحركة وإبقاء حرف العلة على حاله انظر اللباب ٥ / ٦٨.

(١) في ب : العلة. وهو تحريف.

(٢) انظر الكشاف ٢ / ٤٤٢ ، البيان ٢ / ١٥١ ، التبيان ٢ / ٨٩٩ ، البحر المحيط ٦ / ٢٦٤.

(٣) من قوله تعالى : «يَوْمَ نقلب وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا» [الأحزاب : ٦٦].

(٤) و : سقط من ب.

(٥) من قوله تعالى : «وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا» [الأحزاب : ٦٧].

(٦) من قوله تعالى : «[الأحزاب : ١٠] وذلك أن نافعا وابن عامر وأبو بكر قرأوا بالألف في الثلاثة في الوصل والوقف. وكذلك حفص وابن كثير والكسائي غير أنهم يحذفون الألف في الوصل ، وحجة من قرأ بهذه القراة موافقة الفواصل ورؤوس الآي. انظر الكشف ٢ / ١٩٤ ـ ١٩٥.

(٧) انظر التبيان ٢ / ٨٩٩.

(٨) فتكون الباء معدية : لأن أتبع مثل تبع يتعدّى إلى واحد ، فإذا تعدّى إلى الثاني يكون بواسطة حرف التعدية وهو الباء. وانظر فعلت وأفعلت للزجاج (١٢). والفخر الرازي ٢٢ / ٩٣.

(٩) وهي زائدة في المفعول الثاني ، وذلك على أن أتبع يتعدّى إلى اثنين ، فتكون الهمزة هي المعدية.

(١٠) من قوله تعالى : «قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي» [طه : ٩٤].

(١١) من قوله تعالى : «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» [الإسراء : ١].

(١٢) الفخر الرازي ٢٢ / ٩٣.

(١٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٤) في ب : وقال بعضهم.

(١٥) في ب : الأول.

(١٦) في ب : متعدي.

(١٧) انظر التبيان ٢ / ١٥١ ، والتبيان ٢ / ٨٩٩.

(١٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٦٤.

(١٩) الدر المصون ٥ / ٣٤.

٣٣٦

والثاني (١) : أن الباء زائدة في المفعول الثاني (٢). والتقدير : فأتبعهم فرعون جنوده ، كقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ)(٣).

٣٦٨٤ ـ (..........

 ....... لا يقرأن بالسّور(١٤)(٥)

وأتبع قد جاء متعديا (٦) لاثنين مصرح بهما قال تعالى : وأتبعناهم ذرياتهم (٧).

والثالث (٨) : أنها معدية (٩) على أن «أتبع» ، قد يتعدى لواحد بمعنى (١٠) تبع ويجوز على هذا الوجه (١١) أن تكون الباء للحال أيضا ، بل هو الأظهر. وقرأ أبو عمرو في رواية (١٢) والحسن «فاتّبعهم» بالتشديد ، وكذلك قراءة الحسن في جميع القرآن إلا في قوله : (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ)(١٣). قوله : (ما غَشِيَهُمْ) فاعل «غشيهم» (١٤) وهذا من باب الاختصار وجوامع الكلم أي (١٥) : ما يقل لفظها ويكثر معناها ، أي فغشيهم ما لا يعلم كنهه إلا الله تعالى (١٦) وقراءة الأعمش «فغشّاهم» مضعّفا (١٧) ، وفي الفاعل حينئذ (١٨) ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه «ما غشّاهم» كالقراءة قبله ، أي غطّاهم من اليمّ ما غطّاهم.

والثاني (١٩) : هو ضمير الباري تعالى. أي : فغشّاهم (٢٠) الله.

__________________

(١) في ب : الثاني.

(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٦٤.

(٣) في ب :«وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» [البقرة : ١٩٥]. لأن الباء زائدة يقال : ألقى يده ، وألقى بيده. انظر التبيان ١ / ١٥٩.

(٤) جزء من بيت من بحر البسيط يروى لشاعرين متعاصرين : أحدهما الراعي النميري ، والآخر القتال الكلابي. وتمامه :

هنّ الحرائر لا ربّات أخمرة

سود المحاجر لا يقرأن بالسور

والبيت في مجالس ثعلب ١ / ٣٠١ ، المخصص ١٤ / ٥٧٠ ، ابن يعيش ٨ / ٢٣ ، المغني ١ / ٢٩ ، ١٠٩ ، ٢ / ٦٧٥ ، وشرح شواهده ١ / ٩١ ، ٣٣٦ ، والخزانة ٩ / ١٠٧.

(٥) ما بين المعقوفين سقط من ب.

(٦) في ب : وقد أتبع قد يجيء متعديا. وهو تحريف.

(٧) من قوله تعالى : «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ» [الطور : ٢١] وأتبعناهم ذرياتهم قراءة أبي عمرو السبعة ٦١٢.

(٨) في ب : الثالث.

(٩) في ب : متعدية.

(١٠) انظر التبيان ٢ / ٨٩٩. فيكون تعدى إلى الثاني بواسطة الباء.

(١١) الوجه : سقط من ب.

(١٢) هي رواية أبي عبيد. انظر السبعة ٤٣٢ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٦٣.

(١٣) [الصافات : ١٠]. وانظر البحر المحيط ٦ / ٢٦٤.

(١٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٦٤.

(١٥) في النسختين : إلى. والصواب ما أثبته.

(١٦) انظر الكشاف ٢ / ٤٤٢.

(١٧) المختصر : ٨٨ ، والبحر المحيط ٦ / ٢٦٤.

(١٨) في ب : صفة. وهو تحريف.

(١٩) في ب : وثانيها.

(٢٠) في ب : غشاهم.

٣٣٧

والثالث (١) : هو ضمير فرعون ، لأنه السبب في إهلاكهم (٢).

وعلى هذين الوجهين : ف «ما غشّاهم» في محل نصب مفعولا ثانيا (٣).

فصل

قيل (٤) : أمر فرعون جنوده أن يتبعوا (٥) موسى وقومه (٦) ، وكان هو فيهم «فغشيهم» أصابهم (مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) ، وهو الغرق.

وقيل : «غشيهم» علاهم وسترهم (٧)(مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) يريد بعض ماء اليم لا كلّه.

وقيل : غشيهم من اليمّ ما غشي (٨) قوم موسى فغرقوا هم ونجا موسى وقومه (٩).

قوله (١٠)(وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى) أي بما أرشدهم ، وهذا تكذيب لفرعون ، وتهكم به في قوله : (وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ)(١١) احتج القاضي بقوله : (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ) وقال : لو كان الضلال من خلق الله لما جاز أن يقال : (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ) بل وجب أن يقال : «الله أضلّهم» (١٢) ، لأن الله ذمّه بذلك (١٣) ، فكيف يكون خالقا للكفر ، لأنّ من ذمّ غيره بشيء لا بد وأن يكون المذموم هو الذي فعله وإلا استحق (١٤) الذم (١٥).

فصل

قال ابن عبّاس (١٦) : لمّا أمر الله تعالى موسى أن يقطع بقومه (١٧) البحر ، وكان بنو (١٨) إسرائيل استعاروا من قوم فرعون الحليّ والدواب لعيد يخرجون إليه ، فخرج بهم

__________________

(١) في ب : وثالثها.

(٢) والأوجه الثلاثة في الفاعل في الكشاف ٣ / ٤٤٢.

(٣) لأن الفعل قد استوفى فاعله.

(٤) من هنا نقله ابن عادل من تفسير البغوي ٥ / ٤٤٧.

(٥) في ب : أن يتبعهم. وهو تحريف.

(٦) في ب : وقوله. وهو تحريف.

(٧) في ب : وقيل : غشاهم وسترهم.

(٨) في ب : غشاهم من اليم بل غشّى. وهو تحريف.

(٩) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٤٤٧.

(١٠) قوله : سقط من الأصل.

(١١) من قوله تعالى : «يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ» [غافر : ٢٩].

(١٢) في ب : ضلهم.

(١٣) في ب : وأن الله تعالى ذمّهم بذلك أي ذمه بذلك. وهو تحريف.

(١٤) في ب : يستحق.

(١٥) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٩٣.

(١٦) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٩٣ ـ ٩٤.

(١٧) في ب : بقوله. وهو تحريف.

(١٨) في النسختين بنوا. والصواب ما أثبته.

٣٣٨

ليلا. وكان يوسف عليه‌السلام (١) عهد إليهم عند موته أن يخرجوا (٢) بعظامه (٣) معهم من مصر ، فلم يعرفوا مكانها حتى دلتهم عجوز على موضع العظم فأخذوه ، وقال موسى عليه‌السلام (٤) للعجوز : احتكمي. فقالت : أكون معك في الجنة. فلما خرجوا تبعهم فرعون ، فلما انتهى موسى إلى البحر ، (قال : هنا أمرت ، فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر) (٥) ، فضربه فانفلق ، فقال لهم موسى : ادخلوا فيه قالوا : كيف وهي رطبة؟ فدعا ربّه فهبت عليهم الصبا فجفت (٦). فقالوا : نخاف الغرق في بعضنا ، فجعل بينهم كوى (٧) حتى يرى بعضهم بعضا ، ثم دخلوا حتى جازوا (٨) ، وأقبل فرعون إلى تلك الطرق ، فقال له قومه : إنّ موسى قد سحر البحر كما ترى ، وكان على فرس حصان فأقبل جبريل عليه‌السلام (على فرس أنثى في ثلاثة وثلاثين من الملائكة ، فصار جبريل عليه‌السلام بين يدي فرعون) (٩). فأبصر الحصان الفرس فاقتحم بفرعون على أثرها ، وصاحت الملائكة في الناس الحقوا حتى إذا دخل آخرهم ، وكاد أولهم أن يخرج (١٠) التقى البحر عليهم ، فغرقوا ، فرجع بنو إسرائيل حتى ينظروا إليهم ، وقالوا : يا موسى ادع الله أن (١١) يخرجهم لنا (حتى ننظر إليهم) (١٢) ، فلفظهم البحر إلى الساحل وأصابوا من سلاحهم.

قال ابن عبّاس : إنّ جبريل عليه‌السلام (١٣) قال : يا محمد لو رأيتني وأنا أدسّ فرعون في الماء والطين مخافة أن يتوب. فهذا معنى (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ)(١٤). قال (١٥) ابن الخطيب : وفي القصة أبحاث :

الأول : قال بعض المفسرين : إن موسى لما ضرب البحر انفرق اثنا عشر طريقا يابسا ، وبقي الماء قائما بين الطريقين كالطود العظيم وهو الجبل ، فأخذ كلّ سبط (١٦) من بني إسرائيل في طريق ، وهو معنى قوله تعالى : (فَكانَ (١٧) كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)(١٨)

__________________

(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٢) في الأصل : خرجوا. وهو تحريف.

(٣) في ب : لعظامه. وهو تحريف.

(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(٦) في ب : فجففت. وهو تحريف.

(٧) كوى جمع كوّة : الخرق في الحائط والثقب في البيت ونحوه. اللسان (كوى).

(٨) في الأصل : جاز. وهو تحريف.

(٩) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي ، وفي الأصل : فرعون بين. وفي ب : من يدي فرعون. وهو تحريف.

(١٠) في ب : أن يقرب من الخروج.

(١١) أن : تكملة من الفخر الرازي.

(١٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٣) عليه‌السلام : سقط من ب.

(١٤) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٩٣ ـ ٩٤.

(١٥) في ب : فصل قال.

(١٦) السّبط : الفرقة.

(١٧) في الأصل : نصار. وهو تحريف. وفي ب : فانفلق فكان ...

(١٨) [الشعراء : ٦٣].

٣٣٩

ومنهم من قال : إنّما حصل طريق واحد (١) لقوله : (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً) ويمكن حمله على الجنس.

الثاني : أن قول بني إسرائيل بعد أن أظهر الله لهم الطرق وبينها تعنتوا وقالوا نريد أن يرى بعضنا بعضا فهذا كالبعيد ، لأن القوم لما أبصروا مجيء فرعون صاروا في نهاية الخوف (٢) ، والخائف إذا وجد طريق الفرار والخلاص كيف يتفرغ للتعنت البارد (٣).

الثالث : أنّ فرعون كان عاقلا بل كان في نهاية الدهاء (٤) فكيف اختار إلقاء نفسه في التهلكة (٥) ، فإنه كان يعلم من نفسه أن انفلاق (٦) البحر ليس بأمره ، وذكروا (٧) عند هذا وجهين (٨) :

أحدهما : أنّ جبريل ـ عليه‌السلام ـ كان على الرّمكة (٩) فتبعه فرس فرعون. ولقائل أن يقول : هذا بعيد ، لأنه يبعد أن يكون خوض الملك في أمثال هذه المواضع مقدما على خوض جميع العسكر. وأيضا فلو كان الأمر على ما قالوا لكان فرعون في ذلك الدخول كالمجبور ، وذلك مما يزيده خوفا ، ويحمله عن الإمساك على الدخول. وأيضا : فأيّ حاجة لجبريل عليه‌السلام إلى هذه الحيلة ، وقد كان يمكنه أن يأخذه مع فرسه ويرميه في الماء ابتداء؟ بل الأولى أن يقال : إنه أمر مقدمة العسكر بالدخول فدخلوا وما غرقوا (١٠) فغلب على ظنه السلامة ، فلما دخل (١١) أغرقهم الله.

الرابع : أن قولهم عن جبريل إنه كان يدسه في الماء والطين خوفا من (١٢) أن يؤمن فبعيد ، لأن المنع من الإيمان لا يليق بالملائكة والأنبياء.

الخامس : روي أن موسى عليه‌السلام (١٣) كلّم البحر فقال انفلق (١٤) لي لأعبر (١٥) ، فقال البحر : لا يمرّ عليّ رجل عاص. وهذا (١٦) غير ممتنع على أصول أهل السنة ، لأن عندهم البنية ليست شرطا للحياة ، وعند المعتزلة أن ذلك على لسان الحال لا على (١٧) لسان المقال (١٨).

__________________

(١) في ب : واحد.

(٢) في ب : شدة.

(٣) في ب : كيف يتخلص ويتفرغ للتعنف البارد. وهو تحريف.

(٤) في ب : الدعاء. وهو تحريف.

(٥) في التهلكة : سقط من ب.

(٦) في ب : انقلاب. وهو تحريف.

(٧) في ب : ذكروا.

(٨) في ب : بوجهين. وهو تحريف.

(٩) الرّمكة : الفرس والبرذونة التي تتخذ للنسل ، معرب والجمع رمك وأرماك جمع الجمع الجوهري : الرّمكة :

الأنثى من البراذين ، والجمع رماك ورمكات وأرماك (عن الفراء) مثل ثمار وأثمار. اللسان (رمك).

(١٠) في ب : وما عرفوا. وهو تصحيف.

(١١) في ب : فلمّا دخلوا. وهو تحريف.

(١٢) من : سقط من الأصل.

(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٤) في ب : الفرق. وهو تحريف.

(١٥) في ب : لا غيره. وهو تحريف.

(١٦) في ب : وهو.

(١٧) في ب : لا على سبيل.

(١٨) الفخر الرازي ٢٢ / ٩٤.

٣٤٠